المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(النَّوْع الأول)   13 - (قَوْله) اعْلَم علمك اله وإياي قيل كَانَ يَنْبَغِي - النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي - جـ ١

[بدر الدين الزركشي]

الفصل: ‌ ‌(النَّوْع الأول)   13 - (قَوْله) اعْلَم علمك اله وإياي قيل كَانَ يَنْبَغِي

(النَّوْع الأول)

13 -

(قَوْله) اعْلَم علمك اله وإياي

قيل كَانَ يَنْبَغِي أَن يعكس فَإِن السّنة فِي الْبدَاءَة بِالدُّعَاءِ بِنَفسِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَن نوح وَإِبْرَاهِيم عليهما السلام {رب اغْفِر لي ولوالدي} وَفِي جَامع التِّرْمِذِيّ عَن أبي أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا ذكر أحدا فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفسِهِ قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن صَحِيح

قلت يحْتَمل أَن يكون الْآيَة والْحَدِيث محمولين على مَا إِذا كَانَ الْمَدْعُو بِهِ وَاحِدًا وَهُوَ هُنَا لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الدُّعَاء للمتعلم بِأَصْل التَّعْلِيم وللمعلم بِالزِّيَادَةِ على مَا علمه وَلِهَذَا قدم الدُّعَاء للمتعلم لِأَنَّهُ أحْوج مِمَّن علم

وَأما قَول من قَالَ إِن هَذَا الحَدِيث مُطلق يُقَيِّدهُ الحَدِيث الآخر وَكَانَ إِذا

ص: 88

ذكر احدا من الْأَنْبِيَاء بَدَأَ بِنَفسِهِ رَحْمَة الله علينا وعَلى أخي هَذَا فمردود لِأَن الأول عَام لوُقُوعه نكرَة فِي سِيَاق الشَّرْط وَالثَّانِي ذكر فِيهِ بعض أَفْرَاد الْعَام وَهُوَ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيص على الصَّحِيح ثمَّ هُوَ مُشكل بِالْحَدِيثِ الآتيرحم الله مُوسَى وَقَالَ النَّخعِيّ كَانُوا يَقُولُونَ إِذا دَعَوْت فابدأ بِنَفْسِك فَإنَّك لَا تَدْرِي فِي أَي دعائك يُسْتَجَاب لَك فقد بَين الْعلَّة فِي ذَلِك وَقد ترْجم البُخَارِيّ فِي كتاب الدَّعْوَات على من خص أَخَاهُ بِالدُّعَاءِ دون نَفسه وَإِذا جَازَ الْإِفْرَاد فَلِأَن يجوز التَّقْدِيم عِنْد الِاجْتِمَاع من بَاب أولى وَأورد قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اغْفِر لِعبيد بن عَامر اللَّهُمَّ اغْفِر لعبد الله بن قيس ذَنبه وَقَالَ فِي عَامر بن الْأَكْوَع يرحمه الله وَقَالَ فِي أنس اللَّهُمَّ أَكثر مَاله

ص: 89

وَولده وَبَارك لَهُ فِيمَا أَعْطيته وَقَالَت عَائِشَة سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم رجلا [يقْرَأ] فِي الْمَسْجِد فَقَالَ رحمه الله لقد اذْكُرْنِي كَذَا وَكَذَا آيَة اسقطتهن وَقَالَ يرحم الله مُوسَى لقد أوذي بِأَكْثَرَ من هَذَا فَصَبر

وَهَذِه الاحاديث كلهَا تدل على أَن حَدِيث التِّرْمِذِيّ السَّابِق لَيْسَ على عُمُومه

ص: 90

فِي جَمِيع الْأَحْوَال وَبِه يحصل الْجَواب عَن المُصَنّف

14 -

(قَوْله) إِن الحَدِيث عِنْد أَهله يَنْقَسِم إِلَى صَحِيح وَحسن وَضَعِيف

وَفِيه أَمْرَانِ

أَحدهمَا قد اعْترض عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحصْر فَإِنَّهُ سَيَأْتِي انقسامه أَيْضا إِلَى مُرْسل ومنقطع ومعضل وَمَوْقُوف وَغير ذَلِك من الْأَنْوَاع

وَالظَّاهِر أَنه لما كَانَ كل قسم يدْخل تَحْتَهُ الْمُتَّصِل والمسند وَالْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف والضعيف يدْخل تَحْتَهُ الْمُنْقَطع والمرسل والمعضل والمضطرب والمعلل والشاذ وَالْمُنكر [سَاغَ لَهُ ذَلِك] لَكِن كَانَ يَنْبَغِي لَهُ التَّصْرِيح بأنواع كل قسم من هَذِه الثَّلَاثَة

وحاول الإِمَام أَبُو زيد عبد الصَّمد الديلمي فِي غَايَة الْوُصُول إِلَى أَحَادِيث الرَّسُول دفع هَذَا السُّؤَال بطرِيق آخر فقسم أقسامه إِلَى قسمَيْنِ نوعية وصنفية قَالَ فالنوعية ثَلَاثَة الصَّحِيح وَالْحسن والضعيف والصنفية

ص: 91

الْمسند الْمُتَّصِل الْمَرْفُوع الْمَوْقُوف الْمَقْطُوع الْمُنْقَطع إِلَى آخِره قَالَ وَابْن الصّلاح جعل الْكل أنواعا وَلَا شكّ أَن تَقْسِيم الحَدِيث إِلَى صَحِيح وَحسن وَضَعِيف هُوَ التَّقْسِيم الأول وَهُوَ النوعي وتقسيم الحَدِيث [إِلَى] الْمُرْسل والشاذ والمعلل وَغَيرهَا تَقْسِيم ثَان فَهُوَ الْقسم الصنفي كَمَا إِذا قلت الْعِبَادَة إِمَّا بدنية أَو مَالِيَّة فالبدنية (ع 10) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم والمالية كَالزَّكَاةِ وكل وَاحِد من الْبَدَنِيَّة والمالية يَنْقَسِم إِلَى أَقسَام أُخْرَى مثل انقسام الصَّلَاة وَالصَّوْم إِلَى فرض وَنفل وَكَذَلِكَ الْمَالِيَّة إِلَى زَكَاة الْفَرْض والتطوع وَإِلَى زَكَاة المَال وَزَكَاة الْفطر وَكَذَا انقسام الزَّكَاة إِلَى كَونهَا من النَّقْدَيْنِ أَو الْمَوَاشِي أَو الْحَيَوَان فالتقسيم الأول نَوْعي وَالثَّانِي وَالثَّالِث صنفي

وَالتَّحْقِيق فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن تَأْخُذ الشَّيْء الْعَام الَّذِي لَا يتَصَوَّر فَوْقه أَعم مِنْهُ ثمَّ تقسمه إِلَى الْأَقْسَام الَّتِي تحْتَمل بِالْقِسْمَةِ الأولية كَمَا تعمد إِلَى الْمُمكن وَتقول الْمُمكن إِمَّا جَوْهَر أَو عرض لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من أَن يكون وجوده تَابعا لمحل مِنْهُ أَولا فَإِن كَانَ الأول فَهُوَ الْعرض وَإِن لم يكن وجوده تَابعا لمحل فإمَّا أَلا يكون فِي مَحل أصلا كالمجردات أَو يكون فِي مَحل لَيْسَ وجوده تَابعا لمحله كالجسمانيات كالسماء وَالْأَرْض والأرضيات تَنْقَسِم إِلَى الجماد والنبات وَالْحَيَوَان وكل وَاحِد من الجماد والنبات وَالْحَيَوَان من أَقسَام الأرضيات وَالْحَيَوَان يَنْقَسِم إِلَى

ص: 92

الْإِنْسَان وَالْفرس وَغَيرهمَا فَهَذِهِ كلهَا أَقسَام الْأَقْسَام فالقسم الأول يُسمى أقساما نوعية والبواقي تسمى أقساما صنفية والأصوليون قسموه إِلَى ثَلَاثَة قَوْله وَفعله وَتَقْرِيره وَهَذَا تَقْسِيم لَهُ بِاعْتِبَار حُدُوده وتقسيم الْمُحدثين بِاعْتِبَار الْقُوَّة والضعف وَقد يكون لَهُ تقسيمات باعتبارات مُخْتَلفَة فَهُوَ منقسم بِالْقِسْمَةِ الأولية إِلَى الثَّلَاثَة الَّتِي ذكرهَا الأصوليون وبالثانية إِلَى الثَّلَاثَة الَّتِي ذكرهَا المحدثون وبالثالثة إِلَيّ أَقسَام كل مِنْهَا

الثَّانِي مَا ادَّعَاهُ من انقسامه عِنْد أهل الحَدِيث إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام حَكَاهُ - فِي أول كَلَامه على الْحسن - عَن الْخطابِيّ وَقد نازعه الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس بن تَيْمِية

ص: 93

وَقَالَ إِنَّمَا هَذَا اصْطِلَاح لِلتِّرْمِذِي خَاصَّة وَأَن غير التِّرْمِذِيّ من أهل الحَدِيث كَافَّة الحَدِيث عِنْدهم إِمَّا صَحِيح وَإِمَّا ضَعِيف والضعيف عِنْدهم مَا انحط عَن دَرَجَة الصَّحِيح ثمَّ (أ 11) قد يكون ضَعِيفا متروكا وَهُوَ أَن يكون راوية مُتَّهمًا اَوْ سيئ الْحِفْظ وَقد يكون حسنا وَهَذَا معنى قَول أَحْمد بن حَنْبَل الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف أولى من الْقيَاس يُرِيد بالضعيف الْحسن الثُّلُث وَهَذَا كَمَا فِي ضعف الْمَرِيض فَتَارَة يكون ضعفه قَاطعا لَهُ فَيكون صَاحب فرَاش عطاياه من الثُّلُث وَتارَة لَا يكون قَاطعا لَهُ فَيكون عطاياه من رَأس المَال كوجع الضرس وَالْعين وَالرَّأْس وَلِهَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد ذكرت فِي كتابي هَذَا الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ وَمَا يُقَارِبه وَلم يذكر إِلَّا نَوْعَيْنِ انْتهى

ص: 94

قلت وَذكر الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ فِي كتاب الرَّد على الْجِرْجَانِيّ أَن الرشيد لما امتحن الشَّافِعِي قَالَ لَهُ (د 9) كَيفَ علمك بِالسنةِ قَالَ أعرف مِنْهَا الْمَنْقُول بالتواتر وَمَا يُوجب الْعَمَل من اخبار الْآحَاد وأميز مِنْهَا بَين الصَّحِيح الَّذِي يجب قبُوله والسقيم الَّذِي لَا يجب قبُوله وَيجب رده والمتوسط [الَّذِي] يتَوَقَّف فِيهِ

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ

ص: 95

فِي رسَالَته للجويني الْأَحَادِيث المروية على ثَلَاثَة أَنْوَاع نوع اتّفق أهل الْعلم على صِحَّته وَنَوع اتَّفقُوا على ضعفه وَنَوع اخْتلفُوا فِي ثوبته فبعضهم يضعف رُوَاته بِجرح ظهر لَهُ خَفِي على غَيره أَو لم يظْهر لَهُ من عَدَالَته مَا يُوجب قبُول خَبره وَقد ظهر لغيره أَو عرف مِنْهُ معنى يُوجب عِنْده رد خَبره وَذَلِكَ الْمَعْنى لَا يُوجِبهُ عِنْد غَيره أَو عرف أَحدهمَا عِلّة حَدِيث ظهر مِنْهَا انْقِطَاعه اَوْ انْقِطَاع بعض أَلْفَاظه إِمَّا إدراج لفظ من أَلْفَاظ من رَوَاهُ فِي مَتنه أَو دُخُول إِسْنَاد حَدِيث فِي إِسْنَاد غَيره خفيت تِلْكَ الْعلَّة على غَيره فَإِذا علم هَذَا وَعرف معنى [من]

ص: 96

رد مِنْهُم [خَبرا][أَو قبُول] من قبله [مِنْهُم] هداه الْوُقُوف عَلَيْهِ والمعرفة بِهِ إِلَى اخْتِيَار أصح الْقَوْلَيْنِ

15 -

(قَوْله) فِي حد الصَّحِيح وَهُوَ مَا اتَّصل سَنَده

احْتَرز بِهِ عَن الَّذِي (ع 11) لَا يتَّصل سَنَده كالمنقطع والمرسل والمعضل لَيْسَ صَحِيحا وَهَذَا صَحِيح على رَأْي من لَا يقبل الْمُرْسل الْبَتَّةَ وَأما من يقبله بِشَرْطِهِ الْآتِي كالشافعي فَلَا وَيرد على مَفْهُومه الحَدِيث الْمُعَلق وَهُوَ الَّذِي حذف من أول إِسْنَاده وَاحِد فَأكْثر فَلهُ حكم الصَّحِيح مَعَ أَنه لَيْسَ بِمُتَّصِل إِلَّا أَن يُقَال لَا بُد فِيهِ من الِاتِّصَال فِي طَرِيق آخر

ص: 97

16 -

(وَقَوله) بِنَقْل الْعدْل

احْتَرز بِهِ عَمَّا اتَّصل سَنَده بِغَيْر الْعدْل وَهُوَ قِسْمَانِ

أَحدهمَا الْحسن فَإِنَّهُ اتَّصل سَنَده لَكِن لَا يَخْلُو عَن مَسْتُور لم تثبت عَدَالَته

الثَّانِي مَا اتَّصل سَنَده بِنَقْل غير الْعدْل فَإِنَّهُ ضَعِيف

17 -

(قَوْله) الضَّابِط

خرج عَنهُ من لَيْسَ بضابط وَهُوَ من كثرت مُخَالفَته لرِوَايَة الثِّقَات المتقنين وَخرج عَنهُ أَيْضا من لَيْسَ بضابط وَلكنه لم يبعد عَن دَرَجَة الضَّابِط فَإِنَّهُ إِذا روى حَدِيثا كَانَ حسنا وَلم يكن صَحِيحا لِأَن من شَرط الصَّحِيح أَن يكون رَاوِيه ضابطا

وَالْحَاصِل أَنه لَا بُد فِي مُسَمّى الصَّحِيح من اجْتِمَاع الْأَمريْنِ وهما عَدَالَة

ص: 98

الرَّاوِي وَضَبطه فَإِن انتفيا فَهُوَ الضَّعِيف الْمَرْدُود وَإِن وجد أَحدهمَا فَقَط فَإِن كَانَ الضَّبْط دون الْعَدَالَة فَهُوَ ضَعِيف أَيْضا لِأَن الْعَدَالَة هِيَ الرُّكْن الْأَكْبَر فِي الرِّوَايَة لكنه أقوى مِمَّا انْتَفَى مِنْهُ الْأَمْرَانِ وَرُبمَا صلح للاستشهاد

ص: 99

وَالِاعْتِبَار وَله رتبتان

إِحْدَاهمَا أَن يكون الضَّبْط مَعْلُوما مَشْهُورا

الثَّانِيَة أَلا يكون مَعْلُوم الْعَدَم بِمَثَابَة المستور فِي الْعَدَالَة

والرتبة الأولى أقوى من الثَّانِيَة [وَإِن كَانَت الْعَدَالَة دون الضَّبْط فَهُوَ أقوى من عَكسه لِأَن اعْتِبَار الْعَدَالَة فِي الرَّاوِي أقوى] من تَأْثِير الضَّبْط بِدَلِيل أَن الْكذَّاب لَا تقبل رِوَايَته وَالْعدْل الضَّعِيف الضَّبْط تقبل لَكِن يحْتَاج إِلَى مقو فَيقبل الحَدِيث لعدالة رَاوِيه لَكِن يتَوَقَّف فِيهِ - لعدم ضَبطه - على شَاهد مُتَّصِل يجْبر مَا فَاتَ من صفة الضَّبْط

ثمَّ فِي هَذَا الْحَد أُمُور

أَحدهَا اشتماله على الإسهاب وَلَو قَالَ بِنَقْل الثِّقَة عَن الثِّقَة لاستغنى عَمَّا ذكر لِأَن ذَلِك معنى الثِّقَة

الثَّانِي مَا سَنذكرُهُ فِي الثَّالِث من الحَدِيث الْحسن أَن الرَّاوِي الصدوق (أ 12) الَّذِي لم يبلغ دَرَجَة أهل الْحِفْظ والإتقان إِذا رُوِيَ حَدِيثه من وَجه آخر يرتقي من دَرَجَة الْحسن إِلَى الصِّحَّة فَهَذَا صَحِيح مَعَ أَنه لَيْسَ فِيهِ شَرط الصَّحِيح الْمَذْكُور هَا هُنَا

ص: 100