الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الرابع
إن الرفع قد يقال بأنه يقتضي سبق وضع ولم يكن القلم موضوعا على الصبي؟ وعن هذا أجوبة: أحدهما: أن الرفع لا يستدعي تقدم وضع، كما قال يوسف الصديق - على نبينا وعليه السلام -:(إِنّي تَركتُ مِلَّةَ قَومٍ لا يُؤمِنونَ بِاللَهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُم كافِرون) ، ومن المعلوم أن يوسف عليه السلام لم يكن على تلك الملة قط، وقال شعيب - على نبينا وعليه السلام - لما قاله له قومه:(لَنُخرِجَنَّكَ ياشُعَيبُ وَالَّذِينَ آمَنوا وَالَّذينَ آمنوا مَعَكَ مِن قَريَتِنا أَو لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنا قالَ أَو لَو كُنّا كارِهينَ، قَدِ افتَرَينا عَلَى اللَهِ كَذِباً إِن عُدنا في مِلَّتِكُم بَعدَ إِذ نَجّانا اللَهُ مِنها وَما يَكونُ لَنا أَن نَّعودَ فيها إِلَاّ أَن يَشاءَ اللَهُ رَبُّنا وَسِعَ كُلَّ شيءٍ عِلماً) ، ومن المعلوم أن شعيبا عليه السلام لم يكن في تلك الملة.
فإن قلت: أنت فسرت الرفع بأنه نقل من سفل إلى علو وذلك يستدعي تقدم وضع ضرورة؟ قلت: حقيقة اللفظ ذلك، ولكن قد يستعلم فيما هو بصدد أن يوضع فيسمى المنع من وضعه إقامة لما بالقوة مقام ما بالفعل، فكأنه كان موضوعا
ورفع، وهذا وإن كان مجازا فهو مجاز شائع، وقرينة الحال ترشد إليه فلا محذور فيه.
الجواب الثاني: أن البيهقي قال: (إن الأحكام إنما نيطت بخمس عشرة سنة من عام الخندق، وقبل ذلك كانت تتعلق بالتمييز) . وإذا ثبت هذا فيحتمل أن يكون المراد بهذا الحديث انقطاع ذلك الحكم وبيان أنه ارتفع التكليف عن الصبي وإن ميز حتى يبلغ، فيصح فيه أنه رفع بعد الوضع، وهو صحيح في النائم بلا إشكال باعتبار وضعه عليه قبل نومه، وفي المجنون قبل جنونه إذا سبق له حال تكليف، وإنما السؤال في الصبي إذ لا حالة تكليف له قبل ذلك، وقد ظهر جوابه بذلك.
الجواب الثالث: أن الوضع لو سلم إنما يلزم من الرفع الحقيقي، والرفع هنا كناية عن عدم التكليف فلا يلزم ذلك فيه، ووجه الكناية سيأتي.