المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ النَّفَقَاتِ ــ   كتاب النفقات لفظها مأخوذ من الإنفاق والإخراج، وجمعت لاختلاف أنواعها، - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٨

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ النَّفَقَاتِ ــ   كتاب النفقات لفظها مأخوذ من الإنفاق والإخراج، وجمعت لاختلاف أنواعها،

‌كِتَابُ النَّفَقَاتِ

ــ

كتاب النفقات

لفظها مأخوذ من الإنفاق والإخراج، وجمعت لاختلاف أنواعها، وهي قسمان:

نفقة تجب للإنسان على نفسه إذا قدر عليها، وعليه أن يقدمها على نفقة غيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(ابدأ بنفسك ثم بمن تعول).

ولوجوبها ثلاثة أسباب: ملك النكاح وملك اليمن والقرابة.

فالأولان يوجبان النفقة للملوك على المالك ولا عكس، والثالث يوجبها لكل واحد من القريبين على الآخر؛ لشمول البعضية والشفقة.

وإنما بدأ المصنف بنفقة الزوجات لأنها واجبة بالنص والإجماع بطريق المعاوضة في مقابلة التمكين من الاستمتاع، ولا تسقط بمضي الزمان، فهي أقوى من غيرها.

والأصل في وجوبها: قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} والقيم على الغير: هو المتكفل بأمره.

قوله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَاّ تَعُولُوا} يقول: إن خفتم أن لا تعدلوا بين النساء .. فاقتصروا على واحدة أو ما ملكت أيمانكم؛ فذلك أدنى أن لا تكثر عيالكم ولا تلزمكم المؤن الكثيرة، فدل على وجوب مؤنة العيال.

واعترض على تفسير الشافعي بأن معنى: {أَلَاّ تَعُولُوا} : لا تجوروا، لا أن تكثر عيالكم، يقال: عال إذا جار، وأعال إذا كثر عياله.

وأجيب عنه بأن ما ذكره الشافعي رحمه الله منقول من جهة الأثر عن زيد بن

ص: 227

عَلَى الْمُوسِرِ لِزَوْجَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ: مُدَّا طَعَامٍ، وَمُعْسِرٍ مُدٌّ، وَمُتَوَسِّطٍ مُدٌّ وَنِصْفٌ ......

ــ

أسلم، ومن جهة اللغة عن الكسائي وإن كان أعال في كثرة العيال أكثر.

واستنبط بعضهم وجوب النفقة من قوله تعالى: {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى} ولم يقل: (فتشقيان) فدل على أن آدم يتعب لنفقته ونفقتها، وبنوهما على سننهما.

وروى مسلم [1218/ 147] عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: (فاتقوا الله في النساء - إلى أن قال-: ولهن عليهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف).

وقال صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف).

وقال: (قال الله تعالى: يا ابن آدم؛ أنفق .. أنفق عليك).

وقال: (اللهم؛ أعط منفقًا خلفًا).

وقال رجل من الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالًا، فقال:(بذلك أمرت).

ولما أباح الله تعالى للزوج أن يضر المرأة بثلاث ضرائر ويطلقها ثلاثًا .. جعل لها عليه ثلاث حقوق مؤكدات: النفقة والكسوة والإسكان، وهو يتكلفها غالبًا، فكان له عليها ضعف ما لها عليه من الحقوق؛ لضعف عقلها.

والحقوق الواجبة بالزوجية سبعة: الطعام، والإدام، والكسوة، والسكنى، وآلة التنظيف، ومتاع البيت، وخادم إن كانت ممن يخدم، وكذلك رتبها المصنف.

قال: (على الموسر لزوجته كل يوم: مدا طعام، ومعسر مد، ومتوسط مد ونصف) هذا هو الواجب الأول وهو الطعام، وقدره يختلف باختلاف حال الزوج في

ص: 228

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اليسار والإعسار، ولا تعتبر فيه الكفاية، ولا ينظر إلى حال المرأة في الزهادة والرغبة، ولا في منصبها وشرفها، وتستوي المسلمة والذمية والحرة والأمة.

واحتج الأصحاب رحمهم الله لأصل التفاوت بقوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ومَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} .

فأما اعتبار مدين للموسر .. فلأنها مقدرة بالاجتهاد؛ لأنها لو اعتبرت بقدر الحاجة .. لسقطت نفقة المريضة ومن هي مستغنية بالشبع في بعض الأيام، فألحقت بما يشبهها وهي الكفارة؛ لأنها طعام وجب بالشرع لسد الجوعة، ولهذا اعتبر الله تعالى طعام الكفارة بنفقة الأهل بقوله:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} وأكثر ما في الكفارة للواحد مدان في كفارة الحلق ونحوه، وأقله مد في اليمين وغيرها، فهنا كذلك، والمتوسط لو ألزم المدين .. لضره، ولو اكتفى منه بمد .. لضرها فلزمه مد ونصف.

ووراء ما ذكره المصنف قولان ووجه:

أحد القولين - وهو مذهب أبي حنيفة -: أن الواجب الكفاية من غير تقدير كنفقة القريب؛ لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم لهند: (خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك)، ولأنها في مقابلة التمكين، وهو مقدر بكفاية الزوج، فكذلك النفقة.

والثاني: أن القاضي يقدرها باجتهاده.

والوجه محكي عن ابن خيران: أنها لا تتقدر بالمقادير المذكورة، بل يتبع فيها عرف البلد، وقد تقدم عنها في (الكفارة) ما يوافق ذلك.

واعتبر مالك أبو حنيفة حال المرأة، فيختلف القدر بحبسها.

ونظر أحمد إلى حال الزوجين جميعًا، فأوجب على الموسر للفقيرة. نفقة متوسط.

ويستثنى من إطلاق المصنف المكاتب؛ فالمنقول إلحاقه بالمعسر.

وفي المبعض وجهان: أصحهما: أنه كذلك وإن كثر ماله ببعضه الحر، كذا صححه الشيخان هنا، وألحقاه في

(الكفارة) بالموسر فأوجبا عليه التكفير بما عدا العتق، وذكرا في نفقة الأقارب مثله فأوجبا عليه نفقة كاملة كما سيأتي

ص: 229

واَلْمُدُّ: مِئَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ. قُلْتُ: اَلأَصَحُّ: مِئَةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمِسْكِينُ اَلزَّكَاةِ مُعْسِرٌ، وَمَنْ فَوْقَهُ إِنْ كَانَ لَوْ كُلِّفَ مُدَّيْنِ رَجَعَ مِسْكِينًا .. فَمُتَوَسِّطٌ، وَإِلَاّ .. فَمُوسِرٌ. وَاَلْوَاجِبُ: غَالِبُ قُوتِ اَلْبَلَدِ

ــ

وإطلاقهم هنا (اليوم) مرادهم مع ليلته كما صرح به الرافعي في الفسخ بالإعسار؛ لأن النفقة بمضيها تستقر، ويؤيده قولهم: إنها تجب بطلوع الفجر.

قال: (والمد: مئة وثلاثة وسبعون درهمًا وثلث درهم) هذا تفريع على أن رطل بغداد مئة وثلاثون درهمًا.

قال: (قلت: الأصح: مئة وأحد وسبعون درهمًا وثلاثة أسباع درهم والله أعلم)؛ لأن الأصح عنده أن رطل بغداد تسعون مثقالًا كما تقرر في (زكاة النبات)، ولو حذف المصنف ذلك .. لاستغنى عنه بما قرره هناك.

قال: (ومسكين الزكاة معسر) ففقير من باب أولى، ومراده الكلام فيما يعتبر به اليسار والإعسار والتوسط، وفي ذلك أوجه: أشهرها: أنه يرجع فيه إلى العادة، ويختلف ذلك باختلاف البلاد والأحوال.

وقال القاضي وغيره: الموسر: من يزيد دخله على خرجه، والمعسر: عكسه، والمتوسط: من استوى أمراه.

قال: (ومن فوقه إن كان لو كلف مدين رجع مسكينًا .. فمتوسط، وإلا .. فموسر) قال الرافعي: وهذا أحسن الحدود، ولابد مع ذلك من النظر إلى الرخص والغلاء، وقلة العيال وكثرتها، حتى إن الشخص قد تجب عليه لزوجة واحدة نفقة الموسر، ولا تجب عليه لو كان ذا زوجتين أو أكثر إلا نفقة المتوسط أو المعسر.

والقدرة على الكسب الواسع لا تخرجه عن حد الإعسار في النفقة، وإن أخرجته عن استحقاق سهم المساكين، قاله الغزالي، وتبعه الرافعي، وفي (التهذيب): أن القدرة بالكسب كالقدرة بالمال.

قال: (والواجب: غالب قوت البلد) من حنطة أو شعير أو أرز أو ذرة أو تمر أو

ص: 230

قُلْتُ: فَإِنِ اَخْتَلَفَ .. وَجَبَ لَائِقٌ بِهِ، وَيُعْتَبَرُ اَلْيَسَارُ وَغَيْرُهُ بِطُلُوعِ اَلْفَجْرِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ .....

ــ

غيرها، حتى الأقط في أهل البادية الذين يقتاتونه؛ لأن الله تعالى أوجبها بالمعروف، ومن المعروف أن يطعمها من غالب ما يقتاته أهل بلدها، ولأنه يشبه الفطرة وهي معتبرة بذلك.

وذهب ابن سريج إلى أنه لا نظر إلى غالب قوت البلد، بل الاعتبار بما يليق بحال الزوج؛ إلحاقًا للجنس بالقدر.

قال: (قلت: فإن اختلف) أي: قوت البلد ولم يكن فيها غالب) .. وجب لائق به) كما أنه المعتبر.

وفي (الحاوي) وجه: أنه عند الاختلاف يجب لها غالب قوت مثلها، فإن كان مختلفًا .. خير الزوج.

وإذا اختلف الزوجان في اليسار، فادعته المرأة وأنكره الزوج .. فالقول قوله ما لم يتحقق له مال.

قال: (ويعتبر اليسار وغيره بطلوع الفجر والله أعلم) فإن كان موسرًا حينئذ .. فعليه نفقة الموسرين، وإن كان متوسطًا أو فقيرًا .. فكهما.

وإنما تسلم النفقة أول النهار لأن الواجب الحب، فتحتاج إلى طحنه وخبزه ولو لم يسلم إليها أول النهار .. لحصل لها الضرر.

واعتبر في (المهذب) طلوع الشمس، وهو الذي جزم به الرافعي في (كتاب الضمان).

وقال الماوردي: أول النهار، وظاهره يقتضي طلوع شمسه.

قال في (البسيط): ومعناه أنها تجب بذلك وجوبًا موسعًا كالصلاة، أو معناه أنه وجب تسليمها، وإن ترك .. عصى، لكنه لا يحبس ولا يخاصم، قال الإمام: ولا يلازم ولا يوكل به، فإن قدر على إجابتها .. فهو حتم عليه لا يجوز تأخيره.

هذا في الممكنة قبل الفجر، وأما الممكنة بعده .. فيعتبر الحال عقب تمكينها، لكن يستثنى من ذلك ما إذا سافر سفرًا طويلًا، قال البغوي في (فتاويه): لها أن

ص: 231

وَعَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا حَبًّا، وَكَذَا طَحْنُهُ وَخَبْزُهُ فِي الأَصَحَّ

ــ

تطالبه قبل سفره بنفقة جميع المدة للذهاب والإياب، كما لم يخرج إلى الحج حتى يترك لها هذا القدر. اهـ

والفرعان غريبان أعني: مطالبتها قبل السفر بذلك وإلزامه في الحج به، والأصح: جواز سفر من عليه دين مؤجل يعلم أنه يحل قبل رجوعه وإن لم يستأذن غريمه ولم يترك له وفاء.

قال: (وعليه تمليكها حبًا)؛ لأنه أكمل في النفع لتتصرف فيه كيف شاءت قياسًا على الكفارات وزكاة الفطر، وهذا إذا كان الحب غالب قوتهم، فإن غلب التمر أو اللحم أو الأقط .. فهو الواجب لا غير؛ لأنه يؤكل كذلك.

واستشكل الشيخ عز الدين تقدير الحب؛ فإن ما يضم إليه من مؤنة إصلاحه مجهول، وهو إذا ضم إلى معلوم .. صار كله مجهولًا، قال: ولم يعهد في السلف والخلف أن أحدًا أنفق على زوجته حبًا مع مؤنة إصلاحه، بل الإنفاق مما يأكلون في عادتهم.

والذي قاله الشافعي يؤدي إلى أن يموت الشخص، ونفقة زوجته في ذمته؛ لأن المعاوضة عنها لا تصح بما يطعمها من التمر واللحم، ولو جاز أن يكون عوضًا .. لم تبرأ ذمته منها؛ لأنهما لم يتعاقدا عليه، ولا يخفى أن المراد: الحب السليم، فلا تجبر على قبول المعيب منه.

وفي (أدب القضاء) للإصطخري: لا يجب من الخبز إلا الخشكار وإن كان ملكًا.

وتعبيره بـ (التمليك) يقتضي اعتبار الإيجاب والقبول، وليس مرادًا، بل الواجب الدفع، ويكفي الوضع على قياس الخلع، وأنها تملك التصرف فيه بإبدال وهبة وغير ذلك، لكن تستثنى من ذلك الزوجة الأمة؛ فإن الدفع لمالكها لا لها.

قال: (وكذا طحنه وخبزه في الأصح) أي: مؤنة الطحن والخبز ببذل مال، أو يتولى ذلك بنفسه أو بغيره.

ص: 232

وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا بَدَلَ الحَبَّ .. لَمْ يُجْبَرِ الْمُمْتَنِعُ، فَإِنِ اعْتَاضَتْ .. جَازَ فِي اَلأَصَحَّ،

ــ

والثاني: لا يلزمه ذلك كالكفارات.

والثالث: إن كانت ممن عادتهم الطحن والخبز بأيديهم .. لم يجب، وإلا .. وجب، وبهذا جزم ابن الرفعة في (الكفاية)، وقال في (المطلب): ينبغي أن يجب عليه تحصيل آلة الطبخ والخبز من الوقود وغيره، فلو باعت الحب أو أتلفته .. ففي استحقاقها مؤنة طحنه وخبزه تردد للإمام ميل الغزالي إلى وجوبه والرافعي إلى عدمه.

قال: (ولو طلب أحدهما بدل الحب .. لم يجبر الممتنع)؛ لأنه خلاف الواجب، والاعتياض شرطه التراضي.

قال: (فإن اعتاضت .. جاز في الأصح)؛ لأنه طعام مستقر في الذمة لمعين، فكان لها أخذ العوض عنه كالقرض، هذا إذا اعتاضت نقدًا أو ثيابًا ونحوها من العروض.

والثاني: لا يجوز كالمسلم فيه وطعام الكفارة.

وقيل: يجوز الاعتياض عن النفقة المستقرة الثابتة في الذمة دون المستقبلة، وكأن المراد بالمستقبلة: نفقة اليوم قبل مضيه؛ فإنها معرضة للسقوط، قاله ابن الرفعة.

وقال الرافعي: لا يفرض للزوجة في القوت دراهم.

ونقل في (الجواهر) عن ابن كج: أنه يجوز للقاضي أن يفرض لها دراهم عن الخبز والإدام وتوابعها.

وفي (إيضاح الصيمري): أنه لا يمتنع فرض الدراهم عن الأدم والكسوة، وهذا الذي اصطلح عليه الحكام في زماننا، قال: ولو أن حاكمًا فرض ذلك .. لم ينقض حكمه؛ لأنها مسألة اجتهادية، ووافقه الشيخ نجم الدين البالسي على ذلك.

قال: ومن هنا يؤخذ أن الحاكم إذا خالف نص إمامه .. لا ينقض حكمه.

ص: 233

إِلًا خُبْزًا وَدَقِيقًا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ أَكَلَتْ مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ .. سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي الأصَحِّ

ــ

قال الزبيلي: وحيث جوزنا .. فلا يفترقان إلا عن قبض؛ لئلا يصير دينًا بدين.

وشمل إطلاق المصنف الأخذ من غير الزوج، قال في:(الروضة): ولا يجوز قطعًا.

قال: (إلا خبزًا ودقيقًا على المذهب)؛ فرارًا من الربا.

والثاني: يجوز رفقًا ومسامحة، وعليه العمل خلفًا وسلفًا، والراجح طريقة الخلاف لا طريقة القولين، وهذا إذا كان العوض من جنس المعوض كخبز الحنطة عنها، فإن كان عن شعير وذرة .. جاز؛ لاختلاف الجنس كما يجوز بيعه به.

قال: (ولو أكلت معه على العادة .. سقطت نفقتها في الأصح) إذا أكلت المرأة مع الزوج مختارة على العادة .. ففي سقوطها نفقتها وجهان:

أصحهما: أنها تسقط؛ لجريان الناس عليه في الأمصار، واكتفاء الزوجات به في أشرف الأعصار وهو زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار، ولم ينقل أن امرأة طالبت بنفقة بعده، ولو كانت لا تسقط مع علم النبي صلى الله عليه وسلم بإطباقهم عليه .. لأعلمهم بذلك، ولقضاه من تركاتهم، وهذا أدل دليل على أن الواجب لها الكفاية بالمعروف بحسب الحال، لا التقدير بالأمداد ونحوها.

والثاني - وهو الأقيس -: أنها لا تسقط ولو أقاما على ذلك أعوامًا؛ لأنه لم يعط الواجب وتطوع بغيره.

وبني بعضهم الوجهين على الخلاف في المعاطاة، إن جعلناها بيعًا .. برئت ذمته، وإلا .. فلا، وغرمت ما أكلت.

قال الرافعي: وليكن هذا مفرعًا على جواز اعتياض الخبز عن النفقة.

ومحل الوجهين إذا لم ترض بذلك عوضًا، فإن رضيت به .. سقط قطعًا، كذا قاله في (الذخائر)، وغلط فيه.

وقول المصنف: (معه) ليس بقيد، فلو أرسل إليها الطعام أو أحضرته وأكلته

ص: 234

قُلْتُ: إِلَاّ أَنْ تَكْونَ غَيْرَ رَشِيدَةٍ وَلَمْ يَاذَنْ وَلِيُّهَا، وَاللهُ أَعَلَمُ. وَيَجِبُ أُدْمُ غَالِبِ الْبَلَدَ كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ وَجُبْنٍ وَتَمْرٍ، .....

ــ

وحدها .. فكذلك الحكم، ويبقى النظر فيما لو أضافها رجل فأكلت عنده .. هل تسقط؟ والظاهر: لا، إلا أن يكون المقصود إكرام الزوج .. فتسقط.

وتعبيره بـ (الأصح) مخالف لتعبير (الروضة) بـ (الصحيح).

قال: (قلت: إلا أن تكون غير رشيدة ولم يأذن وليها والله أعلم)؛ لأن الزوج في هذه الحالة متطوع، كذا قاله المصنف.

والصواب المفتى به: السقوط، ولا عبرة بما في (المنهاج)، فلو طرأ سفه الزوجة بعد رشدها ولم يعد الحجر عليها .. لم يفتقر السقوط بالأكل مع الزوج إلى إذن الولي على المذهب؛ لنفوذ تصرفها ما لم يتصل بها حجر الحاكم.

كل هذا في الحرة، أما الأمة إذا وجبت نفقتها .. فالمعتبر فيها رضا السيد المطلق التصرف.

وظاهر عبارة المصنف أنها بالإذن تصير كالرشيدة، وهو مشكل في الصغيرة؛ لأن قبضها غير معتد به وإن أذن الولي، اللهم إلا أن يجعل الزوج كالوكيل في إنفاقه عليها، ويشهد له ما لو خالعها على إرضاع ولده منها وعلى طعام في ذمتها، وإن أذن لها في إنفاقه على الصغير .. فإنه يبرأ على المذهب.

قال: (ويجب أدم غالب البلد كزيت وسمن وجبن وتمر) هذا هو الواجب الثاني.

ودليله قوله تعالى: {وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وليس من المعروف ان يدفع إليها الحب بلا أدم؛ لأن الخبز لا ينساغ غالبًا إلا به.

وقال ابن عباس في قوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} : (الخبز والزيت).

وقال ابن عمر: (الخبز والسمن، أو الخبز والتمر) وأما كونه من غالب أدم

ص: 235

وَيَخْتَلِفُ بِالْفُصُولِ، وَيُقَدِّرُهُ قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ، وَيُفَاوِتُ بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ، وَلَحْمٌ يَلِيقُ بِيَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ كَعَادَةِ الْبَلدِ،

ــ

البلد .. فالعرف يقضي بذلك، فإن كان بالعراق .. فالأدم الشيرج، وإن كاتن بخراسان أو الحجاز .. فالسمن، وإن كان بمصر والشام .. فالزيت.

وروى الخطيب وابن عبد البر عن أبي أُسيد الأنصاري وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كلوا الزيت وادهنوا به؛ فإنه من شجرة مباركة).

ذوما نقل عن الشافعي من أنه مكيلة زيت أوسمن .. فقال ذلك تقريبًا لا تقديرًا.

والمراد بالمكيلة: أربعون درهمًا، وإنما فرض الشافعي الدهن لأنه أكمل ما يؤتدم به وأخف مؤنة؛ لاستغنائها عن طبخ وكلفة.

قال: (ويختلف بالفصول) فيفرض لها في كل فصل ما يليق به ويعتاده الناس، فق تغلب الفواكه في أوقاتها، فيجب الرطب في وقته واليابس في وقته، قال الرافعي: والمعتبر في جنس القوت والأدم عادة الزوج.

قال: (ويقدره قاض باجتهاده) أي: عند التنازع (ويفاوت بين موسر وغيره) فيفرضه على الموسر قدره وعلى المقتر قدره.

قال: (ولحم يليق بيساره وإعساره كعادة البلد) قدرًا ووقتًا، فإن أكلوه في كل أسبوع مرة .. فلها كذلك، ويوم الجمعة أولى؛ فإنه أولى بالتوسع فيه، أو مرتين .. فمرتين، والجمعة والثلاثاء أولى؛ ففي (شعب البيهقي) [5662] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للقلب فرحة عند أكل اللحم، وما دام الفرح بأمر .. إلا أشر وبطر، فمرة ومرة).

قال: وقال عمر: (إياكم واللحم؛ فإن له ضراوة كضراوة الخمر).

قال الأصحاب: وقول الشافعي: يطعمها في كل أسبوع رطل لحم ذكره على عادة

ص: 236

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أهل مصر؛ لعزة اللحم عندهم يومئذ، فأما حيث يكثر اللحم .. فيزداد بحسب عادة البلد.

وحملة الرافعي على المعسر، وعلى الموسر رطلان، والمتوسط رتل ونصف.

وقال البغوي: يجب في وقت الرخص على الموسر في كل يوم رطل، وعلى المتوسط في كل يومين أو ثلاثة، وعلى المعسر في كل أسبوع، وفي وقت الغلاء يجب في أيام مرة على ما يراه الحاكم.

وقال آخرون – منهم القفل-: لا مزيد على ما قاله الشافعي في جميع البلاد؛ لأن فيه كفاية لمن قنع.

قال الرافعي: ويشبه أن يقال: لا يجب الأدم في اليوم الذي يعطيها فيه اللحم، ولم يتعرضوا له.

ويحتمل أن يقال: إذا أوجبنا على الموسر اللحم كل يوم .. يلزمه الآدم أيضا؛ ليكون أحدهما غداء والآخر عشاء على العادة، لكن في (سنن ابن ماجه) [3305]: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى اللحم إدامًا فقال: (سيد إدام أهل الدنيا والآخرة اللحمُ).

لو تبرمت بالجنس الواحد من الأدم .. فوجهان.

أحدهما: يلزم الزوج إبداله؛ إذ لا مشقة عليه.

وأصحهما: لا يلزمه، وتبدل هي إن شاءت، كذا قاله الشيخان، وفيه نظر؛ لأنه ليس من المعاشرة بالمعروف، والعرف لا يساعد عليه.

وفي (أمالي السرسخي): أنها لو صرفت شيئا من الأدم، إلى القوت أو عكسه .. جاز ولا اعتراض للزوج.

وقيل: له المنع من إبدال الأشرف بالأخس.

قال الرافعي: والقائل به يقول: له منعها من ترك التأدم بطريق الأولى.

ص: 237

وَلَوْ كَانَتْ تَاكُلُ اَلْخُبْزَ وَحْدَهُ .. وَجَبَ اَلأُدْمُ. وَكِسْوَةٌ تَكْفِيهاَ؛

ــ

ويجب لها على الزوج الملح والحطب وأجرة الطبخ إن لم تعتد فعل ذلك بنفسها.

قال: (ولو كانت تأكل الخبز وحده .. وجب الأدم) ولم يسقط حقها بعدم الأكل كما لو كانت تأكل بعضض الطعام الواجب لها.

فإن قيل: لم سكت المصنف عن المشروب ولا شك في وجوبه؟ فالجواب: أنه يؤخذ من قوله فيما بعد: (تجب ألات أكل وشرب)، فإذا وجب الظرف .. فكذا المظروف.

وأما تقديره .. فالظاهر أنه الكفاية، ويكون إمتاعا لا تمايكًا، حتى لو مضت عليخ مدة ولم تشربه .. لم تملكه.

وإذا شرب غالب أهل البلد ماء ملحًا وخواصها عذبًا .. وجب ما يليق بالزوج.

قال: (وكسوة تكفيها) هذا هو الواجب الثالث، فيجب على الزوج كسوة زوجته على ما قال تعالى (وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).

وفي (سنن أبي داوود)[2135] و (النسائي)[سك 9126] و (ابن ماجه)[1850] و (الحاكم)[2/ 187 - 188] عن معاوية بن حيدة: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حق الزوجة على الزوج فقال: (أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت).

ولأن الكسوة كالقوت في أن البدن لا يقوم إلا بها، فتجب كسوتها على قدر الكفاية، وتختلف بطول المرأة وقصرها، وهزالها وسمنها، وباختلاف البلاد في الحر والبرد، ولا يختلف عدد الكسوة بيسار الزوج وإعساره، ولكنهما يؤثران في الجودة والرداءة، ولا يكفي ما يقع عليه الاسم بالإجماع، بخلاف الكفارة.

ووجهه البغوي بأن استمتاعه يقع بجميع البدن فعمه بالكسوة.

ونقل الرافعي عن السرخسي والمروروذي: أنه يعتبر في الكسوة حال الزوجين جميعا، فيجب عليه ما يلبس مثله مثلها.

وحكي صاحب (الذخائر) عن بعضهم: أنه ينظر فيها إلى حال الزوجة، فلا يفرض لها ما يجاوز حد مثلها.

ص: 238

فَيَجِبُ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَخِمَارٌ وِمُكْعَبٌ،

ــ

فإن قيل: لم اتعبرتم الكفاية في الكسوة دون القوت؟ قلنا: لأن الكفاية في الكسوة محققة بالمشاهدة، وفي القوت غير مشاهدة ولا محققة.

و (الكسوة) بضم الكاف وكسرها، و (تكفيها) بفتح أوله.

قال: (فيجب قميص وسراويل وخمار ومكعب)؛ لحصول الكفاية بذلك، فإن القميص يستر ظاهر البدن، والسراويل أسفله ويصون العورة، والخمار يستر الرأس، والمكعب يقي قدميها الحر والبرد.

قال ابن الرفعة: وكذلك القبقاب إن اقتضاه العرف.

وظاهر عبارته: وجوب كون القميص والسراويل مخيطين؛ إذ لا يصدقان إلا بذلك، وبه صرح صاحب (المعاياه) لكن قال الرافعي: قبيل (باب نفقة الأٌقارب): يجب تسليم الثياب وعليه مؤنة الخياطة، وينبغي أن يختلف ذلك باختلاف العادة.

وهل يجب الجديد؟ قال ابن الصلاح: يتبع في المغسول القوي عادة البلد.

وإيجاب السراويل مخصوص بمن عادتهن لبسه، فلو كانت تلبس فوطة أو مئزرًا .. فهو الواجب، قال الماوردي، قال: ولو كانت عادتهن عدم لبس شيء أصلًا .. ففي تركه هتك عورة فيؤخذان بذلك لحق الله تعالى، بخلاف ما لو اعتاد بعض سكان القرى الحفاء في المنازل، فإنه لا يجب لهن مداس.

وعن الشيخ أبي محمد: أن السراويل تجب في الشتاء دون الصيف، وفي (الحاوي) خلافه.

وتقدم في (باب الفلس) الكلام على لفظ السراويل.

وسكتوا عن تكته، والظاهر وجوبها، وظاهر إطلاقهم أنها تستوي في ذلك لالحرة والأمة إذا وجبت نفقتها.

قال الرافعي: أراد الغزالي بالخمار: المقنعة، وقد يخص اسم الخمار بما يجعل فوقها، ولذلك قال في (الأم) و (المختصر): خمار ومقنعة.

ص: 239

وَتُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً، وَجِنْسُهِا قُطْنٌ، فَإِنْ جِرِتْ عِادِةُ الْبِلِدِ لِمِثْلِهِ بِكَتَّانٍ أِوْ حِرِيرٍ .. وَجَبَ فِي الأِصَحِّ. ويَجِبُ مِا تِقْعُدُ عَلَيْهِ كِزِلِّيَّةً أَوْ لِبْدٍ أِوْ حَصِيرٍ،

ــ

و (المكعب): مداس الرجل، وجمع في (الروضة) بين المداس والمكعب والنعل.

وقال: (وتزداد في الشتاء جبة) أي: محشوة قطنا لدفع البرد، فلو لم تكف الجبة الواحدة لشدة البرد .. فقياس الباب الزيادة، وقد يقوم الفرو مقام الجبة إذا اعتادت لبسها.

وقال السرسخي: وإذا لم يستغن في البلاد الباردة بالثياب عن الوقود .. وجب من الفحم والحطب بقدر الحاجة، وظاهر كلامه تكرر الجبة كل سنة.

ونص في (الأم) على أنها لا تكرر، وسواء فيما ذكرناه الحضرية والبدوية على المذهب.

وفي (الحاوي): يعتبر في الكسوة والطعام موضع إقامتها، فلو نكح حضري بدوية وأقاما في البادية .. وجب عرفهم، أو في الحاضرة، ويقاس عليه عكسه.

قال: (وجنسها) أي: جنس الكسوة (قطن)؛ لأنها لباس أهل الدين.

قال: (فإن جرت عادة البلد لمثله بكتان أو حرير .. وجب في الأصح)؛ اتباعًا للعادة.

والثاني: لا يلزم ذلك، ويقتصر على القطن، وهو ظاهر النص.

والأولون حملوا النص على عادة زمنهم، وتفاوت بين الموسر والمعسر في مراتب ذلك الجنس من اللين والخشونة.

فإن اعتيد لبس الثياب الرقيقة التي لا تستر ولا تصح فيها الصلاة .. لم يعطها منه، لكن مما يقرب منها في الجودة.

و (الكتان) بفتح الكاف وكسرها، لغتان شهيرتان.

قال: (ويجب ما تقعد عليه كزلية أو لبد أو حصير) هذا هو الواجب الرابع،

ص: 240

وَكَذَا فِرَاشٌ لِلنَّوْمِ فِي الأَصَحِّ،

ــ

وهو متاع البيت وهو ينقسم إلي فرش وغيره، فأما الفرش .. فعلى الزوج أن يعطيها ما تفرشه على الأرض للقعود عليه، والمتبع في ذلك العادة، فعلى الموسر قطيفة في الشتاء ونطع في الصيف، وعلى المتوسط زلية، وعلى الفقير حصير في الصيف ولبد في الشتاء.

قال الرافعي: ويشبه أن الطنفسة والنطع لا يبسطان وحدهما.

وقوله: (زلية أو لبد أو حصير) ليس المراد التخيير، بل التنويع فالزلية على الموسر، واللبد على المتوسط، والحصير على المعسر، ويختلف ذلك باختلاف حال الزوج.

و (الزلية) بكسر الزاي وتشديد اللام، جمعها زلالي، وهي القطيفة، وقيل: بساط صغير.

و (اللبد) بكسر اللام، جمعه لبود، وهو معروف.

و (الحصير): ما يبسط في البيت، قال في (العباب): سألني والدي عن قولهم: أثر حصيرُ الحصيرِ في حصير الحصير فلم أعلم، فقال:(الحصير): الملك؛ أي: أثرت حصير الحبس في جنب الملك.

قال: (وكذا فراش للنوم في الأصح)؛ للعادة الغالبة، فيجب ما اقتضاه العرف من ذلك.

واستدل له الخطابي بما روى أبو داوود [4139] وغيره عن جابر قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرش فقال: (فراش للرجل، وفراش للمرأة، وفراش للضيف، والرابع للشيطان).

قال: وفيه من السنة أن يبيت الرجل على فراش وحده وزوجته على فراش آخر، ولو كان المستحب لهما أن يبيتا على فراش .. لكان لا يرخص له في اتخاذ فراشين لنفسه ولزوجته، وهو إنما يأمره بالاقتصار على أقل ما تدعو إليه الحاجة.

والوجه الثاني: لا يجب عليه ذلك، وينام على ما يفرشه نهارًا.

ص: 241

وَمِخَدَّةٌ وَلِحَافٌ فِي الشِّتَاءِ. وَآلةُ تَنْظِيفٍ كَمُشْطٍ، وَدُهْنٍ، ومَا يَغْسِلُ بِهِ الرَّاسَ،

ــ

والثالث: يجب ذلك لامرأة الموسر دون امرأة المعسر.

قال: (ومخدة)؛ لقضاء العرف بذلك، وهي بكسر الميم، ويقال لها: الوسادة، وكان لسيد المرسلين وسادة من أدم حشوها ليف.

قال: (ولحاف في الشتاء) ويقوم مقامه الكساء، وخص الشافعي والجمهور وجوبه بالبلاد الباردة، وأوجب الغزالي مع ذلك الشعار، والأكثرون سكتوا عنه.

قال الرافعي: ويمكن تخصيص الشعار بالصيف كما يخصص اللحاف بالشتاء، ويمكن أن يقال: في الشتاء الشعار مع اللحاف كما يجب القميص مع الجبة، والحكم في جميع ذلك على العادة.

قال: (وآلة تنظيف كمشط، ودهن، وما يغسل به الرأس) من سدر أو خطمي أو طيب على عادة البقعة، هذا هو الواجب الخامس، والمرجع فيه إلى عادة الناحية، وإنما وجب ذلك لأنها تحتاج إليه لإصلاح شعرها فلزمه كنفقة بدنها، ويفاوت في ذلك بين الموسر والمتوسط والمعسر كأصل النفقة.

ويلتحق بما ذكرناه الصابون والأشنان والقلي للثياب كما صرح به في (المهذب)، زاد في (الكافي): في كل أسبوع أو عشرة أيام.

والمشط فيه ثلاث لغات تقدمت في (الجنائز).

وقال في (الكفاية): المراد بـ (المشط) هنا: الآلة المستعملة في ترجيل الشعر إذا كان ذلك من عرف بلادهم، ولذلك ضبطه في (البحر) بفتح الميم.

ويعتبر في الدهن العادة، ففي بلاد يدهن بالزيت كالشام ومصر، وفي بعضها بالشيرخ كالعراق، وفي بعضها بالسمن كالحجاز، وفي بعضها بالمطيب بالورد والبنفسج.

ص: 242

وَمَرْتُكٌ وَنَحْوُهُ لِدَفْعِ صُنَانٍ، لَا كُحْلٌ وَخِصَابٌ، وَمّا يُزَيِّنُ، وَدَوَاءُ مَرَضٍ، وَأُجْرَةُ طَبِيبٍ وَحَاجِمٍ. وَلَهَا طَعَامُ أَيِّامِ الْمَرَضِ وإِدَامُهَا. وَالأَصَحُ: وُجُوبُ أُجْرَةِ حَمِّامٍ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَثَمَنِ مَاءِ غُسْلِ جِمَاعٍ وَنِفَاسٍ،

ــ

ووقته كل أسبوع مرة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الدهن في الأسبوع يذهب البؤس).

قال: (ومرتك ونحوه لدفع صنان) لتأذيها بالرائحة الكريهة وتنفيره من الاستمتاع، هذا إذا لم يندفع بالماء ونحوه.

و (المرتك) بفتح الميم وكسرها أصله من الرصاص يقطع رائحة الإبط؛ لأنه يحبس العرق، وإن طرح في الخل أبدل حموضته حلازة.

قال: (لا كحل وخضاب، وما يزين)؛ لأنه يراد للتلذذ والاستمتاع، وذلك حق له فلا يجب عليه، وفي معناه: الطيب، لكن لو دفع إليها ذلك .. لزمها استعماله.

قال: (ودواء مرض، وأجره طبيب وحاجم)، وكذلك الفاصد والخاتن؛ لأنه لحفظ الأصل فلا يجب على مستحق المنفعة كعمارة الدار المستأجرة، وخالف مؤنة النتظيف؛ لأنه في معنى كنس الدار.

قال: (ولها طعام أيام المرض وإدامها)؛ لأنها محبوسة له، ولها صرف ما تأخذه إلى الدواء ونحوه.

قال: (والأصح: وجوب أجرة حمام بحسب العادة)؛ لأنه يراد للتنظيف، وهذا صريح في أن لها ذلك مطلقا، لكن يكون بحسب العادة وهو خلاف ما في (الشرحين) و (الروضة) فالأصح فيهما: الوجوب إذا كانت من قوم يعتادون دخوله كأهل القرى، قال الماوردي: وإنما يجب في الشهر مرة؛ ليخرجن من دنس الحيض الذي يكون في كل شهر مرة في الغالب.

والثاني: لا يجب إلا إذا اشتد البرد وعسر الغسل في غير الحمام، واختاره الغزالي، وتبعه صاحب (الحاوي الصغير).

قال: (وثمن ماء غسل جماع ونفاس)؛ لأنه بسببه.

ص: 243

لَا حَيْضٍ وَاحْتِلَامٍ فِي الأَصَحِّ. ولَهَا آلَةُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وطَبْخٍ، كَقِدْرٍ وَقَطْعَةٍ وَكُوزٍ وَجَرَّةٍ وَإِبْرِيقٍ وَنَحْوِهَا

ــ

والثاني: لا؛ لأنه تولد من مستحق، ويؤيده: أنها إذا ماتت من الطلق .. لا يجب عليه ضمانها كما قاله الرافعي في (كتاب الرهن) وعلله بهذا.

وعبر بـ (ثمن الماء) والمراد: إيجاب الماء أو ثمنه.

ولو احتاج إلأى تسخين لبرد ونحوه .. فيشبه أن تلزمه مؤنته، والظاهر: أن الواجب من ذلك ما يكفي المفروض خاصة.

وأفتى القفال بأنه لو وطئ امرأة بشبهة .. لا يجب عليه من مهمرها ثمن ماء غسلها.

قال: (لا حيض واحتلام في الأصح)؛ إذا لا صنع منه.

والثاني: يجب لها؛ لكثرة وقوع الحيض، وفي عدم إيجابة إجحاف بها، والخلاف في الحيض مشهور، وأما في الاحتلام .. فقطع الرافعي فيه بالمنع.

وقال في (الروضة): لا يلزم قطعا، وكذا الحيض على الأصح، وهو عجيب حيث نفى الخلاف في (المبسوط)، وأثبته في (المختصر) وجعله قويا، والذي في (المنهاج) هو الصواب.

قال الرافعي: وينظر على هذا القياس في ماء الوضوء إلى كون السبب منه كالمس أم لا، وفيه بحث في (المهمات) في وطء الشبهو والزنا، وسيأتي أنه لا يلزمه أن يضحي عنها نذرت ذلك أم لا.

قال: (ولها آلة أكل وشرب وطبخ، كقدر وقطعة وكوز وجرة وإبريق ونحوها) مما لا غنى له عنه كالمغرفة وما تغسل فيه ثيابها وما أشبه ذلك؛ للعرف، سواء كان ذلك من خشب أو حجر أو خزف، ولم يذكروا السراج وإبريق الوضوء، والظاهر وجوبهما، وكذلك لم يتعرضوا لدهن السراج أول الليل، والعرف جار به في القرى والأمصار، فالظاهر وجوبه لمن يعتاده.

قال الإمام: وينبغي أن يجب للشريفة الظروف النفسية للعادة.

و (الشرب) بالضم والفتح بمعنى، والفتح أقل.

ص: 244

وَمَسْكَنٌ يَلِيقُ بِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِلْكَهُ. وَعَلَيْهِ لِمَنْ لَا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا إِخْدَامُهَا

ــ

و (القدر) بكسر القاف، و (القصعة) بفتحها لا غير.

و (الكوز) جمعه كيزان وأكواز وكوزة، مثل: عود وأعواد وعودة وعيدان.

و (الجرة) بالفتح: من الخزف، جمعها جَرٌ وجرار.

و (الإبريق) فارسي معرب، جمعة أباريق.

قال: (ومسكن يليق بها)، هذا هو الواجب السادس، فيجب على الزوج إسكانها في مسكن يليق بها؛ لأن المعتدة تستحق ذلك بقوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ} فالزوجة أولى.

والمعتبر: كونه لائقا بحالها فقط؛ لأنها لا تملك الانتقال منه فروعي فيه جانبها، والنفقة والكسوة تملك إبدالها فروعي فيهما جانب الزوج، وأيضا فهي تتعير بالمنزل دونهما.

وفي (المهذب) الاعتبار فيه بحال الزوج كالكسوة والنفقة، وذكر المارودي نحوه في (باب العدد)، واعتبر المارودي حالهما معا كالنفقة.

روى أحمد [3/ 407] عن نافع بن عبد الحارث أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من سعادة المرء المسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء).

قال: (ولا يشترط كونه ملكه)، بل يجوز في موقوف ومستأجر ومعار ونحوها؛ لحصول الإيواء، وقد تقدم في (آخر العدد) الحكم فيما لو سكنت معه في منزلها.

قال: (وعليه لمن لا يليق بها خدمة نفسها إخدامها)، هذا هو الواجب السابع؛ لأنه من المعاشرة بالمعروف، وقيل: في وجوب الخادم قولان، وقطع الجمهور بالوجوب، والاعتبار في ذلك بحال المرأة في بيت أبيها، فلو ارتفعت بالانتقال إلى الزوج بحيث صار يليق بحالها الإخدام .. لم يجب على الصحيح، وقال الإمام: يجب إذا كانت من أهل الأمصار دون البوادي.

والواجب: خادم واحد ولو كان الزوج موسرًا على الصحيح؛ لحصول المقصود

ص: 245

بحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لَهُ أَوْ مُسْتَاجَرَةٍ، أَوْ بِالإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ صَحِبَهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لِخِدْمَةٍ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ وَعَبْدٌ

ــ

به، ومذهب الأئمة الثلاثة: أنها إذا كانت تخدم في بيت أبيها بخادمين أو أكثر .. وجب ذلك العدد، ولا يجب أن يملكها خادما، بل الواجب الإخدام.

قال: (بحرة أو أمة له أو مستأجرة، أو بالإنفاق على من صحبها من حرة أة أمة لخدمة)؛ لحصول المقصود لكل من ذلك، إلا أنه يشترط كون الخادم امرأة أو صبيًا أو محرمًا، وفي مملوكها والشيخ الهم اختلاف، وفي الذمية وجهان: جوزه أبو إسحاق؛ لأنهم أذل نفوسا وأسرع إلى الخدمة، ومنعه غيره؛ لأن النفس تعاف استخدامها، ولا تؤمن عداوتها الدينية.

ولا يجوز إخدام الزوجة الكتابية بالمسلمة حرة كانت الخادمة أو أمة؛ للإذلال، لا سيما فيما فيه مهنة.

قال الروياني: ولو قيل: يجوز أن تقوم بالخدمة الخارجية دون الداخلية .. كان وجهًا.

والأصح في الممسوح: أن نظره كنظر المحارم، فيجوز إخدامها إياه، وأ، الصبي المراهق كالبالغ على الأصح فلا بد من استثنائه.

والمرجع في تعين الخادم ابتداء: إليه في الأصح، وقيل: إليها، وأما في الدوام إذا اتفقنا على خادم .. فإليها إلا إذا ظهرت ريبة أو خيانة.

وله منع ما زاد على خادم من الدخول قطعا، وكذلك إذا استصحبت من لا يخدم خادما، وله منعها من دخول أبويها عليها، ومن الخروج إلى زيارتهما، لكن الأولى أن لا يفعل.

وله أيضا أن يخرج ولدها من عنده إذا استصحبه معمها.

ولو أرادت من لا خادم لها أن تتخذ خادمًا وتنفق عليه هي من مالها .. لم يكن لها ذلك إلا بإذن الزوج، لأن الدار ملكه فلا يجوز أن يدخل فيها بغير إذنه، كذا في (الروضة) وغيرها، وفي ذلك نظر؛ لأنه ليس من المعاشرة بالمعروف.

قال: (وسواء في هذا) أي: في وجوب الإخدام (موسر ومعسر وعبد) كسائر

ص: 246

فَإِنْ أَخْدَمَهَا بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ بِأُجْرَةٍ .. فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا، أَوْ بِأَمَةٍ .. أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِالْمِلْك، أَوْ بِمَنْ يَصحَبُهَا .. لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا، وَجِنْسُ طَعَامِهَا جِنْسُ طَعَامِ الزَّوْجَةِ، وَهُوَ مُدُّ عَلَى مُعْسِرٍ وَكَذَا مُتَوَسَّطٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمُوسِرٌ: مُدٌ وَثُلُثٌ

ــ

المؤن، وتثبت في ذمته إلى أن يوسر، وفي أول هذا الباب من (الشامل) الجزم بأنه إنما يجب الإخدام على الموسر، وتبعه المتولي والبندنيجي والروياني مستدلين بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب لفاطمة على علي خادما؛ لأنه كان معسرًا.

قال: (فإن أخدمها بحرة أو أمة بأجرة .. فليس عليه غيرها) أي: غير الأجرة (أو بأمة .. أنفق عليها بالملك، أو بمن يصحبها .. لزمه نفقتها)؛ لأنه من المعاشر بالمعروف، وقد تقدم في (زكاة الفطر) أنه تلزمه فطرة الخادم.

قال: (وجنس طعامها جنس طعام الزوجة)؛ إذ من المعروف أن لا تخصص عن خادمتها.

وسكت المصنف عن النوع وذكر الرافعي في الكلام على الأدم أنه يطرد فيه الوجهان، والأصح: أنه يجعل نوع المخدومة أجود للعادة.

قال: (وهو مد على معسر)؛ لأن البلاغ لا يحصل بدونه، فلذلك سارت فيه الخادمة المخدومة.

وفي وجه حكاه الإمام عن رواية صاحب (التقريب): أنه يرجع في نفقة الخادم إلى رأي الحاكم؛ إذ لا أصل لتقديرها في الشرع.

قال: (وكذا متوسط على الصحيح)؛ قياسا على المعسر.

والثاني: عليه مد وثلث كالموسر.

قال في (البحر): وهو غلط، ولهذا عبر المصنف بـ (الصحيح).

والثالث: مد وسدس؛ لتفاوت المراتب في حق الخادمة والمخدومة.

قال: (وموسر: مد وثلث)؛ لأن نفقة المخدومة مدان، وهذه تابعة لها فلا تساويها، ولا يمكن إيجاب مد ونصف؛ لئلا يساوي بينها وبين نفقة المتوسط،

ص: 247

وَلَهَا كِسْوَةٌ تَلِيقُ بِحَالِهَا، وَكَذَا أُدْمٌ عَلَى الصَّحِيح، لَا آلَةُ تَنْظِيفٍ، فَإِنْ كَثُرَ وَسَخٌ وَتَأَذَّتْ بِقَمْلٍ .. وَجَبَ أَنْ تُرَفَّهَ، وَمَنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا فِي الْعَادَةِ إِنِ احْتَاجَتْ إِلَى خِدْمَةٍ لِمَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ .. وَجَبَ إِخْدَامٌ

ــ

فاقتصر فيه على مد وثلث، وهو ثلثا نفقة المخدومة.

قال: (ولها كسوة تليق بحالها) كالنفقة، فلا بد من قميص، وفي السراويل وجهان: أرجحهما في (الشرح الكبير): أنه لا يجب، وأما المقنعة .. فالمنصوص: أنها تجب مطلقا، سواء كانت حرة أو أمة.

وتجب لها في الشتاء جبة أو فرو وما تلتحف به عند الخروج، وقال ابن الصباغ والروياني: لا يجب لها فراش، وقال لمتولي: لا بد من شيء تجلس عليه كحصير في الصيف وقطعة لبد في الشتاء، وقال المارودي: لا يستغنى الخادم عن دثار في الشتاء ووسادة وبساط.

قل: (وكذا أدم على الصحيح)؛ لأن العيش لا يتم إلا به، وعلى هذا، جنسه دون جنس أدم لمخدومة، والأصح: أن نوعه دون نوعه.

والثاني: لا يجب، وتكتفي بما فضل عن المخدومة.

وفي وجوب اللحم له وجهان، وقدر الإدام بحسب الطعام.

قال: (لا آلة تنظيف)؛ لأنها تراد للتزيين، والخادم لا تتزين، بل اللائق بحالها عكس ذلك؛ لئلا تمتد إليها الأعين.

قال: (ومن تخدم نفسها في العادة إن احتاجت إلى خدمة لمرض أو زمانة .. وجب إخدام) سواء كانت الزوجة حرة أو أمة؛ لأنه لا صلاح لبدنه إلا به، كذا أطلقه الجمهور.

ومنهم من فصل فقال إن كان المرض دائما .. وجب الإخدام، وإلا .. فلا، وجرى عليه الآخذون عن الإمام، وهذا القسم يخالف ما قبله في أمرين:

ص: 248

وَلَا إِخْدَامَ لِرَقِيقَةٍ، وَفِي الْجَمِيلَةِ وَجْهٌ. وَيَجِبُ فِي الْمَسْكَنِ إِمْتَاعٌ، .....

ــ

أحدهما: أن الاعتبار في الإخدام هنا بالكفاية، حتى لو لم تحصل إلا بأكثر من واحدة .. وجب، بخلاف ما تقدم؛ فإنه لا يزداد على واحدة.

والثاني: أنه لا فرق بين الأمة ولحرة، بخلاف ما تقدم؛ فإنه خاص بالحرة.

قال: (ولا إخدام لرقيقة) أي: لزوجة رقيقة في حال صحتها؛ لأن العرف في حقها أن تخدم نفسها؛ لنقصها عن رتبة الحرائر.

قال: (وفي الجملة وجه)؛ لجريان العادة به، ورجحه في (في الوجيز)، والمبعضة كالقنة.

قال ابن الرفعة: ومقتضى هذا أن يجري فيمن لم تكن تخدم في بيت أبيها، ولكن جملها يقتضي أن تخدم، بل هي أولى من الأمة؛ لكمالها بالحرية.

فروع:

لو قالت: أنا أخدم نفسي وآخذ نفقة الخادم .. لم تلزمه الإجابة إلى ذلك.

ولو قال: أنا أخدمها بنفسي .. فالأصح: المنع؛ لأنها تتغير بذلك.

والثاني: يجاوب؛ لأن الخدمة حق عليه، فله أن يوفيه بنفسه ويغيره.

والثالث- وهو الراجح في (الوجيز) وتبعه (الحاوي الصغير) -: تجاب فيما لا يستحي منه كغسل الثوب والطبخ، بخلاف ما يرجع إلى خدمة نفسها كحمل الماء إلى المستحم وصبه على بدنها ونحو ذلك.

ولو أتبرع أجنبي بخدمتها عنه أو عنها .. سقطت خدمتها عنه، قاله المارودي.

قال في (المطلب): لعل هذا إذا وافقت، أما إذا امتنعت .. فيظهر أن يقال: لها الامتناع؛ لما فيه من المنة.

قال: (ويجب في المسكن: إمتاع)؛ لأنه مجرد انتفاع كالخادم، قال في (المحرر): بلا خلاف، وليس كذلك، بل فيه قول حكاه الرافعي قبيل (باب الاستبراء) عند الكلام في مسكن المعتدة، وصرح به أبو الفرج الزاز في (تعليقه) هنا، وهذه المسألة تفهم من قوله (ولا يشترط كونه ملكه).

ص: 249

وَمَا يُسْتَهْلَكُ كَطَعَامٍ تَمْليكٌ، وَتَتَصَرِّفُ فِيهِ، فَلَوْ قَتَّرَتْ بِمَا يَضُرُّهَا .. مَنَعَهَا، وَمَا دَامَ نَفْعُهُ كَكِسْوَةٍ وَظُرُوُفِ طَعَامٍ وَمُشْطٍ تَمْليكٌ، وَقِيلَ: إِمْتَاعٌ. وَتُعْطَي الْكِسْوَةَ أَوَّلَ شِتَاءٍ وَصَيْفٍ

ــ

قال: (وما يستهلك كطعام تمليك) كما في الكفارة.

قال: (وتتصرف فيه) بالبيع وغيره؛ لأن ذلك شأن المالك فيما ملك، وكان الأحسن أن يأتي بالفاء بدل الواو، ولا يخفى أن هذا في الحرة، أما الأمة .. فالمتصرف فيه سيدها.

قال: (فلو قترت بما يضرها .. منعها)؛ لحق الاستمتاع.

قال: (وما دام نفعه ككسوة وظروف الطعام والمشط، فكل هذه الوجبات ليست كالمسكن؛ فإن الكسوة تدفع إليها والمسكن يسكنه الزوج، فلو باعت الكسوة ونحوها بعد قبضها من الزوج .. صح البيع وملكت الثمن.

وقال ابن الحداد لا يجوز لها بيعها ولا استبدالها.

فلو أرادت أن تبيعها وتشتري ما هو دونها .. لم يكن لها ذلك، إلا بإذنه على الصحيح؛ لأن للزوج في ذلك حق الاستمتاع بخلاف الأدم.

قال: (وقيل: إمتاع) كالمسكن والخادم، وهو الذي صححه (الحاوي الصغير) في اللحاف والفرش نحوهما، وهو الظاهر؛ إذ لو كانت تمليكا .. لما جاز له استعمال شيء منها إلا بإذنها ورضاها، ولم ينقل ذلك عن أحد من السلف.

قال: (وتعطي الكسوة أول شتاء وصيف)؛ لقضاء العرف بذلك، ولأنه وقت الحاجة إليها.

هذا في كسوة البدن، أما ما يبقى منه كالفرش والبسط .. فتجدد في وقتها، وذلك كل ما جرت العادة بتجديده، والمعتبر في الأولية العادة، والظاهر أن هذا التقدير في غالب البلاد التي تبقى فيها الكسوة هذه المدة، فلو كانوا في بلاد لا تبقى فيها هذه المدة لفرط الحرارة أو لرداءة ثيابها وقلة بقاؤها .. اتبعت عادتهم، وكذا إن

ص: 250

فَلَوْ تَلِفَتْ فِيهِ بِلَا تَقْصِيرٍ .. لَمْ تُبْدَلْ إِنْ قُلْنَا: تَمْلِيكٌ، فَإِنْ مَاتَتْ فِيهِ .. لَم ْتُرَدَّ، وَلَوْ لَمْ يَكْسُ مُدَّةً .. فَدَيْنٌ

ــ

كانوا من قوم يعتادون ما يبقى سنة مثلا كالأكسية الوثيقة ولجلود كأهل السراة- بالسين المهملة- فالأشبه اعتبار عادتهم.

قال: (فلو تلفت فيه بلا تقصير .. لم تبدل إن قلن: تمليك) كما إذا سلمها النفقة فتلفت في يدها، وفي وجه ضعيف: يلزمه البدل؛ لان المقصود الكفاية.

وقوله: (بلا تقصير) ليس شرطا لعدم الإبدال؛ فإنها مع التقصير أولى أن لا تبدل، ولكنه يشترط لمفهوم قوله (إن قلنا: تمليك) فإنه يفهم الإبدال، إن قلنا: إمتاع .. يشترط عدم التقصير، وحاصله: أنها إن لم تقصر إن قلنا: إمتاع .. أبدلت، أو تمليك .. فلا.

قال: (فإن ماتت فيه .. لم ترد)، وكذا إن مات الزوج أو أبانها، وهذا على القول بالتمليك كما إذا سلمها نفقة اليوم فماتت فيه.

والثاني: له الاسترداد؛ لأن الكسوة مدفوعة إليها للزمن المستقبل، فأشبه ما إذا أعطه نفقة أيام، أما إذا قلنا: إمتاع .. فسترد جزما.

فلو أعطاها كسوة سنة فماتت أثناء الفصل الأول .. استرد كسوة الفصل الثاني على الأصح كما لو عجل نفقة أيام.

قال: (ولو لم يكن مدة .. فدين) هذا أيضا تفريغ على التمليك، أما إذا قلنا إنها إمتاع .. فلا.

ولو أراد الزوج أن يسترد منها ما أعطاها ويعطيها ثوبا آخر، إن قلنا: تمليك .. امتنع ذلك إلا برضاها وإن قلنا: إمتاع .. كان له ذلك.

ولو ألبسها ثيابا مستأجرة أو مستعارة .. فعلى قول التمليك: لا يلزمها الرضا بذلك، وعلى الإمتاع: يلزمها، فلو تلف المستعار .. فالضمان على الزوج دونها.

تتمة:

حصل الموت أو البينونة بالطلاق في أثناء فصل قبل قبضها الكسوة، هل يكون كما

ص: 251

فَصْلٌ:

الْجَدِيدُ: أَنَهَا يِجِبُ بِالتَّمكِينِ لَا بِالْعَقْدِ،

ــ

لو وقع بعد قبضها فتستحق الجميع، أو تستحق بالقسط؟ توقف فيها الشيخ نجم الدين البالسي والشيخ نجم الدين ابن الرفعة وقالا: لم يصرح بها أحد الأصحاب، وهي كثيرة الوقوع، والأقرب: أنه تجب بالقسط وتوزع على أيام الفصل؛ لأنه يبعد أن يتزوج ثم يطلق في يومه وتجب عليه كسوة فصل كامل، وكذلك نقله الشيخ نجم الدين القمولي عن شرح (الإفصاح) للصيمرى، وفي (فتاوى المصنف) ما يقتضي أنها تستحق كسوة كاملة، وفي (تجربة الروياني) ما يؤيده، لكن عمل الحكام على التقسيط.

قال: (فصل:

الجديد: أنها تجب بالتمكين)؛ لأنها لا تعد مسلمة بدونه، فإذا سلمت .. وجبت لها النفقة؛ لأنها سلمت ما ملك عليها فاستحقت ما يقابله بالأجرة.

وهل التمكين سبب أو شرط؟ فيه وجهان، والمراد: التمكين التام، فلو قالت: أسلم نفسي ليلا لا نهارا أو عكسه، أو في البلد الفلاني دون غيره .. لم تجب لا نفقة بذلك.

قال: (لا بالعقد)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة ودخل بها بعد سنين، ولم يقل أنه أنفق عليها قبل الدخول، ولو كان حقا لها .. لساقه إليها، وأيضا النفقة مجهولة والعقد لا يوجب مالا مجهولا.

والقديم- ونقل عن (الإملاء) -: أن نفقة مدة النكاح جميعها يجب بالعقد كالمهر، بدليل استحقاقها للمريضة والرتقاء، لكنها إذا نشرت .. سقطت، فيكون التمكين شرطا لاستقراره، كما تجب الأجرة الحالة بالعقد، ولا يستقر وجوبها إلا بالتسليم، لكن الأجرة يجب تسليمها بالعقد جملة؛ للعلم بها، وجملة النفقة غير معلومة.

ص: 252

فَإِنِ اخْتَلَفَا فِيهِ .. صُدَّقَ. فَإِنْ لَمْ تَعْرِضْ عَلَيْهِ مُدَّةً .. فَلَا نَفَقَةَ فِيهَا، وَإِنْ عَرَضَتْ .. وَجَبَتْ مِنْ بُلُوغِ الْخَبَرِ. فَإِنْ غَابَ .. كَتَبَ الْحَاكِمُ لِحَاكِمِ بَلَدِةِ لِيُعْلِمَهُ فَيَجِيء أَوْ يُوَكِّلَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ وَمَضَى زَمَنُ وُصُولِهِ .. فَرَضَهَا الْقَاضِي. وَالْمُعْتَبَرُ فِي مَجْنُونَةٍ وَمُرَاهِقَةٍ عَرْضُ وَلِيِّ

ــ

ومن فروع القديم: لو ضمن شخص عنه نفقة مدة معلومة .. جاز؛ لأن التقديم يصحح ضمن ما لم يجب ولم يوجد سبب وجوبه، فكيف وقد وجد؟! ولا يضمن إلا نفقة المعسرين وإن كان موسرًا؛ لأنها المتيقن.

وعلى الجديد: لا يصح ضمان نفقة لمدة مستقبلية.

قال: (فإن اختلفا فيه .. صدق)؛ لأن الأصل عدم التمكين، وعليها البينة، وهذا تفريع على الجديد، فإن قلنا بالقديم .. فالقول قولها؛ لأن الأصل استمرار ما وجب بالعقد، وهو يدعي السقوط فعليه البيان.

قال: (فإن لم تعرض عليه مدة .. فلا نفقة فيها)؛ لعدم التمكين.

وعلى الثاني: لها النفقة بشرطها.

قال: (وإن عرضت .. وجبت من بلوغ الخبر)؛ لأنه حينئذ مقصر.

قال: (فإن غاب .. كتب الحاكم لحاكم بلده ليعلمه فيجيء أو يوكل) وكيلا ليستلمها (فإن لم يفعل ومضى زمن وصوله .. فرضها القاضي).وصورة الفرض: أن تمضي إلى لحاكم وتظهر له التسليم والطاعة بعد ثبوت الزوجية عنده، فيكتب إلى حاكم بلد الزوج بذلك، فإذا أعلمه .. فقد حصل الغرض.

هذا إذا عرف مكانه، فإن لم يعرف .. كتب الحاكم إلى حكام البلاد التي تردها القوافل من تلك البلدة في العادة؛ وأخذ منها كفيلا بما تصرفه؛ لاحتمال وفاته أو طلاقه.

قال: (والمعتبر في مجنونة ومراهقة عرض ولى)؛ لأنه المخاطب بذلك؛ فلا اعتبار بعرضهما وبذلهما الطاعة، وإذا سلمت المرأة نفسها إلى الزوج المراهق بغير إذن.

ص: 253

وَتَسْقُطُ بِنُشُوزٍ

ــ

وليه .. وجبت النفقة، بخلاف تسليم المبيع من المراهق؛ لأن المقصود هناك أن تصير اليد للمشتري، واليد في عقد المراهق للولي لا له.

وكان الأحسن يعبر المصنف بالمعصر؛ لأن المراهقة وصف خاص بالغلام، يقال: غلام مراهق وجارية معصر، ولا يقال: مراهقة.

قال: (وتسقط بنشوز) فلا نفقة لناشز وإن قدر الزوج على ردها للطاعة قهرا، ولم يخالف في ذلك إلا الحكم بن عتيبة فإن قال: لا تسقط بالنشوز المهر؛ لأنه وجب بالعقد.

ونشوز المعصر والمجنونة كنشوز البالغة؛ لاستواء الفعلين في التفويت على الزوج.

والمراد (بالسقوط): منع الوجوب، وإلا

فالسقوط حقيقة غنما يكون بعد الوجوب، فلو نشزت بعض النهار،، فوجهان:

أحداهما: تستحق بقسطه، وبه قطع السر سخي. وأصحهما عند الرافعي- به قطع المصنف في آخر (كتاب النكاح) من (الروضة):- أنه لا شيء لها، إلا أن تسلم وتنشز نهارا أو بالعكس .. فهلا نصف النفقة، ولا نظر إلى طول الليل وقصره.

ص: 254

وَلَوْ بِمَنْعِ لَمْسٍ بِلَا عُذْرٍ. وَعَبَالَةُ زَوْجٍ أَوْ مَرَضٌ يَضُرُّ مَعَهُ الْوَطْءُ عُذْرٌ

ــ

قال: (ولو بمنع لمس بلا عذر) إلحاقا للمقدمات بالمقاصد.

واحترز عما إذا كان لها عذر كالمضناة التي لا تحتمل الجماع وعلمت أنه متى لامسها واقعها، فتكون حينئذ معذورة.

فلو مكنت من الجماع ومنعت من سائر الاستمتاعات .. فهي ناشز على الأصح في زوائد (الروضة) في (باب القسم والنشوز).

ونبه المصنف ب (اللمس) على أدنى درجات الاستمتاع؛ فليفهم أن ما فوقه من بابا أولى كقوله صلى الله عليه وسلم: (تصدقوا ولو بظلف محرق).

قال: (وعبالة زوج أو مرض يضر معه الوطء عذر) فلتلزمه نفقتها إذا كانت عنده ويمنع من وطئها.

و (العبالة) بفتح العين: كبر الذكر بحيث لا تحتمله، وكذلك لو كانت مريضة أو كان بها قرح يضرها الوطء معه .. فهي معذورة في الامتناع منه، وعليه النفقة إذا كانت عنده، فإن أنكر الزوج القرح المانع من الوطء أو أننكر الضرر بسبب العبالة .. فلها إثباته بقول النسوة، وهل يشترط أربع لأنه شهادة يسقط بها حق الزوج، أو تكفي امرأة ويجعل إخبارا؟ وجهان: أصحهما: الأول.

لا بأس ينظرهن إليه عند اجتماعهما ليشهدن، وليس لها الامتناع من الزفاف بعذر عبالته، ولها الامتناع بعذر المرض؛ لأنه متوقع الزوال.

ولو قالت المرأة: لا أمكن إلا في بيتي أو في موضع كذا أو بلد كذا .. في نشزة.

ولو حبست ظلما أو بحق .. سقطت نفقتها كما لو وطئت بشبهة فاعتدت، كذا في.

ص: 255

وَالْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهِ بِلَا إِذْنٍ نُشُوزٌ إِلَاّ أَنْ يُشْرِفَ عَلَى انْهِدَامٍ. وَسَفَرُهَا بِإِذْنِهِ مَعَهُ أَوْ لِحَاجَتِهِ .. لَا يُسْقِطُ، وَلِحَاجَتِهَا .. يُسْقِطُ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ نَشَزَتْ فَغَابَ فَأَطَاعَتْ .. لَمْ تَجِبْ فِي الأَصَحِّ،

ــ

زوائد (الروضة) هنا، وفي (باب الفلس) أنه لا فرق في حبسها بين أن يكون بإقرارها أو بالبينة، وذكر ذلك في ذلك ف (فتاويه) أيضا وعبر المختار.

فلو حبسها الزوج في دينه .. احتمل أن لا تسقط؛ لأن المنع من قبله، والأقرب أنها إن منعته الدين لددا وعنادا .. سقطت نفقتها وإن علم إعسارها .. لم تسقط قطعا، ولو غصبت منه .. فلا نفقة وإن كانت معذورة؛ لفوات الاستمتاع جملة؛ بخلاف الحائض والنفساء والمريضة، ولا أثر لزناها وإن حبلت؛ لأنه لا يمنع الاستمتاع.

قال: (والخروج من بيته بلا إذن نشوز) سواء كان الزوج حاضرا أم غائبا، وسواء إن لسفر عبادة كالحجج أو للاعتكاف أو غيرهما؛ لمخالفتها الواجب عليها.

قال: (إلا أن يشرف على انهدام) فليس بنشوز؛ للعذر، وكذا لو كان المنزل لغير الزوج فأخرجت منه، أو أكرهت على الخروج من بيته ظلما، أو تخربت المحلة بغرق أو حرق وبقى البيت مفردا، أو خافت على نفسها، وغير ذلك مما يعد الخروج به عذرا.

قال: (وسفرها بإذنه معه أو لحاجته .. لا يسقط)؛ لأنها ممكنة في الأولى وفي غرضه في الثانية، فهو المسقط لحقه.

قال: (ولحاجتها .. يسقط في الأظهر)؛ لأنها استبدلت عن تمكينها شغلا لها، وقيل: يسقط قطعا، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد.

والثاني: يجب؛ لأنها سافرت بإذنه فأشبه سفرها في حاجته، وبه قال مالك، فلو سافرت معه بغير إذنه .. عصت واستحقت النفقة كما قال الرافعي في (أول قسم الصدقات).

قال: (ولو نشزت فغاب فأطاعت .. لم تجب في الأصح)؛ لأنها خرجت عن قبضته فلا بد من تسليم وتسلم وهما لا يحصلان بمجرد عودها إلى مسكنه، وهذا.

ص: 256

وَطَرِيقُهَا: أَنْ يَكْتُبَ الْحَاكِمُ كَمَا سَبَقَ. وَلَوْ خَرَجَتْ فِي غَيُبَتِهِ لِزِيَارَةٍ وَنَحْوِهَا .. لَمْ تَسْقُطْ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِصَغِيرَةٍ، وَأَنَّهَا تَجِبُ لِكَبِيرَةٍ عَلَى صَغِيرٍ

ــ

بخلاف ما لو ارتد فغاب الزوج فأسلمت في العدة وهو غائب .. فالأصح فيها: عود النفقة؛ لأن المرتدة لما عادت إلى الإسلام .. ارتفع المسقط، فعمل الموجب عمله، والناشزة سقطت نفقتها بخروجها عن يد الزوج وقبضته، وإنما تعود إذا عادت إلى قبضته، وذلك لا يحصل في غيبته.

وخص الشيخ إبراهيم المروروذي الخلاف بما إذا علم الزوج بعودها إلى الطاعة، فإن لم يعلم .. لم يجب قطعا، وهذه المسألة غير التي تقدمت قبيل (باب الخيار والإعفاف).

والوجه الثاني: تجب لها النفقة؛ لأن الاستحقاق زال بعارض الخروج عن الطاعة، فإذا زال العارض .. عاد الاستحقاق.

وقال: (وطريقها: أن يكتب الحاكم كما سبق) فترفع الأمر إليه؛ ليقضي بطاعتها ويخبر الزوج بذلك، فإذا عاد إليها أو بعث وكيله فاستأنف تسليمها .. عادت الثقة، وإن مضى زمن إمكان العود ولم يعد ولا بعث وكيله .. عادت النفقة أيضا.

قال: (ولو خرجت في غيبته لزيارة ونحوها .. لم تسقط) المراد: خرجت في غيبة الزوج إلى بيت أبيها أو أقاربها وجيرانها لزيارة أو عيادة أو تعزية لا على وجه النشوز .. لم تسقط نفقتها؛ لأنها لا تعد بذلك نشزة.

قال: (والأظهر: أنه لا نفقة صغيرة) وإن سلمت إليه؛ لأنها لا تصلح للاستمتاع، وبهذا قال الأئمة الثلاثة، وليست كالمريضة؛ لأن المرض يطرأ ويزول فلا يفوت الأنس وجميع الاستمتاعات.

والثاني: لها النفقة؛ لأنها حبست عنده، وفوات الاستمتاع بسبب هي معذورة فيه فأشبهت المريضة والرتقاء، وهذا مبني على إنها تجب بالعقد.

قال: (وأنها تجب لكبيرة على صغير) إذا سلمت أو عرضت على وليه؛ لأن التسليم لمستحق عليها وجد فاستحقت المقابل كما لو تعذر الاستيفاء على المستأجر بعد تسليم العين.

ص: 257

وَإِحْرَامُهَا بِحَجًّ أَوْ عُمْرَةٍ بِلَا إِذْنٍ نُشُوزٌ إِنْ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا، وَإِنْ مَلَكَ .. فَلَا حَتَّى تَخْرُجَ فَمُسَافِرَةٌ لِحَاجَتِهَا، أَوْ بِإِذْنٍ .. فَفِي الأَصَحِّ: لَهَا النَّفَقَةُ مَا لَمْ تَخْرُجْ.

ــ

والثاني: لا يجب؛ لأنها لا يستمتع بها بسبب هو معذور فيه فلا يلزمه غرم.

وعن أحمد روايتان كالقولين، وقيل: يجب قطعاً، وقيل: إن جهلت صغره .. وجب، وإن علمته .. فقولان، فإن كانا صغيرين .. لم يجب في الأظهر.

ملغزة:

صغير مسلم يجب عليه مهور مئة امرأة ونفقتهن بسبب نكاح صحيح سبق له عليهن، وهو ولد الكافر إذا زوجه أبوه إياهن ثم أسلم أحد أصوله ثم مات .. فتجب مهورهن بالموت، فإن لم يمت واندفع نكاح الزائد على الأربع .. فليس للولي أن يختار، بل ينتظر بلوغ الصبي؛ فإنه خيار شهوة، وتجب نفقتهن في ماله، قاله الرافعي في (نكاح المشرك).

قال: (وإحرامها بحج أو عمرة بلا إذن نشوز إن لم يملك تحليلها)؛ لأنها منعته نفسها بذلك، فتكون ناشزة من وقت الإحرام، سواء كان الزوج حلالاً أو محرماً كما صرح به الماوردي وغيره، وكان الأخصر أن يقول: وإحرامها نشوز؛ ليدخل الإحرام المطلق.

قال: (وإن ملك .. فلا) وذلك في النفل، وكذا في الفرض على الأظهر فتستحق النفقة؛ لأنها في قبضته وهو قادر على التحلل والاستمتاع، فإذا لم يفعل .. فهو المفوت على نفسه.

وفيه وجه: أنها لا تستحق؛ لأنها ناشزة بالإحرام، والناشز لا تستحق النفقة وإن قدر الزوج على ردها إلى الطاعة قهراً كما تقدم.

قال: (حتى تخرج فمسافرة لحاجتها) فحينئذ إن خرجت بغير إذنه .. فناشزة، أو بإذنه معه .. استحقت، أو وحدها .. فلا.

قال: (أو بإذن) أي: أحرمت بإذنه (.. ففي الأصح: لها النفقة ما لم تخرج)؛ لأنها في قبضته، وفوات الاستمتاع تولد من إذنه.

ص: 258

وَيَمْنَعُهَا صَوْمَ نَفْلٍ، فَإِنْ أَبَتْ .. فَنَاشِزَةٌ فِي الأَظْهَرِ

ــ

والثاني: لا تجب؛ لفوات الاستمتاع، لكن يرد على إطلاقه ما لو فسد حجها المأذون فيه بجماع .. فإنها تقضيه على الفور، ولها الإحرام بغير إذن.

قال: (ويمنعها صوم نفل)؛ لأنه ليس بواجب عليها، وحقه عليها متحتم، وعلله في زوائد (الروضة) في (باب الكفارة) بأنه يمنعه من الوطء، واستشكل بأن لكل من الزوجين الخروج من التطوع بالجماع وغيره، وأجاب عنه في (شرح مسلم) بأن صومها يمنعه من الاستمتاع عادة؛ لأنه يهاب انتهاك حرمة الصوم بالإفساد، وقياس تجويز منع الزوجة الصوم أن تكون الأمة الموطوءة كذلك.

وعلم من التقييد بـ (النفل) أنه لا يمنعها صوم رمضان، ولا تسقط يه النفقة، وهو كذلك بالاتفاق.

فلو كان الزوج متلبساً بصوم أو اعتكاف واجبين، أو كان محرماً أو ممسوحاً أو غنيناً، أو كانت متحيرة أو رتقاء .. فالمتجه: الإباحة.

قال: (فإن أبت .. فناشزة في الأظهر)؛ لامتناعها من التمكين الواجب عليها، وصومها في هذه الحالة حرام كما صرح به في صوم التطوع من (الروضة) و (شرح مسلم)، وبه جزم ابن حبان؛ لما روى هو [3573] وأبو داوود [2450] والترمذي [782] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصومن امرأة يوماً سوى شهر رمضان وزوجها شاهد إلا بإذنه).

وفي (صحيح مسلم)[1026]: (لا تصومن المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه).

والثاني: لا تكون ناشزاً بذلك؛ لأنها في قبضته.

وفي ثالث: إن دعاها للأكل فأبت .. لم تسقط، أو للجماع فأبت .. سقطت، والخلاف أوجه لا أقوال، فكان الصواب التعبير بالأصح.

وقال الماوردي: إن دعاها إلى الجماع في أول النهار فأبت .. سقطت، أو في آخره .. فلا؛ لقرب الزمان، واستحسنه الروياني.

فلو تزوجها وهي صائمة .. قال المروروذي: لا يجبرها على الإفطار، وفي سقوط نفقتها وجهان كما في نشوز بعض اليوم، وحيث سقطت بالصوم هل يسقط

ص: 259

وَالأَصَحُّ: أَنَّ قَضَاءً لَا يَتَضَيَّقُ كَنَفْلٍ فَيَمْنَعُهَا، وَأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ تَعْجِيلِ مَكْتُوبَةٍ أَوَّلَ وَقْتٍ، وَسُنَنٍ رَاتِبَةٍ

ــ

الكل أو النصف؟ فيه وجهان: صحح المصنف سقوط الجميع.

ومراده بـ (نفل الصوم) النفل المطلق كصوم الإثنين والخميس، أما رواتبه كعرفة وعاشوراء .. فليس له المنع منه على الصحيح، ولا تسقط به نفقتها كرواتب الصلاة، وأما النذر .. فيمنعها من مطلقه؛ لأنه موسع، وأما المعين فإن نذرته في نكاحه بغير إذنه .. فكذلك، وإلا .. فلا.

قال: (والأصح: أن قضاء لا يتضيق كنفل فيمنعها) كما إذا أفطرت بعذر والوقت متسع؛ لأنه على التراخي وحق الزوج على الفور، وقيل: في جوازه وجهان، وكان ينبغي أن يعبر بـ (المذهب) كما في (الروضة).

واحترز عما يتضيق كالفطر تعدياً أو بعذر ولم يبق من شعبان إلا قدره .. فليس له المنع منه، والنفقة فيه واجبة على الأصح في (الروضة)، وكلام الرافعي مشعر بترجيح السقوط، وأما صوم الكفارة .. فعلى التراخي، فله المنع منه.

قال: (وأنه لا منع من تعجيل مكتوبة أول وقت)؛ لقوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} وليس من المعروف حرمانها الفضائل مع قصر الزمن.

والثاني: له المنع؛ لاتساع وقت المكتوبة ووجوب حقه على الفور، وأفهم أنه لا منع آخر الوقت وهو كذلك بالاتفاق؛ لخروج وقتها عن حق استمتاعه، ولا يسقط بسببها شيء من النفقة كما لا يسقط شيء من الأجرة إذا صلى الأجير، لكن تقدم في آخر (الإجازة) عن (فتاوى القفال) أنه لو صلى مرة ثم قال: كنت محدثاً .. ليس للمستأجر منعه، ويسقط من أجرته بقدر زمان الصلاة الثانية، والظاهر أن ذلك لا يتأتى هنا؛ لضيق زمان الإجازة واتساع هذا.

قال: (وسنن راتبة) هذا معطوف على الأصح، فليس له المنع منها؛ لأنها مكملة للفرائض.

والثاني: له المنع كالنفل المطلق.

نعم؛ له منعها من تطويلها.

ص: 260

وَتَجِبُ لِرَجْعِيَّةٍ الْمُؤَنُ إِلَاّ مُؤْنَةَ تَنْظِيفٍ، فَلَوْ ظُنَّتْ حَامِلاً فَأَنْفَقَ فَبَانَتْ حَائِلاً .. اسْتَرْجَعَ مَا دَفَعَ بَعْدَ عِدَّتِهَا

ــ

ويرد على تخصيصه الراتبة: العيدان والكسوفان؛ فليس له منعها من فعلهما في المنزل، والعجب أن المصنف أورده على عبارة (التنبيه) في تعيين النية فقال: والصواب أن النافلة التي ليست راتبة ولها سبب كالكسوف والاستسقاء لا تصح إلا بتعيين النية، لكن ذكر الرافعي في (صلاة التطوع) أن الراتبة في اصطلاح القدماء ما لها وقت، سواء توابع الفرائض وغيرها، وحينئذ فعبارة المصنف شاملة لذلك.

فرع:

كانت المرأة آجرت نفسها قبل النكاح إجارة عين .. لم يكن للزوج منعها من العمل، إلا أنها لا تستحق النفقة عليه، قال الماوردي: وله الخيار إن كان جاهلاً بالحال؛ لفوات الاستمتاع بالنهار، ولا يسقط خياره برضا المستأجر بالاستمتاع بها نهاراً؛ لأنه متبرع.

قال: (وتجب لرجعية المؤن) من النفقة والكسوة وسائر حقوق الزوجية؛ لبقاء جنس النكاح وسلطنته، وحكى الماوردي فيه الإجماع، وسواء في ذلك الحرة والأمة والحامل والحائل، ولا تسقط نفقتها إلا بما تسقط به نفقة الزوجة، وتستمر إلى انقضاء العدة بوضع الحمل وغيره، ولو ظهر بها أمارات الحمل بعد الطلاق .. لزم الزوج الإنفاق عليها.

قال: (إلا مؤنة تنظيف)؛ لانتقاء المعنى الذي وجبت لأجله، وهذا الاستثناء ذكره الإمام، وتبعه الشيخان، ولم يتعرض له الجمهور.

قال: (فلو ظنت حاملاً فأنفق فبانت حائلاً .. استرجع ما دفع بعد عدتها)؛ لأنه تبين أن ذلك ليس عليه، ويرجع إليها في الأقراء، فإن ادعت تباعد الحيض وامتداد الطهر .. فالصحيح: أنها تصدق في استمرار النفقة إلى أن تقر بمضي العدة كما تصدق في ثبوت الرجعة، وقيل: لا تصدق في ثبوت النفقة؛ فإنها حقها بخلاف الرجعة.

ص: 261

وَالْحَائَلُ الْبَائِنُ بِخُلْعٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ،

ــ

قال: (والحائل البائن بخلع أو ثلاث لا نفقة ولا كسوة)، اختلف العلماء في نفقة هذه وسكناها، فقال عمر بن الخطاب وأبو حنيفة: لها السكنى والنفقة، وقال ابن عباس وأحمد: ليس لها سكنى ولا نفقة، وقال مالك والشافعي: لها السكنى ولا نفقة.

احتج من أوجبهما بقوله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم} ، وبأنها محبوسة عليه، وبقول عمر في حديث فاطمة بنت قيس:(لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة جهلت أو علمت).

واحتج من لم يوجبهما بحديثها ولفظه: أن زوجها أبا عمرو بن حفص- واسمه عبد الحميد- طلقها البتة، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(ليس لك عليه نفقة) متفق عليه [خ 5324 - م 1480/ 36]. ولمسلم [1480/ 37]: (ولا سكنى).

واحتج الشافعي ومالك بظاهر حديثها مع قوله تعالى: {وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن} فمفهومها: أنهن إذا لم يكن حوامل لا ينفق عليهن.

وأجيب عن حديث فاطمة بأن في رواية أبي داوود [2284]: (لا نفقة لك عليه إلا أن تكوني حاملاً)، وأما إنكار عمر .. فمنقطع، قال الدارقطني: لا تقوم به الحجة، ولو اتصل .. لكان حديثها أولى؛ لأنها صاحبة الواقعة، ولأن الزوجية زالت فأشبهت المتوفى عنها.

ولو ادعت البينونة فأنكر .. صدق ولا نفقة لها، قاله الرافعي في (القسم والنشوز)، والمسألة مقيدة بما إذا لم تمكنه من نفسها، فإن عادت ومكنت .. استحقت، نص عليه في (الأم) كذلك.

واحترز بـ (البينونة بالخلع أو الثلاث) عن البائن بالفسخ بالعيب وغيره، والأصح: إن كان لمقارن العقد .. فلا نفقة كما تقدم في (باب الخيار)؛ لأنه رفع

ص: 262

وَتَجِبَانِ لِحَامِلٍ لَهَا، وَفِي قَوْلٍ: لِلْحَمْلِ. فَعَلَى الأَوَّلِ: لَا تَجِبُ لِحَامِلٍ عَنْ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ

ــ

العقد من أصله، وإن كان بسبب عارض كالردة والرضاع .. وجب؛ لأنه قطع للنكاح.

وأما السكنى .. فسبق في آخر (العدد) وجوبها، والفرق بينها وبين النفقة: أن السكنى لتحصين مائة فاستوى فيها حالة الزوجية وعدمها، والنفقة للتمكين وهو خاص بالزوجية.

قال: (وتجبان لحامل)؛ لقوله تعالى: {وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} ، والمعنى فيه أنها مشغولة بمائة فهو مستمتع برحمها، فصار كالاستمتاع في حال الزوجية؛ إذ النسل مقصود بالنكاح كما أن الوطء مقصود به، قاله القاضي حسين، ولذلك قال: يجب لها الإدام أيضاً، وفي زوائد (الروضة) نقل ذلك عن المتولي وحده وأقره.

وفي (البيان) عن أبي إسحاق المروزي: لا تجب لها الكسوة وإن وجبت لها النفقة، ومحل الوجوب إذا وافقت على الحمل أو شهد به أربع نسوة، وإلا .. فالقول قوله مع يمينه.

قال: (لها) أي: النفقة للحامل بسبب الحمل على الصحيح؛ لأنها تجب مقدرة، ولا تسقط بمضي الزمان، ولو كانت للحمل .. لم يكن كذلك.

قال: (وفي قول: للحمل)؛ لأنها لما لزمت بوجوده وسقطت بعدمه .. دل على أنها له، وإنما صرفت لها؛ لأن غذاءه بغذائها.

كل هذا في الزوجة، أما الأمة، فإذا كانت لشخص وحملها لآخر .. فنفقتها على مالك الأمة دون مالك الحمل، سواء قلنا: تجب النفقة للحامل أو لحملها، قاله الماوردي في (باب التفليس)، وحكاه عنه في زوائد (الروضة) هناك.

قال: (فعلى الأول: لا تجب لحامل عن شبهة أو نكاح فاسد)؛ لأن النكاح الفاسد لا يوجب النفقة فعدته أولى، وعلى الثاني: تجب كما تلزمه نفقته بعد الانفصال.

ص: 263

قُلْتُ: وَلَا نَفَقَةَ لِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلاً، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَنَفَقَةٌ الْعِدَّةِ مُقَدَّرَةٌ كَزَمَنِ النِّكَاحِ، وَقِيلَ: تَجبُ الْكِفَايَةُ، وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ ظُهُورِ حَمْلٍ،

ــ

هذا إذا كانت الموطوءة بشبهة غير منكوحة، فإن كانت منكوحة وأوجبنا نفقتها على الواطئ .. سقطت عن الزوج قطعاً؛ إذ لا تجتمع نفقتان، وإن لم نوجبها عليه .. ففي سقوطها عن الزوج وجهان: أصحهما أيضاً: السقوط.

واستحسن في (الوسيط) أنها إن وطئت وهي نائمة أو مكرهة .. فلها النفقة، وإن مكنت على ظن أنه زوجها .. فلا نفقة؛ لأن الظن لا يؤثر في الغرامات.

قال: (قلت: ولا نفقة لمعتدة وفاة وإن كانت حاملاً والله اعلم)؛ لما روى الدارقطني [4/ 21] بإسناد صحيح عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس للحامل المتوفى عنها زوجها نفقة).

قال الشافعي رضي الله عنه: ولا أعلم مخالفاً في ذلك، ولأنها إن كانت حائلاً .. فقد بانت بالموت، والبائن الحائل لا نفقة لها على الزوج في حياته فبعد موته أولى.

وإن كانت حاملاً فإن قلنا: النفقة للحمل .. سقطت؛ لأن نفقة القريب تسقط بالموت، وغن قلنا: للحامل .. فوجهان: أصحهما: تسقط أيضاً؛ لأنها كالحاضنة للولد، ولا تجب نفقة الحاضنة بعد الموت.

وعن الإصطخري أنه أجاب فيها بالاستحقاق فقيل له: ليس هذا مذهب الشافعي، فلم يرجع وقال: وإن لم يكن .. فهو مذهب علي وابن عباس، فعيره ابن سريج بذلك في مجلس النظر وقال: كثرة أكل الباقلاء ذهبت بدماغك، فقال له الإصطخري: وأنت كثرة أكل الخل والمري ذهبت بدينك، عفا الله عنا وعنهما.

وأما إسكانها .. فتقدم في (العدد) أن الأظهر وجوبه.

قال: (ونفقة العدة مقدرة كزمن النكاح)؛ لأنها من توابعه.

قال: (وقيل: تجب الكفاية) فيزاد وينقص بحسب الحاجة، فمن اعتبر الكفاية .. نظر إلى الحمل، ومن نظر إلى الزوجية .. جعلها مقدرة.

قال: (ولا يجب دفعها قبل ظهور حمل) سواء جعلناها للحمل أم للحامل؛ لأنا لم نتحقق سبب الوجوب.

ص: 264

فَإِذَا ظَهَرَ .. وَجَبَ يَوْماً بِيَوْمٍ، وَقِيلَ: حَتَّى تَضَعَ، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ

ــ

قال: (فإذا ظهر .. وجب يوماً بيوم)؛ لقوله تعالى: {فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} ، ولأنها لو أخرت إلى الوضع .. لتضررت.

قال: (وقيل: حتى تضع)؛ لأن الأصل البراءة حتى يتيقن السبب، والخلاف مبني على أن الحمل يعلم أم لا، والأصح: نعم، وهو في (الشرح) و (الروضة) قولان، وهو الصواب؛ فإنهما منصوصان في (المختصر) وهما في (المحرر) وجهان.

وقال: (ولا تسقط بمضي الزمان على المذهب) فلو لم ينفق حتى وضعت لزمه أن يدفع إليها نفقة ما مضى على القولين؛ لأنها هي التي تنتفع بها، وقيل: إن قلنا: إنها لها .. لم تسقط، أو للحمل .. سقطت؛ لأنها نفقة قريب.

تتمة:

لو كان زوج الحامل البائن رقيقاً، إن قلنا النفقة للحامل .. لزمته، وإلا .. فلا؛ لأنه لا تلزمه نفقة القريب، ولو كان الحمل رقيقاً .. ففي وجوب النفقة على الزوج حرًا كان أو عبدًا قولان: إن قلنا: للحمل .. لم تجب بل هي على المالك، وإلا .. فتجب.

وإذا اختلفا فقالت: وضعت اليوم، وطالبت بنفقة شهر قبله، وقال: بل وضعت شهر قبله .. فالقول قولها؛ لأن الأصل عدم الوضع وبقاء النفقة.

وإذا أبرأت الزوج من النفقة .. قال المتولي: إن قلنا: إنها للحامل

سقطت، وإن قلنا: للحمل .. فلا، ولها المطالبة بعد الإبراء.

قال الرافعي: ولك أن تقول: إن كان الإبراء عن نفقة الزمن المستقبل .. فقد سبق حكمه، وإن كان عما مضى .. فالنفقة مصروفة إليها على القولين، وقد سبق أنها تصير ديناً لها حتى تصرف إليها بعد الوضع، فينبغي أن يصح إبراؤها على القولين.

قال ابن الرفعة: يظهر أن تكون صورته إذا أبرأته عن نفقة اليوم بعد الفجر أو

ص: 265

فَصْلٌ:

أَعْسَرَ بِهَا؛ فَإِنْ صَبَرَتْ .. صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَإِلَاّ .. فَلَهَا الْفَسْخُ فِي الأَظْهَرِ.

ــ

الشمس، وبهذا يندفع ما أورده عليه من السؤال.

وذكر المتولي أيضاً: أنه لو أعتق أم ولده وهي حامل منه .. لزمه نفقتها إن قلنا: إنها للحمل، وإن قلنا: إنها للحامل .. فلا، وأنه لو مات وترك امرأته حبلى .. لها مطالبة الجد بالنفقة إن قلنا: النفقة للحمل، وإن قلنا: للحامل .. فلا، وقطع البغوي بأنها لا تطالب الجد، ويقرب منه كلام الشيخ أبي علي.

وإذا مات الزوج قبل أن تضع البائن حملها، فإن قلنا: للحمل .. سقطت؛ لأنها نفقة قريب، وإن قلنا: للحامل .. فالأصح: عدم السقوط، وهو المعروف كما جزم به في (الشرحين) في (كتاب العدد)، وجزم المصنف في (فتاويه) بالسقوط، وهو مقتضى كلام (الروضة).

قال: (فصل:

أعسر بها؛ فإن صبرت .. صارت ديناً عليه)، الذي نص عليه الشافعي أن الزوج إذا عجز عن القيام بمؤن زوجته الموظفة عليه .. كانت زوجته بالخيار، إن شاءت .. صبرت وأنفقت من مالها، أو اقترضت وأنفقت على نفسها، ونفقتها في ذمته إلى أن يوسر لا تسقط بمضي الزمان كسائر الديون المستقرة.

وفي (سنن البيهقي)[7/ 469]: أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد فيمن غابوا عن نسائهم: إما أن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا .. بعثوا نفقة ما حبسوا، ولم يخالفه أحد.

وفي (طبقات العبادي): أن المزني قال في (المنثور): إذا أعسر الزوج .. لا نفقة عليه كما لا يجب على المتوسط تمام نفقة الموسر.

وكلام المصنف محمول على ما إذا لم تمنع نفسها منه، فإن منعت .. لم تصر ديناً عليه كما صرح به الرافعي في الكلام على الإمهال.

قال: (وإلا .. فلها الفسخ في الأظهر)، وبه قال مالك وأحمد؛ لقوله تعالى:

ص: 266

وَالأَصَحُّ: أَنَّ لَا فَسْخَ بِمَنْعِ مُوسِرٍ حَضَرَ أَوْ غَابَ

ــ

{فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسن} ، خيره بين الأمرين، فإذا عجز عن الأول .. تعين الثاني.

وقال تعالى: {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا} ، وزوجة المعسر مستضرة فلم يكن له إمساكها.

وفي (سنن الدارقطني)[3/ 297] و (خلافيات البيهقي) عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته: (يفرق بينهما)، وقال سعيد بن المسيب: إنه من السنة، قال الشافعي: ويشبه أن يكون أراد سنة رسول الله صلى عليه وسلم، وملخص ما في قول الصحابي أو التابعي:(من السنة كذا) ثلاثة أقوال:

أحدها: أن يكون مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

والثاني: لا.

والثالث: أنه من الصحابي مرفوع لا من غيره، وهو المنصوص الراجح في (المهمات).

وممن قال بأن لها الفسخ بالإعسار عمر وعلي وأبو هريرة، قال الشافعي: ولا أعلم أحداً من الصحابة خالفهم، ولأن العجز عن الوطء بالجب أو العنة يثبت حق الفسخ، فالعجز عن النفقة أولى.

والقول الثاني- قاله في القديم، وهو رأي أبي حنيفة والمزني في (المنثور)، وأفتى به جد الروياني-: أنه لا فسخ لها؛ لعموم قوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} ، وقياسا على الإعسار بالصداق بعد الدخول.

وفي قول مخرج: إنها كالسكنى تسقط بمضي الزمان، والفرق على الصحيح بين النفقة والسكنى: أن السكنى كفاية الوقت وقد مضى، والنفقة تثبت في الذمة.

قال: (والأصح: أن لا فسخ بمنع موسر حضر أو غاب)؛ لأنه إذا كان حاضراً .. تتمكن من خلاص حقها منه بالسلطان بأن يلزمه بالحبس وغيره، وفي الغائب يبعث الحاكم إلى بلده.

ص: 267

وَإِنْ حَضَرَ وَغَابَ مَالُهُ: فَإِنْ كَانَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ

فَلَهَا الْفَسْخُ، وَإِلَّا

فَلَا فَيُؤْمَرُ بِالإِحْضَارِ

ــ

والثاني: يجوز الفسخ؛ لحصول الضرر بالإعسار.

وموضع الخلاف إذا لم يكن له مال حاضر، فإن كان

أنفق الحاكم منه قطعًا، واختار القاضي الطبري في الغائب الفسخ، وذكر الروياني وابن أخته صاحب «العدة» أن المصلحة الفتوى به، وما إليه ابن الصباغ، وقال: إن الفتوى عليه وبه أفتى الغزالي، وقال: إذا قدر القاضي على القرض عليه

اقترض.

وإذا لم نجوز الفسخ وجهلنا يسار الغائب وإعساره

لا فسخ أيضًا؛ لأن السبب لم يتحقق، ومتى ثبت إعسار الغائب عند حاكم بلدها

جاز الفسخ على الأصح، وقيل: لا حتى يبعث إليه، فإن لم يحضر ولم يبعث نفقة

فسخ عليه.

قال: (وإن حضر وغاب ماله، فإن كان بمسافة القصر

فلها الفسخ)؛ لأنه في هذه الحالة يحل له تناول الصدقة فلا يلزمها الصبر؛ لئلا تتضرر بالانتظار كما في نظيره من فسخ البائع عند غيبة الثمن.

ولو كان له دين على معسر

تخيرت، أو موسر حاضر

فلا، أو غائب فوجهان.

ولو كان له دين مؤجل

فلها الفسخ إلا أن يكون الأجل قريبًا، وينبغي أن يضبط القرب بمدة إحضار المال الغائب بما دون مسافة القصر.

ومن استغرق دينه ماله

لا خيار لها حتى يصرف ماله إلى الديون، ولو كان الدين له عليها فأمرها بالإنفاق منه، فإن كانت موسرة

فلا خيار لها، وإن كانت معسرة

فلها الفسخ؛ لأنها لا تصل إلى حقها والمعسر منظر، كذا أطلقه الرافعي وغيره.

ولم يتعرضوا لجريان التقاص إذا كان دينه من جنس الواجب عليه وأجريناه في المثليات كما هو المنصوص، قال الرافعي: وعلى قياس هذه الصورة: لو كان له عقار ونحوه لا يرغب في شراءه

ينبغي أن يكون لها الخيار.

قال: (وإلا

فلا)؛ لأن ما دون مسافة القصر كالحاضر في البلد (فيؤمر بـ) تعجيل (الإحضار).

ص: 268

وَلَوْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ بِهَا

لَمْ يَلْزَمْهَا القْبُولُ. وَقُدْرَتُهُ عَلَى الكَسْبِ كَالْمَالِ

ــ

قال: (ولو تبرع رجل بها

لم يلزمها القبول) بل لها أن تفسخ، كما لو كان له دين على إنسان فتبرع غيره بقضائه

لا يلزمه القبول؛ لما في التبرع من المنة.

والثاني: لا خيار لها؛ لأن المنة على الزوج لا عليها، وبه أفتى الغزالي، ومال إليه ابن الرفعة، فلو سلم المتبرع النفقة إلى الزوج وسلم هو إليها

فلا فسخ كما صرح به الخوازرمي، وهو ظاهر.

ويستثنى من المسألة الأولى: إذا كان المتبرع أبًا له أو جدًّا للزوج، والزوج تحت حجره

فإنه يجب القبول؛ لأن المدفوع يدخل في ملك المؤدى عنه في هذه الحالة، ويكون الولي كأنه وهبه له وقبله له.

وأما أداء الدين عن الغير

فيستثنى منه ما إذا كان المديون ميتًا والمؤدي وارثًا؛ فإنه يجب القبول وإن كان الميت معسرًا؛ لأنه خليفة الميت وقائم مقامه بخلاف الأجنبي، كذا نقله الرافعي في آخر (باب القسامة) عن الإمام.

ولو كان بالنفقة ضامن ولم نصحح ضمان النفقة

فالضامن كالمتبرع، وإن صححناه، فإن ضمن بإذن الزوج

فلا خيار لها، وإن ضمن بغير إذنه

ففيه وجهان.

فائدة:

سئل ابن الصلاح عن رجل غاب عن زوجته وهي في منزله مطيعة غير ناشزة مدة، ولم يترك عندها نفقة يوم واحد، وشهدت البينة أنه سافر عنها وهو معسر معدم لا شيء له، وحضرت المرأة عند الحاكم واختارت الفسخ، وسألت الحاكم فسخ نكاحها ففسخه، هل يصح الفسخ؟ أجاب: لا يصح الفسح على الأصح؛ بناء على مجرد هذا الاستصحاب، فلو شهدت البينة بإعساره الآن بناء على الاستصحاب

جاز لها ذلك إذا لم تعلم زوال ذلك، وحينئذ يصح الحكم بالفسخ، وإذا حضر الزوج

لم تسلم إليه.

قال: (وقدرته على الكسب كالمال) فإذا كان يكسب كل يوم قدر النفقة

فلا خيار، ولو كان يكسب في يوم ما يكفي ثلاثة أيام، ثم لا يكسب يومين أو ثلاثة، ثم

ص: 269

وَإنَّمَا يُفْسَخُ بِعَجْزِهِ عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ

ــ

يكسب في يوم ما يكفي الأيام الماضية

فلا خيار؛ لأنه غير مغسر، ولا تشق الاستدانة لما يقع من التأخير اليسير، وكذا الحكم في النساج الذي ينسج في الأسبوع ثوبًا تفي أجرته بنفقة الأسبوع.

وإذا عجز العامل عن العمل لمرض

فلا فسخ إن رجي زواله في نحو ثلاثة أيام، وإن كان يطول

فلها الفسخ، وإذا لم يستعمل البناء والنجار فتعذر النفقة، فإن كان ذلك نادرًا

لا خيار، وإن كان يقع غالبًا

فلها الخيار.

والقادر على الكسب إذا امتنع كالموسر الممتنع إن أوجبنا الاكتساب لنفقة الزوجة.

فرع:

من كسبه حرام هل لزوجه الخيار؟ قال الماوردي والروياني: إن كانت أعيانًا محرمة كالسرقة وأثمان الخمور

فنعم، وإن كان الفعل محظورًا كصنعة الملاهي

فلا؛ لأنه يستحق بها الأجرة المسماة، ولا بد أن يستحق لتفويت عمله أجرًا، فيصير به موسرًا، قالا: وكذلك المنجم والكاهن يتوصل إليه بسبب محظور، لكنه يعطى عن طيب نفس، فيجري مجرى الهبة، وإن كان محظور السبب فيباح له إنفاقه. اهـ.

واستشكل القمولي وغيره إباحة الإنفاق واستحقاق صانع الملاهي أجرة؛ لأنهم أطبقوا على أنا إذا حرمنا اتخاذ أواني النقدين لا أجرة لصانعها، وكذلك ما في معناها، والمعطي إنما دفع ذلك أجرة لا هبة، وقد صح: أن كسب الحجام خبيث، فالوجه خلاف ما قاله الماوردي والروياني، وسيأتي في (كتاب دعوى الدم والقسامة) ما يتعلق بتعلم السحر والكهانة والتنجيم والضرب بالرمل والحصى والشعر وأخذ العوض عليها.

قال: (وإنما يفسخ بعجزه عن نفقة معسر)؛ لأن الضرر يتحقق بذلك، فلو عجز عن نفقة المتوسط

فلا خيار، ولم يصر الباقي دينًا، فلو كان يجد يومًا مدًّا ويومًا لا يجد شيئًا

فلها الخيار على الصحيح، ولو وجد بالغداة ما يغديها وبالعشي

ص: 270

وَالإِعْسَارُ بِالكسْوَةِ كَهُوَ بِالَّنَفقَةِ، وَكَذَا بِالأُدْمِ وَالْمَسْكَنِ فِي الأَصَحِّ

ــ

ما يعشيها

فلا خيار على الأصح.

قال: (والإعسار بالكسوة كهو بالنفقة)؛ لأن النفس غالبًا لا تبقى بدونها، وقيل: لا؛ لأنها ليست من ضروريات الخلقة.

ويقال: إن صنفًا من الناس لا يلبثون الثياب، والمسألة مبنية على أن الكسوة تمليك أم لا.

وسكت الشيخان عن الإعسار ببعض الكسوة، وقد ذكره أبو علي الفارقي في «فوائد المهذب» ، وألحقه بالإعسار بالنفقة، وفي أطلاقه نظر، والمعتمد ما أفتى به ابن الصلاح وهو: أن المعجوز عنه إن كان مما لا بد منه كالقميص والخمار وجبة الشتاء

فلها الخيار، وإن كان منه بد كالسراويل والنعل وبعض ما يفرش والمخدة

فلا خيار، وفي «فتاويه»: أنه فكر أيامًا في الإعسار بالجبة أو ما يقوم مقامها هل لها الفسخ به؟ ثم قال: لها ذلك كالفسخ ببعض ما لا بد منه في النفقة.

ولم يتعرض الشيخان للفسخ بالعجز عن الأواني والفرش ونحوها، ولا لثبوتها في الذمة، والظاهر: أنه لا فسخ بذلك.

فرع:

في «فتاوى الغزالي» : أنه لو أقر أجنبي للمعسر الغائب بدين فقالت الزوجة: إنما تريد منعي من الفسخ فاحلف أن له عليك ذلك

لم يحلف البتة.

فرع:

في «فتاوى القفال» : أن الزوج لو غاب عنها فأنفق عليها أبوها

نظر، إن كان ينفق نيابة عن الزوج

سقطت النفقة عنه؛ لأنه أدى دينه عنه متبرعًا، وإن أنفق تبرعًا عليها

فنفقتها باقية في ذمة الزوج تطالب بها إذا رجع.

قال: (وكذا بالأدم والمسكن في الأصح)؛ لأنه يعسر الصبر على الخبز البحت، ولأن الإنسان لا بد له من مسكن يؤويه ويقيه الحر والبرد.

ص: 271

قُلْتٌ: الأَصَحُّ: الْمَنْعُ فِي الأُدْمِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَفِي إِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ أَقْوَالٌ؛ أَظْهَرُهَا: تَفْسَخُ قَبْلَ وَطْءٍ

ــ

والحوالة على المسجد كالحوالة في النفقة على السؤال، ووجه مقابله: أن النفس تقوم بدونه؛ فإنها لا تعدم مسجدًا أو موضعًا مباحًا، وعلى هذا: هل تبقى في ذمته؟ فيه وجهان: أصحهما: لا.

قال: (قلت: الأصح: المنع في الأدم والله أعلم)؛ لأنه تابع والنفس تقوم بدونه، وهذا هو الصحيح في «الشرح الصغير» وفي «التنبيه» ، وأقره عليه في «التصحيح» ، وهو رأي الأكثرين.

وتوسط الماوردي فقال: إن كان القوت مما ينساغ دائمًا للفقراء بلا أدم

فلا خيار، وإلا

فسخت.

وأما نفقة الخادم

فلا فسخ بالإعسار بها على الصحيح؛ لأن الخدمة مستحقة للدعة والترفه، ويقوم البدون بدونها فأشبهت المد الثاني، وتصير نفقة الخادم دينًا عليه؛ لأنها مستحقة مع الإعسار، فإن استأجرت من يخدمها

رجعت عند يساره بالأجرة، وإن أنفقت على مملوكها

رجعت عند يساره بنفقته، وإن خدمت نفسها

رجعت بأقل الأمرين، قال الماوردي، وفيه نظر.

كل هذا في المخدومة لرتبتها، فأما المخدومة لمرض ونحوه

فالوجه: عدم الثبوت كالقريب.

قال: (وفي إعساره بالمهر أقوال) المراد: المهر المفروض، أما المفوضة قبل الفرض

فلا خيار لها؛ إذ لا تستحق مهرًا بالعقد، ولكن لها المطالبة بالفرض، فإذا فرض واستقر

كان كالمسمى في العقد.

قال: (أظهرها: تفسخ قبل وطء)؛ للعجز عن تسليم العوض مع بقاء المعوض كالإفلاس، سواء علمت بإعساره أم لا كما سيأتي، وهذا الفسخ على الفور كما صرح به الرافعي.

ص: 272

لَا بَعْدَهُ. وَلَا فَسْخَ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَ قَاضٍ إِعْسَارُهُ فَيَفْسَخَهُ أَوْ يَاذَنَ لَهَا فيهِ

ــ

قال: (لا بعده)؛ لتلف المعوض، فصار العوض دينًا في الذمة، ولأن تسليمها يشعر برضاها بذمته.

والقول الثاني: لا يثبت الفسخ مطلقًا؛ لأن النفس تقوم بدون المهر، فأشه نفقة الخادمة.

والثالث: يثبت مطلقًا؛ لأنه عجز عن تسليم العوض، والمعوض باق بحاله، فأشبه ما إذا أفلس المشتري بالثمن.

وأصل هذه الأقوال طرق، فلو أعسر ببعضه

فالمختار عند الشيخ: أنه كما لو أعسر بجميعه وهو يختاره في كله عدم الفسخ؛ لأنه ليس في معنى المنصوص عليه.

وقال ابن الرفعة: لا يثبت الخيار في الإعسار ببعضه.

وما صححه الشيخان من الفسخ قبل الدخول محله إذا لم تقبض شيئًا منه، فإن قبضت بعضه وهو الغالب فأعسر بالباقي

فأفتى ابن الصلاح بأنها لا تفسخ، بخلاف البائع إذا اقتصر على بعض الثمن

فإنه يجوز له الفسخ بإفلاس المشتري عن باقيه، والفرق أن الزوج بإقباض بعض المهر استقر له من البضع بقسطه، فلو جاز للمرأة الفسخ

لعاد إليها البضع بكماله؛ لأنه لا يمكن فيه التشريك، بخلاف المبيع؛ فإنه وإن استقر بعضه بقبض بعض الثمن لكن الشركة فيه ممكنة، وخالفه الشيخ شرف الدين البارزي فأفتى بالفسخ وإن قبضت البعض، وضعف الشيخ مأخذ البارزي وابن الصلاح.

قال: (ولا فسخ حتى يثبت عند قاض إعساره فيفسخه أو يأذن لها فيه)؛ لأنه مجتهد فيه، وقيل: لها أن تتولى ذلك بنفسها من غير مرافعة كفسخ البيع بالعيب، ورجحه الشيخان في نظيره من العنة، والقياس التسوية بين البابين.

هذا إذا قدرت على الرفع إلى القاضي، فإن لم يكن في الصقع قاض ولا محكم

قال في «الوسيط» : لا خلاف في استقلالها بالفسخ.

قال ابن الرفعة: وتترتب عليه أحكام الفسخ باطنًا، حتى لو أيسر بعده

لم تمكنه من نفسها، ويحرم عليه أخذ ما خلفته عنه ميراثًا إذا أيسر قبل الموت.

ص: 273

ثُمَّ فِي قَوْلٍ: يُنَجَّزُ الْفَسْخُ، وَالأَظْهَرُ: إِمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَهَا الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الرَّابعِ إِلَّا أَنْ يُسَلِّمَ نَفَقَتَهُ

ــ

وقوله: (فيفسخ) منصوب عطفًا على الفعل المنصوب قبله، وكذا قوله:(يأذن).

وهذه الفرقة فرقة فسخ على المنصوص لا تنقص عددًا كالفسخ بالجب والعنة.

وفي قول مخرج: فرقة طلاق كما في الإيلاء، واستدل له بما تقدم من كتاب عمر إلى أمراء الأجناد.

فعلى هذا: إذا ثبت الإعسار عند الحاكم

يأمره بأن يتمحل وينفق، فإن أبى

فيطلق الحاكم بنفسه أو يحبسه ليطلق، فيه الخلاف المذكور في الإيلاء، والأظهر: أن القاضي يطلق طلقة رجعية، فإن راجع

طلق ثانية وثالثة.

قال: (ثم في قول: ينجز الفسخ)؛ لأن سببه الإعسار وقد حصل.

قال: (والأظهر: إمهاله ثلاثة أيام)؛ لأن الزوج قد يتعسر عليه وجود النفقة لعوارض ثم تزول، وهذه مدة قريبة يمكن تجزيئها باستقراض وغيره.

والثالث: يمهل يومًا واحدًا، وأنكره الأكثرون.

قال الرافعي: والقولان كالقولين في إمهال المولى والمرتد، فأوهم كلامه أن المولى والمرتد يمهلان ثلاثة أيام، والصحيح فيهما خلافه.

قال: (ولها الفسخ صبيحة الرابع إلا أن يسلم نفقته) فإن سلم فلا فسخ

لما مضى؛ لأنه صار دينًا عليه في ذمته، وليس لها جعل ما سلمه عما مضى؛ إذ العبرة بقصد المؤدي.

وقوله: (نفقته) يفهم أنه لو سلمها ذلك عن يوم قبله

كان لها الفسخ؛ لأنه لم يسلم نفقة الرابع، وظاهر عباره أنها تمكن من الفسخ بعد طلوع الفجر بلا مهلة، وبه صرح الإمام والغزالي، ولعلهما قالا ذلك؛ لأنهما يريان أن النفقة عند سلامة الحال تسلم عند طلوع الفجر، ويحتمل أن يفرق عند تحقق العجز هنا، بخلاف ما سبق، وظاهر إطلاق غيرهما: أنها لا تفسخ بطلوع فجره، بل بظهور العجز فيه.

ص: 274

وَلَوْ مَضَى يَوْمَانِ بِلَا نَفَقَةٍ وَأَنْفَقَ الثَّالِثَ وَعَجَزَ الرَّابعَ

بَنَتْ، وَقَيِلَ: تَسْتَانِفُ. وَلَهَا الْخُرُوجُ زَمَنَ الْمُهْلَةِ لِتَحصِيلِ النَّفَقَةِ، وَعَلَيْهَا الرُّجُوعَ لَيْلًا

ــ

فرع:

إذا اعتاد الدفع إليها ليلًا

كان لها الفسخ؛ لأن هذا صيام الدهر، قال الرافعي: ويقرب منه ما ذكره صاحب «العدة» : أنه لو لم يجد النفقة في أول النهار وكان يجدها في آخره

فلها الفسخ في الأصح، أو هي هي.

وقال العجلي: الوجه اعتبار الضرر، فإن امكنها أن تبقي منه شيئًا إلى الغد

فلا ضرر، وإن لم يمكن ذلك

فلها الفسخ.

قال: (ولو مضى يومان بلا نفقة وأنفق الثالث وعجز الرابع

بنت) فتضم إلى اليومين الأولين يومًا آخر ثم تفسخ في اليوم الذي يليه؛ لأنها تتضرر بطول المدة عند الاستئناف.

قال: (وقيل: تستأنف) أي: الأيام الثلاثة من أولها؛ لأن العجز الأول قد زال، وضعفه الإمام بأنه قد يتجدد ذلك عادة فيؤدي إلى ضرر عظيم.

ولو لم يجد نفقة يوم ووجد نفقة الثاني وعجز في الثالث وقدر في الرابع

لفقت أيام العجز، فإذا تمت مدة المهلة

كان لها الفسخ.

قال: (ولها الخروج زمن المهلة لتحصيل النفقة) إما بكسب وإما سؤال أو تجارة، سواء كانت غنية أم فقيرة، وليس له منعها حينئذ على الأصح؛ لأن التمكين والطاعة في مقابلة النفقة، فإذا لم يوفها ما عليه

لم تستحق الحجر، وقيل: له ذلك؛ رعاية لحق الزوجية.

وقيل: إن قدرت على الإنفاق من مالها أو كسب في بيتها كالخياطة والغزل

فله منعها من الخروج، وإلا

فلا، وبه جزم البغوي، وهو الظاهر من كلام المصنف، وأنه إذا كان عندها ما تحتاج إليه

لم يجز لها الخروج، والمنصوص الأول.

قال: (وعليها الرجوع ليلًا) أي: إلى منزل الزوج؛ لأن الله تعالى جعله سكنًا، وله أن يستمتع بها ليلًا لا نهارًا، فلو منعته الاستمتاع بالليل

كانت ناشزة، أو بالنهار

فلا؛ لأنه وقت كسبها.

ص: 275

وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ أَوْ نَكَحَتْ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ

فَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَهُ

وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسِارِهِ بِالْمَهْرِ

فَلَا. وَلَا فَسْخَ لِوَليِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ بِإِعْسَارٍ بِمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ

ــ

فإن قيل: كان ينبغي إذا سقط استمتاعه نهارًا أن تسقط النفقة كالأمة إذا سلمت ليلًا فقط

فالجواب: أن المنع في الأمة من جهتها، وهنا المنع من جهته.

قال: (ولو رضيت بإعساره أو نكحت عالمة بإعساره

فلها الفسخ بعده) أي: بعد رضاها به؛ لأن الضرر يتجدد كل يوم، فرضاها بالآتي إسقاط للشيء قبل ثبوته، ولا أثر لقولها: رضيت بإعساره أبدًا؛ لأنه وعد لا يلزم الوفاء به، لكن يستثنى يوم الاختيار فلا خيار لها فيه، صرح به البندنيجي والبغوي في «الفتاوى» .

وإذا رضيت بالمقام معه

لم يلزمها تمكينه، ولها الخروج كما تقدم، فإن مكنت

ثبت لها في ذمته ما على المعسر من طعام وغدام وغيرهما.

قال: (ولو رضيت بإعساره بالمهر

فلا) أي: لا فسخ لها بعد ذلك؛ لأن الضرر لا يتجدد بخلاف النفقة.

ولو نكحت عالمة بإعساره بالمهر

فهل لها الفسخ؟ وجهان:

رجح الشيخ منهما المنع كما لو رضيت به في النكاح ثم بدا لها.

والثاني – وهو المنصوص الذي أورده الماوردي وجماعة –: نعم، وليس لها الامتناع بعد الدخول إذا مكناها من الفسخ واختارت المقام.

ولا بد في الفسخ بالإعسار بالصداق من المرافعة إلى القاضي كما في النفقة، والخيار فيه بعدها على الفور، فلو أخرت

سقط.

قال: (ولا فسخ لولي صغيرة ومجنونة بإعسار بمهر ونفقة) وإن كان فيه مصلحتهما؛ لأن ذلك لا يدخل تحت الولاية.

وأفهم أنه ليس لولي البالغة ذلك من باب أولى، والسفيهة البالغة هنا كالرشيدة، وفي هذه الحالة ينفق عليهما من مالهما، فإن لم يكن

أنفق من عليه نفقتهما كنفقة الخلية.

ص: 276

وَلَوْ أَعْسَرِ زَوْجُ أَمَةٍ بَالنَّفَقَةِ

فَلَهَا الْفَسْخُ، فَإِنْ رَضِيَتْ

فَلَا فَسْخَ لِلسَّيِّدِ فِي الأَصَحِّ، وَلَهُ أَنْ يُلْجِئَهَا إِلَيْهِ بِأَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا، وَيَقُولَ: افْسخِي أَوْ جُوعِي

ــ

قال: (ولو أعسر زوج أمة بالنفقة

فلها الفسخ) كما أنها تفسخ بالجب والعنة، وهذا لأنها صاحبة حق في تناول النفقة.

قال الرافعي والمصنف: لو أردت الفسخ

لم يكن للسيد منعها، فإن ضمن النفقة

فهو كالأجنبي يضمنها. اهـ.

وهذا عجيب كيف يضمن رب الدين دينه.

قال: (فإن رضيت

فلا فسخ للسيد في الأصح)؛ لأن النفقة في الأصل لها ثم يتلقاها السيد.

والثاني: له الفسخ؛ لأن الملك في النفقة له، وضرر فواتها يعود إليه، وكذلك الحكم لو كانت صغيرة أو مجنونة.

وفي وجه ثالث: له الفسخ في الصغيرة والمجنونة دون المكاتبة.

والخصومة في نفقة المدة الماضية للسيد لا لها كالصداق، وإنما حقها في النفقة الحاضرة والمستقبلة.

ولو أقرت الأمة بقبضها وأنكره السيد

فالمنصوص: أن القول قولها، وفيه وجه: أن القول قوله.

ولو كانت مبعضة: فالظاهر: أنها كالقنة واولى بأن الفسخ لها لا للسيد.

وإن كانت مكاتبة كتابة صحيحة

فهل يجري الوجهان فيها، أو يقال: الأمر مفوض إليها لاستقلالها، أو يقال: إن كان الحط لها في الفسخ

استقلت به؟ في كل ذلك احتمال.

قال: (وله أن يلجئها إليه بأن لا ينفق عليها، ويقول: افسخي أو جوعي)؛ لأنه لا تلزمه نفقتها وهي مزوجة مسلمة إلى الزوج.

تتمة:

كل هذا في حق المكلفة، أما الصغيرة والمجنونة

فيمتنع إلجاؤها.

ص: 277

فَصْلٌ:

تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْوَالِدِ وَإِنْ عَلَا،

ــ

واحترز بـ (النفقة) عن إعساره بالمهر؛ فلا يثبت لها الفسخ به، بل هو للسيد على الصحيح؛ لأنه محض حقه، ولو أعسر زوج الأمة بالكسوة

فالحكم كذلك فيه، كالإعسار بالنفقة؛ لأن الكسوة من ضرورتها.

ولو عجز عن نفقة أم ولده

قال أبو زيد: يجبر على عتقها أو تزويجها، والأصح: أنه لا يجبر على ذلك، بل يخليها لتكتسب وتنفق على نفسها.

قال: (فصل: تلزمه نفقة الوالد وإن علا)، هذا هو السبب الثاني للنفقة وهو: القرابة، والموجب لها عندنا قرابة البعضية خاصة، فتجب للوالد على الولد وبالعكس، فمتى كان المنفق عليه بعضًا من المنفق بأن كان أحد أصوله أو فروعه

وجب، ولا فرق في الطرفين بين الذكور والإناث فتجب نفقة الوالد وإن علا جدًّا كان أو جدة، وارثًا كان أو غير وارث؛ لقوله تعالى:{وصاحبهما في الدنيا معروفًا} ومن المعروف القيام بكفايتهما.

ولقوله تعالى: {ووصينا الإنسان بولديه حسنًا} ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه، فكلوا من أموالهم» حسنه الترمذي [1358] وصححه الحاكم [2/ 46].

ويدل له قوله تعالى: يعني: ولده، وبالقياس على نفقة الأولاد، بل أولى؛ لأن حرمة الوالد أعظم، والأجداد والجدات ملحقون بهما إن لم يدخلوا في عموم ذلك كما ألحقوا بهما في العتق بالملك وسقوط القود عنهم بالقتل ورد الشهادة؛ لوجود البعضية.

ص: 278

وَاَلْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ، وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا

ــ

قال: (والولد وإن سفل) أي: الحر ذكرًا كان المنفق أو أنثى؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

وقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ}

الآية، وقوله تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فلما لزمت أجرة الرضاع .. كانت النفقة ألزم.

وعند مالك: لا نفقة على الأم بحال، وهو وجه شاذ عندنا.

وكما تجب نفقة الأولاد تجب نفقة الأحفاد، وعند مالك: لا نفقة على الجد بحال.

وكما تجب نفقة الوالدين

تجب نفقة الأحفاد والجدات، خلافًا لمالك.

وفي (الصحيحين): (خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك).

وكما تلزمه نفقة أبيه .. تلزمه نفقة عبده المحتاج لخدمته، وكذا زوجة أبيه كما قدمه في (باب الإعفاف) ، بخلاف زوجة الابن على الأصح، لكن يستثنى ما لو كان القريب عبدًا .. فلا ينفق على قريبه، وكذلك إذا كان مكاتبًا لا تلزم ولده نفقته على الأصح في زوائد (الروضة)؛ لبقاء أحكام الرق.

ووقع للشيخين في أوائل (قسم الصدقات) أن نفقته على القريب، والمعتمد ما تقدم.

نعم؛ لو كان للمكاتب ولد من أمته .. وجبت عليه نفقته، لأنه تابع له يعتق بعتقه، ويعود للسيد إذا رق.

وفي المبعض وجهان:

أصحهما: أنه تلزمه نفقة القريب؛ لأنها كالغرامات.

والأصح: أنه ينفق نفقة كاملة كالحر، وقيل: بحسب حريته.

قال: (وإن اختلف دينهما) أي: المنفق والمنفق عليه؛ لعموم الأدلة ووجود الموجب وهو البعضية كالعتق والشهادة.

وفارق الميراث؛ فإنه مبني على المناصرة، وهي مفقودة عند اختلاف الدين.

ص: 279

بِشَرْطِ يَسَارِ الْمُنْفِقِ بِفَاضِلٍ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ فِي يَوْمِهِ

ــ

وفي وجه- حكاه الجوري قولًا-: لا تجب على المسلم نفقة القريب الكافر؛ لأنها لإبقاء المهجة، ولا يجب إبقاء مهجة الكافر.

وأوجب أبو حنيفة نفقة كل ذي محرم بشرط اتفاق الدين في غير الأبعاض؛ تمسكًا بقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} .

وأجاب الشافعي بأن المراد مثل ذلك في نفي المضارة كما قرره ابن عباس وهو أعلم بكتاب الله.

واعتبر أحمد العصوبة، وقال مالك: لا نفقة على الجد ولا له كيف كان.

ومحل الوجوب في صورة الكتاب في المعصوم، فالمرتد والحربي لا نفقة لهما.

وأفتى ابن الصلاح بأن الابن لا تلزمه نفقة أب إسماعيلي مُصرّ على إلحاده، بخلاف نفقة الزوجة؛ فإنها معاوضة.

وقيل: لا يشترط يسار الوالد في نفقة ولده الصغير، فيستقرض عليه ويؤمر بوفاته إذا أيسر كنفقة الزوجة؛ لأنه من توابع النكاح.

قال: (بفاضل عن قوته وقوت عياله)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء .. فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء .. فلذي قرابتك) رواه مسلم.

ومراد المصنف بـ (العيال): الزوجة، وفي معناها من يخدمها وأم الولد، ولو عبر بحاجته وحاجة عياله .. كان أعم من القوت.

وعلم من ذلك أنه لا يشترط أن يكون فاضلًا عن الدين؛ فقد صرح الأصحاب في (باب الفلس) بوجوب نفقة القريب مع الديون، ووقع في كلام الرافعي في أوائل (قسم الصدقات) ما يوهم خلافه، وليس بمراد.

قال: (في يومه) كما يعتبر ذلك في المفلس، والمراد: يوم والليلة التي تليه؛ لأن من لا يفضل عنه شيء بعد ذلك .. محتاج إلى المواساة، فلا يواسي غيره.

ص: 280

وَيُبَاعُ فِيهَا مَا يُبَاعُ فِي الدِّيْنِ. وَيَلْزَمُ كَسُوبًا كَسْبُهَا فِي الأَصَحِّ

ــ

قال: (ويباع فيها ما يباع في الدين) من العقار وغيره؛ لأن النفقة حق مالي لا بدل له فأشبهت الدين.

وعند أبي حنيفة: لا يباع العقار.

وقيل: لا يباع الخادم والمسكن كما لا يباعان في الدين، وبه قال أبو حنيفة أيضًا.

وفي كيفية بيع العقار وجهان:

أحدهما: يباع كل يوم جزء بقدر الحاجة.

والثاني: يستقرض إلى يجتمع ما يسهل بيع العقار له فيباع، فلو لم يجد من لا يشتري إلا الجميع وتعذر الاستقراض .. بيع الجميع، وقد تقدم نظيره في (نفقة المرهون).

قال: (ويلزم كسوبًا كسبها في الأصح)؛ لأنه يلزمه إحياء نفسه بالكسب فكذلك إحياء بعضه، وليست النفقة كالدين؛ فإن قدرها يسير والدين لا ينضبط قدره.

والثاني: لا يلزمه كما لا يلزمه الاكتساب لقضاء الدين.

والثالث: يكلف الولد أن يكتسب لأجل الولد دون عكسه.

والرابع: تجب للولد الصغير دون البالغ.

والخامس: تلزم الأب دون الأم؛ لعجزها غالبًا عن الاكتساب.

قال الإمام: وموضع الخلاف إذا كان المنفق عليه عاجزًا عن الكسب، فإن قدر .. لم تجب على قريبه وجهًا واحدًا، وجعله ابن يونس فيمن لم تجر عادته بالاكتساب، فإن جرت .. لزمه قطعًا.

وإطلاق غيرهما يقتضي طرده مطلقًا، وعلى كل حال: لا يكلف القريب أن يسأل الناس، ولا أن يقبل الهبة والوصية، فلو فعل وصار بذلك غنيًا .. لزمه مؤنة قريبه.

وكذا لو أعطى من الزكاة ما يستغني به وفضل عن حاجته .. أنفق على غيره.

ص: 281

وَلَا تَجِبُ لِمًالِكٍ كِفَايَتَهُ وَلَا بِمُكْتَسِبِهَا. وَتَجِبُ لِفَقِيرٍ غَيْرِ مُكْتَسِبٍ إِنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونَا، وَإِلَاّ .. فَأَقُوَالٌ، أَحسَنُهَا: تَجِبُ، وَالثَّالِثُ: لِأَصْلٍ لَا فَرْعٍ. قُلْتُ: اَلثَّالثُ أَظْهَرُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ

ــ

وينبغي إذا فرض القاضي نفقة القريب .. لا يجب الاكتساب لها؛ لأنها بفرض القاضي صارت دينًا كما سيأتي، والدين لا يجب الاكتساب له.

قال: (ولا تجب لمالك كفايته)؛ لاستغنائه عنها.

قال: (ولا بمكتسبها)؛ لأنه غني بكسبه.

هذا إذا اكتسب كفايته، فإن قدر على بعض الكفاية .. استحق القدر المعجوز عنه.

قال: (وتجب لفقير غير مكتسب إن كان زمنًا أو صغيرًا أو مجنونًا)؛ لعجزه عن كفاية نفسه، وفي معناه: العاجز بالمرض والمغمى عليه، فإذا بلغ الصغير حدًا يمكن أن يتعلم حرفة أو يحمل على الاكتساب في بعض الأيام .. فعلى الأب الإنفاق عليه.

قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن غير المكتسب صغيرًا ولا مجنونًا ولا زمنًا) .. فأقوال: أحسنها: تجب) للأصل والفرع؛ لأنه يقبح بالإنسان أن يكلف قريبه الكسب مع اتساع ماله، وبهذا قال أحمد، قال الرافعي: والفتوى اليوم عليه.

والقول الثاني: المنع؛ لأنه قادر على الاكتساب مستغن عن أن يُحمّل غيره كَلَّه، وصححه الغزالي.

قال: (والثالث: لأصل لا فرع، قلت: الثالث أظهر والله أعلم)؛ لعموم قوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} وليس من المعروف تكليفهما الكسب مع كبر السن، وهذا هو المصحح في (الشرحين) ، ولا فرق في ذلك بين الابن والبنت.

وقال أبو حنيفة ومالك: لا تجب للابن وتجب للبنت إلى أن تتزوج؛ لعجزها عن الاكتساب، ثم لا يعود استحقاق النفقة بالطلاق عند أبي حنيفة.

ص: 282

وَهِيَ الْكِفَايَةُ، وتَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا،

ــ

وعند مالك: إن كان الطلاق قبل الدخول .. عاد الاستحقاق، وإلا .. فلا.

وقدرة الأم أو البنت على النكاح لا تسقط نفقتها، فإذا تزوجت .. سقطت بالعقد وإن كان الزوج معسرًا إلى أن يفسخ الحاكم النكاح؛ لئلا يجمع بين نفقتين، فلو نشزت وهي في عصمة الزوج .. لم تستحق النفقة على القريب؛ لقدرتها على النفقة بطاعة الزوج.

فرع:

إذا كان مال الولد الصغير غائبًا .. لزم الوالد أن ينفق عليه قرضًا موقوفا، فإذا وصل ماله .. رجع بما أنفق، سواء أنفق بإذن الحاكم أم بغير إذنه إذا قصد الرجوع، فإن هلك المال قبل قدومه .. لم يرجع عليه بما أنفق من حين تلف المال؛ لأنه بان أن نفقته واجبة عليه.

قال: (وهي الكفاية)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الأم) يشهد له.

ودخل في الكفاية: القوت والأدم لأن الخبز البحت يسقط القوة، وخالف البغوي في الأدم، ويجب من المسكن والخادم والكسوة ما يحتاج إليه.

وذكر الرافعي في (قسم الصدقات) أنه تجب أجرة القصد والحجامة والطبيب وشراء الأدوية؛ لأنها من جملة المؤن المحتاج إليها.

وإذا سلمت نفقة القريب إليه فتلفت في يده .. فعليه الإبدال، وكذا لو أتلفها بنفسه، لكن يؤخذ من الضمان إذا أيسر في المسألة الثانية، وهو وإن كان مشكلًا لكونه قبض العين لغرض نفسه إلا أنه المنقول؛ فقد صرح به هكذا الشيخان والبغوي وابن الرفعة.

قال: (وتسقط بفواتها) أي: بمضي الزمان وإن تعدي المنفق بالمنع؛ لأنها

ص: 283

وَلَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَاّ بِفَرْضِ أَوْ إذْنِهِ فِي افْترَاضٍ لغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ

ــ

وجبت لدفع الحاجة الناجزة كما سبق، لكن يستثنى صورتان:

إحداهما: إذا نفى الولد ثم استلحقه .. فإن أمه ترجع عليه بالنفقة.

والثانية: نفقة الحمل لا تسقط بمضى الزمان وإن جعلنا النفقة له؛ لأن الزوجة لما كانت تستوفيها .. ألحقت بنفقتها.

قال: (ولا تصير دينًا)؛لأنها من باب المواساة، فإذا اندفعت الحاجة من غير جهة القريب .. حصل المقصود. ولا يثبت في ذمة القريب سيء وإن تعدى بامتناع الإنفاق عليه.

قال الإمام: ومن ثمرة ذلك: أنها لا يجب عليه تسليم النفقة له، فلو قال: كل معي .. وإن أعطاه نفقة أو كسوة .. لم يجز أن يملكها لغيره.

قال: (إلا بفرض قاض أو إذنه في اقتراض لغيبة أو منع)؛ فإنها تصير دينًا بذلك، كذا في (الوسيط) و (الوجيز) وكتب الرافعي والمصنف، ولم يتعرض له غير هؤلاء من الأصحاب، ولم يحكه ابن الرفعة مع كثرة اطلاعه إلا عن الرافعي

وقال المتولي: لا تستثنى إلا مسألة الاستقراض، وكذا القاضي أبو الطيب في (شرح الفروع) والجرجاني والبغوي والروياني.

وممن صرح بالمنع مع فرض القاضي ابن القاص والقاضي أبو الطيب وأبو حاتم القزويني والشيخ أبو إسحاق في (التذكرة في الخلاف) والشيخ نصر المقدسي والمحاملي ومحمد بن يحيى والبندنيجي.

وعبارة (الوجيز): لا تستقر إلا بفرض قاض، وتبعه على ذلك في (المحرر) و (المنهاج)، فيحتمل أن يكون بالقاف؛ أي: اقتراضه؛ لأن نفقة القريب إمتاع، وما لا تمليك فيه يستحيل مصيره دينًا في الذمة، وأيضًا الزمن الماضي قد حببت نفسه فيه فلا معنى لإيجاب نفقته.

قال بعض الشارحين: والحق أن فرض القاضي بمجرده لا يؤثر عندنا بلا خلاف، ومن القضاة من يلزم بمقتضاه، وهو غلط، بل أكثر الفروض يكتبها الشهود: فرض فلان على نفسه لولده كذا، من غير حاكم ولا إذن من الفارض باستدانة عليه وإنفاق

ص: 284

وَعَلَيْهَا إِرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ،

ــ

ورجوع ولا غير ذلك، ولا ريب أن وجود ذلك كعدمه.

وقوله: (أو إذنه في اقتراض) يقتضي أنه الإذن يصير دينًا، ومحل الرجوع إذا استقرضت وأنفقت، فلو تأخر الاستقراض بعد إذن القاضي ومضى زمن .. لم يستقر فيه.

ولو لم يكن هناك حاكم واستقرضت الأم عنه وأشهدت .. فعليه قضاء ما استقرضته، وإن لم تشهد .. فوجهان: مقتضى كلام الرافعي في (باب زكاة الفطر) ترجيح أنها لا ترجع، وإذا وجبت نفقة الأب أو الجد على الصغير أو المجنون .. أخذاها من ماله بحكم الولاية، والأم لا تأخذ إلا بإذن الحاكم، وكذا الابن إذا وجبت نفقته على الأب المجنون.

وإذا امتنع القريب من نفقة قريبه .. فللمستحق الأخذ من ماله إن وجد جنسه، وكذا غير جنسه في الأصح.

قال: (وعليها إرضاع ولدها اللبأ) وهو بالهمز: اللبن النازل أوائل الولادة؛ لأن الولد لا يعيش بدونه، ولبأ غيرها لا يغني فألحق بطعام المضطر.

قال الرافعي: كذا أطلقوه، وكأنهم أرادوا الغالب أو أنه لا يقوى ولا يشتد إلا به، وإلا .. فشاهدنا من يعيش بدونه، وأنكر القاضي أبو الطيب ذلك قبل الرافعي.

ثم لها أن تأخذ عليه أجرة إن كان لمثله أجرة كبدل الطعام للمضطر ببدله.

وقال في (الحاوي): لو قيل: لا أجرة لها؛ لأنه حق واجب عليها .. لكان له وجه، وجعل الرافعي هذا الاحتمال وجهًا، وبه جزم صاحب (الكافي).

ص: 285

ثُمَّ بَعْدَهُ إِنْ لَمْ يُوجَدْ إِلاِّ هِيَ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ .. وَجَبَ إِرْضَاعُهُ، وَإِنْ وَجَدَتَا .. لَمْ تُجْبَرِ الأُمُّ، فَإِنْ رَغِبَتْ وَهِيَ مَنْكُوحَةُ أَبِيهِ .. فَلَهُ مَنْعُهَا فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُ: لَيْسَ لَهُ، وَصَحَّحَهُ الأَكْثَرُونَ، وَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

وقل من تعرض لمدة إرضاع اللبأ، وعبارة (البيان): وعليها أن تسقيه اللبأ حتى يروى، وظاهرها الاكتفاء بمرة واحدة.

وقال الرافعي في (القصاص): مدة إرضاع اللبأ مدة يسيرة اهـ

والظاهر: أن الرجوع في ذلك إلى العرف.

قال: (ثم بعده) أي: بعد إرضاعه اللبأ (إن لم يوجد إلا هي أو أجنبية .. وجب إرضاعه) أي: على الأم في الأولى وعلى الأجنبية في الثانية؛ إبقاء للولد، ولهما طلب الأجرة من ماله إن كان، وإلا .. فمن أبيه.

قال: (وإن وجدتا .. لم تجبر الأم) سواء كانت في نكاح الأب أم لا، وسواء كانت ممن ترضع مثلها الولد أم لا؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} ، وإذا امتنعت .. حصل التعاسر، ولأنه في حق الصغير بمنزلة النفقة في حق الكبير، وهي لا تجب على الأم في يسار الأب، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد.

وعن مالك: روايتان.

قال: (فإن رغبت وهي منكوحة أبيه .. فله منعها في الأصح)؛ لأنه يستحق الاستمتاع بها في وقت الرضاع، لكن يكره له المنع.

واحترز بـ (منكوحة الأب) عما إذا كانت بائنًا منه؛ فإنها إن تبرعت .. لم يكن له انتزاعه منها، وغن طلبت أجرة .. فهي كالتي في نكاحه.

وقيل: ليس له استئجارها، واستدل له الرافعي وابن الرفعة بقوله تعالى:{َإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وهو سهو منهما؛ فإن الآية في المطلقات لأن أولها: (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ).

قال: (قلت: الأصح: ليس له منعها، وصححه الأكثرون والله أعلم)؛ لأن فيه إضرارًا بالولد لأنها عليه أشفق، ولبنها أصلح له وأوفق.

ص: 286

فَإِنِ اتَّفَقَا وَطَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلِ .. أُجِيبَتْ، أَوْ فَوْقَهَا .. فَلَا، وَكَذَا إِنْ تَبَرَّعَتْ أَجنَبِيَّةٌ أّوْ رَضِيَتْ بِأَقَلَّ فِي الأَظْهَرِ. وَمَنِ اسْتَوَي فَرْعَاهُ .. اتَّفَقَا،

ــ

ووقع في (الكفاية) نسبة الأول إلى الأكثرين، وهو سهو.

فإن قلنا: ليس له المنع أو توافقا عليه .. فهل تزاد نفقتها للإرضاع؟ فيه وجهان: أصحهما في (الروضة): لا.

قال: (فإن اتفقا) أي: على أن الأم ترضعه (وطلبت أجرة مثل .. أجيبت) ، بل هي أولى من غيرها؛ لوفور شفقتها، وهذا مبني على الأصح، وهو أن للزوج استئجار زوجته لإرضاع ولده.

وقال العراقيون: لا يجوز؛ لأنه يستحق منفعتها في تلك الحالة فلا يجوز أن يعقد عليها عقدًا آخر يمنع استيفاء الحق، ثم إن يمنع الإرضاع الاستمتاع ولم ينقصه .. كان لهما مع الأجرة النفقة، وإلا .. فلا نفقة، قاله البغوي وغيره.

قال: (أو فوقها .. فلا)؛ لتضرره، وله في هذه الحالة استرضاع أجنبية.

قال: (وكذا إن تبرعت أجنبية أو رضيت بأقل) من أجرة المثل (في الأظهر)؛ لأن في تكليفه الأجرة مع المتبرعة أو الزيادة عليها إضرارًا به، وقد قال تعالى:(وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ).

والثاني: تجاب الأم؛ نظرًا لها وللطفل، واختاره المزني، وصححه الجرجاني تبعًا لـ (التنبيه)، ويدل له عموم قوله تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} .

وإذا قلنا بالأظهر أنها لا تجاب إذا وجدت متبرعة، فاختلفا فقال الأب: وجدتها، وأنكرت .. فهو المصدق بيمينه على النص؛ لأنه تشق عليه البينة.

قال: (ومن استوي فرعاه .. اتفقا)؛لاستوائهما في موجب ذلك.

والمراد: استويا في القرب، أو عدمهما، والذكورة والأنوثة كابنين أو بنتين، سواء استويا في اليسار أو تفاوتا، وسواء أيسرا بالمال أم بالكسب، أو أحدهما بالمال والآخر بالكسب، فإن كان أحدهما غائبًا .. أخذ قسطه من ماله، فإن لم يكن له مال .. اقترض عليه.

ص: 287

وَإِلَاّ .. فَالأَصَحُ: أَقْرَبُهُمَا، فَإِنِ اسْتَوَيَا .. فَبِالإِرْثِ فِي الأَصَحِّ، وَالثَّانِي: بِالإِرْثِ ثُمَّ بِالْقُرْبِ

ــ

قال: (وإلا) أي: وإن لم يستويا فيما ذكرناه (.. فالأصح أقربهما)؛ لأنه أولى بالاعتبار، فإن كان أحدهما أقرب .. فالنفقة عليه.

ولا فرق بين أن يكون الأقرب وارثًا أو غير وارث، ولا بين أن يكون ذكرًا أو أنثى، هذه الطريقة المشهورة، ويقابلها اعتبار الإرث.

قال: (فإن استويا .. فبالإرث في الأصح)؛ لقوته كابن وابن بنت، فيلزم ابن الابن لقوة قرابته.

والثاني: لا أثر للإرث، بل القرابة المجردة موجبة للنفقة، والإرث غير مرعي في الباب.

قال: (والثاني: بالإرث ثم بالقرب) أي المعتبر الإرث، فإن فقد .. فالقرب، وهذه هي الطريقة الثانية، فإن كان أحدهما وارثًا دون الآخر .. فالنفقة على الوارث وإن كان غير الوارث أقرب، فإن تساويا في الإرث وأحدهما أقرب .. فالنفقة على الأقرب، وإن تساويا في القرب أيضًا .. فالنفقة عليهما، ثم هل يستوي أو يراعى قدر القرب؟ فيه الوجهان.

وإذا استويا في المنظور إليه هل يختص الذكر بالوجوب أو يستويان؟ وجهان.

أمثلته:

ابن وبنت: النفقة عليهما، سواء اعتبرنا القرب أو أصل الإرث، وإن اعتبرنا مقداره .. فعليهما أثلاثًا، أو الذكورة .. فعلى الابن فقط.

بنت وابن ابن: هي على البنت إن اعتبرنا القرب، وعلى ابن الابن إن اعتبرنا الذكورة.

ابن ابن وابن بنت: إن اعتبرنا القرب .. أو الإرث .. فابن الابن

ص: 288

وَالْوَارِثَانِ يَسْتَويَانِ أَمْ يُوَزَّعُ بِحَسَبِهِ؟ وَجْهَانِ. وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ .. فَعَلَى الأَبِ، وَقِيلَ: عَلَيهِمَا لِبَالِغِ. أَوْ أَجْدَادٌ وَجَدَّاتٌ: إِنْ أَدْلَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ .. فَالأَقْرَبُ،

ــ

بنت ابن وابن بنت: إن اعتبرنا الإرث .. فبنت الابن، أو الذكورة .. فابن البنت، أو القرب .. فعليهما.

بنت وابن بنت: إن اعتبرنا الذكورة .. فابن البنت، وإلا .. فالبنت إن اعتبرنا القرب أو الإرث.

قال: (والوارثان يستويان أم يوزع بحسبه؟ وجهان) وجه الأول: اشتراكهما في أصل الوراثة، ووجه الثاني: إشعار زيادة الإرث بزيادة قوة القرابة، ولم يصحح في (الروضة) وأصلها شيئًا منهما أيضًا.

وتقدم في (صلاة الجماعة) التنبيه على هذا المكان.

وعبارة (الحاوي الصغير):والتساوي وزع، وهو الذي رجحه الرافعي في اجتماع الأصول.

مثال ذلك: ابن وبنت، هل يلزمهما نصفين أو ثلاثًا؟ وجهان، وهل تقدم بالذكورة؟ وجهان: أصحهما: لا، خلافًا للعراقيين، فيختص الابن عندهم بالإنفاق دون البنت.

قال: (ومن له أبوان .. فعلى الأب) هذا عكس الفصل المتقدم فإذا اجتمع للمحتاج أب وأم .. فالنفقة على الأب، أما إذا كان الابن صغيرًا .. فلا خلاف؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ، وكذا إن كان بالغًا في الأصح؛ استصحابًا للحكم الثابت في حال الصغر.

قال: (وقيل: عليهما) أي: نصفين (لبالغ)؛ لاستواء القرب والولادة، فلو اجتمع أب الأب مع الأم .. فالمذهب أنها على الجد، وقيل: يلزم الأم لقربها، وقيل: عليهما أثلاثًا، وقيل: نصفين.

قال: (أو أجداد وجدات: إن أدلى بعضهم ببعض .. فالأقرب) أي: فالنفقة على الأقرب بالاتفاق؛ لأنه مقدم في الميراث وغيره، فكذا هنا، فيقدم الأب على أبيه، وأمه على أبيها وأمها.

ص: 289

وَإِلَا .. فَبِالْقُرْبِ، وَقِيلَ: الإِرْثُ، وَقِيلَ: بِوِلَايَةِ الْمَالِ، وَمَنْ لَهُ أَصْلٌ وَفَرْعٌ .. فَقِي الأَصَحُ: عَلَى الْفَرْعِ وَإِنْ بَعُدَ. أَوْ مُحْتًاجُونَ .. يَقَدِّمُ زَوْجَتَهُ

ــ

قال: (وإلا .. فبالقرب، وقيل: الإرث، وقيل: بولاية المال) أشار إلى أنه إذا لم يكن أحدهما يدلي بالآخر .. ففيه خمسة طرق:

أصحهما: يقدم بالقرب على النحو المتقدم في الفروع.

والثاني: بالإرث.

والثالث: بولاية المال، فإن لم يكن لواحد منهما ولاية .. قدم من يدلي بالولي أو من هو أقرب إدلاء بالولي، فإذا استويا في الإدلاء .. اعتبر القرب.

والرابع: تقدم بالذكورة.

والخامس: بالإرث والذكورة معًا، وهذه الطرق هي الطرق المتقدمة في الفروع، إلا الطريق الثالث وهي ولاية المال؛ فإنها لا تأتي، ثم قال:

(ومن له أصل وفرع .. ففي الأصح: على الفرع وإن بعد)؛ لأن عصوبته أقوى، وسواء كان الفرع وارثًا أو غير وارث، قريبًا أو بعيدًا.

والثاني: أنها على الأب استصحابًا لما كان في الصغر.

والثالث: عليهما؛ لاستوائهما في القرب، ولتعارض المعاني.

فرع:

أخوان لهما أب وجد ولا يقدر الأب إلا على نفقة أحدهما .. لزمه نفقته وعلى الجد نفقة الآخر، فإما أن يشتركا في الإنفاق عليهما، أو يختص كل بالإنفاق على واحد، فإن اختلفا .. أجيب من طلب الاشتراك.

قال: (أو محتاجون) أي: اجتمع على الشخص الواحد محتاجون تلزمه نفقة كل منهم، لكنه لا يقدر إلا على كفاية بعضهم.

قال:) .. يقدم زوجته)؛ لأنها آكد؛ إذ نفقتها لا تسقط بمضي الزمان، هذا الذي أطبق عليه الأصحاب، واعترض الإمام بأنها إذا كانت كذلك .. كانت كالديون،

ص: 290

ثُمَّ الأَقْرَبَ، وَقِيلَ: الوارِثَ، وَقِيلَ: الْوَلِيِّ

ــ

ونفقة القريب في مال المفلس مقدمة عليها، فخرَّج احتمالَا في تقديم نفقة القريب، وأيده بالحديث المتقدم أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن معي دينارًا، قال:(أنفقه على نفسك)، قال: معي آخر، قال:(أنفقه على ولدك)، قال: معي آخر، قال:(أنفقه على أهلك) فقدم الولد على الأهل، كذا رواه أبو داوود [1688]، ولكن رواه النسائي [سك 9137] بتقديم الزوجة على الولد فتعارضت الروايتان. وفي وجه: أن نفقة الطفل تقدم عليها؛ لاحتياجه.

قال: (ثم الأقرب) أي: (وقيل: الوارث، وقيل: الولي) المراد: أنه يقدم بعد نفقة الزوجة الأقرب أو الوارث أو الولي، فيه الطرق المتقدمة.

مثاله: ابن وبنت، وابن ابن ابن، وأبوان: فهي للأول على الأول وللثاني على الثاني وللثالث على الثالث.

تتمة:

عنده ما ينفق على واحد، وله أب وأم .. تقدم الأم على الأصح؛ لامتيازها عن الأب بالحمل والوضع والرضاع والتربية، ولذلك كان لها ثلاثة أرباع البر بالاتفاق؛ لما روى الشيخان [خ 5971 - 2548م] عن أبي هريرة: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أي الناس أحق بحسن صحابتي؟ قال: (أمك) قال: ثم من قال: (أمك) قال: ثم من قال: (أمك) قال: ثم من قال: (أبوك).

والوجه الثاني: يقدم الأب مكافأة له؛ لتقدمه في وجوب النفقة عليه مع امتيازه بالعصوبة.

والثالث: يستويان؛ لاستوائهما في القرابة والدرجة.

وفي زكاة الفطر يقدم الأب عليها في الأصح كما تقدم في بابه؛ فإنها تطهير والأب به أولى.

ص: 291

فَصْلٌ:

الْحَضَانَةُ: حِفْظُ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ وَتَرْبِيتَهُ. وَالإِنَاثُ أَلْيَقُ بِهَا، وَأوْلَاهُنَّ: أُمُّ

ــ

قال: (فصل:

الحضانة: حفظ من لا يستقل) أي: عما يؤذيه، وهي بفتح الحاء: مأخوذة من الحضن بكسرها وهو الجنب؛ لأنها تضمه إلى حضنها، وتنتهي بالتمييز، ثم بعده إلى البلوغ تسمى كفالة، قاله الماوردي.

والمراد: من لا يستقل بأمر نفسه؛ لعدم تمييزه، ليشمل الطفل والكبير والمجنون ومن به خبل وقلة تمييز.

والأصل فيها: قوله تعالى: {وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} والأحاديث الآتية في الباب.

قال: (وتربيته) التربية: التنمية وحسن القيام عليه حتى يفارق الطفولية، بالقيام بتعهده من طعامه وشرابه، وقضاء حاجته، وغسل بدنه وثيابه من النجاسة والوسخ، وتنويمه وتمريضه وتحنيكه وتمشيطه، وغسل وجهه وأطراف يديه، ونحو ذلك من مصالحه.

قال: (والإناث أليق بها) مع أنها نوع ولاية وسلطنة؛ لأنهن أهدى إلى التربية، فهن بها أخبر وعليها أصبر لفرط حنوهن.

ومؤنة الحضانة على من تجب عليه النفقة، ولهذا ذكرت عقيب النفقات، وقيل: لا أجرة لها بعد الفطام.

قال: (وأولاهن: أم)؛ لوفور شفقتها، وروى الحاكم [2/ 207] وأبو داوود [2270] عن ابن عمرو: أن امرأة قالت: يا رسول الله؛ إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني، فقال صلى الله عليه وسلم:(أنت أحق به ما لم تنكحي).

فإذا امتنعت الأم .. لم تجبر؛ لأن من ترك حقه .. لم يجبر على استيفائه، فإذا وجبت عليها بأن لم يكن أب وإن علا ولا مال له .. فتجبر كما يجبر من امتنع من الحق.

ص: 292

ثُمَّ أُمَّهَاتٌ يُدْلِينَ بِإِنَاثٍ يُقَدَّمُ أَقْرَبَهُنَ. وَالْجَدِيدُ: تُقَدَّمُ بَعْدَهُنَّ أُمُّ أَبِ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمدْلِياتُ بإِنَاثٍ ثُمَّ أُمُ أَبِي أَبٍ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَمُ أَبِي جَدِّ كّذَلِكَ، وَالقَدِيمُ: الأَخَواتُ وَالخَالَاتُ يُقَدَّمْنَ عَلَيْهِنَّ

ــ

نعم؛ يستثنى من إطلاق المصنف ما لو كان للمحضون زوجة كبيرة وكان له بها استمتاع أو لها به استمتاع .. فغنها أولى بكفالته من جميع الأقارب، وإن لم يكن استمتاع .. فالأقارب أولى، قاله الروياني وغيره، وسكتا عليه في (الشرح) و (الروضة) لكن أفتى الشيخ تاج الدين الفزاري بخلافه.

ومنها: اجتمع على الطفل أبواه، فإن كانا باقيين على النكاح .. كان الطفل معهما يقومان بكفايته، الأب بالإنفاق والأم بالحضانة والإرفاق، وإن افترقا بفسخ أو طلاق .. فالحضانة للأم بالاتفاق.

وقال ابن كَجَّ: تثبت لبنت الرقيق حضانته إذا لم يكن له أبوان.

ولا حق للمحرم بالرضاع في الحضانة ولا في الكفالة، ولا للمولى وعصبته على المذهب.

قال: (ثم أمهات يدلين بإناث)؛ لمشاركتهن إياها في تحقيق الإرث والولادة.

قال: (يقدم أقربهن) لوفور الشفقة.

قال: (والجديد: تقدم بعدهن أم أب)؛ لمشاركتها للأم في المعنى المذكور،

وإنما قدمت عليها أمهات الأم وإن علون؛ لأن الولادة فيهن محققة وفي أمهات الأب مظنونة، ولأنهن أقوى من أمهات الأب؛ لأنهن يسقطن بالأب.

قال: (ثم أمهاتها المدليات بإناث) أي: وارثات.

قال: (ثم أم أبي أبٍ كذلك، ثم أم أبي جد كذلك) أي: يدلين بإناث؛ لأن لهن ولادة ووراثة كالأم وأمهاتها.

قال: (والقديم: الأخوات والخالات يقدمن عليهن) أما الأخوات .. فلأنهن ركضن مع الطفل في صلب واحد وبطن واحدة، وشاركنه في النسب، فهن أشفق

ص: 293

وَتُقَدَّمُ أُخْتٌ عَلَى خَالَةٍ، وَخَالَةٌ عَلَى بِنْتِ أَخٍ وَأُخْت] ، وَبِنْتُ أَخٍ وَأخْتٍ عَلَى عَمَّةٍ، وَأُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنٍ عَلَى أُخْتٍ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَالأَصًحُ: تَقْدِيمُ أُخْتِ مِنْ أَبٍ عَلَى أُخْتٍ مِنْ أُمٌ، وَخَالَةٍ وَعَمَةٍ لأَبٍ عَلَيْهِمَا لِأُمٌ. وَسُقُوطُ كُلِّ جَدَّةٍ لَا تَرِثُ ..

ــ

عليه، وأما الخالات .. فلقوله عليه الصلاة والسلام في قصة ابنة حمزة:(الخالة بمنزلة الأم) رواه البخاري [2700].

وقال السدي في قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} يعني: أباه وخالته.

وأجاب في الجديد بأن النظر هنا إلى الشفقة، وهي في الجدات أغلب.

قال: (وتقدم أخت) أي: من أي جهة كانت (على حالة)؛ لقربها.

قال: (وخالة على بنت أخ وأخت)؛ لأنها كالأم.

قال: (وبنت أخ وأخت على عمة) كما يقدم ابن الأخ في الميراث على العم.

قال: (وأخت من أبوين على أخت من أحدهما)؛ لأنها اشتملت على ما اشتمل عليه كل منهما وزيادة، ولا يجري هنا خلاف تحميل العقل وولاية النكاح في التسوية بين الشقيق وغيره؛ لان للأنوثة مدخلًا في هذا الباب، فلذلك يرجح الشقيق.

قال: (والأصح: تقديم أخت من أب على أخت من أم)؛ لقوة إرثها، لأنها قد تصير عصبة، وأجاز المزني وابن سريج تقديم الأخت على الأم؛ لأنها تدلى بالأم فقدمت على من تدلى بالأب كما تقدم أم الأم على أم الأب.

قال: (وخالة وعمة لأب عليهما لأم)؛ لقوة الجهة.

والثاني: تقدم الخالة للأم والعمة للأم عليهما؛ لان تقديم الأخت للأب على الأخت للأم كان لقوتها في الإرث ولا إرث هنا، وقيل: لا حضانة للخالة للأب أصلًا؛ لأنها تدلي بأب الأم فأشبهت أم أبي الأم، أما عمات الأم .. فلا حضانة لهن؛ لإدلائهن بذكر غير وارث.

قال: (وسقوط كل جدة لا ترث) وهي من تدلى بذكر بين أنثيين كأم أبي الأم؛ لأنها أدلت بمن لا حق له في الحضانة فأشبهت الأجانب.

ص: 294

دُونَ أُنْثَى غَيْرِ مَحْرَمٍ [كَبِنْتِ خَالَةٍ].وَتَثْبُتُ لَكُلِّ ذَكَرٍ مَحْرَمٍ وَارِثٍ

ــ

والثاني: لهن الحضانة، لكن يتأخرن عن كل امرأة تستحق الحضانة، فتثبت لهن عند انفرادهن.

والثالث: أنها لهن، لكن يتأخرن عن الجدات الوارثات، ويتقدمن على الأخوات والخالات؛ لأصالتهن.

وعلى المذهب: يستحق تقديمهن عند انفرادهن على الأجنبيات، وفي معنى الجدة الساقطة كل محرم يدلى بذكر لا يرث كبنت ابن البنت وبنت العم لأم.

قال: (دون أنثى غير محرم [كبنت خالة]) هذا معطوف على الأصح، قال الرافعي: فتستحق بنت الخال والخالة وبنت العم وبنت العمة الحضانة؛ لشفقتهن وهدايتهن.

والثاني-وهو الأظهر عند الغزالي-: لا استحقاق لهن؛ لان الحضانة تحوج إلى معرفة بواطن الأمور ، فالأولى تخصيصها بالمحارم، وتبعه في (الروضة) على ذلك.

قال في (المهمات): (وهو مستقيم إلا في بنت الخال؛ فإنها تدلى بذكر غير وارث، وقد تقرر أن من كانت بهذه الصفة .. لا حضانة لها، وإذا لم نثبتها لأم أبي الأم بهذا المعنى مع وجود الولادة فيها .. فبطريق الأولى بنت الخال، بخلاف بنت الخالة والعمة؛ فغنها تدلى بأنثى، وبخلاف بنت العم؛ فإنها تدلى بذكر وارث) اهـ

نعم؛ إنما تثبت لبنت الخالة والخال وبنت العمة والعم الحضانة في ذكر لا يشتهى، وإلا .. فلا حضانة لهن، وكأن المراد أنه لا تثبت لهن الكفالة؛ لأنها بعد سن التمييز لا تسمى حضانة.

قال: (وتثبت لكل ذكر محرم وارث) ، لما انتهى محض الإناث .. شرع في اجتماع محض الذكور وكيفية ترتيبهم عند اجتماعهم، وهم أربعة أصناف:

محرم وارث.

ووارث غير محرم.

ومحرم غير وارث.

ص: 295

عَلَى تَرْتِيبِ الإِرْثِ، وَكَذَا غَيْرُ مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمَّ عَلَى الصَّحِيحِ،

ــ

وليس بمحرم ولا وارث.

فالمحرم الوارث كالأب والجد وإن علا، والأخ وابنه والعم تثبت له الحضانة؛ لوفور الشفقة وقوة المرتبة بالإرث والمحرمية.

وقيل: لا حضانة لغير الأب والجد؛ لما لهما من الولادة ووفور الشفقة والاعتناء بأمر الولد.

وقيل: لا حق لأخ الأم؛ لعدم العصوبة، والمذهب المجزوم به: الأول.

قال: (على ترتيب الإرث) فيقدم الأب ثم الجد وإن علا، ثم أخ لأبوين ثم لأب ثم لأم، ثم ابن أخ شقيق ثم ابن أخ لأب، ثم عم لأبوين ثم عم الجد.

وعلى قول ابن سريج المتقدم: يقدم الأخ للأم على الأخ للأب، ومنهم من لم يثبته هنا.

وفي وجه: يتأخر الأخ للأم عن الأعمام، وجزم به جماعة، وقيل: لا حق له فيها.

وذكر الماوردي وجهًا: أن الأعمام يقدمون على بني الإخوة لأبوين أو لأب، لكن قوله:(على ترتيب الإرث) فيه نظر؛ لأن الجد في الإرث لا يقدم على الأخ، فلو قال: على ترتيب ولاية النكاح .. كان أولى.

قال: (وكذا غير محرم كابن عم على الصحيح) هذا هو الصنف الثاني، وهو وارث بالقرابة ليس بمحرم كابن العم وابنه وابن عم الأب وابن عم الجد، فلهم الحضانة؛ لوجود القرابة والإرث والشفقة.

والثاني: لا؛ لفقد المحرمية.

فغن قيل: يرد على إطلاقه المعتق؛ فغنه وارث غير محرم، ولا حضانة له على الصحيح؛ لعدم القرابة التي هي مظنة الشفقة .. فالجواب: إن في تمثيله بابن العم إشارة إلى إرادة القرابة، لكن كلامه مفروض في ابن عم له الحضانة، وهو الذي لم تعارضه الأم، فإن عارضته .. فهي أحق قطعًا كما قاله في (الروضة) ، ووجهه في (المطلب) بان ابن العم لو كفلها .. لأمر بالوضع عند امرأة ثقة، فالأم أولى.

ص: 296

وَلَا تُسَلَّمُ إِلَيهِ مُشْتَهَاةٌ بَلْ إِلَى ثِقَةٍ يُعَيِّنُهَا. فَإِنْ فُقِدَ الإِرْثُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ أَوِ الإِرْثُ .. فَلَا فِي الأصَحِّ

ــ

قال: (ولا تسلم إليه مشتهاة) حذرًا من الخلوة المحرمة، وأفهم أن الذكر ومن لا تشتهى يسلمان إليه، وهو كذلك حيث لا محذور.

قال: (بل إلى ثقة يعينها)؛ لأن الحق له في ذلك، فيقيم امرأة ثقة بأجرة أو غيرها، فيسلمها إليها ويراعي هو مصالحها من وراء الستر.

وقوله: (يعينها) بضم الياء وفتح العين وتشديد الياء المثناة، من التعيين لا من المعونة، فإن كانت له بنت سلمت إليه، كذا في (الشرح) و (الروضة)، وفي (تصحيح التنبيه): أنه تسلم إليه المشتهاة إذا كان له بنت مميزة، والاكتفاء بالتمييز بعيد، والصواب: أنه يشترط في ابنته البلوغ وان تكون ثقة كما يشترط في الأجنبية.

فرع:

إذا أثبتناها لأولاد العم .. ففي المعتق عند فقد الأقارب وجهان:

أصحهما: لا حضانة له؛ لعدم القرابة التي هي مظِنَّة الشفقة.

فعلى هذا: لو كانت له قرابة وهناك من هو أقرب منه .. فهل يرجح بالولاء؟ فيه وجهان: صحح المصنف: أنه لا يرجح، مثاله: عم وابن عم معتق.

قال: (فإن فقد الإرث والمحرمية) وهو الصنف الثالث؛ كابن خال وابن خالة وابن عمة.

قال: (أو الوارث) أي: مع وجود المحرمية، وهو الصنف الرابع؛ كأبي الأم والخال والعم للأم وابن الأخت وابن الأخ للأم.

قال:) .. فلا في الأصح)؛ لضعف قرابته؛ لأنه لا يرث بها ولا يلي ولا يعقل.

والثاني: له حق فيها؛ لوفور شفقته.

وعلى هذا: يقدم منهم أبو الأم قطعًا، ثم بعده؟ قيل: يقرع بين الخال والعم للأم، والأشبه: تقديم من قوي سبب إدلائه، فيقدم الخال.

ص: 297

فَإِنْ اجْتَمَعَ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ .. فَالأُمُّ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمًّ الأَبُ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ: عَلَيِهِ الْخَالَةُ والاختُ مِنَ الأُمِّ. وَيُقَدَّمُ الأَصْلُ عَلَى الحًاشِيةِ، فَإِنْ فُقِدَ .. فَالأَصَحُّ: الأَقْرَبُ،

ــ

وتعبير المصنف بـ (الأصح) هو في الثانية واضح، وفي الأولى مستدرك بأن في (الروضة) طرقتين: المذهب: لا حضانة، وقيل وجهان.

ووقع في (الروضة) و (أصلها): أن الخالة مقدمة على الخال بعد تصحيحها أن الخال لا يحضن، فهو إما مفرع على الضعيف أو مؤول بأنها تقدم عليه، أي: بمنعه الحضانة، لا أنه يحضن بعدها، وهو تأويل ضعيف.

قال: (فإن اجتمع ذكور وإناث .. فالأم)؛ للخبر المتقدم، ولأنها ساوت الأب في القرب والشفقة واختصت بالولادة المحققة وبصلاحية الحضانة بسبب الأنوثة وغير ذلك.

قال: (ثم أمهاتها)؛ لأنهن في معنى الأم في الشفقة والأنوثة والإرث والولادة المحققة، فلو نكحت الأم ورضي الأب والزوج بكونه عندها .. سقط حق الجدة على الأصح، كذا في (أصل الروضة) ، وهو كذلك في (التهذيب) و (الكافي).

وقيل: لا يسقط حق الجدة برضا الأب، وهو أقبس، ويوافقه قول المصنف من بعد:(وناكحه غير أبي الطفل)، واستغرب في (المطلب) الأول وقال: كيف يسقط حق الشخص برضا غيره، لكنه وافق في (الكفاية) تصحيح (الروضة).

قال: (ثم الأب) أي: يقدم على أمهاته على الصحيح؛ لأنه أصلهن، وقيل: يقدمن عليه؛ لولادتهن وزيادة صلاحيتهن للحضانة، وهذا بعيد، ومحال أن يدلى شخص بشخص ويقدم عليه.

قال: (وقيل: تقدم عليه الخالة والأخت من الأم)؛ لإدلائهما بالأم فيسقط الأب بهما، ولو حذف المصنف قوله:(من الأم) .. لكان أخصر وأشمل؛ لأن في كل واحدة من الأخوات الثلاث وجه: أنها تقدم على الأب.

قال: (ويقدم الأصل على الحاشية)؛ لقوتهم.

قال: (فإن فقد) أي: من ذكرنا من الأصول) .. فالأصح: الأقرب)

كالإرث، ذكرًا كان أو أنثى.

ص: 298

وَإِلَا .. فَالأُنْثَى، وَإِلَاّ .. فَيُقْرَعُ. وَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ

ــ

قال: (وإلا .. فالأنثى) أي: فإن فقد الأقرب واستوي اثنان أو جماعة في القرب .. فالأصح: التقديم بالأنوثة؛ لما سبق من أنهن أصبر وأبصر.

قال: (وإلا .. فيقرع) أي: عند الاستواء من كل وجه كالأخوين والأختين، فيقطع النزاع بالقرعة.

والوجه الثاني: أن نساء القرابة وإن بعدن أحق بالحضانة من الذكور وإن كانوا عصبات؛ لأنهن أصلح لها، وصححه صاحب (الانتصار).

والثالث: العصبات أولى منهن؛ لقوة نسبهن.

قال الرافعي: وكان يجوز أن يقدم بما تقدم به المتزاحمان على اللقيط.

فرع:

الأخت مع الجد كهي مع الأب، قال المتولي: ويخالف الميراث؛ فإنه يقبل التبعيض، والحضانة لا تقبله، ولو كان في أهل الحضانة خنثى .. فهل يتقدم على الذكر في موضع لو كان أنثى لتقدم لاحتمال الأنوثة أو لا لعدم الحكم بها؟ وجهان: الأصح عند المصنف: الثاني.

وإذا أخبر عن ذكوريته أو أنوثته .. عمل بقوله في سقوط الحضانة، وهل يعمل به في استحقاقها أو لا للتهمة؟ وجهان: قال المصنف: أصحهما يعمل، وهو الجاري على قواعد المذهب في نظائره، والذي قاله المصنف هو المعتمد المفتى به كما بينه في (نواقض الوضوء) من (المهمات).

قال: (ولا حضانة لرقيق) ولو كان مكاتبًا أو مبعضًا وأذن السيد؛ لأنها ولاية ليس من أهلها، ثم إن كان الولد حرًا .. فالحضانة لمن له الحضانة بعد الأم الحرة من أب وغيره، وإن كان رقيقًا .. فحضانته لسيده، وهل له نزعة من الأم وتسليمه إلى غيرها؟

وجهان بناء على التفريق، والأصح: منعه، بل يقر في يدها، هذا هو الصواب

ووقع في (الروضة): هل له نزعة من الأب وتسليمه إلى غيره، وهو سبق قلم.

ص: 299

وَمَجْنُونٍ، وَفَاسِقٍ وَكَفِرٍ عَلَى مُسْلِمِ،

ــ

ولو كانت الأم حرة والولد رقيق؛ بأن سبي طفل ثم أسلمت أمه أو قبلت الذمة .. فحضانته للسيد، وفي الانتزاع منها الوجهان، كذا قاله الشيخان.

وهذا إنما يتصور فيما إذا لم يكن تبع السابي في الإسلام، فإن تبعه فيه .. فلا يسلم إلى الأم على المذهب، لكن تستثنى من إطلاق المصنف: أم ولد الكافر إذا أسلمت .. يتبعها ولدها في الإسلام وحضانته لها وإن كانت رقيقة، كذا نقل الشيخان في كتاب (أمهات الأولاد) عن أبي إسحاق المروزي وأقراه، وكأن المعنى فيه: فراغها لمنع السيد من قربانها مع وفور شفقتها.

قال: (ومجنون)؛ لأنه محضون. ولا فرق بين الجنون المطبق والمتقطع، إلا أن يقل جنونه كيوم في سنين مثلًا .. فلا يمنع.

وأما المرض الذي لا يرجى زواله كالسل والفالج إذا كان يشغله الألم عن الكفالة، فإن شغله عن النظر .. أسقط، وإن أثر في الحركة والتصرف .. أسقط أيضًا في حق من يباشر بنفسه دون غيره.

قال: (وفاسق)؛ لأنه لا يلي ولا تؤمن خيانته وتقصيره في الحفظ والتربية، وعبارة (المحرر): وتشترط العدالة) ، وعبارة جماعة:(الأمانة)، والمعروف: أنه لا يشترط تحقق العدالة الباطنة، بل تكفي الظاهرة كشهود النكاح كما جزم به الماوردي والروياني، وهو المعتمد، لا ما وقع في (فتاوى المصنف) من ثبوت الأهلية عند الحاكم، وذكر في (باب الحجر) من (الروضة) نحوه.

وجمع بعض مشايخنا بين كلامي الماوردي والمصنف بأنهما إن تنازعا في الأهلية بعد تسليمها الولد .. لم ينزع من يدها، ويقبل قولها في الأهلية وإن كان قبل لم يسلم إليه إلا بعد الثبوت، وهو حسن.

قال: (وكافر على مسلم)؛ لأنه لا ولاء به له عليه، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا، ولأنه يخشى أن يفتنه.

وقيل: يثبت له الحق؛ لان النبي صلى الله عليه وسلم خير غلامًا بين أبيه المسلم وأمه الكافرة، فمال إلى الأم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(اللهم، اهده)

ص: 300

وَنَاكِحَةٍ غَيْرِ أَبِي الطِّفْلِ،

ــ

فعدل إلى أبيه، لكن الخبر ضعيف، وإن صح .. فيحتمل نسخه بالآية المتقدمة، أو حمله على أنه صلى عليه وسلم علم أنه يستجاب دعاؤه، وإنما خير؛ استمالة لقلب أمه.

وقيل: الأم الذمي أحق بالحضانة من الأب المسلم إلى أن يبلغ سبع سنين ثم الأب.

وعلى الأول: حضانته لقريبه المسلم، ثم هي على سائر المسلمين.

وأفهم كلامه: ثبوتها للكافر على الكافر، وهذا لا خلاف فيه، وأمه أولى من أبيه، ولقريبه المسلم حضانته على الأصح؛ لأن ذلك قد يكون سببًا لإسلامه.

قال: (وناكح غير أبي الطفل)، سواء دخل بها أم لا، وسواء كان حاضرًا أو غائبًا؛ لما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام:(أنت أحق به ما لم تنكحي)

وروى الدارقطني [3/ 304]: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الأم أحق بولدها ما لم تتزوج).

ولأنها مشغول بحق الزوج فيتضرر الولد بذلك، ولا أثر لرضا الزوج كما لا أثر لرضا السيد بحضانة الأمة فقد يرجعان فيتضرر الولد.

والمراد: أبو الطفل وإن علا، فإذا تزوجت جده .. فالنص: أن لها الحضانة، وحمله الجمهور على أبي أبيه؛ لأن له حقًا فيها فلا يسقط نكاحه حقها، كما لو كانت في نكاح الأب.

وصور المسألة ك أن يتزوج من له أب من لها أم، فتأتي بولد منه فتموت الزوج، فحضانته لأمها، فإذا تزوجت .. سقطت حضانتها، إلا أن يتزوج جد الطفل وهو أبو زوج بنتها، فإن كانت مزوج بأبي الأم .. فلا حضانة لها؛ لأنه لا حضان له على الصحيح، ولذلك جزم المصنف في (فتاويه) تبعًا للبغوي بأنها إذا تزوجت به أو بغيره من ذوي الأرحام .. سقطت حضانتها.

ص: 301

إِلَّا عَمَّهُ وَابَن عَمِّهِ وَابْنَ أَخِيهِ فِي الأَصَحِّ. وَإِنْ كَانَ رَضِيعًا .. اشْتَرِطَ أَنْ تُرْضِعَهٌ عَلَى الصَّحِيحَ

ــ

نعم؛ يستثنى من سقوط حضانتها بالتزويج: ما إذا خالعها الزوج على ألف مثلًا وحضانة الصغير سنة، فتزوجت في أثناء السن .. فإنه لا ينزعه منها؛ لأن الإجارة عقد لازم، قاله القاضي حسين.

كل هذا إذا رضي الزوج بأنها تحضنه، فإن لم ترض بذلك .. سقط حقها.

قال: (إلا عمه وابن عمه وابن أخيه في الأصح)؛ لأن هؤلاء أصحاب حق في الحضانة، والشفقة تحملهم على رعاية الطفل، فيتعاونون على كفالته، بخلاف الأجنبي، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بابنة حمزة لخالتها وهي متزوجة بابن عم أبيها.

والثاني: يبطل حقها؛ لاشتغالها بالزوج، ولا حق له في الحضانة الآن، فأشبه الأجنبي، وبهذا أفتى ابن الفركاح، وقال: إنه مذهب الشافعي، وليس كما قال.

والصورة الثالثة – وهي ابن أخيه – إنما تفرض في غير الأم وأمهاتها؛ بأن يزوج أخته لأمه بابن أخيه لأبيه، فإن الأصح: أن أخته كالأم مقدم على الأخ لأب.

قال: (وإن كان رضيعًا .. اشترط أن ترضعه على الصحيح)؛ لعسر استئجار مرضعة يترك عندها، أو ينتقل إلى مسكن الأم.

والثاني: لا، وصححه البغوي؛ لأن لها الحضانة، وعلى الأب استئجار مرضعة.

فروع:

من موانع الحضانة: المرض الشاغل عن الكفالة وتدبير المكفول كالسل والفالج، وأن لا يكون مغفلًا قاله الجرجاني.

والعمياء لا حضانة لها كما أفتى به عبد الملك بن إبراهيم المقدسي، وأفتى ابن

ص: 302

فَإِنْ كَمُلَتْ نَاقِصَةٌ

ــ

الصلاح بان الولد إن كان صغيرًا .. فلها الحضانة؛ لأنه يمكنها أن تحضنه، وإن كان كبيرًا .. فلا.

وأفتى ابن البزري بأنه يختلف باختلاف أحوالها، فإن كانت ناهضة بحفظه وتدبيره ووقايته الأسواء والقيام بمصالحه ودفع مضاره .. فلها الحضانة، وإن كانت عاجزة .. فلا حضانة لها.

وقال ابن الرفعة: لم أر فيها نقلًا، غير أن كلام الإمام يستنبط منه: أنه مانع، وأفتى شيخنا وشيخه البارزي: أنه9 ليس بمانع، مستدلين بأن الحضانة يجوز الاستئجار لها، فيثبت لها الحق ثم يستأجر من يقوم بذلك، لكن قال الماوردي: لو أراد الأب أن يستنيب قي كفالة ولده .. جاز، وإن أرادت الأم الاستنابة .. لم يجز؛ فاختصاص الأب بالمراعاة وهي ممكن مع استنابته، واختصاص الأم بمباشرة التربية وهي مفقودة مع استنابتها.

ووقع السؤال عن حاضنة أصابها جذام أو برص .. هل للولي أخذ الطفل منهما؟

قال شيخنا: إن كانت ترضعه .. فنعم، وإن كان مميزًا مستقلًا .. فلا، وفيه نظر إذا كان يخالطها.

وقال في (الحاوي) في باب (اللقيط): يشترط في الحاضن: أن لا يكون محجوزًا عليه بسفه، ولم يذكر المسألة سواه.

قال: (فإن كملت ناقصة) كما إذا أسلمت الكافرة أو أفاقت المجنونة أو عتقت الأمة أو حسن حال الفاسقة.

ص: 303

أَوْ طَلَقَتِ الْمَنْكُوحَةُ .. حَضَنَتْ، وَإِنْ غَابَتِ الأُمُ أَوِ امْتَنَعَتْ .. فَلِلْجَدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ. هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُمُيِّزِ، وَالْمُمَيِّزُ إِنِ افْتَرَقَ أَبَوَاهُ .. كَانَ عِنْدَ مَنِ اخْتَارَ مِنْهُمَا

ــ

قال: (أو طلقت المنكوحة) أي: لو رجعيًا (.. حضنت)؛ لزوال المانع، وتستحق المطلقة الحضانة في الحال قبل انقضاء العدة على المذهب.

وفي وجه – اختاره المزني، وبه قال أبو حنيفة-: لا حضانة للرجعية حتى تنقضي عدتها× لأنها زوجة، وكما تعود حضانتها بمجرد الفرقة تسقط بمجد العقد علبها وإن كان الزوج غائبًا، فإذا حضنت الرجعية في العدة بغير رضا المطلق .. فالمذهب: أن نفقتها لا تسقط، وقيل: تسقط كما قي صلب النكاح وضعفه الإمام.

قال: (وإن غابت الأم أو امتنعت .. فللجدة على الصحيح): أي أم الأم، كما لو ماتت أو جنت.

والثاني: تنتقل إلى الأب؛ لأن أهليتها باقية وإنما تركت حقها فلم ينتقل إلى من تدلى بها، بخلاف ما إذا ماتت.

والثالث: ينتقل إلى السلطان؛ لبقاء أهلية الأم، كما لو غاب الولي في النكاح أو عضل .. يزوج السلطان ل الأبعد، فعلى الصحيح: متى امتنع الأقرب من الحضانة .. كانت لمت يليه لا السلطان؛ لأنها للحفظ والقريب الأبعد أشفق من السلطان.

تنبيه:

أطلق الشيخان وغيرهما: أن الأم لا تجبر على الحضانة.

قال ابن الرفعة: هذا إذا لم تجب عليها المؤن، فإن أوجبناها بأن لم يكن له أب ولا مال .. فتجبر.

قال: (هذا كله في غير المميز)، وهو الذي لا يستقل.

قال: (والمميز إن افترق أبواه) أي: مع أهليتها ومقامهما ببلد واحد (.. كان عند من اختار منهما)؛ لما روى الترمذي وابن ماجه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 304

فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا جُنُونٌ أَوْ كُفْرٌ أَوْ رِقٌ أَوْ فِسْقٌ أَوْ نَكَحَتْ .. فَالْحَقُّ لِلآخَرِ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أُمِّ وَجَدِّ،

ــ

خير غلامًا بين أبويه)، وإنما يدعى بالغلام: الصبي المميز.

وروى أبو داوود [2271] واليهقي [8/ 3] والحاكم [4/ 97] عن أبي هريرة: أن رجلًا وامرأة اختصما في ولد بينهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم/ فقالت المرأة: يا رسول الله؛ إن ابني هذا قد نفعني وسقاني من بئر أبي عتبة وإن أباه يريد أن يأخذ مني، فقال الأب: من يحول بيني وبين ابني؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا غلام؛ هذه أمك وهذا أبوك، فاتبع أيهما شئت) فاتبع أمه.

وروى الشافعي [1/ 288 مرفوعًا] والبيهقي [8/ 4] عن عمر: أنه خير غلامًا بين أبويه.

ولأن القصد بالكفالة طلب الحظ للولد والمميز أعرف بحظه فيرجع إليه؛ لأنه قد عرف من برهما ما يدعوه إلى اختيار أبرهما، ولا نظر إلى كون أحدهما أكثر مالًا أو محبة على الأصح، ويستوي في التخيير الذكر والأنثى.

وقال أبو حنيفة ومالك: لا يخير، ثم عند أبي حنيفة يكون الغلام مع الأم حتى يستقل ثم يسلم إلى الأب والجارية عندها حتى تزوج أو تحيض.

وعند مالك: يكون الغلام مع الأم حتى يثغر، وتكون الجارية معها حتى تزوج ويدخل بها الزوج.

وقال أحمد: يخير الغلام ولا تخير الجارية.

وسن التمييز في الغالب سبع أو ثمان سنين تقريبًا، وقد يتقدم على ذلك ويتأخر، ومدار الحكم على التمييز لا على سنه.

واعتبر في الكفاية مع هذا: أن يكون عارفًا بأسباب الاختيار ضابطًا لها، وذلك موكول إلى نظر الحاكم.

قال:) فإن كان في أحدهما جنون أو كفر أو رق أو فسق أو نكحت .. فالحق للآخر) أي: ما دام ذلك ناقصًا، فإذا زال خلله .. أنشأ التخيير حينئذٍ.

قال: (ويخير بين أم وجد) أي: وإن علا عند فقد الأب أو عدم أهليته؛ لأنه بمنزلته.

ص: 305

وَكَذَا أَخٌ أَوْ عَمٌ أَوْ أَبٌ مَعَ أُخْتٍ أَوْ خَالَةٍ فِي الأَصَحِّ، فَإِنِ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ الآخَرَ .. حُوِّلَ إِلَيْهِ

ــ

قال: (وكذا أخ أو عم) أشار بهذا إلى أن التخيير يجري أيضًا بين الأم وبين كمن على حاشية النسب، كالأخ والعم وابنيهما على الأصح.

لما روى الشافعي [1/ 288] عن عمارة الجرمي قال: خيرني علي رضي الله عنه بين أمي وعمي، وكنت ابن سبع أو ثمان سنين.

والثاني: لا، بل الأم أحق لقبها وولادتها كما قبل التمييز.

قال: (أو أب مع أخت أو خالة في الأصح) أي: إذا قدما عليه قبل التمييز كما تقدم، وظاهر إطلاق الكتاب و (أصله) و (الروضة) و (أصلها): جريان التخيير بين الأخت والأب من أي جهة كانت، وهو ظاهر في الشقيق وأخت لأم لإدلائهما بالأم، أما في الأخت للأب .. فلا كما صرح به الماوردي وغيره، واقتصاره على الأخ والعم في الأولى قد يوهم تخصيصه بالمحارم، وليس كذلك، بل الأصح: إلحاق ابن العم به.

وقطع سليم وغيه بأنه لا يثبت؛ لأنه ليس بمحرم لها، وجرى عليه في (المهذب) و (الذخائر) وغيرهما، وهو قوي.

كل هذا في الولد الذكر، فإن كان أنثى .. فالأم أحق بها قطعًا، كذا في (الروضة)، ونوزع في إدعاء القطع بأن جماعة من الأصحاب حكوا الوجهين من غير تفصيل بين الذكر والأنثى.

فعلى هذا: إنما يخير في ابن العم الذكر دون الأنثى؛ فإن الكفالة وإن لم تثبت له لا تسلم إليه، وإنما يؤمر بوضعها عند امرأة ثقة.

قال: (فإن اختار أحدهما ثم الآخر .. حول إليه)؛ لأنه حق له يتعلق بشهوته، فاتبع فيه إرادته؛ فإنه قد يبدو له الأمر على خلاف ما ظنه، وهذا ما إذا اختار أحد الرجلين عند اشتباه نسبه بينهما؛ فإنه لا يقبل رجوعه، وما إذا أخير الخنثى المشكل عن ميله إلى صنف لا يقبل رجوعه إليه، فإذا كثر التردد بحيث يغلب على الظن أن سببه نقصانه وقلى تمييزه .. أقر عند الأم كما قبل سن التمييز.

ص: 306

فَإِنِ اخْتَارَ الأَبَ ذَكَرٌ .. لَمْ يَمْنَعْهُ زِيَارَةَ أَمِّهِ وَيَمْنَعُ أُنْثَى، وَلَا َيْمَنُعَها دُخُولًا عَلَيْهِمَا (زَائِرَةً)، وَالزِّيَارَةُ مَرَّةً فِي أَيَّامٍ، فَإِنْ مَرِضَا .. فَالأُمُّ أَوْلَى بِتَمْرِيضِهِمَا؛ فَإِنْ رَضِيَ به فِي بَيْتِهِ، وَإِلَّا .. فَفِي بَيْتِهَا

ــ

وخالف الإمام فقال: لا وجه إلا اتباعه؛ فإن ذلك لا ينكر في حال الصبا، وفي وجه: أن القاضي يختار له خيرهما.

قال: (فإن اختار الأب ذكر .. لم يمنعه زيارة أمه)؛ الئلا يكون ساعيا في قطيعة رحمه، ثم هل هذا على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ قال في الكفاية: الذي صرح به البندنيجي ودل عليه كلام الماوردي: الأول.

قال: (ويمنع أنثى) أي: من زيارة أمها لئلا تعتاد البروز ولتألف الصيانة.

وقي (فتاوى ابن الصلاح): أن للأم أن تطلبها وترسل إليها بقدر الزيارة، فإن قيل: الأم إذا زارتها احتاجت إلى الخروج أيضًا فلم رجحت البنت عليها؟ .. قلن: لأن الحذر على البنت أكثر، وحالها أخطر.

قال: (ولا يمنعها دخولًا عليهما [زائرة] أي: على الابن والبنت، كما اقتضاه كلام (المحرر) و (الشرح) و (الروضة)، وهو كذلك في نسخ0المنهاج) المعتمدة، وفي بعضها: عليها؛ يعني: البنت، ووجهه ما تقدم.

قال: (والزيارة مرة في أيام)؛ لأنه في ترك ذلك قطعًا للرحم، قال الماوردي: في كل يومين أو ثلاثة، فإن كان منزلها قريبًا .. فلا بأس أن تدخل في كل يوم.

وتقدم في كتاب الوصايا عن الحسن أنه قال: زيارة الغب كل أسبوع.

قال: (فإن مرضا .. فالأم أولى بتمريضهما)؛ لوفور شفقتها.

قال: فإن رضي به في بيته، وإلا .. ففي بيتها)؛ لأن ذلك أرفق بالمريض، فلو مات في بيت الأب .. لم يمنعها من حضور تجهيزه ودفنه؛ فهو أسهل من نقل الميت، وله منعها من زيارة قره إن دفن في ملكه لحقه، وكذا في غير ملكه لحق الله

ص: 307

فَإِنِ اخْتَارَهَا ذَكَرُ .. فَعِنْدَهَا لَيْلًا وَعِنْدَ الأَبِ نَهَارًا يُؤَدِّبُهُ وَيُسَلِّمُهُ لِمَكْتَبٍ وَحِرْفَةٍ،

ــ

تعالى، كذا قاله ابن الرفعة، وما جزم به من المنع فيما إذا كان في غير ملكه .. سهوٌ فالصحيح المعروف: جواز زيارة النساء القبور، وقد نقله هو في (الجنائز) عن الأكثرين.

ومن الحوادث: أن المرأة قالت: لا يدفن الولد إلا في تربتها، وقال الوالد: لا ندفنه إلا في تلابته، من المجاب؟ فيه نظر، والظاهر: أن المجاب الأب.

قال: (فإن اختارها ذكر .. فعندها ليلًا وعند الأب نهارًا يؤدبه) أي: يعلمه أدب النفس والبراعة والظرف، فمن أدب ولده صغيرًا .. سر به كبيرًا.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نحل والد ولدًا أفضل من أدب حسن)

وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع) رواهما الترمذي [1951 [والبخاري في (الأدب).

وكان يقال: الأدب على الآباء، والصلاح على الله.

يقال: أدبته فتأدب، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام:(أدبني ربي فأحسن تأديبي) رواه العسكري في (الأمثال).

وقال ابن مسعود: (إن خذا القرآن مأدبة في الأرض فتعلموا من مأدبته)

وروى: (مأدبة الله فمن دخل فيه فهو آمن) شبه القرآن بطعام يصنعه الإنسان للناس لهم فيه خير ومنافع.

قال: (ويسلمه لمكتب وحرفة) أراد: أنه يعلمه أمور دينه ودنياه.

وعبارة (المحرر): ويسلمه إلى المكتب أو الحرفة، وهي أحسن؛ لدلالتها على التنويع على ما يليق بالولد.

ص: 308

أَوْ: أُنْثَى .. فَعِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَيَزُورُهَا الأَبُ عَلَى الْعَادةِ. وَلَوِ اخْتَاَرهمَا أَقْرعَ. فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ .. فَالأُمُّ أَوْلَى، وَقِيلَ: يُقْرَعُ. وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرَ حَاجَةٍ .. كَانَ الْوَلَدُ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ مَعَ الْمُقِيمِ حَتَّى يَعُودَ،

ــ

وظاهر كلام الماوردي: أنه ليس للأب الشريف أن يعلم ولده الصنعة إذا كان ذلك يزرى به.

وكذلك ينبغي لمن صنعته شريفة أن لا يسلم ابنه لصنعة دنيئة، بل عليه رعاية مصلحته، ولا شك أن للمحترف أن يعلم ولده الكتابة ورعاية الحظ في ذلك واجبة على وليه أبًا كان أو جدًا أو وصيًا أو قيمًا، وتكون أجرة ذلك في مال الصبي، فإن لم يكن .. فعلى من تلزمه نفقته، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في (كتاب الصلاة).

و (المكتب) – بفتح الميم والتاء، ويجوز كسر التاء، حكاه النحاس-: الموضع الذي يعلم فيه، وعبارة الشافعي الكتاب.

وقال ابن داوود: الأفصح: المكتب؛ لأن الكتاب جمع كاتب، وقال الجوهري: المكتب: الذي يعلم الكتابة، قال الحسن: كان الحجاج مكتبًا بالطائف، أي معلمًا، وقد كان الضحاك بن مزاحم الهلالي فقيه مكتب فيه ثلاثة آلاف صبي، وكان يركب حمارًا ويطوف عليهم.

وفي (ربيع الأبرار) قال بعض الحكماء: أكرم الخيل أجزعها من السوط، وأكيس الصبيان أشدهم بغضًا للكتاب.

قال: (أو: أنثى .. فعندها ليلًا ونهارًا)؛ لتساوي الزمانين بالنسبة إليهما.

قال: (ويزورهما الأب على العادة) ولا يطلب إحضارها إلى عنده؛ لتألف التستر والصيانة.

قال: (ولو اختارهما .. اقرع)؛ قطعًا للنزاع.

قال: (فإن لم يختر .. فالأم أولى)؛ استصحابًا لما كان.

قال: (وقيل: يقرع)؛ إذ لا بد من كفالته إلى البلوغ، وبه أجاب البغوي وأصحاب (الكافي) و (البيان) و (المهذب).

قال: (ولو أراد أحدهما سفر حاجه .. كان الولد المميز وغيره مع المقيم حتى يعود)؛

ص: 309

أَوْ سَفَرِ نُقْلَةٍ .. فَالأَبُ أَوْلَى بِشَرْطِ أَمْنِ طَرِيقِهِ وَالْبَلَدِ الْمَقْصُودِ، قِيلَ: وَمَسَافَةُ قَصْرٍ، وَمَحَارِمُ الْعَصَبَةِ فِي هَذَا كَالأَدبِ، وَكَذَا ابْنِ عَمِّ لِذَكَرٍ، ....

ــ

لما في السفر من الخطر والضرر، وسواء طالت المدة أم قصرت، وفيما إذا طالت وجه عن الشيخ أبي محمد: أنه يسافر به.

قال: (أو سفر نقلة .. فالأب أولى)، سواء كان هو المسافر أو المقيم، وكذا لو سافر كل منهما إلى جهة؛ احتياطًا للنسب؛ فإنه يحفظ بالآباء، ولمصلحة التأديب والتعليم والصيانة وسهولة الإنفاق عليه.

ولو رافقته الأم في الطريق .. دام حقها، ولو عاد من سفر النقلة إلى بلدها

عاد حقها.

قال: (بشرط أمن طريقه والبلد المقصود)؛ فليس له أن يسلك طريقًا مخوفًا ولا أن يخرجه إلى بلد مخوغ، فإن كان أحدهما كذلك .. أقر عند أمه، وليس له أن يخرجه إلى دار الحرب.

وشرط المتولي في البلد المنتقل إليه: أن يكون صالحًا للإقامة.

قال: (قيل: ومسافة قصر)، فلا أثر للانتقال إلى ما دونها، وبهذا أجاب جماعة من الأصحاب، والشبه لا فرق؛ لانقطاع مصلحة التأديب والتعليم.

كالفرسخين والثلاثة .. فكالبعيدة، وما دون ذل ك في حكم الإقامة، وهو حسن.

قال: (ومحارم العصبة في هذا كالأب) أي: في انتزاع الولد عند الانتقال؛ احتياطًا للنسب.

وخرج بذلك محرم لا عصوبة له؛ كأبي الأم والخال والأخ للأم؛ فليس له النقل؛ لأنه لا حق له في النسب، والذي جزم به المصنف أطلقه الأكثرون.

وفي (الروضة) عن المتولي من غير مخالفة: أنه لو لم يكن أب ولا جد وأراد الأخ الانتقال وهناك ابن عم أو عم مقيمًا .. لم يكن للأخ انتزاعه من الأم، بخلاف الأب والجد؛ لكمال شفقتهما وكونهما أصل النسب.

قال: (وكذا ابن عم لذكر) كما تقدم.

ص: 310

وَلَا يُعْطَى أُنْثَى، فَإِنْ رَافَقَتْهُ بِنْتُهُ .. سُلِّمَ إِلَيْهَا.

فَصْلٌ:

عَلَيْهِ كِفَايَةُ رَقِيقِهِ نَفَقَةً وَكِسْوَةً

ــ

قال: (ولا يغطى أنثى)؛ لعدم المحرمية، اللهم إلا أن تبلغ حدًا لا يشتهى مثلها، قال المتولي، وصوبه في (تصحيح التنبيه).

قال: (فإن رافقته بنته) أي: البالغة العاقلة الثقة) .. سلم إليها)؛ لانتفاء الخلوة المحرمة، وما وقع في (تصحيح التنبيه) من الاكتفاء بكونها مميزة تقدم: أن الصواب خلافه.

وقوله: (سلم) الأصوب: سلمت؛ لأن الضمير عائد للأنثى.

تتمة:

إنما يثبت حق النقل للأب وغيره إذا استجمع الصفات المعتبرة في الحضانة، فلو كان كل واحد من الأبوين مسافرًا لحاجة واختلف طريقهما ومقصدهما .. قال الرافعي: يشبه أن يدام حق الأم، ويحتمل أن يكون مع الذي مقصده أقرب أو مدة سفره أقصر، وقال المصنف: المختار: أنه يدام مع الأم.

ولو اختلفا فقال: أريد النقلة، فقال: بل غيرها .. صدق بيمينه في الأصح، فإن نكل .. حلفت وأمسكت الولد.

والثاني - وبه قال القفال -: يصدق هو بلا يمين، وصححه البغوي في (تعليقه)، وأفتى ابن الصلاح بأن على الأب اليمين: أنه مسافر إذا لم يصدق.

ووقع السؤال عن معتق طلب الإسكان عند ظهور ريبة أو دعواه إياها؟ فأجيب بالإجابة إلى ذلك؛ لأنه قد يتعير بها لاسيما إ^ذا كانت أم ولد.

قال: (فصل:

عليه كفاية رقيقه نفقة وكسوة)؛ لما روى مسلم [1662] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق).

ص: 311

وَإِنْ كِانَ أَعْمَى وَزَمِنًا وَمُدَبَّرًا وَمُسْتَوْلَدَةً مِنْ غَالِبِ قُوتِ رَقِيقِ الْبَلَدَ وَأُدْمِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ

ــ

وفيه أيضًا [996]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عن مملوكه قوته).

ولأن السيد يملك كسب العبد وتصرفه فلزمه مؤنته، وقد اتفق العلماء على ذلك في الجملة، وأفهم اقتصاره على ذلك: أنه لا يجب ما عداه فلا يجب شراء الماء لطهارته، والأصح في زوائد (الروضة) وجوبه كفطرته، وأشار بـ (الكفاية) إلى أنها لا تتقدر كنفقة الزوجة، بل تعتبر الكفاية كالقريب، وجعلها صاحب (التلخيص) كنفقة خادم الزوجة في التقدير، وتبعه المرعشي وغيره، وغلطهم القفال، والأصح: أن المعتبر كفايته في نفسه مع مراعاة رغبته وزهادته وإن زاد على كفاية مثله غالبًا.

والثاني: يعتبر ما يكفي مثله غالبًا، ونص في (المختصر) على وجوب الإشباع.

قال: (وإن كان أعمى وزمنًا ومدبرًا ومستولدة)؛ لبقاء الملك والمنافع.

وفي معنى الأعمى والزمن: من استحقت منافعه للمعير بوصية أو إجارة، بخلاف المكاتب؛ فإنه مستقل بنفسه، وتستثنى الأم المزوجة حيث تجب نفقتها على الزوج، ولا يستثنى العبد المشروط عمله في المساقاة والقراض، ولا الموصى بمنفعته أبدًا، ولا الآبق على الأصح في الثلاثة، بل يجب على السيد، وفي المستعار وجهان: أصحهما: على المالك كما سيأتي.

قال: (من غالب قوت رقيق البلد وأدمهم وكسوتهم)؛ لأن ذلك هو العرف المعتاد في حقه، وليس غلى السيد أن يطعمه ويكسوه من جنس طعامه وكسوته، بل من جنس ما يعتاده غالب رقيق البلد من الطعام والقطن والكتان والصوف، مع مراعاة يسار السيد وإعساره، فلو أكل السيد أو لبس دون المعتاد بخلًا أو رياضة .. لزمه للرقيق رعاية الغالب على الأصح، وهو كالخلاف فيه في زكاة الفطر.

وما رواه مسلم [1661] وغيره من المعرور بن سويد عن المغيرة: أنه قال: قدمنا الربذة، فأتينا أبا ذر، فإذا عليه برد وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا أبا ذر؛ لو أخذت

ص: 312

وَلَا يَكْفِي سَتْرُ اَلْعَوْرَةَ. وَيُسَنُّ أَنْ يُنَاوِلَهُ مِمَّا يَتَنَعَّمُ بِهِ مِنْ طَعَامٍ وَأُدْمٍ وَكِسْوَةٍ وَتَسْقُطُ بِمُضِيَّ الزَّمَانِ

ــ

برد غلامك وجمعته إلى بردك لكان حلة، وكسوته ثوبًا غيره؟ فقال: سأحدثكم عن هذا؛ إني ساببت رجلًا وكانت أمه أعجمية، فنلت منها، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكاني إليه، فقال لي:(أساببت فلانًا؟) فقلت: نعم، قال:(فهل ذكرت أمه؟) قلت: من يسابب الرجال ذكر أبوه وأمه يا رسول الله، قال:(فإنك امرؤ فيك جاهلية) قلت: على كبر سني؟! قال: (نعم، قال: (نعم، إنما هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده .. فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه .. فليعنه عليه) .. فهذا محمول على مكارم الأخلاق والندب، وجمله في (الأم) على أنه أتي جوابًا لسؤال سائل عن مماليكه، وكان حال الناس متقاربًا.

قال: (ولا يكفي ستر العورة)؛ لأن في ذلك احتقارًا وإن كان لا يتأذى بحر ولا برد.

ولو كانوا بناحية يقتصر أهلها على ستر العورة كأطراف اليمن والبحرين وبعض الحجاز .. وجب القطع بأجزائه كالأحرار منهم كما أشار إليه في (الوسيط) و (البسيط)، وإن كانوا لا يسترون .. فلا بد من ستر العورة؛ لأنه حق لله تعالى.

قال: (ويسن أن يناوله مما يتنعم به من طعام وأدم وكسوة) سيما إذا عالج الطعام وولي طبخه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صنع لأحدكم خادمه طعامًا ثم جاءه به وقد ولى حره ودخانه، فإن لم يقعده معه .. فليناوله لقمه أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين) رواه الشيخان [خ 2557 - م1663].

والمعنى فيه: تشوف الناس لما تشاهده، وهذا يقطع شهوتها، وهل الأفضل الإجلاس معه أو هو مخير؟ فيه وجهان: وصحح الرافعي: أنه لا يجب شيء منهما وأن الأمر للاستحباب، وفيما قاله نظر، وظاهر النصر يقتضي ايجاب الإطعام، وأفهم قوله:(مما): أنه يكفي البعض، والمنقول: أنه لا بد أن يسد سدًا دون ما يهيج الشهوة ولا يقضي النهمة.

قال: (وتسقط بمضي الزمان) كنفقة القريب.

ص: 313

وَيَبِيعُ الْقَاضِي فِيهَا مَالَهُ، فَإِنْ فُقِدَ الْمَالُ .. أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ أَوْ إِعْتَاقِهِ. وَيُجْبِرُ أمَتَهُ عَلَى إِرْضَاعِ وَلَدِهَا

ــ

قال: (ويبيع القاضي فيها ما له) أي: عند امتناعه وغيبته كنفقة القريب.

وهذا من مطلق التصرف، أما المحجور عليه .. فيجب أن يفعل الأحظ له من بيعه أو بيع غيره مما له في نفقته أو الاقتراض عليه، وإذا تعين بيع ماله في نفقة رقيقه .. قيل: يبيع شيئًا فشيئًا.

والأصح في زوائد (الروضة): أنه يستدين عليه، فإذا اجتمع شيء صالح .. باع لأجله، وهما كالوجهين في بيع العقار في نفقة القريب، فإن لم يكن بيع بعضه .. بع جميعه.

قال: (فإن فقد المال .. أمره ببيعه أو إعتاقه) المراد: أنه يأمره بإزالة ملكه عنه؛ دفعًا لضرره بعتقه أو غيره، فإن لم يفعل .. باعه الحاكم أو آجره؛ ليتوصل بذلك إلى الحق الواجب عليه.

وقال الروياني: لو قال الحاكم لعبد رجل غائب: استدن وانفق على نفسك ففعل .. جاز وكان دينًا على سيده، فإذا لم يرغب أحد في شرائه .. أنفق عليه من مال بيت المال، فإن لم يكن فيه مال .. فهو من محاويج المسلمين يثومون بكفايته، وإنما نأمره بالبيع إذا تعذر إيجاره، فإن أمكن إيجاره .. تعين هذا في غير المستولدة، أما هي .. فلا تباع قطعًا، ولا يجبر على عتقها على الأصح، بل تزوج أو تؤجر، فإن لم يكن .. فنفقتها في بيت المال، والمبعض إن كان له مهايأة .. فالنفقة على من هو في نوبته، وإلا .. ففي بيت المال.

قال: (ويجبر أمته على إرضاع ولدها)؛ لأن لبنها ومنافعها له، بخلاف الزوجة؛ فإن الزوج لا يملك ذلك منها، وقيده في (المحرر) بولدها منه، وحذفه المصنف لعمومه، فلو لم يكن منه بل مملوك له من زوج أو زنا .. فحكمه كذلك، ولو أراد تسليم ولدها إلى غيرها وأرادت إرضاعه .. فالأصح: ليس له ذلك؛ لما فيه من التفريق بينهما، لكن له ضمه في أوقات الاستمتاع إلى غيرها.

ص: 314

وَكَذَا غَيْرُهُ إِنْ فَضَلَ عَنْهُ- وَفَطْمِهِ قَبْلَ حَوْلَيْنِ إِنْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِرْضَاعِهِ بَعْدَهَا إِنْ لَمْ يَضُرَّهَا. وَلِلْحُرَّةِ حَقٌ فِي التَّرْبِيةِ. فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَطْمُهُ قَبْلَ حَوْلَيْنِ، وَلَهُمَا إِنْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَلِأحَدِهمَا بَعْدَ حَوْلَيْن، وَلَهُمَا الزَّيَادَةُ. وَلَا يُكَلَّفُ رَقِيقَهُ إِلَاّ عَمَلًا يُطِيقُهُ

ــ

قال: (وكذا غيره إن فضل عنه) إما لقلة شربه أو لكثرة اللبن أو اجتزائه بغيره؛ لأن منافعها له، فإن لم يفعل .. فلا إجبار؛ لقوله تعالى:{لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِهَا} ، ولأن طعامه اللبن فلا يجوز أن ينقص منه كالقوت.

قال: (وفطمه قبل حولين إن لم يضره)؛ لأن إليه أمر ولده ورقيقه.

قال: (وإرضاعه بعدها إن لم يضرها)؛ لأنه لا حق لها في نفسها، بخلاف الحرة.

قال: (وللحرة حق في التربية، فليس لأحدهما فطمه قبل حولين)؛ لأنهما تمام مدة الرضاع، وفيه احتمال للإمام إذا لم يتضرر به الولد، وظاهر كلام الأصحاب: أنهما لو تنازعا أجيب الداعي إلى إكمال الحولين، ويشبه أن يقال: تجب إجابة من دعا إلى الأصلح للولد؛ إذ قد يكون الفطام مصلحة؛ بأن تكون قد حملت أو مرضت ولم يوجد غيرها، فيتعين الفطام حينئذ.

قال: (ولهما إن لم يضره، ولأحدهما بعد حولين، ولهما الزيادة) أي: إذا اجتزأ بالطعام، فإن كان ضعيف الخلقة لا يجتزئ بالطعام .. لم يجز فطامه، وعلى الأب بذل الأجرة حتى يبلغ حدًا يجتزئ فيه بالطعام، فلو امتنعت الأم من إرضاع ولم يوجد غيرها .. أجبرها الحاكم عليه.

قال: (ولا يكلف رقيقه إلا عملًا يطيقه)؛ للحديث السابق، قال الشافعي:(ومعنى الخبر: أنه لا يكلف إلا ما يطيق الدوام عليه لا ما يطيقه يومًا أو يومين ثم يعجز) أهـ

أي: فلا يجوز أن يكلفه ما يطيقه يومين أو ثلاثة ولا يطيقه أبدًا، كذا قاله في (الكفاية).

ص: 315

وَتَجُوزُ مُخُارَجَتُهُ بِشَرْطِ رِضَاهُمَا

ــ

وقال القاضي حسين: إذا كلفه من العمل ما لا يطيقه .. بيع عليه.

قال ابن الصلاح: وليس ببعيد، كما يباع المسلم على الكافر؛ صيانة له عن الذل.

وقال صلى الله عليه وسلم: (من لا يلائمكم .. فبيعوه).

وقد تقدمت المسألة في البيع، وتعتبر في ذلك العادة، فيريحه وقت القيلولة وطرفي النهار؛ دفعًا للضرر عنه، وإذا سافر معه .. أركبه عقبه.

ويجب على العبد ترك الكسل وبذل المجهود لسيده المالك رقبته ومنفعته.

وكذلك البهيمة يحرم أن يحملها ما لا تطيق الدوام عليه وإن كانت تطيقه يومًا ونحوه؛ لما روى الخلال في كتابه (الأمر بالمعروف) عن المسيب بن دارم قال: رأيت عمر يضرب جمالًا ويقول: (لم حملت على جملك ما لا يطيق).

قال: (وتجوز مخارجته)؛ لما روى الشيخان [خ2102 - م1577/ 62] عن أنس قال: (حجم أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه صاعين أو صاعًا من تمر، وأمر أهله أن يخففوا عنه خراجه).

وروى البيهقي [8/ 9] عن الزبير بن العوام: أنه كان له ألف مملوك يؤدون له الخراج لا يدخل بيته من خراجهم شيئًا، بل يتصدق به، ومع ذلك بلغت تركته خمسين ألف ألف ومئتي ألف، رواه البخاري [3129] وغيره.

وقال عمرو بن العاصي: إن طلحة بن عبيد الله ترك مئة بهار، في كل بهار ثلاث قناطر ذهبًا، قال أبو عبيدة: و (البهار): ثلاث مئة رطل.

قال: (بشرط رضاهما)، فليس لأحدهما إجبار الآخر عليها؛ لأنه عقد معاوضة، فاعتبر فيه التراضي كغيره.

ص: 316

وَهِيَ: خَرَاجٌ يُؤَدِّيهِ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ - وَعَلَيْهِ عَلْفُ دَوَابِّهِ وَسَقْيُهَا،

ــ

قال: (وهي) أي: المخارجة (خراج يؤديه كل يوم أو كل أسبوع) على حسب ما يتفقان عليه، وكذلك كل شهر وسنة.

ويشترط: أن يكون مكتسبًا لقدر خراجه، فإن قصر عنه .. لم يصح، وأن يكون ذلك الكسب يباح لعاطيه، وأن يكون فاضلًا عن نفقته وكسوته إن جعلا في كسبه.

قال في (الأم) و (المختصر): ويمنعه الإمام من أن يجعل على أمته خراجًا إلا أن يكون لها عمل دائم، وروى بسنده إلى عثمان أنه قال في خطبته:(لا تكلفوا الصغير فيسرق، ولا الأمة غير ذات الصنعة فتكتسب بفرجها) وكذلك رواه البيهقي، ووقع في (النهاية) عزوه إلى عمر.

فروع:

يكره أن يقول المملوك لمالكه: ربي، بل يقول: سيدي ومولاي، ويكره أن يقول السيد له: عبدي وأمتي، بل ويقول: غلامي وجاريتي، أو فتاي وفتاتي، ولا كراهة في إضافة رب إلى غير المكلف؛ كرب الدار ورب الغنم، ويكره أن يقال للفاسق والمتهم في دينه: يا سيدي.

قال: (وعليه علف دوابه وسقيها)؛ لحرمة الروح، وفي الصحيح:(عذبت امرأة في هرة)، وحديث جمل الأنصاري الذي شكى مالكه .. أصله مرسل، ورواه أحمد وغيره مطولًا، ولأنها ذات روح فأشبهت العبد، فإن لم تكن ترعى .. لزمه أن يعلفها ويسقيها إلى أول شبعها وريها دون غايتها، وإن كانت ترعى .. لزمه إرسالها لذلك حتى تشبع وتروى، بشرط فقد السباع ووجود الماء، فإن اكتفت بكل من المرعى والعلف .. تخير بينهما، وإن لم تكتف إلا بهما .. لزماه.

وإذا احتاجت البهيمة إلى السقي ومعه ما يحتاج إليه لطهارته .. سقاها وتيمم.

ص: 317

فَإِنِ امْتَنَعَ .. أُجْبِرَ فِي الْمَاكُولِ عَلَى بَيْعٍ أَوْ عَلْفٍ أَوْ ذَبْحٍ، وَفِي غَيْرِهِ عَلَى بَيْعٍ أَوْ عَلْفٍ. وَلَا يَحْلُبُ مَا ضَرَّ وَلَدَهَا

ــ

و (العلف) بفتح اللام: مطعوم البهائم، وبإسكانها: المصدر، ويجوز هنا الأمران.

فرع:

في كتب الحنابلة: يجوز الانتفاع بالحيوان في غير ما خلق له؛ كالبقر للحمل أو الركوب، والإبل والحمير للحرث، وقوله عليه الصلاة والسلام:(بينما رجل يسوق بقرة إذ أراد أن يركبها فقالت: إنا لم نخلق لذلك) متفق عليه [خ3471 - م2388]، المراد: أنه معظم منافعها، ولا يلزم منه منع غير ذلك.

وقال أحمد: من شتم دابة .. قال الصالحون: لا تقبل شهادته؛ لحديث المرأة التي لعنت الناقة.

وفي (صحيح مسلم) [2598) عن أبي الدرداء: (لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة).

قال: (فإن امتنع .. أجبر في المأكول على بيع أو علف أو ذبح، وفي غيره على بيع أو علف)؛ صيانة لها عن الهلاك، فإن لم يفعل .. فعل الحاكم ما تقتضيه المصلحة، فإن كان له مال ظاهر .. بيع في النفقة، فإن تعذر جميع ذلك .. فمن بيت المال، ولا يجوز إرسال الطيور ونحوها؛ لأنه في معنى السوائب.

قال: (ولا يحلب ما ضر ولدها)؛ لأنه غذاؤه كولد الأمة.

وروى أحمد [4/ 76] وابن حبان [5283] والبيهقي [8/ 14] عن ضرار بن الأزور قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم لقحة، فأمرني أن أحلبها، فحلبتها فجهدت حلبها، فقال:(دع داعي اللبن)، وهو: الذي يبقيه في الضرع؛ لأنه يستدره، واستغربه الذهبي في (الميزان) [7/ 275] قال: ولا أعرف لضرار سواه، وله أن يحلب

ص: 318

وَمَا لَا رُوحَ لَهُ كَقَنَاةٍ وَدَارٍ لَا تَجِبُ عِمَارَتُهَا

ــ

ما فضل عن ربه، والمراد: أن يفضل عما يقيمه حتى لا يموت، كذا قاله الروياني.

قال الرافعي: وقد يتوقف في هذا القدر ولا يحلب أيضًا ما يضرها لقلة العلف، وإن لم يضر بها .. كره تركه؛ لما فيه من تضييع المال.

فروع:

يستحب أن يقص الحالب أظافره؛ لئلا يؤذيها.

ويجب على مالك النحل أن يبقي في الكوارة شيئًا من عسلها لتأكله، فإن كان في الشتاء وتعذر خروجها .. فيكون المستبقى لها أكثر، فإن قام شيء في مقام العسل في غذائها .. لم يتعين العسل، فقد قيل: تشوى دجاجة وتعلق بباب الكوارة.

وعلى مقتنى الكلب المباح اقتناؤه: أن يطعمه أو يرسله أو يدفعه لمن له الانتفاع به، ولا يحل حبسه ليهلك جوعًا.

ودود القز يعيش بورق الفرصاد .. فعلى مالكه تخليته ليأكل منه، فإن عز الورق .. اشترى له من مال المالك كنفقة الرقيق.

والظاهر: أنه يجب أن يلبس الخيل والبغال والحمير ما يقيها الحر والبرد الشديد إذا كان ذلك يضر بها.

قال: (وما لا روح له كقناة ودار لا تجب عمارتها) أي: على مالكها المطلق التصرف، فإن ذلك تنمية للمال ولا يجب على الإنسان ذلك، بخلاف البهائم؛ فإنه يجب عليه ذلك؛ لحرمة الروح، وإليه يشير قول المصنف:(وما لا روح له)، ولذلك يأثم إذا منع فضل الماء عن الحيوان، ولا يأثم إذا منع فضله عن الزراعة،

ص: 319

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويجوز في دار الحرب إتلاف الزروع وتخريب البستان دون ذبح الحيوان بها فافترقا.

هذا في مطلق التصرف، أما المحجور عليه .. فيجب على وليه عمارة داره وحفظ ثمره وزرعه بالسقي وغيره، ولا خفاء أن على نظار الأوقاف حفظ رقابها ومستغلاتها.

ولو غاب الرشيد عن ماله غيبة طويلة ولا نائب له .. هل يلزم الحاكم أن ينصب من يعمر عقاره ويسقي زرعه وثمره من ماله؟ الظاهر: نعم؛ لأن عليه حفظ مال الغائب كالمحجورين، ولا تكره عمارة الدار وسائر العقار للحاجة، والأولى: ترك الزيادة على الحاجة، وربما قيل: تكره الزيادة.

وفي (صحيح ابن حبان)[3243]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليؤجر في نفقته كلها إلا في هذا التراب).

وفي (أبي داوود): (كل ما أنفقه ابن آدم في التراب فهو عليه وبقال يوم القيامة إلا ما) أي: إلا ما لا بد منه.

تتمة:

قال المتولي: يكره ترك عمارة الدار إلى أن تخرب، ولا يكره ترك زراعة الأرض، ويكره ترك سقي الزرع والأشجار عند الإمكان؛ لما فيه من إضاعة المال، وفي وجه: يجبر عليه كعلف الحيوان، وصححه الروياني، وقال في (المهمات): مقتضى المذهب: تحريم ذلك، كما جزموا به في مسألة إلقاء المتاع في البحر من غير خوف وفي ترك سقي الأشجار المرهونة، قال: والصواب أن يقال: إن كان سبب الإضاعة ترك أعمال فلا تحريم؛ لأن الأعمال قد تشق عليه، وإن لم تكن أعمال كإلقاء المتاع في البحر .. حرم.

خاتمة

يكره الإنسان أنه يدعو على نفسه وولده وخدمه وماله؛ لما روى مسلم [3009] في آخر كتابه، وأبو داوود [1527] عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه

ص: 320

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم).

وقد ضعف الناس محمد بن الحسن بن محمد النقاش المفسر مع جلالته؛ لروايته عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه)، وهو ضعيف عند الدارقطني وغيره.

ووى أبو موسى عن ابن عباس: أن أوس بن ساعدة الأنصاري دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إن لي بنات وأنا أدعو عليهن بالموت، فقال:(يا ابن ساعدة؛ لا تدعو عليهن؛ فإن البركة في البنات، هن المجملات عند النعمة، والمنعيات عند المصيبة، والممرضات عند الشدة، ثقلهن على الأرض، ورزقهن على الله تعالى).

ص: 321

كتاب الجراح

ص: 323