المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوجه السادس والعشرون - إبراز الحكم من حديث رفع القلم

[تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌الوجه السادس والعشرون

‌الوجه السادس والعشرون

قوله: (وعن النائم حتى يستيقظ) يقتضي ارتفاع تكليفه حالة النوم، وقد اتفق الفقهاء على أنه لو نام من أول وقت الصلاة إلى آخره وجب عليه بعد أن يستيقظ قضاء الصلاة، وذلك مجمع عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) .

ولكن اختلفوا: هل ذلك بأمر جديد أو بالأمر الأول؟ والمشهور أنه بأمر جديد، وهو الوارد في الحديث، فلا يعارض رفع القلم عنه حالة النوم. وقيل: الأول وهذا القول يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يقال: الأمر الأول اقتضى الوجوب عليه والنوم مانع، فإذا زال المانع عمل المقتضى عمله، وتعلق ذلك الوجوب الذي اقتضاه الأول، وإن لم يتعلق به حالة النوم، وهذا لم أر من صرح به، ولكنه محتمل أن يقال، وإذا قيل به لا يعارض قوله:(رفع القلم عن ثلاثة) لأن المراد به عدم التعلق حالة الصبا والنوم والجنون، غاية ما في الباب اختلاف حكمهم في ذلك، فالصبي والمجنون لا يثبت حكم الخطاب في حقهم بعد ذلك؛ لأنهم ليسا من أهل الخطاب، فليس المقتضي في حقهم ثابتا، وانتفاء التكليف في حقهم لانتفاء المقتضي لا لقيام المانع، والنائم لقرب استيقاظه من أهل

ص: 85

الخطاب، ولكن لا يتعلق به حالة النوم للغفلة كالساهي، فإذا زال النوم ظهر أثر الخطاب.

الأمر الثاني: مما يحتمله هذا القول: أن وجوب الصلاة ثبت في حقه حالة النوم، وهذا ظاهر كلام الفقهاء، ويؤول كلامهم إلى: أن معنى الوجوب ثبوتها في الذمة، ويفرقون بين الوجوب ووجوب الأداء، فأصل الوجوب مع النوم، والمراد به ما ذكرناه، ووجوب الأداء لا يحصل مع النوم، ولذلك قالوا في وجوب الزكاة: إنها تجب على الصحيح بحولان الحول قبل التمكن، وإن كان التمكن شرطا، ولكنه شرط في وجوب الأداء لا في الوجوب بمعنى الثبوت في الذمة، وإذا فسروا وجوب الصلاة على النائم بمعنى ثبوتها في ذمته، صارت كالديون التي تثبت في الذمة ولا يستدعي التكليف، والتحقت بخطاب الوضع، فلا تعارض قوله:(رفع القلم عن ثلاثة) لأنه إنما اقتضى خطاب التكليف.

فإن قيل: فكان ينبغي ثبوت هذا المعنى في الصبي والمجنون: قلت: لما كان زمن الصبا والجنون يطول، كان في ذلك مشقة، فلم يتعلق بذمتهما أيضا.

ص: 86