الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِهِ على أَن أَبَا دَاوُد لم يوف بِهَذَا الشَّرْط فقد وَقع فِي سنَنه أَحَادِيث ظَاهِرَة الضعْف لم يبينها كالمرسل والمنقطع (وَمَا فِي) رُوَاته مَجْهُول كشيخ وَرجل وَنَحْوه فقد يُقَال إِنَّه مُخَالف لقَوْله وَمَا كَانَ فِيهِ وَهن شَدِيد بَينته
وَجَوَابه أَنه لما كَانَ ضعف هَذَا النَّوْع ظَاهرا اسْتغنى بظهوره عَن التَّصْرِيح ببيانه
فَائِدَة
روى السّنَن عَن أبي دَاوُد جمَاعَة أكملها رِوَايَة أبي بكر مُحَمَّد بن بكر بن عبد الله بن عبد الرَّزَّاق التمار الْمصْرِيّ الْمَعْرُوف بِابْن داسة - بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وتخفيفها - على الْمَشْهُور وَضَبطه القَاضِي عِيَاض بِخَطِّهِ بتشديدها
قَالَ أَبُو جَعْفَر بن الزبير ويقاربها رِوَايَة أبي عِيسَى إِسْحَاق بن مُوسَى الرَّمْلِيّ وراق أبي دَاوُد ثمَّ يَليهَا رِوَايَة أبي [سعيد أَحْمد بن مُحَمَّد بن زِيَاد
الْأَعرَابِي وَلَيْسَ فِي رِوَايَته كتاب الْفِتَن والملاحم والحروب والخاتم وَيسْقط عَنهُ فِي كتاب اللبَاس نَحْو نصفه وَفَاته [من] كتاب الْوضُوء وَالصَّلَاة وَالنِّكَاح مَوَاضِع كَثِيرَة تشْتَمل على أوراق عدَّة روى أَكْثَرهَا الرَّمْلِيّ عَن [أبي دَاوُد روى بَعْضهَا ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي أُسَامَة مُحَمَّد بن عبد الْملك الرواس عَن أبي دَاوُد ذكر ذَلِك ابْن عبد الْبر
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو جَعْفَر بن الزبير (أ 51) رِوَايَة ابْن داسة أكمل الرِّوَايَات والرملي تقاربها وَهَذَا قَول أبي عَليّ الغساني الْحَافِظ أَيْضا
وَقَالَ أَبُو الْحسن التبريزي الْحَافِظ - وَيعرف بِابْن الخازن - إِن رِوَايَة
اللؤْلُؤِي من أصح الرِّوَايَات لِأَنَّهَا هِيَ آخر مَا أمْلى أَبُو دَاوُد وَعَلَيْهَا مَاتَ
85 -
(قَوْله) قَالَ ابْن مَنْدَه وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد إِلَى آخِره
يقرب مِنْهُ مَا ذكره الْمَاوَرْدِيّ من احتجاج الشَّافِعِي بالمرسل إِذا لم تُوجد دلَالَة سواهُ وَنقل ابْن [الْمُنْذر] عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه كَانَ يحْتَج بِعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده إِذا لم يكن فِي الْبَاب غَيره
86 -
(قَوْله) الْخَامِس مَا صَار إِلَيْهِ صَاحب المصابيح إِلَى آخِره
قد تبعه النَّوَوِيّ وَغَيره فِي الِاعْتِرَاض على الْبَغَوِيّ وَهُوَ عَجِيب لِأَن الْبَغَوِيّ
لم يقل إِن مُرَاد الْأَئِمَّة بالصحاح كَذَا وبالحسان كَذَا وَإِنَّمَا اصْطلحَ على هَذَا رِعَايَة للاختصار وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح فَإِنَّهُ قَالَ أردْت بالصحاح مَا خرجه الشَّيْخَانِ وبالحسن مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَبُو عِيسَى وَغَيرهمَا وَبَيَان مَا كَانَ فيهمَا من غَرِيب أَو ضَعِيف أَشرت إِلَيْهِ وأعرضت عَن ذكر مَا كَانَ مُنْكرا أَو مَوْضُوعا انْتهى
فقد الْتزم بَيَان غير الْحسن وَبَوَّبَ على الصَّحِيح وَالْحسن وَلم يُمَيّز بَينهمَا لاشتراك الْكل فِي الِاحْتِجَاج فِي نظر الْفَقِيه نعم فِي السّنَن أَحَادِيث صَحِيحَة / لَيست فِي الصَّحِيحَيْنِ فَفِي إدراجه لَهَا فِي قسم الْحسن (د 34) نوع مشاحة
87 -
(قَوْله) السَّادِس كتاب المسانيد
يجوز لَك إِثْبَات الْيَاء فِي الْجمع وَيجوز حذفهَا وَكَذَلِكَ مَرَاسِيل ومراسل
وَالْأولَى الْحَذف قَالَ تَعَالَى {مَا إِن مفاتحه} وَالْإِثْبَات عِنْد الْبَصرِيين مَوْقُوف على السماع وَعند الْكُوفِيّين جَائِز ذكر ذَلِك سِيبَوَيْهٍ فِي أول كِتَابه فِي بَاب الضرورات وَأنْشد
(ننفي يداها الْحَصَى فِي كل هاجرة
(نفي الدَّنَانِير تنقاد الصياريف)
وَجعل بَعضهم مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَو ألْقى معاذيره} قَالَ وَقِيَاسه معاذر لكنه أشْبع الكسرة فتولدت الْيَاء
وَاعْلَم أَن أَئِمَّة الحَدِيث سلكوا فِي تصانيفهم طرقا
فَمنهمْ من صنف الْمسند على تراجم الرِّجَال وَأول من صنف ذَلِك عبيد الله
ابْن مُوسَى الْعَبْسِي وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وتبعهما أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب وَجَمَاعَة واشتملت تصانيفهم على رِوَايَة الثِّقَة وَغَيره
وَمِنْهُم من صنف الصَّحِيح على الْأَبْوَاب وَأول من صنف ذَلِك البُخَارِيّ قَالَ الْحَاكِم وَالْفرق بَين الْأَبْوَاب والتراجم أَن التراجم شَرطهَا أَن يَقُول المُصَنّف ذكر مَا رُوِيَ عَن أبي بكر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ يترجم هَذَا الْمسند فَيَقُول ذكر مَا
روى قيس بن أبي حَازِم عَن أبي بكر صَحِيحا كَانَ أَو سقيما
أما مُصَنف الْأَبْوَاب فَيَقُول ذكر مَا صَحَّ وَثَبت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي أَبْوَاب الطَّهَارَة وَالصَّلَاة وَغَيرهمَا
وَمِنْهُم من يرتب تصنيفه على أَبْوَاب الْفِقْه وَالْأَحْكَام إِلَّا أَنه لم يقْتَصر على ذكر الصَّحِيح
وَمِنْهُم من رتبه على أَبْوَاب الْفِقْه وَجمع بَين الصَّحِيح وَغَيره من غير تَمْيِيز
وَمِنْهُم من صنف الحَدِيث وَعلله بِجمع طرق كل حَدِيث وَاخْتِلَاف الروَاة فِيهِ كمسند يَعْقُوب بن [أبي شيبَة
وَمِنْهُم من جمع فِي تصنيفه أَحَادِيث شُيُوخ مخصوصين كل شيخ مِنْهُم على انْفِرَاده كالدارمي
وَمِنْهُم من جمع التراجم وَهِي الْأَسَانِيد الْمَشْهُورَة [كمالك عَن] نَافِع عَن ابْن عمر وَسُهيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَهِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة
وَمِنْهُم من جمع أبوابا من الْأَبْوَاب وأفردوها بالتأليف ككتاب الْأَذَان لِابْنِ حَيَّان وَالصَّلَاة لأبي نعيم
وَالْقِرَاءَة خلف الإِمَام للْبُخَارِيّ
وَمِنْهُم من جمع حَدِيث كل صَحَابِيّ وَحده ثمَّ رتبهم على حُرُوف المعجم وَمِنْهُم من رتب على سوابق الصَّحَابَة فَبَدَأَ بِالْعشرَةِ ثمَّ بِأَهْل بدر ثمَّ بِأَهْل الْحُدَيْبِيَة ثمَّ بِمن أسلم وَهَاجَر بَين الْحُدَيْبِيَة وَفتح مَكَّة وَختم بأصاغر [الصَّحَابَة] ثمَّ بِالنسَاء
وكل مثاب على قَصده وَلكُل وَجه وَمَنْفَعَة فِي ضبط السّنة ونشرها وتسهيل الطَّرِيق إِلَيْهَا رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ
88 -
(قَوْله) كمسند أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ
هُوَ سُلَيْمَان بن دَاوُد وَلَيْسَ الْمسند لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ ليونس بن حبيب بن عبد القاهر الْعجلِيّ سَمعه فِي أصفهان مِنْهُ فنسبه إِلَيْهِ
89 -
(قَوْله) ومسند عبيد الله بن مُوسَى
هُوَ أحد شُيُوخ البُخَارِيّ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمُشكل أول من صنف الْمسند على تراجم الرِّجَال عبيد الله بن مُوسَى الْعَبْسِي وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ
قلت وَلِهَذَا صدر المُصَنّف بالتمثيل بهما
90 -
(قَوْله) ومسند عبد بن حميد
هُوَ الْكشِّي وَيُقَال الكسي يرويهِ عَنهُ إِبْرَاهِيم بن خُزَيْمٌ - بِالْخَاءِ وَالرَّاء المعجمتين - وَأما مُحَمَّد بن خريم - بالراء - فَهُوَ رَاوِي الْمسند عَن هِشَام بن
عمار الدِّمَشْقِي ذكره ابْن نقطة
91 -
(قَوْله) ومسند الدَّارمِيّ
هُوَ أحد شُيُوخ البُخَارِيّ وينتقد على المُصَنّف فِي ذكره هُنَا من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن مُسْند الدَّارمِيّ مُرَتّب على الْأَبْوَاب لَا على المسانيد إِلَّا أَن يقْصد الِاسْم الْمَشْهُور بِهِ
الثَّانِي جعله دون الْكتب الْخَمْسَة وَقد أطلق جمَاعَة عَلَيْهِ اسْم الصَّحِيح
92 -
(قَوْله) ومسند أَحْمد بن حَنْبَل
قلت مَا ذكره من أَن مُسْند أَحْمد لَا يشْتَرط فِي الحَدِيث كَونه محتجا بِهِ وَأَنه دون الْكتب الْخَمْسَة - مَرْدُود فقد ذكر الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب فَضَائِل مُسْند أَحْمد أَن عبد الله سَأَلَ أَبَاهُ عَن هَذَا الْمسند فَقَالَ جعلته أصلا لِلْإِسْلَامِ يرجعُونَ إِلَيْهِ فَمَا لَيْسَ فِيهِ فَلَيْسَ بِصَحِيح
وَعنهُ أَنه قَالَ جمعته وانتقيته من أَكثر من سَبْعمِائة ألف وَخمسين ألفا فَمَا اخْتلف الْمُسلمُونَ من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فَإِن كَانَ فِيهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِحجَّة
وَهَذَا لَا يدل على أَن كل مَا فِيهِ صَحِيح كَمَا توهم الْمَدِينِيّ بل يدل على أَن مَا لَيْسَ فِيهِ لَيْسَ بِحجَّة عِنْده لما [لم] يطلع عَلَيْهِ وَمَا أشبه هَذَا بقول مَالك - وَقد سَأَلَهُ الزهْرَانِي عَن رجل - لَو كَانَ ثِقَة لوجدته فِي كتابي
وَقَالَ بعض الْحفاظ وَهَذَا الْكَلَام فِيهِ إِشْكَال إِذْ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا أَحَادِيث لَيست فِي الْمسند وَيُقَال إِنَّه فَاتَهُ من الصَّحَابَة فِي الصَّحِيحَيْنِ قريب من مِائَتَيْنِ
وَأجِيب بِأَن تِلْكَ الْأَحَادِيث بِعَينهَا وَإِن خلا الْمسند عَنْهَا فلهَا فِيهِ أصُول ونظائر وشواهد وَأما أَن يكون متن صَحِيح لَا مطْعن فِيهِ لَيْسَ لَهُ فِي الْمسند أصل وَلَا نَظِير فَلَا يكَاد يُوجد وَرُبمَا اعْترض بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَدِيث عَائِشَة فِي قصَّة أم زرع مَعَ أَنه فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا نَادِر
قَالَ أَبُو مُوسَى وَلم يخرج أَحْمد إِلَّا عَمَّن ثَبت عِنْده صدقه وديانته دون من طعن فِي أَمَانَته يدل على ذَلِك قَول عبد الله ابْنه سَأَلت أبي عَن عبد الْعَزِيز بن أبان فَقَالَ لم أخرج عَنهُ فِي الْمسند شَيْئا قَالَ أَبُو مُوسَى وَمن الدَّلِيل على أَن مَا أودعهُ مُسْنده احتاط فِيهِ إِسْنَادًا ومتنا وَلم يُورد فِيهِ إِلَّا مَا صَحَّ عَنهُ ضربه
على أَحَادِيث رجال ترك الرِّوَايَة عَنْهُم وروى عَنْهُم فِي غير الْمسند
وَهَذَا كُله يوهن جعل ابْن الصّلاح مُسْند أَحْمد دون الْكتب الْخَمْسَة فَإِن هَذَا الشَّرْط يُقَارب شَرط أبي دَاوُد
لَكِن حكى أَبُو الْعِزّ بن كادش عَن عبد الله بن أَحْمد أَن أَبَاهُ قَالَ لَهُ فِي كَلَام لَو أردْت أَن أقصد مَا صَحَّ عِنْدِي لم أرو من هَذَا الْمسند إِلَّا الشَّيْء (د 35) بعد الشَّيْء وَلَكِنَّك يَا بني تعرف طريقي فِي الحَدِيث لست أُخَالِف مَا يضعف إِذا لم يكن فِي الْبَاب شَيْء يَدْفَعهُ انْتهى
وَفِي هَذَا مُخَالفَة لما صَار إِلَيْهِ الْمَدِينِيّ وَلذَلِك خطأ ابْن دحْيَة أَصْحَاب أَحْمد بِجَمِيعِ مَا فِي مُسْنده وَبَالغ فَقَالَ أَكْثَرهَا لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ وَإِنَّمَا خرجها الإِمَام حَتَّى يعرف الحَدِيث من ايْنَ مخرجه وَالْمُنْفَرد بِهِ عدل أَو مَجْرُوح
قَالَ الشَّيْخ نجم الدّين الطوفي فِيمَا وجدته بِخَطِّهِ قَالَ بعض متعصبي الْمُتَأَخِّرين لَا تقوم الْحجَّة بِمَا فِي مُسْند أَحْمد حَتَّى يَصح من طَرِيق آخر وَأَخْبرنِي شَيخنَا أَبُو الْعَبَّاس بن تَيْمِية أَنه اعْتبر (أ 53) مُسْند أَحْمد فَوجدَ أَكْثَره على شَرط أبي دَاوُد وَشرط أبي دَاوُد كَمَا قَالَه ابْن مَنْدَه إِخْرَاج حَدِيث قوم لَا يجمع على تَركهم إِذا صَحَّ الحَدِيث باتصال الْإِسْنَاد من غير قطع وَلَا إرْسَال وَهُوَ أَيْضا شَرط النَّسَائِيّ وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَمَا ذكرت حَدِيثا أَجمعُوا على تَركه وَرُوِيَ مثل هَذَا عَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ حَنْبَل حضر أَحْمد وَابْنه عبد الله وَقَرَأَ علينا
الْمسند ثمَّ قَالَ إِنِّي أخرجت هَذَا الْمسند من سَبْعمِائة ألف حَدِيث وَلم أذكر فِيهِ مَا أجمع النَّاس على تَركه وَجَعَلته حجَّة بيني وَبَين الله عز وجل فَمَا اخْتلف النَّاس فِيهِ من السّنة فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فَإِن وجدتموه فِيهِ وَإِلَّا فَلَا أصل لَهُ
وَقَالَ ابْن تَيْمِية فِي بعض مؤلفاته قد تنَازع الحافظان أَبُو الْعَلَاء الهمذاني وَأَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي مُسْند الإِمَام أَحْمد هَل فِيهِ أَحَادِيث مَوْضُوعَة فَأنْكر الْحَافِظ أَبُو الْعَلَاء ذَلِك وأثبته أَبُو الْفرج
قلت لِأَنَّهُ أورد فِي كتاب الموضوعات حَدِيث عمر لَيَكُونن فِي هَذِه الْأمة رجل يُقَال لَهُ الْوَلِيد وَحَدِيث أنس مَا من معمر يعمر فِي الْإِسْلَام أَرْبَعِينَ سنة
إِلَّا صرف الله عَنهُ أنواعا من الْبلَاء الْجُنُون والجذام والبرص وَحَدِيث
أنس عسقلان أحد العروسين يبْعَث مِنْهَا يَوْم الْقِيَامَة سَبْعُونَ ألفا لَا حِسَاب عَلَيْهِم
وَغير ذَلِك
ثمَّ قَالَ ابْن تَيْمِية وَفصل الْخطاب أَن أَحْمد لم يرو [فِي مُسْنده عَن الْكَذَّابين المعتمدين للوضع بل لم يرو] فِيهِ عَن الدعاة إِلَى الْبدع بدع الْكَلَام والرأي وَنَحْو ذَلِك وَهَذِه طَريقَة أَصْحَاب السّنَن فَإِنَّهُ ترك أَحَادِيث جمَاعَة مثل كثير بن عَوْف الْمُزنِيّ روى لَهُم أَبُو دَاوُد وَغَيره لَكِن يُوجد فِيهِ مَا يُوجد فِي هَذِه الْكتب من أَحَادِيث رَوَاهَا من غلط فِيهَا لسوء حفظه لَا لتعمده الْكَذِب [فَإِن أُرِيد بالموضوع مَا اعْتمد صَاحبه الْكَذِب فَأَحْمَد لَا يعْتَمد رِوَايَة هَؤُلَاءِ فِي مُسْنده] وَإِن أُرِيد بالموضوع مَا قد يسْتَدلّ بِهِ على بُطْلَانه بِدَلِيل مُنْفَصِل فَمثل هَذَا يَقع فِي عَامَّة الْكتب فَإِن الثِّقَات الْكِبَار قد يغلطون فِي أَشْيَاء انْتهى
وَاعْلَم أَن الْغَالِب فِيهِ الرِّوَايَة عَن الثِّقَات كمالك وَشعْبَة وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَغَيرهم وَفِيه الرِّوَايَة قَلِيلا عَن جمَاعَة نسبوا إِلَى الضعْف وَقلة الضَّبْط وَذَلِكَ على وَجه الِاعْتِبَار والاستشهاد لَا على طَرِيق الِاعْتِمَاد
والاعتداد مثل رِوَايَته عَن عَامر بن صَالح الزبيرِي وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْأَسدي وَعمر بن هَارُون الْبَلْخِي وَعلي بن عَاصِم الوَاسِطِيّ وَإِبْرَاهِيم بن أبي اللَّيْث صَاحب الْأَشْجَعِيّ وَيحيى بن يزِيد بن عبد الْملك
النَّوْفَلِي وَتَلِيدُ بن سُلَيْمَان الْكُوفِي وحسين بن حسن الْأَشْقَر ومُوسَى بن هِلَال وَغَيرهم مِمَّن اشْتهر الْكَلَام فِيهِ
بل فِي الْمسند أَحَادِيث سُئِلَ عَنْهَا فضعفها وأنكرها وَهَذَا يرد قَول الْمَدِينِيّ إِنَّه لَا يخرج إِلَّا مَا صَحَّ عِنْده
مِنْهَا أَنه روى حَدِيث ابْن المطوس
عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ من أفطر يَوْمًا من رَمَضَان (لم يقْض عَنهُ) صِيَام الدَّهْر
وَقَالَ فِي رِوَايَة مهنا - وَقد سَأَلَهُ عَنهُ - لَا أعرف أَبَا المطوس وَلَا ابْن المطوس
وَمِنْهَا أَنه روى حَدِيث لَا وضوء لمن لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَقَالَ الْمَرْوذِيّ لم يُصَحِّحهُ أَبُو عبد الله فَقَالَ لَيْسَ فِيهِ [شَيْء] يثبت
وَمِنْهَا روى حَدِيث الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ إِذا كَانَ [النّصْف من شعْبَان فأمسكوا] هَذَا حَدِيث مُنكر وَلم
يحدث الْعَلَاء بِحَدِيث أنكر من هَذَا وَكَانَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي لَا يحدث بِهِ وَقد ذكرت فِي غير هَذَا الْموضع من هَذَا كثيرا
93 -
(قَوْله) وَأما مَا يتَعَلَّق بعدده
فَقَالَ الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي أربعينه فِيهِ أَرْبَعُونَ ألف حَدِيث إِلَّا أَرْبَعِينَ أَو ثَلَاثِينَ قَالَ أَبُو عبد الله الْأَسدي هَكَذَا سمعته من الْقطيعِي لما سمعته مِنْهُ وَعَن ابْن الْمُنَادِي أَن فِيهِ ثَلَاثِينَ ألف حَدِيث
وَلَعَلَّه أَرَادَ بِإِسْقَاط المكرر أَو خَالِيا عَن زِيَادَة ابْنه وَقد ذكر ابْن دحْيَة فِي كَلَامه على أَحَادِيث الْمِعْرَاج أَن فِيهِ (54 / أ) أَرْبَعِينَ ألفا بِزِيَادَات ابْنه عبد الله وَهُوَ يجمع الْأَقْوَال
94 -
(قَوْله) ومسند إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه
جَاءَ عَنهُ أَنه قَالَ خرجت عَن كل صَاحِبي أمثل مَا ورد عَنهُ ذكره أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ
95 -
(قَوْله) ومسند الْبَزَّار
هُوَ يبين فِيهِ الْكَلَام على علل الْأَحَادِيث والمتابعات والتفردات قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لكنه قد يخطيء
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ هُوَ كَالَّذي قبله فِي عدم الِاحْتِجَاج مِنْهُ
96 -
(قَوْله) السَّابِع قَوْلهم [هَذَا حَدِيث] صَحِيح الْإِسْنَاد [إِلَى آخِره
دَعْوَاهُ أَن قَوْلهم صَحِيح الْإِسْنَاد] يحْتَمل أَن يكون شاذا أَو مُعَللا قد يمْنَع فَإِن صِحَة الْإِسْنَاد مستلزمة لصِحَّة الْمَتْن وَالْحكم بِصِحَّة الْإِسْنَاد مَعَ احْتِمَال عدم صِحَّته بعيد وَهَذَا فِيهِ نظر وَقد تقدم فِي كَلَام المُصَنّف أَنهم إِذا قَالُوا هَذَا حَدِيث صَحِيح فمرادهم اتِّصَال سَنَده لَا أَنه مَقْطُوع بِهِ فِي نفس الْأَمر وَقد تكَرر
فِي كَلَام الْمزي والذهبي وَغَيرهمَا من الْمُتَأَخِّرين إِسْنَاده صَالح والمتن مُنكر
97 -
(قَوْله) الثَّامِن فِي قَول التِّرْمِذِيّ وَغَيره
يَعْنِي كالبخاري قَالَ المُصَنّف وجدت فِي أصل الْحَافِظ أبي حَازِم العبدوي بِكِتَاب التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث معَاذ فيمَ يخْتَصم الْمَلأ ألأعلى
سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح انْتهى
وَحَاصِل مَا ذكره فِي الْجَواب عَن هَذَا الْإِشْكَال وَجْهَان
الأول مِنْهُمَا أَن تعدد الصّفة بِاعْتِبَار تعدد الْإِسْنَاد قد رد بِوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا ذكره ابْن أبي الدَّم لِأَنَّهُ قد يُمكن أَن يكون الحَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَا يكون الْمَتْن صَحِيحا لكَونه شاذا أَو مُعَللا فوصف الْإِسْنَاد بِالصِّحَّةِ أَو الْحسن غير وصف الحَدِيث نَفسه بِالصَّحِيحِ أَو الْحسن فَلَا يحسن أَن يُقَال إِن مُرَاده بقوله حَدِيث حسن صَحِيح - بعد التَّصْرِيح بِوَصْف الحَدِيث بهما بِأَنَّهُ رَاجع إِلَى وصف إِسْنَاده فَإِن الحَدِيث شَيْء وَإسْنَاد الحَدِيث شَيْء آخر وَإِنَّمَا لَا يبعد أَن يكون المُرَاد بقوله هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح أَن الصَّحِيح هُوَ الَّذِي نَقله الْعدْل عَن الْعدْل بِشَرْط الضَّبْط كَمَا تقدم وَالْحسن هُوَ الحَدِيث الْوَارِد فِيهِ بشرى للمكلف وتسهيل عَلَيْهِ وتيسير مَأْخُوذ مِمَّا تميل إِلَيْهِ النَّفس (36 / د) وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن الصّلاح فِي الْجَواب الثَّانِي انْتهى
والاعتراض الثَّانِي ذكره ابْن دَقِيق الْعِيد أَنه ينْتَقض بقول التِّرْمِذِيّ فِي كثير من الْمَوَاضِع هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه يُصَرح بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا مخرج وَاحِد وَقد يُجَاب عَن هَذَا بأمرين
أَحدهمَا أَن الصُّورَة الَّتِي ذكرهَا ابْن الصّلاح مُطلقَة لَيست مُقَيّدَة بِهَذَا الْقَيْد وَكَلَامه مَحْمُول عِنْد الْإِطْلَاق وَيكون المُرَاد هُوَ الْأَعَمّ الْأَغْلَب فَإِن هَذَا الْقَيْد الَّذِي ذكره التِّرْمِذِيّ قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مطلقه
الثَّانِي سلمنَا ذَلِك لَكِن يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث بعض الروَاة لَا أَن الْمَتْن لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه أَي انْفِرَاد الرَّاوِي بِهِ عَن راو آخر لَا أَن الْمَتْن مُنْفَرد بِهِ وَيدل لهَذَا أَنه أخرج فِي كتاب الْفِتَن حَدِيث خَالِد الْحذاء عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة من أَشَارَ إِلَى أَخِيه بحديدة
حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه يستغرب من حَدِيث خَالِد فاستغربه من حَدِيث خَالِد لَا مُطلقًا
وَأما الْجَواب الثَّانِي وَهُوَ تَجْوِيز أَن يُرَاد بالْحسنِ الْمَعْنى اللّغَوِيّ اعْترض عَلَيْهِ أَيْضا بِوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا ذكره صَاحب الاقتراح وَهُوَ استلزام إِطْلَاق الْحسن على الْمَوْضُوع إِذا كَانَ حسن اللَّفْظ وَلم يقلهُ أحد
وَفِيه نظر لِأَن الْحسن الَّذِي ذكره ابْن الصّلاح إِنَّمَا هُوَ قرين (55 / أ) الصَّحِيح وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ الْحسن الْمُطلق
الثَّانِي أَن التِّرْمِذِيّ يَقُول ذَلِك فِي أَحَادِيث مروية فِي صفة جَهَنَّم وَالْحُدُود [و] الْقصاص وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يُوَافق الْقلب إِلَّا أَن يُقَال إِنَّه حسن بِاعْتِبَار مَا [فِيهِ] من الزّجر عَن الْقَبِيح
وَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي
الَّذِي أقوله فِي جَوَاب هَذَا السُّؤَال أَنه لَا يشْتَرط فِي الْحسن قيد الْقُصُور عَن الصِّحَّة وَإِنَّمَا يجيؤه الْقُصُور وَيفهم ذَلِك مِنْهُ إِذا اقْتصر على قَوْله حسن والقصور ثَابت من حَيْثُ الِاقْتِصَار لَا من حَيْثُ حَقِيقَته وذاته [فَإِذا جمع بَينهمَا فَلَا قُصُور حِينَئِذٍ] وَبَيَان ذَلِك أَن هَا هُنَا صِفَات للرواة تَقْتَضِي قبُول روايتهم وَتلك الصِّفَات مُتَفَاوِتَة بَعْضهَا فَوق بعض كالتيقظ وَالْحِفْظ والإتقان مثلا [فوجود الدرجَة الدُّنْيَا كالصدق مثلا] لَا يُنَافِي وجود مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ كالحفظ والإتقان وَكَذَلِكَ إِذا وجدت الدرجَة الْعليا لم يناف ذَلِك وجود الدُّنْيَا [كالحفظ] مَعَ الصدْق فصح أَن يُقَال حسن بِاعْتِبَار الصّفة [الدُّنْيَا] صَحِيح بِاعْتِبَار الصّفة الْعليا وَيلْزم على ذَلِك أَن يكون كل صَحِيح حسنا ويلتزمه وَيُؤَيِّدهُ وُرُود قَول الْمُتَقَدِّمين هَذَا حَدِيث حسن فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة انْتهى
وَحَاصِله أَن الصَّحِيح يرجع إِلَى زِيَادَة الْحِفْظ والإتقان وَالْحسن يرجع إِلَى الصدْق وَمُطلق الْحِفْظ وَقد يَجْتَمِعَانِ وَيشكل عَلَيْهِ مَا تقدم من إِطْلَاق الصَّحِيح عِنْد شهرة الرَّاوِي بِالصّدقِ مَعَ قُصُور ضَبطه وَأورد عَلَيْهِ مَا لَو كَانَ السَّنَد قد اتّفق على عَدَالَة رُوَاته وَجَوَابه بندرة ذَلِك
نعم مَا ادَّعَاهُ من أَن كل صَحِيح حسن مَمْنُوع فَإِن الصَّحِيح الَّذِي لَيْسَ لَهُ إِلَّا راو وَاحِد كَمَا سَيَأْتِي لَيْسَ بِحسن لِأَن شَرط الْحسن أَن يرْوى من غير وَجه كَمَا تقدم
[نعم] لَو قيل بَينهمَا عُمُوم وخصوص لَكَانَ متجها إِذْ بعض الْحسن لَيْسَ بِصَحِيح أَيْضا لكَون رِجَاله لَيْسُوا من الضَّبْط والإتقان والشهرة بِذَاكَ وَإِن كَانَ مَعْرُوف الْمخْرج وَرُوِيَ من غير وَجه فَحَيْثُ عرف مخرجه واشتهر رِجَاله وهم بمَكَان من الضَّبْط والإتقان وَرُوِيَ من غير وَجه فَحسن وصحيح وَحَيْثُ رُوِيَ من وَجه آخر لَيْسَ لَهُ إِلَّا راو وَاحِد فِي كل دَرَجَة وَهُوَ ضَابِط متقن عدل ثِقَة فَصَحِيح وَلَيْسَ بِحسن وَحَيْثُ لَهُ مخرج مشتهر وَأخرج من غير وَجه فَحسن وصحيح وَحَيْثُ رُوِيَ من وَجه
وَقَالَ شَيخنَا عماد الدّين بن كثير رحمه الله أصل هَذَا السُّؤَال غير مُتَّجه لِأَن الْجمع بَين الْحسن وَالصِّحَّة رُتْبَة متوسطة فَالصَّحِيح أَعْلَاهَا ويليه الْمَنْسُوب من
كل مِنْهُمَا وَهُوَ الصِّحَّة وَالْحسن ويليه الْحسن وَمَا كَانَ فِيهِ شبه من شَيْئَيْنِ اخْتصَّ باسم وَصَارَ كالمستقل كَقَوْلِهِم هَذَا حُلْو حامض أَي مز انْتهى
وَيلْزم على هَذَا أَلا يكون فِي كتاب التِّرْمِذِيّ صَحِيح إِلَّا قَلِيلا لقلَّة اقْتِصَاره على قَوْله هَذَا صَحِيح مَعَ أَن الَّذِي يعبر فِيهِ بِالصِّحَّةِ وَالْحسن أَكْثَره مَوْجُود فِي الصَّحِيحَيْنِ ثمَّ هُوَ يَقْتَضِي إِثْبَات قسم آخر وَهُوَ خرق لإجماعهم
فَإِن قلت فَمَا عنْدك فِي دفع هَذَا الْإِشْكَال قلت يحْتَمل أَن يُرِيد بقوله حسن صَحِيح فِي هَذِه الصُّورَة الْخَاصَّة الترادف وَاسْتعْمل هَذَا قَلِيلا تَنْبِيها على جَوَازه كَمَا اسْتَعْملهُ بَعضهم حَيْثُ وصف الْحسن بِالصِّحَّةِ على قَول من أدرج الْحسن فِي قسم الصَّحِيح وَيجوز أَن يُرِيد حقيقتهما فِي إِسْنَاد وَاحِد بِاعْتِبَار حَالين وزمانين فَيجوز أَن يكون سمع هَذَا الحَدِيث من رجل مرّة فِي حَال كَونه مَسْتُورا أَو مَشْهُورا بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة ثمَّ ترقى ذَلِك الرجل المسمع وارتفع حَاله إِلَى دَرَجَة الْعَدَالَة فَسَمعهُ مِنْهُ التِّرْمِذِيّ أَو غَيره مرّة أُخْرَى فَأخْبر بالوصفين (56 / أ) وَقد رُوِيَ عَن غير وَاحِد أَنه سمع الحَدِيث الْوَاحِد على الشَّيْخ الْوَاحِد غير مرّة وَهُوَ قَلِيل
وَهَذَا الِاحْتِمَال - وَإِن كَانَ بَعيدا - فَهُوَ أشبه مَا يُقَال وَهُوَ رَاجع لما ذكره ابْن دَقِيق الْعِيد
وَيحْتَمل أَن يكون التِّرْمِذِيّ أدّى اجْتِهَاده إِلَى حسنه أَو بِالْعَكْسِ أَو أَن الحَدِيث فِي أَعلَى دَرَجَات الْحسن وَأول دَرَجَات الصَّحِيح فَجمع لَهُ بِاعْتِبَار مذهبين كَمَا تقدم فِي حَدِيث الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ وكحديث جَابر فِي (السَّلَام على من يَبُول) سكت عَنهُ عبد الْحق سكُوت مصحح لَهُ وَحسنه ابْن الْقطَّان للِاخْتِلَاف فِي رِوَايَة عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل فَيُقَال أَشَارَ بقوله حسن
صَحِيح [للتّنْبِيه على أَنه باعتبارين فَحسن على وَجه مضعف وصحيح] على عدم الِاعْتِدَاد بِهِ
وَيُقَوِّي هَذَا قَول التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث عَائِشَة فِي (الْغسْل بمجاوزة الْخِتَان) حسن صَحِيح مَعَ نَقله عَن البُخَارِيّ فِي كتاب الْعِلَل أَن إِسْنَاده خطأ وَأَنت إِذا تَأَمَّلت تصرف التِّرْمِذِيّ لَعَلَّك تسكن إِلَى قَصده هَذَا وَالله أعلم
وَاعْلَم أَن هَذَا السُّؤَال يرد بِعَيْنِه فِي قَول التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لِأَن من شَرط الْحسن أَن يكون مَعْرُوفا من غير وَجه والغريب مَا انْفَرد أحد رُوَاته بِهِ وَبَينهمَا تناف
وَجَوَابه أَن الْغَرِيب يُطلق على أَقسَام غَرِيب من جِهَة الْمَتْن وغريب من جِهَة الْإِسْنَاد وَالْمرَاد هُنَا الثَّانِي دون الأول لِأَن هَذَا الْغَرِيب مَعْرُوف عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة لَكِن تفرد بَعضهم بروايته عَن صَحَابِيّ فبحسب الْمَتْن حسن لِأَنَّهُ عرف مخرجه واشتهر فَوجدَ شَرطه الْحسن وبحسب الْإِسْنَاد غَرِيب لِأَنَّهُ لم يروه عَن تِلْكَ الْجَمَاعَة إِلَّا وَاحِد وَلَا مُنَافَاة بَين الْغَرِيب بِهَذَا (37 / د) الْمَعْنى وَبَين الْحسن بِخِلَاف سَائِر الغرائب فَإِنَّهَا تنَافِي الْحسن وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن عبد المحسن الغرافي فِي كِتَابه مُعْتَمد [قَاصد] التَّنْبِيه قَول أبي عِيسَى هَذَا
حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب وَهَذَا حَدِيث [حسن] غَرِيب إِنَّمَا يُرِيد بِهِ ضيق الْمخْرج أَنه لم يخرج إِلَّا من جِهَة وَاحِدَة وَلم يَتَعَدَّد خُرُوجه من طرق إِلَّا إِن [كَانَ] الرَّاوِي ثِقَة فَلَا يضر ذَلِك فيستغربه هُوَ لقلَّة الْمُتَابَعَة وَهَؤُلَاء الْأَئِمَّة شروطهم عَجِيبَة وَقد يخرج الشَّيْخَانِ أَحَادِيث تقع إِلَى أبي عِيسَى فَيَقُول فِيهَا هَذَا حَدِيث حسن وَتارَة حسن غَرِيب كَمَا قَالَ فِي حَدِيث أبي بكر قلت يَا رَسُول الله عَلمنِي دُعَاء أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتي الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيث حسن
98 -
(قَوْله) التَّاسِع من أهل الحَدِيث من لَا يفرد نوع الْحسن ويجعله مندرجا فِي الصَّحِيح انْتهى
قد سبق النَّقْل عَن بعض الْمُتَأَخِّرين حِكَايَة هَذَا عَن جَمِيع أهل الحَدِيث خلا التِّرْمِذِيّ وَمِنْهُم من يَجعله مندرجا فِي الضَّعِيف
ثمَّ تَسْمِيَة هَذِه الْكتب صحاحا إِمَّا هُوَ بِاعْتِبَار الْأَغْلَب لِأَن غالبها الصِّحَاح والحسان وَهِي مُلْحقَة بالصحاح والضعيف مِنْهَا رُبمَا الْتحق بالْحسنِ بِإِطْلَاق الصِّحَّة عَلَيْهَا فِي بَاب التغليب
والكتب السِّتَّة الصحيحان وجامع التِّرْمِذِيّ وَسنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
وَابْن مَاجَه
وَعند المغاربة موطأ مَالك عوضا عَن سنَن ابْن مَاجَه قبل أَن يقفوا عَلَيْهِ
99 -
(قَوْله) ذكر الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي الْكتب الْخَمْسَة إِلَى آخِره
فِيهِ أُمُور
أَحدهَا أَن هَذَا ذكره السلَفِي فِي كِتَابه مُقَدّمَة السّنَن فَقَالَ وَأما السّنَن فكتاب لَهُ صيت فِي الْآفَاق وَلَا يرى مثله على الْإِطْلَاق وَهُوَ كَمَا ذكرت فِيمَا تقدم أحد الْكتب الْخَمْسَة الَّتِي اتّفق عَلَيْهَا عُلَمَاء الشرق والغرب والمخالفون لَهُم كالمتخلفين عَنْهُم بدار الْحَرْب فَكل من رد مَا صَحَّ من قَول الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَلم يتلقه بِالْقبُولِ قد ضل وغوى إِذْ كَانَ عليه الصلاة والسلام لَا ينْطق عَن الْهوى وَإِنَّمَا ذكرته لِأَنِّي وجدت شَيخنَا (57 / أ) عَلَاء الدّين مغلطاي أنكر على ابْن الصّلاح هَذَا النَّقْل عَن السلَفِي حَيْثُ لم يقف على هَذَا الْموضع وَإِنَّمَا وقف على قَوْله قبل هَذَا بِنَحْوِ ورقتين وَكتاب أبي دَاوُد فَهُوَ أحد الْكتب الْخَمْسَة الَّتِي اتّفق أهل الْحل وَالْعقد من الْفُقَهَاء وحفاظ الحَدِيث على قبُولهَا وَالْحكم بِصِحَّة أُصُولهَا قَالَ فَإِنَّمَا نقل الِاتِّفَاق على صِحَة أُصُولهَا لَا مُطلقًا والعبارة السَّابِقَة هِيَ عبارَة
المُصَنّف وَلَا تنَافِي هَذِه الْعبارَة
الثَّانِي مَا اعْترض بِهِ على المُصَنّف قد أجَاب عَنهُ النَّوَوِيّ بِأَن مُرَاده مُعظم الْكتب الثَّلَاثَة سوى الصَّحِيحَيْنِ يحْتَج بِهِ
لَكِن فِي هَذَا نظر إِذْ لَيْسَ كل صَحِيح يحْتَج بِهِ فالمنسوخ صَحِيح وَلَا يحْتَج بِهِ فمراده السَّالِم عَن الْمعَارض وَهَذَا وَاضح
الثَّالِث السلَفِي - بِكَسْر الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَبعدهَا فَاء مَكْسُورَة - مَنْسُوب إِلَى جد لَهُ يُقَال سلفه كَانَ هَذَا الْجد مشقوق الشّفة فلقب بِالْفَارِسِيَّةِ شلفة - بِكَسْر (الشين الْمُعْجَمَة) وَفتح اللَّام - أَي ذِي ثَلَاث شفَاه ثمَّ عرب فَقيل سلفة هَكَذَا ذكره النَّوَوِيّ فِي كِتَابه بُسْتَان العارفين
وَرَأَيْت فِي فهرست القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الله بن حوط الله أَنه مَنْسُوب إِلَى سلفة قَرْيَة من قرى أَصْبَهَان وَالصَّوَاب الأول فقد رَأَيْت فِي تَعْلِيق كتبه