المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الوجه العاشر اتفق الفقهاء على أن النائم والصبي والمجنون يتعلق بهم - إبراز الحكم من حديث رفع القلم

[تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌الوجه العاشر اتفق الفقهاء على أن النائم والصبي والمجنون يتعلق بهم

‌الوجه العاشر

اتفق الفقهاء على أن النائم والصبي والمجنون يتعلق بهم خطاب الوضع من ضمان المتلفات وأروش الجنايات ونحوها، فليسوا بمنزلة البهيمة التي لم يتعلق بها حكم ألبتة، ولا بمنزلة الآدميين قبل البعثة؛ فإن الحكم لم يتعلق بهم أيضا ألبتة على المختار في أنه لا حكم قبل الشرع، والمختار فيه الجزم بعدم الحكم لا التوقف، ولا ينافي ذلك كون الحكم قديما، ولا كون تعلقه أيضا قديما عند من يقول بأن التعلق قديم، وهو المختار، وإنما لم يقدح في ذلك؛ لأن المقصود هنا التعلق الذي يوجد أثره في المحكوم عليه، وذلك منتفٍ قبل البعثة قطعا، إذا عرفت هذا فانتفاؤه قبل البعثة عام في خطاب التكليف وخطاب الوضع جميعا، ولا يثبت شيء من الأحكام الشرعية، وحكمنا بذلك حكم عقلي لا شرعي، أما بعد البعثة فقد عرفت أن خطاب الوضع ثابت في حق الجميع، وخطاب الندب ثابت في حق الصبي على الصحيح من مذاهب العلماء، فإنه مأمور بالصلاة من جهة الشارع أمر ندب مثاب عليها، وكذلك يوجد في حقه خطاب الإباحة والكراهة حيث يوجد خطاب الندب، وهو ما إذا كان مميزا، وإنما ينتفي في حقه الوجوب والتحريم؛ لأن فيهما كلفة، وهل انتفاء ذلك في حقه لعدم الحكم كما قبل الشرع أو حكم من حكم الله تخفيفا عنه؟ لم أر من تكلم في ذلك، وللبحث فيه مجال.

ويترتب عليه البحث في مدلول قوله في الحديث: (رفع القلم)، فإن جعلنا الثابت في حقه عدم الحكم كما قبل الشرع كان معناه عدم الحكم واحتجنا إلى تكلف الجواب عن قول السائل: إنه لم يكن موضوعا، وعن حقيقة الرفع فإنها لم توجد، وإن جعلنا في حقه هو الحكم بعدم المؤاخذة

ص: 60

حسن التعبير بقوله: (رفع القلم) ؛ لأنه أمر متجدد بعد الشرع وكان قريبا من الحقيقة في معنى الرفع، وفي استدعائه الوضع؛ لأنه وضع على غيره وعليه في خطاب الوضع وغيره من الإباحة والندب، ورفع في الوجوب والتحريم خاصة، ويؤيد هذا أنه على هذا التقدير يكون قوله صلى الله عليه وسلم:(رفع القلم) إثباتا لحكم شرعي، وعلى تقدير أن يراد عدم التكليف الأصلي كما قبل البعثة يكون حكما عقليا، وحمل كلام الشارع على الشرعي أولى. هذا في الصبي المميز.

أما غير المميز والمجنون والنائم فتكليفهم يبنى على تكليف ما لا يطاق، ومذهب أهل السنة جوازه، وهو قبل البعثة منتف بالأدلة الدالة على عدم التكليف، فإنه عام فيما يطاق ففي غيره أولى، أما بعد البعثة وثبوت الأحكام في جميع المرسل إليهم احتمل أن يقال بدخول غير المميز في التكليف بناء على تكليف ما لا يطاق وتكليف العاقل، فرفعه بقوله:(رفع القلم عن ثلاثة) .

وقد تبين لك بهذه المباحث أن هؤلاء الثلاثة ليسوا كمن قبل البعثة، وظهر موقع الحديث فيه وهو يحسن أن يكون جوابا عن قوله:(رفع) وتفسيرا له مع ما تقدم.

ص: 61