الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الخامس
قوله: (رفع القلم)، هل هو حقيقة أو مجاز؟ وفيه احتمالات:
أحدهما: - وهو المنقول المشهور - أنه مجاز، لم يرد فيه حقيقة القلم ولا الرفع، وإنما هو كناية عن عدم التكليف، ووجه الكناية فيه: أن التكليف يلزم منه الكتابة؛ ولهذا يعبر بالكتابة عنه كقوله تعالى: (كُتِبِ عَلَيكُمُ الصِيامُ)، وكقوله صلى الله عليه وسلم:(خمس صلوات في اليوم والليلة كتبهن الله على عباده) ، ويلزم من الكتابة القلم لأنه آلة لها، فالقلم لازم لازم التكليف، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء ملزومه وملزوم ملزومه؛ فكذلك كنّى بنفي القلم عن نفي الكتابة، وهي من أحسن الكنايات، وأتى بلفظ الرفع إشعارا بأن التكليف لازم لبني آدم إلا هؤلاء الثلاثة، وأن صفة الوضع أمر ثابت للقلم لا ينفك عن غير الثلاثة موضوعا عليه حتى يرفع، ولو قال: لم يوضع. أو: لم يكتب على ثلاثة. لم يكن فيه إشعار بذلك، وأنه في أصله متصف بالوضع والجريان على مخلوق من العالمين.
وهذه فائدة جليلة، فاستعمال الرفع في موضع عدم الوضع بطريق المجاز، واستعمال عدم وضع القلم في موضع عدم الكتابة بطريق المجاز، وعدم الكتابة مجاز في عدم التكليف، والوضع الذي أشعر به لفظ الرفع مجاز أيضا بالنسبة إلى هؤلاء الثلاثة إذ لم يتقدم في حقهم غلا بطريق القوة لا بطريق الفعل.
الاحتمال الثاني: أن يراد حقيقة القلم الذي ورد فيه الحديث: (أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فأفعال العباد كلها؛ حسنها وسيئها يجري به ذلك القلم ويكتبه حقيقة، وثواب الطاعات وعقاب السيئات يكتبه حقيقة، وقد خلق لذلك، وأمر بكتبه وصار موضوعا على اللوح المحفوظ ليكتب ذلك فيه جاريا به إلى أن تقوم الساعة، وقد كتب 1لك وفرغ منه وحفظ، وفعل الصبي والمجنون والنائم لا إثم فيه فلا يكتب القلم إثمه ولا التكليف به، فحكم الله بأن القلم لا يكتب ذلك من بين سائر الأشياء رفع للقلم الموضوع للكتابة، والرفع فعل الله تعالى، فالرفع في نفسه حقيقة، والقلم حقيقة، والمجاز في شيء واحد وهو أن القلم لم يكن موضوعا على هؤلاء الثلاثة إلا بالقوة والتهيؤ لأن يكتب ما يصدر منهم فسمى منعه من ذلك رفعا، فمن هذا الوجه يشارك هذا الاحتمال الاحتمال الأول، وفيما قبله يفارقه.