الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْعِدَدِ
عِدَّةُ النِّكَاحِ ضَربَانِ: الأوَّلُ مُتَعَلِّقٌ بِفُرقَةِ حَيٍّ بِطَلَاقٍ أو فَسخٍ، وَإنمَا تَجِبُ بَعدَ وَطءٍ
ــ
كتاب العدد
واحدها عدة، وهي في الشرع: اسم لمدة معدودة تتربص بها المرأة؛ لتعرف براءة الرحم، وذلك يحصل بالولادة والأقراء والأشهر، واشتقاقها من العدد، وشرعت صيانة للأنساب وحفظًا لها من الاختلاط رعاية لحق الزوجين والولد، والمغلب فيها التعبد.
والأصل فيها: الإجماع والآيات والأخبار الآتية في الباب.
قال: (عدة النكاح ضربان)؛ لأنها قد تتعلق بالنكاح ووطء الشبهة، وهي المشهورة باسم الاستبراء، فلذلك عقبها به.
قال: (الأول متعلق بفرقة حي بطلاق أو فسخ)؛ بقوله تعالى: {والْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} والفسخ في معنى الطلاق، وكذلك اللعان صرح به في (المحرر) و (الروضة) ، وحذفه المصنف؛ لدخوله في الفسخ، ولئلا يوهم أن فرقته ليست فرقة فسخ، لكن يرد عليهما وطء الشبهة.
وخرج بقوله: (وإنما تجب بعد الوطء) فإن طلقت قبله .. لم تجب؛ لقوله تعالى: إذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِن عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} ، وسواء كان الوطء في حال الصبا أو بعده، وسواء كان الواطئ مختارًا أو مكرهًا، عاقلًا أو مجنونًا، في القبل أو الدبر، وفي الدبر وجه.
وضبط المتولي الوطء بكونه لا يوجب الحد على الواطئ، ليدخل وطء الشبهة
أو استِدخَالِ مَنِّيهِ وَإن تَيَّقَنَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ، لَا بِخَلوَةٍ فِي الجَدِيدِ
ــ
والنكاح الفاسد، قال: حتى إن المجنون لو زنى بعاقلة .. يجب عليها العدة؛ لأن الجنون أبلغ في العذر من الغلط، وكذا المراهق إذا زنى بامرأة .. عليها العدة، وكذا المكره على الزنا؛ لأنا جعلناه عذرًا في إسقاط الحد فصار الماء محترمًا.
قال: (أو استدخال منيه) فيقوم مقام الدخول في وجوب العدة، وكذا في ثبوت النسب؛ لأنه أقرب إلى العلوق من تغييب الحشفة، ولا اعتبار بقول الأطباء: إن المني إذا ضربه الهواء .. لا ينعقد منه ولد؛ فإن الله على كل شيء قدير.
وفي وجه: أن الاستدخال لا يوجب العدة؛ إعراضًا عن النظر إلى شغل الرحم، وإدارة للحكم على الإيلاج.
وحكى الماوردي عن الأصحاب: أن شرط وجوب العدة ولحوق النسب باستدخال ماء لزوج: أن يوجد الإمزال والاستدخال معًا في الزوجية، فلو أنزل ثم تزوجها فاستدخلت الماء .. لم تجب العدة ولم يلحق الولد.
ولو أنزل وهي زوجة ثم أبانها واستدخلت .. لم تجب ولم يلحق. اهـ
ويشترط أن يكون إنزاله الماء يسبب محترم، فلو أنزله بزنا فاستدخلته زوجته .. لم تجب العدة، واستدخالها مني من تظنه زوجًا كوطء الشبهة، قاله الرافعي هنا، وفيه نظر؛ فإن الاعتبار في وجوب العدة بالاشتباه عليه لا عليها.
قال: (وإن تيقن براءة الرحم) هذا متعلق بقوله: (بعد وطء) أي: وإن تيقنا أن الوطء غير شاغل للرحم كوطء صبي في سن لا يولد له أو طفلة لا تحبل؛ لعموم قوله تعالى: {مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} فيكفي جريان سبب الشغل وهو الإيلاج؛ لظهوره، لا الشغل وهو المني؛ لخفائه.
قال: (لا بخلوة في الجديد)؛ للآية المتقدمة، سواء باشرها فيما دون الفرج أم لا؛ لأن القصد من العدة معرفة البراءة، وهي منتفية مه انتفاء المظنة، وفي القديم قولان:
أحدهما: أن الخلوة توجبها؛ لقول عمر وعلي: إذا أغلق بابًا وأرخي سترًا .. فلها الصداق كاملًا وعليها العدة.
وَعِدَّةُ حُرَّةٍ ذَاتِ أَقرَاءٍ ثَلَاثَةٌ – وَالقَرءُ: الطُّهرُ -
ــ
والثاني: أنها ترجيح قول مدعي الوطء.
وزوجة الممسوح لا عدة عليها بناء على الأصج: أن الولد لا يلحقه.
قال: (وعدة حرة ذات أقراء ثلاثة)؛ لقوله تعالى {والْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} ، وسواء في ذلك المختلعة وغيرها؛ لما روى أبو داوود والحاكم والبيهقي [7/ 450] عن ابن عمر أنه قال:(عدة المختلعة عدة المطلقة) وهو قول سعيد بن المسيب وسعيد بن يسار والزهري والشعبي وجماعة.
وأما ما رواه عكرمة عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة .. فجوابه: أن عبد الرازق [11858] أرسله عن معمر، وبه قال أحند وابن اللبان الفرضي، وأجاب البيهقي [7/ 450] بأن ظاهر القرآن في عدة المطلقات يتناولها وغيرها، فهو أولى.
وشملت عبارة المصنف: ما إذا شربت دواء حتى حاضت، وهو كذلك، كم تسقط الصلاة عنها به.
وروي عن سعيد بن منصور عن ابن عمر: أنه سئل تشرب الدواء ليرتفع حيضها حتى تطوف وتنفر .. فلم ير بذلك بأسًا، وبعث لهن ماء الأراك.
قال: (والقرء: الطهر)؛ لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ؛ أي: في زمن عدتهن كقوله تعالى: {ونَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ} .
وقال صلى الله عليه وسلم لما طلق ولده امرأته وهي حائض: (مره فليراحعها) إلى أن قال: (ثم إن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) فدلت الآية والخبر على الإذن في الطلاق في العدة، ومعلوم: أن الطلاق في الحيض حرام.
واقتدى الشافعي في ذلك بزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وابن عباس وعائشة
إن طُلِّقَت طَاهِرًا .. انقَضَت بِالطَّعنِ في حَيضَةٍ ثَالِثَةٍ، أَو حَائِضًا .. فَفِي رَابِعَةٍ، وَفي قَولٍ: يُشتَرَطُ يَومٌ وَلَيلَةٌ بَعدَ الطَّعنِ
ــ
رضي الله عنهم، واستدل الماوردي وغيره من العراقيين بأن الله تعالى أثبت الهاء فيها، والهاء إنما تثبت في جمع المذكر دون جمع المؤنث، فقال: ثلاث حيض وثلاثة أطهار، وهو استدلال ضعيف.
وكان الشافعي يرى أولًا أنه الحيض، وأبة عبيد القاسم بن سلام يرى أنه الطهر، فتناظرا فلم يزل كل واحد منهما يقرر قوله حتى انتحل كل منهما مذهب الآخر، وهذا يقتضي أن يكون للشافعي قول جديد أو قديم يوافق مذهب أبي حنيفة.
واختلف أهل اللغة فيه، فقبل: إنه حقيقة في الطهر مجاز في الحيض، وقيل عكسه، والأصح عندنا: أنه مشترك بينهما، وحكى ابن الحاجب فيه إجماع أهل اللغة، والمشهور عندهم: فتح قافه، ويجوز ضمها، ومن جعل الفتح للطهر والضم للحيض لا تحقيق عنده.
قال: (فإن طلقت طاهرًا .. انقضت بالطعن في حيضة ثالثة)؛ لأن بعض الطهر وإن قل يصدق عليه اسم قرء.
قال: (أو حائضًا .. ففي رابعة)؛ لأن الظاهر أن الذي ظهر فيكون الطهر قبله قد كمل، فانقضت العدة بالثلاثة الأقراء.
وروي ذلك عن عائشة وزيد بن ثابت وعثمان وابن عمر، ولأن الشيئين وبعض الثالث يطلق عليها أشياء، قال تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} والمراد شوال وذو القعدة وبعض ذي الحجة، فلا فرق في الاعتداد بالبقية بين أن يكون قد جامعها فيه أو لم يجامعها، فإن قيل: إطلاق الثلاث على ذلك مجاز .. قلنا: يتعين الحمل عليه هنا؛ لأن المنع من الطلاق في الحيض إنما كان لئلا تطول عدتها، وسواء جامعها في ذلك الطهر أم لا.
قال: (وفي قول: يشترط يوم وليلة) أي: (بعد الطعن) في الحيضة الثالثة؛ لجواز أن يكون ذلك دم فساد فلا تنقضي بالشك، والأصح: أنا نتبين بذلك الانقضاء لا أنه من نفس العدة، فلا تصح فيه الرجعة ويصح نكاحها غيره.
وهَل يُحسَبُ طُهرُ مَن لَم َتِحض قِرءًا؟ قَولَانِ؛ بِنَاءً عَلى أَنَّ القَرءَ انِتَقالٌ مِن طُهرٍ إلَى حَيضٍ، أَم طُهرٌ مَحتَوَشٌ بِدَمينِ؟ والثَّانِي: أَظهَرُ
ــ
وقيل: إن رأت الدم لعادنها .. انقضت، وإلا .. فبمضي يوم وليلة تحكيمًا للعادة.
وعلى الصحيح: لو انقطع لدون بوم وليلة ولم يعد حتى مضت خمسة عشر .. تبين عدم الانقضاء.
تنبيه:
قوله: (فإن طلقت طاهرًا .. انقضت بالطعن في حيضة ثالثة) محمول على ما إذا بقي من الطهر بعد وقوع الطلاق بقية، أما إذا لم يبق بأن انطبق آخر لفظ الطلاق على آخر الطهر – ويتصور ذلك بأن يقول: أنت طالق في آخر طهرك أو يقع ذلك اتفاقًا- فالأصح/ أنه لا يعتد به، ولم يذكر المصنف حكم النفاس، وظاهر عبارة (الشرح) و (الروضة) في (باب الحيض) وفي اجتماع عدتين: أنه لا يحسب.
قال: (وهل يحسب طهر من لم نحض قرءًا؟ قولان؛ بناء على أن القراء انتقال من طهر إلى حيض، أو طهر محتوش بدمين) أشار إلى أن في المراد ب (الطهر) المفسر به القرء قولين:
أحدهما: أنه الانتقال من الطهر إلى الحيض؛ أخذا من قولهم: قرأ المجم إذا طلع، وقرأ إذا غاب، وقد يقال: قرأ إذا انتقل من برج إلى برج.
والثاني: المعتبر طهر محتوش بدمبن لا مجرد الانتقال من الطهر إلى الحيض، وفي هذه الحالة يحصل معنى الجمع والضم.
وحكاية الخلاف قولين تابع فيه (المحرر) وهو في (الشرح) و (الروضة) وجهان، وقالا في الكلام السمي والبدعي: إنه قولان، وقيل: وجهان من غير ترجيح.
قال: (والثاني: أظهر)؛ لأن في القرء معنى الجمع، قال الرافعي: لكنه يخالف ما قاله الأكثرون فيما إذا قال لمن لم تحض قط: أنت طالق في كل قرء طلقة ..
وَعِدَّةُ مُستَحَاضَةٍ: بِأقرَائِهَا المرَدُودَةِ إليهَا. وَمُتَحيِّرَةٍ: بِثَلَاثَةِ أَشهُرٍ فِي الحَالِ، وَقِيلَ: بَعدَ اليَأس .....
ــ
أنها تطلق في الحال، ثم أجاب باحتمال أن ترجيحهم في هذا المعنى يخصها لا لرجحان القول بأن القرء هو الانتقال، وثمرة القولين تظهر في صغيرة اعتدت بالأشهر فحاضت في أثنائها، وفيما إذا قال: أنت طالق في آخر طهرك، أو وقع ذلك اتفاقً.
و (المحتوش) بفتح الواو: الذي اكتنفه دمان، وعبر المصنف (بدمين) ليشمل ما بين الحيض والنفاس، إلا أن تعبيره في الأزل بالحيض دون الدم يقتضي أن النفاس لا يكون كذلك.
وعلم من قوله: (من طهر إلى حيض) أن الانتقال من الحيض إلى الطهر ليس بقرء، ولا خلاف فيه، والفرق – كما قال المتولي – أن الحيض لا يدل على براءة الرحم؛ فإن الغالب أن الحامل لا تحيض، ومقصود العدة البراءة، ثم إنهم لا يعنون على القولين بالطهر المحتوش أم يكفي الانتقال؟
قال: (وعدة مستحاضة: بأقرائها المردودة إليها) فالمعتادة ترد إلى عادتها والمميزة إلى التمييز والمبتدأة إلى الأقل أو الغالب، قال الرافعي: وشهرها ثلاثون يومًا، ويمكن اعتبار بالأهلة، وأشار إليه مشيرون.
قال: (ومتحيرة: بثلاثة أشهر في الحال)؛ لأن للمرأة في كل شهر حيضًا وطهرًا غالبًا، وصبرها إلى سن اليأس فيه مشقة عظيمة، ولأنها مرتابة فدخلت في قوله تعالى:{إنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} ، ويخالف الاحتياط في العبادات؛ لأن المشقة فيها لا تعظم.
قال: (وقيل: بعد اليأس)؛ لأنها متوقعة الحيض ما لم تيأس، وقيل: بعد
وَأُمٍّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبَةِ وَمَن فِيهَا رِق: بِقَرأَينِ، وَإِن عَتَقَت فِي عِدَّةِ رَجعَيةٍ .. كَمَّلَت عِدَّةَ حُرَّةٍ فِي الأظهَرِ،
ــ
أربع سنين، وقيل: بعد تسعة أشهر، وهذا مفرغ على وجوب الاحتياط عليها؛ وهو الصحيح.
كل هذا إذا لم تحفظ دورها، فإن حفظته .. اعتدت بثلاثة أدوار منه، سواء كان أكثر من ثلاثة أشهر أو أقل؛ لاشتماله على ثلاثة أطهار.
وكذا لو شكت في قدر أدواره لكن قالت: أعلم أنها لا تجاوز سنة مثلًا .. أخذت بالأكثر، وتجعل السنة دورها، قاله الدارمي، ووافقه في (شرح المهذب) ثم قال: والعمل على ما قاله الجمهور من الاعتداد بثلاثة أشهر، وقد ينازع في تسميتها متحيزة في هاتين الصورتين.
قال: (وأم ولد ومكاتبة ومن فيها رق: بقرأين)؛ لما تقدم في الطلاق من قول عمر رضي الله عنه: (العبد يطلق تطليقتين، وتعتد الأمة بقرأين).
وأما حديث: (تعتد الأمة بقرأين) فضعيف ولا يعتد بقول الإمام والغزالي: إنه صحيح؛ فقد قال الدارقطني [4/ 39]: إنه منكر غير ثابت، ولأن الأمة على النصف من الحرة في القسم والحد فكذا هنا، لكن القرء لا يتبعض فكمل الثاني كما في الطلاق، وسواء طلقت أو وطئت في نكاح فاسد أو في شبهة نكاح، فلو وطئت في شبهة ملك .. استبرأت بقرء.
فإن قيل: الأمور الجبلية لا يختلف فيها الحال بين الحرائر والإماء .. فجوابه: أن العدة شرعت لتيقن براءة الرحم بحيضة، وذلك يحصل بحيضة، ولكن احتيط في أمرها فزيد في الحرة في الاحتياط ما لم يزد في الأمة، فكان في الأمة قرءان وفي الحرة ثلاثة.
قال: (وإن عتقت في عدة رجعية .. كملت عدة حرة في الأظهر)؛ لأن الرجعية كالمنكوحة في أكثر الأحكام، وكأنها عتقت قبل الطلاق.
والثاني: تتم عدة أمة؛ نظرًا لوقت الوجوب.
أَو بَينُونَةٍ .. فَأَمَةٍ فِي الأظهَرِ. وَحُرَّةٍ لَم تَحِض أَو يَئِسَت: بِثَلاثَةِ أَشهُرٍ، ......
ــ
قال: (أو بينونة .. فأمة في الأظهر)؛ لأن البائن كالأجنبية.
والثاني: تتم عدة حرة اعتبارًا بوجود الكاملة قبل تمام الناقصة، وقيل: تتم عدة الحرائر بائنًا كانت أو رجعية – وبه قال المزني – لأنه وجب سبب العدة الكاملة في أثناء العدة الناقصة فينتقل إليها كما لو رأت الدم في خلال الأشهر، وإنما اعتبرت بالهلال؛ لأن المواقيت الشرعية تدور عليه، فالخلاف كله ثلاثة أقوال:
- تتم عدة حرة مطلقًا.
- أمة مطلقًا.
- التفصيل بين البائن والرجعية، ولا ترجيح في (المحرر) فيها ولا في (الشرح).
والذي رجحه العراقيون وغيرهم: أنها تكمل عدة حرة مطلقًا، وهو منصوص (الأم) ، ويترجح بأن الاحتياط للعدة مطلوب شرعًا، أما إذا عتقت مع الطلاق بأن علق طلاقها وعتقها على شيء واحد .. فتجب عدة حرة بلا خلاف، قاله الماوردي.
واحترز المصنف عن التي عتقت في عدة الوفاة .. فالأصح: أنها تكمل عدة الإماء، ولا ترد على المصنف؛ لأن كلامه في فراق الحي.
قال: (وحرة لم تحض أو يئست: بثلاثة أشهر)؛ لقوله تعالى: {واللَاّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ واللَاّئِي لَمْ يَحِضْنَ} أي: فعدتهن كذلك، فحذف المبتدأ والخبر من الثاني لدلالة الأول عليه.
ودخل في قوله: (لم تحض) الصغيرة والكبيرة التي لم تحض ولم تبلغ سن اليأس كبنت ثلاثين سنة، وعدتها بالأشهر بلا خلاف، وقد أهملها (المحرر) وكثيرون، ففي عبارة المصنف ثلاثة فوائد: موافقة القرآن، والإختصار، وبيان مسألة مهمة، قاله في (الدقائق).
ويدخل في عبارته أيضًا رابعة وهي التي ولدت ولم تر دمًا ولا نفاسًا، فهل هي كمن انقطع حيضها بلا سبب أو تعتد بثلاثة أشهر؟ الأصح: ثلاثة أشهر.
وإذا كانت المجنونة ممن تحيض وعرف حيضها .. فعدتها به، وإلا .. فكالمتحيرة، وما وقع في (الشرح) و (الروضة) من أن المجنونة تعتد بالأشهر .. مردود.
فَإِن طُلِّقَت فِي أَثنَاءِ شَهرٍ .. فَبعدَهُ هِلَالَانِ وَتُكمِلُ المُنكَسِرَ ثَلاثِينَ، فَإِن حَاضَت فِيهَا .. وَجَبَتِ الأقرَاءُ، وَأمَةٍ: بِشَهرٍ وَنِصفٍ، وفي قَولٍ: شَهرَانِ، وَفِي قَولٍ: بِثَلاثًةٍ. وَمَنِ انقَطَعَ دَمُهَا لِعِلَّةٍ كَرَضَاعٍ وَمَرَض ٍ .. تَصبِرُ حَتَّى تَحِيضُ، أَو تَيأَسَ .. فَبِالأشهُرِ،
ــ
قال: (فإن طلقت في أثناء شهر .. فبعده هلالان وتكمل المنكسر ثلاثين) سواء كان المنكسر كاملًا أو ناقصًا، وقال ابن بنت الشافعي: إذا انكسر شهر .. انكسر الجميع فتعتد بتسعين يومًا، وقد تقدم في (السلم) فيه إشكال مشهور يأتي هنا.
قال: (فإن حاضت فيها .. وجبت الأقراء)؛ لقدرتها على الأصل قبل الفراغ من البدل فانتقلت إليه كالمتيمم إذا وجد الماء في أثناء التيمم، لكن يشكل على هذا ما لو استطاع الرقبة في الكفارة وهو أثناء الصوم كما تقدم.
وإذا قلنا بوجوب الأقراء .. فهل يحسب ما مضى في حق الصغيرة قرءًا أو لا؟ الصحيح: عدم الاحتساب كما صرح به في (تصحيح التنبيه).
قال: (وأمة: بشهر ونصف)؛ لإمكان التوزيع بخلاف الأقراء، وكما أنها تعتد عن الوفاة بشهرين وخمس ليال.
قال: (وفي قول: شهران)؛ لأنها بدل عن القرأين.
قال: (وفي قول: بثلاثة)؛ لعموم الآية، ولأنه أقل زمان يظهر فيه الاستبراء؛ فإن الولد يتخلق في ثمانين يومًا ثم يتبين الحمل بعد ذلك، وما يتعلق بالطبع لا يختلف في الحكم بين الحرائر والإماء كما تقدم، وصححه المحاملي وسليم والروياني، وهو أقيس والأول أحوط، وعن أحمد ثلاث روايات كالثلاثة أقول.
قال: (ومن انقطع دمها لعلة كرضاع ومرض .. تصبر حتى تحيض) ي: فتعتد بالأقراء (أو تيأس .. فبالأشهر) ولا تبالي بطول المدة؛ لأن الله تعالى لم يجعل الاعتداد بالأشهر إلا للتي لم تحض والآيسة، وهذه ليست واحدة منهما، ولأنها ترجو عود الدم فأشبهت من انقطع دمها لعارض أو مرض.
وقد تقدم ما رواه مالك [2/ 572] والبيهقي [7/ 419] عن حبان بن منقذ: أنه طلق
أَو لَا لِعِلَّةٍ .. فَكَذَا في الجَدِيدِ، وَفِي القَدِيمِ: تَتَربَصُ تِسعَةَ أشهُرٍ، وَفِي قَولٍ: أَربَعَ سِنِينَ ثُم تَعتَدُّ بِالأشهُرِ
ــ
امرأته طلقة واحدة، وكانت لها بنية صغيرة ترضعها فتباعد حيضها، فمرض حبان فقيل له: إنك إن مت ورثتك فمضى إلى عثمان وعنده علي وزيد رضي الله عنهم، فسأله عن ذلك فقال لعلي وزيد: ما تريان؟ قالا: ترى أنها إن ماتت .. ورثتها وإن من .. ورثتك؛ لأنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض ولا من اللائي لم يبلغن المحيض، فرجع حبان إلى أهله فانتزع البنت منها فعاد إليها الحيض فحاضت حيضتين، فمات حبان قبل انقضاء الثالثة فورثها عثمان رضي الله عنهم.
قال: (أو لا علة .. فكذا في الحديد)؛ لأن الأشهر شرعت للتي لم تحض والتي أيست وهذه غيرهما، ولأنها ترجو عود الدم فلم تعتد بالأشهر قبل سن اليأس كالتي انقطع دمها لعارض.
قال: (وفي القديم: تتربص تسعة أشهر)؛ ليعرف فراغ الرحم لأن الغالب أن الحمل لا يمكث في البطن أكثر من ذلك، ثم تعتد بثلاثة أشهر، وإلى هذا ذهب مالك وأحمد، مستدلين بأن ابن عمر قضى به بين المهاجرين والأنصار ولم ينكر عليه أحد، قال البارزي: وقد أفتيت به لما فيه من دفع الضرر الشديد عن النساء بالصبر إلى اليأس لا سيما الشواب، ولأن المستحاضة المتحيرة التي أمرناها بالاحتياط تعتد بثلاثة أشهر.
قال: (وفي قول: أربع سنين)؛ لأنها أكثر مذة الحمل، وهذا قديم أيضًا، وخرج على القديم قول: أنها تتربص ستة أشهر، وحاصل القديم: أنها تصبر مدة الحمل لكن غالبه أو أكثره أو أقله.
قال: (ثم تعتد بالأشهر) أي: على كل قول من أقوال القديم تعبدًا كما تعتد المعلق طلاقها على الولادة مع تحقق براءة الرحم.
فَعلَى الجَديِدِ: لَو حَاضَت بَعدَ اليَأسِ فِي الأشهُرِ .. وَجَبَ الأِقرَاءُ، أَو بَعدَهَا .. فَأقَوالٌ: أظهَرُهَا: إن نَكَحَت .. فَلا شَيءَ، وَإلَاّ .. فَالأقرَاءُ. وَالُمعتَبَرُ: يَأسُ عَشِيرَتَهَا،
ــ
قال: (فعلى الجديد: لو حاضت بعد اليأس في الأشهر .. وجب الأقراء)؛ للقدرة على الأصل قبل تمام البدل، ويحسب ما مضى قرءًا بلا خلاف، وعلى القديم: إإذا حاضت في أثناء التربص أو الأشهر .. انتقلت إلى الأقراء، أو بعد ذلك .. فأوجه: أصحها: الثالث: إن كان بعد أن نكحت .. استمر النكاح، أو قبله .. انتقلت إلى الأقراء، فهو قريب من تفريع الجديد غير أن الخلاف هنا وجوه.
قال: (أو بعدها .. فأقوال: أظهرها: إن نكحت .. فلا شيء، وإلا .. فالأقراء)؛ لتعلق حق الزوج، وللشروع في المقصود كالمتيمم إذا رأى الماء بعد الشروع في الصلاة.
والثاني – واختاره البغوي -: تنتقل إلى الأقراء مطلقًا؛ لأنه بان أنها ليست آيسة، بخلاف الصغيرة؛ فإنها برؤية الحيض لا تخرج عن كونها وقت الاعتداد من اللائي لم يحضن.
والثالث: المنع مطلقًا؛ لانقضاء العدة ظاهرًا، كما لو حاضت الصغيرة بعد الأشهر .. فإنه لا يلزمها شيء؛ لأنا لو ألزمنهاها الانتقال إلى الحيض، وبهذا فارقت الآيسة إذا حضت بعد الأشهر.
قال: (والمعتبر: يأس عشريتها) أي: أقاربها من الأبوين؛ لتقاربهن من الأبوين؛ لتقاربهن طبعًا وخلقًا،
وقيل: الاعتبار بنساء العصبات كمهر المثل، وهو بعيد.
وقيل بنساء بلدها؛ لأن للأهوية تأثيرًا في الأمزجة والطباع.
فعلى الأول: إذا اختلفت عادة عشيرتها .. اعتبر بأقل عادة امرأة منهم، قاله في (المطلب)، وقيل: أكثرها عادة، قال في (الذخائر): وهو القياس.
وَفي قَولٍ: كُلُّ النِسَاءِ. قُلتُ: ذَا القَولُ أَظهَرُ، وَالله أعلَمُ.
فَصلٌ:
عِدَّةُ الحَامِل بِوَضعِهِ بِشَرطِ نِسبَتِهِ إلَى ذِي العِدَّةِ
ــ
قال: (وفي قول: كل النساء) للاحتياط وطلب اليقين، قال الإمام: ولا يمكن طوف العالم والفحص عن سكان الأقاليم، وإنما المراد ما يبلغنا خبره ويعرف.
قال: (قلت: ذا القول أظهر والله أعلم) وصححه الرافعي أيضًا في شرحه، وإليه ميل الأكثرين فلو لم تكن لها قرابة أو تعذر معرفة حالهن .. فالاعتبار عند صاحب (الكافي) بجميع النساء.
تتمة:
المراد بكل النساء: نساء عصرها، لا من تقدم كما صرح به القاضي والمتولي والفوراني، وسواء وافقهن من تقدمهن أم لا، وعلى الأصح: الأشهر أنه اثنان وستون سنة، وقيل: ستون، وقيل: خمسون، وقيل: سبعون.
قال السرخسي: وحكي أن امرأة حاضت تسعين سنة، ويقرب منه ما حكاه الماوردي: أن امرأة من بني تميم عاودها الدم بعد اليأس كما كان يعاودها في زمن الشبيبة وكان سنها نحو سبعين سنة، فأفتى بأنه حيض يلزمها أحكامه.
والخامس: خمسة وثمانون، والسادس: في (البيان): أن العربية إلى الستين وغيرها إلى الخمسين، وأسقطه من (الروضة) ، وهو في (الشرح)، قال الماوردي: وهذا قول لا يتحقق.
قال: فصل:
عدة الحامل بوضعه) سواء الحرة أو الأمة، بفراق حي أو ميت؛ لقوله تعالى:{وأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} .
قال: (يشترط نسبته إلى ذي العدة) زوجًا كان أو غيره، فتعتد زوجة المسلول الأنثيين الباقي الذكر بوضعه على الأصح كما تقدم.
وَلَوِ احتِمَالًا كَمَنفِىِّ بِلِعَانٍ. وَانفِصَالٍ كُلِّهِ حَتَّى ثَانِى تَوأَمَينِ ،
ــ
قال: (ولو احتمالا كمنفى بلعان) فإذا لاعن الحامل ونفى الحمل ثم وضعته ..
أنقضت العدة به وإن أنتفي الحمل عنه فى الظاهر ، لأنه يمكن أن يكون كما تزعمه ، والقول العدة قول المرأة إذا تحقق الإمكان ، ولهذا: لو استلحقه .. لحقه.
ولو حذف قوله: (بلعان) .. كان أولى ، فإنه إذا أنتفي بغير لعان كما لو أتت به لأكثر من أربع سنين فادعت أنه راجعها أو وطئها بشبهة وأنكر .. فإن العدة تنقضي بوضعه.
وأشار ب (الكاف) إلى عدم انحصار المحتمل في الملاعن ، كما لو علق طلاقها بولادتها فأتت بولدين بينهما أكثر من ستة أشهر .. فالثاني منتف عنه ، وتنقضي العدة به.
وكذلك إذا أتت بولد لأكثر من أربع سنين ولم يحدث لها فراش ولا وطء شبهة .. فهو منتف عنه ، وتنقضي به العدة كما نقله الإمام عن الأئمة ، لكن قال الرافعي: الأشهر خلافه.
واحترز بقوله: (احتمالا) عما لا يحتمل ذلك ، كما إذا مات الصبي الذي لا يلحقه الولد وامرأته حامل .. فعدتها بالأشهر كما سيأتي ، وكذلك الممسوح ومن وضعته لدون ستة أشهر من العقد.
قال: (وانفصال كله) فلا تنقضي بخروج بعض الولد ، لأنه لا تحصل به براءة الرحم ، ولأن الله تعالى قال:{أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وهذه لم تضع حملها ، وكذلك تبقى سائر أحكام الجنين في الذي خرج بعضه دون كنفي توريثه ، وسراية العتق إليه من الأم ، وعدم إجزائة في الكفارة، ووجوب الغرة عند الجناية على الأم وتعيينها في البيع والهبة ونحو ذلك ، وذكر الشيخان في الغرة ما يخالف ما قالاه هنا ، وقال ابن أبى الدم: لو فصل بين أن يخرج معظمه فيكون كالمنفصل وبين أن يكون معظمه مجتنا فكالمتصل .. لم يبعد.
قال: (حتى ثاني توأمين) ، لأنه حمل واحد فشملتهما الآية، وله الرجعة قبل وضع الثاني.
وَمَتى تَخَلَّلَ دُونَ سِتَّةِ أشهُرٍ .. فَتوأَمَانِ. وَتنَقَضِي بِمَيتٍ لَا عَلَقَةٍ ، وَبِمُضغَةٍ فِيهَا صُورَةُ آدمِيِّ خَفِيَّةٌ أخبَرَ بِهَا القَوَابِلُ ،
ــ
قال: (ومتى تخلل دون ستة أشهر .. فتوأمان) فتستمر الأحكام الثابتة في العدة إلى وضعه لأن ذلك أقل مده الحمل.
فرع:
يصح نكاح الحامل من الزنا بلا خلاف، وهل له وطئها قبل أن تصح؟ وجهان: أصحهما: نعم، إذ لا حرمه له، ومنعه أبن داوود وأبو حنيفة ومالك مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم:) لا تسق، بمائك زرع غيرك) رواه الحاكم [2/ 56] وقال: صحيح الإسناد، ورواه أبو داوود [2151] والترمذي [1131] بلفظ:(لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الأخر أن يسقى ماءه زرع غيره).
فإذا وطئها وطلقها قبل الوضع .. شرعت في العدة من حين الطلاق إن كانت من ذوات الأشهر، وإن كانت من ذوات الأقراء، فإن لم تكن ترى الدم أو رأته وقلنا: إنه ليس بحيض ..
أعتدت بالأقراء بعد الوضع، وإن رأته وقلنا: إنه حيض .. ففي الاعتداد به وجهان: أصحهما: نعم.
قال: (وتنقضي بميت)، لإطلاق الآية.
قال: (لا علقه)، لأنها لا تسمى حملا.
قال: (وبمضغه فيها صوره أدمى خفيه أخبر بها القوابل) أي: تنقضي بذلك، لحديث سبيعة الأسلمية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسألها عن صفة حملها، ونقل أبن المنذر فيه الإجماع.
ويحكى: أن الإصطخرى توقف فيه، فصب القوابل عليها ماء فظهرت الصورة فيه.
والقوابل – جمع قابله – وهى: التي تتلقى الولد عند وضعه.
فَإِن لَم تَكُن صُورَهٌ وَقُلنَ: هِيَ أَصلُ أَدَمىٍّ .. انقَضَت عَلَى المَذهَبِ. وَلَو ظَهَر فِي عِدَّةٍ أَقرَاءٍ أَو أَشهُرٍ حَملٌ لِلزَّوجِ .. أَعَتَدَّت بِوَضعِهِ. وَلَوِ ارتَابَت فِيهَا .. لَم تَنكِح حَتَّى تَزُولُ الرِّيبَةُ، أو بَعدَها أو بَعدَ نِكاحٍ أستَمَرَّ إِلَا أَن تَلِدَ لِدُونِ سِتَةِ أشهُرٍ مِن عَقدِهِ،
ــ
قال: (فإن لم تكن صوره) أي: بينه ولا خفيه (قلن: هي أصل أدمى .. أنقضت على المذهب)؛ لأن براءة الرحم تحصل برؤية الدم فهذا أولى، والنص أنه لا تجب به الغرة ولا تصير به الأمة أم ولد، وسيأتي الفرق بين ذلك.
فلو شك فيها القوابل .. لم يثبت شيء من الأحكام على المشهور المنصوص، وحكي القاضي وجها في انقضاء العدة به.
ولو أختلف الزوجان فيما وضعته، فادعت أنه مما تنقضي به العدة وخالفها الزوج .. صدقت بيمينها، لأنها مصدقه فى أصل السقط فكذا في صفته.
قال: (ولو ظهر في عدة أقراء أو أشهر حمل للزوج .. أعتدت بوضعه)، لأنهما يدلان على البراءة ظاهرا، والحمل يدل عليها قطعا ، وكذلك الحكم لو ظهر الحمل بعد العدة .. فإنها تعتد به كما صرح به الصيمري، وعبارة المصنف قاصرة عن هذه الصورة.
قال: (ولو ارتابت فيها) أي: لم يظهر الحمل بأمارة وإنما أحست بحركة أو ثقل فيها، أي: في العدة التي بالأشهر أو الأقراء) .. لم تنكح حتى تزول الريبة) إما بمضي زمن يزعم النساء أنها لا تلد فيه، أو غير ذلك، فإن نكحت في الريبة .. بطل وإن تبين وقوعه بعد العدة، للتردد في انقضائها، وهو مشكل على ما باع مال أبيه على ظن حياته.
قال: (أو بعدها) أي: بعد تمام الإقراء أو الأشهر (أو بعد نكاح أستمر) أي: النكاح للحكم بانقضاء العدة ظاهرًا ولثبوت حق الزوج.
قال: (إلا أن تلد لدون ستة أشهر من عقده) فإنه يحكم ببطلانه، لتحقق أنها كانت حاملا يوم العقد.
أَو بَعدَهَا وَقَبلَ نِكاَحٍ .. فَلتَصبِر حَتَّى تَزولُ الرِّيبَةُ، فَإن نَكَحَت .. فَالَمذهَبُ: عَدَمُ إبطَالِهِ في الَحالِ، فَإن عُلِمَ مُقتَضِيهِ .. أبطَلنَاهُ. وَلو أَبَانَهَا فَوَلَدَت لأربَعِ سِنينَ .. لحَقِهَ، ُ
ــ
قال: (أو بعدها وقبل النكاح .. فلتصبر حتى تزول الريبة) احتياطًا وورعًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
وعبارة المصنف تقتضي وجوب الصبر، وبه صرح الجويني في (السلسلة)، وقال الإمام: إن بلغت مبلغًا يقال فيه: إنها حامل .. لم يجز لها أن تنكح حتى تزول الريبة.
وعبارة (المحرر) و (الشرحين) و (الروضة) والجمهور الأولى، وفي (التنبيه): ويكره نكاح المرتابة بالحمل.
قال: (فإن نكحت) أي: ولم تصبر إلى زوال الريبة) .. فالمذهب: عدم إبطاله في الحال)؛ لأن العدة قد انقضت في الظاهر وتعلق بها حق الزوج الثاني فلا ينقض الحكم بانقضائها بمجرد الشك.
قال: (فإن علم مقتضيه .. أبطلناه) أي: حكمنا ببطلانه؛ لتبين فساده وهذا أصح الطرق.
والطريقة الثانية: أنه على قولين مبنيين على وقف العود.
والثالثة: القطع ببطلان النكاح مع الريبة؛ بل لو راجعها الزوج قبل زوال الريبة .. وقفت الرجعة، فإن بان حمل .. صحت الرجعة، وإلا .. بطلت، نص عليه.
وقال الشيخ أبو محمد: لا يختلف المذهب فيه، وليس هذا الوقف كالوقف في القديم؛ فإن ذلك وقف في نفس الأمر، وههنا العقد صحيح غير أنه يرتفع بمعنى ظهر في الثاني.
قل: (ولو أبانها فولدت لأربع سنين .. لحقه)؛ لقيام الإمكان ، فإن الحمل قد يبلغ ذلك.
أِو لِأكثَرَ .. فَلَا،
ــ
قال مالك: هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق، حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة، تحمل كل بطن أربع سنين.
وروى الشافعي عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد القرشي أنه قال: أراني سعيد بن المسيب رجلًا وقال: إن أبا هذا غاب عن أمه أربع سنين، فولدته وله ثنايا.
وذكر جماعة أن منظور بن زيان وهرم بن حيان ولد كل منهما لأربع سنين.
وقيل: إن أبا حنيفة رضي الله عنه حملت به أمه ثلاث سنين، والضحاك بن مزاحم حملت به أمه ستة عشر شهرًا، وهذا إذا وجد في الأعيان كثيرًا .. ففي العامة أكثر.
واستدل له الرافعي بأن عمر أمر المرأة المفقود أن تتربص أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة، قال: وإنما قدرها بذلك؛ لأنها نهاية مدة الحمل.
وقال المزني: أكثر مدته سنتان، وهو مذهب أبي حنيفة.
وعن الزهري وربيعة والليث: أكثر مدته سبع سنين.
وعن مالك ثلاث زوايا: أربع سنين، وخمس سنين، وسبع سنين.
واستشكل الشيخ عز الدين الإلحاق في هذه المدة من كثرة الفساد في هذا الزمان، والحكم لا يختص بالبائن، بل الرجعية كذلك كما سيأتي.
تنبيه:
أطلق الشافعي ولأصحاب المسألة، واعترض منصور النميمي في المستعمل فقال: إذا لحقه الولد الذي أتت به لأربع سنين من وقت الطلاق .. لزم أن تكزن مدة الحمل أكثر من أربع سنين؛ لتقدم العلوق على الطلاق، فينبغي أن يقال: أربع سنين من وقت إمكان العلوق قبيل الطلاق.
قال الرافعي: وهذا تقويم، وفي الإطلاق تساهل، وقال في الشرح الصغير: إنه الحق، وانتصر في (المطلب) للأصحاب ورد كلام منصور بكلام فيه قصور.
قال: (أو لأكثر .. فلا)؛ لعدم الإمكان، وهذه تقدمت في (باب اللعان).
ولوَ طَلَّقَ رَجعِيًا .. حُسِبَت المُدَّةُ مِن الطَلاقِ، وَفي قَولٍ: مِنَ انصِرَامِ العِدَّةِ.
وَإن نَكَحَت بَعدَ العِدَّة َفَولَدَت لِدُونِ سِتَّةِ أشهُرٍ .. فَكَأنها لَم تَنكِحَ، وَإن كَانَ لِسِتَّة .. فَالوَالِدِ الثَانِي .. وَلَو نَكَحَت فِي العِدَّةِ فَاسِدًا فَولَدَت للِإمكَانِ مِن الأول .. لحَقِهَ وَانقَضَت بِوَضعِهِ، ثُمَّ نَعتَدُّ للثَانِي،
…
ــ
قال: (ولو طلق رجعيًا .. حسبت المدة من الطلاق)؛ لأنها كالبائن في تحريم الوطء، فكذلك في أمر الولد.
قال: (وفي قول: من انصرام العدة)؛ لأنها كالمنكوحة في غالب الأحكام من لحوق الإيلاء والظهار والإرث فكذلك في لحوق الولد، وقال أبو إسحق: يلحقه الولد من الرجعية أبدًا.
قال السرخسي: سئل أبو إسحاق عن ولد الرجعية إلى متى يلحق؟ فقال: إلى ثلاثة آلاف سنة، أراد بذلك المبالغة في التأييد.
قال: (وإن نكحت بعد العدة فولدت لدون ستة أشهر) أي: من النكاح الثاني) .. فكأنها لم تنكح) فيكون الحكم كما سبق، إن ولدت لأربع سنين فأكثر .. لم يلحق، أو لأقل من ذلك .. لحق، وحيث لحق .. فنكاح الثاني باطل، وإلا .. فصحيح.
قال: (وإن كان لستة .. فالولد للثاني) ولو أمكن كونه من الأول لأن الفراش الثاني أقوى؛ لتأخره، ولأن صح ظاهرًا ولو ألحقنا الولد بالأول لبطل النكاح؛ لوقوعه في العدة.
قال: (ولو نكحت في العدة فاسدًا فولدت للإمكان من الأول .. لحقه وانقضت بوضعه، ثم تعتد للثاني) إذا نكحت المرأة في العدة، فإن وطئها الزوج علمًا بالتحريم .. فهو زان لا يؤثر وطوءه في العدة، وإن جهل التحريم لظنه انقضاء العدة أو أن المعتدة لا يحرم نكاحها .. انقطعت به العدة لمصيرها فراشًا للثاني، ودعوى الجهل بتحريم المعتدة لا تقبل إلا من قريب العهد بالإسلام، ودعوى الجهل بكونها معتدة تقبل من كل احد، ثم إذا فرق بينهما .. تكمل عدة الأول ثم تعتد للثاني، والحكم في لحوق الولد كما سبق.
أَوْ لِلإِمْكَانِ مِنَ الثَّانِي .. لَحِقَهُ، أَوْ مِنْهُمَا .. عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا .. فَكَالإِمْكَانِ مِنْهُ فَقَطْ
ــ
وقوله: (في العدة فاسدًا) تعبير ناقص؛ لأن النكاح في العدة لا يكون إلا فاسدًا.
وعبارة (المحرر) محررة؛ فإنه قال: ولو نكح فاسدًا بأن نكح في العدة، أما إذا نكح بعد الانقضاء وهو يظن بقاءها عند العقد .. فخرجه في (المطلب) على ما إذا باع مال أبيه على ظن حياته .. فيصح.
قال: (أو للإمكان من الثاني) بأن ولدته لستة أشهر فأكثر من وطء الثاني ولأكثر من أربع سنين من طلاق الأول) .. لحقه) أي: لحق الثاني؛ لما تقدم، وهذا إذا كان طلاق الأول بائنًا، فإن كان رجعيًا .. فقولان لا ترجيح فيهما:
أحدهما: كذلك، وهو ظاهر عبارة المصنف.
والثاني: يعرض على القائف.
قال: (أو منهما .. عرض على القائف، فإن ألحقه بأحدهما .. فكالإمكان منه فقط) فيأتي ما تقدم، فإن كان الملحق به هو المطلق .. فقد انقضت عدة الطلاق واستقبلت عدة الآخر بالأقراء.
واحترز بقوله: (ألحقه بأحدهما) عما إذا ألحقه بهما أو اشتبه الأمر عليه أو لم يكن قائف .. فينتظر بلوغه وانتسابه بنفسه.
وبقي من أقسام المسألة ما إذا لم يمكن من واحد منهما بأن كان لدون ستة أشهر من وطء الثاني وأكثر من أربع سنين من طلاق الأول .. فإنه لا يلحق بواحد منهما، وسكت المصنف عنه؛ لوضوحه.
تتمة:
إذا كانت ترى الدم على الحمل وقلنا: إنه حيض .. لم تنقض به عدتها عن صاحب الحمل؛ لأن المقصود من الأقراء معرفة البراءة، وهذه الأقراء ما دلت على براءة الرحم.
فَصْلٌ:
لَزِمَهَا عِدَّتَا شَخْصٍ مِنْ جِنْسٍ؛ بِأَنْ طَلَّقَ ثُمَّ وَطِئَ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ جَاهِلًا أَوْ عَالِمًا فِي رَجْعِيَّةٍ .. تَدَاخَلَتَا؛ فَتَبْتَدِئُ عِدَّةً مِنَ الْوَطْءِ، وَتَدْخُلُ فِيهَا بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقَ
ــ
واستدل البيهقي [7/ 422] لأن الحامل تحيض بقول عائشة: كنت قاعدة أغزل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، فنظرت إليه صلى الله عليه وسلم فجعل جبينه يعرق، وجعل عرقه يتولد نورًا فبهت، فنظر النبي صلي الله عليه وسلم وقال:(ما لكِ يا عائشة؟) قلت: يا رسول الله؛ نظرت إليك فجعل جبينك يعرق، وجعل عرقك يتولد نورًا، فلو رآك أبو كبير الهذلي .. لعلم أنك أحق بشعره، قال:(وما يقول أبو كبير؟) قلت: يقول [من الكامل]:
ومبرأ من كل غبر حيضة
…
وفساد مرضعة ودار مغيل
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه
…
لمعت كبرق العارض المتهلل
فوضع النبي صلى الله عليه وسلم ما في يده وقام وقبل بين عيني وقال: (يا عائشة؛ جزاك الله عني خيرًا) وكذا رواه الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب [13/ 252] بسند فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى، وهو من غرائب حديثه.
قال: (فصل:
لزمها عدتا شخص من جنس؛ بأن طلق ثم وطئ في عدة أقراء أو أشهر) أي: ولم تحبل من ذلك (جاهلًا) بأن ظنها زوجته الأخرى، أو نسي الطلاق أو نسي التحريم.
قال: (أو عالماَ في رجعية .. تداخلتا) أي: العدتان (فتبتدئ عدة من الوطء، وتدخل فيها بقية عدة الطلاق)؛ لأن مقصود عدة الوطء والطلاق واحد فيندرج فيها ما بقي من عدة الطلاق، وقدر تلك البقية يكون مشتركًا واقعًا عن الجهتين جميعًا، فتجوز له الرجعة في تلك البقية لا بعدها، وكذا له تجديد النكاح، وفي مسألة النكاح وجهان آخران:
فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا حَمْلًا وَالأَخْرَى اَقْرَاءً .. تَدَاخَلَتَا فِي الأَصَحِّ؛ فَتَنْقَضِيَانِ بِوَضْعِهِ، وَيُرَاجِعُ قَبْلَهُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنَ الْوَطْءِ .. فَلَا
ــ
أحدهما: عن الحليمي أن البقية تسقط، ويتمحض الجميع للوطء، وزيفة الإمام بأن عدة النكاح أقوى فقطع الأقوى بالأضعف محال.
قال الرافعي: وقياس قوله أن لا رجعة في البقية، ولكن الإجماع صد عنه.
والوجه الثاني: أن الباقي من عدة الطلاق يبقى متمحضًا للطلاق، ولا يوجب الوطء إلا ما وراء ذلك إلى تمام ثلاثة أقراء.
وحكي ابن يونس وجهًا ثالثًا: أنه تكفي بقية العدة الأولى، ويسقط حكم الوطء من الاعتداد.
قال: (فإن كانت إحداهما حملًا والأخرى أقراء) هذا قسيم قوله: (من جنس)؛ إذ هذه جنسان بأن طلقها وهي حائل ثم وطئها في الأقراء وأحبلها، أو طلقها وهي حامل ثم وطئها قبل الوضع.
قال:) .. تداخلتا في الأصح)؛ لأنهما من جنس واحد فأشبها المتجانستين.
والثاني: لا تداخل؛ لأن التداخل يليق بالمتفقات، بدليل أن الحدود تأبى التداخل في المتفقات منها دون المختلفات.
قال: (فتنقضيان بوضعه)؛ لأن ذلك فائدة التداخل.
قال: (ويراجع قبله) أي: قبل الوضع، سواء طرأ الحمل على الوطء أو عكس.
أما الأول .. فبالاتفاق؛ لأنها في عدة طلاق رجعي والحمل لا يتبعض.
وأما الثانية .. فعلى الأصح؛ لأنها في عدة الطلاق وغن لزمها عدة أخرى.
قال: (وقيل: إن كان الحمل من الوطء .. فلا) أي: فلا رجعة بناء على أن عدة الطلاق قد سقطت، وهي الآن معتدة من الوطء، والأصح: نعم؛ لأنها في عدة الطلاق وإن وجبت عليها عدة أخرى، وكذا الخلاف في النفقة، وقيل: يجب قطعًا.
أَوْ لِشَخْصَيْنِ؛ بِأَنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ أَوْ شُبْهَةٍ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ كَانَتْ زَوْجَةً مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ فَطُلِّقَتْ .. فَلَا تَدَاخُلَ،
ــ
تنبيه:
قيد في (التنقيح) والتصحيح) تداخل العدتين بما إذا كانت لا ترى الدم على الحمل، أو رأته ولم تجعله حيضًا، قال: فأما إذا رأته وقلنا: إنه حيض .. ففي (الشرح) و (الروضة): أن الأقراء الباقية من العدة الأولى لا تدخل في الحمل، بل تنقضي العدة الأولى بفراغها، سواء تقدمت أو تأخرت، وتكون الرجعة دائرة معها، وهذا التقييد وقع في بعض شروح (الحاوي)، فاغتر به الشيخ جمال الدين وهو وهم؛ فإن هذه الصورة مفرعة على المرجوح، وهو عدم التداخل في صورة الحمل كما هو في (الشرح) و (الكفاية) و (نكت التنبيه).
قال: (أو لشخصين؛ بأن كانت في عدة زوج أو شبهة فوطئت بشبهة أو نكاح فاسد، أو كانت زوجة معتدة عن شبهة فطلقت .. فلا تداخل) بل تعتد عن كل واحد منهما بعدة كاملة خلافًا لأبي حنيفة.
لنا: ما روى مالك [2/ 536] عن عمر والبيهقي [7/ 441] عن علي أنهما قالا: إذا كان على المرأة عدتان من شخصين .. لا تتداخلان، ولا مخالف لهما من الصحابة إلا ما نقل عن ابن مسعود ولم يثبت.
ولأنهما حقان مقصودان لآدميين .. فلا يتداخلان كالدينين.
وشرط عدم التداخل: أن تكونا من شخصين محترمين، فلو طلق حربي زوجته فوطئها في عدته حربي آخر بشبهة، أو نكحها ووطئها ثم أسلمت مع الثاني، أو دخلا بأمان وترافعا إلينا .. فالنص أنه لا يجتمع عليها عدتان، بل تكفيها واحدة من يوم وطئها الثاني، فمن الأصحاب من أخذ بهذا النص، ومنهم من قطع بوجوب عدتين كالمسلمين، ومنهم من جعل المسألة على قولين.
وقول المصنف: (أو نكاح فاسد) يشمل هذه الصورة، ويقتضي أنه لابد من عدتين ولا ترجيح في (الشرح) ولا في (الروضة) فيها.
فَإِنْ كَانَ حَمْلٌ .. قَدَّمَتْ عِدَّتَهُ، وَإِلَاّ: فَإِنْ سَبَقَ الطَّلَاقُ .. أَتَمَّتْ عِدَّتَهُ ثُمَّ اسْتَانَفَتِ الأُخْرَى، وَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي عِدَّتِهِ، فَإِذَا رَاجَعَ .. انْقَطَعَتْ وَشَرَعَتْ فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ، وَلَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا حَتَّى تَقْضِيَهَا. وَإِنْ سَبَقَتِ الشُّبْهَةُ .. قَدَّمَتْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ،
ــ
قال: (فإن كان حمل .. قدمت عدته) سواء كان سابقًا أم لاحقًا؛ لأن عدة الحمل لا تقبل التأخير، فإن كان الحمل للمطلق .. انقضت به عدته ثم تعتد للشبهة بالأقراء بعد النفاس، وله الرجعة قبل الوضع، قال الروياني: إلا في حال اجتماع الواطئ بها.
وإن كان الحمل للشبهة .. انقضت به عدتها، ثم تكمل بقية عدة الطلاق ولو في النفاس على الصحيح، وله الرجعة فيها لا فيما قبل الوضع على ما صححه البغوي والماوردي وغيرهما.
قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن حمل (فإن سبق الطلاق .. أتمت عدته)؛ لتقدمها، ولكونه من وطء في نكاح صحيح، بخلاف الوطء في النكاح الفاسد.
قال: (ثم استأنفت الأخرى)؛ لعدم التزاحم، وتشرع في الإتمام ثم الاستئناف عقب وطء الشبهة إذا لم يكون من الثاني إلا وطء شبهة كما في الصورة الأولى، فلو نكح فاسدًا ووطئ كما في الصورة الثانية .. فزمن استفراشه لا يحسب عن واحد من العدتين، وإنما يحسب من التفريق، وقيل: من آخر وطأة.
قال: (وله الرجعة في عدته) يعنى: إن كان الطلاق رجعيًا؛ لأنها زوجة في عدة طلاق رجعي.
قال: (فإذا راجع .. انقطعت) أي: عدته (وشرعت في عدة الشبهة، ولا يستمتع بها حتى تقضيها)؛ لأنها معتدة عن غيره.
هذا كله إذا كان الطلاق رجعيًا، فإن كان بائنًا .. فهل له تجديد النكاح؟ فيه وجهان، قوة كلام الرافعي تقتضي ترجيح الجواز، كما يجوز له رجعتها، لأنها في عدته.
قال: (وإن سبقت الشبهة .. قدمت عدة الطلاق)؛ لأن سببها أقوى لتعلقها بالنكاح.
وَقِيلَ: الشُّبْهَةِ.
فَصْلٌ:
عَاشَرَهَا كَزَوْجٍ بِلَا وَطْءٍ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ .. فَأَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا: إِنْ كَانَتْ بَائِنًا .. انْقَضَتْ، وَإِلَاّ .. فَلَا ......
ــ
قال: (وقيل: الشبهة)؛ لسبقها ثم تعتد من الطلاق.
تتمه:
لو طرأ وطء شبهة على عدة شبهة .. قدمت الأولى بلا خلاف، ولو نكح امرأة نكاحًا فاسدًا ووطئها غيره بشبهة وفرق بينهما لظهور فساد النكاح .. قال البغوي: قدمت عدة الشبهة بلا خلاف؛ لأن عدته من الوطء، وتلك من التفريق فقدمت لتقديم سببها، وليس للفاسد قوة الصحيح، ولو طلق ومضى قرءان فنكحت فاسدًا ودام الفراش إلى سن الإياس ثم فرق .. فتكمل الأولى بشهر ثم تعتد للفاسدة بثلاثة أشهر.
قال: (فصل:
عاشرها كزوج بلا وطء في عدة أقراء أو أشهر .. فأوجه: أصحها: إن كانت بائنًا .. انقضت، وإلا .. فلا) إذا طلق زوجته وهجرها أو غاب عنها .. انقضت عدتها بمضي الأقراء أو الأشهر، ولو لم يهجرها بل كان يطؤها، فإن كان ذلك الطلاق بائنًا .. لم يمنع انقضاء العدة؛ لأن وطأة زنا لا حرمة له، وإن كان رجعيًا .. فلا تشرع في العدة ما دام يطؤها؛ لأن العدة لبراءة الرحم وهي مشغولة بما يشغل الرحم، وإن كان لا يطؤها ولكن يخالطها ويعاشرها معاشرة الأزواج .. ففي انقضاء العدة أوجه:
وجه الأصح: أن مخالطة البائن محرمة لا تؤثر في العدة كوطئها في الدبر، وفي الرجعية الشبهة قائمة وهو بالمعاشرة والمخالطة مستفرش لها، فلا يحسب زمن استفراشه من العدة، كما لو نكحت غيره في العدة .. لا يحسب زمن استفراشه عن العدة.
والثاني: لا تنقضي مطلقًا؛ لأنها بالمعاشرة كالزوجة.
والثالث: عكسه؛ لأن هذه المخالطة لا توجب عدة فلا تمنعها.
وَلَا رَجْعَةَ بَعْدَ الأَقْرَاءِ وَالأَشْهُرِ. قُلْتُ: وَيَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ إِلَى انْقِضَاءِ العِدَّةِ، وَلَوْ عَاشَرَهَا أَجْنَبِيٌّ .. انْقَضَتْ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً بِظَنِّ الصِّحَّةِ وَوَطِئَ .. انْقَطَعَتْ مِنْ حِينَ وَطِئَ،
ــ
والمراد بالمعاشرة: الخلوة، وكذلك النوم معها، ولا يضر دخول دار وهي فيها من غير خلوة.
قال الإمام: ولو مضى من العدة مدة ثم حصلت خلوة .. فالذي مضى لا ينقطع، ولكن لا يحسب زمن الخلوة منها، ولو كان يخلو بها ليلًا ويفارقها نهارًا .. لم تحسب الأوقات المتخللة بين الخلوات من العدة.
قال: (ولا رجعة بعد الأقراء والأشهر) أي: وإن لم نحكم بانقضاء العدة؛ رعاية للاحتياط من الجانبين، كما لو وطئ الرجعية بعد مضي قرء من وقت الطلاق .. تعتد بثلاثة أقراء من وقت الوطء، ولا تجوز الرجعة في القرء الثالث.
قال في (المهمات): المعروف في المذهب المفتى به: أن الرجعة تثبت كما أفتى به البغوي وجزم به شيخ القاضي حسين، وقد وقع للرافعي والمصنف هذا الوهم، وتبعهما ابن الرفعة عليه بزيادة، وبقيت صورة سكتوا عنها وهي إذا قلنا: لا تنقضي العدة فماتا أو أحدهما هل يحكم بالتوارث؟ فيه نظر.
قال: (قلت: ويلحقها الطلاق إلى انقضاء العدة)؛ لأنه مقتضى الأخذ بالاحتياط.
قال: (ولو عاشرها أجنبي .. انقضت والله أعلم)؛ لأنه لا شبهة له، قال الإمام: لا نعرف خلافًا أنها لو كانت تخالط الأجانب تنقضي عدتها وإن تعرضت لسخط الله تعالى.
والمصنف ههنا أطلق الانقضاء بمعاشرة الأجنبي، وفي (الروضة) و (أصلها): أن محل ذلك إذا كانت بغير شبهة، فإن كانت بشبهة .. فيجوز أن يمنع الاحتساب كما سبق؛ لأنها في زمن الوطء خارجة عن العدة، لكن يرد على إطلاقه ما لو طلق زوجته الأمة فعاشرها السيد .. فإن فيه الخلاف السابق، حتى لا تنقضي في الرجعية.
قال: (ولو نكح معتدة بظن الصحة ووطئ .. انقطعت من حين وطئ)؛ لأن النكاح الفاسد لا حرمة له، ولا تجعل المرأة فراشًا ما لم يوجد الوطء، وهذه المسألة
وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ: مِنَ العَقْدِ. وَلَوْ رَاجَعَ حَائِلًا ثُمَّ طَلَّقَ .. اسْتَانَفَتْ، وَفِي القَدِيمِ: تَبْنِي إِنْ لَمْ يَطَا، أَوْ حَامِلًا .. فَبِالْوَضْعِ،
ــ
تقدمت في الفصل قبله في قوله: (في نكاح فاسد)، ذكرت هناك لتصور عدتين من شخصين، وهنا لبيان وقت انقضاء العدة الأولى، فإن لم يطأ .. لم تنقطع، وقيل: إن خلا بها وعاشرها .. انقطعت وإن لم يطأ.
والأرجح في (حين): الفتح؛ لأن بعدها فعل مبني، ويجوز كسرها على الأصل.
قال: (وفي قول أو وجه: من العقد)؛ لأنها بالعقد معرضة عن العدة، ورجح في (الشرحين) كونه وجهًا، وجزم به في (الروضة).
وأفهم قوله: (من العقد) انها سواء زفت إليه أم لا، وقيل: يشترط الزفاف، قال في (الروضة): ومن أيِّ وقت نحكم بانقطاع العدة؟ فيه أربعة أوجه:
أصحها: من حين الوطء.
والثاني: من الخلوة وإن لم يطأ.
والثالث: من الزفاف.
والرابع: من العقد.
قال: (ولو راجع حائلًا) أي: ووطئها (ثم طلق .. استأنف)؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} وهذه مطلقة، وبهذا قال أبو حنيفة والمزني؛ لأنها بالرجعة عادت إلى النكاح الذي مسها فيه، فالطلاق الثاني طلاق في نكاح وجد فيه المسيس فصار كما لو ارتدت بعد المسيس ثم أسلمت ثم طلقها .. فإنها تستأنف، وهو كالخلاف في عود الحنث.
قال: (وفي القديم: تبني إن لم يطأ)؛ لأنها حرمت عليه بالطلاق الأول، ولم يمسها في العقد الجديد فصار كما إذا أبانها ثم جدد نكاحها وطلقها قبل أن يمسها .. فإنها تبني، والشيخان تبعا ابن الصباغ في نسبة هذا القول إلى القديم، والشافعي نص على القولين في الجديد.
قال: بأو حاملًا .. فبالوضع) المراد: إذا راجع حاملًا ثم طلقها ثانية قبل الولادة .. انقضت عدتها بالولادة وطئها أم لا؛ لعموم الآية.
فَلَوْ وَضَعَتْ ثُمَّ طَلَّقَ .. اسْتَانَفَتْ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَطَا بَعْدَ الْوَضْعِ .. فَلَا عِدَّةَ. وَلَوْ خَالَعَ مَوْطُوءَةً ثُمَّ نَكَحَهَا ثَمَّ وَطِئَ ثُمَّ طَلَّقَ .. اسْتَانَفَتْ وَدَخَلَ فِيهَا الْبَقِيَّةُ
ــ
قال: (فلو وضعت ثم طلق .. استأنفت)؛ لأنه طلاق في نكاح وجد فيه المسيس، فيوجب العدة، والوضع وجد في صلب النكاح، والعدة لا تنقضي بما يوجد في صلب النكاح.
قال: (وقيل: إن لم يطأ بعد الوضع .. فلا عدة) فتنقضي عدتها بالوضع وإن كانت تحت الزوج.
هذا كله إذا طلقها ثم راجعها ثم طلقها، فلو طلقها ولم ير بضعها ثم طلقها أخرى .. فالمذهب: أنها تبني على العدة الأولى؛ لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطء ولا رجعة، فصارت كما لو طلقها طلقتين معًا، وقال ابن خيران والإصخري والقفال: في وجوب الاستئناف القولان.
وقيل: إن كان الطلاق رجعيًا .. ثبت قولًا واحدًا، وإن كان بائنًا .. فقولان.
قال: (ولو خالع موطوءة ثم نكحها) أي: في العدة (ثم وطئ ثم طلق .. استأنفت ودخل فيها البقية) أي: بقية العدة السابقة؛ لأنهما من شخص واحد، ولو قال المصنف: ولو أبانها .. كان أعم.
واقتضى كلامه تصحيح نكاح المختلعة، وهو المذهب، وفي (المهذب) عن المزني أنه لم يجوزه له كما لا يجوزه لغيره، واستغربه الرافعي.
وقال ابن سريج: إذا نكحها .. لا تنقطع العدة ما لم يطأها كما لو نكحها أجنبي في العدة جاهلًا.
والصحيح: أنها تنقطع بنفس النكاح؛ لأن زوجته لا يجوز أن تكون معتدة منه، وعلى هذا: فإذا طلقها بعد التجديد .. نظر، إن كانت حاملًا .. انقضت عدتها بوضع الحمل، وإن كانت حائلًا، فإن دخل بها .. استأنفت العدة قطعًا، وإن لم يدخل بها .. بنت على العدة السابقة، ولا يلزمه إلا نصف المهر؛ لأن هذا نكاح جديد طلق فيه قبل المسيس فلا تتعلق به العدة وكمال المهر، بخلاف ما سبق من الرجعية؛ فإنها تعود بالرجعة إلى النكاح، وفي قول لا يعرف إلا في (التنبيه): أنها تستأنف وبه قال أبو حنيفة.
فَصْلٌ:
عِدَّةُ حُرَّةٍ حَائِلٍ لِوَفَاةٍ وَإِنْ لَمْ تُوطَا: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ بِلَيَاليهَا، وَأَمَةٍ: نِصْفُهَا
ــ
تتمة:
طلق زوجته الأمة ثم اشتراها .. انقطعت العدة في الحال على ظاهر المذهب، وحلت له وتبقى بقية العدة عليها حتى يزول ملكه، فحينئذ تقضيها، حتى لو باعها أو أعتقها .. لا يجوز تزويجها حتى تنقضي بقية العدة، قاله المتولي.
وقال ابن سريج: لا تنقطع حتى يطأها، ومن الأصحاب من قال: تسقط بقية العدة على الإطلاق.
قال: (فصل:
عدة حرة حائل لوفاة وإن لم توطأ .. أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها) هذا هو الضرب الثاني من العدة، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} .
وكانت هذه العدة في ابتداء الإسلام سنة؛ لقوله تعالى: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} ثم نسخت.
ويستوي فيها الصغيرة والكبيرة، وذات الأقراء وغيرها، والمدخول بها وغيرها أخذًا بإطلاق الآية.
وإنما قال: (بلياليها) للتنبيه على معنى الآية، وهذا الحكم لا يختص بالحائل، بل لو كانت حاملًا والحمل غير لاحق بالزوج .. فالحكم كذلك.
والمعتبر في المدة الأشهر الهلالية، وتكمل المنكسر بالعدد، وقيل: إذا انكسر شهر .. اعتبر الجميع بالعدد كما تقدم.
قال: (وأمة: تصفها) وهو شهران وخمس ليال؛ لأن العدة أمر ذو عدد فوجب أن لا تساوي فيه الأمة الحرة كالحدود، وحكي أبو حامد قولًا غريبًا: أنها كالحرة؛
وَإِنْ مَاتَ عَنْ رَجْعيَّةٍ .. انْتَقَلَتْ إِلَى وَفَاةٍ، أَوْ بَائِنٍ .. فَلَا. وَحَامِلٍ: بِوَضْعِهِ ..
ــ
لأن الولد يكون نطفة أربعين يومًا وعلقة كذلك ومضغة كذلك، ثم تنفخ فيه الروح ويتحرك، فاعتبر أن تعتد المتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشر ليتبين الحمل بذلك ويتحرك، وهذا لا فرق فيه بين الحرائر والإماء، وقد سبق أنه لو وطىء أمة على ظن أنها زوجته الحرة .. اعتدت عدة حرة، فينبغي أن يكون هنا مثله.
وأما المبعضة .. فالظاهر أنها كالقنة، ويحتمل أن يأتي فيها خلاق كما قالوه في حد الزنا والقذف.
فرع:
عدة الوفاة وغيرها تختص بالنكاح الصحيح، فلو نكح فاسدًا، فإن مات قبل الدخول .. فلا عدة، وإن جرى دخول ثم مات أو فرق القاضي بينهما .. فتعتد للدخول كما تعتد عن وطء الشبهة.
قال: (وإن مات عن رجعية .. انتقلت إلى وفاة) بالإجماع حتى يلزمها الإحداد ولا تستحق النفقة.
ثم بقية عدة الطلاق هل تسقط أو تدخل في عدة الوفاة؟ قال الرافعي: سقطت بلا خلاف، وحكى ابن الرفعة فيه خلافًا عن مجلي.
قال: وتظهر فائدته في سقوط النفقة، وفي وجوب الإحداد وقصر المدة وطولها.
قال: (أو بائن .. فلا أي: لا تنتقل إلى عدة الوفاة حائلًا كانت أو حاملًا، بل تكمل عدة الطلاق، لأنها ليست بزوجته.
قال الرافعي: ولها النفقة إن كانت حاملًا، وتبعه المصنف على ذلك.
والمجزوم به في المذهب: أن الحامل المتوفى عنها لا تستحق النفقة، سواء قلنا: هي لها أو للحمل، وسيأتي بيانه في النفقات.
قال: (وحامل: بوضعه)، لقوله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ، وروى أحمد [5/ 116] والدارقطني [3/ 302]: أن أبي بن كعب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: هذه الآية للمطلقة أو للمتوفى عنها زوجها؟ قال: (لهما).
بِشَرْطِهِ السَّابِقِ، فَلَوْ مَاتَ صَبِيٌّ عَنْ حَامِلٍ .. فَبِالأَشْهُرِ، وَكَذَا مَمْسُوحُ، إِذْ لَا يَلْحَقُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَلْحَقُ مَجْبُوبًا بَقِيَ أُنْثَيَاهُ فَتَعْتَدُّ بِهِ،
ــ
وروى الشافعي [1/ 244]: أن سبيعة الأسلمية وضعت حملها بعد وفاة زوجها سعد بن خولة عام حجة الوداع بنحو من نصف شهر، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:(قد حللت فانكحي من شئت)، ولفظ مسلم [1485]:(وضعت حملها بعد وفاة زوجها بليال) وقال البخاري [491]: بأربعين ليلة.
قال الشافعي: ولولا حديث سبيعة .. لكان الأخذ بأقصى الأجلين قريبًا من القواعد.
وقال الحسن والأوزاعي: لا تنقضي حتى تظهر من النفاس، ورد عليها بظاهر الآية وحديث سبيعة.
قال: (بشرطه السابق) وهو أن تضع الحمل بتمامه، وأن يكون منسوبًا إليه ولو احتمالًا.
قال: (فلو مات صبي عن حامل .. فبالأشهر)، لأن الولد منفي عنه.
قال: (وكذا مسموح، إذ يلحقه على المذهب)، لأن العادة لم تجر بذلك.
ويحكى عن الإصطخري والقاضي حسين وأبي الطيب أنه يلحقه، لأن معدن الماء الصلبُ وهو والمجرى باقيان.
وحكي أن أبا عبيد حربويه قلد قضاء مصر، فحكم في مثل هذا بلحوق الولد، فحمله الحصى على كتفيه وطاف به الأسواق وقال: انظروا إلى قاض يلحق أولاد الزنا بالخدام.
قال: (ويلحق مجبوبًا بقي أنثياه)، لأنهما أوعية المني وفيهما قوة محلية للدم، وإنما الذكر آلة توصل الماء إلى الرحم بواسطة الإيلاج.
قال: (فتعتد به) أي: زوجة المجبوب بوضع الحمل، لأنه يلحقه، وصرح الشيخان في أول الباب بأنه لا تجب عليها عدة الطلاق، إذ لا يتصور منه دخول وعلى هذا: يلغز بهذه فيقال: امرأة تعتد عن وفاة زوج ولا تعتد عن طلاقه.
وَكَذَا مَسْلُولٌ بَقِيَ ذَكَرُهُ بِهِ عِلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ طَلَّقَ إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ بَيَانٍ أَوْ تَعْيِينٍ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَا .. اعْتَدَّتَا لِوَفَاةٍ، وَكَذَا إِنْ وَطِىءَ وَهُمَا ذَوَاتَا أَشْهُرٍ، أَوْ أَقْرَاءٍ وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ،
ــ
قال: (وكذا مسلول بقي ذكره على المذهب)، لبقاء آلة الجماع، وقد يبالغ في الإيلاج فيلتذ وينزل ماء رقيقًا.
وقيل: لا يلحقه، لجريان العادة بذلك، فلا تنقضي به العدة، وقيل: إن قال أهلا الخبرة: لا يولد له .. لم يلحقه وإلا لحقه، وفي وجه آخر لم يعتمده الجمهور وهو: أنه إن كان مسلول اليمنى .. لم يلحقه وإن بقيت اليسرى، لأن قال: إنها للمني واليسرى للشعر.
ونقل [الزوزني] في (جمع الجوامع): أن أبا بكر بن الحداد كان فقيد الخصية اليمنى، فكان لا ينزل وكانت لحيته طويلة، وكان كثير العبادة يصوم يومًا ويفطر يومًا، ويقرأ كل يوم ختمة، ويوم الجمعة ختمتين، ولد في اليوم الذي مات فيه المزني، ومات بمصر لأربع بقين من المحرم سنة [344].
والأنثيان: الخصيتان، واحدهما: خصية، ولفظهما لا يجمع ولا مفر لهما من لفظهما، وفي الصحاح: أن سعيد بن عثمان الزوائدي لقب بذلك، لأنه كان له ثلاث خصيات.
قال: (ولو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل بيان أو تعيين، فإن كان لم يطأ .. اعتدتا لوفاة)، لأن كلًا منهما تحتمل أن تكون مفارقة بالموت كما تحتمل أن تكون مفارقة بالطلاق، فلا بد من الأخذ بالاحتياط، هذا إذا لم يكن حمل، فإن كان .. فالعدة بوضعه.
قال: (وكذا إن وطىء) أي: كلًا منهمت (وهما ذواتا أشهر، أو أقرأ والطلاق رجعي) لما تقدم، فإن وطىء إحداهما فقط أو كانت إحداهما حاملًا فقط .. عمل فيهما بالاحتياط.
وَإِنْ كَانَ بَائِنًا .. اعْتَدَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِالأَكْثَرِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَثَلَاثَةٍ مِنْ أَقْرَائِهَا، وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ: مِنَ الْمَوْتِ، والأَقْرَاءُ: مِنَ الطَّلَاقِ. وَمَنْ غَابَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ لَيْسَ لِزَوْجَتِهِ نِكَاحٌ حَتَّى تَتَيَقَّنَ مَوْتَهُ أَوْ طَلَاقَهُ،
ــ
وقوله: (والطلاق رجعي) قيد في ذوات الأقراء، واحترز به عما إذا كانا حاملين .. فإن عدتهما بوضع الحمل.
قال: (وإن كان بائنًا) .. اعتدت كل واحدة بالأكثر من عدة وفاة وثلاثة من أقرائها)، لأن كل واحدة وجبت عليها عدة، واشتبهت عليها بعدة أخرى فوجب أن تأتي بذلك، لتخرج مما عليها بيقين، كما أشكلت عليه صلاة من صلاتين .. فالواجب عليه أن يأتي بهما.
قال: (وعدة الوفاة: من الموت) بالاتفاق.
قال: (والأقراء: من الطلاق) هذا على الصحيح، حتى لو مضى قرء من الطلاق ثم مات الزوج .. فعليها الأقصى من عدة الوفاة ومن قرأين من أقرائها.
والثاني: من حين الموت، لأن الحقيقة الفرقة به تحصل، وعلى هذا: فيجب أن تكون الأقراء كلها بعد الموت، وهذا في الطلاق البائن، فإن كان رجعيًا .. فالرجعية تنتقل إلى عدة الوفاة إذا مات زوجها وهي في العدة.
ولو أسلم على ثمان نسوة ومات قبل أن يختار .. لزم كلا منهن الاعتداد بأقصى الأجلين، وهل ابتداء الأقراء من إسلامه أو موته؟ فيه وجهان: أصحهما: الثاني.
قال: (ومن غاب وانقطع خبره ليس لزوجته نكاح حتى تتيقن موته أو طلاقه)
الغائب عن زوجته إن لم ينقطع خبره وكان يأتي كتابه أو يعرف مكانه .. فنكاحه على زوجته مستمر، وينفق الحاكم عليها من ماله إن كان له في بدل الزوجة مال، وإن لم يكن .. كتب إلى حاكم بلده ليطالبه بحقها.
وإن انقطع خبره ولم يوقف على حاله حتى يتوهم أو يظن موته .. فالقول الجديد: أنه لا يجوز للمرأة أن تنكح زوجًا آخر حتى تتيقن موته أو طلاقه وتعتد، واستدل له بما
وَفِي الْقَدِيمِ: تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَتَنْكِحُ
ــ
روى الدارقطني [3/ 312] والبيهقي [7/ 445] عن المغيرة بن شعبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها البيان) لكنه حديث ضعيف لا يحتج به.
وروى الشافعي [1/ 303] عن علي أنه قال: هذه المرأة ابتليت فلتصبر، قال الشافعي: وبه نقول، وبأنه لا يحكم بموته مع انقطاع الخبر في قمة ماله وعتق أم ولده فكذلك في فراق زوجته، وبأن النكاح معلوم متيقن فلا يزال إلا بيقين.
واستدل الشافعي بحديث الرجل يجد الشيء في الصلاة فال صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) ثم قال: فيقين الطهارة لا يرتفع إلا بيقين الحدث، فكذلك هذه المرأة لها زوج بيقين فلا يزيله إلا بيقين الموت أو الطلاق.
قال: (وفي القديم: تتربص أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة وتنكح) وبهذا قال مالك وأحمد، ويروى عن عمر وعثمان وابن عباس.
وروى الشافعي والبيهقي [7/ 445 - 446]: أن رجلًا من الأنصار خرج يصلي مع قومه العشاء فسبته الجن ففقد، فانطلقت امرأته إلى عمر رضي الله عنه فقصت عليه القصة، فسأل عنه قومه فقالوا: نعم خرج يصلي العشاء ففقد، فأمرها أن تتربص أربع سنين وأربعة أشهر وعشرًا، فلما مضت المدة .. أتته فأخبرته فأمرها أن تتزوج، فتزوجت.
فجاء زوجها يخاصم في ذلك إلى عمر، فقال عمر: يغيب أحكم الزمان الطويل لا يعلم أهله حياته؟! فقال له: إن لي عذرًا يا أمير المؤمنين، قال: وما عذرك؟ قال: خرجت أصلي العشاء فسبتني الجن، فلبثت فيهم زمنًا طويلًا، فغزاهم جن مؤمنون فقاتلوهم فظهروا عليهم فسبوا منه سبايا وسبوني معهم، فقالوا: نراك رجلًا مسلمًا ولا يحل لنا سباؤك، فخيروني بين المقام عندهم وبين القفول إلى أهلي، فاخترت أهلي، فأقبلوا معي، أما الليل .. فليسوا يحدثوني، وأما النهار .. فعصار ريح أتتبعها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقال له عمر رضي الله عنه: فما كان طعامهم؟ قال: الفول وما لم يذكر اسم الله عليه، قال: فما كان شرابك فيهم؟ قال: الجدف -وهو ما لم يخمر من الشراب- قال: فخيره عمر بين الصداق وبين امرأته.
وعن أبي حنيفة: أنها تصبر حتى يبلغ عمر الزوج مائة وعشرين سنة، ثم تعتد عدة الوفاة وتنكح.
والتربص: التأني والتأخير، قال الشاعر [من الطويل [: تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يومًا أو يموت حليلها
وسواء فيما ذكرناه المفقود في جوف البلد وفي السفر وفي القتال ومن انكسرت سفينته ولم يعلم حاله وإن أمكن حمل انقطاع الخبر على شدة البعد والإيغال في الأسفار.
وإذا قلنا بالقديم .. فهل يحتاج في مدة التربص إلى ضرب القاضي؟ مقتضى كلام الرافعي: اعتبار ذلك، وحكم القاضي بموته.
وإذا حكم الحاكم بالفرقة .. هل ينفذ ظاهرًا أو باطنًا فقط. وجهان نص عليهما في (أصل الروضة).
تنبيهان:
أحدهما: المراد باليقين: الطرف الراجح لا القطع، فلو ثبت ذلك بعدلين .. كفى.
ولو أخبر عدل بموته .. لم يكف ظاهرًا، وقال القفال يجل لها أن تتزوج فيما بينها وبين الله تعالى، لأن ذلك خبر وليس شهادة، وسيأتي في الشهادات الاكتفاء بالاستفاضة في الموت وهي لا تفيد اليقين.
الثاني: الزوجة إذا انقطع خبرها هل ينكح أختها أو أربعًا سواها. الظاهر: أن
فلو حَكَمَ بِالْقَدِيمِ قَاضٍ .. نُقِضَ عَلَى الْجَدِيدِ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ التَّرَبُّصِ وَالْعِدَّةِ فَبَانَ مَيْتاَ .. صَحَّ عَلَى الْجَدِيدِ فِي الأَصَحِّ. ويَجِبُ الإِحْدَادُ عَلَى مُعْتًدَّةٍ وَفَاةٍ،
ــ
حكمها كغيبة الرجل، والظاهر: أن أم الولد كالزوجة.
قال: (فلو حكم بالقديم قاض .. نقض على الجديد في الأصح)، لمخالفته القياس الجلي، لأنه لا يجوز أن يكون حيًا في ماله وميتًا في حق زوجته.
والثاني: لا ينقض كما في سائر المجتهد فيه، وصححه القاضي الروياني.
قال: (ولو نكحت بعد التربص والعدة فبان ميتًا .. صح على الجديد في الأصح)، لأنه صادفها خلية عن الزوج.
والثاني: المنع، لفقد العلم بالصحة حالة العقد.
وبنى الرافعي الخلاف على ما لو باع مال أبيه على ظن حياته فبان ميتًا، ومقتضى البناء تصحيح الصحة، وإن قلنا بالقديم .. صح النكاح ظاهرًا وباطنًا.
وإذا ظهر المفقود، فإن قلنا بالجديد .. فهي زوجته بكل حال، فإن نكحت .. لم يطأها المفقود حتى تنقضي عدة النكاح، وإن قلنا بالقديم .. ففي نكاحه وميراثه منها ست طرق مشهورة.
قال: (ويجب الإحداد على معتدة وفاة).
(الإحداد): مأخوذ من الحد، وهو المنع، لأنها تمنع الزينة ونحوها، يقال: امرأة حاد، ولا يقال: حادة.
والأصل فيه: ما روى مسلم [148/ 58] عن عائشة وحفصة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال على المنبر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا).
قال الأئمة: (إلا على زوج) مستثنىً من قوله: (لا يحل)، وظاهره لا يقتضي
لًا رَجْعِيَّةٍ، ويُسْتَحَبُّ لِبَائِنٍ، وَفِي قَوْلٍ: يَجِبُ،
ــ
إلا الجواز، لكن أجمعوا على انه أراد الوجوب، وأنه استثنى الواجب من الحرامـ وقال ابن المنذر: لم يخالف في ذلك إلا الحسن البصري، فإنه انفرد عن الناس بقوله: الإحداد ليس بواجب، قال: والسنة يستغنى بها عن كل قول.
وروى مسلم] 1489 [: أن زينب ابنة النحام جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحُلها - وهو بضم الحاء - فقال صلى الله عليه وسلم:(لا) مرتين أو ثلاثًا، كل ذلك يقو: لا، ثم قال:(إنما هي أربعة أشهر وعشر) زاد عبد الحق فيه أنها قالت: يا رسول الله، إني أخشى أن تفقأ عينها، قال:) وإن انفقأت).
ولا فرق في الوجوب بين المسلمة والذمية إذا كان زوجها مسلمًا أو ذميًا، ولا بين الحرة والأمة، ولا بين المكلفة وغيرها، والولي يمنعها مما يمنع منه المكلفة.
واختار الروياني في (الحلية) مذهب أبي حنيفة أنه لا إحداد على غير المكلفة، واختار ابن المنذر أنه إحداد على الذمية كمذهب أبي حنيفة أيضًا، لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم:(يؤمن بالله واليوم الآخر) وهو لازم حربويه على قوله في الخطبة على الخطبة وفي السوم على السوم.
وخرج بقيد الزوجية في الحديث أم الولد والمعتدة من وطء الشبهة أو نكاح فاسد .. فلا إحداد عليهن قطعًا، لعدم الزوجية.
قال: (لا رجعية)، لبقاء أكثر أحكام النكاح فيها، بل نقل أبو ثور عن الشافعي استحبابه، ومن الأصحاب من قال: الأولى أن تتزين بما يدعوه إلى رجعتها، وينبغي تخصيصه بمن ترجو عوده.
قال: (ويستحب لبائن) وبه قال مالك، سواء كانت بخلع أو استيفاء طلاق، لأن النص إنما ورد في المتوفى عنها، وليست البائن في معناها، ولأنها مجفوة بالطلاق فلا يناسبها التفجع، بخلاف المتوفى عنها.
قال: (وفي قول: يجب) وبه قال أبو حنيفة، لأنها بائن معتدة عن نكاح فأشبهت المتوفى عنها، وهذا قديم، والأول جديد، وعن أحمد روايتان كالقولين.
وَهُوَ: تَرْكُ لُبْسِ مَصْبُوغٍ لِزِينَةٍ وإِنْ خَشُنَ، وَقِيلَ: يَحِلُّ مًا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ ويُبَاحُ غَيْرُ مَصْبُوغٍ مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَكَتَّانٍ، وَكَذَا إِبْرَيسَمٌ فِي الأَصَحِّ،
ــ
والمفسوخ نكاحها بعيب ونحوه على القولين، وقيل: لا يجب قطعًا.
قال: (وهو) أي: الإحداد (ترك لبس مصبوغ لزينة وإن خشن) فـ (لزينة) متعلق بـ (مصبوغ) أي: إن كان المصبوغ مما يقصد للزينة كالأحمر والأصفر، وكذبك الأزرق الصافي والأخضر الصافي .. حرم، لقوله صلى الله عليه وسلم:(المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب) رواه أبو داوود [2296] والنسائي [سك 5699] عن أم سلمة.
قال: (وقيل: يحل ما صبغ غزله ثم نسج) كالبرود، ففي (الصحيحين) [خ 5343 - م 938] عن أم عطية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب) وهو - بفتح العين وسكون الصاد المهملتين -: برود يعصب غزلها، أي: يجمع ويشد، ثم يصبغ ثم ينسج، والصحيح: لا فرق، لأن المحذور ميل النفوس إليها بالزينة وهو موجود في الحالتين.
قال: (ويباح غير مصبوغ من قطن وصوف وكتان) كالدبيقي والبندقي، لأن نفاستها لصنعتها لا للزينة بها.
قال: (وكذا إبريسم في الأصح) ليس للشافعي في الإبريسم نص، لكن لأصحابه فيه وجهان:
أصحهما: أنه كالقطن والكتان إذا لم تحدث فيه زينة ونفاسة في ذاته .. فيجوز المنسوج منه على اللون الأصلي.
والثاني: يحرم واختاره القفال وأتباعه والغزالي وجماعة، لأنه إنما حرم عليها للزينة فالتحقت بالرجال، فعلى هذا: لا تلبس العتابي الذي أكثره حرير.
ومحل الخلاف مع بقاء لونه الأصلي، فإن صبغ .. فكما سبق.
وأما الخز - وهو الثوب الذي لحمته حرير وسداه من صوف - فقد نص الشافعي والأصحاب على جواز لبسه، لا ستتار الإبريسم بالصوف، قال الروياني: يمنع من لبس القرقوبي والمقانع بطراز الذهب.
وَمَصْبُوغٌ لَا يُقْصَدُ لِزِينَةٍ. وَيَحْرُمُ حَلْيُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَكَذَا لُؤْلُؤٌ فِي الأَصَحِّ،
ــ
قال: (ومصبوغ لا يقص به لزينة) كالأسود الكحلي، بل في (الحاوي) وجه يلزمها لبس السواد في الإحداد، فلو كان الصبغ مترددًا بين الزينة وغيرها كالأخضر والأزرق، فإن كان براقًا صافي اللون .. حرم، وإن كان كدرًا .. فلا بأس.
ويحرم المطرز إذا كان الطراز كثيرًا، وإلا .. فأوجه: ثالثها: إن ركب بعد النسج .. حرم، وإن رقم معه .. فلا.
قال: (ويحرم حلي ذهب وفضة) سواء كان كبيرًا كالخلخال والسوار، أو صغيرًا كالخاتم والقرط، لما روى أبو داوود والنسائي بإسناد حسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المتوفى عنها زوجها لا تبلبس الحلي ولا تكتحل ولا تختصب).
و (الحَلي) بفتح الحاء وإسكان اللام، جمعه: حُلي، بضم الحاء وكسر اللام، ومراد المصنف المفرد، وهو كل ما يتزين به من ذهب وفضة أو جوهر، وإنما حرم ذلك، لأنه يزيد في حسنها، ومن هذا ما أنشده الثعالبي عن بعضهم من] الطويل [:
وما الحَلْيُ إلا زينَةٌ لنقيصةٍ .... يُتمِّمُ من حسنٍ إذا الحسنُ قصَّرا
فأمَّا إذا كانَ الجمالُ موقَّرًا .... كحُسنكِ لم يحتجْ إلى أن يزوَّرا
وقال الإمام والغزالي: يجوز لها التختم بخاتم الفضة كالرجال، والأصح: المنع.
وقال الماوردي والروياني: يحرم عليها لبس الحلي من الصفر والنحاس والرصاص المموه بذهب أو فضة إذا كان مشابهًا لهما بحيث يخفى على الناظر إلا بعد شدة تأمل، وكذا لو كانت ممن جرت عادتهن التحلي بمثله.
وأطلق المصنف حرمة الحلي من غير فرق بين الليل والنهار، وفي (الشرح) و (الروضة) عن بعض الأصحاب: أنها لو كانت ليلًا وتنزعه نهارًا .. جاز لكنه يكره لغير حاجة، فلو فعلته لإحراز المال .. لم يكره.
قال: (وكذا لؤلؤ في الأصح)، لأن الزينة فيه ظاهرة، قال تعالى:{يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} وتردد فيه الإمام، لأنه يباح للرجل، وهذا الموضع مما جعل المصنف فيه تردد الإمام وجهًا.
وَطِيبٌ فِي بَدَنٍ وَثَوبٍ وَطَعَامٍ وَكُحْلٍ، وَاكْتِحَاٌل بِأَثْمِدٍ
ــ
قال: (وطيب في بدن وطعام وثوب وكحل)، لقولة صلي الله عليه وسلم:(ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو إظفار) رواه مسلم [983]، زاد النسائي [5689]:(ولا تمتشط) ومعناه: أن تتخذ لها مشطا من طيب، وإنما حرم الأكل لأنة مس وزيادة.
وضابط الطيب المحرم: كل ما حرم علي المحرم، وتفصيل ذلك سبق في (كتاب الحج).
ويحرم عليها أن تدهن بما فيه طيب ظاهر كدهن اللبان والبنفسج والغالية، وأما الدهن الذي لأطيب فيه كالزيت والسمن .... فيحرم في الرأس واللحية إن كانت، ويجوز في غيرهما كالإحرام.
ويحرم أن تكتحل بما فيه طيب، واستثني ابن رافعة حالة طهرها من الحيض، للحديث السابق، وذكره الرافعي أيضا، وأسقطة من (الروضة).
وقال في (شرح مسلم):الرخصة في القسط والأظافر هما نوعان من البخور، وليس من مقصود الطيب، ورخص لها فيه لإزالة الرائحة الكريهة لا للتطيب، وكان الشافعي رضي الله عنه إنما لم يستثنه لأنة لم ير حديث أم عطية، والظاهر أنة يحرم علي المحرمة ذلك إذا انقطع حيضها، بخلاف المحتدة، لأنة يزيل الشعر ولا زينة فيه، وأيضا فالعدة قد يطول زمنها فرخص لها فيه لقطع الرائحة الكريهة، بخلاف المحرمة.
قال: (واكتحال بأثمد):هو مرفوع، أي: ويحرم اكتحال باثمد، للحديث السابق، لان فيه جمالا وزينة للعين، وسواء في ذلك البيضاء والسوداء علي الأصح، للإطلاق الخبر، وحكي المأسر جسي عن بعض أصحاب جوازه للسوداء. لكن يرد علي مصنف الكحل الأصفر وهو الصبر، فأنة يحرم علي السوداء، وكذا الابيض علي الأصح.
و (الاثمد) بكسرة الهمزة والميم: الكحل الأصبهاني.
إِلَّا لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ، وَإسْفِيذَاجٌ، وَدِمَاٌم، وَخِضَاُب بِحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ. وَيَحِلُّ تَجْمِيلُ فِرَاش وَأَثَاثٍ،
ــ
قال: (إلا لحاجة كرمد) فإنه يرخص فيه بحسب الحاجة، ومع ذلك تكتحل به ليلا وتمسحه نهارا، فان دعت ضرورة إلي استعماله نهارا، فان دعت ضرورة إلي استعماله نهارا .... جازا، لما روي أبو داوود [2299] والترمذي عن أم سلمة: أنها كانت حادة علي أبي سلمة فجعلت في عينها صبرا، فدخل عليها رسول الله صلي الله علية وسلم فقال: ما هذا يا أم سلمه فقالت: هو صبر ولا طيب فيه، قال:(به يشب الوجه-أي: يوقده ويحسنه-فلا تجعليه إلا بالليل وامسحيه نهارا).
فإذا دعت إليه ضرورة في النهار
…
فإنها تعذر، وكل هذا يعارضه ما رواه عبد الحق في حديث زينب بنت النحام المتقدم، فأنة يدل علي عدم الجواز مطلقا.
قال: (واسفيذاج ودمام وخضاب بحناء ونحوه) كالزعفران والورس، لما في ذلك من زينة.
و (الاسفيذاج) معروف يعمل من الرصاص، وهو بكسر الفاء واعجام الذال كما ضبطه المصنف بخطه، وفي (الدقائق) بفتحها وكسرها، وفي (الروضة) بالضم فقط.
و (الحناء) بالمد والهمز معروف، وإنما يحرم الخضاب به إذا كان فيما يظهر كالوجه واليدين والرجلين، وقال الماوردي والروياني: يجوز لها ذلك فيما تحت الثياب لكن يكره لغير الحاجة، وقال ابن يونس: يستوي في المنع من الحناء جميع البدن، ويحرم عليها تطريف أصابعها ونقش يديها.
وقول (واسيفذاج): هو مرفوع، وكذلك ما بعده عطفا علي قوله:(يحرم).
قال: (ويحل تجميل فراش وأثاث)، لأنة لا يتعلق بالبدن، ومن هنا يعلم مخالفة العدة في الإسلام لعدة الجاهلية.
وَتَنْظِيفٌ بِغَسْلِ رَاسِ، وَقَلْمِ، وَإِزَالَةِ وَسَخ. قُلْتُ: وَيَحِلُّ امْتِشَاطٌ وَحَمَّامٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خُرُوجٌ مُحَرَّمٌ. وَلَوْ تَرَكَتِ الأَحْدَادَ .. عَصَتْ
ــ
والمراد (بالفراش):ما يرقد علية من نطع ووسادة ونحو ذلك، وإما ما يتغطي به من لحاف وغيره .. قال ابن الرفعة: الأشبة أنة كالثياب، لأنة لباس.
وتعتد في بيتها وان كان أحسن المنازل، ولها أن تزيد أولادها بالحلي والمصبوغ، لان المحرم عليها ما يزيدها حسنا وتشوف الرجال إليها وهذه الأمور لا تقتضي ذلك.
وقال (وتنظيف بغسل الرأس، وقلم، وإزالة وسخ) علله الرافعي بأنة ليس من الزينة، وهو خلاف ما قاله في (الجمعة) من انه زينة، وكأنهم أرادوا هنا الزينة الداعية للجماع لا مطلقا، لا مطلقا بخلاف زينة الصلاة.
أما إزالة الشعر الذي يتضمن الزينة
…
فالمتجه فيه المنع، وسيأتي بيانه
…
قال) قلت: يحل امتشاط)، لما روي أبو داوود [2299] أن: النبي صلي الله علية وسلم قال لام مسلمة: (امتشطي) قالت بأي شي؟ قال: (بالسدر).
أما الامتشاط بالطيب والدهن
…
فحرام، وعلية حمل قولة صلي الله علية وسلم:(ولا تمتشط).
قال صلى الله عليه وسلم (وحمام إن لم يكن فيه خروج محرم)، لان ذلك ليس من الزينة في شي، وهذا القيد لم يذكره في) الروضة)، فالحكم مبني علي جواز دخول الحمام بلا ضرورة، والمرجح عند المنصف جوازه، ومنعه ابن أبي هريرة، واقتصر علية الرافعي في (السير)، وعلية جري الغزالي في) الإحياء)، وسيأتي في (الجزية) بيانه (1).
قال: (لو تركت الأحداد
…
عصت) أي: المكلفة بترك ما وجب عليها، ويعصي ولي غير الكلفة بذلك، وهذا كان المصنف يستغني عنه بما تقدم بوجوب الإحداد.
وَانْقَضَتْ عِدَّتُها كَمَا لَوْ فَارَقَتِ الْمَسْكَنَ. وَلَوْ بَلَغَتْهَا الوَفَاةُ بَعْدَ الْمُدَّةِ
…
كَانَتْ مُنْقَضِيَةً. وَلَهَا الاحْدَادُ عَلَي غَيْرِ زَوْجٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ، وَاللهُ اَعْلَمُ
ــ
قال: (وانقضت عدتها كما لو فارقت المسكن) أي: بلا عذر ..... فإنها تنقضي وتعصي، فيؤخذ من هذا: وجوب ملازمتها المسكن مدة العدة، والأولي حملة علي مطلق علي المعتدات لا علي المحتدات.
قال: (ولو بلغتها الوفاة بعد مدة ..... كانت منقضية) فلا يلزمها شي منها، هذا قول عامة الفقهاء، وعن علي والحسن البصري أنها تعتد من دخول الخبر، لأنها عبادة تحتاج فاحتاجت إلي القصد، ورد بالصغيرة، فإنها تعتد ولأقصد لها، وهذا لا يختص بالوفاة، بل لو بلغها خبر الطلاق
…
كان الحكم كذلك.
قال: (ولها الاحداد علي غير زوج ثلاثة أيام، وتحرم الزيادة والله واعلم).لمفهوم الحديث السابق، والمعني في تحيد الزيادة: أن في تعاطيه إظهار لعدم الرضا بالقضاء، والأليق لها التقنع بجلباب الصبر، وإنما رخص للمعتمدة لحبسها علي المقصود من العدة، وأما في الأيام الثلاثة. فلأنها هي أعلام تعزية وبعدها تنكسر أعلام الحزن.
وحكوا في التعزية خلافا في أن المدة معتبرة من الدفن أو من الموت وهو الأصح، فينبغي مجيئه هنا.
والمراد (بغير الزوج) القرابة لامطلقا، ويشترط في تحريم الزيادة القصد إلي ذلك، فلو فعلته لا عن قصد
…
لم تأثم، ولكن في (سنن أبو داوود) عن عمرو بن شعيب عن أبية عن جده (أن النبي صلي الله علية وسلم رخص للمرأة أن تحد علي زوجها حتى تنقضي عدتها، وعلي أبيها سبعة أيام وعلي من ساوهما ثلاثة أيام).
وفي (النهاية): الرجل كالمرأة في التحزن ثلاثة أيام، وقد يستشكل ذلك، فان النساء يضعفن عن المصائب بخلاف الرجال.
فَصْلٌ:
تَجِبُ السُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ طَلَاقٍ وَلَوْ بَائِنٍ .....
ــ
تتمة:
تقدم في (صفة الصلاة) حكم وصل الشعر والوشم ، وإما نتف بعض الشعر كتسوية الطر والحاجب .. فحرام لا بسبب الاحداد ولكنة حرام مطلقا ، لقولة صلى الله علية وسلم:) لعن الله الواصلة والمستوصلة
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ليست الواصلة بالتي تعنون. فلا باس للمرأة الزعراء أن تصل شعرها ، إنما الواصلة التي تكون بغيا في شبيبتها ، فإذا أسنت .. وصلتها بالقيادة) وقال أحمد ابن حنبل لما ذكر له ذلك: ما سمعت بأعجب من هذا.
قال: (فصل:
تجب السكنى لمعتدة طلاق ولو بائن) سواء كانت حائلا أو حاملا ، لقولة تعالى:
(اسكتوهن من حيث سكنتم من وجدكم)، وقولة (لا تخرجوا هن من بيوتهن) أي: بيوت أزواجهن ، والإضافة للسكنى ، ولو كانت إضافة ملك .. لم تختص بالمطلقات ولا يسقط هذا الحق بالتراضي، لأنه حق لله تعالى.
فان قبل: الآية في الرجعيات، لهذا لم يجعل النبي صلى الله علية وسلم لفاطمة بنت قيس سكنى ولا نفقة .. قلنا: رجوع الضمير للبعض ليس بتخصيص ، وإنما لم يجعل النبي صلى الله علية وسلم لفاطمة السكنى ، لأنها كانت تبدوا على أحماتها ، وقيل: لأنها خافت من ذلك المنزل ، لما روي مسلم [1482] من قولها:(أخاف أن يقتحم على) ولا يمكن شيء من هذا التأويل في سقوط نفقتها
وقولة: (ولو بائن) هو مجروح عطفا على ما قبلة ، أو ؤيجوز رفعة بتقدير مبتدأ محذوف) ،أي:(ولو [هي] بائن) ، والوجه نصبه، أي: لو كانت بائنا
إِلَا نَاشِرَةً، وَلِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ فِي الأَظْهَرِ
ــ
وتقييد المصنف الوجوب ب (المعتدة عن الطلاق) يقتضي: أنة لا سكنى للمعتدة عن وطء الشبهة والنكاح الفاسد، ولا لام الولد التي اعتنقها سيدها أو مات عنها، وهو كذلك، وقال الإمام: إذا كن حوامل وقلنا بوجوب النفقة علي أنها للحمل
…
وجب الإسكان، لأنة أولي بالثبوت من النفقة. قال (إلا ناشزة)، لأنها لا تستحق النفقة والسكني في صلب النكاح فبعد البينونة أولي.
ومراده: التي نشزت ثم طلقها، وكذلك التي نشزت في العدة لا سكني لها أيضا، فان عادت إلي الطاعة .. عاد حق السكني، وفي (فتاوي القفال):إن المعتدة لو أسقطت حق السكني، لم يصبح إسقاطها، لأنها تجب يوما بيوم، وا يصح إسقاط ما لم يجب.
ونستثني –مع ما ذكره المصنف-الصغيرة التي لا تحتمل الجماع فلا سكني لها علي الأصح، وذلك الأمة حيث لا نفقة علي زوجها، ومقتضي كلام الرافعي: تصحيح أنة تجب عليها مع ذلك ملازمة المسكن.
قال (ولمعتدة وفاة في الأظهر) وبه مالك وأحمد، لما روي مالك [2\ 1951] والأربعة، والحاكم [2\ 208] وابن حبان [4292] عن فريعة- بالفاء –بنت مالك ابن سنان شقيقة أبي سعيد الخردي-وكانت ممن شهد بيعة الرضوان-:إن زوجها قتل، فسالت رسول الله صلي الله علية وسلم إن ترجع إلي أهلها وقالت: إن زوجي لم يتركني في منزل يملكه، فإذن لها في الرجوع.
قالت: فانصرفت حتى إذا كانت في الحجرة أو في المسجد-دعاني فقال: (كيف قالت؟) فأعدت القصة فقال: (امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجلة) قالت: (فاعتددت فيه أربعة عشر شهرا، وهذا الحديث صحيح عمل به الفقهاء، وغلطوا ابن حزم في تضعيفه.
وَفَسْخٍ عَلَى الْمَذْهَبِ
ــ
والثاني: لا سكنى لها ، لأنة لا نفقة لها ، وبه قال أبو حنيفة والمزني ومنصور التميمي والجويني في (التبصرة) والغزالي في (الخلاصة) وغيرهم ، وحملوا قوله:(إمكثي) على الندب.
وروى البيهقي [7/ 436] باستناد صحيح: أن عليا رضي الله عنه نقل ابنته أم كلثوم من دار الإمارة بعدما استشهد عمر رضي الله عنهم بسبع ليال
وفرق ابن الصباغ بين السكنى والنفقة بان النفقة حقها فسقطت بالميراث ، والسكنى حقف الله فلم تسقط.
وموضع القولين: إذا لم يطلقها قبل الوفاء ، فإن طلقها رجعيا ثم مات .. فإنها السكنى قولا واحدا ، لأنها تستحقها بالطلاق فلم تسقط بالموت ، لكن لم يستن المصنف هنا الناشر ، وقد قال القاضي والمتولي: إذا مات وهى ناشز .. لا تستحق السكنى ، وقال الإمام: فيه نظر ، وكان ينبغي تأخير قولة:(لا ناشزة) إلى هنا.
قال (وفسخ على المذهب) ، لأنها معتدة عن نكاح صحيح بفرقة في الحياة فأشبهت المطلقة ، وقيل: قولان:
احدهما: تستحق ، لما ذكرنا.
والثاني: المنع ، لأن إيجاب السكنى إنما ورد في المطلقة ، فيبقى غيرها على الأصل.
والطريقة الثالثة: أن كان لها مدخل في الفسخ بعتقها أو عيبها .. فلا ، وإلا فقولان.
والرابعة: أن كان لها مدخل .. فلا أسكان ، وإلا .. فلها قطعا.
والخامسة: أن استندت الفرقة إلى سبب مقارن للعقد .. لم تستحقها ، وإلا .. استحقت
وصحح الشيخان في (باب مثبتات الخيار) في (النكاح) عدم الوجوب ، ولم يصرحا في (الشرح) ولا في (الروضة) هنا بترجيح ، وحيث فلنا: لا تستحق .. فللزوج إسكانها حفظا لمائه وعليها الإجابة
وَتُسْكَنُ فِي مَسْكَنٍ كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ، وَلَيْسَ لِزَوْجٍ وَغَيْرِةِ إِخْرَاجُهَا، وَلَا لَهَا خُرُوجٌ
ــ
فرع:
لو ثبتت العدة بقولها فلا سكني لها وذلك بان تدعي الإصابة وينكرها الزوج فعليها العدة بإقرارها ولا نفقة لها ولا سكني.
فرع:
قال في (أصل الروضة) إذا لم تكن للمتوفى تركة .... لم يكن علي الوارث إسكانها، فلو تبرع به .... لزمها الإجابة، وان لم يتبرع .. ففي (التهذيب) .. :أنة يستحب للسلطان أن يسكنها من بيت المال لاسيما إن كانت تتهم بريبة.
قال: (وتسكن في مسكن كانت فيه عند الفرقة)، لعموم ما تقدم، ولكن يشترط أن لائقا بها حال الطلاق، ويمكن بقاؤها فيه لكونه ملكا للزوج أو مستأجرا أو مستعارا.
قال: (ليس الزوج وغيرة إخراجها، ولا لها خروج)، لقوله تعالى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: الفاحشة المبينة: البذاءة علي أهل زوجها، فلو اتفقنا علي الخروج .. منعهما الحاكم.
ومحل ما ذكره المصنف: إذا كان الطلاق غير رجعي، إما الرجعية .. ففي (الحاوي) و (المهذب) أن للزوج أن يسكنها حيث يشاء، لأنها في حكم الزوجات، وبه جزم المصنف في) نكتة)، وفي (النهاية):أنها في ذلك كالبائن، وهو نصه في (الأم) في موضعين، وإطلاق المنصف يقتضيه.
قال الشيخ: وما قاله الشافعي أولي، لقوله تعالى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} ولأنها لا تجوز الخلوة بها فضلا عن الاستمتاع، فليست كالزوجات.
قُلْتُ: وَلَهَا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ وَفَاة ، وَكَذَا الْبَائِنُ فِي النَّهَارَ لِشِرَاءِ طَعَام وَغَزْلٍ وِنِحْوِهِ ، وِكِذِا لَيْلًا إِلَى دَارٍ جَارَةٍ لِغَزْلٍ وَحَدِيثٍ وَنَحْوِهِمَا بِشَرْطِ إَنْ تَرْجِعَ وَتَبِيتَ فِي بَيْتِهَا ،
ــ
قال: (قلت: ولها الخروج في عدة وفاة ، وكذا البائن لشراء طعام ونحوه) إما البائن .. فلما روي مسلم عن جابر {1483} قال: طلفت خالتى سلمى ، فأرادت أن تجد نخلها فزجرها رجل إن تخرج، فاتت النبي صلى الله علية وسلم فقال:) خذي نخلك ، فانك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا)
قال الشافعي: ونخل الأنصار قريب من منازلهم، والجذاذ لا يكون إلا نهارا
وإما المتوفى عنها زوجها .. فقياسيا على البائن، بل أولى
والقول الثاني - وهو القديم -: لا يجوز للمطلقة البائن أن تخرج ، لغموم:(ولا يخرجن) ، ولأنها موغرة الصدر ، بخلاف المتوفى عنها فإنها متفجعة.
وحكم المعتدة عن شبهة او نكاح فاسد حكم المتوفى عنها زوجها، وحكم المسوخ نكاحها حكم المبتوتة ، وإما الرجعية .. فزوجة لا تخرج إلا بإذنه ، وكذا الجارية المستبرأة والمسبية في زمن الاستبراء ، قاله المتولي والقاضي حسين وزاد أم الولد.
كل هذا أذا لم يكن لها من يقضيها حاجتها ، فان كان من يكفيها ذلك .. لم يجز الخروج ألا لضرورة ، قاله الإمام.
قال: (وكذا ليلا إلى دار جارة لغزل وحديث ونحوهما بشرط إن ترجع وتثبت في بيتها)، لما رواة الشافعي [ام5\ 235] والبيهقي [7\ 436] مرسلا عن مجاهد قال: استشهد رجال بيوم احد، فقالت نساؤهم: يا نبي الله، أنا نستوحش بالليل فنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا .. تبددنا إلي بيوتنا، فقال صلي الله علية وسلم:(تحدثن عند إحداكن مابا لكن، فإذا أردتن النوم .. فلتات كل امرأة منكن إلي بيتها).
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: لا يصلح للمرأة أن تبيت ليلة واحدة
وَتَنْتَقِلُ مِنَ الْمَسْكَنِ لِخَوفٍ مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ عَلَي نَفْسَهَا، أَوْ تَأَذَّتْ بِالِجيرَانِ، أَوْ هُمْ بِهَا أَذَيً شَدِيدًا، وَاللهُ أَعْلَمُ ......
ــ
إذا كانت في عدة وفاة أو طلاق في بيتها، وظاهر الخبر: أن محل جواز الخروج إذا لم يكن معها في منزلها من يؤنسها، فإذا كان
…
فيظهر أنه لا يجوز لها الخروج إلى دار الجيران.
قال: (وتنتقل من المسكن من خوف من هدم أو غرق أو علي نفسها) سواء في ذلك عدة الوفاء والطلاق، وكذلك إذا لم تكن الدار حصينة وكانت تخاف اللصوص، أو كانت بين قوم فسقه تخاف منهم على نفسها، ففى (سنن أبي داوود [2268] عن عائشة أنها قالت: كانت فاطمة بنت قيس في مكان وحش مخيف، فذلك ارخص لها النبي صلي الله علية وسلم.
وفي (صحيح مسلم)[1482] عنها أنها قالت: يا رسول الله، طلقني زوجي ثلاثا، فأخاف أن يفتح علي، فأمرها فتحولت.
قال: (أو تأذت بالجيران، أو هُم بها أذى شديدا والله واعلم)، لقول ابن عباس: هي البذاءة علي الأحماء، وكذلك كانت فاطمة بنت قيس، ووقع في (الرافعي): أنها فاطمة بنت أبي حبيش، وهو سبق قلم.
فال الرافعي: قال سعيد بن الميسب: كان في لسانها ذرابة فاستطالت على أحمائها، كذا رواه الشافعي في مسنده [1\ 302]
قال البيهقي: قد يكون العذر في نقلها خوف المنزل واستطالتها على الناس جميعا، فاقتصر كل واحد من ناقليهما علي نقل إحداهما دون الآخر، لتعلق الحكم بكل واحد منهم على الانفراد.
قال الشافعي: [ام5\ 236]: ولم يقل لها النبي صلي الله علية وسلم: اعتدي حيث شتت، ولكنة حصنها حيث رضي، إذ كان زوجها غائبا ولم يكن له وكيل بتحصينها.
وَلَوِ انْتَقَلَتْ إِلَى مَسْكَنٍ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَوَجَبَتِ الْعِدَّةُ قَبْلَ وَصُولِهَا إِلَيْهِ .. اعْتَدَّتْ فِيهِ عَلَى النَّصِّ،
ــ
تنبيهان:
أحدهما: أطلق المصنف الانتقال عند هذه الضرورات، وهو يفهم أنها تسكن حيث شاءت، وليس كذلك، بل قال الرافعي: الذي أورده الجمهور انتقالها إلى اقرب المواضع إلى ذلك المسكن، والمنصوص في (الأم): أن الزوج يحصنها حيث رضي لا حيث شاءت.
الثاني: الانتقال لا يختص بما سبق، بل حيث وجدت ضرورة كما لو طلقها في دار الحرب .. فعليها أن تهاجر، وكما إذا زنت المعتدة عن الوفاة في عدتها وهر بكر .. فإنها تغرب على الصحيح، وكذا إذا ارتحل قوم البدوية .. فإنها ترتحل معهم، وكذلك إذا رجع المعير أو انقضت مدة الإجازة وطلبا النقلة كما سيأتي.
وإذا وجب عليها حق يختص بها وهر برزة .. خرجت ولا تؤخر الحق إلى انقضاء العدة، فإذا قضت الحق .. رجعت إن بقي من العدة شيء، فإن أمكن استيفاء الحق في بيتها كالدين والوديعة .. فإنها لا تخرج.
ولا تعذر في الخروج لأغراض تعد من الزيادات دون المهمات كالزيارة والعمارة واستنماء المال بالتجارة وتعجيل حجة الإسلام وأشباهها.
قال: (ولو انتقلت إلى مسكن) أي: في البلد (بإذن الزوج ووجبت العدة قبل وصولها إليه) بأن مات أو طلق)
…
اعتدت فيه على النص)؛ لأنها مأمورة بالمقام فيه ممنوعة من الأول، فلو وصلت إليه .. اعتدت فيه قطعًا، والاعتبار ببدنها لا بالأمتعة والخدم، خلافًا لأبي حنيفة، فلو عادت إلى الأول لنقل متاع فطلقها فيه .. اعتدت الثاني، فتقابل النص ثلاثة أوجه:
أحدها: تعتد في الأول.
الثاني: في أقربهما.
والثالث: تتخير بينهما؛ لأنها غير مستقرة في واحد منهما ولها تعلق بكل منهما.
أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ .. فَفِي الأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ ثُمَّ وَجَبَتْ قَبْلَ الْخُرُوجِ. وَلَوْ أَذِنَ فِي الاِنْتِقَالِ إَلَى بَلَدٍ .. فَكَمَسْكَنٍ، أَوْ فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ تِجَارَةٍ ثُمَّ وَجَبَتْ فِي الطَّرِيقِ .. فَلَهَا الرُّجُوعُ وَالْمُضِيُّ،
ــ
قال: (أو بغير إذن .. ففي الأول) سواء حصلت الفرقة قبل وصولها الثاني أو بعده؛ لعصيانها بذلك، أما إذا لها بعد الانتقال أن تقيم فيه .. فكما لو انتقلت بالإذن.
قال: (وكذا لو أذن ثم وجبت قبل الخروج)؛ لأنه المنزل الذي وجبت فيه العدة، وسواء كانت قدمت متاعًا إلى الثاني أم لا.
قال: (ولو أذن في الانتقال إلى بلد .. فكمسكم) فإن وجد سبب الفراق بعد الانتقال إلى البلد الثاني .. اعتدت فيه، وإن كان في الطريق .. فعلى الأوجه الأربعة المتقدمة، وحكى وجه خامس: أن عليها الرجوع إلى الأول إذا لم تكن بلغت مسافة القصر، وإن وجبت بعد الدخول إلى البلد الآخر .. اعتدت فيه قطعًا.
قال: (أو في سفر حج أو تجارة) وكذا عمرة واستحلال من مظلمة.
قال: (ثم وجبت في الطريق) بأن فارقت العمارة وما يشترط مجاوزتة في حق المسافر) .. فلها الرجوع والمضي)؛ لأن في قطعها عن السفر مشقة، لا سيما إذا بعدت عن البلد وخافت الانقطاع عن الرفقة، وقيل: إن وجبت قبل مسافة القصر .. لزمها الرجوع والاعتداد في المسكن؛ لأنها كالحاضرة وهو شاذ.
وحكى الفوراني وجهًا ثالثًا فارقًا بين سفر الحج الواجب وغيره، فتمضي في سفر الحج دون غيره، وهو أيضًا شاذ لم يتعرض له الجمهور، وصاحب (الذخائر) واهم في ترجيحه، وكذلك ابن الرفعة حيث قال: إنه منصوص (الأم).
واحترز ب (سفر الحج والتجارة) عن سفر النزهة، فإذا أذن لها فيه فبلغت المقصد ثم حدت ما يوجب العدة، فإن لم يقدر الزوج مدة .. لم تقم أكثر من مدة المسافرين، وإن قدر .. فقيل الحكم كذلك، والأصح: أن لها استيفاء المدة المقدورة، ويجريان فيما لو قدر في سفر الحاجة مدة تزيد على قدر الحاجة .. فإن الزائد كالنزهة، ولو حدث سبب العدة في سفر النزهة قبل بلوغها المقصد فحيث قلنا في سفر الحاجة: فَإِنْ يجب الانصراف .. فهنا أولى، وحيث قلنا: لا يجب .. فهنا وجهان.
فَإنْ مَضَتْ .. أَقامَتْ لِقَضاءِ حَاجَتِهَا، ثُمَّ يَجِبُ الرُّجُعُ لِتَعْتَدَّ الْبَقيَّةَ فِي الْمَسْكَنِ.
وَلَوْ خَرَجَتْ إِلَى غَيْرِ الدَّارِ الْمَالُوفَةِ وَطَلَّقَ وَقَالَ: مَا أَذِنْتُ فِي الْخُرُوج .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ قَاَلَتْ: نَقَلْتَنِي، فَقَالَ: بَلْ أَذِنْتُ لِحَاجَةٍ .. صُدِّقَ عَلَى الْمَذْهَبِ.
ــ
وأما سفر الزيارة .. فكسفر النزهة على ظاهر النص، وقيل: كسفر الحاجة، ثم إذا انتهت مدة جواز الإقامة في هذه الأحوال .. فعليها الانصراف في الحال إن لم تكن انقضت مدة العدة بتمامها؛ لتعتد بقية العدة في المسكن، فإن طان الطريق مخوفًا أو لم تجد رفقة .. عذرت في التأخير، فلو علمت أن البقية تنقضي في الطريق .. ففي لزوم العود وجهان: أصحهما: يلزمهت، وهو نصه في (الأم)؛ لتكون أقرب إلى موضع العدة، ولأن تلك الإقامة غير مأذون فيها والعود مأذون فيه.
هذا كله إذا أذن لها في السفر، فأما إذا خرجت مع الزوج ثم طلقها أو مات .. فعليها الانصراف، ولا تقيم أكثر من مدة المسافرين ثلاثة أيام؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم أذن للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام، اللهم إلا إن كان الطريق مخوفًا أو لم تجد رفقة.
قال: (فإن مضت .. أقامت لقضاء حاجتها، ثم يجب الرجوه لتعتد البقية في المسكن)؛ عملًا بحسب الحاجة.
قال: (ولو خرجت إلى غير الدار المألوفة وطلق وقال: ما أذنت في الخروج صدق بيمينه)؛ لأن الأصل عدم إذنه.
قال: (ولو قالت: نقلتني، فقال: بل أذنت لحاجة .. صدق) أي: بيمينه (على المذهب)؛ لأنه اعلم بمقصده، ولأنهما لو اختلفا في أصل الإذن .. كان القول قوله، فكذا في صفته، فإن اختلفت هي ووارث الزوج كذلك .. كان القول قولها؛ لأنهما استويا في الجهل بقصد الزوج، والظاهر معها فرجح جانبها.
والطريق الثاني: قولان.
والثالث: أن تحول الزوج معها إلى المنزل الثاني فهي المصدقة عليه وعلى وارثه، وإن انفردت بالتحول .. صدقا عليها.
وَمَنْزِلُ بَدَوِيَّةٍ وَبَيْتُهَا مِنْ شَعَرٍ كَمَنْزِلِ حَضَرِيَّةٍ. وَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ لَهُ وَيَلِيقُ بِهَا .. تَعَيَّنَ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إِلَاّ فِي عِدَةِ ذَاتِ أَشْهُرٍ .. فَكَمُسْتَاجَرٍ،
ــ
والرابع: القطع بأن القول قولها مطلقًا؛ لأنها تدعي سفرًا واحدًا ومنازعها يدعي سفرين، والأصل عدم الإذن في الثاني، وبهذا قطع الماوردي.
قال: (ومنزل بدوية وبيتها من شعر كمنزل حضرية) فإذا لزمتها العدة فيه .. فعليها ملازمته، فإن كان أهلها نازلين على ما لا ينتقلون عنه ولا يظعنون إلا لحاجة .. فهي كالحضرية من كل وجه، وإن كانوا ينتقلون شتاء وصيفًا، فإن ارتحلوا جميعًا .. ارتحلت معهم كما تقدم، وإن كان الباقون أهلها وفيهم قوة .. أقامت.
وإن ارتحل أهلها وفي الباقين قوة .. فقيل: تقيم، والأصح: تتخير.
والبدوية: نسبة إلى سكنى البادية، قال سيبويه: وهو من شاذ النسب.
قال: (وإذا كان المسكن له ويليق بها .. تعين) أي: استدامتها فيه، وليس لها مفارقته، ولا تخرج منه إلا بالعذر السابق، واعتبار كون المسكن لإبقائها سيأتي في (باب النفقات) بيانه.
قال: (ولا يصح بيعه) ما لم تنقض العدة إن كانت تعتد بالأقراء أو الحمل؛ لأن المنفعة مستحقة لها، وأخر المدة غير معلوم.
قال ابن الرفعة: هذا ظاهر في الحمل، أما في الأقراء .. ففيه نظر؛ لأن العادة فيها تدوم، وإن اضطربت بزيادة أو نقص .. فعلى ندور، ولا عبرة في عقود المعاوضات بالاختلاف الواقع على ندور فيما هو شرط في العقد، بدليل أن الوؤية السابقة على العقد تكفي إذا كان المبيع لا يتغير غالبا. اهـ
وينبغي أن يستثني من منع البيع ما إذا كان قد رهنه بدين قبل ذلك، ثم حل الدين بعد الطلاق ولم يمكنه وفاؤه من موضع آخر .. فيجوز بيعه لسبق الدين.
قال: (إلا في عدة ذات أشهر .. فكمستأجر) فيخرج بيعه على القولين في بيع الدار المستأجرة، فإن صححنا فحاضت في أثنائها وانتقلت إلى الأقراء .. خرج ذلك على اختلاط الثمار المبيعة بالحادثة حيث لا يغلب التلاحق، والأصح: أنه
وَقِيلَ: بَاطِلٌ. أَوْ مُسْتَعَارًا .. زِمَتْهَا فِيهِ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُعِير وَلَمْ يَرْضَ بِأُجْرةٍ .. نُقِلَتْ، وَكَذَا مُسْتَاجَرٌ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ. أَوْ لَهَا .. اسْتَمَرَّتْ وَطَلَبَتِ الأُجْرَةَ
ــ
لا ينفسخ، بل يخير المشتري، وموضع الخلاف إذا لم تكن هي المستأجرة، فإن كانت وباعها لها .. فلا شك في الصحة.
قال: (وقيل: باطل) أي: قطعًا، ولا يخرج على القولين؛ لأنها قد تموت في المدة فترجع المنفعة للبائع وذلك غرر، بخلاف المستأجر يموت فإن منفعته تعود لورثته، ولم يصرح في) المحرر) بهذا الوجه، وعلم من هذا أن المصنف يطلق الوجه ويريد به الطريقة.
قال: (أو مستعارا .. لزمتها فيه) لانه حينئذ كالمستأجر، وليس للزوج نقلها منه إلى منزله، وقال: له ذلك؛ لئلا تحتاج إلى تحكل منة المعير.
قال: (فإن رجع المعير ولمريرض بأجرة) أي: أجرة المثل) .. نقلت) أي: وجوبًا؛ لما روة ابن حبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) لا يحل ما امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه).
ومثل رجوعه خروجه عن أهلية التبرع بجنون أو سفه أو زوال استحقاق بانقضاء إجازة او موت، فإن رضي بأجرة .. لزم الزوج بذلها وامتنع نقلها.
قال: (وكذا مستأجر انقضت مدته) فتنتقل منه إن لم يجدد المالك إجارة، وينبغي أن يتحرى أقرب المواضع إلى مكان الطلاق؛ لأنه إذا تعذر المكان المستحق يراعى أقرب موضع إليه كتفرقة الزكاة.
قال: (أو لها .. استمرت وطلبت الأجرة)؛ لأن السكنى حق لها عليه فلزم أجرته.
وكلام المصنف كالصريح في أنه يجب عليها أن تيتمر فيه، وهو ما جزم به صاحب (المهذب) و (التهذيب)، والأصح – كما في (الروضة) -: أنها إن رضيت بالإقامة فيه بأجرة أو بإعارة .. جاز، وهو أولى، وإن طلبت الانتقال .. فلها ذلك.
فَإَنْ كَانَ مَسْكَنُ النِّكَاحِ نَفِيِسًا .. فَلَهُ النَّقْلُ إِلَى لَائِقٍ بِهَا، أَوْ خَسيسًا .. فَلَهَا الاِمْتِنَاعُ. وَلَيْسَ لَهُ مُسَاكَنَتُهَا
وَمُدَاخَلَتُهَا، فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ مَحْرَمٌ لَهَا مُمَيِّزٌ ذَكَرٌ، أَوْ لَهُ أُنْثَى، أَوْ زَوْجَةُ أُخْرَى أَوْ أَمَةٌ .. جَازَ
ــ
فرع:
إذا سكنت في منزلها مع الزوج من غير طلب أجرة .. فالنص أن حقها يسقط بالسكوت، والنص فيما إذا أنفقت على نفسها من مالها ولم تطالب بالنفقة الاستقرار، فمن الأصحاب من نقل وخرج، والأكثرون على تقرير النصين.
والفرق: أن النفقة معاوضة تجب بالتمكين، وقد حصل فلم تسقط بمضي الزمان، والسكنى لمجرد حق الله فسقطت.
وفي) فتاوى ابن الصلاح): أنها إذا سكنت في منزلها معه مده .. سقط فيها حق السكنى، ولا مطالبة لها بأجرة سكنه معها إن كانت أنت له في ذلك؛ لأن الإذن المطلق العاري عن ذكر العوض منزل على الإعارة والإباحة. اهـ
قلت: هذا إذا لم يختص الزوج بمكان كخزانة لأمتعته، فإن اختص .. وجب عليه أجرة المكان المختص به إلا أن تبيحه له تصريحًا.
قال: (فإن كان مسكن النكاح نفيسًا .. فله النقل إى لائق بها)؛ لأنه الواجب عليه، والمراد: نقلها إلى أقرب موضع من مسكن النكاح؛ حتى لا يطول ترددها في الخروج، كذا نص عليه، وصرح به القاضي وغيره.
قال: (أو خسيسًا .. فلها الامتناع)؛ لأن ذلك حق لها يتجدد يوما فيومًا، فإن رضيت به .. جاز، بخلاف ما إذا رضيت بمسكن لا تأمن فيه على نفسها .. فأنه لا يجوز كما صرح به الماوردي.
قال: (وليس له مساكنتها ومداخلتها) ويعصي بذلك، لقوله تعالى:{وَلَاَ تُضّآرُّهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} أراد بذلك المسكن، ولأنه يؤدي إلى الخلوة بها وهي محرمة، وسواء كانت بائنًا أو رجعية.
قال: (فإن كان في الدار محرم لها مميز ذكر، أو له أنثى، أو زوجة أخرى أو أمة .. جاز)؛ لانتفاء المحذور، لكنه مكروه؛ لاحتمال أن يقع بصره عليها.
وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَةٌ يَسْكُنُهَا أَحَدُهُمَا وَالآخَرُ الأُخْرَى؛ فَإِنِ اتَّحَدَتِ الْمَرَافِقُ كَمَطْبَخٍ وَمُسْتَرَاحٍ .. اشْتُرِطَ مَحْرَمٌ، وَإَلَاّ .. فَلَا
ــ
ومحل الجواز: إذا كان فيه فضل على سكانها، وإلا .. وجبت تخليته لها.
وتقييده بـ (المميز) صريح في أنه لا يشترط البلوغ، وهو خلاف ما في) الشرح) و) الروضة) من اشتراطه، ونقلاه عن النص، وأكتفة أبو حامد بالمراهق، مع أن الاكتفاء بالمميز لا يعرف لأحد، ولذلك قيده في) الفتاوى) بالذي يستحيى منه ولا بد من لك وهو في الحقيقة راجع إلى مقالة أبي حامد فليحمل إطلاق الكتاب عليه، وإلا .. كان مخالفًا للنص ولوجه الشيخ أبي حامد.
وقوله: (ذكر) يقتضي أنه لا تكفي عمتها ولا خالتها، والصحيح في) أصل الروضة): الاكتفاء بذلك، بل يكفي حضور المرأة الواحدة الأجنبية الثقة، لكن ظاهر النص اشتراط النسوة الثقات كالحج.
تنبيهان:
أحدهما: لا فرق في الخلوة حيث تحرم بين الأعمى والبصير كما صرح به في (صلاة الجماعة) من) شرح المهذب)، لكن يجوز عند الضرورة كما لو وجد امرأة في برية .. فله استصحابها، بل يجب إذا خاف عليها لو تركها.
وقال العبادي في) الزيادات): لا يكون الأعمى محرمًا للمرأة في السفر، فعلى ما قال: يكون هنا كغير المميز؛ لأن المعني فيه ظاهر.
الثاني: نقل الرافعي هنا عن الأصحاب أنه لا يجوز أن يخلو رجلان بامرأة واحدة، ويجوز أن يخلو رجل بنسوة إذا كن ثقات، والفرق أن استحياء المرأة من المرأة أكثر من استحياء الرجل من الرجل، والمصنف اختلف كلامه في المسألة في أبواب، وصرح في) شرح المهذب) بتحريم خلوة الرجل بالنسوة.
قال: (ولو كان في الدار حجرة يسكنها أحدهما والآخر الأخرى؛ فإن اتحدث المرافق كمطبخ ومستراح .. اشترط محرم، وإلا .. فلا)؛ لأن اتحاد المرافق يؤدي إلى الخلوة فاشترط ما يمنع منها، بخلاف ما إذا تعددت فإنها تصير كالدارين المتجاورين.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْلَقَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ بَابٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَمَرُّ إِحْدَاهُمَا غَلَى الأُخْرَى وَسُفْلٌ وَعُلْوٌ كَدَارٍ وَحُجْرَةٍ
ــ
و (الحجرة) بضم الحاء: كل منزل محوط.
ومرافق الدار: مصاب المياه ونحوها مما يحصل به الارتفاق.
قال: (وينبغي أن يغلق ما بينهما من باب، وأن لا يكون ممر إحداهما على الأخرى) حذرًا من الوقوع في الخلوة، والسد أولى من الإغلاق، وصرح القاضي أبو الطيب والماوردي بأنه يسمره مع الإغلاق، وعبارة المصنف تقتضي أن ذلك لا يشترط، والمجزوم به في) الشرح) و) الروضة) اشتراطه.
قال: (وسفل وعلو كدار وحجرة) أي: في الحكم الذي تقرر، فبأتي فيه ما تقدم من اشتراط المحرم عند اتحاد المرافق، وعدمه عند تعددها، وسد ما بينهما، وقال في) التجريد): الأولة أن يسكنها العلو حتى لا يمكنه الاطلاع عليها.
و (العلو) مثلث العين، و (السفل) بضم أوله وكسره.
تتمة:
كل معتدة لم نوجب لها السكنة، فقال صاحب العدة أو وارثه: أنا أسكنها في موضع تقضي العدة فيه .. تلزمها الإجابة، وليس لها أن تمتنع؛ لأن له في ذلك غرضًا وهو مراعاة النسب حتى لا يشتبه أمرها عليهم فيجحدوا النسب إذا أتت بولد، وكذلك إذا لم يتبرع به صاحب العدة ولا وارثه ورأى السلطان أن يسكنها في موضع ليحصنها .. لم يكن لها أن تمتنع؛ مراعاة لحق الله تعالى.
* * *
خاتمة
إذا طلقت زوجة الملاح في سفينة ولا منزل لها سواها، فإن كانت كبيرة فيها أماكن مميزة المرافق .. اعتدت في مكانها منها، وإلا .. اعتدت في أقرب المواضع إلى الشط، فإن تعذر خروج أحدهما .. سترت وأبعدت عنه بحسب الإمكان.
* * *
كتاب الاستبراء