الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الرضاع
إِنَّمَا يَثْبُتُ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ
…
ــ
كتاب الرضاع
هو بفتح الراء وكسرها: اسم لمص الثدي وشرب لبنه، وخصه الشرع بوصول لبن المرأة إلى جوف الطفل.
والكتاب ثم السنة ناطقان بتحريم الرضاع، قال الله تعالى:{وأُمَّهَاتُكُمُ اللَاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} .
وفي الصحيحين [خ2645 - م1445/ 9] عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
وأجمعت الأمة على تأثيره في النكاح، وثبوت المحرمية، وأظهر قولي الشافعي: أنه يؤثر في عدم نقض الوضوء، ولا يؤثر فيما عدا ذلك كالميراث والنفقة والعتق وسقوط القصاص ورد الشهادة ونحوها.
قال: (إنما يثبت بلبن امرأة) فلبن البهيمة لا يعتق به تحريم، حتى إذا شرب منه صغيران
…
لا تثبت بينهما أخوة، ولا تحرم الأنتثى منهما على الذكر خلافا لعطاء، وعلله الرافعي بأن الأخوة فرع الأمومة فإذا لم تثبت الأمومة التي هي أصل
…
لم تثبت الأخوة، وما استدل به قد صرح بعكسه فيما لو كان لرجل خمس مستولدات فارتفع صبي من كل واحدة رضعة
…
فالأصح: أنه يصير أبا كما سيأتي.
ولو در لرجل لبن فرضعه طفل
…
لم يؤثر؛ لأن اللبن من أثر الولادة، وهي مختصة بالنساء، ولأنه ليس معدا للتغذية كغيره من المائعات.
وقال الكرابيسي: يحرم؛ لأنه إذا ثبتت أبوته بطريق التبعية
…
فبالأصالة أولى،
حَيَّةٍ بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ
…
ــ
لكن نص الشافعي في (الأم) و (البويطي) على أنه يكره له ولولده نكاح من ارتضعت منه.
ولبن الخنثى المشكل لا يقتضي أنوثته على المذهب، بل يوقف أمره، فإن بانت أنوثته
…
تعلق به الحكم، وإلا
…
فلا.
قال: (حية) فلو ارتضع طفل من ميتة أو حلب لبنها وأوجر الصبي
…
لم يرتب عليه حكم وإن كان طاهرا على المذهب، كما لا تثبت حرمة المصاهرة بوطء الميتة.
وخالف في هذه المسألة الأئمة الثلاثة والأوزاعي ومنصور التميمي، مستدلين بقول عمر:(اللبن لا يموت) وحمله الشافعي على ما إذا حلب منها في حياتها ثم سقي الصبي
…
فإنه يحرم كالرضاع من الثدي، ولا يبطل عمله بمفارقته كما سيأتي.
واحتج الأصحاب بأن اللبن ضعفت حرمته بموت الأصل، ألا ترى أن حرمة الأعضاء تسقط بالموت، حتى لا يجب القصاص بقطعها، وبأنه لو وصل اللبن إلى جوف الصبي الميت
…
لم تثبت الحرمة، فكذلك إذا انفصل من ميتة قياسًا لأحد الطرفين على الآخر.
قال: (بلغت تسع سنين) فاللبن الحاصل قبل ذلك لا يؤثر في التحريم، كما أنها إذا رأت دما قبل تسع
…
لا يكون حيضًا.
وإن كانت بنت تسع
…
حرم وإن لم يحكم ببلوغها؛ لأن احتمال البلوغ قائم، والرضاع كالنسب فيكفي فيه الاحتمال، وسواء كانت الصغيرة مزوجة أم بكرًا أم بخلافهما.
وقيل: لا يحرم لبن البكر؛ لأن ولد الرضاع تابع لولد النسب ولا ولد لها، وكذلك الثيب التي لا زوج لها ولا ولد ولا حمل، وحكى صاحب (التنبيه) قولًا فيما إذا لم يكن لها حمل: أنه لا يثبت حكم الرضاع وغلطه الأكثرون فيه.
والمعتبر في السنين القمرية لا الشمسية، فالأصح في (الشرح الصغير): أن ذلك تقريب كسن الحيض، فما تقدم فيه يأتي هنا.
وَلَوْ حَلَبَتْ وَأُوجِرَ بَعْدَ مَوْتِهَا
…
حَرَّمَ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ جُبِّنَ أَوْ نُزِعَ مَنْهُ زُبْدٌ
…
حَرَّمَ. وَلَوْ خُلِطَ بِمَائِعِ
…
حَرَّمَ إِنْ غَلَبَ، وَإِنْ غُلِبَ وَشَرِبَ الْكُلَّ- قِيلَ: أَوِ الْبَعْضَ- حَرَّمَ فِي الْأَظْهَرِ
…
ــ
قال: (ولو حلبت وأوجر بعد موتها
…
حرم في الأصح)؛ لأنه انفصل منها وهو حلال محرم.
والثاني: لا؛ لبعد إثبات الأمومة بعد الموت.
و (الإيجار): صب اللبن في الحلق.
قال: (ولو جبن أو نزع منه زبد
…
حرم) لوصول عين اللبن إلى الجوف، وقال صلى الله عليه وسلم:(الرضاعة من المجاعة) وهذا أبلغ في دفع المجاعة؛ لأنه تحصل به التغذية، فلو حمض أو انعقد أو أغلي أو صار مخيضًا أو أقطًا
…
حرم، وكذا لو عجن به دقيق أو ثرد به طعام على الصحيح.
وقال أبو حنيفة: لا تثبت الحرمة بالجبن ونحوه.
وقوله: (ولو نزع منه زبد) يحتمل أن يريد اللبن المنزوع زبده، ويحتمل أن يريد الزبد نفسه، وكل منهما محرم.
قال: (ولو خلط بمائع
…
حرم إن غلب) سواء كان المانع حلالا أو حرامًا؛ لأن المغلوب كالمعدوم بدليل النجاسة المستهلكة في الماء الكثير، وسواء شرب الجميع أو البعض.
والمراد بغلبته: ظهور إحدى صفاته، إما اللون أو الطعم أو الرائحة، وقيل: بأن لا يخرج عن التغذية، وقطع الجمهور بالأول.
فلو لم يظهر شيء قدر مخالفًا في لون قوي، كذا استنبطه الحليمي، وعرضه على القفال الشاشي وابنه القاسم صاحب (التقريب) فارتضاه، ثم وجده لابن سريج.
قال: (وإن غلب) أي: بضم الغين وكسر اللام (وشرب الكل- قيل: أو البعض- حرم في الأظهر)؛ لأنه وصل إلى جوفه عين اللبن، وذلك هو المعتبر في
وَيُحَرِّمُ إِيجَارٌ وَكَذَا إِسْعَاطٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا حُقْنَةٌ فِي الأَظْهَرِ
…
ــ
التأثير، ووجه عدم التحريم في الأولى: القياس على النجاسة المستهلكة في الماء الكثير، ووجه عدم التحريم في الثانية- وهو ما إذا شرب البعض: أنا لم نتحقق وصول جميع اللبن، ووجه مقابله: أن المائع إذا خالط الماء
…
فما من جزء يوجد إلا وفيه شيء من هذا وشيء من هذا.
وهذا الخلاف فيما إذا لم نتحقق وصول اللبن، مثل أن وقعت قطرة في جب ماء وشرب بعضه، فإن تحققنا انتشاره في الخليط وحصول بعضه في المشروب أو كان الباقي من المخلوط أقل من قدر اللبن
…
ثبت التحريم قطعًا، والأصح: أنه يشترط كون اللبن قدرًا يمكن أن يسقى منه خمس دفعات لو انفرد عن الخليط.
وتقييد المصنف ب (المائع) لا حاجة إليه؛ فإن الخلط بالجامد كالدقيق كذلك لاشتراكهما في التغذية، ولم يذكر الحكم فيما إذا تساويا؛ لأنه يؤخذ من الثانية من باب أولى.
قال: (ويحرم إيجار) وهو صب اللبن في الحلق؛ لحصول التغذية به كالارتضاع، وظاهر عبارة المصنف: حصول التحريم بمجاوزة الحلق وإن لم يصل إلى المعدة كما يفطر بمثله الصائم، وهو مقتضى كلام المتولي وغيره، لكن اعتبر في (المحرر) وصوله إلى المعدة، وعليه جرى في (الشرح) و (الروضة).
قال: (وكذا إسعاط على المذهب) وهو صبه في الأنف؛ لأن الدماغ جوف للتغذي كالمعدة، ولأنه سبيل يحصل بالواصل منه الفطر فأشبه الحلق، ويقابل المذهب القولان في الحقنة، وعلى المذهب: لو ارتضع الصبي مرة وأوجر مرتين وأسعط مرتين
…
ثبت التحريم.
ولو شرب وتقيأ في الحال حصل التحريم على الصحيح، وقيل: لا يحصل.
وقيل: إن تقيأ وقد تغير اللبن
…
يثبت التحريم، وإلا
…
فلا.
قال: (لا حقنة في الأظهر)، لأنها لإسهال ما انعقد في الأمعاء، ولا يحصل بها التغذي، وبهذا قال الأئمة الثلاثة.
والثاني: يحرم كما يفطر بها الصائم، واختاره المزني.
وَشَرْطُهُ: رَضِيعٌ حَيٌّ لَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْنِ
…
ــ
والصب في الإحليل إن وصل إلى المثانة
…
كالحقنة، وإلا فإن قلنا: يفطر به
…
فكذلك، وإلا
…
فلا.
ولو كان في بطنه جرح فصب اللبن فيه إلى الجوف
…
لم يحرم في الأصح، وصبه في العين لا أثر له قطعًا، وفي الأذن الأشهر أنه كالحقنة، وقال الروياني: يحرم قطعًا، وقال البغوي: لا يحرم قطعًا.
قال: (وشرطه: رضيع حي) فلا أثر للوصول معدة الميت بالاتفاق، وكان الأولى للمصنف أن يقول: وحياة رضيع؛ لأن الرضيع ركن لا شرط.
قال: (لم يبلغ سنتين)؛ لقوله تعالى: {والْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} .
وروى البيهقي [7/ 462] والدارقطني [4/ 174]: (لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الحولين).
ولم يخالف في هذا إلا عائشة؛ فإنها تلحق ما بعد الحولين بما قبلهما لما روى الشيخان [خ5088 - م1453]: أن سهلة بنت سهيل بن عمرة قالت: يا رسول الله؛ إنا كنا نرى سالمًا ولدًا، وقد نزل في التبني والحجاب ما قد علمت، فماذا تأمرني فقال: (أرضعيه خمس رضعات
…
يحرم بهن عليك)، ففعلت فكانت تراه ابنًا.
والجواب: أنه مخصوص بسالم كما قالته أم سلمة وسائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وهن بالخاص والعام والناسخ والمنسوخ أعلم.
والمراد: سنتين بالأهلة كما قاله في (المحرر)، فإن انكسر الشهر الأول
…
كمل بالعدد ثلاثين من الخامس والعشرين على الصحيح.
وفي (شرح المهذب) و (رؤوس المسائل): أن ذلك تحديد قطعًا.
وعند أبي حنيفة: مدة الرضاع ثلاثون شهرًا، وعن مالك قولان كالمذهبين.
وابتداء الحولين من تمام الانفصال، وعبارته تفهم أنه لو تم الحولان في انتهاء
وَخَمْسُ رَضَعَاتٍ
…
ــ
الرضعة الخامسة
…
لا تحريم، وهو المنصوص في (الأم) وغيرها، وصحح الشيخان خلافه.
قال: (وخمس رضعات)؛ لما روى مسلم [1452] عن عائشة قالت: (كان فيما أنزل الله: (عشر رضعات محرمات) فنسخن بـ (خمس معلومات) فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن) أي: يتلى حكمهن أو العمل بهن، وهذا يدل على قرب النسخ، حتى إن من لم يبلغه النسخ كان يقرؤها.
وأورد في (شرح مسلم): أن هذا لا حجة فيه؛ لأن القرآن لا يثبت بخبر الواحد، ولم يجب عنه، وأجاب عنه إلكيا الطبري بأن القرآن وإن لم يثبت بخبر الواحد لكن يثبت حكمه والعمل به، والأحسن الاستدلال بحديث سالم؛ فإن فيه تخصيص الرضعات بخمس، وهو محل ضرورة، فلو حصل ما دونه
…
لذكره.
وفي (صحيح مسلم)[1450] عنها رضي الله عنها: (لا تحرم المصة ولا المصتان).
وفي وجه: إثبات التحريم برضعة كمذهب أبي حنيفة ومالك رضي الله عنهما.
وفي ثالث- اختاره ابن المنذر وجماعة-: بثلاث كمذهب أبي ثور.
وعن أحمد روايتان كالمذهبين، فلو حكم قاض بالتحريم بأقل من خمس رضعات
…
لم ينقض حكمه، خلافًا للإصطخري.
وقوله: (خمس رضعات) مراده: وما في حكمهن من الجبن والزبد وغيرهما مما يتخذ منه.
والحكمة في كون التحريم بخمس: أن الحواس خمس وهي أسباب الإدراك، فلم يحصل له علم باطن بغيرها، والرضاع أمر يظهر تأثيره في الباطن من إنتشار العظم وإنبات اللحم، فكانت الخمس حينئذ مؤثرة في ذلك.
فإن قيل: من قاعدة الشافعي الأخذ بأقل ما قيل
…
فلم أخذ هنا بالأكثر؟ فالجواب: أنه إنما يأخذ بالأقل إذا لم يجد دليلًا سواه، وهنا السنة نصت على الخمس فلم يعدل عنها.
وَضَبْطُهُنَّ بِالْعُرْفِ؛ فَلَوْ قَطَعَ إِعْرَاضًا
…
تعَدَّدَ، أَوْ لِلَهوٍ وَعَادَ فِي الحَالِ أَوْ تَحَوَّلَ مِنْ ثَدْيٍ إِلَى ثَدْيٍ
…
فَلَا. فَلَوْ حُلِبَ مِنْهَا دَفْعَةٌ وَأَوجِرَهُ خَمْسًا أَوْ عَكْسُهُ
…
فَرَضْعَةٌ، وَفِي قَوْلٍ: خَمْسٌ
ــ
قال: (وضبطهن بالعرف) فما عده أهله رضعة واحدة فواحدة، وما قضوا فيه بالتعدد فهو متعدد؛ لأنه ليس في الشرع ولا في اللغة ما يدل على ضبطه، فرجعنا فيه إلى العرف كالحرز في السرقة والقبض في المبيع.
قال: (فلو قطع إعراضًا
…
تعدد) وإن لم يصل إلى الجوف منه إلا قطرة؛ لأن العرف يقضي بذلك، وكذا لو قطعت المرضعة ثم عاد إلى الإرضاع في الأصح.
ولو قامت لشغل خفيف ثم عادت
…
اتحد جزمًا.
قال: (أو للهو وعاد في الحال أو تحول من ثدي إلى ثدي
…
فلا)؛ لقضاء العرف بذلك، كما لو تحدث الأكل وتنفس
…
لا يخرجه ذلك عن كون ذلك أكلة واحدة.
وقيد في (الروضة) مسألة اللهة ببقاء الثدي في فيه، وهو يوهم اشتراطه، وليس كذلك؛ فالمنصوص في (المختصر) أن ذلك لا يشترط، وكذا لو قطع للتنفس أو الازدراد أو نام نومة خفيفة، فلو طال نومه ثم انتبه وارتضع
…
فرضعة إن كان الثدي في فيه، وإلا
…
فئتان.
وقوله: (من ثدي إلى ثدي) المراد: في المرضعة الواحدة، فلو تحول من ثدي امرأة إلى ثدي أخرى في الحال
…
فالأصح: التعدد.
و (الثدي) يذكر ويؤنث، والتذكير أكثر، ويكون للرجل والمرأة، وأكثر استعماله لها، ومنهم من خصه بها.
قال: (فلو حلب منها دفعة وأوجره خمسًا أو عكسه
…
فرضعة) اعتبارًا في الأولى بحالة الانفصال من الثدي، وفي الثانية بحالة وصوله إلى جوفه دفعة واحدة.
قال: (وفي قول: خمس) أما الأولى
…
فتنزيلًا للإناء المتنقل منه منزلة الثدي، وأما في الثانية
…
فنظرًا إلى حال الانفصال من الثدي، وكذلك لو حلب خمس نسوة في إناء واحد وأوجره الصبي دفعة
…
حسب من كل واحدة رضعة، أو في خمس دفعات
…
حسب من كل واحدة رضعة في الأصح، وقيل: خمس.
ولو شك: هل خمسا أو أقل، أو هل رضع في الحولين أو بعده؟ فلا تحريم، وفي الثانية قول أو وجه. وتصير المرضعة أمه، والذي منه اللبن أباه، وتسري الحرمة إلى أولاده
…
ــ
قال: (ولو شك: هل) رضع (خمسا أو أقل، أو هل رضع في الحولين أو بعده؟ فلا تحريم)؛ إذ الأصل عدمه.
قال: (وفي الثانية قول أو وجه)؛ لأن الأصل بقاء الحولين.
وأشار في (المطلب) إلى أنه ينبغي أن يثبت التحريم دون المحرمية؛ فإن الأصل في الأبضاع التحريم، والأصل عدم المحرمية وهو حسن.
والراجح في (الشرح الصغير): أن الخلاف قول.
قال: (وتصير المرضعة أمه)، لقوله تعالى {وأُمَّهَاتُكُمُ اللَاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} فنص على هاتين لا لاختصاص الحكم بهما، بل للتنبيه بهما على ما في معناهما؛ لأن النسب مشتمل على قطب وجوانب، فنبه بالأم على قطب النسب، وبالأخوات على الجوانب؛ لأنهن أصل الجوانب لكونهن أول فصل.
قال: (والذي منه اللبن أباه، وتسري الحرمة إلى أولاده)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
وفي (الصحيحين)[خ4796 - م1445/ 5] عن عائشة: أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن عليها بعدما أنزل الحجاب فقالت: والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني وإنما أرضعتني امرأته، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال:(ائذني فإنه عمك تربت يمينك) قال عروة: فبذلك كانت عائشة تقول: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
واختار ابن بنت الشافعي أن الحرمة لا تسري إلى الفحل، وسيأتي له شاهد في (كتاب الأطعمة) عند قول المصنف:(وكذا ما تولد من مأكول وغيره).
وَلَوْ كَانَ لَهٌ خَمَسْ مُسْتَوْلِدَاتْ أَوْ أَرْبَعَ نِسْوَة وَأُمْ وَلَد فَرُضَع طِفْل مِنْ كَلِ رَضْعَة
…
صَارَ ابْنِه فِي الأَصَّحْ، فَيَحْرِمْنَ لَأَنَهُنَ مُوَطِوَات أَبِيهِ. وَلَوْ كَانَ بَدَلْ المُسْتَوْلِدَات بَنَات أَوْ أَخَوَات
…
فَلَا حُرْمَة فِي الأَصَح. وَآَبَاءِ المُرْضِعَة مِنْ نَسَبِ أَوْ رِضَاعْ أَجْدَادِ للرَضِيعْ،
…
ــ
قال: (ولو كان له خمس مستولدات أو أربع نسوة وأم ولد فرضع طفل) منها (من كل رضعة
…
صار ابنه في الأصح)؛ لأن لبن الجميع منه، ويجوز أن تثبت الأمومة دون الأبوة فيما إذا أرضعت ثلاث رضعات بلبن رجل ثم تزوجها غيره وأرضعته بلبن الثاني رضعتين
…
فإن الحرمة تثبت بينها وبين الرضيع، ولا تثبت بينه وبين الرجلين.
والثاني- وبه قال الأنماطي زابن سريج-: لا يصير؛ لأن الأبوة تابعة للأمومة ولم تحصل، كذا علله الرافعي كما تقدم عنه في تعليل لبن البهيمة.
وصورة الأربع نسوة: أن يكن مدخولا بهن، فإن لم يدخل بهن أو ببعضهن
…
لم يحرم من واحدة كما قاله في (التلخيص) كالربيبة، وهذا مفهوم من ذكر الإرضاع.
قال: (فيحرمن لأنهن موطوآت أبيه) لا لكونهن أمهات له، فلسن أمهاته قطعًا.
ولو كان تحته طفلة فأرضعتها كل مستولدة له رضعة
…
انفسخ نكاحها في الأصح، ولا غرم؛ لأنه لا يثبت له دين على إمائه.
قال: (ولو كان بدل المستولدات بنات أو أخوات
…
فلا حرمة في الأصح)؛ لأنه لو ثبت التحريم
…
لكان الرجل جدًا لأم في صورة البنات، وخالا في إرضاع الأخوات، وتصير المرأة جدة لأم البناتت وخالة في صورة الأخوات، والجدودة والخؤولة لا تثبتان إلا بتوسط الأمومة.
والثاني: تثبت الحرمة كما في المستولدات.
وتتصور الأمومة دون الأبوة في صور كثيرة: منها: أن يدر للبكر لبن، أو لثيب لا عن فحل، أو عن زنا ونحو ذلك، وتتصور الأبوة دون الأمومة في صور المستولدات ونظائرها.
قال: (وآباء المرضعة من نسب أو رضاع أجداد للرضيع) فلو كانت أنثى
…
حرم عليهم نكاحها كالنسب.
وَأُمَّهَاتِها جَدّاتُه، وَأوْلادها مِن نَسَب أَوْ رِضَاع إِخْوَته وَأَخَواتِه، وَإِخْوتِها وأخواتها أخواله وخالاته، وأبو ذي اللبن جده، وأخوه عمه وكذا الباقي. واللبن لم نسب إليه ولد نزل به بنكاح أو وطء شبهة
ــ
قال: (وأمهاتها جداته) حتى إذا ارتضع ذكر
…
حرم عليه نكاحهن.
قال: (وأولادها من نسب ورضاع إخوته وأخواته) فأولادهم أولاد إخوة وأولاد أخوات فتثبت الحرمة، بخلاف أولاد إخوة المرضع وأخواتها؛ فإنهم أولاد أخواله وخالاته، ولا تسري الحرمة إلى آباء الرضيع وأمهاته وإخوته وأخواته، فلأبيه أن ينكح المرضعة وأن ينكح بنتها.
قال: (وإخوتها وأخواتها أخواله وخالاته، وأبو ذي اللبن جده وأخوه عمه، وكذا الباقي) فأمه جدته وأولاده إخوته وأخواته وأخته عمته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة: (إنها لا تحل لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتنا وأباها ثويبة) فجعل نفسه عما لها.
فإن قيل: ما فائدة ذكر هذا مع قوله أولا: إنها تصير أمه والفحل أباه؟ فالجواب: أن الرضاع حكم شرعي فلا يلزم من ذلك هذا، ولأنه بصدد بيان من ينتشر التحريم إليه، لكن لا تثبت الحرمة بين الرضيع وبين أولاد إخوة المرضعة وأخواتها؛ فإنهن أولاد أخواله وخالاته، ولا تنتشر الحرمة إلى آباء الرضيع وأمهاته وإخوته وأخواته، فلأبيه أن ينكح المرضعة وأن ينكح بنتها.
قال: (واللبن لمن نسب إليه ولد نزل به بنكاح أو وطء شبهة)؛ إلحاقا للرضاع بالنسب، وفي قول: إن وطء الشبهة لا يحرم على الفحل؛ إذ لا ضرورة إليه، بخلاف النسب والعدة، والمذهب: عدم الفرق.
لَا زِنًا، وَلَوْ نَفَاهُ بِلِعَان
…
انتَفى اللَّبَنُ
…
وَلَوْ وُطِئَتْ مَنْكُوحَةٌ بَشُبهَةٍ، أَوْ وَطِىءَ اثْنَانِ بِشُبهَةٍ فَوَلَدَتْ
…
فَاللَّبَنُ لِمَنْ لَحِقَهُ الْوَلَدُ بِقَائفٍ أَوْ غَيْرَهِ
…
ــ
تنبيهان:
أحدهما: شرط ابن القاص أن يكون الأب أقر بالدخول في النكاح، فإن لم يقر به ولحقه بمجرد الإمكان
…
لم تثبت الحرمة بين الرضيع وأبي الولد، وجعل هذا مما يخالف فيه ولد النسب ولد الرضاع.
الثاني: قوله: (بنكاح) قد يفهم أن الولد الحاصل من الوطء بملك اليمين لا تثبت به الأبوة، وليس كذلك، بل هو مثله بالاتفاق.
ووهم الجيلي في حكايته وجهًا فيه، والمصنف استغنى عنه بما ذكره فيه قبل من أن المستولدة كالزوجة.
قال: (لا زنا)؛ لعدم احترامه، فلا يحرم على الزاني أن ينكح الصغيرة التي ارتضعت من ذلك اللبن، لكنه يكره.
قال الرافعي والمصنف: وقد تقدم في (النكاح) وجه: أنه لا يجوز للزاني نكاح ابنته من الزنا، فيشبه أن يأتي هنا، وكأنهما لم يقفا على نقله، وهو مصرح به في (النهاية) و (البسيط).
قال: (ولو نفاه بلعان
…
انتفى اللبن) كما ينتفي الولد النسب، ولو استلحق المولود بعد ذلك
…
تثبت حرمة الرضاع أيضًا، كما لو نفاه بعد الرضاع، فإن حرمة الرضاع تنتفي تبعًا.
قال: (ولو وطئت منكوحة بشبهة أو وطىء اثنان بشبهة فولدت
…
فاللبن لمن لحقه الولد بقائف أو غيره)؛ لأن اللبن تابع للولد، فإن لم يكن قائف أو نفاه عنهما أو أشكل عليه
…
توقفنا إلى أن يبلغ الولد فينتسب إلى أحدهما، فإن بلغ مجنونًا
…
صبرنا إلى أن يفيق فينتسب، فإذا انتسب تبعه الرضيع، فإن مات قبل الانتساب وكان له ولد
…
قام مقامه فيه، فإن كان له أولاد فانتسب بعضهم إلى هذا وبعضهم إلى هذا
…
دام الإشكال، وإنما اعتبرنا انتسابه لأن الرضاع يؤثر في الطباع والأخلاق، وقد يميل
وَلَا تَنْقَطِعْ نِسْبَةُ اللَّبَنِ عَنْ زَوْج مَاتَ أَوْ طَلَّقَ وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ أَوِ انْقَطَعَ وَعَادَ، فَإِنْ نَكَحَتْ آَخَرَ وَوَلَدَتْ مِنْهُ
…
فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَهُ، وَقَبْلَهَا لِلأَوَّلِ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ ظُهُورِ لَبَنِ حَمْلِ الثَّانِي،
…
ــ
الإنسان إلى من ارتضع من لبنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم وأفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش، واسترضعت في بني سعد) فافتخر صلى الله عليه وسلم بالرضاع كما افتخر بالنسب.
وإذا قلنا بالانتساب هل يجبر عليه؟ فيه وجهان أو قولان: أصحهما: لا؛ لأن الذي يترتب على الرضاع أسهل مما يترتب على النسب، فإن أراد أن يتزوج ابنة أحدهما
…
حرم على الأصح كما لو اختلطت أخته بأجنبية.
وقيل: يحل له أن يتزوج بنت من شاء منهما؛ لأن الأصل الحل في كل منهما، فكانا كما لو اشتبه إناء طاهر بنجس، فإن تزوج بنت أحدهما
…
حرمت عليه بنت الآخر، وقيل: يحل له أن يتزوج بنت كل منهما على الانفراد ولا يجمع.
قال: (ولا تنقطع نسبة اللبن عن زوج مات أو طلق وإن طالت المدة)؛ لعموم الأدلة، فلو كان له ولد
…
قام مقامه في الانتساب كما تقدم.
قال: (أو انقطع وعاد)؛ لأنه لم يحدث ما يحال اللبن عليه فاستمرت نسبته إليه.
وقيل: إن انقطع وعاد بعد أربع سنين من وقت الطلاق
…
لم يكن منسوبَا إليه، كما لو أتت بولد بعد هذه المدة
…
لا يلحقه.
قال: (فإن نكحت آخر وولدت منه
…
فاللبن بعد الولادة له) كالولد، وقال أحمد: لهما جميعَا.
قال: (وقبلها للأول إن لم يدخل وقت ظهور لبن حمل الثاني) سواء زاد على ما كان أم لا.
ويقال: أول مدة يحدث فيها اللبن للحمل أربعون يومًا، وقال المارودي: أربعة أشهر، والمنصوص: أنه يرجع فيه إلى القوابل.
وَكَذَا إِنْ دَخَلَ، وَفِي قَوْلٍ: لِلثَّانِي، وَفِي قَوْلٍ: لَهُمَا.
فَصْلٌ:
تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا أٌمٌهٌ أَوْ أٌخْتٌهٌ أَوْ زَوْجَةٌ أٌخْرَى .. انْفَسَخَ نِكَاحُهٌ،
ــ
قال: (وكذا إن دخل) أي: وقت ظهور لبن الحمل الثاني؛ لأن اللبن تبع للولد، وهو غذاؤه لا غذاء الحمل، فيتبع الولد المنفصل دون الحمل.
قال: (وفي قول: للثاني)؛ لقرب وقت الولادة بسبب ظهور اللبن، فأشبه النازل بعد الولادة.
قال: (وفي قول: لهما)؛ لتقابل المعنيين، فإذا فرعنا على هذا .. فهل يحتاج إلى عشر رضعات أو يكفي خمس؟
قال الداركي: يحتمل وجهين، وأطلق المصنف الخلاف، ومحله إذا انقطع مدة طويلة ثم عاد، أما إذا انقطع قليلا ثم عاد .. فثلاثة أقول أيضا: أصحها: للأول، والثاني: لهما، والثالث: إن زاد اللبن .. فلهما، وإلا .. فللأول.
وحاصله: أن القول الثاني في الكتاب محله في الحالة الأولى، وفي الحالة الثانية يأتي بدله التفصيل بين أن يزيد أم لا.
تتمة:
حبلت امرأة من الزنا وهي ذات لبن من زوج .. فحيث قلنا هناك: اللبن للأول أو لهما .. فهو للزوج، وحيث قلنا: هو للثاني .. فلا أب للرضيع.
ولو نكحت امرأة لا لبن لها فحملت ونزل لها لبن .. قال المتولي: في ثبوت الحرمة بين الرضيع والزوج وجهان بناء على الخلاف، إن جعلنا اللبن للأول .. لم نجعل الحمل مؤثرا، ولا تثبت الحرمة حتى ينفصل الولد، وإن جعلناه للثاني أو لهما .. ثبت.
قال: (فصل:
تحته صغيرة فأرضعتها أمه أو أخته أو زوجة أخرى .. انفسخ نكاحه)؛ لأنها صارت أختا أو بنت أخت أو ربيبة، فيحرمن مؤبدا؛ لأن ما يوجب الحرمة كما يمنع
ولَلِصَّغِيرَةِ نِصْفٌ مَهْرِهَا، وَلَهٌ عَلَى الْمٌرْضِعَةِ نِصْفٌ مَهْرِ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ: كُلُّهُ.
ــ
ابتداء النكاح .. يمنع الاستدامة، وإذا ثبت التحريم .. انقطع النكاح.
قال: (وللصغيرة نصف مهرها) أي: على الزوج؛ لأنه فراق قبل الدخول، وأشار بإضافة المهر إليها إلى أنه نصف المسمى الصحيح، أو نصف مهر المثل إن كان فاسدًا.
هذا إذا لم يكن الانفساخ من جهة الصغيرة، فإن كان بأن دبت فرضعت من نائمة .. فإنه لا شيء لها كما سيأتي.
قال: (وله على المرضعة نصف مهر مثل)؛ لأنه لم يغرم غيره، هذا هو المنصوص هنا، ونص في شهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا على أنه يلزمهم جميع المهر فقيل: قولان فيهما، والمذهب تقريرهما؛ لأن فرقة الرضاع حقيقة فلا توجب إلا النصف، وفي الشهادة النكاح باق بزعم الرجل، والشاهدان حالا بينه وبين البضع فيغرمان قيمته كالغاصب يحول بين المالك والمغصوب.
قال: (وفي قول) أي: مخرج (كله)؛ لأن قيمة البضع مثل المهر، وإتلاف الشيء المتقوم يوجب قيمته.
وقال الماوردي: إنما يرجع الزوج بالغرم إذا لم يأذن في الإرضاع، فإن أذن .. فلا غرم.
ولم يتعرض المصنف لمهر الكبيرة، وحكمه: إن كانت مدخولًا بها .. فلها المهر، وإلا فلا.
وشمل إطلاقه ما إذا تعين عليها الرضاع بأن لا يكون ثم غيرها، والذهب: أنه كما لو لم يتعين .. فيأتي فيه ما سبق، وفي وجه: لا غرم عليها.
فروع:
كانت الصغيرة مفوضة فأرضعتها أم الزوج .. فلها على الزوج المتعة، ويرجع الزوج على أمه بها.
وَلَوْ رَضَعَتْ مِنْ نَائِمَةٍ .. فَلَا غُرْمَ وَلَا مَهْرَ لِلْمُرْتَضِعَةِ
ــ
وصورة ذلك: أن تكون الصغيرة أمة فيزوجها السيد بلا مهر؛ لأن ذلك لا يتصور في الحرة.
ولو حلب أجنبي لبن أم الزوج أو كان محلوبا فأخذه وأوجره الصغيرة .. فالغرم على الأجنبي.
ولو أرضعت مكرهة .. فالصحيح في (الروضة) و (الكفاية) أن الغرم عليها.
والثاني: على المكره.
والثالث: عليهما.
والرابع: للمالك أن يطالب من شاء منهما، غير أنه إذا طولب المتلف رجع على الآمر كما صححه الشيخان في (الجنايات)، وهو المعتبر هنا كما قاله في (المهمات)، ولو أوجرها خمسة أنفس .. فعلى كل واحد خمس الغرم.
ولو أوجرها واحد مرة وآخران مرتين .. فالغرم على عدد الرضعات، وقيل: أثلاثا.
ولو كان الزوج عبدا فأرضعت أمه زوجته .. فالغرم عليها لسيده، كما إذا خالع هو زوجته .. فالمال لمولاه.
ولو أرضعت أمة الرجل أو مدبرته أو مستولدته زوجته الصغيرة فحرمت عليه .. فلا رجوع له على واحدة منهن، اللهم إلا أن تكون مكاتبة فيرجع عليها بالغرم، فإن عجزت .. سقط، فإن عتقت .. كان ذلك دينا في ذمتها.
قال: (ولو رضعت من نائمة .. فلا غرم) أي: على النائمة؛ لأنها لم تصنع شيئا، وإنما الصغيرة دبت بنفسها.
وقال الداركي: عليها الغرم، لأن اللبن لها، وهي منسوبة في نومها إلى تقصير، فلو كانت مستيقظة .. فالأصح في (الروضة) لا غرم أيضًا؛ لعدم الفعل.
قال: (ولا مهر للمرتضعة)؛ لأن الانفساخ حصل بفعلها، وهو قبل الدخول مسقط للمهر، وقيل: لها نصف المهر، ولا يعتبر فعلها في الإسقاط؛ لعدم التكليف.
وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَةُ وَصَغِيرَةُ فَأَرْضَعَتْ أُمُّ الْكَبِيرَةَ الصَّغِيرَةَ .. انْفَسَخَتِ اِلصَّغِيرَةُ، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ فِي الأَظْهَرِ، وَلَهُ نِكَاحُ مَنْ شَاءً مِنْهٌمَا، وَحُكْمُ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ وَتَغْرِيمِهِ الْمُرْضِعَةَ مَا سَبَقَ، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ إِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةً،
ــ
ولو ارتضعت الصغيرة من أم الزوج رضعتين وهي نائمة ثم أرضعتها الأم ثلاثًا .. ففيه الوجهان السابقان في أن الغرم يوزع على المرضعات أو الرضعات، والأصح: الثاني.
ولو أرضعتها الأم أربع رضعات ثم ارتضعت الصغيرة منها وهي نائمة المرة الخامسة .. ففيه الوجهان كالوجهين فيما إذا طلقها ثلاثًا متعاقبات .. هل يتعلق التحريم بالثالثة وحدها بالثلاث؟ وقد تقدمت فائدة ذلك في (باب ما يحرم من النكاح).
قال: (ولو كان تحته كبيرة وصغيرة فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة .. انفسخت الصغيرة)؛ لأنها صارت أختا للكبيرة، ولا يجمع بين الأختين، فكذلك الحكم لو أرضعتها جدتها أو أختها أو بنت أختها.
قال: (وكذا الكبيرة في الأظهر)؛ لأنهما صارتا أختين، فأشبه ما لو أرضعتهما معا.
والثاني: يختص الاندفاع بالصغيرة، لأن الجمع بها حصل، فأشبه ما لو نكح أختا على أخت، فإن البطلان يختص بالثانية، ونسب الماوردي هذا إلى الجديد، والأول إلى القديم.
قال: (وله نكاح من شاء منهما) أي: منفردة ولا يجمع بينهما؛ لأنهما في مسألة الكتاب أختان، وفي الثانية: الصغرى خالة، وفي الثالثة: عكسه، وفي الرابعة والخامسة: الكبرى عمة أم أو خالة أم.
قال: (وحكم مهر الصغيرة وتغريمه المرضعة ما سبق) في إرضاع أمه ونحوها الصغيرة.
قال: (وكذا الكبيرة إن لم تكن موطوءة) فإذا قلنا بانفساخ نكاحها .. فلها نصف المهر على الزوج، وتغرم له المرضعة نصف مهر المثل.
فَإِنْ كَانَتْ .. فَلَهُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ أَرْضَعَتْ بِنْتُ الْكَبِيرَةِ الصَّغِيرَةَ .. حَرُمَتِ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا، وَكَذَا الصَّغيرَةُ إِنْ كَانَتِ الْكَبِيرَةُ مَوْطُوءَةً. وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةُ فَطَلَّقَهَا فَأَرْضَعَتْهَا امْرَأَةُ .. صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ. وَلَوْ نَكَحَت مُطَلَّقةُ صَغِيرَاَ وَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِهِ .. حَرُمَتْ عَلَى الْمُطَلَّقِ وَالصَّغِيرِ أَبَدًا
ــ
قال: (فإن كانت) أي: الكبيرة موطوءة) .. فله على المرضعة مهر مثل في الأظهر) كما لو شهدا بالطلاق بعد الدخول ثم رجعا.
والثاني: لا غرم عليها؛ لأن البضع بعد الدخول لا يتقوم للزوج، بدليل ما لو ارتدت وأصرت .. فإنه لا غرم عليها وعلى الزوج مهرها المسمى كما صرح به في (المحرر).
قال: (ولو أرضعت بنت الكبيرة الصغيرة .. حرمت الكبيرة أبدا، وكذا الصغيرة إن كانت الكبيرة موطوءة)؛ لكونه ربيبة له، وحكم مهر الصغيرة على الزوج، والغرم على المرضعة للزوج ما تقدم.
قال: (ولو كان تحته صغيرة فطلقها فأرضعتها امرأة .. صارت أم امرأته) فتحرم المرضعة على المطلق، لأنها صارت أم من كانت زوجته، ودخلت في أمهات النساء، ولا نظر في ذلك إلى التقدم والتأخر.
قال: (ولو نكحت مطلقة صغيرا وأرضعته بلبنه .. حرمت على المطلق والصغير أبدا) أما المطلق .. فلأنها زوجة ابنة، وأما الصغير .. فلأنها أمه وزوجة أبيه.
وشملت عبارة المصنف من تزوجت صغيرا له دون الحولين ثم فسخت نكاحه بعيب ثم زوجت بآخر فأولدها فأرضعت المفسوخ نكاحه .. فإنه ينفسخ نكاح الثاني، لأنها صارت زوجة ولده وحرمت عليهما على التأييد، ولا يخفى أن المراد المطلقة الحرة؛ لأنها لو كانت أمة .. لم تحرم على المطلق؛ لبطلان نكاح الصغير أمة، فلم تصر حليلة ابنه بذلك.
وَلَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ عَبْدَهُ اَلصَّغِيرَ فَأَرْضَعَتْهُ لَبَنَ الْسَّيَّدِ .. حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَعَلَىَ الْسَّيَّدِ.
وَلَوْ أَرْضَعَتْ مَوْطُوءَتُهُ الأَمَةُ صَغِيرَةً تَحْتَهُ بِلَبَنِهِ أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ .. حَرُمَتًا عَلَيْهِ. وَلَوِ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةُ وَكَبِيرَةُ فَأَرْضَعَتْهَا .. انْفَسَخَتَا وَحَرُمَتِ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا، وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إِنْ كَانَ الإِرْضَاعُ بِلَبَنِهِ، وَإِلَاّ فَرَبِيبَةُ. وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَةُ وَثَلاثُ صَغَائِرَ فَأَرْضَعَتْهُنَّ .. حَرُمَتْ أَبَدَا، وَكَذَا الصَّغَائِرُ إِنْ أَرْضَعَتهُنَّ بِلَبَنِهِ أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ وَهِىَ مَوْطُوءَةُ،
ــ
قال: (ولو زوج أم ولده عبده الصغير فأرضعته لبن السيد .. حرمت عليه)؛ لأنها أمه وموطوءة أبيه.
قال: (وعلى السيد)؛ لأنها زوجة ابنه، وهذه المسألة مبنية على إجبار العبد على النكاح، وقد تقدم أن الأصح: أنه لا يجبر عليه، ونقل المزني عن الشافعي: أنها لا تحرم عليه، وغلطوه في نقله.
قال: (ولو أرضعت موطوءته الأمة الصغيرة تحته بلبنه أو لبن غيره .. حرمتا عليه)
أما الأمة .. فلأنها صارت أم زوجته، وأما الصغيرة .. فلأنها بنته أو بنت موطوءته المدخول بها إن كانت بلبن غيره.
قال: (ولو كان تحته صغيرة وكبيرة فأرضعتها .. انفسختا)؛ للجمع بين الأم والبنت، وهذه تقدمت في أوائل الفصل، ذكرت هناك لأجل الغرم، وهنا لتأييد التحريم وعدمه.
قال: (وحرمت الكبيرة أبدا)؛ لأنها أم زوجة.
قال: (وكذا الصغيرة إن كان الإرضاع بلبنه)؛ لأنها بنته.
قال: (فإلا فربيبة)، لأن الإرضاع بلبن غيره فتحرم مؤبدا إن كان دخل بالكبيرة، وإلا .. فلا.
قال: (ولو كان تحته كبيرة وثلاث صغائر فأرضعتهن .. حرمت) أي الكبيرة (أبدًا، وكذا الصغائر إن أرضعتهن بلبنه أو لبن غيره وهي موطوءة) سواء أرضعتهن معا أو مرتبا؛ لأن الكبيرة أم زوجاته، والصغائر بناته أو ربائب زوجته المدخول بها،
وَإِلَاّ: فَإِن أَرْضَعَتْهُنَّ مَعًا بِإِيجَارِهَنَّ الْخَامِسَةَ .. انْفَسَحْنَ وَلَا يَحْرُمْنَ مُؤَبَّدًا. أَوْ مُرَتَّبًا .. لَمْ يَحْرُمْنَ، وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الأُولَى وَالثَالِثَةُ، وَتَنْفَسِخُ اَلثَانِيَةٌ بِإُرْضَاعِ الثَالِثَةِ، وَفِي قَوْلٍ: لَا يَنْفَسِخُ، وَيَجْزِي القَوْلَانِ فِيمَنْ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ أَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةُ مُرَتَّبًا: أَيَنْفَسِحَانِ أَمِ الثَانِيَةُ؟
ــ
وعليه المسمى للكبيرة ونصف المسمى لكل صغيرة، وعلى الكبيرة الغرم.
قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن اللبن له ولا كانت الكبيرة مدخولا بها.
قال: (فإن أرضعتهن معا بإيجارهن الخامسة .. انفسخن)، لصيرورتهن أخوات ولاجتماعهن مع الأم في النكاح، وكذلك الحكم لو وضعت ثدييها في في اثنتين وأوجرت الثالثة من لبنها المحلوب.
قال: (ولا يحرمن مؤبدا)؛ لأنهن بنات امرأة لم يدخل بها، فله أن يجدد نكاح واحدة منهن، ولا يجمع بين ثنتين منهن.
قال: (أو مرتبا .. لم يحرمن) بل إذا أرضعت واحدة ثم ثانية ثم ثالثة .. انفسخت الأولى باجتماعها مع أمها، وأما الثانية .. فلا ينفسخ بمجرد إرضاعها؛ لأنها لم تجتمع مع أم ولا أخت.
قال: (وينفسخ نكاح الأولى)؛ لاجتماع الأم والبنت في النكاح (والثالثة)؛ لأنها صارت أختا للثانية التي هي في نكاحه.
وقال: (وتنفسخ الثانية بإرضاع الثالثة)؛ لأنهما صارتا أختين معا، فأشبه ما إذا أرضعتهما معا، وهذا هو التقديم، وصححه الجمهور، فهي مما يفتى فيها بالقديم.
قال: (وفي قول: لا ينفسخ) بل يختص الانفساخ بالثالثة؛ لأن الجمع تم بإرضاعها فاختص الفساد بها كما لو نكح أختا على أخت، وهذا هو الجديد، ورجحه الشيخ أبو حامد.
قال: (ويجري القولان فيمن تحته صغيرتان أرضعتهما أجنبية مرتبًا: أين فسخان أم الثانية؟) فإذا أرضعت الثانية .. انفسخت، وفي الأولى حينئذ القولان، ولا خلاف أن المرضعة حرمت على التأييد، لأنها صارت من أمهات زوجاته.
فَصْلُ:
قَالَ: هِنْدُ بِنْتِي أَوْ أُخْتِي بِرَضَاعٍ، أَوْ قَالَتْ: هُوَ أَخِي .. حَرُمَ تَنَاكُحُهُمَا.
وَلَوْ قَالَ زَوْجَانِ: بَيْنَنًا رَضَاعُ مُحَرَّمُ .. فُرَّقَ بَيْنَهُمَا
ــ
واحترز بقوله: (مرتبا) عما إذا أرضعتهما معا .. فإنه ينفسخ نكاحهما قولا واحدا؛ لصيرورتهما أختين معا.
تتمة:
بقي من أقسام المسألة حالتان:
الأولى: أن ترضع ثنتين معا ثم الثالثة .. فيفسخ نكاح الأوليين دون الثالثة؛ لوقوع رضاعها بعد اندفاع أمها وأختها.
الثانية: أن ترضع واحدة أولا ثم ثنتين
…
فيفسخ نكاح الأربع، أما الأولى والكبيرة .. فلاجتماع الأم والبنت، وأما الأخيرتان .. فلأنهما صارتا أختين.
قال: (فصل:
قال: هند بنتي أو أختي برضاع، أو قالت: هو أخي .. حرم تناكحهما)؛ لأنه إقرار منهما أو من أحدهما على نفسه، ليس فيه ضرر على غيره فيؤاخذ بموجبه، وهذا بشرط الإمكان، فلو قال: فلانة ابنتي وهي أكبر سنا منه
…
لغا.
وعن أبي حنيفة: أن الحرمة تثبت بذلك.
وإنما لم يذكر المصنف هذا الشرط هنا؛ لأنه قدمه في (باب الإقرار).
ثم إذا صح الإقرار فرجعا أو رجع المقر منهما أو كذب نفسه .. لم يقبل رجوعه، ولم يصح النكاح.
وقال أبو حنيفة: يقبل ويجوز النكاح.
ولفظ (هند) يصرف ولا يصرف، إن شئت جمعته جمع التكسير فقلت: هنود، وإن شئت جمعته جمع السلامة فقلت (هندات).
قال: (ولو قال زوجان: بيننا رضاع محرم .. فرق بينهما)؛ مؤاخذة لهما
وَسَقَطَ الْمُسَمَّى وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ إِنْ وَطِئَ. وإَنِ ادَّعَى رَضَاعَا فَأَنْكَرَتِ .. انْفَسَخَ، وَلَهَا الْمُسَمَّى إِنْ وَطِئَ، وَإِلَاّ
…
فَنِصْفَهُ. وإِنِ ادَّعَتْهُ فَأَنْكَرَ .. صُدَّقَ بِيَمِينِهِ إِنْ زُوَّجَتْ بِرِضَاهَا، وإِلَاّ .. فالأصح: تصديقها
ــ
بإقرارهما (وسقط المسمى ووجب مهر مثل إن وطئ) فإن لم يطأ .. فلا يجب شيئ، فلو قال: بيني وبينها رضاع واقتصر عليه .. ووقف التحريم على بيان العدد، ولو قال: هي أختي من الرضاع، فإن كان فقيها موافقًا .. لم يحتج إلى ذكر العدد، وإلا فوجهان.
قال: (وإن ادعى رضاعا فأنكرت .. انفسخ)؛ عملا بقوله.
قال: (ولها المسمى إن وطئ، وإلا .. فنصفه)؛ ترجيحا لجانبه إذ الفرقة جاءت منه.
قال: (وإن ادعته فأنكر .. صدق بيمينه إن زوجت برضاها)؛ لتضمن رضاها الإقرار بحلها له.
وصورة مسألة الكتاب: أنها أذنت لوليها في رجل بعينه فزوجها منه برضاها، فلو أذنت في النكاح مطلقا واكتفينا به- وهو الأصح- ثم ادعت المحرمية .. فكالتي زوجت بغير رضاها.
قال: (وإلا) أي: وإن لم تزوج برضاها) .. فالأصح: تصديقها)؛ لأن ما تدعيه محتمل، ولم يسبق ما يناقضه، فأشبه ما إذا قالته ابتداء فإنه يمنع تزويجها منه.
والثاني: المنع استدامة للنكاح الجاري على الصحة ظاهرًا، وحسمًا للباب، وهذه المسألة في (الشرحين) و (الروضة) هنا، وفي آخر (النكاح) بلا تصحيح.
كل هذا إذا لم تمكنه، فإن مكنته
…
فكتزويجها برضاها، ودعواها المحرمية بالصاهرة كقولها: كنت زوجة أبيه أو إبنه، أو وطئني أحدهما بشبهة كدعوى الرضاع.
وَلَهَا مَهْرُ مِثْلٍ إِنْ وَطِئَ، وَإِلَاّ .. فَلَا شَيْءَ. وَيُحَلَّفُ مُنْكِرُ رَضَاعٍ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ، وَمُدَّعِيهِ عَلَى بَتَّ. وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَبِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ
ــ
قال: (ولها مهر مثل إن وطئ) المراد: أنه ليس لها طلب المسمى؛ لاعترافها بفساد النكاح.
قال: (وإلا .. فلا شيء) هو كلام صحيح، لكنه ليس في (الشرحين) ولا في (الروضة).
قال: (ويحلف منكر رضاع على نفي علمه) لأنه ينفي فعل غيره.
قال: (ومدعيه على بت)؛ لأنه يثبته، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة.
هذا في اليمين الأصلية، فلو نكلت عن اليمين وردت على الزوج أو عكسه .. فاليمين المردودة على البت؛ لأنها مثبتة، وقال القفال: على نفي العلم؛ لكونها موافقة ليمين الابتداء.
قال: (ويثبت) أي: الرضاع (بشهادة رجلين) كسائر الحقوق، لكن لو شهدا ثم قالا: تعمدنا النظر إلى الثدي لا لتحمل الشهادة .. قال الرافعي: لم تقبل شهادتهما لأنهما فاسقان، واعترضه المصنف بأن مجرد النظر صغيرة لا ترد بها الشهادة من غير إصرار، ورده في (المهمات) بأنه ولو أصر عليها لا ترد بها الشهادة أيضا؛ إذ لابد من أنواع من الصغائر كما سيأتي في (الشهادات).
قال: (أو رجل وامرأتين، وبأربع نسوة)؛ لأنه مما يطلع عليه النساء غالبا فأشبه الولادة.
وقال أبو حنيفة: لا يثبت الرضاع بالنسوة المتمحضات.
وعند مالك: لا يحتاج إلى أربع نسوة، بل يكتفي باثنتين.
وقبل أحمد شهادة المرضعة وحدها، وهذا الحكم قرره المصنف في (كتاب الشهادات).
قال القفال: هذا إذا تنازعنا في الشرب من الثدي، فإن تنازعنا فيه من ظرف .. لم تقبل النساء المتمحضات.
وَالإِقْرَارُ بِهِ شَرْطُهُ رَجُلَانِ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ اٌلمُرْضِعَةِ إِنْ لَمْ تَطْلُبْ أُجْرَةٌ، وَلَا ذَكَرَتْ فِعْلَهَا، وَكَذَا إِنْ ذَكَرَتْهُ فَقَالَتْ: أَرْضَعْتُهُ فِي اٌلأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي بَيْنَهُمِا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ، بَلْ يَجِبُ ذِكْرُ وَقْتٍ وَعَدَدٍ، وَوٌصٌولِ اٌللَّبَنِ جَوْفَهُ،
ــ
نعم؛ يقبلن في آن الذي في الظروف لبن فلانة.
قال: (والإقرار به شرطه رجلان)؛ لأنه مما يطلع عليه الرجال غالبا، بخلاف نفس الرضاع.
قال: (وتقبل شهادة المرضعة إن لم تطلب أجرة)؛ إذا لا تهمة في ذلك، وقيل: تقبل في ثبوت الحرمة دون الأجرة، والمراد: قبول شهادتها مع غيرها لا وحدها؛ فإنها غير مقبولة.
قال: (ولا ذكرت فعلها) وإنما شهدت برضاع محرم، ولا نظر إلى ما يتعلق به من ثبوت محرمية وجواز خلوة ومسافرة.
قال: (وكذا إن ذكرته فقالت: أرضعته في الأصح) عبارة (المحرر) و (الروضة): أرضعتهما، وهى أحسن؛ لأنها لا تجر لها نفها ولا تدفع عنها ضررا، بخلاف الولادة؛ فإنها تثبت النفقة والإرث وغيرها.
والثاني: لا تقبل كما إذا شهد الحاكم على فعل نفسه بعد العزل، والقسام على القسمة، فلو نسبت الفعل إلى الصبي فقالت: أشهد أنه ارتضع مني .. قبلت قطعا.
قال: (والأصح: أنه لا يكفى بينهما رضاع محرم، بل يجب ذكر وقت وعدد)؛ لاختلاف المذاهب في ذلك، وهذا هو المنصوص.
والثاني: تكفى الشهادة المطلقة.
قال الرافعي: ويحسن أن يقال: إن كان المُطْلق فقيها موثوقا بمعرفته .. قبل منه الإطلاق، وإلا .. فلا، كالإخبار عن نجاسة الماء وغيره.
قال: (ووصول اللبن جوفه) أي: في كل رضعه، كما يشترط ذكر الإيلاج في شهادة الزنا.
وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِمُشَاهَدَةِ حَلَبِ وَإِيجَارٍ وَاٌزْدِرَادِ، أَوْ قَرَائِنَ كاَلْتِقَامِ ثَدْيٍ وَمَصِّهِ وَحَرَكَةِ حَلْقِهِ بِتَجَرُّ وَاٌزْدِرَادِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهَا لَبُونٌ
ــ
والثاني: لا؛ لأنه لا يشاهد.
قال: (ويعرف ذلك) أي: وصول اللبن (بمشاهدة حلب) وهو بفتح اللام كما ضبطه المنصف بخطه، وهو اللبن الحلوب.
قال: (وإيجار وازداد، أو قرائن كالتقام ثدي ومصه وحركة حلقه بتجرع وازدراد)؛ لأن مشاهدة القرائن قد تفيد اليقين أو تغلب الظن القوي، وذلك يجوز الإقدام على الشهادة.
قال: (بعد علمه أنها لبون) أي: ذات لبن، والمراد: أن يعلم أن يعلم فى ثديها حالة الإرضاع أو قبيلة لبنا، وإلا .. فقد يعلم أنها لبون ولا يكون في ثديها حينئذ لبن بأن حلبته أو أرضعته غيره، فلو شاهد التقام الثدي والامتصاص وهيئة الازدراد ولم يعلم أنها ذات لبن .. فقيل: له الشهادة بظاهر الحال، والأصح: المنع كما أفهمه تقييد المصنف.
تتمة:
إذا شهدت امرأة واحدة أو امرأتان بالرضاع .. لا يفرق بينهما، ولكن يستحب للرجل أن يطلقها؛ حتى تحل لغيره من الأزواج، ويكره له المقام معها؛ لما روى البخاري [2659] وأبو داوود [3598] والترمذي [1151] والنسائي [6\ 109] عن عقبة بن الحارث- ولا يحفظ له سواء-: أنه تزوج أم يحي بنت أبي إهاب واسمها غنية- قاله الدارقطني في (المؤتلف والمختلف) -:فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، قال: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرض عنى، قال: فتنحيت فذكرت ذلك له فقال: (كيف وقد زمن أن قد أرضعتكما) فنهاه عنها فطلقها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خاتمة
يستجب أن تعطى المرضعة شيئا عند الفصال، والأولى عند أوانه، فإن كانت مملوكة استحب أن تعتق؛ لما روى أبو داوود {2057} والترمذي {1153} والنسائي {6\ 108} عن حجاج بي حجا الأسلمي عن أبيه قال: يا رسول الله؛ ما يذهي عني مذمة الرضاع؟ قال: (عبد أو أمة) وإنما خص الرقبة بالمجازاة لأن إرضاعها كان سببا لحياته، ولأنها صارت أما له، ولن يجزي ولد يجزي ولد والده إلا بالإعتاق.
والمراد بمذمة الرضاع: الحق اللازم بسببه، فكأنه سال ما يسقط عنه حق المرضعة المؤكد عليه لها.
وروى البهقي [10\ 177] عن ابن عباس: أنه سئل عن امرأة شهدت أنها أرضعت امرأة وزوجها فقال: (تستحلف عند المقام، فإن كانت كاذبة .. لم يحل عليها الحول حتى يبيض ثدياها، فاستحلفت فابيض ثدياها قبل الحول) وبهذا الحديث والأثر قال أحمد رحمه الله.
كتاب النفقات