الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الظِهَارْ
ــ
كتاب الظهار
لفظه مشتق من الظهر، وسمي ظهارًا لتشبيه الزوجة بظهر الأم، وخص الظهر لأن المركوب يسمى ظهرًا؛ لحصول الركوب عليه، وقيل: هو من العلو، قال تعالى:{فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} أي: يعلوه.
وكان طلاقًا في الجاهلية، وقيل: كان أحدهم إذا كره امرأة ولم يرد أن تتزوج بغيره آلى منها أو ظاهر، فتبقي لا ذات زوج ولا خلية تنكح غيره، فنقل الشارع حكمه إلى تحريمها بعد العود ووجوب الكفارة، وأبقي محله وهو الزوجية.
وهو حرام كبيرة اتفاقًا؛ لقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} ويخف قوله: أنت على حرام؛ فإنه مكروه وإن كان إخبارًا بما لم يكن، لان في الظهار الكفارة العظمى وهى أنما تجب في المحرم كالقتل والفطر في رمضان، وفي لفظ التحريم كفارة يمين، واليمين والحنث ليسا بمحرمين.
والأصل في الباب: أول سورة (المجادلة)، وسببها: أن أوس بن الصامت ظاهر من زوجته خولة بنت ثعلبة - على اختلاف في اسمها ونسبها- فاشتكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حرمت عليه) فقالت: انظر في أمري؛ فإني لا أصبر عنه، فقال صلى الله عليه وسلم (حرمت عليه) وكررت وهو يقول:(حرمت عليه) فلما أيست .. اشتكت إلى الله تعالى، فأنزل الله تعالى الآيات رواه أبو داوود [2209] وابن ماجه [2063] وابن حبان [4279].
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: (مريه أن يعتق رقبة) فقالت: أي رقبة! والله لا نجد رقبة وما له خادم غيري، فقال:(مريه فليصم شهرين متتابعين) فقالت: والله يا رسول الله؛ ما يقدر على ذلك، إنه ليشرب في اليوم كذا وكذا مرة، قال:(فمريه أن يطعم ستين مسكينًا) فقالت: أنى له ذلك.
يَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ وَلَوْ ذِمِّيٌّ وَخَصِيٌّ. وَظِهَارُ سَكْرَان كَطَلَاقِهِ
ــ
وسورة (المجادلة) في كل آية منها اسم الله مرة أو مرتين أو ثلاثًا، وليس في القرآن سورة تشابهها في ذلك وهي نصف القرآن عددًا، وعشره باعتبار الأجزاء.
قال: (يصح من كل زوج)؛ لأن الله تعالى أناط حكمه بالنساء، ومطلقه ينصرف إلى الزوجات فلا يصح من الأمة وأم الولد، خلافًا لمالك، ولا من الأجنبية، سواء أطلقه أو علقه بالنكاح، خلافًا لأبي حنيفة ومالك، ولا يصح من الزوجة، فلو قالت لزوجها: أنت علي كظهر أمي وأنا عليك كظهر أمك .. لم يكن شيئًا.
قال: (مكلف) فلا يصح من الصبي والمجنون والنائم والمغمى عليه ومن زال عقله بسبب يعذر فيه، وكان ينبغي أن يزيد: مختارًا.
قال: (ولو ذمي)؛ لعموم الآية، وإنما صرح به مع دخوله فيما سبق لخلاف أبي حنيفة ومالك؛ فإنهما قالا: لا يصح ظهاره، واحتج الأصحاب بأنه زوج يصح طلاقة فصح ظهاره كالمسلم، ويتصور منه الإعتاق عن الكفارة بأن يرث عبدًا مسلمًا، أو يسلم عبده، أو يقول لمسلم: أعتق عبدك المسلم عن كفارتي إن جوزناه، وإلا .. فما دام كافرًا لا يباح له الوطء، وكذا الصوم؛ لقدرته على إذالة المانع.
والحربي في ذلك كالذمي، فلو عبر بـ (كافر) كان أعم.
وكان الأحسن أن ينصب (الذمي) وما بعده على حذف كان واسمها كقوله: (ولو خاتمًا من حديد) لكن المصنف يستعمل ذلك كثيرًا بالرفع كما تقدم التنبيه عليه في شروط الصلاة.
قال: (وخصي) ومثله المجبوب والعنين وغيرهم كالطلاق، ولا يجيء هنا الخلاف المذكور في (الإيلاء)؛ لأن الإيلاء يختص بالجماع فلا ينعقد عند تعذره.
والظهار يحرم جملة الاستمتاعات، وبعض الاستمتاعات موجود مع وجود هذه العوارض فأثر فيه الظهار.
وزاد في (المحرر): وعبد؛ لأجل خلاف مالك فيه أيضًا، وعلله بأنه لا يتأتى منه الإعتاق، ونحن نقول: إنه عاجز فيعدل إلى الصوم.
قال: (وظهار سكران كطلاقه) فيأتي فيه الخلاف المتقدم في بابه.
وَصَرِيحُهُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَىَّ أَوْ مِنِّى أَوْ مَعِي أَوْ عِنْدِي كَظَهْرِ أُمِّي، وَكَذَا: أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّى .. صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَوْلُهُ: جِسْمُكِ أَوْ بَدَنُكِ أَوْ نَفْسُكِ كَبَدَنِ أُمِّي أَوْ جِسْمِهَا أَوْ جُمْلَتِهَا صَرِيحٌ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّ قَوْلَهُ: كَيَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ صَدْرِهَا .. ظِهَارٌ،
ــ
قال: (وصريحه أن يقول لزوجته:) أي: التي يقع الطلاق عليها (أنت علي أو مني أو معي أو عندي كظهر أمي) أما (أنت علي) .. فلأن أوس بن الصامت ظاهر بها، وحكى ابن المنذر الإجماع على صراحتها، وأما (أنت مني) و (معي) .. ففي معناها، وتغاير الصلات لا يضر؛ لتقارب معانيها، وكذلك: أنت عندي أو لي كظهر أمي.
قال: (وكذا: أنت كظهر أمي .. صريح على الصحيح) ولا يضر ترك الصلة كما
أن قوله: (أنت طالق) صريح وإن لم يقل مني.
والثاني: أنه كناية؛ لاحتمال أن يريد أنها على غيره كظهر أمه، ولو أتى بصريح وقال: أردت غيره .. لم يقبل، وفية وجه؛ لأنه حق الله تعالى.
قال: (وقوله: جسمك أو بدنك أو نفسك كبدن أمي أو جسمها أو جملتها صريح)؛ لاشتمالها على الظهر ، وكذا لو قال لها: جملتك وذاتك كظهر أمي، وكذا لو قال: كرجل أمي، ومثله الفرج والشعر، وقطع به بعضهم في الفرج وبعضهم في الجميع.
قال: (والأظهر: أن قوله: كيدها أو بطنها أو صدرها .. ظهار)؛ لأنه عضو يحرم التلذذ به فكان كالظهار.
والثاني –وهو القديم-: المنع؛ لأنه ليس على صورة الظهار المعهود.
قال الرافعي: والخلاف شبيه بالخلاف في أن الإيلاء هل يختص باليمين بالله تعالى؟ فعلى الجديد: لا يختص؛ اتباعًا للمعنى، وعلى القديم يختص؛ اتباعًا للمعهود.
وقال أبو حنيفة: إن شبهها بعضو يحرم النظر إليه كالفرج والفخذ .. كان ظهارًا، وإلا .. فلا.
وَكَذَا كَعَيْنِهَا إِنْ قَصَدَ ظِهَارًا، وإِنْ قَصَدَ كَرَامَةً .. فَلَا، وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ فِي الأَصَحِّ. وَقَوْلُهُ: رَاسُكِ أَوْ ظَهْرُكِ أَوْ يَدُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارٌ فِي الأَظْهَرِ
ــ
قال: (وكذا كعينها إن قصد ظهارًا)؛ لأنه كالصدر والبطن.
قال: (وإن قصد كرامة .. فلا)؛ لأن هذا اللفظ يستعمل في الكرامة والإعزاز، وهذا لا خلاف فيه.
قال: (وكذا إن أطلق في الأصح)؛ لاحتمال الكرامة.
والثاني - واختاره القاضي والبغوي، وقوة كلام (الشرح الصغير) تقتضي -: أنه ظهار؛ لأن اللفظ صريح في التشبيه ببعض أعضاء الأم.
وحقيقة نية الظهار لم يتعرض لها الشيخان هنا، ونقلا عن (الشامل) في (كتاب الطلاق): أن ينوي أنها كظهر أمه في التحريم.
قال: (وقوله: رأسك أو ظهرك أو يدك علي كظهر أمي ظهار في الأظهر) بالقياس على الطلاق.
والثاني: لا يصح؛ لأنه مخالف لظهار الجاهلية، وهو قديم.
وقال المتولي وغيره: إنه مخرج، فحينئذ لا يحسن التعبير عنه بالأظهر وإن كان فيه جناس لفظي.
وكان ينبغي أن يمثل أيضا بالجزء الشائع كالنصف والثلث: ليعلم أنه لا فرق بينه وبين المعين، وإنما خص هذه الأعضاء بالذكر لينبه على أن الأعضاء الباطنة كالكبد والقلب لا يكون بذكرها مظاهرًا، وهو كذلك في (الرونق) و (اللباب).
قاعدة:
قال القمولي وابن المرحل وغيرهما: لا يزيد البعض على الكل إلا في مسألة واحدة في هذا الباب، وهي قوله: أنت كأمي؛ فإنه لا يكون ظهارًا وإن قال:
كظهرها .. كان ظهارًا.
قلت: قد يكون البعض أزيد من الكل في مسائل:
وَالتَّشْبِيهُ بِالْجَدَّةِ ظِهَارٌ. وَالْمَذْهَبُ: طَرْدُهُ فِي كُلِّ مَحْرَمٍ لَمْ يَطْرَا تَحْرِيمُهَا، لَا مُرْضِعَةٍ وَزَوْجَةِ ابْنٍ.
وَلَوْ شَبَّهَ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَمُطَلَّقَةٍ وَأُخْتِ زَوْجَةٍ وَبِأَبٍ وَمُلَاعَنَةٍ .. فَلَغْوٌ
ــ
منها: الروشن إذا سقط كله .. فيه نصف الضمان، وفي بعضه .. كله كما سيأتي في (الجنايات).
ومنها: الإنسان فيه ديات كثيرة، وفي جميعه دية واحدة.
ومنها: من له جدار في درب غير نافذ .. له رفع جميع الجدار، وليس له أن يفتح فيه بابًا.
ومنها: على القديم المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديته، ثم إن زادت .. صارت على النصف، ففي أصبعين: عشرون، وفي ثلاثة: ثلاثون، وفي أربع: عشرون.
قال: (والتشبيه بالجدة) أي: من الجهتين وإن بعدت (ظهار)؛ لأن لها ولادة، وتشارك الأم في العتق وسقوط القصاص ووجوب النفقة، وقيل: على الخلاف في الأخت، والخلاف فيها كالخلاف في أن الجد هل له ولاية الإجبار على النكاح؟ وهل له الرجوع فيما وهب لولد ولده؟
قال: (والمذهب: طرده) أي: طرد هذا الحكم (في كل محرم لم يطرأ تحريمها) كالأخت والخالة والعمة؛ لأنه شبهها بمحرمة القرابة أبدًا فأشبهت الأم.
والثاني: المنع؛ للعدول عن المعهود في الجاهلية.
قال: (لا مرضعة وزوجة ابن)؛ فإن التشبيه بهما ليس ظهارًا بلا خلاف؛ لأنهما دون الأم في التحريم لاحتمال إرادة الحالة التي كانت حلالًا له فيها؛ والأصح: أن الحكم في سائر المحارم كذلك، إلا: أن تكون المرأة حلالًا ثم تصير محرمًا كالمرضعة وابنتها المولودة قبل أن ترضع، ويتحرر من الخلاف في المسألة سبعة أقوال أو أوجه: أصحها: ما ذكره المصنف.
وعند مالك وأحمد: التشبيه بجميعهن ظهار.
قال: (ولو شبه بأجنبية ومطلقة وأخت زوجة وباب وملاعنة .. نلغو) أما ما عدا الأب والملاعنة .. فلأنهن لا يشبهن الأم، وأما الأب ومثله الابن والغلام ونحوه ..
وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ: إِنْ ظَاهَرْتُ مِنْ زَوْجَتِي الأُخْرَى .. َفَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَظَاهَرَ .. صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهُمَا. وَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْتُ مِنْ فُلَانَةَ وَفُلَانَةُ أَجْنَبِيَّةٌ، فَخَاطَبَهَا بِظِهَارٍ .. لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّفْظَ، فَلَوْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ مِنْهَا .. صَارَ مُظَاهِرًا
ــ
فإنه ليس محلًا للاستحلال ، وأما الملاعنة .. فليس تحريمها لحرمتها، وكذا لو شبهها بمجوسية أو مرتدة أو بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولو قال: أنت علي كظهر أبي وأمي .. كان ظهارًا.
وعبارة المصنف أنكرها ابن عصفور على الفقهاء فقال: إن تعدية شبه بـ (الباء) لحن لا يوجد في كلام من يوثق بعربيته، وإنما المسموع تعديته بنفسه، ورد عليه ابن مالك بقول عائشة: شبهونا بالحمير والكلاب، ونص على جوازه صاحبا (المحكم) و (العباب) وغيرهما.
قال: (ويصح تعليقه كقوله: إن ظاهرت من زوجتي الأخرى .. فأنت علي كظهر أمي، فظاهر .. صار مظاهرًا منهما)؛ لأنه كان طلاقًا، والطلاق يصح تعليقه على الشروط، ولأنه يشبه الطلاق من حيث إنه يتعلق به التحريم ويشبه اليمين من حيث تعلق الكفارة، ومن هذا التشبيه اختلفوا: هل نسلك به مسلك الطلاق أو مسلك اليمين؟ وتظهر فائدة ذلك فيما إذا ظاهر من زوجته ثم قال: أشركتك معها ونوى الظهار، فإن غلبنا الطلاق .. كان مظاهرًا، وإن غلبنا اليمين .. فلا، لكنهم صححوا هنا أن المغلب شائبة الطلاق، وفي الظهار المؤقت شائبة الأيمان حيث صححوا تأقيته، فيحتاج إلى الفرق.
قال: (ولو قال: إن ظاهرت من فلانة وفلانة أجنبية، فخاطبها بظهار .. لم يصر مظاهرًا من زوجته)؛ لعدم صحة الظهار من الأجنبية.
وقوله: (وفلانة أجنبية) إخبار عن الواقع، لا أنه من تتمة كلام المظاهر.
قال: (إلا أن يريد اللفظ) أي: يريد التعليق على الإتيان بهذا اللفظ، فيصير مظاهرًا من زوجته بلا خلاف؛ لوجود الصفة.
قال: (فلو نكحها وظاهر منها .. صار مظاهرًا) من زوجته الأخرى؛ لتحقق الشرط.
وَلَوْ قَالَ: مِنْ فُلَانَةَ الأَجْنَبِيَّةِ .. فَكَذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا وَإِنْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ ظَاهَرْتُ مِنْهَا وَهِىَ أَجْنَبِيَّةٌ .. فَلَغْوٌ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَلَمْ يَنْوِ، أَوْ نَوَى الطَّلَاقَ، أَوِ الظِّهَارَ، أَوْ هُمَا، أَوِ الظِّهَارَ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَالطَّلَاقَ، بِكَظَهْرِ أُمِّي .. طَلَقَتْ وَلَا ظِهَارَ، أَوِ الطَّلَاقَ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَالظِّهَارَ بِالْبَاقِي .. طَلُقَتْ
ــ
قال: (ولو قال: من فلانة الأجنبية .. فكذلك) أي: إذا خاطبها بظهار .. لم يصر مظاهرًا من الزوجة، وإن نكحها وظاهر منها .. صار.
ويحمل قوله: (الأجنبية) على التعريف لا الشرط.
قال: (وقيل: لا يصير مظاهرًا وإن نكحها وظاهر)؛ لأنها إذا نكحت خرجت عن كونها أجنبية.
قال: (ولو قال: إن ظاهرت منها وهي أجنبية .. فلغو)؛ لأنه شرط الظهار في حال كونها أجنبية، وما دامت بتلك الصفة .. لا يصح منها الظهار، فقوله في هذه الصورة:(وهي أجنبية) من تتمة كلام المظاهر.
قال: (ولو قال: أنت طالق كظهر أمي ولم ينو، أو نوى الطلاق، أو الظهار، أو هما، أو الظهار بأنت طالق، والطلاق بكظهر أمي .. طلقت ولا ظهار) أما الأولى .. فوجه وقوع الطلاق فيها إثباته بلفظ الصريح.
وأما الثانية- وهي ما إذا نوى الطلاق بكلامه - فوجه وقوع الطلاق فيها ظاهر.
وأما الثالثة - وهي ما إذا قصد بالجميع الظهار - فحصول الطلاق لوجود لفظ الصريح.
وأما الرابعة .. فلأنه لم ينو به الظهار، وإنما نواه بالمجموع.
وأما الخامسة - وهي ما إذا نوى الظهار بـ (أنت طالق) و (الطلاق) - (كظهر أمي) - فلان (كظهر أمي) خرج عن الصراحة بذلك.
قال: (أو الطلاق بأنت طالق، والظهار بالباقي .. طلقت)؛ لوجود اللفظ الصريح.
وَحصَلَ الظِّهَارُ إِنْ كَانَ طَلَاقَ رَجْعَةٍ.
فصْلٌ:
عَلَى الْمُظَاهِرِ كَفَّارَةٌ إِذَا عَادَ
ــ
قال: (وحصل الظهار إن كان طلاق رجعة): لأن الظهار يصح مع الرجعي وقد أتى به مع النية.
وفي وجه ضعيف: أنه لا ظهار كالبائن.
بقي ما لو أراد عكس الأخيرة وهي الظهار بأنت طالق والطلاق بالباقي .. فإنها تطلق
تتمة:
قال: أنت علي كظهر أمي حرام .. كان مظاهرًا، نص عليه.
قال المتولي: ثم إن لم ينو بقوله: (أنت علي حرام) شيئًا .. كان توكيدًا للظهار، وكذا إن نوى تحريم عينها، ومقتضى التحريم وهو الكفارة الصغرى يدخل في مقتضى الظهار وهو الكبرى، وإن نوى بالحرام الطلاق .. فقد عقب الظهار بالطلاق فلا يكون عائدًا.
قال: (فصل:
على المظاهر كفارة إذا عاد)؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}
وهل سبب الوجوب العود فقط؛ لأنه الجزء الأخير ، أو الظهار؛ لأنه المنكر والزور والعود شرط له، أو وجب بمجموع الأمرين؟ فيه أوجه لم يرجح الشيخان منها شيئًا.
والثالث: هو الموافق لترجيحهم أن كفارة اليمين تجب بالخلف والحنث جميعًا، وينبني على ذلك جواز تقديمها على الظهار أو العود.
وحاصل المذهب: جواز تقديمها على العود دون الظهار.
وَهُوَ أَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ ظِهَارِهِ زَمَنَ إِمْكَانِ فُرْقَةٍ- فَلَوِ اتَّصَلَتْ بِهِ فُرْقَةٌ بِمَوْتٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وَلَمْ يُرَاجِعْ أَوْ جُنَّ .. فَلَا عَوْدَ،
ــ
وعن ابن أبي هريرة: أنها تجب بثلاثة أسباب: عقد النكاح والظهار والعود، فلا يجوز تقديمها على الظهار.
وظاهر نص الشافعي - وبه جزم الرافعي في الكفارة -: أنها على التراخي ما لم يطأ، وبعد الوطء فيها الخلاف في قضاء الفائتة بغير عذر.
قال: (وهو) أي: العود (أن يمسكها بعد ظهاره زمن إمكان فرقة)؛ لأن تشبيهها بالأم يقتضي أن لا يمسكها زوجة، فإذا أمسكها زوجة .. فقد عاد فيما قال؛ لأن العود للقول مخالفته، يقال: قال قولًا ثم عاد له؛ أي: خالفه ونقضه، هذا هو الجديد.
وعن القديم قولان:
أحدهما: أنه العزم على الوطء؛ لأن كلمة (ثم) للتراخي، وبهذا قال مالك وأحمد.
الثاني: أنه الوطء، وبه قال أبو حنيفة. وقال داوود: هو تكرر اللفظ.
لنا: أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر أوس بن الصامت بالكفارة .. لم يسأله هل جامع أو عزم عليه أو أعاد مثل ما قال أولًا، الأصل عدم ذلك، ولأن الله أوجب الكفارة قبل المسيس، فدل على أن العود سابق عليه.
كل هذا في الظهار المؤبد والمطلق، أما المؤقت .. فالعود فيه بالوطء في المدة لا بالإمساك على الصحيح كما سيأتي.
قال: (فلو اتصلت به فرقة بموت) أي: موته أو موتها (أوفسخ) أي: بسببه أوسببها منه أو منها (أو طلاق بائن أو رجعي ولم يراجع أو جن) أي: الزوج) .. فلا عود) أي: ولا كفارة؛ إذ لم يوجد العود الذي هو سبب الوجوب أوشرطه، وصور في (الوسيط) الطلاق بقوله: أنت علي كظهر أمي أنت طالق.
وَكَذَا لَوْ مَلَكَهَا أَوْ لَاعَنَهَا فِي الأَصَحِّ بِشَرْطِ سَبْقِ الْقَذْفِ ظِهَارَهُ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ رَاجَعَ، أَوِ ارْتَدَّ مُتَّصِلًا ثُمَّ أَسْلَمَ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ عَائِدٌ بِالرَّجْعَةِ، لَا الإِسْلَامِ، بَلْ بعْدَهُ
ــ
قال ابن الرفعة: ولم أره لغيره، وينبغي أن يكون عائدًا بقوله: أنت؛ لإمكان أن يقول: كظهر أمي طالق.
قال: (وكذا لو ملكها أو لاعنها في الأصح) المراد: إذا اشتري زوجته على الاتصال .. لا يصير بذلك عائدًا على الأصح؛ لأنه لم يمسكها على النكاح.
والثاني: يكون عائدًا؛ لأنه نقلها من حل إلى حل فكان إمساكًا لها، فلا يطؤها حتى يكفر، فلو اشتغل بأسباب الشراء كالمساومة وتقرير الثمن .. فهو عائد على الأصح، وأما إذا لاعنها عقب الظهار .. فوجه كونه ليس عائدًا بذلك: أن كلمات الشهادات كلها موقعة للفراق، وإنما طال الكلام كما لو قال: يا فلانة بنت فلان بن فلان أنت طالق، ويقابل الأصح في اللعان أنه يصير عائدًا؛ لتوقف الفرقة على ذلك.
قال: (بشرط سبق القذف ظهاره في الأصح) فلو قدم الظهار ثم قذف ثم لاعن .. فالأكثرون على أنه عائد؛ لأن الكلمات بمجموعها موضوعة للفرقة، وإذا اشتغل بما يوجب الفراق .. لم يفترق الحال بين أن يطول أو يقصر.
وشرط الإمام وصاحب (التهذيب) على هذا سبقَ المرافعة إلى الحاكم أيضًا، وجزم به في (الروضة) و (الشرح الصغير).
والثاني: لا يشترط سبق القذف، فلو قذف عقب الظهار واشتغل بالمرافعة وأسباب اللعان .. فلا عود: لأن الاشتغال به شروع في أسباب الفرقة.
قال: (ولو راجع، أو ارتد متصلًا ثم أسلم .. فالمذهب: أنه عائد بالرجعة، لا الإسلام، بل بعده) أشار إلى مسألتين:
إحداهما: إذا طلقها رجعيًا عقب الظهار أو تظاهر من رجعية ثم راجعها .. ففي كونه عائدًا قولان:
وَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْعَوْدِ بِفُرْقَةٍ. وَيَحْرُمُ قَبْلَ التَكْفِيرِ وَطْءٌ، وَكَذَا لَمْسٌ وَنَحْوُهُ بِشَهْوَةٍ ِفي الْأَظْهَرِ
ــ
أظهرهما: نعم؛ لأن العود الإمساك، والرجعة إمساك.
والثاني: لا حتى يمسكها بعد الرجعة زمانًا تمكن فيه المفارقة؛ لأن العود هو الإمساك على النكاح فيستدعي تقدمه.
والطريقة الثانية: عود قطعًا.
المسألة الثانية: ظاهر وارتد على الاتصال ثم أسلم .. فهل يكون عائدًا بالإسلام، أو لا بد من مضي زمن بعده يسع الفرقة؟ وجهان مرتبان على الرجعة، وأولى بعدم العود؛ لأن المقصود من الرجعة الاستباحة، والإعلام لا يقصد إلا للرجوع إلى الحق.
قال: (ولا تسقط الكفارة بعد العود بفرقة)؛ لاستقرار ذلك كالدين لا يسقط بعد ثبوته، وشمل كلامه فرقة الطلاق وموت أحدهما وفسخ النكاح.
قال: (ويحرم قبل التكفير وطء)؛ لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} ، وقال:{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} ، ولم يتعرض له في الإطعام؛ فيحمل المطلق على المقيد.
وحسن الترمذي [1199]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن ظاهر: (لا تقربها حتى تكفر).
هذا في الظهار المطلق، أما المقيد .. فيحرم الوطء فيه إلى أن يكفر أو تنقضي المدة، فإذا انقضت .. حل؛ لارتفاع الظهار وبقيت الكفارة في ذمته، وسواء فيه الوطأة الأولى وما بعدها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال لمن ظاهر ثم وطئ:(لا تقربها حتى تكفر) وقال له: (ما حملك على ذلك؟) قال: رأيت خلخالها في القمر، رواه أبو داوود [2216] والترمذي [1199] وا بن ماجه [2065].
قال الروياني: وإخراج الكفارة بعد الوطء قضاء وقبله أداء، كالصلاة في وقتها وبعده.
قال: (وكذا لمس ونحوه بشهوة في الأظهر) تغليظًا عليه: لأنها قد تدعو إلى
قُلْتُ: الْأَظْهَرُ: الجَوَازُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَصِحُّ الظِّهَارُ المُؤَقَّتُ مُؤَقَّتًا ، وَفيِ قَوْلٍ: مُؤَبَّدًا، وَفيِ قَوْلٍ: لَغْوٌ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: أَلأَصَّحُ: أَنَّ عَوْدَهُ لَا يَحْصُلُ بِإِمْسَاكٍ، بَلْ بِوَطْءٍ فِي المُدَّةِ، وَيَجِبُ النَّزْعُ بِمَغِيبِ الحَشَفَةِ
ــ
الوطء وتفضي إليه، ولعموم قوله تعالى:{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}
قال: (قلت: الأظهر: الجواز والله أعلم)؛ لبقاء الزوجية، ولأنه وطء محرم لا يحل بالملك فأشبه الوطء في الحيض.
ويفهم من هذا التعليل إلحاقها بالحائض في التمتع بما تحت الإذار، وهو أقوى احتمالي الإمام، والذي صححه المصنف نقله الرافعي عن الأكثرين، وأما نظره إليها بلا شهوة .. فجائز قطعًا.
قال: (ويصح الظهار المؤقت) كقوله: أنت علي كظهر أمي شهرًا أو يومًا، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن سلمة بن صخر جعل امرأته على نفسه كظهر أمه إن غشيها حتى يمضي رمضان ثم غشيها في نصفه، رواه أبو داوود [2208] ، وصححه الحاكم [2/ 203]، ولأن قول المنكر والزور موجود فيه فصح كالظهار المطلق.
قال: (مؤقتًا) أي: ويكون مؤقتًا تغليبًا لشبه اليمين.
قال: (وفي قول: مؤبدًا) تغليبًا لشبه الطلاق.
قال: (وفي قول: لغو)؛ لأنه لم يؤبد التحريم فأشبه التشبيه بمن لا تحرم على التأبيد، وظاهر هذا أنه لا إثم فيه، وليس كذلك، بل هو آثم به.
قال (فعلى الأول) أي: صحته مؤقتًا (الأصح: أن عوده لا يحصل بإمساك، بل بوطء في المدة)؛ لأن الحل منتظر بعد المدة، أما إذا قيل تتأبد .. فالعود فيه كالعود في الظهار المطلق.
وأفهمت عبارة المصنف أن الوطء نفسه عود، وهو الأصح، وقيل: يتبين به العود، وينبني عليهما حل الوطء، فعلى الأول يحل دون الثاني، فلو لم يطأ حتى مضت المدة .. فلا شيء عليه.
قال: (ويجب النزع بمغيب الحشفة) كما في قوله: إن وطئتك .. فأنت طالق.
وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَنْتُنَّ عَلَىَّ كَظَهْرِ أُمِّي .. فَمُظَاهِرٌ مِنْهُنَّ، فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ .. فَأَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ، وَفِي الْقَدِيمِ: كَفَّارَةٌ. وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ .. فَعَائِدٌ مِنَ الثَّلَاثِ الأُوَلِ. وَلَوْ كَرَّرَ فِي امْرَأَةٍ مُتَّصِلًا وَقَصَدَ تَاكِيدًا .. فَظِهَارٌ وَاحِدٌ، أَوِ اسْتِئْنَافًا .. فَالأَظْهَرُ: التَّعَدُّدُ،
ــ
قال: (ولو قال لأربع: أنتن علي كظهر أمي .. فمظاهر منهن)؛ لوجود لفظة الصريح.
قال: (فإن أمسكهن .. فأربع كفارات)؛ لوجود الظهار والعود في حق كل واحدة منهن.
قال: (وفي القديم: كفارة)؛ لما روى البيهقي [7/ 383]: أن عمر سئل عن رجل ظاهر من أربع نسوة فقال: (عليه كفارة واحدة) وبه أجاب عروة بن الزبير والحسن البصري وربيعة ومالك.
ومأخذ الخلاف: أن المغلب في الظهار شبه اليمين أو الطلاق، إن غلبنا الطلاق .. لزمت أربع، وإلا .. فواحدة، كما لو حلف لا يكلم جماعة.
قال: (ولو ظاهر منهن بأربع كلمات متواليات .. فعائد في الثلاث الأول)؛ لأنه بظهار الثانية عائد في الأولى، وبظهار الثالثة عائد في الثانية، وبظهار الرابعة عائد في الثالثة، فإن فارق الرابعة عقب ظهارها .. فعلية ثلاث كفارات، وإلا .. فأربع.
ولو قال لأربع نسوة: أنتن علي حرام وقصة تحريم أعيانهن .. فالقول في تعدد الكفارة واتحادها كما في الظهار.
قال: (ولو كرر في امرأة متصلًا وقصد تأكيدًا .. فظهار واحد) كالطلاق، فيلزمه كفارة إن أمسكها عقب المرات، لا إن فارقها في الأصح.
قال: (أو استئنافًا .. فالأظهر: التعدد) كما في الطلاق.
والثاني - وهو القديم -: تلزمه كفارة واحدة للجميع كما لو كرر اليمن في الشيء الو احد مرات، ولأن اللفظ الثاني لم يؤثر في التحريم فلم يتعلق به حكم، فصار كظهار الأجنبية.
وَأَنَّهُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَائِدٌ فِي الأُولَى
ــ
وفي المسألة طريقة أخري قاطعة بالتعدد.
كل هذا إذا تواصلت الكلمات، فإن تفاصلت، فإن كفر عن الأول قبل أن يأتي بالثاني .. لزمه أن يكفر عنه أيضًا، وان أراد التأكيد .. فالأصح أنه لا يقبل.
قال: (وأنه بالمرة الثانية عائد في الأولى)؛ لأنه كلام آخر فاشتغاله به عود.
والثاني: لا يجعل عائدًا؛ لأن الظهارين من جنس واحد، فما لم يفرغ من الجنس لا يجعل عائدًا، فإذا قلنا بالتعدد ففارق عقب الأخيرة .. لزمه كفارة لما قبلها، ويكون بالثانية عائدًا إلى الأولى، وقيل: لا.
وموضع الخلاف إذا لم يكفر، فان كفر ثم ظاهر .. فلا خلاف في التعدد.
تتمة:
سكت المصنف عما إذا أطلق ولم يقصد تأكيدًا ولا استئنافًا، وفية القولان كما في الطلاق.
قال الرافعي: لكن الأظهر هنا: المصير إلى الاتحاد، وفي (الشامل (و (التتمة (القطع به، والفرق بينهما: أن الطلاق أقوي؛ لأنه مزيل للملك.
* * *
خاتمة
الظهار المؤقت يخالف المطلق في ثلاث صور:
إحداها: أن العود فيه بالوطء.
الثانية: أن الوطء الأول حلال.
الثالثة: أذ التحريم بعد الوطأة الأولى يمتد إلى التكفير أو انتهاء المدة على ما قاله الرافعي تبعًا للبغوي، لكن ظاهر النص خلافه، وهو ظاهر القرآن وقول العراقيين.
* * *
كتاب الكفارة