الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه التاسع عشر
الحكمة في تعليق التكليف بخمسة عشر: أن عندها بلوغ النكاح وهيجان الشهوة والتوقان، ويتسع معها الشهوات في الأكل والتنشط ودواعي ذلك، ويدعوه ذلك إلى ارتكاب ما لا ينبغي، فلا يحجزه عن ذلك ويرد النفس عن جماعها في هذه البلية العظمة إلا رابطة التقوى وتشديد المواثيق عليه والوعيد، وكان مع ذلك قد كمل عقله واشتد أسره وقوته، فاقتضت الحكمة الإلهية توجه التكليف إليه لقوة الدواعي الشهوانية والصوارف العقلية، واحتمال القوة للعقوبات على المخالفة، وقد جعل الحكماء للإنسان أطوارا، كل طور سبع سنين، وأنه إذا تكمل الاسبوع الثني تقوى مادة الدماغ لاتساع المجاري وقوة الهضم، فيعتدل الدماغ ويوقى الفكر والذكر وتنفرق الأرنبة وتتسع الحنجرة فيغلظ الصوت لنقصان الرطوبة وقوة الحرارة وينبت الشعر لتولد الابخرة، ويحصل الإنزال بسبب الحرارة، وتمام الاسبوع الثاني هو في وسط الخامسة عشرة؛ لأن الحكماء يحسبون بالشمسية، والمتشروعون يعتبرون الهلالية، وتمام الخامسة عشر يتأخر عن ذلك أشهرا، فإما أن تكون الشريعة حكمت بتمامها لكونه أمرا مضبوطا، أو لأن هناك دقائق اطلع الشرع عليها، ولم يصل إليها الحكماء، اقتضت تمام السنة أو كما شاء تعالى،
فسبحانه من حكيم قادر قاهر، تقصر عن حكمته عقول الحكماء، وقد اشتملت الروايات الثلاث التي ذكرناها في الحديث على المعاني الثلاثة التي ذكرنا أنها تحصل عند خمس عشرة وهي قوله:(حتى يكبر) و (حتى يعقل) و (وحتى يحتلم) ، فالكبر إشارة إلى قوته وشدته واحتماله للتكاليف الشاقة والعقوبات على تركها. والعقل المراد به الفكر؛ فإنه وإن ميز قبل ذلك لم يكن فكره تاما وتمامه عند هذا السن، كما أشرنا إليه من كلام الحكماء، وبذلك يتأهل للمخاطبة وفهم كلام الشارع والوقوف مع الأوامر والنواهي. والاحتلام إشارة إلى انفتاح باب الشهوة العظيمة التي توقع في الورطات، وتجذب إلى الهوى في الدركات، وجاء التكليف كالحَكَمة في رأس البهيمة تمنعها من السقوط، فانظر هذه المحاسن بعين بصيرتك، وتأمل هذه اللطائف بصفو فكرتك، يمتلىء قلبك بنور الفهم للكتاب والسنة، وأسال الله أن يوزعك شكر هذه المنة، وقيل لو علمت الملوك ما نحن فيه لجالدتنا عليه بالسيوف، والله أعلم.