المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الديات فِي قَتْلِ الْحُرِّ المُسْلِمِ مِئَةُ بَعِيرٍ ــ كتاب الديات لما انتهى الكلام - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٨

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كتاب الديات فِي قَتْلِ الْحُرِّ المُسْلِمِ مِئَةُ بَعِيرٍ ــ كتاب الديات لما انتهى الكلام

‌كتاب الديات

فِي قَتْلِ الْحُرِّ المُسْلِمِ مِئَةُ بَعِيرٍ

ــ

كتاب الديات

لما انتهى الكلام في القصاص عقبة بالدية؛ لأنها بدل عنه على الصحيح، وجمعها باعتبار الأشخاص أو باعتبار النفس والأطراف، ومفردها: دية، وهي: المال الواجب بالجناية على الحر في نفس أو طرف.

وأصلها: ودية، مشتقة من الودي، وهو دفع الدية، كالعدة من الوعد، والزنة من الوزن، والشية من الوشي.

والإجماع منعقد على تعلق الدية بالقتل.

وقال تعالى: {ومن قتل مؤمنًا خطًا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} .

وروى النسائي [8/ 59] والحاكم [1/ 395] وابن حبان [6559] عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كتب لعمرو بم جزم كتابًا إلى أهل اليمن فيه ذك القرائض والديات)، وسيأتي في الباب مفرقًا.

قال: (في قتل الحر المسلم مئة بعير)؛ لأن الله تعالى أوجبها في الآية المذكورة مجملة، وبينها النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم بقوله:(في النفس مئة من الإبل).

وأول من سنها مئة: عبد المطلب، ويقال: أبو سيارة الذي أجاز الحاج أربعين سنة من الجاهلية من المزدلفة إلى مني.

ص: 455

مُثَلَّثَةٌ فِي الْعَمْدِ: ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً- أَيْ حَامِلًا-

ــ

ولا تختلف الدية بالفضائل والرذائل وإن اختلفت بالأديان والذكورة والأنوثة كما سيأتي، بخلاف الجناية على الرقيق؛ فإن فيها القيمة المختلفة بالفضائل والرذائل وغير ذلك.

ثم قد يعرض ما تغلظ به الدية وما تنقص به.

أما المغلظات .. فأربعة أسباب: كون القتل في الحرم، أو الأشهر الحرم، أو لذي رحم محرم، أو عمدًا، أو شبه عمد.

والمنقصات: الأنوثة والرق والاجتنان والكفر.

فالأنوثة ترد إلى الشطر، والرق إلى القيمة، والاجتنان إلى الغرة، والكفر إلى الثلث أو أقل.

قال: (مثلثة في العمد) وإن لم نوجب القصاص لمانع من الموانع، كقتل الوالد الولد.

قال: (ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، أي حاملًا)؛ لما روى الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل متعمدا .. دفع لولي المقتول، فإن شاؤوا .. قتلوا، وإن شاؤوا ..

ص: 456

وَمُخَمَّسَةُ فِي الْخَطأ: عِشْرُونَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَكَذَا بَنَاتُ لَبُونٍ وَبَنُو لَبُونٍ وَحِقَاقُ وَجِذَاعُ،

ــ

أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة) فهي مغلظة من ثلاثة أوجه:

كونها على الجاني، وحالة، ومن جهة السن.

و (الخَلِفة) بفتح الخاء وكسر اللام، ليس لها جمع من لفظها عند الجمهور، بل جمعها: مخاض، كما يقال: امرأة ونساء.

وقال الجوهري: جمعها: خلف، وقال ابن سيده: خلفات، وهو القياس.

قال: (ومخمسة في الخطأ: عشرون بنت مخاض، وكذا بنات لبون وبنو لبون، وحقاق، وجذاع)؛ لما روى أحمد [1/ 384] والأربعة عن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دية الخطأ أخماس).

قال ابن مسعود: (عشرون جذعة، وعشرون حقة، وعشرون بنات لبون، وعشرون بنو لبون، وعشرون بنات مخاض).

ورفع بعضهم هذا التفسير إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمعت الصحابة عليه وإن كان موقوفا؛ لأنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي، وإنما أخذ الشافعي به؛ لأنه أقل ما قيل.

وهذه مخففة من ثلاثة أوجه: كونها على العاقلة، ومؤجلة، ومن جهة السن.

ص: 457

فَإِنْ قَتَلَ خَطَأ فِي حَرَمِ مَكَّةَ أَوْ الأَشْهُرِ الْحُرُمِ: ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَمُحَرَّمٍ وَرَجَبٍ، أَوْ مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ .. فَمُثَلَّثَةُ

ــ

قال: (فإن قتل خطأ في حرم مكة أو الأشهر الحرم: ذي القعدة وذي الحجة ومحرم ورجب، أو محرمًا ذا رحم .. فمثلثة) عمدًا كان أو خطأ، فالخطأ هنا ملحق بالعمد في التثليث؛ لأن الصحابة غلظوا في هذه الأحوال وان اختلفوا في كيفية التغليظ:

فقال عمر: (من قتل في الحرم أو ذا رحم أو في شهر حرام .. فعليه دية وثلث).

وقضى عثمان في امرأة وطئت في الطواف بديتها: ستة آلاف درهم وألفين؛ تغليظا للحرم.

وعن ابن عباس: أن رجلًا قتل رجلًا في الشهر الحرام وفي البلد الحرام فقال:

ديته اثنا عشر ألفا وللشهر الحرام أربعة آلاف وللبلد الحرام أربعة آلاف) رواها البيهقي [8/ 71]، وأجمعت الصحابة على ذلك، وهذا لا يدرك بالاجتهاد بل بالتوقيف من الني صلى الله عليه وسلم.

فالأول من أسباب التغليظ: أن يقع القتل في حرم مكة فتغلظ به دية الخطأ، سواء كان القاتل والمقتول في الحرم أم كان فيه أحدهما كجزاء الصيد.

{وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} .

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أعتي الناس على الله رجل قتل في الحرم، ورجل قتل غير قاتله، ورجل قتل بدخل في الجاهلية) رواه أحمد [2/ 187] والحاكم [2/ 349]

وقال: صحيح الإسناد. و (العتو): التجبر. وقوله: (غير قاتلة) مجاز؛ جعل قاتل مورثه قاتلا له.

ص: 458

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنه حديث خيبر: (تحلفون وتستحقون دم قاتلكم)(الدخل) بالدال المهملة: الحقد والعداوة، والجمع: دخول.

ويلتحق بالقتل في الحرم: ما لو جرحه فيه فخرج ومات في غيره، بخلاف عكسه. ولا تغلظ بحرم المدينة ولا بالقتل في الإحرام على الأصح فيهما.

والثاني: أن يقتل في الأشهر الحرم؛ لعظم حرمتها.

ولا يلتحق بها شهر رمضان وإن كان سيد الشهور؛ لأن المتبع فيه التوقيف، قال تعالى:{فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} ، والظلم في غيرهن محرم أيضا، وقال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} .

والصحيح في كيفية عدها: ما قاله المصنف.

وعن الكوفيين أن يقال: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة.

قال ابن دحيه: وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا نذر صيامها، فعلى الأول: يبتدئ بالقعدة، وعلى الثاني: بالمحرم.

وأدخلت (الألف) و (اللام) على المحرم دون غيره من الشهور؛ لأنه أولها فعرفوه بذلك، كأنهم قالوا: هذا الذي يكون أبدًا أول السنة.

وسمى المحرم؛ لتحريم القتال فيه، وقيل: لتحريم الجنة فيه على إبليس، حكاه صاحب (المستعذب).

ورجب جمعه: رجبات وأرجاب ورجاب ورجوب، وفي اشتقاقه أقوال مشهورة، ويقال له: الأصم والأصب ومنصل الأسنة.

ص: 459

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفي (روضة الفقهاء) لم يعذب الله أمة في شهر رجب، وفيه نظر؛ لأن قوم نوح أغرقهم الله فيه كما قاله الثعلبي وغيره.

وذو القعدة وذو الحجة تقدم ضبطهما في (باب المواقيت).

والثالث: قتل ذي رحم محرم؛ لما فيه من قطيعة الرحم وتأكد الحرمة.

وكونه ذا محرم لابد منه، وهو من زوائده على (المحرر) كما نبه عليه في (الدقائق).

و (المَحْرَم): الذي يحرم نكاحه لو كان أحدهما أنثى والآخر ذكرًا.

ولا تتغلظ بقتل القريب غير المحرم على الصحيح.

وعن القفال-واختاره الشيخ أبو محمد والقاضي الروياني- أنها تغلظ: لما فيه من قطيعة الرحم وتأكد الحرمة.

ولا تلحق حرمة الرضاع والمصاهرة بحرمة النسب في هذا الباب.

وعند أبي حنيفة ومالك: هذه الأسباب الثلاثة لا تقتضي التغليظ.

السبب الرابع: أن يكون القتل عمدا أو شبه عمد، وقد قدمه المصنف في أول الباب.

وكذلك قيد ههنا القتل بالخطأ؛ إشارة إلى أن التغليظ إنما يظهر فيه، لأن الشيء إذا انتهى نهايته لا يقبل التغليظ، كالأيمان في القسامة.

ونظيره قولهم: المكبر لا يكبر؛ لعدم التثليث في غسلات الكلب.

فرع:

الصبي والمجنون إذا كان مميزين وقتلا في الأشهر الحرم أو ذا رحم .. قال ابن الرفعة: لم أر في التغليظ عليهما بالتثليث نقلا، فيحتمل أن يقال به، ويحتمل ألا

ص: 460

وَالْخَطَأُ وَإِنْ تَثَلَّثَ .. فَعَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةُ، وَالْعَمْدُ عَلَى الْجَانِي مُعَجَّلَةُ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ مُثَلَّثَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةُ

ــ

تغلظ، لأن التغليظ يلحق الخطأ بشبه العمد، وليس لهما شبه عمد، فالملحق به أولي بالعدم.

قال: (والخطأ وإن تثلث .. فعلى العاقلة مؤجلة) أي: في ثلاث سنين، فتغليظها من وجه واحد وتخفيفها من وجهين كشبه العمد.

قال: (والعمد على الجاني معجلة)؛ لأنها قياس بدل المتلفات.

قال: (وشبه العمد مثلثة على العاقلة مؤجلة)، فهي مخففة من وجهين مغلظة من وجه واحد وهو التثليث؛ لما روى أبو داوود [4554] عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه) ورجاله ثقات.

ولأن شبه العمد متردد بين الخطأ والعمد، فأعطى حكم هذا من وجه وهذا من وجه.

وفي وجه: أنها لا تجب على العاقلة.

ويجوز في قوله: (معجلة ومؤجلة) الرفع والنصب.

ص: 461

وَلَا يُقْبَلُ مَعِيبُ وَمَرِيضُ إِلَاّ بِرِضَاهُ. وَيَثْبُتُ حُمْلُ الْخَلِفَةِ بِأَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَالأَصَحُ: إِجْزَاؤُهَا قَبْلَ خَمسِ سِنِينَ،

ــ

قال: (ولا يقبل معيب ومريض)؛ لأن الشرع أطلقها فاقتضت السلامة، ولو كانت إبله كذلك قياسا على سائر أبدال المتلفات، بخلاف الزكاة، حيث يؤخذ فيها المريض والمعيب من مثلهما؛ لأنهما استحقاق جزء من نفس المال، والدية تجب في الذمة، فاشترط فيها الصحة والسلامة.

فعلى هذا: تجب على العاقل والقاتل من جنس إبلهم سليما.

والعيب هنا ما أثر في المالية وأثبت الرد في البيع، بخلاف عيب الكفارة والأضحية كما تقدم.

وعطف المصنف المريض على المعيب من عطف الخاص على العام، أو لنفي توهم أخذه كما في زكاة المال؛ فإنه قال هناك:(ولا تؤخذ مريضة ولا معيبة إلا من مثلها).

قال: (إلا برضاه) أي: برضا المستحق؛ لأن الحق له فله إسقاطه.

قال: (ويثبت حمل الخلفة بأهل الخبرة) المراد: بقول عدلين منهم.

فإذا أخذت بقولهما أو بتصديق المستحق فماتت عند المستحق وتنازعا في الحمل .. شق جوفها ليعرف، فإن بان أنها لم تكن حاملا .. غرمها المستحق وأخذ بدلها خلفة.

وفي وجه: يأخذ أرش النقص فقط، والصحيح: الأول.

قال: (والأصح: إجزاؤها قبل خمس سنين)؛ لصدق الاسم عليها.

والثاني: لا؛ لأن الحمل قبل خمس سنين مما يندر ولا يوثق به.

ص: 462

وَمَنْ لَزِمَتْهُ وَلَهُ إِبلُ .. فَمِنْهَا، وَقِيلَ: مِن غَالِبِ إِبِل بَلَدِهِ، وَإِلَاّ .. فَغَالِبِ بَلَدِهِ، أَوْ قَبِيلَةِ بَدَوِيَّ.

ــ

والمصنف تبع (المحرر) في التعبير بـ (الأصح)، والصواب: الأظهر؛ فإنهما قولان.

قال: (ومن لزمته وله إبل .. فمنها)؛ لأنها تؤخذ على سبيل المواساة فكانت مما عندهم، كما تجب الزكاة في نوع النصاب سواء كانت من نوع إبل البلد أو فوقها أو دونها.

قال: (وقيل: من غالب إبل بلده)؛ لأنها عوض متلف، فلا يعتبر فيها ملك المتلف.

قال: (وإلا .. فغالب بلده)، فإن لم تكن .. فمن غالب إبل أقرب البلاد إليهم كزكاة الفطر، لكن يستثنى: ما إذا كان الأقرب عظيم المشقة والمؤنة؛ فلا يلزم إحضاره وتسقط المطالبة بالإبل.

وضبط القاضي البعيد: بمسافة القصر فما فوقها، والقريب: بما دونها، وضبطه المتولي: بالحد المعتبر في السلم.

قال الإمام: ولو زادت مؤنة إحضارها على قيمتها في موضع العزة .. لم يلزم تحصيلها.

قال: (أو قبيلة بدوي) طلبا للرفق ورعاية الأغلب.

فإن تفرقت العاقلة في البلدان أو القبائل .. أخذت حصة كل واحد باعتباره، ومتى تعين نوع .. فلا عدول إلى ما فوقه أو دونه إلا بالتراضي.

ص: 463

وَلَا يَعْدِلُ إِلَى نَوْعٍ وَقِيمَةٍ إَلَاّ بِتَرَاضٍ،

ــ

وإذا كان الاعتبار بإبل البلد أو القبيلة فكانت نوعين أو أكثر ولا غالب فيها فالخيرة .. إلى الدافع.

وإذا اعتبرنا إبل من عليه فتنوعت كالبَخاتي والعراب والمهرية والحجازية .. فوجهان:

أحدهما: تؤخذ من الأكثر، فإن استويا .. دفع ما شاء.

والثاني: تؤخذ من كل نوع بقسطه إلا أن يتبرع فيعطي الجميع من الأشرف.

وبالأول جزم الغزالي، ونسب الإمام الثاني إلى العراقيين، ولم يصحح في (الروضة) منهما شيئا.

قال: (ولا يعدل إلى نوع وقيمة إلا بتراض)، كما لو أتلف مثليا وتراضيا على قيمته مع وجود المثل.

قال صاحب (البيان) هكذا أطلقوه، وليكن ذلك مبنيا على جواز الصلح عن إبل الدية.

والصحيح في (الروضة) في (كتاب الصلح): أنه لا يجوز التراضي على أخذ العوض عن الإبل على الأصح عند الجمهور إذا لم توجب الجناية قصاصا.

وحمل ابن الرفعة الكلام في الصلح على ما إذا كانت مجهولة الصفة، والكلام هنا على ما إذا تعينت، قال: ومثل ذلك لا يمنع الاعتياض.

ص: 464

وَلَوْ عُدِمَتْ .. فَالقَدِيمُ: أَلْفُ دِينَارٍ أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ،

ــ

وفي وجه: أن الجاني مخير بين الإبل والدراهم المقدرة على القديم.

وعبارة المصنف صريحة في أنه لا يعدل إلى نوع فوق الواجب، وبذلك صرح الرافعي؛ إذ قال- وتبعه في (الروضة) - ومهما تعين نوع .. فلا يعدل إلى ما دونه أو فوقه إلا بالتراضي.

والذي نص عليه الشافعي وعليه جرى القاضي حسين وسليم والبندنيجى: جواز العدول إلى الأعلى.

وقال الماوردي: يجوز للقاتل العدول إلى الأعلى دون الأسفل، وللعاقلة إخراج الأدنى؛ لأنهم تؤخذ منهم مواساة، ومن الجاني استحقاقًا.

قال: (ولو عدمت .. فالقديم: ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم)؛ لما صح عمرو بن حزم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن: أن على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم).

وروى الشافعي [1/ 347] والبيهقي [8/ 76] عن مكحول وعطاء أنهما قالا: أدركنا الناس على أن دية المسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة من الإبل فقومها عمر رضي الله عنه بألف دينار أو اثني عشر ألف درهم.

وروى ابن حبان: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الدية بألف مثقال).

وفي (البيهقي)[8/ 79 بنحوء] عن أبي هريرة أنه قال (إني لأستغفر الله في كل يوم قدر ديني اثني عشر ألفا).

والمراد بـ (عدمها): ألا توجد أو توجد بأكثر من ثمن المثل.

ص: 465

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعند أبي حنيفة: الدراهم مقدرة بعشرة آلاف، وحكاه ابن كج وجهًا لبعض الأصحاب.

والاعتبار بالدراهم والدنانير المضروبة الخالصة.

وذكر الإمام: أن الدافع يتخير بين الدراهم والدنانير.

وقال الجمهور: على أهل الذهب ذهب، وعلى أهل الورق ورق، فـ (أو) في عبارة المصنف على هذا للتنويع.

وإذا كان الواجب دية مغلظة؛ بأن قتل في الحرم أو قتل عمدًا أو شبه عمد .. فهل يزاد للتغليظ شيء؟ فيه وجهان.

أصحهما: لا؛ لأن التغليظ في الإبل إنما ورد بالسن والصفة لا بزيادة العدد وذلك لا يوجد في الدراهم والدنانير، وهذا أحد ما احتج به على فساد القول القديم.

والثاني: أنه يزاد ثلث المقدر تغليظا فتجب ستة عشر ألف درهم أو ألف دينار وثلاث مئة وثلاثة وثلاثون دينارًا وثلث دينار، وبه قال أحمد، فلو تعدد سبب التغليظ؛ بأن قتل محرما في الحرم .. فوجهان:

أصحهما: أنهما لا يزاد على الثلث شيء ولا يتكرر التغليظ، كما لو قتل المحرم صيدا لا يلزمه إلا جزاء واحد.

والثاني: أنه يزاد لكل سبب ثلث الدية؛ لما سبق من قضاء الصحابة بذلك، فيجب في قتل المحرم في الحرم عشرون ألفا.

فإن انضم إليه الوقوع في الأشهر الحرم .. وجب أربعة وعشرون ألفا.

فإن كان القتل شبه عمد .. وجبت ثمانية وعشرون ألفا.

ص: 466

وَالجَدِيدُ: قِمَتُهَا بِنَقدِ بَلَدِهِ،

ــ

قال: (والجديد: قيمتها)؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الإبل على أهل القرى، فإذا غلت .... رفع في قيمتها، وإذا هانت .... نقص من قيمتها) رواه الشافعي [1/ 348] وأبو داوود [4553] وابن ماجه [2630] والنسائي [8/ 42] والبيهقي [8/ 76].

ولأنها بدل متلف فيرجع إلى قيمتها عند إعواز أصله.

قال: (بنقد بلده)؛ لأنه أقرب من غيره وأضبط.

والضمير في قوله: (بلده) يرجع إلى البلد الذي يجب التحصيل منه، لا إلى بلد القتيل، ولا للولي القابض.

وتراعى صفتها في التغليظ إن كانت مغلظة، فإن غلب نقدان ..... قوم بما شاءه الجاني.

فلو وجبت في بلد وهي موجودة في بلد يجب النقل من مثلها .... فالاعتبار في بلد الإعواز على الأصح، وهل تعتبر قيمة موضع الوجود أو موضع الإعواز لو كانت فيه إبل وجهان: أصحهما: الثاني، وتعتبر قيمتها يوم وجوب التسليم.

فرع:

قال الإمام: لو قال المستحق عند إعواز الإبل: لا أطالب الآن بشئ وأصبر إلى أن توجد .... الظاهر: أن الأمر إليه؛ لأنه الأصل هو الإبل، ويحتمل أن يقال: لمن عليه أن يكلفه قبض ما عليه؛ لتبرأ ذمته.

قال: ولم يصر أحد من الأصحاب إلى أنه إذا أخذ الدراهم ثم وجدت الإبل ..... أنه

ص: 467

فَإِنْ وُجِدَ بَعْضٌ .... أُخِذَ وَقِيِمَةَ البَاقِي. وَاَلْمَرأَةُ وَاَلخُنَثَي كَنِصْفِ رَجُلِ نَفُسًا وَجُرْحًا،

ــ

يرد الدراهم ويرجع إلى الإبل، بخلاف ما إذا غرم قيمة المثلي لإعواز المثل ثم وجده؛ ففي الرجوع إلى المثل خلاف.

قال: فإن وُجد بعضٌ

أضخذ وقيمةَ الباقي)، هذا تفريغ على الجديد، لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.

أما على القديم .... فيأخذ الموجود وقس

الباقي من النقد.

وقال المتولي: لا يجبر على قبول الموجود؛ حتى لا يختلف عليه حقه.

هذا بالنسبة إلى الجواز، أما الوجوب

فأظهر احتمالي الإمام: أنه لا يجبر على القبول وله أن يؤخر إلى أن يجد الإبل، ويحتمل الوجوب؛ لتبرأ ذمته.

قال: (والمراة والخنثي كنصف رجل نفسًا وجرحًا)، شرع يتكلم في الأربعة المنقصات، فذكر منها: الأنوثة والكفر، ولم يذكر الرق والاجتنان؛ لأنه أفردهما بفصلين.

فدية المرأة على النصف من دية الرجل، سواء قتلها رجل أو أمرأة، فيجب في الحرة المسلمة في القتل العمد وشبهه خمسون من الإبل: خمس عشرة حقة، وخمس عشرة جذهة، وعشرون خَلفِة.

وفي الخطأ: عشر مخاض، وعشر بنات لبون، وعشر حقاق، وعشر جذاع؛ لما روى الشافعي والبيهقي عن عمر وعثمان وعلي والعبادلة: أنهم أفتنوا بذلك، ولم يخالفهم أحد.

ص: 468

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ووقع في (الرافعي) هنا: أن العبادلة: ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس وسبقه إلى ذلك الزمخشري في (الفصل).

والمشهور: أنهم أربعة آباؤهم صحابيون: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وابن عمرو بن العاصي.

قال المصنف: ووقع في (الصحاح) إبدال ابن العاصي بابن مسعود، وهو إنما عدهم ثلاثة وأخرج ابن الزبير منهم.

وقد نص أحمد على: أنهم أربعة وأن ابن مسعود ليس منهم.

ودية أطراف المرأة وجراحاتها على النصف أيضًا من أطراف الرجل وجراحاته على الجديد؛ فيجب في يديها في العمد خمس وعشرون من الإبل: عشر خلفات، وسبع حقاق ونصف، وسبع جذاع ونصف.

وفي مضحتها: بعيان ونصف خلفة، ونصف وربع حقه، ونصف وربع جذعة، وعلى هذا الحساب في جميع الأعضء والجراحات التي لها أرض مقدار.

وفي القديم قول: أنها تساوي الرجل إلى تمام ثلث الدية.

فإذا زاد الواجب على الثلث

صارت إلى النصف؛ ففي إصبع منها عشر من الإبل، وفي إصبعين عشرون، وفي ثلاث ثلاثون، وفي أربع عشرون.

وروى عن مالك وأحمد: والخنثى كالمرأة؛ لاحتمال الأنوثة.

واقتصر المصنف على النفس والجرح، وألحق بهما في (المحرر)(الأطراف)، وحذفه نصف ديتها، وفي حلمتيه أقل الأمرين من دية المرأة والحكومة.

ص: 469

وَيَهُوديٌ وَنَصْرَانِيٌ ثُلُثُ مسلِمِ، وَمَجُوسيِ ثُلًثاَ عُشْرِ مُسِلِمِ،

ــ

قال: (ويهودي ونصراني ثلث مسلم)، ذميًا كان أو مستأمنًا أو معاهدًا؛ فإن الشافعي رواه كذلك عن عمر بإسناد صحيح.

وروى عبادة بن الصامت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دية اليهودي والنصراني أربعة الآف درهم)، لكن رواه الشافعي [1/ 354] والبيهقي [8/ 100] من قول ابن المسيب.

وروى عبد الرازق [18474] عن ابن جريح عن عمرو بن شعيب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم قتل رجلًا من أهل الكتاب أربعة الآف درهم) فاعتبر الثلث في الدراهم، وقسنا عليه الإبل والذهب، لأن العلماء اختلفوا: فمنهم من أوجب جميع دية المسلم كأبي حنيفة، ومنهم من أوجب النصف كمالك وعمربن عبد العزيز.

وقال أحمد: في قتله عمدًا دية مسلم، وخطأ نصفها.

وأوجب جماعة الثلث، فكأنهم اتفقوا على أنه لا أقل منه، وانتفاء ما زاد معلوم ببراءة الذمة، والأطراف والجروح بالقياس على النفس.

والسامرة والصابئون إن ألحقوا بهم في الجزية والذبائح والمناكحة ..... فكذلك في الدية، وإلا

فديتهم - إن كان لهم أمان - دية المجوس.

قال: (ومجوسي ثلثا عشر) دية (مسلم)؛ لأن عمر رضي الله عنه جعلها ثماني.

ص: 470

وَ َكذاَ وَثَنٌي لَهُ أمَانٌ،

ــ

مئة درهم، رواه الشافعي [1/ 354] والبيهقي [8/ 101] بإسناد صحيح، وانتشر في الصحابة بلا نكير فكان إجماعا.

ولأن مثل هذه التقديرات لا تعقل إلا بتوقيف.

ولأن اليهود والنصارى كان لهم كتاب ودين حق بالإجماع، وتحل مناكحنهم وذبائحهم، ويقرن بالجزية، وليس للمجوس من هذه الخمسة إلا التقرير بالجزية، فكانت ديتهم خمسًا، وهي من الإبل ستة وثلثان، وفي التثليث: حقتان وجذعتان وخلفتان وثلثان، وفي التخميس: من كل سن واحدة وثلث.

وعند أبي حنيفة: ديته ودية الذمي كدية المسلم، ودية نساء الصنفين على النصف من دية رجالهم.

وفي وجه: أن دية المجوسية كدية الرجل مننهم.

قال: (وكذا وثني له أمان) لأنه كافر لا تحل مناكحته للمسلم، ومثله عابد الشمس والقمر.

وسكت الشيخان هنا عن المتولد بين مختلفي الدية كما لو كان أبويه كتابيًا والآخر مجوسياَ، وتعرضوا له بالنسبة إلى الغرة، وصححوا: أنه يعتبر بأكثرهما بدلًا؛ لأن شغل الذمة قد تحقق، وشككنا في براءتها بالأقل، وهو هنا كذلك.

وقد جزم به الرافعي في (باب الجزية)، وكذا الماوردي، ونقله عن نص

ص: 471

وَالمَذهبُ: أنَّ مَنْ لَم يبَلُغَهُ الإسلامُ إن تَمَسَّكَ بِدِيِنً لم يبدلَ .... فديةُ دِيِنِهِ،

ــ

و (الوثني): عابد الوثن، وهو الصنم.

فإن قيل: يشكل الأثمة الأربعة ما في (سنن أبي داوود)[2983] في كتاب قسم الفئ) عن مجاعة بن مرارة السدوسي وكان رئيسًا من رؤساء بني حنيفة: أنه أتي النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت جاعلًا لمشرك دية

جعلتها لأخيك، ولكن سأعطيك منه عقبي)؛ يعني: نصيبًا، فكتب له النبي صلى الله عليه وسلم بمئة من الإبل من أول خمس يخرج من مشركي بني ذهل .... فالجواب: أنه صلى الله عليه وسلم أعطاه ذلك تألفا له ولمن وراءه من قومه على الإسلام.

قال: (والمذهب: ئان من لم يبلغخ الإسلام إن تمسك بدين لم يبدل

فدية دينه)؛ لأنه ثبت له بذلك نوع عصمة، فألحق بالمستأمن من أهل دينه.

وفي وجه: بجب دية مسلم؛ لأنه ولد على الفطرة ولم يظهر منه عناد، والنسخ لا يثبت قبل بلوغ الخبر.

قال الشافعي: ولم يبق من لم تبلغه الدعوة، ولكن لو تصور .... لم يجز قتله قبل الإعلام والدعاء إلى الإسلام، ولو قتل .... لزمت الكفارة بقتله مطلقًا؛ لمكان العذر، بناء على أن العقل وحده لا تقوم به الحجة؛ لقوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} .

فمن لم تبلغه دعوة نبي أصلًا .... لا يجب القصاص بقتله على الصحيح؛ لعدم التكافؤ، وأوجبه القفال؛ لأنهم لم يوجد منهم عناد ولا إنكار.

ولو لم يعلم: هل بلغته دعوة أو لا؟ ففي ضمانه وجهان؛ بناء على الوجيهن في أن

ص: 472

وَإِلَاّ ..... فَكَمَجُوسِىِّ

ــ

أصل الناس على الإيمان حتى كفروا بتكذيب الرسل، أو على الكفر حتى آمنوا بهم.

فرع:

الزنديق إذا دخل إلينا بأمان .... هل يجب بقتله شيء؟ تردد فيه الجويني: ففي حال: ألحقه بالمرتد، وفي حال: ألحقه بالوثني، وصححه الرافعي والمصنف.

قال: (وإلا .... فكمجوسي) أي: إذا لم يتمسك بدين لم يبدل، بل بدين قد بدل

تجب فيه آخس الديات، وهي دية المجوسي.

وفي وجه ثان: تجب دية أهل دينه.

وفي ثالث: لا يجب شيء؛ لأنه ليس على دين حق ولا عهد له ولا ذمة.

وقوله: (فالمذهب) صوابه: الأصح.

أما قتل الجميع قبل الإعلام ..... فمحرم موجب للكفارة قطعًا ولا قصاص.

فرع:

من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر مع التمكن من الهجرة أو دونه إذا قتله مسلم

تعلق به القود والدية بشرطه؛ لأن العصمة بالإسلام ثبتت له بنص السنة الصحيحة.

وقال أبو حنيفة: لا يتعلق به ذلك، والعصمة بالدار ولم توجد.

تتمة:

يراعى في ديات الكفار التغليظ والتخفيف، فعند التغليظ يجب في قتل اليهودي:

ص: 473

فَصْلٌ:

فِي مُوضِحَةِ اَلَّرأسِ أَو اَلَوَجْهِ لِحُرَّ مُسْلِمِ خَمَسةُ أَبعِرة،

ــ

عشر حقاق، وعشر جذاع، وثلاث عشرة خلفة وثلث.

وقال المتولي: لا يجري التغليظ في حق الكفار بالحرم؛ لأنهم غير ممكنين من دخوله.

وعن الجويني وغيره: أن الواجب في دية المجوس الدراهم خاصة، ولا تغلظ بل التغليظ خاصة الإبل.

قال: (فصل) عقده للديات الواجبة فيما دون النفس، وهي ثلاثة أنواع:

شق، وقطع يبيين، وإزالة منفعة.

النوع الأول: الجراحات، وهى إما على الرأس أو على الوجه أو على سائر البدن.

قال: (في موضحة الرأس أو الوجه لحر مسلم خمسة أبعرة)؛ لما روى أبو داوود [4555] والنسائي [8/ 57] وابن حبان [6559] والحاكم [1/ 395] عن عمرو بن حزم: أبو بكر وعمر، وأقتي به زيد بن ثابت، ولا موضحة لهم.

ونقل ابن المنذر الإجماع في ذلك في موضحة الرأس.

وسواء في الوجه الجبينان والخدان وقصبة الأنف واللحيان، فكلها محل الإيضاح؛ لأن فقهاء المدينة جعلوا ذلك سواء.

ص: 474

وَهَاشِمَةِ مَعَ إِيضَاحِ عَشَرَةٌ،

ــ

واحترز بذكر: (الوجه والرأس) عن موضحة ما عداهما كالعضد والساق؛ فليس فيه إلا الحكومة كما سيأتي.

وأشار بقوله: (لحر مسلم) إلى أن ذلك في حق من تجب فيه الدية الكاملة، وهو الذكر الحر المسلم، وهذا القدر نصف عش ديته، فتراعي هذه النسبة في حق غيره من الأنوثة والكفر والرق.

فيجب في موضحة اليهودي نصف عشر ديته وهو بعير وثلثان، وفي المرأة بعيران ونصف.

فلو قال المصنف: في الموضحة نصف عشر دية صاحبها .... كان أشمل وأخصر.

فلو شمل الموضحة الجبهة والوجه

ففي الاتحاد وتردد للإمام: الأظهر: الاتحاد؛ تنزيلًا لأجزاء الوجه منزلة أجزاء الرأس.

فلو كانت التي في الرأس موضحة والتي في الوجه متلاحمة .... وجب خمس من الإبل وحكومة على المشهور.

وسميت موضحة؛ لأنها تبدي وضح العظم، أي: بياضه، وقد تقدم ما فيه.

و (الواضحة): الأسنان التي تبدو عند الضحك.

قال طرفة (من السريع):

كلُّ خليلِ كنتُ خاللتُهُ

لا تركَ الله لهُ واضحة

قال: (وهاشمة مع إيضاح عشرة)؛ لما روى البيهقي [8/ 82] عن زيد بن ثابت: أنه قدر فيها ذلك.

ص: 475

وَدُونَهُ خَمْسَةٌ - وَقِيلَ: حُكُومَةٌ - وَمُنَقٌلةِ خَمُسَةَ عَشَرَ،

ــ

والظاهر: أنه لا يقول ذلك إلا توفيقا، وإن لم يكن توفيقا

فهو قول صحابي لا مخالف له، فكان إجماعًا.

وقيل: إن زيدًا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وعن القديم: يجب فيها أرش موضحة وحكومة، وبه قال مالك.

فلو هشم هاشمتين عليهما موضحة واحدة أو أوضح موضحتين تحتهما هاشمة واحدة .... كان ذلك هاشمتين.

وفي الثانية وجه: أنها هاشمة واحدة، والقياس: أنها هاشمة وموضحة.

وفي (فروع ابن القطان): إذا جرحه في رأسه متة موضحة مع كل موضحة هشم

الصحيح: أن عليه في كل واحدة عشرًا عشرًا.

وغلظ بعض أصحابنا فقال: عليه في كل موضحة خمس من الإبل، ولا يجب في الهشم إلا أرش واحد.

قال: (ودونه خمسة؛ لأن ذلك هو القدر الزائد على الموضحة.

قال: (وقيل: حكومة)؛ لأنه كسر عظم بغير إيضاح، فأشبه كسر سائر العظام.

قال: (ومتقلة خمسة عشر) روى النسائي [8/ 57] ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وادعى الماوردي فيه الإجماع.

ص: 476

وَمَأمُوَمِة ثُلُثُ الَدٌيةِ،

ــ

وكان ينبغي للمصنف أن يقول: نصف العشر؛ فإن الخمسة عشر إنما تجب في النفس الكاملة، وفي المرأة نصفها، وفي الكتابي خمسة.

ثم إن ما أطلقه من هذا القدر في المنقلة محله: إذا نقل وأوضح كما صوره الرافعي، وصرح به المصنف في (فصل قصاص الطرف) حيث قال:(ولو أوضح ونقل .... أوضح وله عشرة أيعرة)، وعلى هذا: فهي مكروة في الكتاب.

أما إذا نقل من غير إيضاح .... فهل يجب عشر أو حكومة؟ وجهان حكاهما الرافعي.

ومقتضاه: أنه لا يجب فيها التكميل قطعًا، لكن جزم الماوردي بوجوب أرش المنقلة بكماله.

قال: بخلاف الهاشمة إذا لم يكن عليها إيضاح؛ لأن المنقلة لا بد من إيضاحها لنقل العظم الذي فيها، فلزم جميع ديتها، والهاشمة لا تفتقر غلى إيضاح، فلم يلزم إلا قدر ما جني فيها.

ويشهد له إطلاق الشافعي وجمهور الأصحاب: أن في المنقلة خمسة عشر، من غير تعرض لصفة إيضاح وغيره، وجرى عليه الرافعي في (المحرر) و (الشرح الصغير).

ويشهد له إطلاق الشافعي وجمهور الأصحاب: أن في المنقلة خمسة عشر، من غير تعرض لصفة إيضاح وغيره، وجرى عليه الرافعي في (المحرر) و (الشرح الصغير).

قال: (ومأمومة ثلث الدية)، كما في كتاب همرو بن حزم.

قال في (البحر): وهو إجماع، وقال ابن المنذر: لم يخالف فيه إلا مكحول، فأوجب ثلثيها إذا كان عمدا، ولأنها جراحة دخلت إلى الجوف فكان فيها الثلث كالجائفة.

وفي الدامغة ما في المأمومة علي الأصح المنصوص.

وقال الماوردي: الذي أراه تفضيلها بحكومة على المأمومة؛ لخرق غشاء الدماغ.

وقيل: يجب تمام الدية؛ لأنها تذفف، والأول يمنع ذلك.

ص: 477

وَلَوَ أَوْضَحَ فَهَشَمَ أَخَرُ، وَنَقَلَ ثَالِثُ، وَأَمَّ رَابعٌ .... فَعَلَى كُلٌ مِنَ الثَلاثَةِ خَمسةُ، وَالَرَابعِ تمَامُ الثُلثِ

ــ

قال: (ولو أوضح فهشم آخر، ونقل ثالث، وأم رابع

فععلى كل) واحد (من الثلاثة خمسة، والرابع تمام الثلث).

أما الأول ...... فبسبب الإيضاح.

وأما الثاني ..... فلأنه الزائد عليها من دية الهاشمة.

وأما الثالث .... فلأنه الزائد عليها من دية المنقلة.

والرابع: تمام الثلث، وهو ثمانية عشر بعيرًا وثلث بعير، وهو ما بين المنقلة والمأمومة.

وقيل: يجب على الجميع ثلث الدية أرباعًا.

فلو خرق خريطة الدماغ خامس .... ففي (التهذيب): أن عليه تمام الدية، كمن خز رقبة إنسان بعد ما قطعت أطرافه، وهذا على طريقة من قال: الدامغة مذففة.

وصورة المسألة: ألا يموت المجني عليه، فإن مات الجميع .... وجبت ديتة عليهم بالسوية؛ لأن القتل لا يفرق فيه بين الجرح الكبير والصغير، قاله الفاروقي في (فوائد).

وما أطلقه من أن الواجب الخمس محله: عند العفو، وإلا .... فالواجب القصاص، وقد صرح به في (المحرر)، حتى لو أراد القصاص في الموضحة وأخذ الأرش من الباقيين .... مكن، نص عليه في (الأم).

ص: 478

وَالشِّجَاجَ قَبلَ الَمُوضِجَةِ إنْ عُرِفَتْ نِسْبُتَهَا مِنْهَا ...... وَجَبَ قِسطٌ مِنْ أَرِشِهَا، وَإلَاّ ..... فَحُكُومةٌ

ــ

قال: (والشجاج قبل الموضحة إن عرفت نسبتها منها .... وجب قسط من أرشها) أي: من أرش الموضحة، فإن كانت نصفا أو ربعا

وجب بقسطه من أرش الموضحة، فإن شككنا في قدرها من الموضحة ..... أوجبنا له اليقين.

قال الأصحاب: وتعتبر مع ذلك الحكومة، فيجب أكثر الأمرين من الحكومة وما يقتضيه بالتقسيط؛ لأنه وجد سبب كل واحد منهما فيعتبر الأكثر.

وعن ابن سريج: أن لها أروشًا مقدرة بالاجتهاد كما قدرت الموضحة فما فوقها بالنص.

ففي الخارصة بعير، وفي الدامية والدامغة بعيران، وفي الباضعة والمتلاحمة ثلاثة أبعرة، وفي السمحاق أربعة.

قال: (وإلا) أي: وإن لم تعرف نسبتها من الموضحة) ...... فحكومة)؛ إذ ليس لها أرش مقدر، وهذا التفصيل ذهب إليه الأكثرون ومنهم من أطلق: أن الواجب فيها الحكومة؛ لأن التقدير يعتمد التوقيف ولا توقيف.

ص: 479

كَجُرْح سَأَئِر البُدُن. وَفِيَّ جائفة دِيَة، وَهِيَ: جَرَّحَ يُنْفَذ إِلَى جَوْف كَبَطْن وَصَدَرَ وَثُغْرَة نُحْر وَجَبِين وَخاصِرَة

ــ

قال: (كجرح سائر البدن)، فإن فيه الحكومة فقط؛ لأنه لا تقدير للشرع فيها ولم ينته شينها إلى المنصوص عليه، وكذا الحكم في كسر عظامه وتنقيلها.

والفرق بين الإيضاح والنقل في الرأس بينهما في غيره: أنهما في الرأس أِشد خوفًا وشينهما أفحش.

قال: (وفي جائفة ثلث دية)؛ لما روى النسائي [8/ 57] عن عمرو بن حزم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بذلك)، وروى ذلك في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، رواه أحمد [2/ 217] وأبو داوود [4553].

وقال ابن المنذر: أكثر العلماء علي القول به، وتفرد مكحول عن الناس فقال: إن كانت عندا

ففيها الدية، وإن كانت خطأ

فثلثها.

وليس في البدن جراحة مقرة غيرها، ولهذا عقبها المصنف بما سبق إشارة إلى الاستثناء.

قال: (وهي: جرح ينفذ إلى جوف كبطن وصدر وثغرة نحر وجبين وخاصرة)، ولا فرق بين أن يجيف بحديدة أو خشبة، ولا بيبن الصغير والكبير، ولا بين أن تندمل أو لا، ولا بين الواسعة والضيقة، حتي لو غرز إبرة فوصلت إلى الجوف ..... فهي جائفة علي الأصح.

وقيل: لا، إلا أن يقول أهل الخبرة: إنه يخاف منه الهلاك.

وأشار بقوله: (وجبين) إلى أن الجرح النافذ إلى جوف الدماغ من الجبين جائفة كالجرح النافذ إلى البطن، لكن يرد على تمثيل المصنف: الداخلة إلى باطن الفم والأنف، وإلى ممر البول من الذكر، ومن الجفن إلى بيضة العين؛ فليس ذلك بإيحاف على الأصح في الجميع.

وعبارة (المحرر): النافذة إلى الجوف الأعظم، وهو أحسن، بخلاف تعبير المصنف؛ فإنه يوهم اعتبار ما يسمى جوفًا.

وادعى ابن الرفعة في قول (التنبيه) إلى جوف البدن: أن البدن يخرج ذلك، فإن

ص: 480

وَلا يَخْتَلِف أَرِش مُوَضِّحَة بِكُبْرها. وَلُو أُوضَح مُوَضِّحَتَيْنِ بَيَّنَها لَحَمَّ وَجِلْد، قِيلَ: أَو أَحَدّهُما .... فَمُوَضِّحَتَيْنِ،

ــ

لدغت الجائفة كبده أو طحاله .... لزمه مع ثلث الدية حكومة أيضًا، ولو لم تنفذ إلا بكسر الضلع

دخلت حكومته في دية الجائفة.

و (ثُغُرة النخر) بضم الثاء، وهي: النقرة بين التوقوتين، والجمع: ثغر، كقربة وقرب.

قال: (ولا يختلف أرش موضحة بكبرها) كالأطراف، سواء تولد منها شين فاحش أو لم يتولد، فلا يجب في الجميع إلا خمس من الإبل، ولو كثرت الموضحات .... تعدد واجبها.

وفي وجه: إن كثرت وزادت أروضها على دية النفس .... لم تجب إلا دية النفس، كما سيأتي نظيره في الأسنان، والأصح: الأول، وتفارق الأسنان؛ فإنها معلومة مضبوطة كالأصابع، بخلاف المواضح؛ الأصح: فيجب أروشها بحسب وجودها.

قال: (ولو أوضح موضحتين بينهما لحم وجلد، قيل: أو أحدهما .... (فموضحتان).

أما في الأولى .... لأختلاف الصورة، وهو أحد أسباب التعدد، سواء رفع الحديدة عن موضحة ثم وضعها على موضع آخر فأوضحه، أو جرها على الرأس من الموضحة عليها في الموضع الآخر فأوضحه وبقي اللحم والجلد بينهما.

وفي الصورة الثانية وجه: أنها موضحة؛ لاتحاد الفعل.

ص: 481

وَلَو انْقَسَمتُ مُوَضِّحتهُ عُمَدًا وَخَطَأ أَو شَمِلتُ رَأَسا وَوَجَّها .... فَمُوَضِّحَتانِ، وَقَيْل: مُوَضِّحَة. وَلُو وَسَع مُوَضِّحتهُ .... فَواحِد عَلِيّ الصَحِيح،

ــ

وأما في الثانية وهي: ما إذا أوضحه كما ذكرنا وبقي الجلد دون اللحم أو عكسه .... فلاتباع صورة الوضوح، هذا توجيه الوجه المرجوح.

وتوجيه الأصح - وهو: أن الحاصل موضحة واحدة، وإنما ثبت التعدد إذا بقيتا جميعًا -: أنه إذا أجرها فقد أتت الجناية على الموضع كله، فصار كما لو استوعب الإيضاح الموضع كله، وفي المسألة وجه ثالث: أنه إن بقي الجلد

فموضحة، أو اللحم .... فئتتان؛ لأن الجلد هو الذي يظهر هنا للناظرين، فإذا بقي على اتصاله .... لم يكن العظم واضحًا.

فإذا قلنا: لا يثبت التعدد إلا إذا بقيتا جميعًا، فلو أوضح في موضعين ثم أوغل الحديدة ونفها من إحداهما إلى الأخرى في الداخل ثم سلها فهل يقال: إنهما اتحدتا؟ حكي ألإمام فيه وجهين.

فإن رفه الجاني الحاجز الذي بينهما أو تأكل قبل الاندمال

كانت موضحة، وهو الأصح، كما لو قطع يده ثم حز رقبته، وقيل: عليه أرشان ـ وقيل ثلاثة.

قال: (ولو انقسمت موضحته عمدا وخطأ أو شملت رأسا ووجهًا .... فموضحتان)؛ لأن الأولى اختلف حكمها، والثانية اختلف محلها، وكذلك لو كان في بعضها مقتصًا وفي بعضها متعديًا

فيجب أرش كامل فيما تعدي فيه.

قال: (وقيل: موضحة)؛ لاتحاد الفاعل والمحل والصورة.

واحترز بقوله: (رأسا ووجها) عن شمولها الرأس والقفا؛ فإن فيها مع أرش موضحة الرأس حكومة لإيضاح القفا؛ لأنه ليس محل الإيضاح فلم تدخل حكومته في أرش الموضحة.

قال: (ولو وسع موضحته

فواحدة على الصحيح)، كما لو أوضح أولا كذلك.

والثاني: ثنتان؛ لأن التوسعة إيضاح ثان، والخلاف كالخلاف في رفع الحاجز بين الموضحتين.

ص: 482

أَو غَيْرُهُ

فئتنان. والجائفة كَمُوَضِّحَة في التَعَدُّد، وَلُو نَفَّذتُ في بِطُنّ وَخَرَجتَ مَن ظَهَّرَ

فجائفتان في الأَصَحّ، .....

ــ

قال: (أو غيره

فئتتان)؛ لأن فعل الإنسان لا ينبني على فعل غيره، كما لو قطع يد رجل وحز آخر رقبته

فإن على كل منهما موجب جنايته.

وقوله: (غيره) يحتمل أن يريد: وسعها غيره، وهذا هو الذى في (المحرر)، فيقرأ بالرفع، والمصنف ضبطه بخطة بكسر الراء وفتحها، ومراده: أنه وسع موضحة غيره.

فرع:

أوضحه كل واحد موضحة ثم تأكل الحاجز بينهما .... عادتا إلى واحدة ولزم كلًا منهما نصف أرشها، فإن رفع أحدهما الحاجز

فعليه نصف أرش موضحة، وعلى الآخر أرش موضحة كامل.

قال: (والجائفة كموضحة في التعدد)، فيتعدد الأرض بتعددها، حتي لو أجاف ثنتين ثم رفع الحاجز بينهما أو تاكل أة رفععه غير الجاني

فكما سبق.

فلو أدخل سكينًا في جائفة الغير ولم تقطع شيئاَ

عزر فقط، وإن قطعت شيئًا من الباطن دون الظاهر أو بالعكس

فعليه حكومة.

قال: (ولو نفذت وخرجت من ظهر

فجائفتان في الأصح)؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه قضى في رجل رمى ررجلًا بسهم فأنفذه بثلثي الدية، رواه البيهقي [8/ 85] من حديث سعيد بن المسيب عنه، وهو مرسل، وقضى به عمر رضي الله عنه، ولا مخالف لهما، فكان إجماعًا كما نقله ابن المنذر:

ولأنهما جراحتان نافذتان إلى الجوف، وبهذا قال مالك.

والثاني - وبه قال أبو حنيفة -: أنها واحدة؛ لنفوذها من جهة إلى جهة.

ص: 483

وَلَو أَوْصَلَ جَوْفهُ سِنّانا لَهُ طَرَفانِ .... فِئَتانِ، وَلا يُسْقِط أَرِش بِالْتِحام مُوَضِّحَة وجائفة. وَالمُذَهَّب: أَن في الأُذُنَيْنِ دِيَة لا حُكُومَة

ــ

فعلى هذا: تجب معها حكومة.

وقيل: لا تجب، وليس بشيء.

قال: (ولو أوصل جوفه سنانًا له طرفان .... فئتنان)، كما لو أجافه بالتين، فإن خرجا من ظهره

فأربع جوائف.

وصورة المسألة: ألا يخرق ما بينهما كما نص عليه في (الأم)، وهذه مكررة؛ لأنهما تعلم من قوله:(والجائفة كموضحة في التعدد)، وقد سبق له في الموضحتين: أنه لو أوضح ثتتين بينهما حاجز .... تعدد الأرش.

و (السنان): طرف الرمح، جمعه: أسنة، كعنان وأعنة.

قال: (ولا يسقط أرش بالتحام موضحة وجائفة)؛ لأن مبنى الباب على اتباع الاسم وقد وجد سواء بقي شين أو لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب فيها ثلث الدية، ولا يكون ذلك إلا بعد الاندمال.

وقيل: إن لم يبق شين وأثر

سقط، وإن اندملت أطرافها وبقي شيء من العظم

لم يسقط شيءمن الأرض.

قال: (والمذهب: أن في الأذنيين دية لا حكومة)، هذا هو النوع الثاني من الجنايات، وهو إبانة الأعضاء، فمنها: الأذنان، والمذهب: القطع بأن في استئصالهما قطعًا الدية.

فإن أوضح مع ذلك العظم .... وجب أيضًا أرش الموضحة؛ إذ لا يتبع مقدر مقدرًا.

ص: 484

وَبَعْض بِقَسَطهُ، وَلُو أَيْبَسَهُما

فِدْيَة، وَفِيَّ قَوْل: حُكُومَة، وَلُو قَطَّعَ يابِسَتَيْنِ .... فَحُكُومَة،

ــ

ويدل لوجوب الدية فيهما: ما روى الدارقطني [2/ 209] والبيهقي [8/ 85] عن عمرو بن حزم: (وفي الأذن خمسون من الأبل)، ولما فيهما من الجمال والمنفعة؛ لأنهما يجمعان الصراخ ويحرسان الصماخ فأشبها اليدين.

وفي قول مخرج أو وجه: أن فيهما الحكومة كالشهور، وبه قال مالك؛ لأن السمع لا يحلهما، وليس فيهما ممنفعة ظاهرة، وإنما هما جمال وزينة، وسواء السمالة والمثقوبة إذا لم يذهب منها شيء، وسواء أذن السامع والأصم؛ لأن السمع في الصماخ لا فيهما، بخلاف الكلام والبصر؛ فإنهما في اللسان والعين.

قال: (وبعض بقسطه)؛ لأن ما وجبت فيه الدية وجبت فيه الدية وجبت في بعضه بالقسط كالإصبع، ويعتبر ذلك بالمساحة، ولا فرق بين الأعلة والأسفل.

قال: (ولو أيبسهما .... فدية) كما لو ضرب يده فشلت.

قال: (وفي قول: حكومة)، وبه قال أبو حنيفة؛ لبقاء منفعتهما بعد الشلل من جمع الصوت، ومنع دخول الماء وهذا الصحيح في (أصل الروضة) و (الشرح الصغير) وفاقًا ل (التهذيب)، ويجريان فيما إذا أيبس المارن.

قال: ولو قطع يابستين ...... فحكومة)، كما لو قطع يدا شلاء أو قله عينًا قائمة.

ص: 485

وَفِي قَوْل: دِيَة. وَفِيَّ كُلّ عَيَّننَ نَصُفّ دِيَة

ــ

قال: (وفي قول: دية)، كما في اليد الشلاء؛ لأن المنفعة إنما بطلت بالقطع، وهذان القولان مبنيان على القولين في المسألة قبلها، فمن أوجب ثم الحكومة

أوجب هنا الدية، ومن أوجب ثم الدية

أوجب هنا الحكومة.

وإذا جنى عليها فأسودت .... ففيها الحكومة.

قال: (وفي كل عين نصف دية)؛ لما روى مالك [2/ 849] والنسائي [5/ 57]: أن في كتاب عمرو بن حزم: (وفي العينين الدية)، وحكي ابن منذر فيها الإجماع، ولأنها من أعظم الجوارح نفعا فكانت أولى بإيجاب الدية، وسواء الصغيرة والكبيرة، والحادة والكليلة، والصحيحة والعليلة.

و (العين): حاسة البصر للإنسان وغيره من الحيوان، وهى مؤنثة، وجمعها: أعين وعيون وأعيان قال الشاعر:

كأعيان الجراد المنظم

وتصغيرها: عيينة بالياء، وجمع الجمع: أعينات، والكثير: عيون.

روى: أن قتادة بن النعمان لما فقئت عينه يوم أحد

أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله؛ إنى تزوج بامرأة أحبها وأخاف أن تقذرني، فرد عينه- بعد أن سالت على خده - إلى مضعها وبصق فيها ودعا له، فقال: (اللهم؛ أكسهُ جمالًا، فكانت أحسن عينيه، وكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى.

ص: 486

وَلَو عَيْنَ أَحْوَلَ وَأَعْمَشَ وَأَعْوَرَ،

ــ

ورأي الشيخ أبو عبد الله بن النعمان رحمه الله رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم مرة، فقال له في الأخيرة: يا رسول الله؛ أي الصلاة عليك أفضل؟ قال: قل: (اللهم؛ صل على محمد الذي ملأت قلبه من جلالك، وعينه من جمالك، فأصبح فحًا مسرورًا مؤيداَ منصورً).

قال: (ولو عين أحول وأعمش)؛ للحديث ولبقاء المنفعة، كما لا ينظر إلى قوة البطش والمشي وغيرهما.

والمراد: الحولاء التي نظرها سليم.

و (الأحوال): الذي في عينيه خلل لا في بصره ـ قال في (الصحاح): العمش: ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في أكثر الأوقات.

قال: (وأعور)؛ يعني: أن عين الأعور المبصرة كغيرها لا يجب فيها إلا نصف الدية، كما أن يد الأقطع لا يجب فيها إلا نصف الدية.

وقال مالك وأحمد: في عين الأعور كمال الدية.

ولو فقأ الأعور مثل عينه المبصرة من إنسان .... فله القصاص خلافًا لأحمد، فإن عفا المجني عليه عن القصاص .... فله نصف الدية، وعن مالك: أن له جميع الدية.

و (العور): ذهاب حس إحدى العينتين، والأنثي: عوراء

و (الأعشي): الذي لا يبصر باليل.

و (الأخفش): صغير العين ضعيف العين.

ص: 487

وَكَذا مَن بِعَيْنهُ بَياض لا يُنْقِص الضَوْء، فَإِنَّ نَقُصّ .... فَقِسْط، فَإِنَّ لِمَ يَنْضَبِط فَحُكُومَة. وَفي كُلّ جَفْن رُبْع دِيَة،

ــ

و (الأجهر): الذي لا يبصر في الشمس

قال: (وكذا من بعينه بياض لا ينقص الضوء)؛ فإنه لا يمنع القصاص ولا كمال الدية وكأن كالثاليل في اليد والرجل.

ولا فرق بين أن يكون على بياض الحدقة أو سوادها، وكذا لو كان على الناظر إلا أنه رقيق لا يمنع الإبصار ولا ينقص الضوء.

قال: (فإن نقص

فقسط)؛ اعتبار بالصحيحة التي لا بياض فيها ولانقص، ويجب في الدية قسط ما نقص.

قال: (فإن لم ينضبط

فحكومة)، ووفرق بينه وبين عين الأعمش؛ بأن البياض هو الذي ينقص الضوء الذي كان في أصل الخلقة، وعين الأعمش لم ينقص ضوءها عما كان في الأصل، فإن صيره بذلك أعشى

لزمه نصف الدية، فإن عشي بإحدهما

لزمه ربع الدية.

فرع:

أخذ دية البصر ثم عاد

استردت قطعا؛ لأن العمي والشلل المحققين لا يزولان، وكذا السمع وسائر المعاني.

روى البيهقي في (الشعب)[1088] في (با ب الرجاء والخوف)، والقشيري عن الليث قال: رأيت عقبة بن نافع ضريرًا، ثم رأيته بصيرًا، فقلت له: بم رد الله بصرك؟ فقال: قيل لى في منامي: قل: يا قريب، يا مجيب، يا سميع الدعاء، يا لطيفا لما يشاء، فقلت ذلك، فرد الي بصري.

قال: (وفي كل جفن ربع دية)؛ ففي الأجفان الأربعة الدية؛ لأن فيها جمالًا ومنفعة لصيانة العين عما يؤذيها.

ص: 488

وَلَو لِأَعْمَى، ومارن دِيَة. وَفِيَّ كُلّ مَن طَرَفَيْهُ وَالحاجِز ثَلَّثَ، وَقَيْل: في الحاجِز حُكُومَة، وَفِيهِما دِيَة

ــ

وأغرب الماوردي في قوله: ورد في كتاب عمرو بن حزم: (في الجفن الواحد ربع الدية): نظرًا للتقسيط، ولا فرق بين الجفن الأعلى والأسفل، والصغير والكبير، واختصت دية الأجفان بأنها رباعية.

و (الجفن) بفتح الجيم وكسرها.

قال: (ولو لأعمى)؛ لجمالها وإن كانت منفعة البصر بها أعم؛ لأنها تقي الحدقة الحر والبرد والقذي والآفات، وفي بعض الجفن الواحد قسطة من الربع.

وإنما يجب كمال الدية إذا إستؤصلت، لكن لا يجب في الجفن المستحشف إلا الحكومة.

ولو قطع الأجفان والعينين .... وجيت دية للأجفان وأخرى للعينين.

فإن قطع الأجفان وعليها الأهداب

فالأصح: دخول حكومتها في دية الأجفان كما تدخل حكومة الشعر من المضحة في أرشها.

فإن أزال الأهداب وحدا وأفسد المنبت .... لزمه الحكومة، وبه قال مالك.

وعند أبي حنيفة: يجب كمال الدية في إزالة شعور الأهداب والحاجبين وشعر الرأس واللحية.

قال: (ومارن دية)؛ لحديث عمرو بن حزم: (وفي الأنف إذا أرعب جدعًا الدية).

وروى الشافعي [ام 6/ 118] عن طاووس قال: عندنا في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وفي الأنف إا قطع مارنه مئة من الإبل).

و (المارن): ما لان من الأنف، وهي ثلاث طبقات: (الطرفان والحاجز بينهما، وسواء في ذلك أنف الأشم والأخشم.

قال: (وفي كل من طرفيه والحاجز ثلث)؛ توزيعا للدية عليها.

قال: (وقيل: في الحاجز حكومة، وفيهما دية)؛ لأن الجمال وكمال المنفعة

ص: 489

وفي كل شفة نصف دية - وهي في عرض الوجه إلى الشدقين، وفي طوله ما يستر اللثة على الأصح -

ــ

فيهما دون الحاجز، وهذا محكي عن النص، واختاره ابن سريج وأبو إسحاق وصححه البغوي.

فلو قطع المارن وبعض القصبة .... فدية فقط في الأصح.

ولو سقط بعض أنف المجذوم فقطع رجل الباقي ..... وجب قسطه من الدية اعتبارًا بالمساحة.

ولو قطع المارن مع قصبة الأنف ...... فهل تجب حكومة القصبة أو لا تجب إلا الدية؟ وجهان: نقل الشيخان عن الإمام: أن أظهرهما: الاندراج، والذي نص عليه الشافعي - وهو المفتي به -: وجوب الحكومة.

ولو شق ما رنه فذهب منه شيء ولم يلتئم .... فعليه من الدية قسط الذاهب، وإن لم يذهب منهشيء

لزمه الحكومة سواءالتأم أم لا.

قال: (وكل شفة نصف دية)؛ إذ في كتاب عمرو بن حزم: (وفي الشفتين الدية) سواء كانتا غليظتين أو رقيقتين، أو كبيرتين أو صغيرتين، ولما فيهما من الجمال والمنفعة؛ إذا الكلام يتم بهما ويمسكان الريق والطعام.

وعن مالك: في العلبا ثلث الدية، وفي السلة الثلثان؛ لأن السفلى أنفع، وهذا معارض بأن لكل واحدة منفعة ليست للأخرى فتساويا، ولأن تفاضل المنافع في الأعضاء المتجانسة لا يوجب تفاضلها في الديات كالأصابع والأسنان.

قال: (وهي في عرض الوجه إلى الشدقين، وفي طوله ما يستر اللثة على الأصح)، هذا ثابت في غالب نسخ (المنهاج) و (المحرر)، لكن المصنف ضرب عليه بخطة، والخلاف خاص بالطول.

وقال الرافعي في هذا: إنه أعدل الوجوه، وأنه يروى عن النص، ولأجله صححه في (الروضة).

و (الثاني): أنه المتجافي إلى محل الاوئتاق.

والثالث: ما ينبو عند الانطباق.

ص: 490

وَلِسانِ

ــ

والرابع: الذي لو قطع لم تنطبق الشفة الأخري علي الباقي.

و (الشدق) بكسر الشين: جانب الفم، والجمع: أشداق.

و (اللثة) بكسر اللام: ما حول الأسنان من اللحم

ويجب بقطع بعض الشفة ما يقتضيه التقسيط، وفي إشلالهما كمال الدية، وفي قطع الشلاء الحكومة كالجفن.

وأصل الشفة: شفهة، حذفت منها الهاء، وتصغيرها: شفيهية والجمع: شفاه.

وهل تتبع حكومة الشارب دية الشفة؟ فيه وجهان.

ولو شق شفته ولم يبن منها شيئا .... فحكومة.

ولو قطع شفة مشقوقة

فعليه دية ناقصة بقدر حكومة الشق.

ومشقوق الشفة السفلي: أفلح، ومشقوق العليا: أعلم، وما أحسن قول الزمخشري (من الطويل):

وأخرني دهري وقدم معشرا .... لأنهم لا يعلمون وأعلم

ومد قدم الجهال أيقنت أنتي

أنا الميم والأيام أفلح أعلم

قال: (ولسان)، فإذا كان ناطقا سليم الذوق .... ففيه دية؛ لما روى عمرو بن حزم:(أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيه الدية)، وبه قضي ابو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم، ونقل الشافعي في (الأم) وابن المنذر فيه الإجماع، ولأنه من تمام الخلقة، وفيه جمال ومنفعة يتميز به الإنسان عن البهائم في البيان والعبارة عما في الضمير.

وروى الحاكم [3/ 330] بإسناد حسن مرسل: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الجمال، فقال:(في اللسان).

ويقال؛ ما الإنسان لولا اللسان إلا صورة ممثلة أو بهيمة مهملة.

وله ثلاث منافع: في الكلام، والذوق، والاعتماد عليه في أكل الطعام وإدارته في اللهوات حتى يستكمل طحنه بالأضراس.

ص: 491

وَلَو لَأَلْكَن وَأَرَتّ وَأَلْثَغ وَطَفَل دِيَة، وَقَيْل: شَرْط طِفْل ظُهُور أَثِر نَطَقَهُ نُطْقهُ نَطُقّهُ نُطْقهُ نَطَّقَهُ بِتَحْرِيكهُ لَبِكاء وَمَصّ، ..

ــ

وقيل: الذوق في الحلق

فإذا أزال نطق اللسان وذوقه .... فالمجزوم به في (الروضة) تبعا ل (التهذيب): وجوب ديتين).

وقال الماوردي: في لسان الناطق الفاقد للذوق حكومة كالأخرس.

قال: (ولو لألكن وأرت والثغ وطفل دية)؛ لإطلاق الحديث، ولأن ذلك كضعف البطش في اليد.

وللروياني في لسان الأرت والألثغ نظر.

و (اللكنة): عجمة في اللسان وعي، يقال: رجل ألكن: بين اللكن.

والأرت) و (الألثغ) تقدما في (صلاة الجماعة).

قال: (وقيل: شرط طفل: ظهر أثر نطفة بتحريكه لبكاء ومص)؛ لأنها أمارات ظاهرة على سلامى اللسان، ويعرف ذلك بنطقه بحروف الحلق، وهي أول ما يظهر عند البكاء، وبحروف الشفة في (بابا)(ماما)، وبحروف اللسان في زمانه ك (دادا) فإن لم ينطق بذلك في زمنه .... ففيه حكومة: لأن الظاهر خرسه

ولو قطعه ساعى لادته .... فالأصح: وجوب الدية حملًا له علي الصحة.

وقيل ك حكومة

ولو ولد أصم فلم يحسن الكلام لعدم سماعه إياه .... فهل واجبه حكومة أو دية؟ فيه وجهان.

فائدة:

كان لسان حسان بن ثابت يصل إلى جبهته وإلى نحوه، وكذلك كان أبوه وجده وابنه عبد الرحمن، وكان يقول: والله لو وضعته على صخر لفلقه أو شعر لحلقه.

وفي آخر ورقة من (الشفا)[879]: أن عمر بن الخطاب نذر قطع لسان ولده

ص: 492

وَلِأَخْرَس حُكُومَة، وَكُلْ سَنّ لَذَكَّرَ حُرّ مُسْلِم خَمْسَة أَبْعِرَة،

ــ

عبيد الله لما شتم المقدام بن الأسود، فكلم في ذلك، فقال: (دعوني أقطع لسانه حتي لا يشتم أحد بعد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: (ولأخرس حكومة) سواء كان خرسه أصليا أو عارضا كما في اليد الشلاء، وفيه احتمال لابن سلمة: أنه تجب الدية، فلو ذهب ذوقه بقطع لسنه .... وجبت الدية للذوق.

فروع:

إذا أخذت دية اللسان فنبت ..... لم ترد ديته علي الأصح: لأنها نعمة جديدة، قال ابن أبي هريرة: رأيت رجلا قطع لسانه ثم نبت

ولو جني عليه فخرس ثم نطق ..... قال الماوردي: رد ما أخذ قطعا ً؛ لأن ذهاب الكلام كان مظنونا وقطع اللسان محقق فالعائد غيره، وهذا مخالف لما تقدم عنه في عود البصر.

ولو كان مشقوقا

وجب بقطع طرفيه الدية، وبقطع أحدهما قسطه منها.

وإن كان أحدهما أصليا والآخر زائدا

فالكل حكمه.

ولو قطع بضعة منه ولم ينقص بذلك شيءمن الكلام .... فالأصح: حكومة فقط إذا لو وجب القسط .... للزم إيجاب الدية الكاملة في لسان الأخرس.

وفي قطع اللهاة الحكومة.

قال: (وكل سن لذكر حر مسلم خمسة أبعرة)؛ لرواية عمرو بن حزم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في السن خمس من الأبل) سواء في ذلك البيضاء والسوداء، والطويلة والقصيرة، والصغيرة والكبيرة، والضرس والثنية والناب وغيرها؛ لدخولها في لفظ السن وإن انفرد كل واحد منها باسم، كالخنصر والسبابة والوسطي في الأصابع؛ لما روى أبو داوود [4547] والترمذي بإسناد صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأسنان: الثنية والضرس سواء).

وخرج ب (الذكر): الأنثي؛ ففي سنها بعيرها ونصف، وهو نصف عشؤ ديتها،

ص: 493

سَواء كَسْر الظاهِر مِنها دُون السَنِخ أَو قَلَّعَها بِهِ. وَفِيَّ سان زائِدَة حُكُومَة،

ــ

وفي سن اليهودي والنصراني بهذه النسبة، وفي سن العبد نصف عشر قيمته.

قال: (سواء كسر الظاهر منها دون السنخ أو قلها به) تكمل دية السن بقلع كل سن تامة أصلية مثغورة غير مقلقة، فهذه أربعة قيود: الأول: كونها تامة فتكمل دية السن بكسر ما ظهر منها وإن بقي السنخ بحالة، أما في الأولي ..... فبلا خلاف، وأما في الثانية .... فعلى الأصح؛ لظاه الخبر.

ولا تجنب زيادة على أرش السن، بل تدخل حكومة السنخ في دية السن كما تدخل حكومة الكف في دية الأصابع.

وقيل: تجنب حكومة للسنخ لزيادة الجناية بقلعه.

وموضع الخلاف: إذا كان القالع لهما واحدا وقلعهما معا كما يشعر به تعبير المصنف، فلو قلع الظاهر ثم السنخ بعد الاندمال أو قلع واحد السن وآخر السنخ

وجبت للسنخ حكومة.

قال: (وفي سن زائدة حكومة) أشار بهذا إلى القيد الثاني؛ ففي الزائدة الحكومة كالإصبع لزائدة، والمراد بها: الخارجة عن سمت الأسنان، وعبر عنها في (المحرر) وغيره بالشاغية.

ولو سقطت سنه فاتخذ سنا من ذهب أو حديد أو عظم طاهر .... فلا دية في قلعها، وأما الحكومة، فإن قلعت قبل الالتحام .... لم تجنب لكن يعزر القالع، وإن قلعت بعد تشيث اللحم بها واستعدادها للمضغ والقطع .... فلا حكومة أيضا على الأظهر؛ لأنها ليست من الأسنان الأصلية.

وقال الإمام: عندي لا يلتحم اللحم على الذهب.

ص: 494

وَحَرَكَة السَنّ إِن قَلَت .... فَكَصَحِيحَة، وَإِنَّ بَطَّلتَ المَنْفَعَة .... فَحُكُومَة، وَإِنَّ نَقَّصَت

فَالأَصَحّ: كَصَحِيحَة. ولوقلع سَنّ صَبِّي لِمَ يثغر فَلَم تُعِد وَبانَ فَسادَ المَنْبَت .... وَجَّبَ الأَرْش،

ــ

قال: (وحركة السن إن قلت .... فكصحيحة، وإن بطلت المنفعة .... فحكومة).

هذا ب

ان لقيد الثالث؛ فإن كانت حركتها يسيرة لا تنقص المنافع .... لم يؤثر ذلك في قصاص ولا دية؛ لبقاء الجمال والمنفعة، وإن بطلت منفعتها

ففيها الحكومة؛ للشين الحاصل بزوال المنفعة.

والظاهر: أن مرادهم منفعة المضغ لا كل منفعة؛ فإن من المنافع ما هو باق، وهو: الجمال، وحبس اللسان والطعام.

قال: (وإن نقصت

فالأصح: كصحيحة)، فيجب الأرش؛ لوجود أصل المنفعة من المضغ، وحفظ الطعام، ورد الريق، ولا أثر لضعفها كضعف البطش.

والثاني: تجب الحكومة كما في اليد الشلاء.

وتعبيره ب (الأصح) الصواب: إبداله بالأظهر؛ فإن المسألة ذات قولين شهيرين في (الأم).

قال الإمام: ومحلها: إذا غلب على الظن سقوط الأسنان، فإن غلب على الظن ثباتها

كمل أرشها قطعا.

وإذا اصفرت السن أو اخضرت بجناية

وجبت الحكومة.

وحكومة الأخضرار أقل من الاسوداد، وحكومة الاصرار اقل من الأخضرار.

قال: (ولو قلع سن صبي لم يثغر فلم تعد وبان فساد المنبت

وجب الأرش) هذا بيان للقيد الرابع؛ فإذا قلع سن صبي لم يثغر .... فقد سبق في الجنايات: أنه لا يستوفي في الحال قصاص ولادية وتجب الحكومة إن بقي شين، وإن مضت المدة التي يتوقع فيها عودها؛ فإن عادت .... فلا قصاص ولا دية وتجب الحكومة إن بقي شين، وإن مضت المدة التي يتوقع فيها عودها فلم تعد وفسد المنبت .... استوفي القصاص أو الدية؛ إقامة لحدود الله تعالى.

ص: 495

وَالأَظْهُر: أَنَّهُ إِن ماتَ قَبِلَ البَيان

فَلًّا شيء، وَأَنَّهُ لُو قِلْع سَنّ مثغو فَعادَت .... لا يُسْقِط الأَرْش، وَلُو قَلَعتُ الأَسَنّانِ فَبِحِسابهُ،

ــ

وقوله: (لم يثغر هو بمثناة تحت مضمومة ثم مثلثة ساكنة ثم غين معجمة مفتوحة، معناه: لم تسقط أسنانه التي هي رواضعه.

قال: (والأظهر: أنه إن مات قبل البيان

فلاشيء)؛ لأن الأصل برءة الذمة، والظاهر: أنه لو عاش لعادت.

والثاني: يجب الأرش؛ لأن الجناية قد تحققت، والأصل: عدم العود.

والخلاف وجهان، وقيل: قولان، فكان ينبغي أن يعبر بالأصح، عكس التي قبلها.

وظاهر قوله: (لم يجبشيء): نفي الأرش والحكومة، وليس كذلك، بل الخلاف في الأرش وحده، وإذا قلنا: لا يجب

وجبت الحكومة كما جزم به في (الشرح)(الروضة) ونص عليه في (الأم).

وحكي في (المطلب) وجهًا: أن الحكومة لا تجب، فاجتمع ثلاثة وجه

قال: (وأنه لو قلع سن مثغور فعادت ..... لا يسقط الأرش)؛ لأن العود نعمة جديدة كالموضحة إذا التحمت.

والثاني: يسقط؛ لأن العائد قام مقام الأول فكأنه لم يفت.

قال: (ولو قلعت الأسنان

فبحسابه)؛ فيجب في كل سن خمس من الإبل؛ للحديث المتقدم.

وهي في غالب الفطرة: اثنان وثلاثون، منها أربع ثنايا، وهي: التي في مقدم الفم ثنتان من أعلي وثنتان نت أسفل، وتليها أربع من أعلى وأسفل يقال لها: الرباعيات بفتح الراء وتخفيف الباء، ثم أربع ضواحك، ثم أربعة أنياب، وأربعة نواجذ بالذال المعجمة، واثنا عشر ضرسا ً، ويقال لها: الطواحين، كذا قاله

ص: 496

وَفِي قَوْل: لا يُزَيِّد عَلِيّ دِيَة إِن أَتَحَدّ جان وَجِنايَة

ــ

الشيخان تبعا لصاحب (البحر)، وهو يقتضي: أن النواجز في أثناء الأضراس، وليس كذلك، بل هى آخرها، وهي من جملة الأضراس.

قال الجوهري: ويسمى الناجذ ضرس الحلم، أي: العقل؛ لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل.

وأما الحديث: (أنه صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه) .... فالمراد: الضواحك، وهي الأسنان؛ لأن ضحكه صلى الله عليه وسلم كان تبسمًا.

فإذا قلع عددًا من الأسنان .... وجب ما يقتضيه الحساب ما لم يجاوز عشرين، فإن جاوز عشرين

فقولان: أصحهما: أنه يجب لكل واحدة خمس، حتى إذا كانت اثنين وثلاثين .... وجب فيها مئة وستون من الأبل، وعن أبي حفص ابن الوكيل وغيره القطع بهذا.

ويروى عن عمر: أنه كان يقول: (في الضرس بعيران ونصف، وفي السن خمسة)، فلما وقعت أضراس معاوية قال:(أنا أعلم بالأضراس من عمر) فجعلها سواء، وإنما قال ذلك؛ لأنه بان له حين فقدا منفعتها.

قال: (وفي قول: لا يزيد علة دية إن اتحد جام وجناية) كما إذا سقاه شيئًا فسقطت، أو أزال الجميع بضربة أو نحوها؛ لأن الأسنان جنس متعدد فأشبهت الأصابع ونحوها وسائر الأعضاء.

فأما إذا تعدد الجاني؛ كما إذا قلع واحد عشرين سنًا وقلع آخر ما بقي

فعلى كل واحد أرش ما قلعه.

ولو اتحد الجاني وتعددت الجناية

نظر؛ إن تخلل الاندمال بأن قلع سنًا وتركه حتى شفي ثم قلع أخرى .... وهكذا إلى استيعاب الأسانا

فعليه أرش كامل لكل سن، وإن لم يتخلل الاندمال

فلى القولين، وقيل: يتعدد قطعًا.

وإذا زادت الأسنان على اثنين وثلاثين ..... فهل يجب لكل سن خمس أو لا تجب في الزائد على ذلك إلا الحكومة كالإصبع الزائدة؟ فيه في (الشرح) و (الروضة) وجهان من غير ترجيح، وصحح في (الجواهر) الأول.

ص: 497

وَكُلِّ لَحْيٍ نِصْفُ دِيَة، وَلا يَدْخُل أَرِش الأَسَنّانِ في دِيَة اللِحْيَتَيْنِ في الأَصَحّ

ــ

فائدتان:

الأولى: جزم في (الجواهر) تبعًا لابن سيده بأن من لا لحية له والكوسج لا تكمل أسنانه العدة المتقدمة.

الثانية: عبد الصمد بن على بن عبد الله بن عباس الأمير مات بأسنانه التي ولد بها ولم يثغر، وكانت قطعة واحدة من الأعلى وقطعة من الأسفل، وعاش نحوًا من ثمانين سنة، وروى عن أبيه حديث:(أكرموا الشهود).

قال في (الميزان)[2/ 620]: وليس هو بحجة، ولل الحافظ إنما سكتوا عنه مداراة للدولة.

فإذا جُني على مثل عبد الصمد

هل يجب على الجاني دية كامل الأسان، وهي مئة وستون بعيرا أو مئة وخمسون حملًا على الناقص، أو لا يزاد فيه على دية على القول الأخر؛ لأن منفعتها واحدة وقد أزيلت؟ فيه نظر، والأقرب: الأخير.

قال: (وكل لحي نصف دية)؛ لما فيهما من كمال المنفعة والجمال.

و (اللحيان) بفتح اللم: العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلي، وملتقاهما الذقن، وعليهما تنبت اللحية، وآخرهما من الأعلى يحاذي الأذنين.

واستشكل المتولى إيجاب الدية فيهما؛ لأنه لم يرد فيه خبر، والقياس لا يقتضيه؛ لأنهما من العظام الداخلة، فيشبهان الترقوة والضلع وعظم الساعد والساق والفخذ، ولا دية في شيءمن ذلك.

وصورة مسألة الكتاب: ألا يكون عليهما أسنان كالطفل، ومن سقطت أسنانه بهرم ونحوه.

قال:) ولا يدخل أرش الأسنان في دية اللحيين في الأصح)؛ يعني: إذا كان ععلى اللحيين أسنان كما هو الغالب .... فإن أروشها لا تدخل في دية اللحيين؛ لأن كل واحد منهما مستقل وله بدل مقدر، فلا يدخل أحدهما في الآخر، والمبلغ إذا كانت الأسنان ست عشرة على الغالب مئة وثمانون من الإبل.

ص: 498

وَفِي كُلّ يَد نَصُفّ دُبَّة إِن قَطَّعَ مَن الكَفّ، فَإِنَّ قَطَّعَ فَوْقَهُ

فَحُكُومَة أُخْرى

ــ

والثاني: أنه لا تجب إلا دية اللحيين وتدخل فيهما أرش الأسنان إتباعا للأقل الأكثر، كما تدخل حكومة الكف في دية الأصابع.

والفرق على الأصح: أن اسم اليد يصدق على الكف والأصابع، بخلاف اللحيين؛ فإن خلفتهما تتكامل بدون أسنان.

وأما الأسنان العليا .. فمنبتها عظم الرأس، فلو قطع معها من العظم شيئًا

فعليه الحكومة مع الأرش.

قال: (وفي كل يد نصف دية إن قطع من الكف) بالنص والإجماع، ففي كتاب عمرو بن حزم:(في اليد الواحدة نصف الدية).

وفي (سنن أبي داوود)[4553] وغيره عن عمرو بن شعيب: (وفي اليد إذا قطعت نصف العقل).

وإذا وجب في الواحدة النصف

كملت فيهما الدية.

والمراد ب (اليد): الكف مع الأصابع الخمس؛ لأنها المعبر عنها باليد شرعًا.

وعن أبي عبيد ابن حربوية: أن نهاية اليد التي تجب فيها الدية الإبط والمنكب، ويجب فيمت دون ذلك قسطه من الدية.

واحتج الأصحاب بأن الله تعالى أمر بقطع يد السارق، وقطعها النبي صلى الله عليه وسلم من الكوع، وبان الأصابع لو انفردت بالقطع

لو وجبت الدية الكاملة فلأن تجنب إذا قطع معها غيرها أولى.

قال (فإن قطع فوقه

فحكومة أخري)؛ لأنه ليس بتابع، بخلاف الكف مع الأصابع.

ومحل ما ذكره المصنف: إذا كانت الجناية واحدة، فإن قطع واحد الأصابع وآخر الكف، أو قطع الأصابع ثم الكف .... فعلى ما سبق في الأسنان.

فإن قيل: هل لنا صورة يجب فيها في قطع يد الرجل الحر ثلث الدية.

ص: 499

وَفِي كُلّ إِصْبَع عِشْرَة أَبْعِرَة،

ــ

فالجواب: أن ذلك في (باب الصيال).

وصورته: أن يقطع الدافع يد الصائل اليمني، ثم يتبعه فيقطع يساره عدوانًا، ثم يعود الصائل بعد قطع يديه، فيدفعه المصول عليه بقطع إحدى رجليه، ثم يموت، فيلزمه ثلث الدية ليده اليسرى.

وقد يجب في قطع اليدين بعض الدية.

وصورته: إذا سلخ جلد رجل، فبادر آخر والحياة مستقرة فيه فقطع يديه

فإن السالخ تلزمه دية كاملة، وقاطع اليدين يسقط عنه من الدية ما يخص الجلد الذي كان عليهما، ويجب عليه الباقي، مع أنه لو قتله في هذه الحالة .... لأوجبنا عليه القود، كذا نقله الرافعي عن الشيخ أبي علي من غير مخالفة، وسيأتي ذكره في السلخ حيث ذكره الرافعي.

قال: (وفي كل إصبع عشرة أبعرة) يستوي في ذلك جميع الأصابع.

ففي كتاب عمرو بن حزم: (في كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل.

وروى أحمد [2/ 179] وأبو داوود [4544] والنسائي [8/ 56]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأصابع سواء عشرعشر من الأبل).

وفي (البخاري)[6896] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هذه وهذه سواء)؛ يعني: الخنصر والإبهام.

وفي (سنن البيهقي)[8/ 93]: أن عمر كان يرى في الإبهام ثلاثة عشر، وفي التي تليها اثنتي عشرة، وفي الوسطي عشرة، وفي البنصر تسعًا، وفي الخنصر ستة، ثم رجع عن ذلك.

قال: وكتب مروان إلى ابن عباس / أتفتي في الأصابع بعشر عشر وقد بلغك عن عمر ما قال؟! فقال ابن عباس: (رحم الله عمر! قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يتبع من قول عمر).

ولا يخفي أن هذا والذي بعده في الرجل الكامل.

ص: 500

وَأَنْمَلهُ ثُلُثُ العَشَرَة، وَأَنْمَلهُ إِبْهام نُصَفّها، وَالرِجْلانِ كَاليَدَيْنِ. وَفِيَّ حَلَمَتَيْها دِيتها،

ــ

قال: (وأنملة العشرة، وأنملة إبهام نصفها)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسط دية اليد على أصابعها

وجب تقسيط دية الإصبع على أناملها، حتي ل كان لرجل في إبهامه ثلاثة أنامل

ففي كل منها ثلاثة أبعرة وثلث، ولو كان له في غيرها أربعى

ففي كل بعيران وصنف أوأنلتان ففي كل منهما خمس

وهكذا، بخلاف ما لو كانت إصبع زائدة حيث لا تسقط دية اليد عليها؛ لأن الأنامل لما اختلفت في أصل الخلقة الغالبة بالزيادة والنقصان .... كانت كذلك في الخلقة النادرة، بخلاف الإصبع.

فلو كان على معصمه كفان أة على عضده ذراعان وكفان أو على منكبه عضدان وذراعان وكفان مع الأصابع، فإن لم يبطش بواحدة منهما .... فليس فيهما قصاص ولادية، وإنما الواجب فيهما الحكومة كاليد الشلاء.

وإن كان فيهما بطش، فإن كانت إحداهما أصلية والأخري زائدة

ففي الأصلية القصاص، وفي الزائدة الحكومة.

قال الجوهري: الإبهام الإصبع العظمى، وهي مؤنثة، والجمع: أباهيم.

قال: (والرجلان كاليدين) شمل ثلاثة أمور:

أحدها: أن في الرجلين دية، وفي الرجل الواحدة نصفها، وهو إجماع، ولا فرق بين العرجاء والسليمة؛ لأن العيب ليس في نفس العضو، وإنما العرج نقص في الفخذ.

الثاني: أن في كل إصبع منها عشرة؛ لحديث ابن عباس: (أصابع اليدين والرجلين سواء عشر من الإبل لكل إصبع).

الثالث: أن أناملها كأنامل اليد، وهو كذلك، والقدم كالكف، والساق كالساعد، والفخذ كالعضد.

قال: (وفي حلمتيها ديتها)؛ لما فيهما من الجمال والمنفعة؛ لأن الثدي لا تستوفي منفعته إلا بهما، وفي إحداهما نصفها.

ص: 501

وَحَلَمَتيه حُكُومَة، وَفِيَّ نَزْل: دِيَة، وَفِيَّ الأُنْثَيَيْنِ دِيَة، وَكَذا ذِكْر

ــ

و (الحلمة): المجتمع الناتئ من رأس الثدي يلتقمه المرتضع من المرأة، ولونها مخالف لون الثدي غالبًا، وحواليها دائرة على لونها وهي من الثدي لا من الحلمة، وسواء كانتا من صغيرة أو كبيرة، نزل فيهما اللبن أم لا.

فلو قطع الثدي مع الحلمة .... لم تجب إلا الدية، وتدخل فيها حكومة الثدي.

فإن قطع مع الثدي جلدة الصدر

وجبت حكومة الجلدة مع الثدي قطعًا

فإن وصلت الجراحة إلة الباطن

وجب مع دية الجلدة أرش الجائفة.

فلو جني على الثديين فأيبسهما

فدية، أو قطع لبنهما .... وجبت حكومة.

ولو جني عليهما وهما ناهدتان فاسترسلتا

فعليه حكومة؛ لأن الفائت مجرد الجمال. ط

قال: (وحلمتيه حكومة)؛ لأنه إتلاف جمال فقط.

قال: (وفي قول: دية) أي: دية رجل؛ تسوية بين الرجل والمرأة، كاليد والرجل.

ومقتضي كلام المصنف: إلحاق الخنثي بالمرأة، كما ألحقه بها في أصل الدية.

وقال الأصحاب: الواجب في ثدييه أقل الأمرين: من دية المرأة أو الحكومة؛ لأنه المحقق.

قال: (وفي الأنثيين دية) ولو من عنين أو محبوب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن حزم: (وفي الأنثيين الدية).

ويروي: (وفي البيضتين الدية) رواه النسائي [8/ 57].

ولأن فيهما منفعة التناسل؛ لانعقاد المبين إذا نزل فيهما، وهما من تمام الخلقة. وفي إحداهما نصف الدية كاليد، فلو قطعها فذخب منيه

لزمه ديتان.

قال: (وكذا ذكر)؛ ففي كتاب عمرو بن حزم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وفي الذكر الدية)، ولأن فيه منفعة التناسل، وهو من أعظم المنافع، فأشبه الأنف.

ص: 502

وَلَو لَصَغِير وَشَيْخ وَعَنَّينَ. وَحَشَفَة كَذِكْر، وَبَعْضها بِقَسَطهُ مِنها، وَقَيْل: مَن كُلّ الذِكْر، وَكَذا حَكَم بِعَضّ مارن وَحَلَمَة، وَفِي الأليين الدِيَة،

ــ

وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن في الذكر الدية.

وعن قتادة أنه قال: في ذكر الذي لا يأتي النساء ثلث ما في ذكر الذي يأتيهن.

وذكر الخصي عند الجمهور كذكر الفحل.

وقال مالك والثوري وأحمد وأصحاب الرأي: فيه حكومة.

قال قتادة وإسحاق: فيه ثلث الدية.

وفي قطع الذكر الأشل حكومة.

ولو ضرب ذكرا فشل .... فعليه كمال الدية، ولو قطع معه شيئًا من العانة

وجبت الحكومة أيضًا.

و (الذكر) جمعه: مذاكير، على غير قياس، كأنهم فرقوا بين الذكر الذي هو الفحل وبين العضو في الجمع.

قال: وحشفة كذكر) فيجب فيها وحدها الدية؛ لأن ما عداها من الذكر تابع لها، كالكف مع الأصابع، بل هي أعظم منافعه؛ إذ تتعلق بها لذة المباشرة وأحكام الوطء تدور على تغيببها.

قال: (وبعضها بقسطه منها)؛ لأن الدية تكمل بقطعها فقسطت على أبعاضها.

قال: (وقيل: من كل الذكر)؛ لأنه الأصل المقصود بكمال الدية،

قال المتولي والبندنيجي: هذا إذا لم يختل مجرى البول، فإن اختل

فالأكثر من قسط الدية وحكومةفساد المجري.

قال: وكذا حكم بعض مارن وحلمة)، فيجب القسط من الدية موزعة على المارن وحده أو الحلمة وحدها على الصحيح.

قال: (وفي الأليين الدية)؛ لما فيهما من الجمال والمنفعة في الركوب والقعود، وسواء في ذلك الرجل والمرأة، فيجب فيهما إذا استوعبا القصاص، خلافًا للمزني وبعض أصحابنا.

ص: 503

وَكَذا شَفْراها، وَكَذا سَلْخ جَلْد إِن بَقَّيْ حَياة مُسْتَقِرَّة وَحَزَّ غَيْر السالخ رَقَبتَهُ

ــ

قال: (وكذا شفراها)؛ لما فيهما من الجمال والمنفعة، وبهما يقع الالتذاذ بالجماع، وهما: اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتيم بالفم.

ولا فرق بين السمينة والهزيلة، والبكر والثيب، والرقاء والقرناء؛ فإن النقصان والخلل في غيرهما، وسواء المختونة وغيرهما.

ولو صرب شفريها فشلا

وجب كمال الدية.

ولو قطع مع الشفرين (الرَكَّب) بفتح الراء والكاف، وهو عانة المرأة

وجب حكومة مع الدية.

ولو قطع شفري بكر وأزال بالجناية بكاراها

وجب مع دية الشفرتين أرش البكارة.

ولو قطع شفريها فجرح موضعًا آخر بقطع لحم أو غيره

لزم للثاني حكومة.

قال: (وكذا سلخ إن بقي حياة مستقرة وحز غير السالخ رقبته)؛ لأن سلخ الجلد كالجنس الواحد من الأعضاء من حيث إنه معد لغرض واحد؛ فتجنب في سلخه الدية.

قال الأئمة: وسلخ جمعيه قاتل، لكن قد تعرض حياة مستقرة بعه فتظهر فائدة الدية.

قال الأئمة: وسلخ جمعية قاتل، لكن قد تعرض حياة مستقرة بعده فتظهر فائدة إيجاب الدية فيه كما لو حز غيره رقبته.

ونقل الرافعي عن الشيخ أبي على وجهًا: أنه لو قطعت يداه بعد سبخ الجلد

توزع مساحة الجلد على جميع البدن، فما يخص اليدين يحط من دينهما، ويجب الباقي، وقد تقدم في دية اليدين الإشارة إلى هذا الوجه، وعلى قياسه: لو سلخ جلد مقطوع اليدين

لزمه دية إلا قسط اليدين من الجلد.

وقال في (الحاوي): في سلخ الجلد حكومة لا تبلغ دية نفس، والمذهب: الأول، وهذه المسألة ليست في (التنبيه) لكن ذكر بدلها: اللحم الناتئ على الظهر من جانبي السلسة، وقال: إن فيه الدية، ولا تعرف لغيره، وذكرها الجرجاني في (الشافي) و (التحرير) تبعًا له.

وقوله: (وحز غير السالخ رقبته) تابع فيه الرافعي؛ أنه لا يتصور إلا في

ص: 504

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذلك، وهو ممنوع، فقد يتصور في السالخ أيضًا؛ بأن تكون إحدي الجناحين عمدًا والأخرى خطأ وقلنا بالأصح: إنهما لا تتدخلان.

تتمة:

نص في (الأم) على أن في كسر الترقوة حكومة، ونص في (اختلاف الحديث) على أن فيها جملًا، فقيل: قولان:

التقديم: جمل؛ لما روى مالك [2/ 861] والشافعي [1/ 225] بإسناد صحيح: أن عمر قضي بذلك، وبه قال أحمد.

والجديد: حكومة، وقطع المتولي وغيره بالحكومة كسائر العظام، وحملوا قضاء عمر على أن الحكومة كانت في الواقعة قدر جمل.

و (الترقوة) بفتح التاء: العظم المتصل بين المنكب وثغرة النحر.

قال الجوهري: ولا تقل: ترقوة بالضم، ولكل أحد ترقوتان، والجمع: تراقي، قال تعالى:{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} ذكرهم بموطن من مواطن الهول، وأمر من أمره الذي لا محيد لبشر عنه، وهي حالة الموت والمنازعة التي كتبها الله على كل حيوان.

والضمير في (بَلَغَتِ) للنفس وإن لم يجر لها ذكر؛ لأن الكلام يدل عليها، كما قال حاتم (من الطويل):

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتي .... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

روى: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما احتضر جلست ابنته عائشة عند رأسه تبكيه وتكرر هذا البيت، ففتح عينيه وقال: لا تقولي هكذا، وقولي:(وجائت سكره الحق بالموت ذلك ما كنت منه تحيد).

وكذلك كان يقرأ بالأية، وهي كذلك في مصحف ابن مسعود بإضافة السكرة إلى الحق؛ لأن الموت يعقبها، فكأنها جاءت به، ويجوز أن تكون سكرة الحق سكرة الله أضيفت إليه تعظيما لشأنها وتوهيلًا.

ص: 505

فَرعَ:

في العَقْل دِيَة،

ــ

قال: (فرع) ضمنه حكم إزالة المنافع، وذكر في الفصل الذي قبله الجروح والأعضاء، فذكر فيه ستة عشر عضوًا، وفي هذا اثني عشر شيئًا، ويجوز أن يجتمع في شخص ديات كثيرة؛ بأن تزال منه أعضاء ومنافع ولا تسري إلى النفس بل تندمل.

قال: (في العقل دية) قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه العلم على ذلك.

وفي كتاب عمر بن حزم: (وفي العقل مئة من الإبل).ولأنه أشرف الحواس فكان أحق بكمال الدية، ولذلك قمه المنص، ولأن به يتميز الإنسان عن البهيمة ولا ينتفع بشيء انتفاعه به.

ولا يجب في إذهابه قصاص على المذهب؛ لاختلاف الناس في محله:

فقيل: القلب، وهو الصحيح عند أصحابنا وأكثر المتكلمين.

وقيل: الدماغ، وإليه ذهب أبو حنيفة وجماعة من الأطباء.

وقيل: مشترك بينهما.

وهوضد الحمق؛ لأنه صفة يميز بها بين الحسن والقبيح، سمى عقلًا؛ لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، وجمعه: عقول، والمراد به هنا: الغريزي الذي يترتب عليه التكليف.

وأما العقل المكتسب الذي به حسن التصرف

ففيه حكومة فقط، وظاهر كلام الشافعي والأصحاب: أنه يتبعض.

وقال الماوردي: لا يتبعض في ذاته، فلا يصح أن يذهب بعضه ويبقي بعضه، ولكن قد يتبعض زمانه؛ فيعقل يومًا ويجن يومًا، فإن كان كذلك .... وجبت الدية بحسب تجزئة الزماني.

قال الرافعي: وقد تتأتي معرفة التفاوت بغير الزمان؛ بأن يقابل صواب قوله

ص: 506

فَإِنْ زالَ بِجُرْح لَهُ أَرِش أَو حُكُومَة وَجُبّا، وَفِيَّ قَوْل: يَدْخُل الأَقَلّ في الأَكْثَر،

ــ

ومنظوم فعله بالخطأ منهما، ويجب قسط ما بينهما، وهو الذي ذكره في (التهذيب).

وذكر المتولي: أن الدية إنما تجب عند تحقق الزوال بقول أهل الخبرة، فإن توقفوا في زواله

توقفن في الدية، فإن مات قبل الاستقامة

ففي الدية وجان، كما لو قلع سن غير مثغور فمات قبل عودها.

قال: (فإن زال بجرح له أرش أو حكومة ..... وجبا) أي: وجب الأرش المقدر أو الحكومة مع دية العقل، ولا ين\رج الأرش في دية العقل كما لو أوضحه فذهب سمعه أو بصره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(في الموضحة خمس من الإبل، وفي العقل الدية، وفي اليد خمسون من الإبل) فنص على ذلك، فلم يجز إسقاطه.

ولأن العقل عرض مختص بمحل مخصوص، فلم يدخل فيه أرش الجناية كالسمع، وهذا هو الجديد، وإليه ذهب مالك وأحمد.

وعلى هذا: لو قط يديه ورجليه فزال عقله .. لزمه ثلاث ديات.

واحترز ب (ما له أرش مقدر) عما إذا زال بلطمة؛ فإن أرش الجناية يدخل في دية العقل.

قال: (وفي قول: يدخل الأقل في الأكثر) هذا القول قديم، وإليه ذهب أبو حنيفه، ووجه بأن العقل يشبه الروح من حيث إن زواله كزوال الروح في سقوط التكليف، فيدخل أرش الجناية في ديته إذا كان الأرش أقل.

فإن كانت دية العقل أكثر كما لو أوضح رأسه فزال عقله .... ز دخل فيها أرش الموضحة.

وإن كان أرش الجناية أكثر كما إذا قطع يديه مع بعض الذراع أو يده ورجليه فزال عقله

تدخل في دية العقل، وضعف هذا القول بأن مقتذاه دخول الأرةش فيه وإن

ص: 507

وَلَو أُدْعَى زَوالهُ، فَإِنَّ لِمَ يَنْتَظِم قَوْلهُ في خَلَواتهُ، فَلَّهُ دِيَة بَلًّا يَمِين. وَفِيَّ السَمْع دِيَة،

ــ

كثرت، وأن لا يجب بقطع يده شيءكالميت

قال: (ولو ادعي زواله فإن لم ينتظم قوله وفلعه في خلواته .... فلخ دية بلا يمين) لأن يمينه تثبت جنونه، والمجنون لا يحلف كالصبي إذا ادعي البلوغ، كذا أطلقه الشيخان، وهو في مطبق الجنون ظاهر.

أما إذا كان الإختلاف مع تقطع الجنون .... فإنه يحلف زمن إفاقته كما صرح به ابن الرفعة.

وقوله: (ادعي زواله) فيه نظر؛ لأن المجنون لا تصح دعواه وعبارة (الشرح) و (الروضة): أنكر الجاني زوال العقل ونسة إلة التجانن، فيحمل ما في الكتاب على دعوى وليه أو منصوب الحاكم.

وعلى هذا: يقرأ لفظ المصنف بضم الهمزة

ولم يذكروا للمراقبة حدا وغاية، والظاهر: أن غايتها أن تتكرر بحيث يغلب علي الظن صدقه أو كذبه من غير ضبط بمدة مقدرة.

قال: (وفي السمع دية) كذا رواه البيهقي [8/ 86] عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إسناده غير قوي، وهو من أشرف الحواس فأشبه البصر، بل هو أشرف منه عند أكثر الفقهاء؛ لأنه يدرك به من الجهات الست وفي النور والظلمة، ولا يدرك باالبصر إلا من جهة المقابلة وبواسطة من ضياء أو شعاع.

وقال أكثر المتكلمين بتفصيل البصرعليه؛ لأن السمع لا تدرك به إلا الأصوات، والبصر تدرك به الأجسام والألوان والهيئات، فلما كانت تعلقاته أكثر .... كان أفضل.

وفي (سنن البيهقي)[8/ 68]: أن رجلًا رمى رأس رجل فذهب سمعه ولسانه ومعقله وذكره، فلم يعرف النساء، ففقضي فيه عمر بأربع ديات وهو حي، ولا مخالف له.

ص: 508

وَمِن أُذُنٍ نِصْف، وَقَيْل: قِسْط النُقَّص، وَلُو أَزالَ أُذُنَيْهُ وَسَمِعَهُ .... فَدِيَتانِ، وَلُو أَدَّعِي زَوالهُ وَأَنْزَعِج بصياج في نُوَّم وَغَفْلَة .... فَكاذِب،

ــ

وإنما تجب الدية في السمع إذا زال بالكلية، فإن لم يزل ولكن أرتق داخل الأذن بالجناية ارتتاقا لا وصول إلى زواله .... فالأصح: وجوب حكومة.

وقيل: تجب دية.

قال: (ومن أذن نصف)؛ لأنه من المثاني، فكان كذهاب الضوء من إحدي العينين؛ لأن لكل أذن خرتا يجرى فيه الصوت إلى منتهاه، كما قيل (من الطويل):

وكيف ترى ليلي بعين ترى بها .... سواها وما طهرتها بالمدامع

وتلتذ منها بالحديث وقد جرى .... حديث سواها في خروت المسامع

قال: (وقيل: قسط النقص) أي: من الدية، وهذا قياس قولنا: إن السمع ليس من المثاني، ولكن اعتبار النظر إلى الأذن أقرب.

قال الرافعي: وقد يقال: تجب الحكومة؛ لأن السمع واحد، وإنما التعدد في المنفذ، بخلاف ضوء البصر؛ فإن لطيفته متعددة ومحلها الحدقة.

قال: (ولو أزال أذنيه وسمعه .... فديتان)؛ لقطعة عضوا وإذهابه منفعة حالة في غيره، فلم يدخل أرش المنفعة في دية العضو كما لو أوضحه فعمي.

قال: (ولو ادعي زواله وانزعج بصياح في نوم وغفلة .... فكاذب)؛ لظهور ما يدل عليه.

ومقتضي تعبيره ب (كاذب): أن الجاني لا يحلف، وليس كذلك؛ فقد صرح الماوردي بأنه يجب ان يحلف أن سمعه لم يذهب بجناية.

وخص المصنف الانزعاج بالصياح وهو لا يختص به، بل الرعد وطرح شيء له صوت من علو كذلك.

ص: 509

وإلَاّ فيحلف ويأخذُ ديَة، وإِنَ نَقَصَ

فقسطُهُ إنْ عُرِفَ، وَإِلّا .... فَحُكُومَة بِاجْتِهاد قاضَ، وَقَيْل: يُعْتَبَر سَماع قَرَننَهُ في صِحتِهُ، وَيَضْبِط التَفاوُت

ــ

وقيد الماوردي (الصياح) بصوت مزعج مهول يتضمن إنذارًا أو تحذيرًا، قال: ولا بد من تكرر ذلك من جهات وفي أوقات الخلوات حتى يتحقق زوالسمع بها.

قال: (وإلا ..... فيحلف ويأخذ دية)؛ لأن الظاهر صدقه، والتحليف لاحتمال التجلد.

ثم إذا ثبت زوال سمعه إما بإقرار الجاني أو بالطريق المذكور .... قال الماوردي: يراجع عدول الأطباء، فإن نفوا عوده

وجبت الدية في الحال، وإن جوزوا عوده إلى مدة معينة

انتظرت: فإن عاد فيها ..... سقطت، وإلا .... ثبتت.

قال: (وإن نقص .. فقسطه إن عُرف)؛ بأن كان يسمع من موضع فصار يسمع من دونه، ويؤخذ ذلك من الدية كنظائرة.

وطريق معرفته: أن يحدثه شخص ويتباعدإلى أن يقول: لا أسمع، فيعلي الصوت قليلًا

، فإن قال: أسمع .... عرف صدقه، ثم يعمل كذلك من جهة أخرى، فإّا اتفقت المسافتان .... عرف صدقه، ثم ينسب ذلك من مسافة سماعه قبل الجناية إن عرفت، ويجب بقدره من الدية.

قال: (وإلا

فحكومة باجتهاد قاض) أي: وإن لم يعرف ولكن ساء سمعه وثقلت أذنه

فالذي أورده الأكثرون وعليه جرى صاحب (التهذيب) وغيره: أنه لا سبيل إلى تقديره، وتجب حكومة يقدرها الحاكم باجتهاده.

قال: (وقيل: يعتبر سماع قرنه في صحته) هذا رأى الإمام وطائفتة، وهو أن عتبر بسمع (قرنه) وهو: المماثل له في السن والصحة، وهو بفتح القاف كما ضبطه المصنف بخطه، والجمع: أقران.

وكيفية ذلك: أن يجلس إلى جنبه (ويضبط) نهاية سمع السليم ونهاية سمع المجني عليه، ويجب بنسبة ما بينهما من (التفاوت) من الدية.

فلو قال: أنا أعلم قدر ما ذهب من سمعي .... قال الماوردي: صدق بيمينه؛ لأنه لا يعرف إلا من جهته، كما تصدق المرأة في حيضها.

ص: 510

وَإِنْ نَقَصَ مِن أُذُنٍ .... سُدَّتْ وَضُبِط مُنْتَهَى سَماع الأُخْرى ثُمَّ عُكِس وَوَجَبَ قِسْطُ التَفاوُت. وَفِي ضَوْء كُلّ عَيْن نِصْفُ دِيَة، فَلَو فَقَأَها

لِمَ يَزِد، وَإِن ادَّعَى زَوالهُ

سُئِلَ أَهْلُ الخِبْرَة، أَو يَمْتَحِن بِتَقْرِيب عَقْرَب أَو حَدِيدَة مَن عينهُ بَغْتَة، وَنَظَر هَل يَنْزَعِج؟

ــ

قال: (وإن نقص من أذن

سدت وضبط منتهي سماع الأخري ثم عكس ووجب قسط التفاوت)؛ طلبا للعدل، فإن لم ينضبط ..... فالحكومة.

قال: (وفي ضوء كل عين نصف دية)؛ لأن منفعتها النظر فذهابه كالشلل، وفي كتب الفقه عن معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وفي البصر الدية) وليس بمعروف في كتب الحديث، وسواء الصغيرة والكبيرة، وعين الطفل والشيخ والشاب، والحادة والكليلة / والصحيحة والعليلة، والعشيلء والعمشاء، والحولاء إذا كان النظر سليمًا.

فإن أخذت دية البصر ثم عاد .... استردت قطعًا.

قال: (فلو فقأها ..... لم يزد) كما لو قطع يديه، بخلاف ما لو قطع أذنية فبطل سمعه؛ لأن السمع ليس في جر الأذن.

ولو أزال الضوء ثم فقأهما .... وجب مع الدية حكومة.

قال: (وإن ادعى زواله .... سئل أهل الخبرة)؛ فإنهم إذا أوقفوا الشخص في مقابلة الشمس ونظروا في عينيه .... عرفوا هل الضوء ذاهب أو موجود؟ بخلاف السمع؛ فإنهم لا يراجعون فيه؛ إذ لا طريق لهم إلى معرفته.

فإن كانت الجناية عمدًا .. اشترط رجلان من أهل الخبرة، وإلا ..... كفي رجل وامرأتان.

ثم إذا روجع أهل الخبرة فشهدوا بذهاب البصر .... لم يحلف وتؤخذ الدية، بخلاف الامتحان؛ فإنه لا بد من تحليفه.

قال: (أو يمتحن بتقريب عقرب أو حديدة من عينه بغتة، ونظر هل ينزعج؟) فإن

ص: 511

وَإِنَّ نَقُصّ ..... فَكَالسَمْع

ــ

انزعج .... فالقول قول الجاني بيمينه، وإن لم ينزعج .... فالقول قول المجني عليه بيمينه، والأول هو المنقول عن (الأم)، والثاني - وهو الامتحان بما تقرر - قاله آخرون، وعليه جرى الغزالي.

وقال المتولي: الأمر إلى خبرة الحاكم، وهو الذي في الكتاب تبعًا ل (المحرر).

وجعل في (الروضة) ذلك خلافًا لم يصحح منه شيئًا.

قال: (وإن نقص

فكالسمع)، فيجب من الدية قسط الذاهب إن عرفت نسبته.

وإن لم يعرف مدى بصره قبل الجناية .... وجب حكومة؛ لتعذر إيجاب قسط من الأرش المقدر.

وقيل: يعتبر بمثله في السن والصحة كما سبق في السمع.

وإن نقص ضوء إحدى العينين

عصبت العليلة وضبط قدر ما يبصر بالصحيحة، فإن اختلف كلامه .... عمل بالأقل، ثم تعصب الصحيحة ويضبط قدر ما يبصر بالعليلة، ويجب قسط الناقص بالمساحة؛ لاختلاف الناس في البصر، فعن الماسرجسي أنه قال: رأيت صائدا يرى الصيد من فرسخين.

حادثة:

سئل ابن الصلاح عن رجل أرمد بالبايدة تدعى الطب لتداوي عينه، فكحلته، فتلفت عينه: هل يلزمها ضمانها؟

فأجاب: إن ثبت أن ذهاب عينه بدوائها .... فعلى عاقلتها ضمانها، وإن لم يكن

فعلى بيت المال، وإن تعذر .. فعليها في مالها، إلا أن يكون الأرمد أذن لها في المداواة بهذا الدواء المعين ..... فلا تضمن.

قال: ونظيره: ما إذا البالغ العاقل في قطع سلعته أو فصده فمات .... لا يضمن، أنا إذا لم ينص عليه

فلا يتناول إذنه ما يكون سببًا في إتلافه.

ص: 512

وَفِيَّ الشَمّ دِيَة عَلَى الصَحِيح، وَفِيَّ الكَلام دِيَة،

ــ

قال: (وفي الشم دية على الصحيح) بالقياس علي البصر، واستدل له الرافعي وابن الرفعة بأن ذلك ورد في كتاب عمرو بن حزم، ولا يعرف ذلك فيه.

والثاني: ليس فيه إلا حكومة؛ لأنه ضعيف النفع، فإن منفعته إدراك الروائح وما يتأذي برائحته أكثر مما يتلذذ به.

ولو أذهب شم أحد المنخرين

وجب نصف الدية.

قال الرافعي: ويشبه أن يجئفيه الوجه المذكور في إبطال سمع إحدى الأذنين.

وإن انتقص الشم

نظر: إن علم قدر الذاهب

وجب القسط، وإلا

فالحكومة، ويمتحن المجني عليه بتقريب ما له رائحة طيبة أو خبيثة، فإن هش للطيبة وعبس للخبيثة .... صدق الجاني بيمينه، وإلا .... صدق المجني عليه بيمينه بعد أن يكرر ذلك عليه.

وقيل: يشم الخردل المدقوق، فإن دمعت عيناه

فكاذب، وإلا .... فلا.

قال بقية بن الوليد لشعبة - وهو من شيوخة -: ما تقول في رجل ضرب فادعى زوال شمة؟ فقال: سمعت المشيخة يقولون: يشم الخردل، فإن دمعت عيناه

فهو كاذب، وإن لم تدمع

أعطي الدية.

فإن اختلفا في نفس النقصان .... صدق المجني عليه؛ إذ لا يعرف من جهته ولو أخذ المجني عليه الدية ثم عاد الشم

وجب ردها.

قال: (وفي الكلام دية) قال الشافي: لا أحفظ عن أحد لقيته من أهل العلم فيه خلافا، ونقله ابن المنذر عن أكثر أهل العلم ومنهم الأئمة الثلاثة، ولم تثبت فيه سنة.

وقول الرافعي، وغيره عن زيد بن أسلم: مضت السنة بالدية فيه غريب، إنما رواه البيهقي عنه في الصوت.

ص: 513

وَفِيَّ بِعَضّ الحُرُوف قَسَطهُ، وَالمُوَزَّع عَلِيّها ثَمانِيَة وَعِشْرُونَ حِرَفًا في لُغَة العَرَب وَقَيْل: لا يُوَزِّع عَلِيّ الشَفَهِيَّة وَالخُلْقِيَّة،

ــ

ثم إنما تجب الدية إذا حكم أهل الخبرة بان نطقه لا يعود، فإن عاد ..... استردت فلو ادعاه

امتحن في الخلوة بما يفرغ، فإن لم يظهرشيء

حلف.

قاال: (وفي بعض الحروفقسطه) لكل حرف ربع سبع الدية؛ فإن الكلام يتركب منها، وسواء ما خف منها على اللسان وما ثقل.

قال: (والموزع عليها ثمانية وعشرون حرفًا في لغة العرب)؛ لأن اللسان يعبر عن جمعيها، ولهذا لا ينطق الأخرس بشيء منها وعدها الجمهور كما عدها المصنف، وأسقطوا لا؛ لأنها لام وألف وهما معدودان.

والماوردي والإصطخري وجمهور النحاة عدوها تسعًا وعشرين، وأسقط المبرد (الهمزة) فجعلها ثمانية وعشرين.

ولا شك أن حروف اللغات مختفلة، فبعضها أحد وعشرون، وبعضها ستة وعشرون، وبعضها أحد وثلاثون، فكل من تكلم بلغة فبطل كلامه

وزعت ديته على حروف تلك اللغة

وقد انفردت العرب بحرف الضاد، فلا يوجد في غيرها كما تقدم في (صفة الصلاة).

وفي بعض اللغات حروف ليست في لغة العرب، كالحرف المتولد بين الجيم والشين.

فلو كان أعجمي اللسان .... اعتبر عدد حروف لغته.

قال: (وقيل: لا يوزع علي الشفهية والحلقية) هذا رأي الإصطخري وابن أبي هريرة؛ فإنهما خصا التوزيع بحروف اللسان وهي ثمانية عشر؛ لأنها متعلقة به دون (الشفهية) وهي ستة: الهمزة والهاء والحاء والخاءش والعين والغين، وبهذا قال مالك.

واستدل للأول بأن الحروف وإن كانت مختلفة المخارج إلا أن الاعتماد في جمعها على اللسان؛ إذ لا يستقيم إلا به.

ص: 514

وَلُو عَجَّزَ عَن بِعَضّها خَلَقَة أَو بِآفَة سَماوِيَّة ..... فدة، وَقَيْل: قِسْط، أَو بِجِنايَة .... فَالمُذَهَّب: لا تَكْمَل دِيَة،

ــ

هذا إذا ذهب بعض الحروف وبقي كلام مفهوم، فإذا لم يبق كلام مفعوم

فوجهان: أحدهما: يجب كمال الدية، وبه جزم البغوي، وقال الروياني: إنه المذهب.

والثاني: لا يلزمه إلا قسط الحروف الفائتة، قال المتولي: وهو المشهور المنصوص.

ولو ضرب شفته فاذهب الحروف الشفهية، أو رقبته فأذهب الحروف الحلقية

قال المتولي: إن قلنا بقول الإصطخري

وجبت الحكومة فقط، وإن قلنا بقول الأكثرين

وجب قسط الدية من جميع الحروف.

ولو جتى على لسانه فصار يبدل حرفًا بحرف .... وجب قسط الحرف الذي أبطله، ولو ثقل لسانه بالجناية، أو حدث في كلامه عجلة، أو تتمته، أو فأفأة، أو كان ألثغ فزادت لثغته .... فالواجب الحكومة؛ لبقاء المنفعة.

وتعبيره ب (الشفهية) هو الصواب؛ لأنها منسوبة إلى الشفة، وأصلها: شفهة. وأما تعبير (المحرر) بالشفوية

فلا وجه له إلا على قول ضعيف: إن المحذوف منها الواو.

قال: (ولو عجز عن بعضها خلقة أو بآفة سماوية

فدية)؛ لأن ضف منفعة العضو لا يخل بكمال ديته كضعف البطش، فإذا أذهب بعض الحروف .... وزعت على ما يحسنه لا على الجميع.

قال: (وقيل: قسط) أي: من جميع الحروف؛ لأن النطق مقدر بالحروف، بخلاف البطش.

فعلى هذا: لو كان يقدر على التعبير عن جميع مقاصده بما يحسنه بذكائه .... لم تكمل الدية علة الأصح.

قال: (أو بجناية) أي عجز عن بعضها بجناية (فالمذهب: لا تكمل دية)؛ لئلا يتضاعف الغرم في القدر الذي أبطله الجاني الأول، والخلاف في هذه مرتب على الخلاف في التي قبلها.

ص: 515

وَلُو قَطَّعَ نَصُفّ لِسانهُ فَذَهَبَ رُبْع كَلامهُ أَو عَكْس

فَنَصِف دِيَة. وَفِيَّ الصَوْت دِيَة، فَإِنَّ أُبَطَّل مَعَهُ حَرَكَة لِسان فَعَجْز عَن التَقْطِيع وَالتَرْدِيد

فَدِيَتانِ، وَقَيْل: دِيَة. وَفِيَّ الذَوْق الدِيَة،

ــ

قال: (ولو قطع نصف لسانه فذهب ربع كلامه أو العكس

فنصف دية)؛ لأن منفعة العضو إذا ضمنت بديته

اعتبر فيه الأكثر من العضو والمنفعة، كما لو قطع الخنصر فشلت اليد

وجب دية يد، وإن لم تشل .... وجب عشر من الإبل وهو خمس ديتها وإن كان الذاهب دون خمس المنفعة.

قال: (وفي الصوت دية)؛ لما تقدم من راوية البيهقي له عن زيد بن أسلم من قوله: مضت السنة أن في الصوت الدية، وقول الصحابي:(من السنة كذا) في حكم المرفوع، ولأنه من المنافع المقصودة.

قال في (المطلب): وصورة المسألة: أن يزول الصوت ويبقي اللسان على اعتداله وتمكنه من التقطيع والترديد.

قال: (فإن أبطل معه حركة لسان فعجز عن التقطيع والترديد .... فديتتان)؛ لأنهما منفعتان مختلفتان في كل واحد منهما إذا انفردت الدية، فإذا فوتنا .... وجب ديتان.

قال: (وقيل: دية)؛ لأن المقصود الكلام، لكنه يفوت تارة ببطلان الصوت وأخرى بعجز اللسان عن الحركة.

قال: (وفي الذوق الدية) كباقي الحواس، بل هو أنفع من الشم، وقد يبطل الذوق بجنايته على اللسان أو الرقبة أو غيرهما.

وصورة الجمهور بأن يجنى عليه فيفقد لذة الطعام والتمييز بين الطعوم الخمسة الآتية، واستشكله ابن الصباغ بأن النص: أن في لسان الأخرس الحكومة مع أن الذوق يذهب بقطعة، فدل على أن في الذوق الحكومة، وهو متوجه.

ص: 516

وَتُدْرِك بِهِ حَلاوَة وَحُمُوضَة وَمَرارَة وَمُلَوِّحَة وَعُذُوبَة، وَتُوَزِّع عَلِيّهُنَّ، فَإِنَّ نَقُصّ .... فَحُكُومَة. وَتَجَنَّبَ الدِيَة في المُضَغ وَقُوَّة إِمْناء بِكَسْر صَلَبَ،

ــ

فإذا ادعي ذهابه جرب بالأشياء المرة أو الحامضة أو الحادة، فإن ظهرمنه تعبيس وكراهة

صدقنا الجاني بيمينه، وإلا .... فالمجني عليه.

ولو ضربه ضربة زال بها ذوقه ونطقه

وجبت ديتان؛ لأن محلها مختلف، والنفع بهما قد ألأف، فليست ديتهما تأتلف.

قال: (وتدرك به حلاوة وحموضة ومرارة وملوحة وعذوبة، وتوزع عليهن)، فإذا أبطب إدراك واحد .... وجب خمس الدية.

قال الماوردي: وربما أوصل الأطباء الطعوم إلة ثمانية، وذلك لا نعتبره في الأحكام؛ لدخول بعضها في بعض.

قال: (فإن نقص ..... فحكومة) أى: فإن نقص الإحساس فلم تدرك الطعوم على كمالها .... فالواجب الحكومة.

قال: (وتجب الدية في المضغ)؛لأنه المنفعة العظمي للأسنان، والأسنان مضمونة بالدية، فكذا منافعها، كالبصر مع العين، والبطش مع اليد، فتكمل الدية في إبطاله، ولإبطاله طريقان:

أحدهما: أن يجني على اللحيين فييبسا حتى لم ينقتحا ولم ينطبقا فلا يضمن دية الأسنان حيئنذ منافعها؛ لأنه لم يجن عليها.

والثاني: أن يجني على الأسنان فيصيبها خدر فتبطل صلاحيتها للمضغ، وهذا الحكم لم يرد فيه خبر ولا أثر، ولم يتعرض له الشافعي والجمهور، وإنما قاله الفوراني والإمام، فتبعها الناس.

قال: (وقوة إمناء بكسر صلب)؛ لأن فيه منفعة النسل فتكمل فيه الدية، بخلاف انقطاع اللبن بالجناية على الثدي؛ فإن فيه حكومة فقط؛ لأن الرضاع يطرأ ويزول، واستعداد الطبيعة للإمناء صفة لازمة للفحول.

وإذا قطع أنثييه فذهب ماؤه

لزمه مع دية الأنثيين دية أخرى؛ لذهاب الماء.

ص: 517

وَقُوَّة حَبَلَ وَذَهاب جِماع، وَفِيَّ إِفْضائها مَن الزَوْج وَغَيَّرَهُ دِيَة - وَهُوَ: رَفَعَ ما بَيَّننَ مُدْخَل ذِكْر وَدَبَرَ،

ــ

و (الصلب): العظم المتصل من بين الكتفين إلى عجب الذنب، وفيه خمس لغات: صلب وصُلب وصَلَب وصُلَب وصالِب، وهي قليلة الأستعمال، لم تسمع إلا في قول العباس رضي الله عنه:(تنقل من صالب إلى رحم).

قال: (وقوة حبل)، فتكمل فيه الدية إذا أبطله من المرأة؛ لانقطاع النسل.

قال: (وذهاب جماع)، فإذا جنى على صلبه فذهب جماعه .... لزمه دية؛ لأن ذلك من المنافع المقصودة، وقد ورد به الأثر عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم، ولا مخالف لهم.

ولو ادعى زواله فأنكر الجاني .... صدق المجني عليه؛ لأنه لا يعرف إلا من جهته.

وصوره بما إذا لم ينقطع ماؤه وبقي ذكره سليمًا، فكأنهم أرادوا بذهابه: بطلان الالتذاذ والرغبة فيه، ولذلك صوره الإمام والغزالي بإبطال شهوته، واستبعد الإمام إبطالها مع بقاء المني.

قال: (وفي إفضائها من الزوج وغيره دية)؛ لفوات منفعة الاستمتاع أو اختلاله، سواء استمسك مع ذلك بولها أم لا، وسواء أفضاها بذكر أم بغيره وإن كانتزانية.

وفي كلام بعضهم ما يفهم الإهدار فيها، وفيه نظر إلا أن تكون عالمة بأنه يفضيها، فيكون إذنها في ذلك كالإهدار.

وقد روى عن زيد بن ثابت وعمر بن عبد العزيز في الإفضاء الدية، وعلله الماوردي بأنه يقطع التناسل؛ لأن النطفة لا تستقر في محل العلوق لامتزاجها بالبول، فأشبه قطع الذكر.

وأصل الإفضاء من الفضاء، وهى البرية الواسعة.

ويستقر المهر على الزوج بالوطء.

قال: (وهو رفع ما بين مدخل ذكر ودبر)؛ إذ به تفوت المنفعة بالكلية بصيرورة سبيل الجماع والغائط واحدًا.

ص: 518

وَقَيْل: ذِكْر وَبُول - فَإِنَّ لِمَ يُمَكِّن وَطْء إِلّا بِإِفْضاء .... فَلَيْسَ لِلزَوْج،

ــ

قال: (وقيل: ذكر وبول) وهذا عليه الأكثرون؛ لأن ما بين القبل والدبر عظم لا يتأتى كسره إلا بحديدة أو نحوها، ولذلك لم يفصح الرافعي فيه بترجيح، بل نقل كلا عن طائفة، إلا أنه رجح الأول في (المحور) و (الشرح الصغير)، فتابعه المصنف عليه هنا وفي (الروضة)، ثم خالفا ذلك فجزما بالثاني في (باب الخيار في النكاح)، وهو الأوجه.

وفي وجه ثالث صححه المتولي: أن كلا منهما إفضاء موجب للدية؛ لأن الاستمتاع يختل بكل منهما.

فعلى هذا: لو أزال الحاجزين .... لزمه ديتان، ومحل إيجاب الدية إذا لم يلتحم، فإن التحم وعاد الحاجز إلى ما كان

لم تجب إلا الحكومة، كما لو عاد ضوء البصر.

وفي وجه: أن الدية تستقر، كما لو التحمت الجائفة.

والفرق علي الصحيح: أن هناك يلزم الأرش بالاسم، وهنا بفوات العضو وهو الحاجز، فإذا عاد ..... فلا معنى للدية.

ثم إن الدية الواجبة بالإفضاء تختلف: فقد يكون عمدًا محضًا بأن كانت نحيفة والوطء يفضيها غالبًا، وقد يكون شبه عمد بأن يحتما الإفضاء وعدمه، وقد يكون خطأ بأن يجدها في فراشه فيظنها زوجته.

وخرج يقول المصنف: (إفضائها) الخنثي المشكل؛ فلا دية في إفضائه على التفسير الثاني، فإن قلنا بالتفسير الأول

فوجهان.

ولو أزيلت البكارة من فرجه .... وجبت حكومة جراحة، ولا تعتبر البكارة؛ لأنا لا نتحقق كونه فرجًا، كذا نقله الشيخان عن المتولي، وناقشهما في (المهمات).

قال: (فإن لم يمكن وطء إلا بإفضاء .... فليس للزوج)؛ لإفضائه إلى الإفضاء المحرم، وليس لها تمكينه في هذه الحالة.

وقال الغزالي: إن كان سببه ضيق المنفذ بحيث يخالف العادة .... فللزوج خيار

ص: 519

وَمَن لا يَسْتَحِقّ افْتِضاضها فَأُزال البَكارَة بِغَيْر ذِكْر

فَأَرِشها، أَو بِذَكَر لَشَبَّة أَو مَكْرَهَة

فَمَهْر مَثَل ثييا وَأَرِش البَكارَة،

ــ

الفسخ كالرتق، وإن كان سببه كبر آلته بحيث يخالف العادة .... فلها خيار الفسخ كما في الجب.

وقد تقدم في (النكاح): أنه لا خيار بذلك على المذهب.

قال الرافعي: ويشبه أن يفصل.

فإن كانت الزوجة تحتمل وطء نحيف مثلها .... فلا فسخ

وإن كان ضيق المنفذ بحيث يفضي مثلها من أي شخص فرض ..... فهو كالرتق، وينزل ما قاله الأصحاب على الأول، وما قاله الغزالي على الثاني.

قال: (ومن لا يستحق افتضاضها فأزال البكارة بغير ذكر

فأرشها) المراد: الحكومة المأخوذة من تقدير الرق كما سيأتي في بيان الحكومة إن شاء الله تعالى، ويكون الواجب من جنس الإبل على الأصح، وقيل: من نقد البلد.

قال: (أو بذكر لشبهة أو مكرهة .... فمهر مثل ثيبًا وأرش البكارة)، ولا يندرج أرشها في المهر؛ لأن المهر يجب لاستيفاء منفعة البضع، والأرش يجب لإزالة تلك الجلدة، فالجهتان ومختلفتان.

وإن أزالها بالذكر، فإن طاوعته

فلا أرش كما لا مهر.

والمراد ب (المطاوعة): أن تصرح بالإذن، فإن سكتت

ففي وجوب المهر لها وجهان، ذكرهما الرافعي في آخر (باب استيفاء القصاص)، ومقتضاه: ترجيح الوجوب.

وجزم في (الروضة) في (باب البيوع المنهي عنها) بوجوب مهر بكر وأرش بكارة فيما إذا وطئ الجارية في الشراء الفاسد.

وإن كانت مكرهة أو نكح فاسدا

فوجهان: أصحهما: يجب مهر مثلها ثيبًا وأرش البكارة كما قاله المصنف.

واحترز ب (المكرهة) عن المطاوعة، فلا أرش لها ولا مهر.

ص: 520

وقيل: مهر بكر، ومستحقه لا شيء عليه، وقيل: إن أزال بغير ذكر ..

فأزش. وفى البطش ديه، وكذا المشى، ونقصهما حكومه، ......

ــ

وأغرب ابن القطان فقال: إذا لف على ذكره خرقه أفضاها .. كذلك لا مهر لها وأنما يلزمه الأرش كما لو أزال بكارتها بأصبعه.

قال) وقيل: مهر بكر) لأن القصد الاستماع، والجلده زالت فى ضمنه، وهذا صححه فى (الروضه) فى (باب خيار النقص).

والصغيرة والمجنونه يظهر أنهما كالمكرهه.

ومن لزمه أرش البكاره لوحصل معه إفضاء .. دخل أرش فى ديه الأفضاء فى الأصح لأنهما يجبان بالأتلاف فدخل الأقل فى الأكثر، بخلاف المهر فهو للأستماع فلا يندرج فى الأتلاف، كما لو تحامل عليها حال الوطء فكسر رجلها .. لا يدخل المهر فى ديه الرجل

قال: (ومستحقه) وهو الزوج (لا شيء عليه) لأنه مأذون له فيه شرعا فلا يضره الخطأ فى طريق الاستيفاء.

قال: (وقيل: إن أزال بغير ذكر .. فأرش) لعدوله عن الطريق المستحق له، فيكون حينئذ كالأجنبى، وفيما رجحوه نظر لأن الزوج قد يطلق قبل الدخول فيصير مهرها مهر ثيب بعد أن كان مهر بكر فيحصل لها الضرر.

قال: (وفى البطش ديه، وكذا المشى) لأنهما من المنافع المقصوده، فإذا ضرب يديه فأشلهما .. لزمت الديه، ولو ضربت إصبعه فشلت .. لزمه ديه إصبع، ولا تؤخذ الديه حتى يندمل فإن شفى وعاد مشيه وبطشه .. فلا ديه، ولكن عليه الحكومه إن بقى عليه أثر شين

قال: (ونقضهما حكومه) لأجل ما فات، والمراد: نقص كل منهما.

ص: 521

ولو كسر صلبه فذهب مشيه وجماعه أو ومنيه .. فديتان، وقيل دية.

فرع:

أزال أطرافا ولطائف تقضى ديات فمات سرايه .. فديه، وكذا لو حزه الجانى قبل أندماله فى الأصح،

ــ

قال: (ولو كسر صلبه فذهب مشيه وجماعه أوومنيه .. فديتان) لأن كل واحد منهمامضمون بالديه عند الانفراد فكذا عند الاجتماع.

قال: (وقيل: ديه) لأن الصلب محل المنى ومنه يبتدئ المشى، والماء ليس له محل مخصوص فى البدن وإنما يتولد من الأغذيه الصحيحه إذا أخذ منها البدن.

تنميه:

اختلف الجانى والمجنى عليه فى زوال المشى .. امتحن المجنى عليه بأن يقصد بالسيف فى غفله منه، فأن مشى .. بان كذبه، وإلا .. حلف وأخذ الديه.

قال: (فرغ) هذا ذكره لاجتماع ديات فى الأنسان.

قال الغزالى: وهى تقرب من عشرين، وعدها الشيخان سبعه وعشرين فى رجل، وستة وعشرين فى المرأه، فأذا أضيف إليها موجبات الحكومه والشجاج والجوائف .. اجتمع من ذلك مال كثيرلا ينحصر.

قال: (أزال أطرافا ولطائف تقتضى ديات فما سرايه .. فديه) لأنها صارت نفسا.

فالأطراف كاليد والرجل، واللطائف كالسمع والبصر، فلو سرى بعضا واندمل بعض .. وجب فى المندمل أرشه، ورجعت ديه السارى إلى النفس.

قال: (وكذا لو حزه الجانى قبل اندماله فى الأصح) .. فلا تجب إلا ديه النفس

ص: 522

فإن حَزَّ عمدا والجنايات خطأ أو عكسه .. فلا تداخل فى الأصح، ولو حز غيره .. تعددت ......

ــ

لأنهما وجبت قبل استقرار بدل الأطراف، فيدخل فيها بدل الأطراف كما لو سرت.

والثانى – وخرجه ابن سريج، وبه قالالإصطخرى، واختاره الإمام -: تجب ديه الأطراف مع ديه النفس ولا تداخل، كما لو حز بعد الأندمال، وكما لوكان الحاز غيره.

واحترز بقوله: (فبل الاندمال) عما بعده فأنه تجب ديه الأطراف وديه النفس قطعا لاسقرار ديه الأطراف بالاندمال، وهذا بخلاف ما إذا قطع أعضاء بهيمه فسرت الجنايه إلى النفس أو عاد فقتلها فأنه تجب قيمتها يوم موتها، ولا يندرج فيها قيمة الأطراف لأن الغالب على جنايات الإنسان التعبد الذى لا يتوقف على معناه.

قال: (فأن حز عمدا والجنايات خطأ أو عكسه .. فلا تداخل فى الأصح) لأن التداخل يليق بالمتفقات دون المختلفات، وهذا عكس الأصح فى نظيره من العده.

والثانى: يتداخلان كما لو كانا عمدين أوخطأين.

قال: (لو حز غيره .. تعددت قولا واحدا لأن ماحصل بفعل الثانى جنايه أخرى لا تعلق لها بما فعل الأول، فلا تداخل، بل على كل واحد منهما موجب ماجنى.

تنميه:

قطع يده خطأ ثم حز رقبته قبل الاندمال عمدا .. فللولى قتله قصاصا وليس قطع يده.

فإن قتله قصاصا وقلنا بالتداخل وجعلنا الحكم للنفس .. فلا شيء له من ديه.

وإن قلنا: لا تداخل أخذ نصف الديه من العاقله لليد.

وإن عفا عن القصاص وقلنا بالتداخل .. فالأصح: تجب ديه مغلظه على الجانى

ص: 523

فصل:

تَجِبْ الحُكُومَة فِيمَا لَا مَقْدِر فِيهِ- وَهِى جُزْء نِسْبَتِه إِلَى دِيَّة النَّفْسِ، وَقِيلَ: إِلَى عُضْو الجِنَايَة –نِسْبَتَهُ نَقُصَّهَا مِنْ قِيمَتُه لَوْكاَنَ رَفِيقًا بِصِفَاتِهِ،

ــ

لأن معنى التداخل: إسقاط بدل الطرف والاقتصار على بدل النفس.

وإن قلنا: لاتداخل .. وجب نصف ديه مخففه على العاقله لليد وديه مغلظه عليه للنفس.

قال: (فضل:

تجب الحكومه فيما لا مقدر فيه، وهى جزء نسبته إلى ديه النفس – وقيل: إلى عضو الجنايه – نسبته نقصها من قمته لو كان رفيقا بصفاته) لما انتهى الكلام فى الديه .. عقبه بذكر الحكومه لتأخرها عنها لأنها لا تجب إلا فيما لا مقدر فيه، والغزالى ذكرها فى أوائل الباب.

قال الرافعى: وذكرها هنا أحسن ليتم الكلام على الانتظام صنع فى (الروضه) فذكرها هنا.

مثاله: جرح يده، فيقال: كم قيمه المجنى عليه بصفاته التى هو عليها بغير جنايه لوكان عبدا؟

فإذا قيل: مئه .. فيقال: كم قيمته بعد الجنايه؟ فإذا قيل: تسعون فالتفاوت العشر، فيجب عشر ديه النفس لأن الجمله مضمونه بالديه فتضمن الأجزاء بجزء منها، وهذا هو الصواب الذى قطع به الجمهور.

والوجه الثانى: أنه يناسب إلى العضو الجنايه لا إلى ديه النفس فيجب عشر ديه اليد وهو خمس من الأبل، فإن كانت الجنايه على إصبع بطولها .. وجب بعير، أو على أنمله .. وجب ثلث بعير ويقاس على ذلك ما أشبه.

والمنصف أطلق الخلاف، ومحله: إذا كانت الجنايه على عضو له أرش مقدر، فأن كانت على الصدر أو الفخذ مما لا تقدير فيه .. اعتبرت من ديه النفس بلا خلاف كما سيأتى.

ص: 524

فَإِنْ كَانَتْ لِطَرَفٍ لَهُ مَقْدِرْ .. اشْتَرَطَ أَنْ لَا تَبْلُغْ مَقْدِرَه، فَإِنْ بَلَغَهُ .. نَقْص القَاضِى شَيْئًا بِاجْتِهَادِه

ــ

لكن يستثنى من النسبه: ما إذا قطع أنمله لها طرفان فإن الواجب فيها ديه الأنمله وحكومه، وهذه الحكومه لا تعتبر بالنسبه، بل يوجب الحاكم فيها مايؤدى إليه اجتهاده، وهذاالتقدير مختص بالحاكم، فلو فعله غيره .. لم يكن له أثر فى ذلك

قال الماوردى: ولهذا سميت حكومه، قال: وإذا تقدرت باجتهاد الحاكم .. لم يصر ذلك حكما مقدرا فى كل أحد، بخلاف ماورد فى تقدير جزاء الصيد فأنه لازم لكل أحد والفرق: القصور رتبه الاجتهاد عن النص.

فرغ:

إزالة الشعر من الرأس وغيره بحلق أوغيره من غير أفساد المنبت لا تجب لها حكومه أصلا بلا خوف لأن الشعور تعود ‘كذا فى (الروضه) وفيه في (الكفايه) وجهان آخران:

أحدهما: تجب فيه حكومه دون حكومه ما لم يعد.

الثانى: إن حصل للمجنى عليه ألم بالإزاله وجب، وإلا.:فلا.

وأما إزاله الشعور التى ليس فى بقائها جمال كشعر لحيه المرأه الإبط والعانه ..

ففيه وجهان:

أحدهما: لا ضمان فيه.

والثانى: فيه الحكومه

ولو أزال شعر لحيه خنثى وأفسد منبتها، فإن قلنا: نباتها يدل على ذكورته .. لزمه حكومه قطعا، وإن قلنا: لايدل، وهو الأصح .. ففى لزومها الوجهان فى لحية المرأه.

فال: (فإن كانت لطرف له مقدر .. اشترط أن لا تبلغ مقدره، فأن بلغته .. نقص القاضى شيئا باجتهاده) لأن العضو مضمون بالأرش لوفات فلا يجوز ان تكون

ص: 525

أَو لَا تَقْدِيرِ فِيهِ كَفَخْذِ .. فَإِنْ لَا تَبْلُغْ دِيَّة النَّفْسِ وَيَقُوم بَعْدَ انْدِمَالَهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَّقِ نَقَصْ .. اعْتَبَرَ أَقْرَبْ نَقْصٍ إِلَى الاِنْدِمَال، وَقِيلَ: يَقْدُرَهُ قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ، ..

ــ

الجناية عليه مضمونه به مع بقائه، كالجراحه على الأنمله العليا، وقلع الظفر ينقص حكومتها عن أرش الأنمله.

قال الماوردى: وأقل النقص ما يجوز أن يكون ثمنا.

وقالالإمام: لايكفى حط أقل متمول، فإذا كانت على رأس .. فلا تبلغ حكومتها أرش الموضحه، وعلى البطن .. لا تبلغ أرش الجفائفه، وحكومه أرش الكف لاتبلغ ديه الأصابع الخمس.

ويجوز ان تبلغ حكومه الكف ديه أصبع على الأشبه فى (الشرح) والأصح فى (الروضه) وصحح فى (الكفايه) تبعا للإمام مقابله، وعلل الأول بأن منفعتها تزيد عل منفعه إصبع، ونظير اعتبار نقص الحكومه عن المقدر نقص التعزيز عن المحد، والرضخ عن السهم، والمتعه عن نصف المهر.

قال: (أولا تقدير فيه فأن لاتبلغ ديه نفس)، بل يجوز أن تبلغ حكومتها ديه عضو مقدر كاليد والرجل، وأن يزاد عليه، وجعل المتولى والبغوى الساعدوالعضد من هذا القبيل، وهو الأصح فى (الشرح) و (الروضه) وسوى الغزالى بينهما وبين الكف، وهو منصوص (الام) وهوالمتعمد، لارجحه الشيخان، وليست فى (المهمات).

قال: (فإن لم يتق نقص)، كما إذا قلع سنا أوقطع أصبعا زائدتين) .. اعتبر أقرب نقص الى الأندمال) فينظر الى ماقبل الاندمال من الحالات التى تؤثر فى نقص القيمه، ويعتبر أقربها الى الاندمال كما قلنا فى ولد المغرور: إنه يقوم أول حال إمكان تقويمه، وهو حاله الوضع.

قال: (وقيل يقدره قاض باجتهاده) لئلا تذهب الجنايه هدرا، فينظر الى خفه الجنايه، وفحشها فى المنظر سعه وعرضها، وقدر الألام المتولده.

ص: 526

وَقِيلَ: لَا غَرَمْ وَالجَرْح المُقَدَّرْ كَمُوَضِحَهُ يَتْبَعَهُ الشَّنِينَ حَوَالَيْهِ، وَمَا لَا يَتَقَدَّرْ يِفَرْدِ بِحِكُومِه فِى الأَصَّحْ. وَفِى نَفْسِ الرَّفِيقْ قِيمَتَهُ

ــ

قال: (وقيل: لاغرم)، بل يعزر فاعل ذلك، كما إذا لطمه أوضربه بمثقل فزال الألم ولم ينقص منفعه ولا جمالا، وأختاره ابن سريج وقال الإمام: انه القياس

قال: (والجرح المقدر كموضحه بتبعه الشين حواليه) لأنه لو أستوعب الإيضاح جميع موضع الشين .. لم يكن فيه إلا أرش الموضحه.

هذا إذاكان الشين فى محل الإيضاح، أما أوضحرأسه فاتسع الشين حتى انتهى الى القفا .. فوجهان من غير ترجيح.

قال: (ومالاينقدر يفرد بحكومه فى الأصح) فتنجب حكومتان حكومه له وأخرى لشينه لأن الحكومه ضعيفه عن الاستتباع، بخلاف الديه.

والثانى: يجب أكثرهما حكومه وتتبعه حكومه الأقل لأن الجرح هو الأصل، والشين كالمتولد منه أو التابع، وعلى هذا: فإناستويا .. فوجهان.

وفائده الخلاف تظهر فى عفوه عن إحدى الحكومتين .. فتجب الأخرى.

ويرد على إطلاق المصنف المتلاحمه فإنها ليست مقدره دائما، وهى كالموضحه فى استتباع فى الأصح.

تنميه:

أوضح جبينه وأزال حاجبه .. فعليه الأكثر من أرش الموضحه وحكومه الشين وإزاله الحاجب

، قاله المتولى، وأقره عليه الشيخان.

قال: (وفى نفس الرقيق قيمته) لما انتهى الكلام من الحكومه .. عقبها بذكر الجنايه على الرقيق لاشتراكهما فى الأمر التقديرى ولذلك قال الأئمه: إن العبد أصل الحر فى الجنايات التى لايتقدر أرشها، كما أن الحر أصل العبد فى الجنايات التى يتقدر أرشها، حيث تجعل جراح العبد من قيمته كجراح الحرمن دينه.

ص: 527

وفى غيرها مَا نَقَصَ إِنْ لَمْ يَتَقَدَّرْ مِنْ الحُرِّ، وَإِلَّا .. فَنِسْبَتَهُ مِنْ قِيْمَهِ، وَفِى قَوْلِ مَا نَقَصَ،

ــ

وقد استوفى المصنف فى (كتاب الغضب) حكم الجنايه على الرقيق وغيره من الحيوان، وإنما أعاده هنا لأن الجنايه عليه تاره تكون من غير إثبات يد عاديه وهو المذكور هنا، وتاره تكون بأثبات اليد وهو المذكور (الغضب) وهما وأن استويا فى حكم النفس لكن يختلفان فى الطرف ونحوه.

فإذا كانت الجنايه على نفس الرقيق .. وجبت قيمته بالانفاق كسائر الأموال المتلفه، لكن تختلف بالفضائل والرذائل دون الذكوره والأنوثه والأديان، ولامدخل فيها للتغليظ، ولايختلف الخطأ والعمد فى ضمانه، ويستوى فيه القن والمكاتب والمدبر وأم الولد، فلو كانت مزوحه .. وحبث قيمتها علىلصفه التى كانت عليها حالة الإتلاف

قال: (وفى غيرها) أى: فى غير النفس (ما نقص إن لم يتدر من الحر) بلا خلاف لأنا نشبه الحرفى الحكومه بالعبد، ليعرف التفاوت فيرجع به، ففى المشبه به أولى

قال: (وإلا فنسيتهمن قيمته) وإن تقدر من الحر كالموضحه وقطع الأطراف، فيجب جزء من قيمته، نسبته إلى كنسبه ال الواجب من الحر الى الديه.

روى عن عمر وعلى رضى الله عنهما أنهما قالا (جراح العبد قيمته كجراح الحر فى دينه).وروى الشافعى والبيهقى عن بن سعيد بن المسيب أيضا، وبه قال أبو حنيفه.

وقال مالك: الواجب قدر النقصان، إلا فى الموضحه ومنقله والمأمومه والجائفه ففيها المقدر.

قال: (وفى قول: مانقص) أى قيمته، كما أن الواجب فى الجمله قدر القيمه لأنه كالبهيمه، لأنه مملوك وبهذا قال المزبى وابن سريج ونسبته المصنف فى (الغضب) الى القديم وهو منصوص (الألم) فى هذا الباب. وخرج ب (الرقيق):المبعض، فقال الماوردى: فى طرفه نصف ما فى طرف

ص: 528

فَلَوْ قُطِعَ ذكره وَأنْثِيَاه .. فَفِي الأَظْهَرْ: قِيمَتَانِ، وَالثَّانِى: مَا نَقَصَ، فَإِنْ لَمْ يَنْقِصْ .. لَا يَجِبْ شَيْءِ

ــ

العبد ونصف ما في طرف الحر، ففي يده ربع الدية وربع القيمة، وفي إصبعه نصف عشر الدية ونصف عشر القيمة، وعلى هذا القياس فيما زاد في الجراحات أو نقص.

قال: (فلو قطع ذكره وانثياه .. ففى الأظهر: قيمتان) كما يجب فيهما ديتان من الحر.

قال: (والثانى: مانقص) أى: من قيمته بالجرح كالبهيمه (فأن لم ينقص) شيء،

وقيل: حكومه يقدرها الحاكم باجتهاده.

فلو قطع عبدا قيمته ألف فرجعت الى مئتين .. فعلى الأصح: لا يلزمه إلا خمس مئه وعلى الأخر ثمان مئه، ولو رجعت إلى ثمان مئه فعلى الأصح: لا تلزمه إلاخمس مئه وعلى الأخر تلزمه مئتان.

تتمه:

محل ماذكره المصنف إذا لم يقطع يده غاصب ونحوه، فإن كان كذلك ونقص به مئلا ثلثا قيمه .. لزمه أكثر الأمرين من نصف القيمه والأرش بسبب اليد العاديه كما تقدم فى بابه

خاتمه

جنى على العيد اثنان قطع أحدهما يده والأخر اليدالأخرى .. فعلى الأصح: إن وقعت الجنايتان معا .. فعليهما قيمته، وإن تعاقبتا وكانت القيمه عند قطع الثانى ناقصه بسبب القطع الأول، فأن مات منهما .. ففى الواجب عليهما أوجه تأتى فى (كتاب الصيد) وأن اندملا، فأن وقع الثانى بعد الأول .. فعلى كل منهما نصف

ص: 529

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قيمته قبل جنايته، وإن وقع قبل اندمال الأول .. فعلى الثاني نصف ما أوجبناه على الأول.

وعلى الوجه الثاني: يجب على كل قاطع ما نقص بجنايته، فإذا قطعت أطراف عبد ثم حز رقبته آخر .. لزمه قيمة العبد ذاهب الأطراف.

ص: 530

بَابُ مُوجِبَاتِ الدِّيِةِ وًالْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةِ

صَاحَ عَلَى صَبِيِّ لَا يُمَيِّزُ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ بِذَلِكَ فَمَاتَ .. فَدِيَةٌ مُغَلِّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ،

ــ

باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة

غرض الباب بيان: أن الواجب في إهلاك النفس وما دون النفس كما يجب بمباشرة الإهلاك يجب باتسبب إليه، وقد سبق أن مراتب الشيء الذي له أثر في ذلك ثلاث، وهي: العلة والسبب والشرط.

ثم أضاف إلى ذلك حكم العاقلة والكفارة، وكان ينبغي أن يقول: وجناية العبد؛ فإنه من فصول الباب، وكذا الغرة، لكن يمكن إدراجهما في العاقلة؛ لأنها تتحملها على الأصح، ولم يبوب في (المحرر) على هذه، بل جعلها فصولا في (الديات).

و (العاقلة) جمع: عقل، والعواقل جمع الجمع، سميت عاقلة؛ لأنهم كانوا يعقلون الإبل بفناء دار القتيل، وقيل: لمنعهم إياه، وقيل: لإعطائهم العقل، وهو: الدية.

وقيل: لدفعهم الإبل بالعقل، وهي: الحبال التي تثمى بها أيدي الإبل إلى ركبها.

قال: (صاح علي صبي لا يميز على طرف سطح فوقع بذلك فمات .. فدية مغلطة على العاقلة)؛ لأنه يتأثر بالصيحة الشديدة كثيرا فأحيل الهلاك عليها، وكذلك الحكم لو صاح على ضعيف التمييز كلمجنون والمعتوه والنائم والمرأة الضعيفة.

والمصنف تبع الرافعي في التقييد بطرف السطح، وهو يقتضي: أن وسطه كالأرض فلا يضمن، وعبارة (التنبيه):(سطح)، وهو أعم، وعبارة

ص: 531

وَفِي قَوْلٍ: قِصَاصٌ. وَلَوْ كَانَ بأَرْضٍ، أَوْ صَاحَ عَلَى بَالِغٍ بِطَرَفِ سَطْحٍ .. فَلَا دِيَةَ فِي الأَصَحِّ. وَشَهْرُ سِلَاحٍ كَصِيَاحٍ،

ــ

(الروضة): (فمات منه)، وهي أحسن من عبارته هنا؛ فإنه لو بقي مدة متألمًا ثم مات منه .. ضمنه، كما لو مات عقبة.

ويلتحق بالموت ما لو تلف بعض أعضائه .. فإنه يضمنه بأرشه، ولو زال عقله .. وجبت الدية، كما جزم به الإمام، ونص عليه في (الأم).

وخرج بـ (الصياح عليه): ما لو صاح على غيره فوقع هو من الصياح .. فهل يكون هدرًا أو كما لو صاح على صيد؟ الأقرب: الثاني.

قال: (وفي قول: قصاص)؛ لأن التأثر بها غالب، وعن أبي حنيفة: لا ضمان في ذلك.

قال الرافعي: وقياس من يوجب القصاص: أن تكون الدية مغلظة غلى الجاني، وما قاله بحثًا صرح بنقله البندنيجي.

ومثل طرف السطح: النهر والبئر نحوها، ووقع في (الشرح) و (الروضة) و (المحرر) و (الحاوي الصغير):(فارتعد)، فجعلوا الارتعاد شرطًا؛ ليظهر به أن السقوط من خوف الصيحة، وحذفه المصنف؛ لأن الجمهور لم يتعرضوا له، لكنه تعرض له فيما إذا صاح على صيد فاضطرب صبي وسقط، وهو يقتضي اشتراطه هنا أيضًا، وقد يفرق بينهما.

قال: (ولو كان بأرض، أو صاح على بالغ بطرف سطح .. فلا دية في الأصح)؛ لأن الموت بذلك بعيد.

والثاني: يجب كالسقوط من السطح.

وفي البالغ وجه ثالث: أنه إن غافصه من وراثه .. وجب الضمان لغفلته، وهو حسن.

قال: (وشهر سلاحٍ كصياحٍ)؛ لأن في معناه، وربما زاد عليه.

ص: 532

وَمُرَاهقٌ مُتَيَقِّظٌ كَبَالِغٍ. وَلَوْ صَاحَ عَلَى صَيْدٍ فَاضْطَرَبَ صَبِيٌ وَسَقَطَ .. فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَلَوْ طَلَبَ سُلْطَانٌ مَنْ ذُكِرَتْ بِسُوءٍ فَأَجْهَضَتْ .. ضُمِنِ الْجَنِينُ .....

ــ

قال: (ومراهقٌ متيقظٌ كبالغ)؛ لمشاركته له في عدم التأثر، فلا دية في الأصح.

وقوله: (كبالغ) يفهم: أن المميز غير المراهق، وليس كذلك، وقل من تعرض له، لكن عموم قول (التنبيه):(وإن صاح على صبي فوقع من سطح ومات .. وجبت ديته) يشمل ذلك.

قال: (ولو صاح على صيد فاضطرب صبي وسقط .. فدية مخففة على العاقلة)؛ لأنه لا يتأثر بها غالبًا، فهو خطأ.

وفي وجه غريب عن صاحب (التلخيص): أن الصائح إن كان محرمًا أو في الحرم .. تعلق بصيحته الضمان؛ لتعديه بذلك، وقد صرح المصنف هنا بالاضطراب كما تقدمت الإشارة إليه.

قال: (ولو طلب سلطانٌ من دُكرت بسوء فأجهضت .. ضُمن الجنين) خلافا لأبي حنيفة.

لنا: ما روى البيهقي [6/ 123] عن الحسن البصري: أن عمر أرسل إلى امرأة من نساء الأجناد يغشاها الرجل بالليل يدعوها وكانت ترقى في درج ففزعت، فألقت حملها، فاستشار عمر الصحابة فيها، فقال عبد الرحمن بن عوف:(إنك مؤدب ولا شيء عليك)، وقال علي:(إن اجتهد .. فقد أخطأ، وإن لم يجتهد .. فقد غشّك، عليك الدية)، فقال عمر لعلي:(عزمت عليك لتقسمنها على قومك) - قيل: أراد: قوم عمر، وأضافهم إلى علي إكرامًا- لكن الأثر منقطع؛ فإن الحسن ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر.

واحترز بقوله: (أجهضت) عما لو مات فزعا بالطلب .. فلا ضمان؛ لأن مثله لا يفضي إلى الموت.

نعم؛ لو ماتت بالإجهاض .. ضمن عاقلته ديتها؛ لأن الإجهاض قد يحصل منه موت الأم، وعلم منه: أنه لو طلب رجلًا ذُكر عنده بسوء وهدده فمات .. لا ضمان أيضًا؛ لندرة ذلك، وإنما هو موافقة قدر، كذا نص عليه (الأم).

ص: 533

وَلَوْ وَضَعَ صَبيًّا فِي مُسْبَعَةٍ فَأَكَلَهُ سَبُعٌ .. فَلَا ضَمَانَ، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الاِنْتِقَالُ .. ضَمِنَ

ــ

وفي (النهاية): يجب الضمان؛ لأنه من الأسباب المؤدية إلى الهلاك.

وذكر (السلطان) ليس بقيد في الضمان، فلو هدد غيره حاملًا وأجهضت فزعا .. فظذلك الحكم على ما بحثه الرافعي؛ لأن إكراه غير الإمام كإكراه الإمام.

ولو أتي رجل إلأى امرأة وهددها عن الإمام ولم يكن الإمام أمر بذلك فأجهضت جنينًا .. ضمنته عاقلة الرجل.

ولو فزع إنسان فأحدث في ثوبه .. لا ضمان؛ لأنه لم ينقص جمالًا ولا منفعة.

(الإجهاض): إلقاء الولد قبل تمامه، واستعمله المصنف من الآدميات، والمعروف تخصيصه بالإبل، قاله ابن سيدة وغيره.

وقال أبو عبيد: يقال: أجهضت الناقة، وأزلقت الرمكة، وأسقطت النعجة: إذا ألقت ولدها قبل تمامه، وهو ظاهر كلام الجوهري؛ فإنه ذكر الإجهاض في الناقة وحدها، وذكر أن الإسقاط يستعمل فيها وفي غيرها.

قال: (ولو وضع صبيًا في مسبعة فأكله سبع .. فلا ضمان)؛ لأن الموجود تضييع وليس بإهلاك، ولأنه لم يُلجئ السبع إليه، بل الغالب من حال السبع الفرار من الإنسان.

قال: (وقيل: إن لم يمكنه الانتقال .. ضمن)؛ لأنه إهلاك عرفي، وإن أمكنه الانتقال من موضع الهلاك فلم يفعل .. فلا ضمان على الواضع قطعًا، كما لو فتح عرقه فلم يعصبه حتى مات، فإن كان الموضوع بالغًا فلا ضمان قطعًا.

ص: 534

وَلَوْ تَبِعَ بِالسَّيْفِ هَارِبًا مِنْهُ فَرَمَى نَفْسَهُ بِمَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ مِنْ طَرَفِ سَطْح .. فَلَا ضَمَانَ، فَلَوْ وَقَعَ جَاهِلًا لِعَمَىّ أَوْ ظُلْمَةٍ .. ضَمِنَ، وَكَذَا لَوِ انْخَسَفَ بِهِ سَقْفٌ فِي هَرَبِهِ فِي الأَصَحِّ

ــ

قال الرافعي: ويشبه أن يقال: الحكم منوط بالقوة والضعف لا بالصغر والكبر، والذي قاله صرح به صاحب (المهذب).

و (المسبعة) - بضم الميم وسكون السين-: الكثيرة السباع، واحترز بها عما إذا وضعه في مضيعة لا سباع فيها فاتفق أن افترسه فيها السبع .. فلا ضمان عليه قطعًا؛ إحالة للهلاك على اختيار الحيوان ومباشرته.

وقد يقال: احترز بها على زبية الأسد؛ فإنها يجب فيها القود في البالغ والصبي، وهذه مسألة صاحب (التنبيه) وغيره، وذكرها الرافعي في (الغصب).

قال: (ولو تبع بالسيف هاربا منه فرمى نفسه بماء أو نار أو من طرف سطح .. فلا ضمان)؛ لأنه باشر إهلاك نفسه عمدًا، والمباشرة مقدمة على السبب، وصار كما لو حفر بئرًا فجأة آخر ورمى نفسه فيها، وفي (الشرح) و (الروضة): أن هذا محله في البالغ العاقل، فلو كان المطلوب صبيًا أو مجنونًا .. بني على أن: عمدهما عمد أو خطأ؟ إن قلنا: خطأ .. ضمنه، وإلا .. فلا ضمان، وكل ما كان في معنى السيف كالسيف.

قال: (فلو وقع جاهلًا لعمى أو ظلمة .. ضمن)؛ لأنه لم يقصد إهلاك نفسه وقد ألجأه المتبع لذلك، لكن لو قتله آخر أو افترسه سبع في الطريق .. فلا ضمان بصيرًا كان أو ضريرًا، إلا أن يُلجئه إليه .. فإنه يضمن.

قال: (وكذا لو انخسف بع سقف في هربه في الأصح)؛ لأنه حمله على الهرب وألجأه إليه، ولو ألقى نفسه على السقف من عُلْوٍ فانخسف به لثقله .. فكإلقاء نفسه في ماء أو نار، ولا فرق في ذلك بين البالغ والصبي والمحنون على الأصح.

والثاني: لا ضمان؛ لأن السبب المهلك له لم يشعر به الطالب والمطلوب، فأشبه ما إذا اعترضه سبع فافترسه.

ص: 535

وَلَوْ سُلِّمَ صَبِيُّ إِلَى سَبَّاحٍ لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ .. وَجَبَتْ دِيَتُهُ

ــ

قال: (ولو سلم صبي إلى سباح ليعلمه فغرق .. وجبت ديته)؛ لأنه مات بإهماله وقلة تحفظه، وتكون ديته ديه شبه العمد، كما لو هلك الصبي بضرب المعلم تأديبًا.

وفي وجه: لا ضمان، كما لو وضع الصبي في مسبعه، وأيضًا الحر لا يدخل تحت اليد.

ويجري الوجهان فيما إذا كان الولي يعلمه بنفسه.

ولو أدخله الماء ليعبر لا لتعليم السباحة فغرق .. فالحكم كما لو ختنه أو قطع يده من أكله فمات، كذا ذكره المتولي.

واحترز بـ (الصبي) على البالغ العاقل إذا سلم نفسه إليه ليعلمه فيغرق؛ فلا ضمان على المشهور لاستقلاله.

وفي (الوسيط): أنه إن خاض معه معتمدًا على يده فأهمله .. احتمل أن يضمنه، والذي ذكره العراقيون والبغوي: أنه لا ضمان؛ لأنه مستقل، وعليه أن يحتاط لنفسه ولا يغتر بقول السابح.

فائدة:

روى البيهقي في (سننه)[214/ 6] في (باب السبق والمرمي) عن عبد الله بن عمر: أنه كتب إلى أبي عبيدة: أن علموا غلمانكم العوم ومقاتلتكم الرمي.

وروى جماعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ من العمر ست سنين .. خرجت به أمه إلى طيبة تزيره في بني عدي بن النجار قال: (فأحسنت العوم في بثرهم).

وفي (صفوة الصفوة) في ترجمة أُسيد بن خُضير: أنه كان يكتب بالعربية ويحسن العوم والرمي، وكانوا في الجاهلية يسمون من كانت فيه الخصال: الكامل.

ص: 536

وَيَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَانٍ،

ــ

و (السباح): العوام، من السبح، وهو: العوم في الماء والتقلب فيه.

قال الجوهري: ويقال: إنه لا ينسى.

وقوله تعالى: {إن لك في النهار سبحا طويلا} أي: تردادا في أمورك كما يتردد السابح في الماء.

قال قوم من العلماء: معناه: أنه إن فات حزب الليل بنوم أو عذر .. فليخلف بالنهار.

واختلف في قوله تعالى: {والسابحت سبحا} :

فقيل: النجوم؛ لأنها تسبح في فلك.

وقيل: الملائكة؛ لأنها تتصرف في الأمور بأمر الله تجيء وتذهب.

وقيل: الشمس والقمر والليل والنهار.

وقيل: السحاب؛ لأنها كالعائمة في الهواء.

وقيل: المنايا تسبح في نفوس الحيوان.

وقيل: جماعة الخيل، ولذلك يقال للفرس: سابح.

وقيل: حيتان البحر، وهي من عظيم المخلوقات، فيروى: أن الله تعالى بث في الدنيا ألف نوع من الحيوان منها: أربع مئة في البر، وست مئة في البحر.

قل: (ويضمن بحفر بئر عدوان)؛ لتعديه بذلك.

هذا إذا لم يعلم به الإنسان، فإن علم وتعمد حتى هلك .. فلا ضمان على الحافر، وصورة العدوان لا تخفى، فإن كان الهالك بها آدميا .. فالدية على العاقلة، أو دابة أو مالا آخر .. فالغرم في ماله حيا وميتا، فلو حفر في أرض غيره عدوانا .. فرضاه بإبقائها محفورة كرضاه بحفرها ابتداء على الأصح.

ومقتضى كلام المصنف: أنه لا فرق في تضمين الحافر بين التردي فيها ليلا أو

ص: 537

لَا فِي مِلْكِهِ وَمَوَاتٍ

ــ

نهارا، ونقله في (الوسيط) عن إطلاق الأصحاب، وخصه الإمام بالتردي نهارا.

هذا إذا لم يوجد هناك مباشر ثان؛ بأن رداه فيها إنسان غيره فالضمان على المردي ولا اعتبار بالحفر كالممسك والقاتل.

وشمل إطلاقه ما لو حصل التردي بعد موت الحافر، والدية فيه على العاقلة.

وفي (الوسيط) في (باب كفارة القتل): ولا خلاف في تعليق الضمان بتركته، وهو على ما إذا كان المتردي بهيمة أو عبدا مما واجبه القيمة؛ فإنها تجب في التركة، وموضع التضمين: ما إذا تجرد التردي للإهلاك، فلو تردت بهيمة ولم تتأثر بالصدمة وبقيت فيها أياما ثم ماتت جوعا أو عطشا .. فلا ضمن على الحافر؛ لحدوث سبب آخر، كما لو جاء سبع فافترسها في البئر، كذا نقله الرافعي في آخر (باب العاقلة) عن البغوي، وأقره.

قال: (لا في ملكه وموات)؛ لأنه غير متعد، حتى لو دخل داخل بإذنه وتردى فيه .. لم يضمن، وعليه حمل ما في (الصحيحين) [خ1499 - م1710] من قوله صل الله عليه وسلم:(البئر جرحها جبار، والمعدن جرحه جبار).

قال أحمد: وما يروى فيه من قوله: (والنار جبار) فغلط ليس بصحيح، وقال أحمد: تصفحت من البئر، فأهل اليمن يكتبون النار بالياء كما يكتبون البير،

والظاهر: أن ما تستحق منفعته بوصية أو وقف كملكه، وكذا ما يستحقه بإجارة يجوز له معها الحفر.

والمراد ب (حفر البئر في الموات): أنه قصد أن ينتفع بها مدة مقامه ثم يتركها للمسلمين، كما نبه عليه البندنيجي وابن الرفعة.

ص: 538

وَلَوْ حَفَرَ بِدِهْلِيزِهِ بِئْرًا وَدَعَا رَجُلًا فَسَقَطَ .. فَالأَظْهَرُ: ضَمَانُهُ، أَوْ بِمِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ مُشْتَرَكٍ بِلَا إِذْنٍ .. فَمَضْمُونٌ،

ــ

ومحل ما ذكره: إذا كانت مكشوفة أو عرفه المالك أن هناك بئرا وأمكنه التحرز، فإما إذا لم يعرفه أو كان الداخل أو في ظلمة .. فكما لو دعاه لطعام مسموم فأكله.

ويستثني من إطلاق المصنف مسألتان:

إحداهما: إذا حفر بالحرم بئرا في ملكه أو في موات .. فإنه يضمن الصيد الواقع فيه في الحرم على الأصح، كما ذكره الرافعي في (باب محرمات الإحرام)، ونقل الإمام فيه هنا الإجماع، وقال لا يستثنى غيره وكذلك قاله المرعشي في (باب الغصب)، ونقله عن النص.

الثانية: إذا حفرها أوسع من العادة .. فيجب ضمان ما يتلف بها.

ولو اجتمع التعدي مع الملك؛ بأن حفر في أرضه التي أجرها أو رهنها بغير إذن المستأجر أو المرتهن .. فلا ضمان؛ لأنه ملكه.

قال: (ولو حفر بدهليزه بئرا ودعا رجلا فسقط .. فالأظهر: ضمانه) هذا كالمستثنى مما سبق، وإنما ضمنه؛ لأنه غره.

والثاني لا يضمنه؛ لأن المدعو هو الذي باشر إهلاك نفسه باختياره.

وقيل: إن كان الطريق واسعا وعن البئر معدل .. فقولان، وإن كان ضيقا .. فقولان مرتبان، وأولى بالوجوب.

وعبارة المصنف تفهم التقييد بالمكلف، لكن عبارة (المحرر) و (الشرح) غيره، وهي أعم.

قال: (أو بملك غيره أو مشترك بلا إذن

فمضمون)؛ لأنه متعد بالحفر، وتكون الدية على عاقلته.

وقوله: (بلا إذن) يعود إلى ملك غيره وإلى المشترك.

ولو حفر بئرا قربة العمق ثم عمقها غير .. فالأصح: أن الضمان عليهما،

ص: 539

أَوْ بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ يَضُرُّ الْمِارَّةَ .. فَكَذَا، أَوْ لَا يَضُرُّ أَذِنَ الإِمَامُ .. فَلَا ضَمَانَ، وَإلَاّ: فَإِنْ حَفَرَ لِمَصْلَحَتِهِ .. فَالضَّمَانُ، أَوْ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ .. فَلَا فِي الأَظْهَرِ ..

ــ

وقيل: يختص بالأول، فعلى الأصح: عليها الضمان بالسوية كالجراحات.

وقيل: توزع بحسب الحفر، وسيأتي فيما لو وضع عدلا في سفينة فيها تسعة أعدال فغرقت تصحيح: أنه يضمن التسعة، والفرق: أن سبب الإهلاك في الأعدال متميز، بخلاف هذا.

ولو حفر بئرا متعديا ثم طمه ثم حفره غيره فهلك به إنسان .. فهل الضمان على الأول؛ لأنه المبتدئ، أو الثاني؛ لانقطاع فعل الأول بالطم؟ فيه وجهان: صحح المصنف الثاني.

قال ابن الرفعة: وينبغي أن يقال: إن طمه بوجه مشروع .. فلا وجه إلا تضمين الثاني؛ لأن الأول بريء بالطم، وإلا .. فهو محل الوجهين.

وإذا كان الحافر عبدا .. تعلق الضمان برقيته، فلو أعتقه السيد .. فضمان من يتردى؛ بعد العتق يتعلق بالعتيق.

قال: (أو بطريق ضيق يضر المارة .. فكذا) أي: فمضمون للتعدي وإن إذن فيه الإمام؛ إذ ليس له أن يأذن فيما يضر.

قال: (أو لا يضر)؛ لسعة الطريق أو لانحراف البئر عن الجادة.

قال: (وإلا) أي: إذا لم يأذن الإمام (فإنه حفر لمصلحته .. فالضمان)؛ لافتنانه على الإمام.

قال: (أو مصلحة عامة .. فلا في الأظهر) هذا هو الجدي؛ لأن المصالح العامة تغتفر لأجلها المضرات الخاصة، ولأن مراجعة الإمام قد تعسر في ذلك.

والثاني- وهو القديم-: يضمن؛ لأن الناظر للمسلمين فيما يتعلق بالمصالح العامة الإمام ولم يأذن.

ص: 540

وَمَسْجِدٌ كَطَرِيقٍ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ جَنَاحٍ إِلَى شَارِعٍ فَمَضْمُونٌ،

ــ

قال: (ومسجد كطريق) بالنسبة إلى الحفر فيه، فإن كان بإذن الإمام .. فلا ضمان، أو بغير إذنه .. فالقولان.

ولو بنى سقف مسجد، أو نصب فيه عمودا، أو طين جداره، أو علق فيه قنديلا فسقط على إنسان، أو تلف به مال، أو فرش فيه حصيرا أو غيره فزلق به إنسان وهلك، أو دخلت منه شوكة في عينه فذهب بها بصره، فإن جرى ذلك بإذن الإمام أو متولي أمر المسجد .. فلا ضمان على الأظهر.

قال البغوي: مثل هذا: لو وضع دنا على بابه ليشرب الناس منه، فإن كان بإذن الإمام .. لم يضمن، أو بغير إذنه .. فكذلك على الأظهر، بخلاف ما لو بني دكة على باب داره فهلك بها شيء .. فإنه يضمنه؛ لأنه فعله لمصلحة نفسه.

قال: (وما تولد من جناح إلى شارع فمضمون) سواء كان مضرا أم لا؛ لأن الارتفاق بالشارع إنما يجوز بشرط سلامة العاقبة.

قال الرافعي: ولم يفرقوا بين أن يأذن الإمام أم لا كما فعلو في حفر البئر لغرض نفسه، فإذا تولد منه هلاك إنسان .. ضمنه بالدية على العاقلة، وإن هل به مال .. وجب في ماله.

واحترز بقوله: (إلى الشارع) من إخراجه إلى ملكه أو إلى ملك غيره بإذنه؛ فلا ضمان قطعا، وإن أخرجه إلى درب منسد بغير إذن أهله .. ضمن المتولد منه، وبإذنهم .. لا ضمان كالحفر في دار الغير بإذنه، كذا قالوه، ويجيء على الوجه المتقدم في (كتاب الصلح): أن الدرب المنسد كالشارع؛ أنه يضمن مطلقا.

فرع:

أشرع إلى ملكه ثم سبل ما تحت جناحه شارعا .. فحكم الضمان منتف عنه، كما لو دام ملكه على البقعة، والظاهر: أنه لو سبل أرضه المجاورة لداره شارعا واستثنى لنفسه الإشراع إليها ثم أشرع

أنه لا ضمان.

ص: 541

وَيَحِلُّ إِخْرَاجُ اٌلْمَيَازِيبِ إِلَى شَاَرِع، وَاٌلتَّالِفُ بِهَا مَضْمُونٌ فِي اٌلْجَدِيدِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فِي اٌلْجِدَارِ فَسَقَطَ اٌلْخَارِجُ .. فَكُلُّ اٌلضَّمَانِ، وَإنْ سَقَطَ كُلُهُ .. فَنِصْفُهُ فِي اٌلأَصَحَّ

ــ

قال: (ويحل إخراج الميازيب إلى شارع)؛ لعموم الحاجة إليها، وهو إجماع لا خلاف فيه، ولا يخفى أن شرطها أن تكون عالية غير مضرة بالمارة كالروشن. و (الميازيب) جمع: مئزاب، وهو بكسر الميم وبعدها همزة، ويجوز تخفيفها بقلبها ياء فيقال: مزاب وميازيب بياء ساكنة في الأول مفتوحة في الثانى، وكذلك كتبها المصنف بخطه، قال: وقد غلط من منع ذلك ولا خلاف بين أهل اللغة في جوازه، ويقال أيضًا: مرزاب براء ثم زاي، وهى لغة مشهورة، قال في) التحرير): ولا يقال بتقديم الزاي، وقد حكاها شيخه ابن مالك في كتاب (ما يهمز وما لا يهمز) عن ابن الأعرابى، فاجتمع فيه أربع لغات.

قال: (والتالف بها مضمون في الجديد)، وكذلك بمائه النازل منه؛ لأنه ارتفاق بالشارع فجوازه مشروط بالسلامة كالجناح، وكما لو طرح ترابًا في الطريق ليطين به سطحه فزلق به إنسان .. ضمنه، وبهذا قال أبو حنيفة.

والقديم-وبه قال مالك-: لا ضمان؛ لأنه من ضرورة البناء، فأشبه ما إذا تولد الإهلاك من بنائه في ملكه، وهو ضعيف؛ لأنه يمكن إجراء الماء إلى بئر يحفرها في داره أو يفتح له أخدودًا في الجدار فلا ضرورة.

قال: (فإن كان بعضه في الجدار فسطق الخارج .. فكل الضمان)؛ لأنه تلف بما هو مضمون عليه خاصة.

وأشار بقوله: (فإن كان بعضه في الجدار) إلى أنه لو كان خارج الجدار؛ بأن سمره عليه .. تعلق الضمان بسقوطه أو بعضه، ولو كان كله في الجدار .. فلا ضمان بوقوعه كالجدار.

قال: (وإن سقط كله .. فنصفه في الأصح)؛ لأن التلف حصل من مباح مطلق ومباح بشرط سلامة العاقبة، وفي قدره وجهان أو قولان:

أحدهما: يجب الضمانتوزيعا على النوعين.

ص: 542

وَإِنْ بَنَى جِدَارَهُ مَائِلًا إِلَى شَارِع .. فَكَجَناَحِ، أَوْ مُسْتَوِياَ فَمَالَ وَسَقَطَ فَلَا ضَمَانَ، وَقِيلَ: إنْ أَمْكَنَ هَدْمُهُ وَإِصْلَاحُهُ .. ضَمِنَ،

ــ

والثاني: يسقط على الداخل والخارج.

وعلى هذا: ففي كيفيته وجهان:

أحدهما: بالمساحة، فإن كان الخارج ثلث الخشبة .. ضمن الثلث، وبه جزم جماعة.

وثانيهما: أنه يكون بالوزن، وصححه في) أصل الروضة)، ولم ينبه على أنه من زوائده.

ويمتحن بهذه المسألة فيقال: رجل قتل إنسانًا بخشبة. ز وجب عليه بعض ديته، وإن قتله ببعضها .. وجب عليه كمال ديته.

وفي قول: يضمن جميع الدية؛ لأن الداخل جذبه الخارج، ولا فرف بين أن يصيبه الداخل أو الخارج؛ لأن الهلاك حصل بثقل الجميع، نص عليه.

والساباط العالي كالجناح.

قال: (وإن بنى جداره مائلًا إلى شارع .. فكجناح)، فيضمن ما تلف به؛ لأنه مباح بشرط سلامة العاقبة.

واحترز بقوله: (إلى شارع) عما لو كان مائلا إلى ملكه .. فلا ضمان؛ لأن له أن بيني في ملكه كيف شاء.

قال: (أو مستويا فمال وسقط .. فلا ضمان)؛ لأنه بنى في ملكه ولم يحصل الميل بفعله، فأشبه ما اذا سقط بلا ميل، أما إذا لم يتمكن من الإصلاح .. فلا ضمان قطعًا.

قال: (وقيل: إن أمكن هدمه وإصلاحه .. ضمن)؛ لتقصيره بترك النقض والإصلاح، ورجحه الروياني وفاقا لابن أبي هريرة وصاحب) التقريب) والقفال، والقضاة: أبي الطيب والماوردي والحسين والجاجرمي، ويحكى عن أصحاب مالك.

ص: 543

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فالذي تحرر في المسالة أربعة آراء ما بين قول ووجه:

أظهرها- ما قاله المصنف-: لا يضمن.

والثانى: يضمن.

والثالث: ان تمكن من نقضه واصلاحه .. ضمن، والا .. فلا.

والرابع: إن علم به .. ضمن، وإلا .. فلا

ولو مال بعضه دون بعض .. نظر: إن حصل التلف براسه المائل .. ضمن، أو بالمستوي منه .. فلا، أو بهما .. ضمن البعض كما تقدم في الميزاب والجناح.

ولو باع باني الجدار المائل أو ناصب المزاب الدار .. لم يبرأ من الضمان، حتى إذا سقط على إنسان فهلك .. يكون الضمان على عاقلة البائع، هكذا نقله الشيخان عن البغوي واقراه عليه، وهو يقتضي: أن يكون الحكم كذلك في الجناح، وهو بعيد، وما يجب ضمانه بهذه الأشياء إن كان آدميًا فهو على العاقلة، مالا .. فهو على ذمة الجاني.

ولو لم يمل الجدار ولكن استهدم .. فليس لأحد مطالبته بنقضه، واذا وقع وأتلف شيئا .. فلا ضمان؛ لأنه لم يجاوز ملكه، قاله الإصطخري والماوردي، وحكى المتولي وجها: أن للجار والمار في الشارع مطالبته بإزالته؛ لما يخاف من ضرره.

فعلى هذا: هو كما لو مال فلم ينقضه فسقط وأتلف.

ص: 544

وَلَوْ سَقَطَ بِالطَّرِيقِ فَعَثَرَ بِهِ شَخْصٌ أَوْ تَلِفَ مَالٌ .. فَلَا ضَمَانَ فِي اٌلأَصَحَّ.

وَلوْ طَرَحَ قُمَامَاتِ وَقُشُورَ بِطَّيخِ بِطَرِيقِ .. فَمَضْمُونٌ عَلَي اٌلصَّحِيحِ،

ــ

قال: (ولو سقط بالطريق فعثر به شخص أو تلف) به (مال .. فلا ضمان في الأصح)؛ لأن الهلاك حصل بغير فعله.

والثاني: يضمن؛ لتقصيره.

ومتقضي كلام الرافعي: أن مقابل الأصح هنا: أنه إن تمكن من رفع النقض فلم يفعل .. ضمن، ولا فرق على الوجهين بين أن يطالب أو لا.

وقال أبو حنيفة: إن طولب وأشهد عليه فلم يفعل .. ضمن، لكن لو مال إلى ملك جاره .. فللجار المطالبة بإزالة المائل؛ لأن الهواء ملكه، فصار كما لو انتشرت أغصان شجرة إليه، فإن امتنع. ز فله نقضه، فإن سقط وتلف به شيء .. فالأصح: لا ضمان أيضا، ولو أراد أن يبنى جداره مائلا إلى دار غيره .. فللجار منعه.

قال: (ولو طرح قمامات وقشور بطيخ بطريق .. فمضمونعلى الصحيح)؛ لما تقدم من ان الاتفاق مشروط بسلامة العاقبة، وكذلك حكم قشور الرمان والموز والفول الأخضر ونحوها.

والثاني: لا ضمان مطلقا؛ لاطراد العادة بالمسامحة به مع الحاجة.

والثالث: إن ألقاها في متن الطريق .. ضمن، أو في منعطف لا ينتهي إليه المارة غالبا .. فلا.

قال الإمام: والوجه: القطع بالضمان في الإلقاء في متن الطريق وتخصيص الخلاف بالإلقاء على الطرف.

قال الرافعي: ولك أن تقول: قد توجد بين العمارات مواضع معدة لذلك تسمى السباطات والمزابل وتعد من المرافق المشتركة، فيشبه ان يقطع بنفي الضمان إذا كان الإلقاء فيها ويختص الخلاف بغيرها.

و (السباطات) جمع: سباطة، وهي: الكناسة، وفي الحديث: (أتى

ص: 545

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

النبي صلى الله عليه وسلم سباطة قوم قبال قائمًا).

والسباطة والكناسة والقمامة شيء واحد وزنا ومعنى.

واحترز بقوله: (بطريق) عما إذا القاها في ملكه أو موات؛ فلا ضمان.

فروع:

قال في (الإحياء): إذا اغتسل إنسان في الحمام وترك الصابون أو السدر المزلقين بأرض الحمام فتزلق به إنسان وتلف به عضو وكان في موضع لا يظهر بحيث يتعذر الاحتراز منه .. فالضمان على تاركه في اليوم الأول، وعلى الحمامي في الثاني؛ فإن العادة جرت بتنظيف الحمام كل يوم، فيرجع إليها.

ولو رش الماء في الطريق فتزلق به إنسان أو بهيمة، فإن كان لمصلحة عامة كدفع الغبار عن المارة .. فالأصح: لا ضمان، وإن كان لمصلحة نفسه أو جاوز في الرش القدر المعتاد .. ضمن.

والطواف إذا وضع متاعه في الطريق فتلف به شيء .. لزمه ضمانه، بخلاف ما لو وضعه على طرف حانوته.

قال ابن الرفعة: محل الضمان في هذه الصورة وما أشبهها: إذا لم ير التالف ما حصل به التلف، فإن رآه وتعمد وضع رجله عليه حتى هلك .. فلا ضمان جزما.

تتمة:

نخس دابة أو ضربها مغافصة، فنفرت ورمت راكبها فمات، أو أتلفت مالًا .. وجب الضمان.

قال البغوي: فإن كان النخس بإذن المالك .. فالضمان عليه.

ولو غلبته دابته فاستقبلها رجل فردها فأتلفت في انصرافها .. فالضمان على الراد.

ص: 546

وَلَوْ تَعَاقَبَ سَبَبَا هَلَاكِ .. فَعَلَى اٌلأَوَّلِ؛ بِأَنْ حَفَرَ وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا عُدْوَانًا فَعَثَرَ بِهِ وَوَقَعَ بِهَا .. فَعَلَى اٌلْوَاضِعِ،

ــ

ولو حمل رجل رجلًا، فقرص الحامل رجل أو ضربه فتحرك وسقط المحمول عن طهره .. قال المتولي: هو كما لو اكره الحامل على إلقائه عن ظهره.

وفي (البيهقي)[8/ 112] عن علي رضي الله عنه: أنه قضى في جارية حملت جارية، فجاءت ثالثة وقرصت الحاملة، فوقعت المحمولة عن ظهرها وماتت: أن الدية أثلاث: ثلث هدر، وثلث على الحاملة، وثلث على القارصة، فالأولى قارصة، والثانية قامصة، والثالثة واقصة.

قال: (ولو تعاقب سببا هلاك .. فعلى الأول)؛ لأنه المهلك إما بنفسه أو بواسطة الثانى.

قال: (بأن حفر ووضع آخر حجرا عدوانا فعثر به ووقع بها .. فعلى الواضع)؛ لأن التعثر هو الذي أوقعه، فكأنه أخذخ ورداه، والحافر وإن كان له دخل ولكنه معه كمعطي الآلة للقاتل؛ فإنه لا ضمان عليه وإن كان القتل لا يحصل بدون الآلة.

ولو وضع إنسان حديدة وآخر حجرًا فعثر إنسان بالحجر ووقع على الحديدة فمات بها .. فالضمان على واضع الحجر على الأصح؛ لأن التعثر بالحجر هو الذي ألجأه إلى الوقوع في البئر أو على السكين، فكأنه أخذه ورداه.

وقال أبو الفياض البصري: إن كانت السكين قاطعة موحية .. تعلق الضمان بواضعها.

وقوله: (ووضع) بـ (الواو) يقتضي: أنه لا فرق في ذلك بين أن يتقدم الحفرعلى الوضع أو بالعكس، وقال في) المطلب): إنه ظاهر نص) المختصر).

ثم إن المصنف أطلق الواضع، ولابد أن يكون من أهل الضمان، فلو تعدى بحفر البئر ووضع حربي أو سيل أو سبع الحجر .. فلا ضمان على أحد على الصحيح، وستأتي الإشارة إليه في المسألة التي بعدها.

وقوله: (عدوانا) حال من الواضع كما صرح به في) المحرر)؛ لأن الحافر لا فرق في عدم تضمينه مع وضع الحجر بين العدوان وغيره.

ص: 547

فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ اٌلْوَاضِعُ .. فَاٌلْمَنْوُلُ: تَضْمِينُ اٌلْحَافِرِ، وَلَوْ وَضَعَ حَجَراّ وَآخَرَانِ حَجَرًا فَعَثَرَ بِهِمَا .. فَاٌلضَّمَانُ أَثْلَاثٌ، وَقَيِلَ: نِصْفَانِ، وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَعَثَرَ بِهِ رَجُلٌ فَدَحْرَجَهُ فَعَثَرَ بِهِ آخَرُ .. ضَمِنَهُ اٌلْمُدَحْرِجُ

ــ

هذا كله إذا لم يره المتردي، فإن رآه .. لم يتعلق به ضمان كما في حفر البئر، كذا ذكره الر افعي بعد هذا الموضع.

قال: (فإن لم يتعد الواضع .. فالمنقول: تضمين الحافر).

صورة المسألة: أن يضع إنسان حجرا في ملكه ويحفر متعد هناك بئرا أو ينصب سكينا، فإذا تعثر إنسان بالحجر ووقع في البئر أو على السكين .. فالمنقول: أنه يحب الضمان على الحافر وناصب السكين؛ فإنه المعتدي، وأما واضع الحجر .. فلا عدوان من قبله.

ويقابل المنقول بحث للرافعي، وهو: ينبغي أن يقال: لا يتعلق بالحافر والناصب ضمان، كما تقدم في المسألة التي قبلها: أنه لو حفر بئرا عدوانا ووضع سيل أو سبع أو حربي حجرا فتعثر به إنسان وسقط في البئر .. فهو هدر على الصحيح.

قال: ويدل عليه: أن المتولي قال: لو حفر بئرًا في ملكه ونصب غيره فيها حديدة فوقع رجل في البئر فجرحته الحديدة ومات .. فلا ضمان على واحد منهما، أما الحافر .. فظاهر، وأما الآخر .. فلأن الوقوع في البئر هو الذي أفضى إلى الوقوع على الحديدة، فكان حافر البئر كالمباشر، والآخر كالمتسبب.

قال: (ولو وضع حجرًا واخران حجرا فعثر بهما .. فالضمان أثلاث) أى: وإن تفاوت فعلهم، كما لو مات بجراحات ثلاثة واختلفت الجراحات، وبهذا قال أبو يوسف.

قال: (وقيل: نصفان)، وبه قال زفر؛ نظرا إلى ان الإهلاك حصل بالحجرين.

قال: (ولو وضع حجرا فعثر به رجل فدحرجه فعثر به آخر .. ضمنه المدحرج)؛ لأن الحجر إنما حصل هناك بفعله، سواء كان متعديًا بدحرجته أو لم يكن.

وإنما يتعلق الضمان إذا عثر به من لم يره كما تقدم.

ص: 548

وَلَوْ عَثَرَ بِقَاعِدِ أَوْ نَائِمِ أَوْ وَاِقِفِ فِي اٌلطَّرِيقِ، فَمَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا .. فَلَا ضَمَانَ إِنِ اٌتَّسَعَ اٌلطَّرِيقُ، وَإِلَاّ .. فَاٌلْمَذْهَبُ: إِهْدَارُ وَنَائِم لَا عَاثِرِ بِهِمَا، وَضَمَانُ وَاٌقِفِ لَا عَاثِرِ بِهِ

ــ

قال: (ولو عثر بقاعد أو نائم أو وافق في الطريق، فماتا أو أحدهما .. فلا ضمان ان اتسع الطريق)؛ لأنه غير متعد، كذا هو في) المحرر) أيضا، وهو سهو؛ فإن عاقلة العاثر تضمن دية القاعد والنائم والقائم، وأما العاثر .. فهدر، سواء كان العاثر او الواقف بصيرا أو اعمى.

ومثله لو قعد أو وقف أو نام في ملكه أو موات.

و (عثر) مثلث الثاء، وكذلك مضارعه، والمشهور فتحها في الماضي.

قال: (وإلا) أي: وان ضاق الطريق) .. فالمذهب: إهدار قاعد ونائم لا عاثر بهما)، بل على عاقلتهما ديته.

قال: (وضمان واقف)؛ لأن الشخص قد يحتاج إلى الوقوف لكلال أو انتظار رفيق أو سماع كلام، فالوقوف من مرافق الطرق كالمشي.

قال: (لا عاثر به)؛ لأنه لا حركة منه والهلاك حصل بحركة الماشي.

وحاصل ما في المسألة طرق ملخصها أقوال أو أوجه:

احدها: على عاقلة كل منهما دية الآخر، أما العاثر .. فلأنه قتله بفعله، وأما المصدوم .. فلتعديه بلبثه هناك.

والثاني: تجب ديه المصدوم دون اصح ما ذكره المصنف-: أن القاعد والنائم يهدران وعلى عاقلتهما دية الماشي، وأنه إذا عثر بالواقف .. كان دم الماشي مهدرا وعلى عاقلته دية الواقف؛ لأن الوقوف من مرافق الطريق كما تقرر.

كل هذا إذا لم يكن من الواقف فعل، فإن كان؛ بأن انحرف إلى الماشي فأصابه.

في انحرافه وماتا .. فهما كماشيين اصطدما، وسيأتي.

ص: 549

فَصْلٌ:

اصْطَدَمَا بِلَا قَصْدِ .. فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلَّ نصْفُ دِيَةِ مُخَفَّفَةِ،

ــ

تتمة:

جلس في المسجد فعثربه إنسان وماتا .. فعلى عاقلة الماشي دية الجالس ويهدر دم الماشي، كما لو جلس في ملكه فعثر به ماش.

ولو نام في المسجد معتكفا .. فكذلك.

ولو جلس لامر ينزه المسجد عنه، او نام غير معتكف .. فهو كما لو نام في الطريق.

وحيث أطلق الضمان في هذه الصورة وما قبلها وقيل: إنه على الحافر أو واضع الحجر والقاعد وناصب الميزاب والجناح وملقي القمامة وقشر البطيخ ونحوهم .. فالمراد بتعلق الضمان بهم: وجوبه على عواقلهم، لا وجوب الضمان عليهم أنفسهم، كما نص عليه الشافعي والأصحاب.

قال: (فصل:

اصطدما بلا قصد .. فعلى عاقلة كل نصف دية مخففة)، إذا اصطدم حران ماشيين من غير قصد؛ بان يكونا أعميين أو غافلين أو في ظلمة فوقعا وماتا .. فكل واحد منهما مات بفعله وفعل صاحبه، فهو شريك في القتلين، ففعله هدر في حق نفسه، مضمون في حق صاحبه، فيسقط نصف ديه كل واحد، ويجب نصفها، كما لو جرح نفسه وجرحه آخر، وعلى عاقلة كل نصف دية الآخر؛ لأنه خطا مخص.

وفي قول المصنف: (فعلى عاقلة كل) ما يفهم: أنهما حران، وسواء اتفق سيرهما أو اختلف؛ بان كان أحدهما يمشي والآخر يعدو، وسواء كان مقبلين أو مدبرين، أو أحدهما مقبلا والآخر مدبرا، وسواء وقعا على وجوههما او قفيهما، أو أحدهما على وجهه والآخر على قفاه.

وعن المزني: إذا كانا ماشيين ووقع أحدهما على وجهه .. فديته هدر؛ لأنه دافع، ودية الآخر على عاقلته، ووافقه صاحب) التلخيص) أيضا، وقال: لو وقعا

ص: 550

وَإِنْ قَصَدَا .. فَنِصْفُهَا مُغَلَّظَةَ، أَوْ أَحَدُهُمَا .. فَلِكُلَّ حُكْمُهُ، وَاٌلصَّحِيحُ: أَنَّ عَلَى كُلَّ كَفَّارّتَيْنِ، وَإِنْ مَاتَا مَعَ مَرْكُوبَيْهِمَا .. فَكَذَا اٌلْحُكْمُ،

ــ

على ظهورهما .. فعلى عاقلة كل منهما جميع دية الآخر.

قال: (وإن قصدا .. فنصفها مغلظة)، فيما إذا تعمدا الانصدام وجهان:

أصحهما- عند الاكثرين، وهو نصه في (الأم) -: أن الحاصل شبه عمد؛ لأن الغالب أن الانصدام لا يفضي إلى الموت فلا يتحقق فيه العمد المحض ولا يتعلق به القصاص، بل على عاقلة كل واحد نصف دية الآخر مغلظة.

والثاني: أن ذلك عمد مخص ويجب في مال كل واحد نصف دية الآخر، قاله ابو إسحاق، واختاره الإمام والغزالي، وتبعهما صاحب) الحاوي الصغير).

قال: (أو أحدهما) أي: قصد أحدهما الاصطادام دون الآخر) .. فلكل حكمه)، فيجب على القاصد نصف دية مغلظة، وعلى الآخر دية مخففة.

قال: (والصحيح: أن على كل كفارتين)؛ كفارة لقتل نفسه، وأخرى لقتل صاحبه؛ بناء على أن الكفارة لا تتجزأ، وأن قاتل نفسه عليه كفارة.

والثاني: عليهما كفارتان؛ بناء على أنهما تتجزآن.

وينبغي أن يأتي وجه ثالث: أنه تجب عليهما معا كفارة واحدة؛ بناء على ان قاتل نفسه لا كفارة عليه، وأن الجماعة إذا اشتركوا في القتل توزع الكفارة عليهم كالدية.

ووجه رابع: أنه لا كفارة في تركة واحد منهما إذا ماتا معا؛ بناء على أن الشخص إذا قتل نفسه .. لا تجب في تركته كفارة؛ لأجل وجوبها بعد الموت، كما حكاه الغزالي هناك.

قال: (وان ماتا مع مركوبيهما .. فكذا الحكم) أي: كما ذكرنا في حكم الدية والكفارة، ويزيد هنا ضمان الدابتين، وسواء اتفق جنس المركوبين وقوتهما أو اختلف، كراكب فرس أو بعير مع راكب بغل أو حمار.

ص: 551

وَفِي تَرِكَةِ كُلَّ نِصْفُ قِيمَةِ دَابَةِ اٌلآخَرِ. وَصَبَيَّانِ أَوْ مَجْنُونَانِ كَكَامِلَيْنِ، وَقِيلَ: إِنْ أَرْكَبَهُمَا اٌلْوَلِيُّ .. تَعَلَّقَ بِهِ اٌلضَّمَانُ،

ــ

قال: (وفي تركة كل نصف قيمة دابة الآخر)؛ لاشتراكهما في إتلاف الدابتين.

وايجابه نصف القيمة يقتضي اهدار الباقي، وهو كذلك، لكن محله إذا كانت الدابة ملكا للراكب، فان كانت مستعارة او مستأجرة .. لم يهدر من قيمتها شيء؛ فإن العارية مضمونة، وكذا المستاجر إذا اتلفه المستاجر.

وانما لم يذكر المصنف هذا القيد؛ لانه ذكره في السفينتين كما سيأتي.

ولا فرق بينهما، لكن كان ينبغي له تقييد المتقدم واطلاق المتأخر ليحمل عليه.

وتعبيره بـ (نصف القيمة) هو المعروف، ولا يقال: قيمة النصف؛ فإنها أقل للتشقيص، كما تقدم في الصداق وغيره.

واقتضي إطلاقه: أنه لا فرق بين ان تغلبهما الدابتان أم لا، وهو المذهب.

وهو قول نفاه بعضهم: ان المغلويين هلاكهما ودابتيهما هدر.

ولم يفرقوا بين ان يعلم غلبة الدابة قبل ركوبها أو يطرا ذلك عليه، ولو قيل به .. لكان حسنا.

قال: (وصبيان أو مجنونان ككاملين)، فيأتي التفصيل بين الماشي والراكب، الا أنا اذا قلنا: عمدهما خطأ .. فالدية مخففة، هذا اذا ركبا بأنفسهما، وكذا اذا اركبهما وليهما لمصلحتهما على الصحيح.

قال: (وقيل: ان اركبهما الولي .. تعلق به الضمان)؛ لما فيه من الخطر، والأصح: المنع كما لو ركبا بأنفسهما.

وخصهما الإمام بما اذا أركبهما لزينة او حاجة غير مهمة، فإن أرهقت إليه حاجة .. فلا قطعا، ومحلهما ايضا عند ظن السلامة، والا .. ضمن قطعا.

فأن كانا غير مميزين او كانت الدابة ضعيفة .. فعلى عاقلة الولي ديتهما، وقد اهمله المصنف تبعا لـ) المحرر).

ص: 552

وَلَوْ أَرْكَبَهُمَا أَجْنَبِيٌّ .. ضَمِنَهُمَا وَدَابَّتَيْهِمَا. أَوْ حَامِلَانِ وَأَسْقَطَتَا .. فَاٌلدَّيَةُ كَمَا سَبَقَ، وَعَلَى كُلَّ أَرْبَعُ كَفَّارَاتِ عَلَى اٌلصَّحِيحِ،

ــ

قال: (ولو أركبهما أجنبي .. ضمنهما ودابتيهما)؛ لتعديه بذلك، وحكى ابن المنذر فيه الإجماع.

والمراد بـ (الأجنبي): من لا ولاية له عليهما، ولم يبينوا المراد بالولي هنا، ويشبه أنه من له ولاية تأديبه من أب أو غيره، وهذا كله مستأنف مجزوم به ليس معطوفا على الوجه في إركاب الولي، ولهذا أتى بـ (لو) دون (إن).

فلو تعمد الصبي .. ففي) الوسيط): يحتمل أن يحال الهلاك عليه اذا قلنا: عمده عمد، واستحسنه الرافعي، فيكون كركوبهما بأنفسهما.

نعم؛ يستثنى من عدم تضمين الولي اذا كانا غير مميزين كابن سنه وسنتين فأركبهما الولي، فتجب على عاقلته دية كل منهما، قاله في) الكفاية).

فرع:

تجاذب رجلان حبلا فانقطع فسقطا وماتا .. وجب على عاقلة كل واحد نصف دية الآخر ويهدر النصف، سواء وقعا منكبين أو مستلقيين، أو أحدهما هكذا والآخر هكذا.

هذا إذا كان الحبل لهما أو مغصوبا، فان كان لاحدهما والآخر ظالم .. فدم الظالم هدر وعلى عاقلته نصف دية المالك.

ولو أرخى أحد المتجاذبين فسقط الآخر ومات .. فنصف ديته على عاقلة المرخي ويهدر نصفها.

ولو قطع الحبل قاطع فسقطا وماتا .. فدياتهما جميعا على عاقلة القاطع.

قال: (او حاملان واسقطتا .. فالدية كما سبق)، فيكون على عاقلة كل منهما نصف دية صاحبتها ويهدر النصف؛ لأن الهلاك منسوب إلى فعلهما.

قال: (وعلى كل أربع كفارات على الصحيح)؛ كفارة لنفسها، وكفارة لجنينها، ثالثة لصاحبتها، ورابعة لجنينها؛ لأنهما اشتركتا في إهلاك أربعة

ص: 553

وَعَلَى عَاقِلَةِ كُلَّ نِصْفُ غُرَّتَيْ جَنِينَيْهمَا. أَوْ عَبْدَانِ .. فَهَدَرٌ، أَوْ سَفِينتاَنِ .. فَكَدَابَّتَيْنِ، وَاٌلْمَلَاّحَانِ كَرَاكِبَيْنِ إِنْ كَانتَا لَهُمَا،

ــ

أشخاص، بناء على الصحيح: أن الكفارة تجب على قاتل نفسه، وانها لا تتبعض.

فإن لم نوجبها على قاتل نفسه .. وجبت ثلاث كفارات.

وان قلنا بالتجزئة .. وجبت ثلاثة انصاف كفارة، وعلى عاقلة كل واحدة نصف دية صاحبتها، ونصف غرة كل جنين، فيكون مقابل الصحيح إما ثلاث كفارات، وإما ثلاثة أنصاف كفارة.

قال (وعلى عاقلة كل نصف غرتي جنينيهما)؛ نصف غرة لجنينها، ونصف آخر لجنين الأخرى؛ لأن الحامل إذا جنت على نفسها فألقت جنينها .. وجبت الغرة على عاقلتها، كما لو جنت على حامل أخرى، ولا يهدر من الغرة شيء.

وأما الدية .. فيجب نصفها ويهدر نصفها كما تقدم.

قال: (أو عبدان) أى: وماتا) .. فهدر)؛ لأن جناية العبد تتعلق برقبته وقد فاتت، سواء اتفقت قيمتهما أو اختلفت، فإن مات أحدهما .. وجب نصف قيمته متعلقًا برقبة الحي.

فلو اصطدم حر وعبد فماتا .. ففي تركة الحر نصف قيمة العبد، ويتعلق به نصف دية الحر؛ لأن الرقبة فاتت فتتعلق الدية ببدلها.

وإن مات العبد .. فنصفه هدر ويجب نصف قيمته، وهل يكون على الحر أو على عاقلته؟ فيه الخلاف في تحمل العاقلة قيمة العبد.

وان مات الحر .. وجب نصف ديته متعلقا برقبة العبد.

قال: (أو سفينتان .. فكدابتين)، فنصفهما ونصف ما فيهما من مالهما هدر، وعلى عاقلة كل منهما نصف الأخرى ونصف ما فيها.

قال: (والملاحان كراكبين إن كانتا لهما)، فنصف قيمة كل سفينة وما فيه مهدر، ونصف قيمتها ونصف قيمة ما فيها على صاحب الأخرى

ص: 554

فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا مَالٌ لاِجْنَبِيَّ .. لَزَمَ كُلَاّ نِصْفُ ضَمَانِهِ، وَإِنْ كانَتَا لأِجْنَبِيَّ .. لَزِمَ كُلَاّ نِصْفُ قِيمَتهِمَا

ــ

و (الملاح): صاحب السفينة، وهو النوتي، والجمع: نواتي، قاله ابن سيده.

وقال الجوهري: إنه من كلام أهل الشام.

قيل: وإنما سمي ملاحًا؛ لمعالجته الماء الملح بإجراءه السفينة عليه.

وقال ابن الأعرابي: الملاح الريح الذي تجري به السفينة، سمي به مسيرها ملاحا.

قال: (فإن كان فيهما مال لأجنبي) أي: والملاحان فيهما أجيران أو أمينان للمالك.

قال:) .. لزم كلًا نصف ضمانه)؛ لتعديهما، أما نصف قيمة كل سفينة .. فهدر، ويضمن كل منهما نصف قيمة سفينة الآخر؛ لأنهما لهما بخلاف الأموال، ويجري القصاص في القدر الذي يشتركان فيه.

قال: (وإن كانتا لأجنبي .. لزم كلَاّ نصف قيمتهما) توزيعا عليهما، وكل من المالكين مخير بين أن يأخذ نصفها منه ونصفها من ملاح الآخر.

فلو كان الملاحان عبدين .. تعلق الضمان برقبتهما.

أما إذا كان الاصطدام لا بفعلهما، فإن وجد منهما تقصير؛ بأن توانيا في الضبط ولم يعدلا بهما عن صوب الاصطدام مع إمكانه، أو سيرا في ريح شديدة لا تسير في مثلها السفن، أو لم يكملا عدتهما من الرجال والآلات .. وجب الضمان على ما ذكرنا، وإلا .. فأصح القولين لاضمان، بخلاف غلبة الدابتين الراكبين؛ فإن الضبط ممكن باللجام.

فروع:

الأول: خرق سفينة فغرق ما فيها من نفس ومال .. وجب ضمانه.

ص: 555

وَلَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى هَلَاكِ .. جَازَ طَرْحُ مَتَاعِهَا، وَيَجِبُ لِرَجَاءِ نَجَاةِ اٌلرَّاكِبِ

ــ

ثم إن تعمد الخرق بما يفضي إلى الهلاك غالبا .. وجب القصاص أو الدية المغلظة في ماله.

وان تعمد بما لا يحصل به الهلاك غالبا .. فهو شبه عمد.

الثاني: كانت السفينة مثقلة بتسعة أعدال فوضع أخر فيها عدلا عدوانا فغرفت .. ففي ضمانه الخلاف في الجلاد إذا زاد على الحد المشروع، والأصح فيهما: أنه يغرم البعض.

الثالث: في) البحر) عن أبي ثور قال: سألت الشافعي عن رجلين اصطدما ومع كل واحد منهما بيضة فكسرت البيضتان؟ فقال: على كل واحد منهما نصف قيمة بيضة صاحبه.

قال: (ولو أشرفت سفينة على هلاك .. جاز طرح متاعها)؛ حفظًا للروح.

وعبارة المصنف تقتضي طرح الجميع، وليس كذلك، إنما يجوز دفع ما تندفع به الضرورة، ولهذا قال في) المحرر): بعض أمتعتها، وهذا وإن لم يكن له تعلق بالفصل لكن جرت العادة بذكره فيه.

والأصل فيه: أن الموال لا يجوز لمالكها إتلافها بإلقائها في البحر أو غيره لغير غرض صحيح.

فإن كان في السفينة حيوان محترم .. وجب الإلقاء إذا علم أو ظن حصول سلامته بذلك.

وبهذا يعلم أن مراد المصنف وغيره بهذا: إطلاق الجواز على الحالة الأولى والوجوب على الحالة الثانية.

قال: (ويجب لرجاء نجاة الراكب) إذا خيف الهلاك، وينبغي أن يراعى في الطرح تقديم الأخف قيمة إن أمكن؛ حفظا للمال.

وعلم من تعبيره بـ (المتاع): أنه لايجوز إلقاء الحيوان إذا حصل الغرض بغيره، والعبيد كالأحرار.

واذا قصر من لزمه الإلقاء فلم يلق حتى غرفت السفينة .. فعليه الإثم دون

ص: 556

فَإِنْ طَرَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إِذْنِ .. ضَمِنَهُ، وَاِلَاّ .. فَلَا. وَلَوْ قَالَ: أَلْقِ مَتَاعَكَ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، أَوْ عَلَى أَنَّي ضَامِنٌ .. ضَمِنَ،

ــ

الضمان، كما لو لم يطعم صاحب الطعام المضطر حتى هلك .. يعصي ولا يضمن.

قال: (فإن طرح مال غيره بلا إذن .. ضمنه)؛ لأنه أتلف مال غيره بغير إذنه من غير أن يلجئه إلى الإتلاف، فصار كما إذا أكل المضطر طعام الغير.

وعن مالك: أنه لا ضمان على الملقي.

قال: (وإلا .. فلا) يعني: إذا كان الملقي غير مالك فطرح بإذن المالك، أو كان مالكا فطرح متاعه بنفسه .. فلا ضمان فيهما.

أما الثانية .. فبلا خلاف.

وأما الأولى .. فللإذن المبيح.

اللهم إلا أن يتعلق به حق الغير كالرهن وغيره فلا يفيد الإذن شيئًا.

قال: (ولو قال: ألق متاعك) في البحر (وعلي ضمانه، أو على أني ضامن .. ضمن)؛ لأنه التماس إتلاف لغرض صحيح بعوض فيلزمه، كما إذا قال: أعتق عبدك عني على كذا، أو طلق زوجتك على كذا.

وقيل: لا يصح؛ لأنه ضمان ما لم يجب.

وأجيب بأن هذا ليس على حقيقة الضمان وان سمي به، إنما هو بذل مال للتخلص، كما لو قال: أطلق هذا الأسير ولك علي كذا، فأطلقه .. يلزمه ضمانه، ولهذا لا يجوز أخذ الرهن في هذا الضمان على الأصح.

والفرق: أن الضمان أوسع؛ فإن الدرك يضمن ولا يرهن به.

فلو قال: أنا وركاب السفينة ضامنون، وأطلق .. حمل على التقسيط، ولزمه

ص: 557

وَإِنِ اٌقْتَصَرَ عَلَى: أَلْقِ .. فَلَا عَلَى اٌلْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مُلْتَمِسٌ لِخَوْفِ غَرَقِ، وَلَمْ يَخْتَصَّ نَفْعُ اٌلإِلْقَاءِ بِاٌلْمُلْقِي

ــ

ما بحصته، بخلاف ما لو قالا في (باب الضمان): ضمنا ما لك على زيد؛ فإن كلا منهما يطالب بجميع الدين على الأصح، وتقدم الفرق هناك بأن هذا ليس بضمان حقيقة، بل هو استدعاء إتلاف للمصلحة.

واعترض على قوله: (أني ضامن)؛ فإنه غير كاف لعدم الرابطة، فلا بد أن يقول: ضامن له، أو ضامنه.

والجواب: أنه حذفه استغناء بذكر الضمير فيما قبله.

قال: (وإن اقتصر على: ألق .. فلا على المذهب)؛ لعدم الالتزام، وقيل: على وجهين، كقوله: اقض دينى.

وفرق الأول بأن (اقض ديني) ينفعه لا محالة، وإلقاء المتاع قد ينفع وقد لا ينفع، وإنما تعتبر قيمة الملقى قبل هيجان الرياح والأمواج؛ لأنه حينئذ لا قيمة له.

قال: (وانما يضمن ملتمس لخوف غرق)، ففي حالة الأمن لا ضمان، سواء قال: إنى ضامن أم لا، كما لو قال: أحرق متاعك، أو اهدم دارك، أو اقتل عبدك، ففعل.

وحكى الماوردي وجها: أنه يضمن، وقال: إنه أقيس.

قال: (ولم يختص نفع الإلقاء بالملقي)، فإن رجعت الفائدة إليه وحده؛ بأن أشرفت سفينته على الغرق وفيها متاعه، فقال له آخر من الشط: ألق متاعك وعلي ضمانه، فألقاه .. لم يجب شيء؛ لأنه يجب عليه الإلقاء لحفظ نفسه فلا يستحق به عوضا، كما لو قال للمضطر: كل طعامك وأنا ضامن، فأكل .. فلا شيء له على الملتمس، ووراء ذلك ست صور: أحدها: أن يختص النفع بالملتمس.

والثاني: أن يعود له ولصاحب المتاع.

ص: 558

وَلَوْ عَادَ حَجَرُ مَنْجَنِيقِ فَقَتَلَ أَحَدَ رُمَاِتِهِ .. هُدِرَ قِسْطُهُ، وَعَلَى عَاقِلَةِ اٌلْبَاقِينَ اٌلْبَاقِي،

ــ

والثالث: أن يختص بغيرهما.

والرابع: بصاحب المتاع وأجنبي.

والخامس: بالملتمس وأجنبي.

والسادس: أن يعم الثلاث.

وفي الجميع يضمن الملتمس، ولم يصرح الرافعي بالثالث ولا السادس، وحكمه ما ذكرناه.

فروع:

قال: ألق متاعك وعلي نصف الضمان، وعلى فلان الثلث، وعلى فلان السدس .. لزمه النصف.

ولو قال لرجل: ألق متاع زيد وعلي ضمانه إن طالبك .. فالضمان على الملقي دون الآمر.

قال الإمام: والمتاع الملقى لا يخرج عن ملك مالكه، حتى لو لفظه البحر على الساحل وظفرنا به .. فهو لمالكه، ويسترد الضامن المبذول.

وعلى هذا: فهو ضامن حيلولة، وهل للمالك أن يمسك ما أخذه ويرد بدله؟ فيه الخلاف في العين المقترضة إذا كانت باقية .. هل للمقترض إمساكها ورد بدلها؟

قال: (ولو عاد حجر منجنيق فقتل أحد رماته .. هدر قسطه، وعلى عاقلة الباقين الباقي)؛ لأنه مات بفعله وفعلهم فسقط ما قابل فعله.

فإن كانوا عشرة .. يهدر عشر ديته ويجب على عاقلة كل واحد من التسعة عشرها، وإن قتل اثنين منهم فصاعدا .. فكذلك، ولو قتل العشرةز. أهدر من دية كل واحد عشرها.

ص: 559

أَوْ غَيْرَهُمْ وَلَمْ يَقْصِدُوهُ .. فَخَطَاٌ، أَوْ قَصَدُوهُ .. فَعَمْدٌ فِي اٌلأَصَحَّ إِنْ غَلَبَتِ اٌلإِصَابَةُ

ــ

وما جزم به من إيجاب باقي الدية على عاقلتهم محله فيمن مد معهم الحبال ورمى بالحجر، فأما الذى أمسك خشبة المنجنيق، إن احتيج إلى ذلك، أو وضع الحجر في كفته ولم يمد الحبال .. فلا شيء عليه؛ لأنه ليس برام، قاله الماوردي والمتولي وغيرهما، وإليه يرشد قول المصنف:(رماته)؛ لأن الرامي من أضيف الرمي إليه.

قال: (أو غيرهم ولم يقصدوهز. فخطأ)، كما إذا عاد فقتل بعض النظارة؛ فهذا خطأ يوجب الدية المخففة على العاقلة.

قال: (أو قصدوه .. قعمد في الأصح إن غلبت الإصابة) يعني: إذا قصدوا شخصا أو جماعة بأعيانهم فأصابوا من قصدوه .. فوجهان: قطع العراقيون بأنه شبه عمد؛ لأنه لا يتحقق قصد معين بالمنجنيق.

والثاني: أنه عمد يتعلق به القصاص إذا كانوا حاذقين تتأتى لهم الإصابة؛ لأن مثل ذلك يقتل غالبا.

تتمة:

الذي صححه المصنف هو الصحيح في (المحرر)، وبه قطع الصيدلاني والإمام والغزالي والمتولي، ورجحه الروياني، وهو المعتمد.

وقال في) الشرح الصغير): إنه الأظهر، ونقل المصنف في زوائد) الروضة) ترجيح) المحرر)، وسكت عليه.

و (المنجنيق): التي ترمى بها الحجارة، معربة؛ أن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة واحدة من كلام العرب، إلا أن يكون معربا أو حكاية صوت نحو: الجردقة، والجرموق، كما تقدم في (باب مسح الخف).

والأشهر في ميمها الفتح، وجوز بعضهم كسرها.

وحكى الفراء: منجنوق، وغيره: منجليق بـ (اللام) بدل (النون) الثانية.

ص: 560

فَصْلٌ:

دِيَةُ اٌلخَطَأِ وَشَبْهِ اٌلْعَمْدِ تَلْزَمُ اٌلْعَاقِلَةَ،

ــ

واختلفوا فيي زيادة ميمه ونونه: فذهب سيبويه إلى أن ميمها أصلية ونونها زائدة، ولذلك تثبت في الجمع.

قال: (فصل: دية الخطأ وشبه العمد تلزم العاقلة)، وكذلك الغرة أيضا؛ لما في) الصحيحين)

[خ 6910 - م1681/ 34] عن أبي هريرة: (أن امراة حذفت اخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فقضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد أو أمة، وقضر بدية المرأن على عاقلتها).

واسم المرأة الضاربة أم عطية وقيل أم عطيف والمضروبة مليكة.

وإذا ثبت هذا في شبه العمد .. ففي الخطأ أولى.

وحكى الإمام الإجماع فيهما لكن حكى الرافعي في أول (الديات) وجها رواه بعضهم قولا أنها لا تتحمل شبه العمد.

واحترز بـ (الخطأ وشبه العمد) عن دية العمد فهي على الجاني؛ لما روى سعيد بن منصور عن ابن عباس أنه قال: (لا تحمل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا) قال ابن عبد البر: ولا مخالف له من الصحابة.

وشبه العمد من زيادته على) المحرر)؛ فإنه ذكر الخطأ، ولو عكس .. كان أولى.

ولا تحمل العاقلة أيضا الأطراف والجراحات إذا وقعت عمدا.

وعن مالك: أن ما لا يوجب القصاص كالهاشمة والمنقلة أرشه على العاقلة.

ثم بدل العمد يجب حالا على قياس أبدال المتلفات، وبدل شبه العمد والخطأ يجب مؤجلا.

قال العلماء: وتغريم العاقلة على خلاف القياس؛ لأن القبائل في الجاهلية كانوا

ص: 561

وَهُمْ عَصَبَتُهُ

ــ

يقومون بنصرة من جنى منهم، ويمنعون أولياء القتيل من أن يدركوا بثأرهم وياخذوا من الجانى حقهم، فجعل الشارع بدل هذه النصرة بذل الماص، وخص ذلك بالخطا وشبه العمد؛ لكثرتهما، لا سيما في حق من يتعاطى الأسلحة، فأعين؛ لئلا يفتقر بالسبب الذي هو معذور ليه.

وقال أبو بكر الاصم والخوارج: لا تحمل العاقلة شيئا.

وقال قتادة وابو ثور وابن شبرمة: تحمل الخطا دون شبه العمد.

والفريقان محجوجان بالسنة الصحيحة.

وعبارة المصنف تقتضي: أن الوجوب لا يلاقي الجاني أولا، بل يلاقي العاقلة ابتدائ والصحيح المنصوص: أنه يلاقيه ابتداء ثم يتحملونها إعانه له، كقضاء دين من غرم لإصلاح ذات البين من الزكاة.

ثم إنما تلزم العاقلة إذا قامت بذلك البينة، أو اعترف به وصدقوه، فإن كذبوه .. لم يقبل إقراره عليهم ولا على بيت المال، ولكن يحلفون على نفي العلم، فإذا حلفوا .. وجب على المقر.

وهذه المسألة قدمها المصنف في أوائل (باب الديات) عند ذ كر تخفيف الدية وتغليظها، ولكن أعيدت هنا؛ لبيان العاقلة وأحكامهم.

قال: (وهم عصبته) قال الشافعي رضي الله عنه: لا أعلم مخالفا: أن العاقلة العصبة، وهم: القرابة من جها الأب وعصبات الولاء.

قال: ولا اعلم مخالفا: أن المراة والصبي وان أيسر لا يحملان شيئا، وكذا المعتوه.

ومراد المصنف بـ (العصبة): الذكور من جهة القرابة والولاء؛ لتخرج المعتقة، فإنها من العصبات ولا تعقل.

وجهات التحمل ثلاثة: العصوبة، والولاء، وبيت المال، وعلى هذا الترتيبذكرها المصنف وغيره.

وليست المحالفة والموالاة من جهات التحمل، فلا يتحمل الحليف ولا (العديد)

ص: 562

إِلَاّ اٌلأَصْلَ وَاٌلْفَرْعَ

ــ

وهو: الذي لا عشيرة له فيدخل نفسه في قبيلة ليعد منها- لأن الأصل عدم التحمل، فيقتصر على ما ورد به النص.

وعند أبي حنيفة: يتحمل الحليف، ويساعدنا في العديد.

ولا يتحمل أهل الديوان بعضهم عن بعض، والمراد: الذين رتبهم الإمام للجهاد، وأدر لهم أرزاقا، وجعلهم تحت راية كبير يصدرون عن رأية.

وعند أبي حنيفة: يتحمل بعضهم عن بعضو وإن لم يكن بينهم قرابة، ويقدمون على الأقارب؛ اتباعا في ذلك لقضاء عمر رضي الله عنه.

واحتج الأصحاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة، ولم يكن في عهده ديوان ولا في عهد أبى بكر، وانما وضعه عمر حين كثر الناس واحتاج إلى ضبط الأسماء والأرزاق، فلا يترك ما استقر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أحدث بعده، وقضاء عمر رضي الله عنه إنما كان في الأقارب من أهل الديوان.

قال: (إلا الأصل والفرع)؛ فإنهم أبعاضه، فكما لا يتحمل الجانى لا يتحمل أبعاضه.

وفي) سنن أبي داوود) [4564]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم برا زوج القاتلة وولدها) قال في) الروضة): إنه حديق صحيح.

وفي المسألة أحاديث أخر: ففي) النسائيط [7/ 127]: (لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه).

وصحح الترمذي [2159] حديث:) لايجني والد على ولده، ولا مولود على والده).

قالوا: وليس المراد نفي نفس الجناية، إنما المعنى: لا يلزم كلا منهما جناية

ص: 563

وَقِيلَ: يَعْقِلُ اٌبْنٌ هُوَ اٌبْنِ عَمَّهَا، وَيُقَدَّمُ اٌلأَقْرَبُ، فَإِنْ بَقَيَ شَيْءٌ .. فَمَنْ يَلِيهِ، وَمُدْلِ بِأَبَوَيْنِ- وَاٌلْقَدِيمُ: اٌلتَّسْوِيَةُ

ــ

الآخر، وأن العرب لا تسمي الأصول والفروع عاقلة.

وقال الأئمة الثلاثة: يتحمل الآباء والبنون كسائر العصبات.

قال: (وقيل: يعقل ابن هو ابن ابن عمها)، وكذلك ابن هو ابن معتقها، والأصح: المنع؛ لأن مال بعضه كمال نفسه، ألا ترى أن نفقته تجب في مال أبعاضه كما تجب في ماله، فكما لا يؤخذ من ماله لا يؤخذ من أموالهم، وأما ولاية النكاح .. فهي بالنسب، وهو ينسب إلأيها ببنوة العم، فيزوجها به، ولا يتحمل؛ لأن البنوة مانعة، ولا يلزم القاتل منها شيء.

وقال أبو حنيفة: القاتل كأحد العواقل يتحمل.

قال: (ويقدم الأقرب)؛ لأن العقل حكم من احكام العصوبة فيقدم الأقرب فيه، كالميراث وولاية النكاح.

وعند أبي حنيفة: يوزع على القريب والبعيد بالسوية.

قال: (فإن بقي شيء .. فمن يليه)، كما في ولاية النكاح، فينظر في الواجب عند رأس الحول وفي الأقربين: فإن كان فيهم وفاء إذا وزع الواجب عليهم لقلة الواجب أو لكثرتهم .. وزع عليهم ولا يشاركهم من بعدهم، وإلا .. فيشاركهم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.

والمقدم من العاقلة الأخوة، ثم بنوهم وإن سفلوا، ثم الأعمام، ثم بنوهم، ثم بنوهم، ثم أعمام الأب، ثم بنوهم، ثم أعمام الجد، ثم بنوهم على ما سبق في الميراث.

قال: (ومدل بأبوين) كالإرث.

قال: (والقديم: التسوية)؛ لأن أخوة الأم لا مدخل لها في العقل، وأما دور الأرحام .. فلا يتحملون.

وقال المتولي: إلا إذذا قلنا بتوريثهم فيتحملون عند عدم العصبات كما يرثون عند عدمهم، ولا تحمل بالزوجية بحال.

ص: 564

ثُمَّ مُعْتِقٌ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُهُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ، وَإِلَاّ .. فَمُعْتِقُ أَبَي اٌلْجَانِي ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِ اٌلأَبِ وَعَصَبَتُهُ، وَكَذَا أَبَداَ. وَعَتِيقُهَا يَعْقِلهُ عَاقِلَتُهَا، وَمُعْتِقُونَ كَمُعْتِقِ،

ــ

قال: (ثم معتق ثم عصبته ثم معتقه ثم عصبته، والا .. فمعتق أبي الجاني ثم عصبته ثم معتق معتق الأب وعصبته) هذه الجهة الثانية من جهات التحمل، فتحمل عصبات المعتق بعد عصبات النسب، ثم معتق المعتق، ثم عصباته.

وهل يدخل في عصبات المعتق ابنه وأبوه؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنهما من العصبة، وإنما لم يدخل ابن الجاني وأبوه؛ للبعضية، ولا بعضية بين الجاني وبين ابن المعتق وأبيه.

وأصحهما: المنع، واعتمدوا فيه ما روى الشافعي [ام 6/ 115] والبيهقي [8/ 107]: أن عمر قضى على علي رضي الله عنهما بأن يعقل عن موالي ضفية بنت عبد المطلب، وقضى بالميراث لابنها الزبير بن العوام رضي الله عنهما، فلم يضرب الدية على الزبير وضربها على علي؛ لأنه كان ابن أخيها، واشتهر ذلك فيما بينهم.

ووقع في) النهاية) و) الوسيط): أنه قضى به على ابن عمها، وهو وهم؛ لأنه ليس لها ابن عم ولا عم، فإن عبد المطلب لم يكن له أخ، فإنما هو ابن أخيها، وكان له عشرة إخوة.

ويجري الوجهان في ابن معتق المعتق وأبيهز

قال: (وكذا أبدا) يعني: إذا لم يوجد من له نعمة الولاؤ على الجاني ولا أحد من عصباته .. تحمل معتق الأب ثم عصباته كذلك إلى حيث تنتهي، والغرامة الموزعة على المعتقين بقدر الملك لا بعدد الرؤوس.

قال: (وعتيقها يعقله عاقلتها)؛ لأن الذكورة شرط في التحمل كما سيأتي، وكما أنهما لم تكن أهلا للتزويج يزوج عتيقها من يزوجها.

قال: (ومعتقون كمعتق)، فإذا أعتق جماعة عبدا فجنى خطأ .. تحملوا عنه تحمل شخص واحد؛ لن الولاء لجميعهم لا لكل واحد منهم.

ص: 565

وَكُلُّ شَخْصِ مِنْ عَصَبَةِ كُلَّ مُعْتِقِ يَحْمِلُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ اٌلْمُعْتِقُ.

وَلَا يَعْقِلُ عَتِيقٌ فِي اٌلأَظْهَرِ. فَإِنْ فُقِدَ اٌلْعَاقِلُ أَوْ لَمْ يَفِ .. عَقَلَ بَيْتُ اٌلْمَالِ عَنِ اٌلْمُسْلِمِ،

ــ

فإن كانوا أغنياء .. فالمضروب على جميعهم نصف دينار، وإن كانوا متوسطين .. فربع دينار.

وإن كانوا بعضا وبعضا .. فعلى الغني حصته من النصف، وعلى المتوسط حصته من الربع.

قال: (وكل شخص من عصبة كل معتق يحمل ما كان يحمله ذلك المعتق)، فإذا كان المعتق واحدا ومات عن اخوة مثلا .. ضرب على كل واحد حصته تامة من نصف دينار إن كان غنيا، وربعه إن كان متوسطا.

ولا يقال: يوزع عليهم ما كان الميت يحمله؛ لأن الولاء يوزع عليهم توزعه على الشركاء، ولا يرثون الولاء من الميت، بل يرثون به.

ولو مات واحد من الشركاء المعتقين أو جميعهم .. حمل كل واحد من عصباته مثل ما كان يحمله الميت، وهي حصته من نصف أو ربع؛ لأن غايته نزوله منزلة ذلك الشريك.

قال: (ولا يعقل عتيق في الأظهر) كما لا يرث، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك.

والثاني: يعقل؛ لأن العقل للنصرة والإعانة والعتيق أولى بهما.

وخالف الإرث؛ فإنه في مقابلة إنعام المعتق، فإن قلنا: يتحمله .. فهذه جهة رابعة للتحمل.

فلو اجتمعا .. تأخر العتيق عن المعتق، نص عليه، ولا يضرب على عصبته بحال.

قالك: (فإن فقد العاقل أو لم يف .. عقل بيت المال عن المسلم) هذه الجهة الثالثة، فيعقل بيت المال عن المسلم، كما ان بيت المال نصب للتركة إذا لم يكن للميت عصبة بالنسب ولا بالولاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:) أنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه) رواه أبو داوود [2891] والنسائي [سلك 6321]، وصححه ابن حبان [6035] والحاكم [4/ 344].

ص: 566

فَإِنْ فُقِدَ .. فَكُلُهُ عَلَي اٌلْجَانِي فِي اٌلأَظْهَرِ ......

ــ

وخرج بـ (المسلم): الذمي والمعاهد، فلا يعقله؛ لأن مال كل منهما ينتقل له فيئا لا إرثا.

وأما المرتد .. فلا عاقلة له، فدية قتله خطأ في ماله مؤجلة، فإن مات .. سقط الأجل.

قال: (فإن فقد .. فكله على الجاني في الأظهر) مقصوده: أن التحمل إذا انتهى إلى بيت المال فلم يوجد فيه مال هل يؤخذ الوادب من الجاني؟ فيه وجهان بنوهما على: أن الدية تجب على العاقلة ابتداء أو تجب على الجاني وتتحمل عنه العاقلة؟ وفيه وجهان، ويقال: قولان: أصحهما: أنهما تجب على الجاني والعاقلة تتحملها؛ لأن القياس وجوب الضمان على المتلف، فنجري على القياس ونجعلهم متحملين.

والثاني: تجب على العاقلة ابتداء؛ لأن المطالبة عليهم دون الجاني، وقد توجه بظاهر ما تقدم من) أنه صلى الله عليه وسلم قضي بالدية على العاقلة ابتداء).

وقوله: (فقد) أراد به: المال الكائن في بيت المال.

وعبارة (المحرر): فإن لم يكن في بيت المال مال: أخذ الواجب من الجاني على الأظهر، ثم إن المصنف تبع) المحرر) في تعبيره بالأظهر، ولا اصطلاح له في ذلك، والصواب: الأصح كما في) الروضة)؛ فإن الخلاف وجهان.

وظاهر كلامه: أن الجاني لا يتحمل شيئا مع وجود من سبق، وليس كذلك، بل

ص: 567

وَتُؤَجَّلُ عَلَى اٌلْعَاقِلَةِ دِيَةُ نَفْسِ كَامِلَةِ ثَلَاثَ سنِينَ فِي كُلَّ سَنَةِ ثُلُثٌ، وَذِمَّيَّ سَنَةٌ، وَقِيلَ: ثَلَاثَاَ، وَاٌمْرَأَةِ سَنَتَيْنِ فِي اٌلأُولَي ثُلُثٌ،

ــ

إذا وزعنا على العاقلة وفضلت فضلة .. أخذت منه كما يؤخذ منه الجميع لو لم يوجد متحمل، وحيث قلنا: تؤخذ من الجاني .. فهي مؤجلة علية كالعاقلة.

قال: (وتؤجل على العاقلة دية نفس كاملة ثلاث سنين في كل سنة ثلث)؛ لأن العاقلة تحملها على جهة المواساة فوجب أن يكون وجوبها مؤجلا رفقا به، وقياسا على الزكاة.

وأما كونها في (ثلاث سنين) .. فقال الشافعي: لا أعلم خلافا بين أحد علمته: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها كذلك)، وروي عن عمر وعلي وابن عباس أنهم ضربوها كذلك بغير نكير، فكان إجماعا.

واختلف الأصحاب في المعنى الذي كانت لأجله في ثلاث سنين:

فقيل: لأنها بدل نفس محترمة.

وقيل: لأنها دية كاملة، وهذا هو الأصح.

وتظهرفائدة الخلاف في الصور الآتية في كلام المصنف.

قال: (وذمي سنة)؛ لأنها قدر الثلث.

قال: (وقيل: ثلاثا)؛ لأنها بدل نفس، ولو قال: وكافر سنة .. لدخل كل كافر معصوم بذمة أو أمان أو غير ذلك.

ولا خلاف أن ما يضرب على العاقلة يضرب مؤجلا وإن كان درهما واحدا، وأن الأجل لا ينقص عن سنه كما صرح به في) المحرر) وغيره.

ولو قتل ثلاثة واحدا .. فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث دية مؤجلة عليهم في ثلاث سنين، وقيل: في سنة.

قال: (وامرأة سنتين في الأولي ثلث أي: ثلث دية الرجل، والباقي في آخر السنة الثانية، ورودي ذلك عن عمر رضي الله عنه وعن أبي حنيفة رحمة الله.

ص: 568

وَقِيلَ: ثَلَاثاَ. وَتَحْمِلُ اٌلْعَاقِلَةُ اٌلْعَبْدَ فِي اٌلأَظْهَرِ، فَفِي كُلَّ سَنَةِ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةِ، وَقِيلَ: فَي ثَلَاثِ،

ــ

قال: (وقيل: ثلاثا)؛ لأنها بدل نفس.

وأما دية المجوسي والجنين .. ففي سنة وان كانتا دون ثلث الدية؛ لأن السنة لا تتبعض.

قال: (وتحمل العاقلة العبد في الأظهر)، المراد: أنها تحمل الجناية عليه من الحر نفسا وطرفا، خطأ وشبه عمد؛ لأنه بدل آدمي ويتعلق به قصاص وكفارة فأشبه الحر، هذا هو الجديد.

فعلى هذا: لو اختلف السيد والعاقلة في قيمته .. صدقوا بحلفهم؛ لأنهم غارمون.

والقول الثاني- وبه قال مالك وأحمد-: لا تحمله، بل هي على الجاني؛ لأنه مضمون بالقيمة فأشبه البهيمة.

وعن أبي حنيفة: تحمل بدل نفسه دون طرفه.

روى البهقي عن عامر بن شراحيل الشعبي أنه قال: لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا.

قالو أبو حنيفة: معناه: أن يجني العبد على حر، فليس على عاقلة مولاه شيء من جنايته، وإنما جنايته في رقبته.

وقال ابن أبي ليلى: إنما معناه: أن يكون العبد مجنيا عليه، يقول: ليس على عاقلة الجاني شيء إنما ثمنه في ماله خاصة، وإليه ذهب الأصمعي وأبو عبيد، وقالا: لو كان المعنى على ما قال أبو حنيفة .. لكان الكلام: لا تعقل العاقلة عن عبد، ولم يكن: ولا تعقل عبدا.

قال الأصمعي: وكلمت ابا يوسف القاضي في ذلك بحضرة الرشيد، فلم يفرق بين (عقلته) و (عقلت عنه) حتى فهمته.

قال: (ففي كل سنة قدر ثلث دية، وقيل) كلها (في ثلاث)، المراد: أنه إذا كانت قيمته قدر دية حر مسلم .. ضربت في ثلاث سنين لا محالة، وإن كانت قدر

ص: 569

وَلَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ .. فَفِي ثَلَاثِ، وَقِيلَ: سِتَّ، وَاٌلأَطْرَافُ فِي كُلَّ سَنَةِ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةِ، وَقِيلَ: كُلُّهَا فِي سَنَةِ

ــ

ديتين .. ضربت في ست سنين في كل سنة قدر ثلث دية كاملة نظرا إلى المقدر.

وقيل: في ثلاث؛ لأنها بدل نفس.

قال: (ولو قتل رجلين .. ففي ثلاث)؛ لأن الواجب ديتان مختلفتان والمستحق مختلف، فلا يؤخر حق بعضهم باستحقاق غيره، كالديون إذا اتفق انقضاء آجالها.

قال: (وقيل: ست)؛ لأن بدل النفس الواحدة يضرب في ثلاث فيزاد للأخري مثلها.

هذا إذا قتلهما معا، فإن قتلهما في يومين وقلنا: تضرب في ثلاث سنين .. أجلت دية كل واحد إلى ثلاث سنين من قتله، وإن قلنا: في ست .. فدية كل واحد منجمة في ست سنين من يوم قتله، في كل سنة سدسها، ويقاس عليه ما لو قتله أكثر من اثنين.

وقوله: (رجلين) ليس بقيد، فلو قتل امرأتين .. ففي ثلاث إن اعتبرنا النفس، وان اعتبرنا القدر .. فهل تضرب في سنتين أو ثلاث؟ وجهان.

وعكس مسألة الكتاب: إذا قتل ثلاثة واحداز. فعلى عاقلة كل واحد حصته مؤجلة من ثلاث على الصحيح، وقيلك من سنة.

قال: (والأطراف في كل سنة قدر ثلث دية، وقيل: كلها في سنة) أصل هذه المسألة: أن الأطراف وأروش الجنايات وحكوماتها قليلها وكثيرها يضرب على العاقلة على المشهور، كدية النفس كما تقدم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حمل العاقلة جميع الدية .. نبه به على تحمل الأقل.

ونقل عن القديمك أنها لا تحملها؛ لأنها لا تضمن بالكفارة ولا تجري فيها القسامة فلم تحملها العاقلة كبدل المال، ولأن ضرب الدية على العاقلة على خلاف القياس كما تقدم، وورد الشرع في النفس فيقتصر عليها.

ص: 570

وَأَجَلُ اٌلنَّفْسِ مِنَ اٌلزٌهُوقِ، وَغَيْرِهَا مِنَ اٌلْجِنَايَةِ،

ــ

وعن القديم قول آخر: إن ما دون ثلث الدية لا يضرب؛ لأنه لا يعظم إحجافه بالجاني، فعلى المشهور- وهو: أنها تحمل الأطراف وأروش الجنايات والحكومات- قيل: تضرب في سنة قلت أو كثرت.

والأصح: التفصيل، فإن لم يزد الواجب على ثلث الدية .. ضرب في سنة، وإن زاد عليه ولم يجاوز الثلثين .. ففي سنتين، في آخر الأولي ثلث دية، وفي آخر الثانية الباقي، وإن زاد على الثلثين ولم يجاوز الدية .. ففي ثلاث سنين، وإن زاد كقطع يديه ورجليه .. فالمذهب: أنه في ست سنين، وقيل: في ثلاث.

قال: (وأجل النفس من الزهوق) أي: ابتداء المدة في دية النفس من وقت الزهوق، سواء قتله بجرح مذفف أو سراية جرح؛ لأنه وقت استقرار الوجوب.

قال في) الروضة): ولا خلاف فيه في جميع الطرق، وقول الغزالي: من الرفع إلى القاضي كمدة العنة، لا يعرف لغيره، إنما هو مذهب أبي حنيفة.

فإن كان الزهوق بجراحة .. فبالاتفاق، وإن كان بسراية من قطع عضو أو جراحة أخرى .. فأوجه:

أصحها: أن الحكم كذلك.

والثاني: أنه من وقت الجراحة.

والثالث: أن ابتداءدية العضو من وقت قطعه، والباقي من الزهوق.

قال: (وغيرها من الجناية)؛ لأنها حالة الوجوب، فتعلق الحكم بها كما تعلق بحالة الزهوق في النفس؛ لأنها حالة وجوب ديتها.

وذهب أبو الفياض البصري إلى احتساب المدة من وقت الاندمال، فعلى المذهب: لو مضت سنة ولم يندمل .. ففي مطالبة العاقلة بالأرش الخلاف في مطالبة الجاني العامد قبل الاندمال.

كل هذا إذا لم تسر واندملت، فإن سرت إلى عضو آخر كمن إصبع إصبع إلى كف.

فأوجه:

ص: 571

وَمَنْ مَاتَ بِبَعْضِ سَنَةِ .. سَقَطَ. وَلَا يَعْقِلُ فَقِيرٌ وَرَقِيقٌ

ــ

أحدها: أن ابتداءها من وقت سقوط الكف؛ فإنها نهاية الجناية، وبه جزم البغوي، وصححه الفوراني، وضعفه الإمام.

وثانيها: ابتداؤها من وقت الاندمال، وجزم به العراقيون والماوردي.

وثالثها: المدة ابتداء مدة أرش الإصبع من وقت القطع، ومدة أرش الكف من وقت سقوطه، كما لو انفرد كل منهما بجناية، واختاره القفال والإمام والروياني.

قال: (ومن مات ببعض سنة .. سقط) أي: إذا مات في أثناء السنة بعض العاقلة لم يؤخذ من تركته اعتبارا بآخر الحول كالزكاة، بخلاف ما إذا مات الذمي في أثناء الحول؛ فإن الأصح: أن جزية ما مضى تؤخذ من تركته؛ لأنها كالأجرة لدار الإسلام.

وأفهم: أنه إذا مات العاقل بعد السنة تؤخذ من تركته، وهو كذلك بلا خلاف أما إذا وجبت على الجاني مؤجلة ثم مات في أثناء الحول .. فإنها تؤخذ من تركته كسائر الديون.

قال: (ولا يعقل فقير) قال الأصحاب: الصفات المعتبرة في العاقلة خمس: الأولي: أن يكون غنيا أو متوسطان فلا يعقل فقير ولو كان معتملا؛ لأن العقل مواساة وليس الفقير من أهلها، كنفقة القريب.

وعن أبي حنيفة: أنه يعقل بشرط أن يكون معتملا قادرا على الكسب.

قال ابن الرفعة: ومن هذا يظهر: أن المراد بالفقير هنا: من لا يملك مالا يفضل عن كفايته على الدوام، لا من لا يملك شيئا أصلا.

وضبط البغوي الغنى هنا والتوسط بالعادة فيختلف باختلاف البلدان والأزمان، والأقرب- على ما رأى الإمام- اعتباره بالزكاة.

قال: (ورقيق) هذه الصفة الثانية وهي الحرية، فلا تضرب على رقيق، أما غير

ص: 572

وَصَبِيٌ وَمَجْنُونٌ وَمُسْلِمٌ عَنْ كَافِرِ وَعَكْسُهُ، وَيَعْقِلُ يَهُودِيٌ عَنْ نَصْرَانِيَّ وَعَكْسُهُ فِي اٌلأَظْهَرِ،

ــ

المكاتب .. فبلا خلاف؛ لأنه لا ملك له، وأما المكاتب .. فلأنه ليس من أهل المواساة.

قال: (وصبي ومجنون) هذه الصفة الثالثة وهي التكليف، فلا يتحملها الصبي ولا المجنون ولا المعتوه وإن كانوا موسرين؛ لأن غير المكلف لا نصرة فيه، وهي مبنية على المناصرة، بخلاف الزمن والشيخ الهرم والمريض والأعمى؛ فإنهم يتحملون على الصحيح؛ لنصرتهم بالقول والرأي.

قال: (ومسلم عن كافر وعكسه) هذه الصفة الرابعة وهي الموافقة في الدين، فلا يعقل المسلم عن الكافر ولا عكسه؛ لانقطاع النصرة وعدم الميراث.

قال: (ويعقل يهودي عن نصراني وعكسه في الأظهر) كما يتوارثان.

والثاني: لا؛ بناء على انقطاع الموالاة بينهما.

والقولان مفرعان على أن الكفر كله ملة واحدة، وهو الصحيح، وقيل: ملل، فحينئذ لا توارث.

والمعاهد كالذمي، فيحمل الذمي عنهن وكذا عكسه إن زادت مدة العهد على أخذ الدية، ولم تنصرم قبل مضي الأجل، ولا يتحمل ذمي عن مرتد وعكسه قطعا.

والصفة الخامسة: الذكورة، فلا تعقل أمرأة بالاتفاق؛ لأن رايها ناقص وإن سلم كماله في بعضهن.

ولم يذكر المصنف هذه الصفة؛ اكتفاء بذكره العصوبة اول الفصل وأن عتيق المرأة لا تعقل عنه، والخنثى كالمرأة، فإن بان الخنثى ذكرا .. فهل يغرم حصته التي أداها غيره؟ فيه وجهان: قال المصنف: قلت: لعل أصحهما: نعم.

فرع:

إن كان العاقلون حاضرين في بلد الجناية .. فالدية عليهم، وان كانوا غائبين .. لم يستحضروا ولم ينتظر حضورهم، بل إن كان لهم هناك مال .. أخذ منه، وإلا ..

ص: 573

وَعَلَى اٌلْغَنِيَّ نِصْفُ دِينَارِ، وَاٌلْمُتَوَسَّطِ رُبُعٌ كُلَّ سَنَةِ مِنَ اٌلثَّلَاثِ، وَقِيل: هُوَ وَاجِيُ اٌلثَّلَاثِ،

ــ

فيحكم القاضي بالدية على ترتيبهم ويكتب بذلك إلى قضي بلدهم ليأخذها، وإن شاء .. حكم بالقتل وكتب إلى قاضي بلدهم ليحكم عليهم بالدية ويأخذها منهم.

وإن غاب بعضهم وحضر بعضهم فقولان:

أحدهما: يقدم من حضر لقرب داره وإمكان نصرته.

وأظهرهما: يضربها على الجميع كالإرث.

والمراد بالغيبة ههنا: أن تعسر مكاتبة قاضي بلده ورجوع جوابه في سنة، قاله الإمام الغزالي.

قال الرافعي: وكلام الشافعي والأصحاب لا يساعده على ذلك؛ فإنهم فرضوا الخلاف فيما إذا كان القاتل بمكة والعاقلة بالشام.

قال ابن الرفعة: وعلى هذا: يظهر أن لا ضابط سوى مسافة القصر.

قال: (وعلى الغني نصف دينار)؛ لأنه أقل ما يجب في الزكاة.

قال: (والمتوسط ربع) دينار؛ لأنه واسطة بين الفقير الذي لا شيء عليه والغني الذي عليه نصف دينار، ولم يجز إلحاقه بأحد الطرفين؛ لأنه إفراط أو تفريط، فتوسط فيه بربع دينار؛ لأن الناقص عنه تافه.

قال: (كل سنة من الثلاث)؛ لأنها مواساة تعلقت بالحول فتكررت بتكرره كالزكاة، فجميع ما يلزم الغني في السنين الثلاث دينار ونصف، والمتوسط نصف دينار وربع دينار.

وعند أبي حنيفة: يؤخذ من كل واحد من ثلاثة دراهم إلأى أربعة.

وعند مالك: لا يتقدر، بل باجتهاد الحاكم.

قال: (وقيل: هو واجب) السنين (الثلاث) يعني: النصف على الغني، والربع على المتوسط.

فعلى هذا: يؤدي الغني كل سنة سدس دينار، والمتوسط نصف سدس.

ص: 574

وَيُعْتَبَرَانِ آخِرَ اٌلْحَوْلِ، وَمَنْ أَعْسَرَ فِيهِ .. سَقَطَ

ــ

قال: (ويعتبران آخر الحول) أي: الغنى والمتوسط كالزكاة، فإذا كان معسرا آخر الحول .. لم يلزمه شيء من واجب تلك السنة، وإن انعكس .. انعكس.

أما إذا كان أول الحول رقيقا أو كافرا أو مجنونا وكمل في آخر الحول .. فالأصح: أنه لا تؤخذ منه؛ لأنه لم يكن من أهل التحمل حال الجناية، بخلاف الفقير؛ فإنه كان من أهل التحمل في الجملة.

والثالث: لاتؤخذ منه حصة تلك السنة، وتؤخذ منه حصة ما بعدها.

ويشترط فيما يملكه الغني والمتوسط: أن يكون فاضلا عن مسكن وثياب وجميع ما لا يباع في الكفارة.

قال: (ومن أعسر فيه .. سقط)، المراد بـ (السقوط): أنه لا يلزمه شيء من واجب ذلك الحول وإن كان موسرا من قبل أو أيسر بعده.

قال الماوردي: ولو ادعى الفقر بعد الغنى .. خلف ولم يكلف البينة على فقره؛ لأنها لا تلزم إلا مع العلم بغناه.

ولو مات وهو موسر بعد الحول وقبل الأداء .. أدي ما لزمه من تركته مقدما على الوصايا والميراث، فإن كان ثم ديون مستغرقة .. وزعت على الجميع وكان باقي العقل دينا على الميت، ولا يلزم العاقلة لوجوبه على غيرهم.

تتمة:

قال الرافعي: يشبه أن يكون المرعي في إيجاب الربع والنصف مقدارهما، لا أنه يجب على العاقلة بذل الدنانير بأعيانها؛ لأن الإبل هي التي تجب وما يؤخذ يصرف إليها، وللمستحق أن لا يقبل غيرها.

يوصحه: أن المتولي قال: على الغني نصف دينار أو سته دراهم؛ لأن الدينار في الدية يقابل باثني عشر درهما.

ص: 575

فَصْل:

مَالَ جِنَايَةِ العَبْدِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ،

ــ

قال: (فصل):

مال جناية العبد يتعلق برقبته لما فرغ من حكم جناية الحر .. شرع فيما يجب بجناية العبد، فإذا جني جناية توجب المال أو القصاص وآل الأمر إلى المال .. تعلق برقبته دون سيده وعاقلته، والمعنى في أنه لا يمكن إلزام السيد بجنايته، لأنه إضرار به، ولا يمكن أن يقال: إنه في ذمته إلى أن يعتق ويوسر، فإنه تفويت وتأخير لا إلى غاية معلومة، وفيه ضرر ظاهر.

ويخالف ما إّا عامله إنسان بإقراض ونحوه، فإنه رضي بأن يكون الحق في ذمته، فجعل بالرقبة طريقًا وسطًا في رعاية الجانبين.

وروى البيهقي [8/ 105] بإسناد حسن عن أبن عباس أنه قال: (العبد لا يغرم سيده فوق نفسه شيئًا).

وروى الشافعي [1/ 342] عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال:

عقل العبد في ثمنه مثل عقل الحر دي ديته، وبهذا قال شريح والشعبي والنخعي، وحكى البيهقي فيه الإجماع.

وسواء أذن .. تعلق المال برقبته وكسبه جميعًا، ةزيفه الإمام، أما الذي ليس له تمييز. ز فسبق أن الضمان يتعلق بالأمر، وأنه لاشيء على العبد.

ولا يخفى أن الكلام هنا في جنايته على غير سيده أو كان مستحق الأرش غيره، فإن كان .. ففيه تفصيل تقدم في (كتاب الرهن)، وجناية المكاتب يأتي حكمها في باية

ومعنى (التعلق بالرقبة): أن يباع ويصرف ثمنه على الجناية، ولا يملكه المجني عليه بنفس الجناية إذا كانت إذا قيمته اقل من أرشها، لما فيه من إبطال حق السيد من

ص: 576

ولسَيِّدِه بَيْعُه لَهَا، وَفِدَاؤُهُ بالأَقَلِّ وأَرْشُهَا، وفِي القَدِيمِ: بأَرْشِهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ مَعَ رَقَبَتِهِ فِي الْأَظْهَرِ

ــ

التمكن من الفداء، ويتعلق الأرش بجميع الرقبه مطلقًا إن كان بقدر قيمتها أو أكثر، وكذا إن كان أقل على ظاهر النص.

وحاول ابن الرفعة في (كتاب البيع) إثبات خلاف فيه: أنه يتعلق بقدره منها، وهذا التعلق أقوى من تعلق الرهن، ومع ذلك لو برأ المرتهن عن بعض الدين .. لم ينفك شيءمن الرهن، وهنا لو حصلت البراءة من بعض الواجب انفك من العبد بقسطه على الصحيح، ذكره الرافعي في (دوريات الوصايا).

قال: (ولسيده بيعه لها، وفداؤه)، يفعل أيهما أراد كالمرهون، فإن سلمه للبيع واستغرق الأرش قيمته .. بيع كله، وإلا .. فبقدر الحاجة، إلا أن يختار السيد بيع الجميع، أو لم يجد من يرغب في شراء البعض.

قال: (بالأقل من قيمته وأرشها)، لأنه إن كانت قيمته أقل .. فليس عليه إلا تسليمه، فإذا لم يسلمه .. طولب بقيمته، وإن كان الأرش أقل .. فليس للمجني عليه إلا ذلك، فإن امتنع .. باعه الحاكم.

والمراد بـ (القيمة): قيمة يوم الجناية، نص عليه.

وعن القفال: قيمة يوم الفداء، لأن ما نقص قبل ذلك لا يطالب به السيد، ألا تلرى أنه لو مات قبل اختيار الفداء .. لا يلزم السيد شيء، وححمل النص على ما إذا سبق من السيد منع من بيعه حال الجناية ثم نقصت القيمة.

قال: (وفي القديم: بأرشها) أي: بالغًا ما بلغ، وبه قال أبو حنيفة، لأنه لو سلمه .. ربما بيع أكثر من قيمته، فلو جنى المبعض خطأ. ز فالواجب على عاقلته نصف الدية، أفتى به البغوي.

قال: (ولا يتعلق بذمته مع رقبته في الأظهر)، لأنه لو تعلق بالذمة .. لما تعلق بالرقبة، كديون المعملات التي استقرت في ذمته.

والثاني: يتعلق أيضًا كالمال الواجب بجناية الحر.

وعلى ها: فتكون الرقبة مرهونة بالحق الثابت في ذمته، م وللعبد ذمة بدليل: أنه

ص: 577

وَلَوْ فَدَاهُ ثُمَّ جَنَى .. سَلَّمَهُ لِلْبَيْعِ أَوْ فَدَاهُ، وَلَوْ جَنَى ثَانِيًا بَعْدَ الْفِدَاءِ .. بَاعَهُ فِيهِمَا أَوْ فَدَاهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشَيْنِ، وفِي القَدِيمِ: بالأَرْشِينْ. وَلَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ وَصَحَّحْنَاهُمَا أَوْ قَتَلَهُ .. فَدَاهُ بالأَقَلِّ، وَقِيلَ: القَوْلَان،

ــ

لو استقرض مالًا وأتلفه .. ثبت البدل في ذمته.

وفي (خلاصة الغزالي): أن القتل إن كان عمدًا .. أتبع بالفاضل إذا عتق، وإن كان خطأ .. لم يتبع به على الأصح.

ومحل الخلاف: إذا اعترف السيد بالجناية، وإلا .. فيقطع، فإن الأرش يتعلق بذمة العبد.

قال: (ولو فداه ثم جنى .. سلمه للبيع أو فداه) ولو تكرر ذلك مئة مرة، لأن الحق في الجناية تعلق برقبته وليس لها تعلق سابق، ولأن الحق المتعلق بالرقبة هذا حكمه.

قال: (ولو جنى ثانيًا قبل الفداء .. باعه فيهما أو فداه بالأقل من قيمته والأرشين) أي: على الجديد، لما تقدم قال:(وفي القديم: بالأرشين) ووجهه ما سبق، وكذلك الحكم لو كان سلمه للبيع فجنى ثانيًا قبل البيع.

قال: (ولو أعتقه أو باعه وصححناهما) وهو في العتق إذا كان موسرًا على الأظهر وفي البيع بعد اختياره الفداء.

قال: (أو قتله .. قداه) المراد: أنه يتعين الفداء، لأنه فوت محل حقه.

هذا إذا أمكن دفع الفداء، فإن تعذر تحصصيله أو تأخر لإفلاسه أو غيبته .. فسخ البيع وبيع في الجناية، لأن حق المجني عليه أقدم من حق المشتري.

واحترز بقوله: (وصححناهما) عما إذا أبطلناهما، وهو أوضح.

قال: (بالأقل) أي: بأقل الأمرين، لأنه المتيقن.

قال: (وقيل: القولان) أي: السابقان، وجزم بهما في (الروضة) في (كتاب البيع) مع نقله هنا اتفاق الأصحاب على طريقة القطع، والصحيح: أنه لا تلزمه زيادة

ص: 578

وَلَوْ هَرَبَ أَوْ مَاتَ .. بَرِئَ سَيِّدُهُ، إلَّا إذَا طُلِبَ فَمَنَعَهُ، وَلَوْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ .. فَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَتَسْلِيمَهُ وَيَفْدِي أُمَّ وَلَدِهِ

ــ

على القيمة قطعًا، لأنه لم يتلف إلا قدر القيمة.

وأما وطؤه .. فالأصح: أنه لا يكون اختيارًا ما لم يحبلها، فإن أحبلها .. فهو كإعتاقها، والخلاف كالخلاف في أن وطء البائع في زمن الخيار هل هو فسخ؟ ووطء المشتري فيه هل هو إجاتزة؟ وإن كان الأصح: أنه ثم فسخ وإجازة.

قال: (ولو هرب أو مات) أي: (قبل اختيار سيده للفداء) .. برئ سيده)، لأن الحق متعلق برقبته وقد فاتت.

قال: (إلا إذا طلب فمنعه) لتعديه، لأنه بالمنع مختار للفداء، فإن لمن يمنعه .. فلا شيء عليه.

ولو قتل أجنبي العبد قتلًا يوجب القصاص .. فللسيد أن يقتص وعليه الفداء، قاله البغوي.

قال الرافعي: ويجوز أن ينظر في وجوب الفداء عليه إلى موجب العمد أحد الأمرنين أو القود عينًا، فلا يلزمه على الثاني، وهو الأصح.

قال: (ولو اختار الفداء .. فالأصح: أن له الرجوع وتسلميه)، لأنه وعد واليأس لم يحصل من بيعه.

والثاني: يلزمه الفداء بذلك ولا يقبل رجوعه، لالتزامه.

وموضع الخلاف: ما إذا كان العبد حيًا، فإن مات .. فلا رجوع له بحال.

وقوله: (وتسليمه) منصوب بالعطف على اسم (أن) أي: وأن عليه تسليمه، لأنه إذا رجع .. كلف التسليم.

قال: (ويفدي أم ولده)، لأنه بالإحبال منع بيعها، فصار كما لو جنى القن وامتنع السيد من بيعه.

قال الإمام: (وهذا مما يغمض، لأنه تصرف في ملكه، فإلزامه الفداء لجناية تصدر منها بعد الاستيلاء بعيد عن قياس الأصول، ولكنه متفق عليه بين أصحابنا) وهذا الإشكال قوي.

ص: 579

بِالْأَقَلِّ، وَقِيلَ الْقَوْلَانِ، وَجِنَايَاتُهَا كَوَاحِدَةٍ فِي الْأَظْهَرِ

ــ

قال: (بالأقل) أي: من قيمتها والأرش قطعًا، لامتناع بيعها، وسواء جنت على نفس أو مال.

قال: (وقيل: القولان) أي: كالقن، والفرق: أنها لا تقبل البيع، ثم المعتبر قيمتها يوم الجناية، وقيل: يوم الإحبال، وبه جزم البغوي.

ولو ماتت عقب الجناية بلا فصل .. لزمه في الأصح، ذكره الرافعي في كلامه على جناية العبد الموقوف.

وعلم من فرض المسألة: أنت المراد أم الولد التي امتنع بيعها، فلو كانت تباع لأنه استولدها وهي مرهونة وهو معسر ونحوه .. فإن حق المجني عليه يقدم على حق المرتهن.

قال: (وجناياتها كواحدة في الأظهر)، لأن الاستيلاد اتلاف ولم يوجد الا مرة واحدة، كما لو جنى العبد جنايات ثم قتله سيده.

والثاني: عليه لكل واتحدة فداء، لأنه منه من بيعها عند الجناية الثانية كما في الأولى.

وإذا قلنا: يتحد الفداء. ز اشتركوا فيه على قدر جنايتهم، فإذا ساوت المستولدة ألفًا وأرش كل من الجنايتين ألف .. فلكل واحدة خمس مئة، فإن كان الأول قبض الألف .. استرد منه خمس مئة.

وإن كانت قيمتها ألفًا وأرش الأولى ألف والثانية خمس مئة .. رجع الثاني على الأول بثلث الألف، وإن كانت الأولى خمس مئة والثانية ألفًا .. أخذ الثاني من السيد خمس مئة تمام القيمة ورجع على الأول بثلث خمس مئة التي قبضها ليصير معه ثلثًا الألف ومع الأول ثلثه، كما إذا قسمت تركة إنسان على غرائه ووصاياه وورثته وكان قد حفر بئرًا عدوانًا فهلكت بها اهيمة .. فإن ربها يزاحم الغرماء والورثة والموصة لهم ويسترد منهم حصته، فلو هلك بها شئ بعد ذلك .. استرد مستحقة منهم أيضًا ومن مستحق الجناية الأول.

والموقوف كأم الولد في أن الواقف يفديه بالأقل وتكون جنايته كجناياتها في جميع ما تقرر.

ص: 580

فَصْل:

فِي الجَنِينِ غُرَّة

ــ

تتمة:

جنت جارية لها ولد. ز لم يتعلق الأرش برقبته، وإن ولدت بعد الجناية من كان موجودًا حال الجناية أو حدث بعدها .. لا يتعلق به أرش، فإن لم نجوز التفريق .. بيع معها وصرفت حصة الأم إلى الأرش وحصة الولد للسيد، وهل تباع حاملًا بحمل كان يوم الجناية أو حدث؟ إن قلنا: الحمل لا يعرف .. بيعت كما لو زادت زيادة متصلة، وإلا .. فلا تباع حتى تضع، لأنه لا يمكن إجبار السيد على بيع الحمل ولا يمكن استثناؤه، ولو لم يفد السيد الجاني ولا سلمه للبيع .. باعه القاضي وصرف الثمن إلى المجني عليه.

ولو باعه بالأرش جاز إن كان نقدًا، وكذا إن كان إبلًا وقلنا: يجوز الصلح عنها.

قال: (فصل):

ف بالجنين غرة، لما روى الشيخان [خ5760 - م1681/ 34]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في جنين الهذلية بغرة عبد أو أمة)، ورويا أيضًا [خ6908 - م 1683]: أن عمر استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة:(شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيها بغرة عبد أو وليجة)، فقال:(ائتني بمن يشهد معك)، فاتاه بمحمد بن مسلمة فشهد له، ثم قيل: أن عمر لما جاءه خلاف ما يعلم .. أراد التثبيت، لا أنه يرد خبر الواحد.

وقيل: مراده: أنه إذا سمع الناس أن هذا حاله مع رواية الصحابي .. تثبتوا واحتاطوا في الراوية.

واجتمعت الأمة على ذلك، وسواء كان الجنين ذكرًا أو أنثى، لإطلاق الخبر، لأن ديتهاما لو اختلف .. لكثر الاختلاف في كونه ذكرا أو أنثى فسوى الشرع بينهما، كما جعل الصاع من التمر بدل اللبن في المصراة سواء قل اللبن آو كثر.

ص: 581

إِنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فِي حَيَاتِهَا

ــ

وسمي الجنين جنينًا، لاستتاره، ومنه الجن.

و (الغرة): النسمة من الرقيق، سميت بذلك، لأنها غرة ما يملكه الإنسان، أي: أفضله، وغرة كل شيء خياره.

وأما ما ورى أبو داوود [4568] عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في الجنين غرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل) .. فهي رواية باطلة وإن أخذ بها بعض السلف كعطاء ومجاهد.

وقال داوود: كل ما وقع عليه اسم الغرة يجزئ.

وروى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، والفاكهاني في (شرح الرسالة) عن ابن عبد البر أنهما قالا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالغرة معنى زائدًا، ولو لم يرد معنى زائدًا .. لقال في الجنين عبد أو أمة، لكنه عنى البياض، فلا يقبل فيها إلا غلام أبيض أو جارية بيضاء، ولا يقبل فيها أسود ولا سوداء.

وقيل لأبي عمرو المذكور: متى يحسن المرء أن يتعلم؟ قال: ما دامت الروح في جسده، وكان نقش خاتمه (من الطويل):

وإن امرأ دنياه أكبر همه .... لمستمسك منها بحبل غرور

ثم إنما تجب الغرة الكاملة في جنين محكوم بإسلامه- تبعًا لأبويه أو أحدهما- وبحريته، لأن المحكوم بكفره والرقيق ذكرهما في آخر الفصل.

قال: (إن انفصل ميتًا بجناية في حياتها)، للحديث المتقدم.

والمراد بـ (الجناية): ما يؤثر في الجنين من فعل أو قول، مثل أن يضرب الحامل أو يؤجرها دواء أو غيره فتجهض جنينا، وكذا لو شربته هي لغير حاجة، أوطفرت طفرة خارجة عن عادة مثلها من الحوامل وكان مثلها يسقط الأجنة فأجهضته، فإنها تضمنه، وفي معنى الفعل: الترك الموجب للإجهاض، كما إذ منعها الطعام أو الشراب، أو امتنعت منه مدة يحصل الإجهاض في مثلها مع تمكنها من التناول حتى أجهضت، سواء كان ذلك بصوم أو غيره.

ص: 582

أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَكَذَا إِنْ ظَهَرَ بِلَا انْفِصَالِ فِي الأَصَحَّ، وَإِلَّا .. فَلَا،

ــ

قال: (أو بعد موتها)، هذا متعلق بـ (انفصل) أي: إذا انفصل بعد موتها بجناية في حياتها .. وجبت الغرة، لأنه شخص مستقل ولا يدخل ضمانه في ضمانها.

وقال مالك وأبو حنيفة: لا شيء فيه إذا انفصل بعد موتها، كما لو جنى عليها وهي ميتة فألقت جنيمًا، فإنه لا شيء عليه بالإجماع.

قال: (وكذا إن ظهر بلا انفصال في الأصح)، لأن بذلك نتحقق وجوده.

والثاني- وبه قال مالك، ويحكى عن القفال-: أن المعتبر الانفصال التام، لأنه ما لم ينفصل يكون كالعضو من الأم.

ويتفرع عليها: ما لو ضرب بطنها فخرج رأس الجنين مثلًا وماتت الأم بذلك ولم ينفصل، أو أخرج رأسه ثم جنى عليها فماتت .. فعلى الأصح: تجب الغرة، ليتقن وجوده.

وعلى الثاني:/ لا، لعدم تمام الانفصال.

ولو قدت نصفين وشوهد الجنين في بطنها ولو ينفصل .. فعلى الوجهين.

قال الشيخان: ولو أخرج رأسه وصاح فحز رجل رقبته .. فعلى الأصح: يجب القصاص أو الدية، لأن تيقنا بالصياح حياته، وإن اعتبرنا تمام الانفصال .. فلا قصاص ولا دية، والذي صححاه هنا من أنه كسائر الأحياء في وجوب القصاص أو الدية خالفاه في الباب الأول من أبواب (العدد) وفي كتاب الفرائض).

قال: (وإلا .. فلا) أي: إذ لم يظهر منه شيء ولم ينفصل، بأن ضرب بطنها ثم ماتت من غير انكشاف وظهور وتمام انفصال .. لم يجب شيء، لأن لم نتيقن وجود الجنين فلا نوجب شيئًا بالشك، وكذا لو كانت امرأة منتفخة البطن فضربها ضارب فزال الانتفاخ، أو كانت تجد حركة في بطنها فانقطعت الحركة، لجواز أن يكون ربحًا فانفشت.

ص: 583

أَوْ حَيًّا وَبَقِىَ زَمَنًا بِلَا أَلَمٍ ثُمَّ مَاتَ .. فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ مَاتَ حِينَ خَرَجَ أَوْ دَامَ أَلَمُهُ وَمَاتَ .. فَدِيَةُ نَفْسٍ وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ فَغُرَّتَانِ، أَوْ يَدًا فَغُرَّةٌ،

ــ

وبقى من الشروط: أن لا ينفصل عنها ألم جناية حتى تلقيه، ولو ضربها فأقامت بلا ألم ثم ألقت جنينًا لم يضمنه على المنصوص.

قال: (أو حيًا وبقى زمنًا بلا ألم ثم مات فلا ضمان)، لأن الظاهر: أنه لم يمت بالجناية.

قال: وإن مات حين خرج أو دام ألمه ومات فدية نفس)، لأن تيقنا حياته وقد هلك بالجنابة فأشبه سائر الأحياء.

ولا فرق بين أن يستهل أو لا يستهل، لكن وجد ما يدل على حياته كالتنفس وامتصاص اللبن والحركة القوية كقبض يده وبسطها، ولا عبرة بمجرد الاختلاج على المشهور، وسواء انفصل لوقت يعيش فيه أو لوقت لا يتوقع أن يعيش، بأن ينفصل لدون ستة أشهر.

وقال المزني: إن لم يتوقع أن يعيش – ففيه الغرة دون الدية.

قال: (ولو ألقت جنينين – فغرتان) عملًا بالنص، لأن الغرة متعلقة باسم الجنين فتعددت بتعدده، قال ابن المنذر: أجمعوا على ذلك.

فلو ألقت حيًا وميتًا ومات الحي .. وجبت دية وغرة.

قال: (أو بدا فغره) هذا هو الصحيح المنصوص، لأن تحققنا وجود الجنين، والظاهر: أن اليد بالجناية، وكذا لو ألقت رجلًا، وفي وجه: يجب بإلقاء اليد والرجل نصف غرة، لأن اليد تضمن بنصف الجملة، وهو تفريع على أن الجنين لا يضمن حتى ينفصل كله.

ولو ألقت يدين أو رجلين أو يدًا ورجلًا فغرة قطعًا.

ولو ألقت من الأيدي والأرجل ثلاثًا أو أربعًا .. لم تجب إلا غرة واحدة، لأن لم

ص: 584

وَكَذَا لَحْمٌ قَالَ الْقَوَابِلُ: فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ، قِيلَ: أَوْ قُلْنَ: لَوْ بَقِىَ لَتَصَوَّرَ وَهِيَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ ......

ــ

نتيقن وجود جنينين، لاحتمال أن يكون بعض هذه الأعضاء أصليًا وبعضها زائدًا، وكذلك لو ألقت رأسين .. فيروى: أن الشافعي أخبر بامرأة لها رأسان، فنكحها بمئة دينار ونظر إليها ثم طلقها، وأن امرأة ولدت ولدًا له رأسان، وكان إذا بكى .. بكى بهما، وإذا سكت .. سكت بهما.

وفي وجه: يجب في إلقاء الرأسين والأيدي غرتان، اعتبارًا بالظاهر.

وإن ألقت بدنين .. وجبت غرتان، لأن الشخص الواحد لا يكون له بدنان بحال، هكذا أورده الإمام وأتباعه.

وحكى الروياني عن النص خلافه، وجوز أن يكون لرأس بدنان كما يجوز أن يكون لبدن رأسان.

قال: (وكذا لحم قال القوابل: فيه صورة خفية) لا يعرفها سواهن، لحذقهن، فتجب الغرة.

قال: (قيل: أو قلن: لو بقى لتصور) هذه مسألة النصوص الثلاثة المتقدمة في (باب العدد)، وفيها طرق:

أشهرها: أن الغرة لا تجب للشك في موجبها، أما إذا شككنا في أنه أصل آدمي أو لا .. لم تجب الغرة بلا خلاف.

وأفهم تعبير المصنف بـ (اللحم): تصوير المسألة بالمضغة، فلو ألقت علقة .. لم يجب فيها شيء قطعًا كما لا تنقضي بها العدة، وأما حكاية الغزالي الخلاف فيها .. فتفرد به، وقد صرح إمامه بنفي الخلاف فيها.

وقال المارودي: العلقة في حكم النطفة بالإجماع بالنسبة إلى عدم الغرة، وأمية الولد، وانقضاء العدة.

قال: (وهي عبد أو أمة)، كما قسرها انبي صلى الله عليه وسلم، والخيرة في ذلك إلى الغارم، ويجبر المستحق على قبولها من أي نوع كانت، وعلم منه امتناع الخنثى، لأنه ليس بذكر ولا أنثى.

ص: 585

مُمَيِّزٌ سَلِيمٌ مِنْ عَيْبِ مَبِيعٍ، وَالأَصَحُّ: قَبْولُ كَبِيرٍ لَمْ يَعْجِزْ بِهَرَمٍ، وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهَا نِصَفَ عُشْرِ الدِّيَةِ، .....

ــ

قال: (مميز)، لأن غيره ليس من الخيار، ولفظ الخبر وإن كان يشمله لكن يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه، لأن المقصود من الغرة جبر الخلل ولا جبر مع الصغر.

والتعبير بـ (المميز) أحسن من ضبطه بسبع سنين، وليس عدم الصنعة عيبًا كما صرح به في (الكفاية).

قال: (سليم من عيب مبيع)، لأن المعيب ليس من الخيار، وهذا بخلاف الإعتاق في الكفارة حيث يجزئ إعتاق المعيب بعيب لا يضر بالعمل، لأن الكفارة حق الله تعالى والغرة حق الآدمي وحقوق الله تعالى مبينة علة المساهلة، فلو رضي المستحق بقبول المعيب وسامح .. جاز.

ووقع في (الشرح) و (الروضة): أنه لا يجبر على قبول خصي وخنثى وكافر، وما ذكراه في الكافر غريب، فإن الكفر ليس بعيب في المبيع مطلقًا، بل الصحيح: أنه إن كان في بلد تقل فيها الرغبة في الكافر .. كان عيبًا، وجزم ابن خيران بجوار دفع الكافر، وهو متجه.

قال: (والأصح: قبول كبير لم يعجز بهرم)، لإطلاق لفظ العبد والأمة في الخبر، فإن ضعف وعجز بالهرم .. امتنع.

والثاني: لا يقبل بعد عشرين سنة، غلامًا كان أو جارية.

والثالث: لا تؤخذ الجارية بعد عشرين سنة، لأنها تتغير وتنقص قيمتها بذلك، ولا الغلام بعد خمس عشر سنة، لأنه لا يدخل على النساء.

قال المصنف: كذا ضبطوه، وكان ينبغي أن يضبط بالبلوغ، فلا يقبل من بلغ لدوران هذا السن، وضعف الوجهان بأن نقصان الثمن تقابله زيادة المنفعة.

قال: ويشترط بلوغها نصف عشر الدية) أي: دية الأب، وهو عشر دية الأم، وذلك خمس من الإبل، لأن عمر قوم الغرة خمسين دينارًا، وكذلك على وزيد بن

ص: 586

فَإِنْ فُقِدَتْ فَخَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ، فَلِلفَقْدِ قِيمَتُهَا، وَهِيَ لِوَرَثَةِ الجَنِينِ

ــ

ثابت ومخالف لهم، ولأنها دية فقدرت كسائر الديات، ولكن قدرت بأقل أرش ورد من الشرع وهو الموضحة، ولا ترد الأنملة، لأنها بالاجتهاد.

قال: (فإن فقدت .. فخمسة أبعرة)، لأنها مقدرة بالخمس عند وجودها، فعند عدمها تأخذ ما كانت مقدرة به، فعلى الجديد: تجب قيمتها، وعلى القديم: يجب خمسون دينارًا أو ست مئة درهم.

وعلى هذا: تغلط إن كانت الجناية شبه عمد، حقة ونصف، وجذعة ونصف، وخلفتان.

وقال الرافعي: لم يتكلموا في التغليط عند وجود الغرة، إلا أن الرياني قال: ينبغي أن تجب غرة قيمتها نصف عشر الدية المغلطة، وتبعه المصنف، وهو غريب، فقد تكلم في ذلك أبو الطيب والبندنيجي والمارودي، ونقل فيه القاضي وجهين، وصحح عدم التغليظ.

قال: (فللفقد قيمتها) أي: هذا الوجه إن فقدت الغرة .. وجبت قيمتها، كما لو غضب عبدًا فأبق أو كانت .. فالواجب قيمته.

قال: (وهي لورثة الجنين)، فتقسم على فرائض الله تعالى، فتأخذ الأم نصيبها إن كانت بصفة الميراث عند تمام الانفصال، والباقي للأب، فإن لم يكن أب، أو كان وبه مانع .. فللعصبات، فإن كان للجنين أخ أو أكثر من الأم .. صرف إليه فرضه والباقي للعصبة، وهذا شخص يورث في الغرة خاصة ولا يرث، كما أن المبعض في عموم الميراث يورث ولا يرث على الأصح، ولا نظير لهما كما تقدم، وهل يثبت الملك فيها للجنين ثم ينتقل إلى ورثته أو يثبت لورثته؟ فيه القولان المتقدمان في الدية.

ص: 587

وَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي، وَقِيلَ: إِنْ تَعَمَّدَ .. فَعَلَيْهِ وَالجَنِينُ اليَهودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ قِيلَ: كَمُسْلِمٍ، وَقِيلَ: يُهْدَرُ، وَالأَصَحُّ: غُرَّةٌ كَثُلُثِ غُرَّةِ مُسِلِمٍ

ــ

ولو خرج جنين في حياة أمه والآخر بعد موتها .. ورثت من الأول دون الثاني، ولا شيءللأم بسبب ألم الجناية والضرب إن لم يؤثر أثرًا ظاهرا، وأن بقي شين وجبت له حكومة في الاصح.

قال: (وعلى عاقلة الجاني)، لحديث أبي هريرة المتقدم.

قال: (وقيل: إن تعمد) أي: الجاني (فعليه)، بناء على أن العمد يتصور في الإجهاض، والمذهب: أنه لا يتصور، لأن حياته لاتعلم، وكذلك وجوده أيضًا، فعلى الصحيح: تكون على العاقلة.

قال: (والجنين اليهودي أو النصراني قيل: كمسلم)، لعموم الخبر، ولا يبالي بالتسوية بينه وبين المسلم، لانه لا يمكن الإهدار، ولا تجزئة الغرة.

قال: (وقيل: يهدر)، لأنه لا سبيل إلى التسوية بينه وبين المسلم، والتجزئة ممتنعة.

قال: (والأصح: غرة كثلث غرة مسلم)، كما أن في الذمي ثلث ديه المسلم، وهذا مبني على أن الغرة مقدرة بنصف عشر دية الأب أو عشر دية الأم، وهو خمس من الإبل أو خمسون دينارًا أو ست مئة درهم كما تقدم، ففيه بعير وثلثًا بعير أو ستة عشر دينارًا وثلثان أو مئتا درهم.

وفي الجنين المجوسي ثلثا عشر غرة المسلم، وهي ثلث بعير.

ولو كان أحد أبوي الجنين ذميًا والآخر وثنبًا لا أمان له .. فعلى الأصح: يجب ما يجب فيمن أبواه ذميان، وعلى الثاني: لا شيء فيه، وعلى الثالث: يعتبر جانب الأب.

والجنينين المتولد بين مستأمنين كجنين الذميين، وجنين المتدة بعد الحبل فيه الغرة الكاملة، لأنه مسلم، وإن حبلت بعد الردة من مرتد، فإن قلنا: المتولد بينهما مسلم .. فكذلك، وإن قلنا: كافر .. فالأصح: لا شيء جكنين الحربي.

ولو ضرب بطن ذمية حبلى من ذمي فأسلمت أو أسلم ثم أجهضت. ز وجبت غرة

ص: 588

وَالرَّقِيقُ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ- وَقِيلَ: الإجْهَاضِ

ــ

كاملة، لأن الاعتبار في الضمان بآخر الأمر، وكذلك حكم من جنى على أمة حبلى فعتقت ثم ماتت، وفيما يستحقه سيدها من ذلك وجهان أو قولان: أصحهما: الأقل من عشر قيمة الأم ومن الغرة.

ولو جنى على حربيى فأسلمت ثم أجهضت .. فالأصح: لا يجب شيء، وقيل: غرة.

قال البغوي: ويجري الوجهان فيما لو جنى السيد على أمته الحامل من غير فعتقت ثم ألقت الجنين.

قال: (والرقيق عشر قيمة أمه)، ذكر كلن أو أنثى، قنة كانت أو مدبرة أو مكاتبة أو مستولدة، لأن الغرة معتبرة بعشر ما تضمن به الأم إذا كان الجنين حرًا فكذا إذا كان رقيقًا يعتبر بأمه فيجب عشر قيمتها، ولأن الجنين قد يخرج متقطعًا ولا يعرف حاله، والتقويم مبني على الهيئات والصفات الحاصلة في الحياة.

قال: (يوم الجناية)، لأنه وقت الوجوب، ولأن وقت الوجوب، ولأن القيمة يومئذ أكمل غالبًا، وهذا صححه الرافعي في (الشرح) أيضًا ولم يذكره في (الروضة)، بل صحح أنها الأكثر من الجناية إلى الإجهاض.

قال: (وقيل: الإجهاض)، لأنه وقت استقرار الجناية كما في حريته وإسلامه، واختاره المزني، وجعله ابن سلمة قولًا.

وخرج بـ (الرقيق): المبعض، فحكمه حكم الحر، قاله في (البيان).

لكن يستثنى من إطلاقه: ما إذا كانت هي الجانية على نفسها .. فلا شيء، إذ لا يجب للسيد على عبده شيء، وتستثنى المكاتبة إذا غرت من نفسها فحملت من وزوجها المغرور قبل علمه بحالها فضربها ضارب، ففي جنينها ما في جنين الحرة.

ص: 589

لِسَيِّدِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً، وَالْجَنِينُ سَلِيمٌ .. قُوِّمَتْ سَلِيمَةٌ فِي الأَصَحِّ، وَتَحْمِلُهُ العَاقِلَةُ فِي الأَظْهَرِ ......

ــ

وسبق في (باب موجبات الدية) منازعة المصنف في تعبيره بـ (الإجهاض) في حق الآدميات.

قال: (لسيدها)، لأنه المالك، كذا وقع في (المنهاج)، والذي في (المحرر): أنه لسيد الجنين، وهو الصواب، لأن الجنين قد يكون لشخص وصى له يه والأم لآخر، فالبدل لسيده لا لسيدها.

قال: (فإن كانت مقطوعة، والجنين سليم .. قومت سليمة في الأصح)، كما لو كانت كافرة والجنين مسلم .. فإنها يقدر فيها الإسلام وتقوم مسلمة.

وإذا كان الجنين رقيقًا وهي حرة، كما إذا كانت الأم لواحد والجنين لآخر فأعتق صاحب الأم والأم وبقي الجنين رقيقًا لصاحبه .. تقدر الأم رقيقة ويجب في الجنين عشر قيمتها.

والثاني: لا تقدر فيها السلامة، لأن نقصان الأعضاء أمر خلقي، وفي تقدير خلافه بعد.

فلو كان الجنين مقطوع الأطراف والأمة سليمة .. قومت أيضًا سالمة على الأصح، لأن نقصان الجنين قد يكون من أثر الجناية واللائق التغليط والاحتياط.

قال: (وتحمله العاقلة في الأظهر) أي: بدل الجنين الرقيق، وهذان هما القولان السابقان في حملها العبد، والأظهر: التحمل، لإطلاق الخبر.

تتمة:

سقط جنين ميت فادعى وارثه على إنسان: أنه سقط بجنايته، فأنكر الجناية .. صدق بيمينه وعلى المدعي البينة، ولا تقبل إلا شهادة رجلين، فإن أقر بالجناية وأنكر الإسقاط وقال: السقط ملتقط

فهو المصدق أيضًا وعلى المدعي البينة، وتقبل فيها شهادة النساء، لأن الإسقاط ولادة.

وإن أقر بالجناية والإسقاط وأنكر كون الإسقاط بسبب جنايته .. نظر: إن أسقطت

ص: 590

فَصْلٌ:

يَجِبُ فِي الْقَتْلِ كَفَّارَةٌ

ــ

عقب الجناية .. فهي المصدقة باليمين، لأن الجناية سبب ظاهر، وإن سقطت بعد مدة من وقت الجناية .. صدق بيمينه، لأن الظاهر معه، إلا أن تقوم بينة: أنها لم تزل متألمة حتى أسقطت، ولا تقبل هذه الشهادة إلا برجلين.

وضبط المتولي المدة المتخللة بما يزول فيها ألم الجناية وأثرها غالبًا.

وإن اتفقنا على سقوطه اية، وقال الجاني: سقط ميتًا فالواجب الغرة، وقال الوارث: بل حيًا ثم مات فالواجب الدية .. فعلى الوارث البينة لما يدعيه من استهلال وغيره، وتقبل فيه شهادة النساء، لأن الاستهلال لا يطلع عليه غالبًا إلا النساء.

ولو أقام كل بينة بما يدعيه .. فبينة الوارث أولى، لأن معها زيادة علم.

قال: (فصل يجب في القتل كفارة) لما كانت الكفارة من موجبات القتل ختم بها الفصول.

والأصل فيها في قتل الخطأ قبل الإجماع: قوله تعالى: {ومن قتل مؤمنًا خطًا فتحرير رقبة مؤمنة} الآية.

وأما في العمد .. فما روى أبو داود [3960] والنسائي [سك 4870] والحاكم [2/ 212] وابن حبان [4307] عن وائلة بن الأسقع قاتل: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب- يعني: وجبت له النار بالقتل-فقال صلى الله عليه وسلم: (أعتقوا عنه، فإن الله عز وجل يعتق بكل عضو منها عضوًا منه من النار)، والقاتل لا يستوجب النار إلا في العمد.

وروى: أن عمر قال: يا رسول الله، وأدت في الجاهلية؟ فقال:(أعتق عن كل موءودة رقبة).

و (الوأد): دفن البنت وهي حية، وهذا قتل عمد، وظاهر الأمر الوجوب.

واحتج الشافعي بأن الكفارة لما وجبت على المحرم في جزاء الصيد في قتل العمد نصًا .. سوينا بين الخطأ والعمد، فكذلك في القتل وبالقياس على قتل الخطأ.

ص: 591

وإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أّوْ مَجْنُونًا

ــ

وعن قيس بن عاصم أنه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني وأدت بنات في الجاهلية؟ فقال صلى الله عليه وسلم:(أتق عددهن نسمًا).

وقيس بن عاصم المذكور أول من وأد البنات في الجاهلية للغيرة والأنفة من نكاحهن، ثم تبعه أهل الضلال.

وأما صعصعة بن ناجية جد الفرزدق همام بن غالب بنت صعصعة .. فهو الذي كان يقال له: محيي الموءودات، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال له:(أحسنت)، وفيه يقول الفرزدق (من المتقارب):

وجدي الذي منع الوائدات .... وأحيى الوئيد فلم يوأد

وخرج بذكر المصنف (القتل): الأطراف والجروح، فلا كفارة فيها، لكن دخل في عبارته: من قتل شخصًا بإذنه، فإنه تجب الكفارة بقتله في الأصح.

وكلام المصنف في (باب القصاص) يقتضي: أنها لا تجب، لقوله: إنه مهدر.

وخالف أبو حنيفة ومالك في كفارة العمد، ووافقهما ابن المنذر، وعن أحمد روايتان كالمذهبين.

قال: (وإن كان القاتل صبيًا أو مجنونًا)، لأنه من باب الضمان، ولأن إن جعلنا عمده خطأ .. فالخطأ يوجب الكفارة بالاتفاق.

وفارق كفارة الجماع في نهار رمضان، لأن حرمة الصوم في حقه ناقصة، لكونه غير مخاطب به ولا ببدله فيتع الولي من مالها كما يخرج الزكاة والفطرة منه، كذا قاله الرافعي هنا تبعًا للقاضي والبغوي.

وقال في (الصداق): لو لزم الصبي كفارة قتل .. لم يجز لوليه أن يعتق عنه من

ص: 592

أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِّمِيًّا، وّعّامِدًا أَوْ مُخْطِئًا،

ــ

ماله ولا من مال نفسه، وعلله بأنه لو صح .. لتضمن دخوله في ملكه ثم يعتق عنه، وذلك لا يجوز، بخلاف الزكاة والفطرة، فإنهما على الفور بخلافهما.

ولا يصوم الولي عنهما بحال، فإن صام الصبي في صباه .. أجزأه على الأصح في (الروضة) هنا.

قال: (أو عبدًا أو ذميًا)، لالتزامهما الأحكام، وكما يتعلق بقتلهما القصاص والضمان، ولا فرق بين أن يقتل مسلمًا وقلنا: ينتقض عهده أم لا، ولا بين أن يقتل ذميًا.

وصورة تكفيره بالعتق: أن يسلم عبد في ملكه، أو يرثه، أو يقول لمسلم: أعتق عبدك عن كفارتي، فإنه يصح على الأصح، فإن لم يوجد ذلك .. قال القاضي حسين: لا يكفر بالصوم، لأنه ليس من أهله شرعًا.

وسكت الشيخان عن السفيه، وذكرا في (باب الحجر): أنه في كفارة اليمين لا يكفر بالعتق بل بالصوم كالعبد، وهو يوهم أن غيرها من الكفارات كذلك، لكن صرح الصيمري في (باب الحجر) من (شرح الكفاية) بأن كفارة القتل تجب في مال السفيه، وهو القياس.

قال: (وعامدًا أو مخطئًا)، لعموم ما تقدم، وكذلك عمد الخطأ، سواء استوفي القصاص منه أم لا على المذهب.

وفي وجه: أنها لا تجب إذا استوفى منه القصاص، لما روى أبو نعيم في (معرفة الصحابة) عن خزيمة بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القتل كفارة).

لكن يستثنى من إطلاله: الجلاد القاتل بأمر إذا جرى على يده قتل غير مستحق وهو جاهل به، فلا كفارة عليه، لأنه سيف الإمام، كذا قرره الشيخان في الاستيفاء من الحامل.

ص: 593

وَمُتْسَبِّبًا بِقَتْلِ مُسْلِمٍ – وَلَوْ بِدَار حَرْبٍ- وَذِمِّيِّ وَجَنِينٍ وَعَبَدْ نَفْسِهِ وَنَفْسِهِ،

ــ

قال: (ومتسببًا)، لأنه كالمباشر في الضمان فكذا في الكفارة، وذلك كما إذا شهد عليه بالزور، أو أكره على قتلة، أو حفر بئرًا عدوانًا، أو نصب شبكة، أو رش الطريق، أو وضع فيه حجرًا، ونحو ذلك، لعموم الآية وبالقياس على وجوب الدية.

قال: (بقتل مسلم ولو بدار حرب) وإن لم يجب فيه القصاص ولا الدية، لقوله تعالى {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} معناه عند الشافعي تبعًا لابن عباس وغيره: إن كان في قوم.

ولأن دار الحرب لا تهدر دمه، وسبب العصمة- وهو الإسلام- قائم فيه، وسواء ظن كفره أو تترس به المشركون.

قال: (وذمى)، وكذلك المعاهد، لقوله تعالى:{وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق} وبيننا وبين أهل الذمة ميثاق.

وعن مالكك أنها لا تجب بقتل الذمي ولا بقتل العبد.

قال: (وجنين)، لقضاء عمر فيه بالدية والكفارة.

وقال ابن المنذر: لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء، لكن في (الرافعي) عن أبي حنيفة أنه قال: لا كفارة فيه، فلو كان ببطنها جنينان أو أجنة فأسقطت الجميع .. وجب لكل كفارة، لأن كلًا يضمن بغرة فضمن بالكفارة.

قال: (وعبد نفسه)، لعموم الآية، وحكى ابن يونس وجهًا: أنها لا تجب عليه، وأنكره عليه ابن الرفعة وقال: لم آراه لغيره وقد حكاه صاحب (الإستذكار) عن ابن سريج.

قال: (ونفسه)، فتخرج من تركته، لأنه قتل محرم، قال تعالى:(ولا تقتلوا أنفسكم).

ص: 594

وَفِي نَفْسِهِ وَجْهٌ، لَا امْرَأَةِ وَصَبِيٍّ حَرْبِيَّيْنِ وَبَاغٍ وَصَائِلٍ وَمُقْتَصٍّ مِنْهُ، وَعَلَى كُلِّ مِنَ الشُرَكَاءِ كَفَّارَةٌ فِي الأَصَحِّ، ....

ــ

وقال صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بشيء .. عذب به يوم القيامة).

قال: (وفي نفسه وجه) أي: أنها لا تجب عليه إذا فعل ذلك كما أنه لا يجب الضمان، ويقرب من هذا الخلاف الخلاف فيما إذا حفر بئرًا في محل عدوان فهلك بها رجل بعد موته .. هل تجب الكفارة؟ والغزالي بناه عليه.

ووجه المنع في الصورتين: أن في الكفارة معنى العبادة فيبعد وجوبها على ميت ابتداءً.

وفي وجه: أنه إذا استوفى منه القصاص .. لا كفارة عليه، لأنه قد سلم نفسه ووفى ما عليه.

وروى: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (القتل كفارة).

والمذهب: وجوبها، لأنها حق الله تعالى فلا تسقط بتأدية حق الآدمى كما لا تسقط بأداء الدية.

قال: (لا امرأة وصبي حربيين) وإن كان يحرم قتلهما، فإن ذلك لخشية فوات الاسترقاق.

قال: (وباغ وصائل) أي: إذا قتلا دفعًا، لأن قتلهما مباح مأذون فيه.

وعبارة الرافعي توهم أن قتل الباغي للعادل توجب الكفارة، مع أن أشبه الوجهين كما قاله في (قتال البغاة): أنها لا تجب.

قال: (ومقتص منه) أي: إذا وجب القصاص على شخص فقتله المستحق .. لم تجب على المستحق كفارة بالإجماع، وكذلك قتل المرتد وقاطع الطريق والزاني المحصن، لأن الشارع أذن في جميع ذلك.

قال: (وعلى كل من الشركاء كفارة في الأصح)، لأنه حق يتعلق بالقتل فلا

ص: 595

وَهِيَ كَظِهَارٍ لَكِنْ لَا إِطْعَامَ فِي الأَظْهَرِ

ــ

يتبعض كالقصاص، ولأن فيها معنى العبادة، والعبادة الواحدة لا تتوزع على الجماعة ككفارة الطيب واللباس.

والثاني: على الجميع كفارة واحدة، لأنها مال يجب بالقتل، فوجب أن لا تكمل في حق كل واحد كالدية وكفارة قتل الصيد.

ويجوز أن يبنى الخلاف على خلاف مشهور في أن كل واحد قاتل لجميع المقتول أو لبعضه، فلو كان بعض القاتلين لا تلزمه كفارة كالحربى ونحوه .. فيحتمل أن يقال: لا تجب على الآخر إلا بالقسط، كما لو قتل محرم وحلال صيدًا.

وتعبير المصنف هنا بـ (الأصح) المقتضي لقوة الخلاف يخالف تعبيره بـ (الصحيح) في

(فصل الاصطدام) حيث قال: (والصحيح أن على كل كفارتين).

قال: (وهي كظهار) فيعتق أولًا، فإن لم يجد .. فيصوم شهرين متتابعين للآية.

قال: (لكن لا إطعام في الأظهر)، لأن الأبدال في الكفارات موقوفة على النص دون القياس، ولا يحمل المطلق على المقيد إلا في الأوصاف دون الأصل، كما حمل مطلق اليد في التيمم على تقييدها بالمرافق في الوضؤ، ولم يحمل ترك الرأس والرجلين فيه على ذكرهما في الوضؤ.

والثاني: يطعم ستين مسكينًا كالظهار.

والقول في صفة الرقبة والصيام والإطعام إن أوجبناه على سبق ي الكفارة.

تتمة:

عدم وجوب الإطعام مختص بحالة الحياة، فلو مات معسرًا قبل الصوم وقلنا: يبقى في ذمته .. أخرج عن كل يوم مد، لا بطريق كون الإطعام بدلًا، لكن كما تخرج الفدية إذا فات صوم رمضان.

ص: 596

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خاتمة

عان غيره واعترف: أنه قتله بالعين .. فلا وإن كانت العين حقًا، لأنه لا يفضي إلى القتل غالبًا، ولا دية أيضًا ولا كفارة. ويندب للعائن أن يدعو له بالبركة فيقول: اللهم بارك فيه ولا تضره، وأن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.

وذكر القاضي حسين أن نبيًا من الأنبياء عليهم السلام استكثر وقومه ذات يوم، فأمات الله منهم مئة ألف في ليلة واحدة، فلما أصبح. ز شكا إلى الله تعالى ذلك، فقال الله تعالى له: لما استكثرتهم .. عنتهم، فلم لا حصنتهم؟ قال: رب، كيف أحصنهم؟ قال: تقول: حصنتكم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدًا، ودفعت عنكم السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله.

قال القاضي: وهكذا السنة في الرجل إذا رأى نفسه سليمًا وأحواله معتدلة يقول في نفسه ذلك، وكان القاضي يحصن تلامذته بذلك إذا استكثرهم.

وذكر الإمام فخر الدين في بعض كتبه: أن العين لا تؤثر ممن له نفس شريفة، لأنها استعظام الشيء، وما ذكره القاضي يرد ذلك.

وسكتوا عن القاتل بالحال، وأفتى بعض المتأخرين بان للولي أن يقتله به، لأن له فيه اختيارًا كالساحر، والصواب: أنه لا يقتل به ولا بالدعاء عليه، كما نقل ذلك عن جماعة من السلف.

قال مهدي بن ميمون: حدثنا غيلان بن جرير: أن مطرف بن عبد الله بن الشخير كان بينه وبين رجل كلام، فكذب عليه، فقال مطرف: اللهم، إن كان كاذبًا .. فأمته، فخر مكانه ميتًا، فرفع ذلك إلى زياد فقال: قتلت الرجل، قال: لا ولكنها دعوة وافقت أجلًا.

ص: 597

فهرس الكتاب

كتاب الرجعة 00000000000000000000000000000000000000000 7

كتاب الإيلاء00000000000000000000000000000000000000000 25

فصل: في أحكام الإيلاء00000000000000000000000000000000000 36

كتاب الظهار 0000000000000000000000000000000000000000 47

فصل: في أحكام الظهار 0000000000000000000000000000000000 54

كتاب الكفارة 000000000000000000000000000000000000000 63

كتاب اللعان 00000000000000000000000000000000000000000 85

فصل: في قذف الزوج زوجته 00000000000000000000000000000000 98

فصل: في كيفية اللعان 00000000000000000000000000000000000 103

فصل: في المقصود الأصلي من اللعان 000000000000000000000000000 117

كتاب العدد 0000000000000000000000000000000000000000 123

فصل: في العدة بوضع الحمل 0000000000000000000000000000000 134

فصل: في تداخل عدتي المرأة 0000000000000000000000000000000 142

فصل: في معاشرة المطلق المعتدة 000000000000000000000000000000 146

فصل: في عدة الوفاة والمفقود 0000000000000000000000000000000 150

فصل: في سكني المعتدة وملازمتها مسكن فراقها 000000000000000000 00 165

كتاب الاستبراء 00000000000000000000000000000000000000 181

كتاب الرضاع 000000000000000000000000000000000000000 199

فصل: في طريان الرضاع على النكاح 00000000000000000000000000 211

فصل: في الإقرار بالرضاع 00000000000000000000000000000000 218

كتاب النفقات 00000000000000000000000000000000000000 227

فصل: في موجب المؤن ومسقطاتها 000000000000000000000000000 252

ص: 599

فصل: في حكم الإعسار بمؤنة الزوجة 000000000000000000000000000000 266

فصل: في نفقة القريب 00000000000000000000000000000000000000 278

فصل: في الحضانة 00000000000000000000000000000000000000000 292

فصل: في مؤنة المملوك 00000000000000000000000000000000000000 311

كتاب الجراح 0000000000000000000000000000000000000000000 325

فصل: في الجناية من اثنين 000000000000000000000000000000000000 346

فصل: في أركان القصاص في النفس 000000000000000000000000000000 349

فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت 00000000000000000000 375

فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات 000000000000000000000 382

باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 00000000000000000000000 395

فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 00000000000000000000000000000 410

فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 000000000000000000000000000 415

فصل: في موجب العمد وفي العفو 00000000000000000000000000000 439

كتاب الديات 0000000000000000000000000000000000000000 455

فصل: في موجب ما دون النفس 000000000000000000000000000000 474

فرع: في إزالة المنافع 000000000000000000000000000000000000 506

فرع: في اجتماع ديات كثيرة 000000000000000000000000000000 522

فصل: في الجناية التي لا يتقدر أرشها 00000000000000000000000000 524

باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 00000000000000000000000000 531

فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان 00000000000000000000000000 550

فصل: في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله 000000000000000000000000 561

فصل: في جناية الرقيق 0000000000000000000000000000000000 576

فصل: في دية الجنين 00000000000000000000000000000000000 581

فصل: في كفارة القتل 0000000000000000000000000000000000 591

فهرس الكتاب 00000000000000000000000000000000000000 599

ص: 600