الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّوْع الثَّانِي معرفَة الْحسن
71 -
(قَوْله) عَن الْخطابِيّ الْحسن مَا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله إِلَى آخِره
فِيهِ أُمُور
أَحدهَا احْتَرز بقوله عرف مخرجه عَن الْمُنْقَطع الَّذِي لم يعرف مخرجه
وَبِقَوْلِهِ واشتهر رِجَاله عَن حَدِيث المدلس قبل أَن يتَبَيَّن تدليسه
وَالْمرَاد بالاشتهار السَّلامَة من وصمة التَّكْذِيب
الثَّانِي مَا ذكره من الاشتهار خلاف الْمَوْجُود بِخَط الجياني قد نقل أَبُو عبد الله ابْن رشيد فِيمَا وجد بِخَط الجياني وَاسْتقر حَاله بمعان من الِاسْتِقْرَار وَتَحْت الْحَاء عَلامَة الإهمال لَكِن المناقشة فِي مثل هَذَا قريبَة وَرِوَايَة ابْن الصّلاح أوضح
الثَّالِث أَنه حد مَدْخُول فَإِن الصَّحِيح أَيْضا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله بِالصِّحَّةِ وَكَذَلِكَ الضَّعِيف بالضعف فَلَعَلَّ مُرَاده مَا لم يبلغ دَرَجَة الصَّحِيح
لِئَلَّا يدْخل الصَّحِيح فِي حد الْحسن قَالَه الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي
قَالَ التبريزي فِيهِ نظر لِأَنَّهُ سَيَقُولُ إِن الصَّحِيح أخص من الْحسن وَدخُول الْخَاص فِي حد الْعَام ضَرُورِيّ وَالتَّقْيِيد بِمَا يُخرجهُ مخل بِالْحَدِّ
قلت هَذَا إِن جعلنَا الْحَد عِنْد قَوْله واشتهر رِجَاله وَهُوَ الظَّاهِر فَإِن مَا بعده أَحْكَام لِأَن قبُول الحَدِيث والاحتجاج بِهِ فرع ثُبُوت حسنه وَيدل لَهُ تكراره قَالَ فَإِن جعلنَا مَا بعده من تَمام الْحَد انْتَفَى الْإِيرَاد لَكِن يخلفه إِشْكَال آخر وَهُوَ منع أَن يكون الْحسن كَذَلِك إِلَّا أَن يُرِيد ب كَثْرَة مدَار الحَدِيث بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَثْرَة الطّرق فَإِن غالبها لَا يبلغ رُتْبَة الصَّحِيح
الرَّابِع قَوْله وَهُوَ الَّذِي يقبله أَكثر الْعلمَاء اسْتشْكل الشَّيْخ فِي الاقتراح الِاحْتِجَاج بالْحسنِ وَقَالَ إِن هَا هُنَا أوصافا يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة إِذا [وجدت فِي الرَّاوِي فإمَّا أَن يكون هَذَا الحَدِيث الْمُسَمّى بالْحسنِ الَّذِي] وجدت فِيهِ هَذِه الصِّفَات على أقل الدَّرَجَات الَّتِي يجب مَعهَا الْقبُول أَو لَا فَإِن وجدت فَذَلِك صَحِيح فَإِن لم تُوجد فَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ وَإِن سمي حسنا اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يرد هَذَا إِلَى أَمر اصطلاحي وَهُوَ أَن يُقَال إِن الصِّفَات الَّتِي يجب (مَعهَا قبُول الرِّوَايَة) لَهَا مَرَاتِب ودرجات فأعلاها هُوَ الصَّحِيح وَكَذَلِكَ أوسطها وَأَدْنَاهَا الْحسن وَحِينَئِذٍ يرجع الْأَمر فِي ذَلِك (د 30) إِلَى الِاصْطِلَاح [وَيكون الْكل صَحِيحا فِي الْحَقِيقَة وَالْأَمر فِي الِاصْطِلَاح] قريب لَكِن من أَرَادَ هَذِه الطَّرِيقَة فَعَلَيهِ أَن يعْتَبر مَا سَمَّاهُ أهل الحَدِيث حسنا وَتَحْقِيق وجود الصِّفَات الَّتِي يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث
72 -
(قَوْله) وروينا عَن أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ
يَعْنِي فِي الْعِلَل الَّتِي فِي آخر الْجَامِع وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا لِأَن شَيخنَا ابْن كثير توقف فِي ثُبُوت هَذَا عَنهُ وَقَالَ لَا نعلمهُ فِي كِتَابه وَلَا اصْطلحَ عَلَيْهِ
73 -
(قَوْله) أَلا يكون فِي إِسْنَاده من يتهم بِالْكَذِبِ
احْتَرز بِهِ عَمَّا فِي سَنَده مُتَّهم فَإِنَّهُ ضَعِيف
وَقَوله من لَا يتهم بِالْكَذِبِ يتَنَاوَل مَشْهُور الْعَدَالَة لكنه غير مُرَاد بل المُرَاد المستور
وَاحْترز بقوله وَلَا يكون حَدِيثا شاذا عَن الشاذ وَهُوَ مَا خَالف فِيهِ الثِّقَة رِوَايَات الثِّقَات
وَقَوله ويروى من غير وَجه عَمَّا لم يرد إِلَّا من وَجه وَاحِد فَإِنَّهُ لَا يكون حسنا لِأَن تعدد الرِّوَايَات يُقَوي ظن الصِّحَّة واتحادها مِمَّا يُؤثر ضعفا فَإِنَّهُ إِذا رُوِيَ من وَجْهَيْن مُخْتَلفين علم أَنه مَحْفُوظ لَهُ أصل إِذا لم يكن إِحْدَى الطَّرِيقَيْنِ
آخذة عَن الْأُخْرَى ثمَّ قد يكون غَرِيب الْإِسْنَاد فَيكون ذَلِك الْإِسْنَاد غَرِيبا وَقد يكون مَعَ ذَلِك يرْوى من وَجه ثَالِث صَحِيح فَيكون صَحِيحا حسنا غَرِيبا وَحَاصِله اعْتِبَار ثَلَاثَة شُرُوط لِلْحسنِ
قَالَ بعض الْمُحَقِّقين وَلم يَفِ التِّرْمِذِيّ بِهَذَا الشَّرْط فِي الْحسن وَقد حكم بِحسن أَحَادِيث لم تجمع هَذِه الصِّفَات
قلت وَمِنْه قَوْله هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه فَأَيْنَ هَذَا من قَوْله ويروى من غير وَجه إِذا علمت ذَلِك فَهَذَا الْحَد معترض بِأُمُور
أَحدهَا أَن الصَّحِيح أَيْضا شَرطه أَلا يكون شاذا وَلَا يكون فِي رِجَاله مُتَّهم إِلَّا أَن يفرق بَينهمَا بِأَن الشَّرْط فِي الصَّحِيح تَعْدِيل الروَاة وَهنا عدم تفسيقهم وَفِيه نظر
الثَّانِي أَن رِوَايَته من غير وَجه لَا يشْتَرط فِي الصَّحِيح فَكيف الْحسن فعلى هَذَا الْأَفْرَاد الصَّحِيحَة لَيست بحسنة عِنْد التِّرْمِذِيّ إِذْ يشْتَرط عِنْده فِي الْحسن أَن يرْوى من غير وَجه كَحَدِيث الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَحَدِيث السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب وَحَدِيث نهى عَن بيع الْوَلَاء وهبته
لَكِن الظَّاهِر أَن التِّرْمِذِيّ إِنَّمَا يشْتَرط فِي الْحسن مَجِيئه من وَجه آخر إِذا لم يبلغ رُتْبَة الصَّحِيح فَإِن بلغَهَا لم يشْتَرط ذَلِك بِدَلِيل قَوْله فِي مَوَاضِع هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب فَلَمَّا ارْتَفع إِلَى دَرَجَة الصِّحَّة أثبت لَهُ الْعَدَالَة بِاعْتِبَار فرديته وَالْحَاصِل أَن الَّذِي يحْتَاج إِلَى مَجِيئه من غير وَجه مَا كَانَ رَاوِيه فِي دَرَجَة المستور وَإِن لم تثبت عَدَالَته وَأكْثر مَا فِي الْبَاب أَن التِّرْمِذِيّ عرف بِنَوْع مِنْهُ لَا بِكُل أَنْوَاعه وَأَيْضًا فيشكل على قَوْله فِي مَوَاضِع هَذَا حَدِيث حسن لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه إِلَّا أَن يُرِيد اللَّفْظ دون اعْتِبَار الشَّاهِد للمعنى تَوْفِيقًا بَين كلاميه
الثَّالِث قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن الْمواق لم يخص التِّرْمِذِيّ الْحسن
بِصفة تميزه عَن الصَّحِيح فَلَا يكون صَحِيحا إِلَّا وَهُوَ غير شَاذ وَلَا يكون صَحِيحا حَتَّى يكون رُوَاته غير متهمين بل ثِقَات قَالَ وَظهر بِهَذَا أَن الْحسن عِنْده صفة لَا تخص هَذَا الْقسم بل قد يشركهُ فِيهِ الصَّحِيح قَالَ فَكل صَحِيح عِنْده حسن وَلَيْسَ كل حسن صَحِيحا
74 -
(قَوْله) قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين إِلَى آخِره
هَذَا قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الموضوعات والعلل المتناهية وَجزم بِهِ ابْن دحْيَة فِي الْعلم الْمَشْهُور فَقَالَ إِنَّه مَا دون الصَّحِيح مِمَّا فِيهِ ضعف قريب مُحْتَمل عَن راو لَا يَنْتَهِي إِلَى دَرَجَة الْفسق انْتهى
وَهُوَ ملتبس فَإِن الضعْف الْقَرِيب لَا ضَابِط لَهُ يَنْتَهِي بِهِ الْقدر الْمُحْتَمل من غَيره وَإِذا اضْطربَ هَذَا الْوَجْه لم يحصل الْوَجْه الْمُبين للْحَقِيقَة وَلَا يَجِيء فِي قَوْله حسن صَحِيح
وَوجدت بِخَط الإِمَام الْحَافِظ أبي الْحجَّاج يُوسُف بن مُحَمَّد السالسي الْحسن مَا لَهُ من الحَدِيث منزلَة بَين منزلتي الصَّحِيح والضعيف وَيكون الحَدِيث حسنا هَكَذَا إِمَّا بِأَن يكون أحد رُوَاته مُخْتَلفا فِيهِ وثقة قوم وَضَعفه آخَرُونَ وَلَا يكون مَا ضعف بِهِ مُفَسرًا فَإِن كَانَ مُفَسرًا قدم على تَوْثِيق من وَثَّقَهُ فَصَارَ الحَدِيث ضَعِيفا وَإِمَّا أَن يكون أحد رُوَاته إِمَّا مَسْتُورا وَإِمَّا مَجْهُول الْحَال فَأَما المستور فَمن لم تثبت عَدَالَته مِمَّن قد روى عَنهُ اثْنَان فَأكْثر فَإِن هَذَا يخْتَلف فِي قبُول رِوَايَته من لَا يرى رِوَايَة الرَّاوِي الْعدْل عَن الرَّاوِي بعد إِسْلَامه وَطَائِفَة مِنْهُم يقبلُونَ رِوَايَته وَهَؤُلَاء هم الَّذين لَا يَبْتَغُونَ غير الْإِسْلَام مزيدا فِي حق الشَّاهِد والراوي بل يكتفون بِمُجَرَّد الْإِسْلَام مَعَ السَّلامَة عَن فسق ظَاهر ويتحققون إِسْلَامه بِرِوَايَة عَدْلَيْنِ عَنهُ إِذْ لم يعْهَد أحد مِمَّن يتدين يروي الدّين إِلَّا عَن مُسلم
وَطَائِفَة (أ / 46) يردون رِوَايَته وهم الَّذين يَبْتَغُونَ وَرَاء الْإِسْلَام مزيدا وَهُوَ الْعَدَالَة
75 -
(قَوْله) وَقد أمعنت النّظر فِي ذَلِك
قلت الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة أَنْعَمت - بِتَقْدِيم النُّون - بِمَعْنى بالغت يُقَال أنعم فِي الشَّيْء إِذا بَالغ فِيهِ وَأنْشد صَاحب الْمُحكم
(سمين الضواحي لم تؤرقه لَيْلَة
…
وأنعم أبكار الهموم وعونها)
وَأما أمعنت فَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الزَّاهِر يُقَال قد أمعن لي بحقي أَي اعْترف بِهِ وأظهره قَالَ أَبُو الْعَبَّاس هُوَ مَأْخُوذ من المَاء الْمعِين وَهُوَ الْجَارِي الظَّاهِر
وَقَالَ ابْن فَارس فِي المقاييس معن مادته تدل على سهولة فِي جَرَيَان أَو جري يُقَال معن المَاء إِذا جرى وأمعن الْفرس فِي عدوه وأمعن بحقي ذهب بِهِ وأمعنت الأَرْض رويت انْتهى وَعَلِيهِ يتَخَرَّج كَلَام المُصَنّف
76 -
(قَوْله) واتضح لي أَن الحَدِيث الْحسن قِسْمَانِ إِلَى آخِره
فِيهِ أُمُور
أَحدهَا أَن تَنْزِيل كَلَام التِّرْمِذِيّ على الْقسم الأول قد اعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سيبين أَن رِوَايَة المستور الَّذِي لم تتَحَقَّق أَهْلِيَّته مَرْدُودَة فَكيف يَجْعَل مَا يرويهِ من قسم الْحسن وَينزل كَلَام التِّرْمِذِيّ عَلَيْهِ وَكَلَامه يدل عَلَيْهِ وَقد يُقَال إِنَّه لم يعْتَبر ذَلِك بِمُجَرَّدِهِ بل أضَاف إِلَيْهِ كَونه رُوِيَ من وَجه آخر وَغير ذَلِك نعم هَذَا بناه على أَن رِوَايَة مَسْتُور الْعَدَالَة مَقْبُولَة وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْن الصّلاح كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّوْع الثَّالِث وَالْعِشْرين لَكِن الْمَذْهَب أَن مَسْتُور الْعَدَالَة حكمه حكم غير الْعدْل فِي
الرِّوَايَة (د 31) فعلى هَذَا لَا تتَحَقَّق الْوَاسِطَة
الثَّانِي أَن مَا ذكره فِي الْقسم الثَّانِي عَجِيب لمنافاته لللأول فَكيف يكون الْحسن حسنا وَغير الْحسن
وَقد قَالَ صَاحب الاقتراح - مُعْتَرضًا على ابْن الصّلاح فِي هَذَا الْقسم - هَذَا كَلَام فِيهِ مبَاحث ومناقشات على بعض [هَذِه] الْأَلْفَاظ وَقد يُقَال إِن مَا قَالَه المُصَنّف من تغاير كَلَام التِّرْمِذِيّ والخطابي مَمْنُوع من جِهَة أَن قَول الْخطابِيّ مَا عرف مخرجه كَقَوْل التِّرْمِذِيّ وَرُوِيَ نَحوه من غير وَجه وَقَول الْخطابِيّ واشتهر رِجَاله كَقَوْل التِّرْمِذِيّ لَا يكون فِي إِسْنَاده مُتَّهم وَقد بَينا أَن مُرَاد التِّرْمِذِيّ بقوله لَا يتهم المستور وَهُوَ غير المشتهر وَزِيَادَة التِّرْمِذِيّ وَلَا
يكون شاذا غير مُحْتَاج إِلَيْهِ ومردود بِمَا سبق
الثَّالِث أَن مَا اخْتَارَهُ من انحصار الْحسن فِي قسمَيْنِ إِمَّا بِأَن يكون فِيهِ مَسْتُور يقوى بورود مَتنه بمتابعة أَو شَاهد وَإِمَّا بِأَن يشْتَمل على قَاصِر الضَّبْط - غير جيد وَقد تقدم من كَلَام ابْن الصّلاح اخْتِيَار أَن مَا صَححهُ الْحَاكِم وَحده وَلَا عِلّة لَهُ أَنه حسن والأوفق لضبطه أَن مَا اشْتَمَل على مضعف إِمَّا بِضعْف واه وعده بَعضهم صَحِيحا أَو مُعْتَبر ترجح مُقَابلَة فَهُوَ الْحسن حَتَّى أَطْلقُوهُ فِيمَا جرح وَعدل ووقف وَرفع وَنَحْوه وَلِهَذَا علل عبد الْحق تَحْسِين التِّرْمِذِيّ حَدِيث الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ فِي منع وضوء الرجل بِفضل الْمَرْأَة بقول البُخَارِيّ الْأَشْهر أَنه قَول الحكم قَالَ عبد الْحق فَمن لَا يرى الْوَقْف عِلّة يُصَحِّحهُ
الرَّابِع حَاصله أَن دَرَجَات الْحسن تَتَفَاوَت كَالصَّحِيحِ بل الضَّعِيف كَذَلِك فالقسم الأول أدنى فِي الرُّتْبَة من الثَّانِي وَقد صرح المُصَنّف بعد ذَلِك فِي الثَّالِث بِأَن