الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثامن
عد الأصوليون: الغاية من جملة المخصصات وذلك فيما إذا تقدمها عموم يشملها لو لم يؤت بها، كقوله تعالى:(حَتّى يُعطوا الجِزيَةَ) ، فلو لم يقله لقاتلنا المشركين أعطوا الجزية أو لم يعطوها، وفي هذا الحديث لا يأتي ذلك؛ لأن حالة البلوغ خارجة عن الصبا، وحالة الإفاقة خارجة عن حالة الجنون، والاستيقاظ خارج عن النوم، فلو قال: عن الصبي والمجنون والنائم، ولم يذكر الغايات المذكورة لم يشملها.
فنقول: الغاية في مثل هذا يقصد بها شيئان: أحدهما: تأكيد العموم فيما قبلها واستغراقه حتى لا يبقى جزء قبل الغاية غلا دخل فيه، وهذا المعنى مقصود ها هنا؛ فإن عدم التكليف في جميع أزمنة الصبا لا يستثنى منها شيء؛ بل هو مستغرق بجميعها من أولها إلى آخرها، وآخرها الذي يستعقب البلوغ داخل فيها، وهكذا جميع أزمنة الجنون والنوم، فالمقصود بهذه الغاية من هذا الوجه تحقيق التعميم لا التخصيص، ومن هذا قوله تعالى:(سَلامٌ هِىَ حَتّى مَطلَعِ الفَجرِ)، فطلوع الفجر وزمان طلوعه ليسا من الليل ولا يشملهما قوله:(سَلامٌ) ، وإنما قصد به تحقيق أن جميع ليلة القدر سلام لا يخصص منها شيء قبل تلك الغاية.
الثاني: أن يقصد به ارتفاع ذلك الحكم عند الغاية؛ فإن اللفظ لو اقتصر
على قوله: رفع القلم عن الصبي، شمل حالة الصبا ولم يتعرض لحالة البلوغ بإثبات التكليف فيها ولا ينفيه عنها، بل هو ساكت عن حكمها، فإذا قال: حتى يبلغ، وقد علم أن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها فُهم اثبات التكليف في حالة البلوغ، فقصد بالغاية المذكورة هذا الحكم أيضا، وهذا يقوله من يقول بالمفهوم، وهو وإن قيل به في نحو قوله:(حَتّى يُعطوا الجِزيَةَ) فهو أقوى من القول به هنا؛ لأن هناك لو لم يقل به لم يكن للغاية فائدة، وهنا فائدتها المقصود الأول، كما بيناه، فلم يكن دليل على الثاني، ألا ترى أن قوله:(سَلامٌ هِىَ حَتّى مَطلَعِ الفَجرِ) يظهر من قوة اللفظ أنه إنما قصد به تعميم السلام لليلة القدر دون قصد ارتفاع السلام بطلوع فجرها؛ فإن ذلك لا غرض فيه.