المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الثَّالِث خُرُوج الصَّحِيح الْمُخْتَلف فِيهِ عَن هَذَا التَّعْرِيف ‌ ‌تَنْبِيه   نَازع بَعضهم فِي - النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي - جـ ١

[بدر الدين الزركشي]

الفصل: الثَّالِث خُرُوج الصَّحِيح الْمُخْتَلف فِيهِ عَن هَذَا التَّعْرِيف ‌ ‌تَنْبِيه   نَازع بَعضهم فِي

الثَّالِث خُرُوج الصَّحِيح الْمُخْتَلف فِيهِ عَن هَذَا التَّعْرِيف

‌تَنْبِيه

نَازع بَعضهم فِي تَعْرِيف الصَّحِيح وَالْحسن والضعيف بِحَدّ أَو رسم وَقَالَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَام القدماء أَنه لَا يعرف بذلك بل بِمَا نَص عَلَيْهِ أَئِمَّة الحَدِيث فِي تصانيفهم إِمَّا بتصريحه فِي كل حَدِيث كدأب التِّرْمِذِيّ أَو بِالْتِزَام ذكر الصَّحِيح كالبخاري وَمُسلم وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان والمستخرجات على الصَّحِيح

قلت وأيا مَا كَانَ فالتحديد مقتنص من استقراء كَلَامهم فِي ذَلِك فَلَا معنى لإنكاره وَأما قَول بَعضهم الحَدِيث الصَّحِيح هُوَ الَّذِي يجوز الْعَمَل بِهِ فَهَذَا تَعْرِيف للشَّيْء بِحكمِهِ وَأَيْضًا يدْخل فِيهِ الْحسن بل وَبَعض أَقسَام الضَّعِيف انْتهى

18 -

(قَوْله) وَلَا يكون شاذا

أَي من شَرط الحكم على الحَدِيث بِالصِّحَّةِ الا يكون شاذا والشاذ أَن يروي

ص: 101

الثِّقَة حَدِيثا مُخَالفا لرِوَايَة من هُوَ أحفظ مِنْهُ [وأضبط] هلا اكْتفى بقوله الضَّابِط عَن قَوْله وَلَا يكون شاذا لِأَن الضَّبْط عبارَة عَن مُوَافقَة الثِّقَات فِيمَا يَرْوُونَهُ فَإِن خالفهم لم يكن ضابطا وَهَذَا معنى الشاذ فَالْجَوَاب عَن ذَلِك أَن مُخَالفَة الثِّقَات على قسمَيْنِ غالبة ونادرة فَمَتَى خَالف الثِّقَات فِيمَا رَوَاهُ غَالِبا لم يكن حَافِظًا وَمَتى خالفهم نَادرا وَلَو فِي حَدِيث وَاحِد كَانَت مُخَالفَته شذوذا فَاحْتَاجَ المُصَنّف أَن يذكر فِي حد الصَّحِيح السَّلامَة من الشذوذ وَكَون الرَّاوِي ضابطا

فَإِن قيل (ع 12) هلا اكْتفى بِذكر السَّلامَة من الشذوذ عَن اشْتِرَاط الضَّبْط فِي الرَّاوِي لِأَن الشاذ هُوَ الْفَرد الْمُخَالف وإخلال الضَّبْط يُوجد لمُخَالفَة الثِّقَات غَالِبا فَحَيْثُ جعلنَا الشذوذ يمْنَع من الحكم على الحَدِيث بِالصِّحَّةِ وَهُوَ الْمُخَالفَة فِي فَرد وَاحِد فبطريق أولى أَن يمْنَع من خَالف فَفِي أَفْرَاد كَثِيرَة غالبة على رِوَايَة الثِّقَات وَهُوَ الَّذِي قيل إِنَّه يحصل بِهِ اختلال الضَّبْط

فَالْجَوَاب أَنه أَرَادَ أَن ينص عَلَيْهَا حَتَّى يعلم ذَلِك بطرِيق الْمَنْطُوق

ص: 102

19 -

(قَوْله) وَلَا مُعَللا

الْعلَّة عبارَة عَن سَبَب غامض قَادِح مَعَ أَن الظَّاهِر السَّلامَة [مِنْهُ] كَالْعلمِ بِأَن الرَّاوِي غلط فِيهِ أَو لم يسمع من الَّذِي حدث بِهِ عَنهُ وَبَعْضهمْ أطلق الْمُعَلل على إرْسَال حَدِيث وَصله الثِّقَة الضَّابِط وَجعل من اقسام الصَّحِيح [الصَّحِيح] الْمُعَلل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الاقتراح وَفِي هذَيْن الشَّرْطَيْنِ نظر

ص: 103

على مُقْتَضى مَذْهَب الْفُقَهَاء فَإِن كثيرا من الْعِلَل الَّتِي يُعلل بهَا المحدثون لَا تجْرِي على أصُول [الْفُقَهَاء] وَقَالَ فِي شرح الْإِلْمَام الَّذِي تَقْتَضِيه قَوَاعِد

ص: 104

الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء أَن الْعُمْدَة فِي تَصْحِيح الحَدِيث على عَدَالَة الرَّاوِي وجزمه بالرواية [ونظرهم يمِيل إِلَى اعْتِبَار التجويز الَّذِي يُمكن مَعَه صدق الرَّاوِي] وَعدم غلطه فَمَتَى حصل ذَلِك وَجَاز أَلا يكون غَلطا وَأمكن الْجمع بَين رِوَايَته وَرِوَايَة من خَالفه (د 10) يُوَجه من الْوُجُوه الْجَائِزَة لم يتْرك حَدِيثه وَأما أهل الحَدِيث فَإِنَّهُم قد يروون الحَدِيث من رِوَايَة الثِّقَات الْعُدُول ثمَّ تقوم لَهُم علل فِيهِ تمنعهم من الحكم بِصِحَّتِهِ كمخالفة جمع كثير لَهُ أَو من هُوَ أحفظ مِنْهُ أَو قيام قرينَة تُؤثر فِي أنفسهم غَلَبَة الظَّن بغلطة وَلم يجر ذَلِك على قانون وَاحِد يسْتَعْمل فِي جَمِيع الْأَحَادِيث وَلِهَذَا أَقُول إِن من حكى عَن أهل الحَدِيث أَو أَكْثَرهم أَنه إِذا تعَارض رِوَايَة مُرْسل ومسند أَو وَاقِف وَرَافِع أَو نَاقص وزائد أَن الحكم للزائد فَلم نجد (هَذَا فِي) الْإِطْلَاق فَإِن ذَلِك لَيْسَ قانونا مطردا وبمراجعة أحكامهم الْجُزْئِيَّة

ص: 105

يعرف صَوَاب مَا نقُول وَأقرب النَّاس إِلَى اطراد هَذِه الْقَوَاعِد بعض أهل الظَّاهِر انْتهى

وَقَالَ أَبُو الْحسن بن الْحصار الأندلسي فِي تقريب المدارك على موطأ مَالك إِن للمحدثين أغراضا فِي طريقهم احتاطوا فِيهَا وبالغوا فِي الِاحْتِيَاط وَلَا يلْزم (أ 13) الْفُقَهَاء اتباعهم على ذَلِك كتعليلهم الحَدِيث الْمَرْفُوع بِأَنَّهُ قد رُوِيَ مَوْقُوفا أَو مُرْسلا وكطعنهم فِي الرَّاوِي إِذا انْفَرد بِالْحَدِيثِ أَو بِزِيَادَة فِيهِ أَو لمُخَالفَة

ص: 106

من هُوَ أعدل مِنْهُ وأحفظ قَالَ وَقد يعلم الْفَقِيه صِحَة الحَدِيث بموافقة الْأُصُول أَو آيَة من كتاب الله تَعَالَى فيحمله ذَلِك على قبُول الحَدِيث وَالْعَمَل بِهِ واعتقاد صِحَّته وَإِذا لم يكن فِي سَنَده كَذَّاب فَلَا بَأْس بِإِطْلَاق القَوْل بِصِحَّتِهِ إِذا وَافق كتاب الله تَعَالَى وَسَائِر أصُول الشَّرِيعَة وَقَالَ ابْن عبد الْبر سَأَلَ التِّرْمِذِيّ البُخَارِيّ عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - فِي الْبَحْر هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ فَقَالَ

ص: 107

صَحِيح قَالَ وَمَا أَدْرِي مَا هَذَا من البُخَارِيّ وَأهل الحَدِيث لَا يحتجون بِمثل إِسْنَاده وَلَكِن الحَدِيث عِنْدِي صَحِيح من جِهَة أَن الْعلمَاء تلقوهُ بِالْقبُولِ قَالَ ابْن الْحصار وَلَعَلَّ البُخَارِيّ رأى رَأْي الْفُقَهَاء انْتهى

ص: 108

وَظَاهر كَلَام ابْن عبد الْبر أَن الصِّحَّة تُوجد أَيْضا من تلقي أهل الحَدِيث بِالْقبُولِ وَالْعَمَل بِهِ وَإِن لم يُوقف لَهُ على إِسْنَاد صَحِيح وَقد قَالَ فِي التَّمْهِيد رُوِيَ عَن جَابر بِإِسْنَاد لَيْسَ بِصَحِيح أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الدِّينَار أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ قيراطا

قَالَ وَهَذَا وَإِن لم يَصح إِسْنَاده فَفِي قَول جمَاعَة الْعلمَاء وَإِجْمَاع النَّاس على مَعْنَاهُ مَا يُغني عَن الْإِسْنَاد فِيهِ وَقَرِيب مِنْهُ مَا ذكره الشَّافِعِي فِي الرسَالَة فِي حَدِيث لَا وَصِيَّة لوَارث

ص: 109

إِن إِسْنَاده مُنْقَطع لَكِن استفاضته بَين النقلَة وَأهل الْمَغَازِي جعلته (134) حجَّة وَكَذَا قَول الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإسفرائيني

ص: 111

فِي أُصُوله تعرف صِحَة الحَدِيث باشتهاره عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث وَلم ينكروه وَكَذَلِكَ ابْن فورك فِي صدر كِتَابه مُشكل الحَدِيث وَمثله حَدِيث فِي الرقة ربع الْعشْر وَفِي مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم وَنَحْوه

ص: 112

20 -

(قَوْله) فَهَذَا هُوَ الحَدِيث الَّذِي يحكم [لَهُ] بِالصِّحَّةِ بِلَا خلاف بَين أهل الحَدِيث

[قيل إِنَّمَا قيد نفي الْخلاف بِأَهْل الحَدِيث] لِأَن بعض الْمُعْتَزلَة يشْتَرط الْعدَد فِي الرِّوَايَة كَالشَّهَادَةِ

قلت حُكيَ ذَلِك عَن بعض أهل الحَدِيث أَيْضا قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع عندنَا الْخَبَر الصَّحِيح مَا حكم أهل الحَدِيث بِصِحَّتِهِ قَالَ وَذكر الْحَاكِم الْحَافِظ أَن صفة الحَدِيث الصَّحِيح أَن يرويهِ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صَحَابِيّ مَشْهُور بالصحبة ويروي عَنهُ تابعيان عَدْلَانِ ثمَّ يتداوله أهل الحَدِيث بِالْقبُولِ إِلَى زَمَاننَا وَقد قَالُوا إِن الصَّحِيح لَا يعرف بالرواية من الثِّقَات فَقَط وَإِنَّمَا يعرف بالفهم وَالْحِفْظ وَكَثْرَة السماع وَلَيْسَ للمعرفة بِهِ معِين مثل المذاكرة مَعَ أهل الْفَهم والمعرفة ليظْهر مَا يخفى من عِلّة الحَدِيث ثمَّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ

ص: 113

وَالشّرط الَّذِي شرطوه وَهُوَ أَن يرويهِ اثْنَان من التَّابِعين لَا يعرفهُ الْفُقَهَاء لِأَن رِوَايَة الْوَاحِد عِنْدهم مَقْبُولَة وَإِذا كَانَ ثِقَة حكم بِصِحَّة الْخَبَر وَقد ذهب بعض الْمُتَكَلِّمين إِلَى اشْتِرَاط الْعدَد وَلَيْسَ بِشَيْء وَأما المحدثون فَلَيْسَ الْعدَد عِنْدهم شرطا فِي الصِّحَّة إِلَّا أَنهم يسمعُونَ مَا نَقله الْوَاحِد عَن الْوَاحِد الصَّحِيح الْغَرِيب وَمَا نَقله الِاثْنَان فَمَا زَاد وتداوله أهل الرِّوَايَة بِالْقبُولِ على مَا مضى من الْقُرُون الصَّحِيح الْمُطلق أَو الصَّحِيح الْمَشْهُور هَذَا لَفظه وَبَقِي على المُصَنّف أَن البُخَارِيّ وَمُسلمًا أضافا إِلَى ذَلِك شُرُوطًا أخر فعلت بِهِ رُتْبَة حَدِيثهمَا فمما شَرطه البُخَارِيّ ثُبُوت السماع وَلم يكتف بِإِمْكَان اللِّقَاء والمعاصرة وَهَذَا لَا يدْخل فِي ضَابِط المُصَنّف

21 -

(قَوْله) وَقد يَخْتَلِفُونَ فِي صِحَة بعض الْأَحَادِيث لاختلافهم فِي وجود

ص: 114

هَذِه الْأَوْصَاف فِيهِ أَو لاختلافهم فِي اشْتِرَاط بَعْضهَا كَمَا فِي الْمُرْسل

هَذَا مِثَال للثَّانِي وَمثله قبُول المستور وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِي الصَّحِيح هَل من شَرطه أَن يكون خَالِصا من الشذوذ مُطلقًا أم لَا وَالتَّحْقِيق أَن الشاذ الَّذِي يُخَالف الصَّحِيح هُوَ الشاذ الْمُنكر أَو الَّذِي لم ينجبر شذوذه بِشَيْء من الْأُمُور الْمَذْكُورَة فِي انجبار الْمُعَلل والشاذ

وَأما سَبَب اخْتلَافهمْ فِي أَنه هَل اجْتمعت فِيهِ هَذِه الشُّرُوط أَو انْتَفَى بَعْضهَا (أ 14) فَهَذَا هُوَ الْأَغْلَب كَمَا إِذا كَانَ الحَدِيث من رِوَايَة مَا اخْتلف فِي كَونه من

ص: 115

شَرط الصَّحِيح كالعلاء بن عبد الرَّحْمَن أَو حَمَّاد بن سَلمَة فَيَقُولُونَ فِيهِ حَدِيث صَحِيح على شَرط مُسلم وَلَيْسَ بِصَحِيح على شَرط البُخَارِيّ لكَون هَؤُلَاءِ عِنْد مُسلم مِمَّن اجْتمعت فيهم الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة وَلم يثبت ذَلِك عِنْد البُخَارِيّ وَكَذَا حَال البُخَارِيّ فِيمَا حَدثهُ عَن عِكْرِمَة وَإِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي وَعَمْرو بن مَرْزُوق

ص: 116

وَغَيرهم [مِمَّن] لم يخرج لَهُ مُسلم وهم أربعمائه وَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ شَيخا وَعدد من احْتج مُسلم وَلم يحْتَج بهم البُخَارِيّ سِتّمائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ

22 -

(قَوْله) وَمَتى قَالُوا هَذَا حَدِيث صَحِيح فَمَعْنَاه مَا اتَّصل سَنَده مَعَ سَائِر الْأَوْصَاف الْمَذْكُورَة

جعل المُصَنّف مدَار الحكم بِصِحَّة الحَدِيث على الحكم بِصِحَّة الْإِسْنَاد المستكمل للشرائط وَقد أوردوا عَلَيْهِ أَمريْن

أَحدهمَا أَنهم يَقُولُونَ فِي الْمُرْسل صَحِيح فِي الْجُمْلَة وَإِن لم يكن صَحِيحا محتجا بِهِ وَكَذَلِكَ غير الْمُرْسل من الْأَحَادِيث الْمُخْتَلف فِي صِحَّتهَا وَلم يشْتَرط جَمِيع تِلْكَ (د 11) الْأَوْصَاف الْمَذْكُورَة

الثَّانِي أَن السَّنَد قد يكون صَحِيحا مَعَ الحكم على الْمَتْن بالضعف ومثاله مَا

ص: 117

أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه عَن أنس قَالَ صليت خلف النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأبي بكر وَعمر فَكَانُوا يستفتحون الصَّلَاة ب {الْحَمد لله رب الْعَالمين} لَا يذكرُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} فِي أول قِرَاءَة وَلَا فِي آخرهَا فَهَذَا الحَدِيث سَنَده صَحِيح وَمَتنه ضَعِيف لوُجُود الْعلَّة فِيهِ وَهُوَ أَن الْأَكْثَرين إِنَّمَا قَالُوا فِيهِ فَكَانُوا (ع 14)[يستفتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين من غير تعرض لنفي الْبَسْمَلَة وَهَكَذَا اتّفق الشَّيْخَانِ على إِخْرَاجه فَمن رَوَاهُ كاللفظ الْمُتَقَدّم وَفهم من قَوْله] كَانُوا يستفتحون بِالْحَمْد أَنهم كَانُوا لَا يبسملون فَصرحَ بِهِ وَأَخْطَأ لِأَنَّهُ قد ثَبت عَن

ص: 118

أنس أَنه سُئِلَ عَن الِافْتِتَاح بالبسملة فَذكر أَنه لَا يحفظ فِيهِ شَيْئا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

وَالْجَوَاب أَن فِي قَول ابْن الصّلاح مَعَ سَائِر الْأَوْصَاف مَا يدْفع هَذَا الِاعْتِرَاض لِأَن من جُمْلَتهَا انْتِفَاء الْعلَّة وَهِي هَا هُنَا مَوْجُودَة فَلَيْسَ صِحَة الْإِسْنَاد وَحده مقتضيا للصِّحَّة حَتَّى يرد هَذَا نعم يَنْبَغِي التَّأَمُّل وَالنَّظَر بَين قَوْلهم هَذَا حَدِيث صَحِيح وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَبَينهمَا فرق فَإِن الثَّانِي يُرِيدُونَ بِهِ اتِّصَال الْإِسْنَاد وَعدم انْقِطَاعه لَا جودة الرِّجَال فَرُبمَا كَانَ متن الحَدِيث ضَعِيفا وَإِسْنَاده

ص: 119

جيدا بِخِلَاف قَوْلهم حَدِيث صَحِيح

23 -

(قَوْله) وَكَذَلِكَ إِذا قَالُوا فِي حَدِيث إِنَّه غير صَحِيح فَلَيْسَ ذَلِك قطعا بِأَنَّهُ كذب فِي نفس الْأَمر إِذْ قد يكون صدقا وَإِنَّمَا المُرَاد أَنه لم يَصح إِسْنَاده على الشَّرْط الْمَذْكُور

فِيهِ أَمْرَانِ

الأول أَنه قد اعْترض عَلَيْهِ فِي هَذَا وَقيل قد رَأينَا كثيرا من الْأَئِمَّة يَقُولُونَ هَذَا حَدِيث إِسْنَاده صَحِيح وَمَتنه غير صَحِيح أَو إِسْنَاده غير صَحِيح وَمَتنه صَحِيح أَو إِسْنَاده مَجْهُول وَمَتنه مَجْهُول لَا يعرف أَو إِسْنَاده صَحِيح وَمَتنه صَحِيح أَو إِسْنَاده ضَعِيف وَمَتنه ضَعِيف وَأَيْضًا لَهُم الموضوعات وَيَقُولُونَ من فلَان إِلَى فلَان الله أعلم من وَضعه فَهَذَا يدل على أَنه فِي نفس الْأَمر غير صَحِيح

وَقد سُئِلَ المُصَنّف - رَحمَه الله تَعَالَى - عَن هَذَا فِي فَتَاوِيهِ وَأجَاب الَّذِي يرد من هَذَا على ذَلِك قَوْلهم إِسْنَاده صَحِيح وَمَتنه غر صَحِيح

ص: 120

وَجَوَابه أَن فِي كَلَامي احْتِرَازًا عَنهُ وَذَلِكَ فِي قولي إِنَّه لم يَصح إِسْنَاده على الشَّرْط الْمَذْكُور [وَمَتى كَانَ الْمَتْن غير صَحِيح فمحال أَن يكون لَهُ إِسْنَاد صَحِيح على الشَّرْط الْمَذْكُور] لِأَن من جملَة الشُّرُوط أَلا يكون شاذا وَلَا مُعَللا وَالَّذِي أوردتموه لَا بُد أَن يكون فِي إِسْنَاده شذوذ أَو عِلّة تعله لأجل ذَلِك لَا يَصح بِهِ الْمَتْن فَإِن أطلق عَلَيْهِ إِنَّه إِسْنَاد صَحِيح فَلَا بالتفسير الَّذِي ذكرتموه بل بِمَعْنى أَن رجال إِسْنَاده عدُول ثِقَات فَحسب وَمَا بعد هَذَا لَا يمس مَا ذكرته (أ 15) إِلَّا قَوْلهم فِي بعض الْأَحَادِيث إِنَّه مَوْضُوع وَالْجَوَاب إِنَّه لَيْسَ فِي الْكَلَام الَّذِي ذكرته إِنْكَار لذَلِك وَإِنَّمَا فِيهِ أَنه لَا يُسْتَفَاد وَلَا يفهم من قَوْلهم هَذَا الحَدِيث غير صَحِيح أَكثر من أَنه لم يَصح لَهُ إِسْنَاد على الشَّرْط الْمَذْكُور وَهَذَا كَذَلِك لِأَن هَذَا الْكَلَام لَا يظْهر من مَعْنَاهُ أَنه كذب فِي نفس الْأَمر وَمهما أردنَا أَن نذْكر أَنه كذب فِي نفس الْأَمر احتجنا إِلَى زِيَادَة لفظ مثل أَن نقُول هُوَ مَوْضُوع أَو كذب أَو نَحوه

وَقَوْلِي لم يَصح إِسْنَاده عَام أَي [لم] يَصح [لَهُ]

ص: 121

إِسْنَاد مَا

الْأَمر الثَّانِي مَا اقْتَضَاهُ كَلَامه من أَنه يلْزم من عدم صِحَة الْإِسْنَاد عدم صِحَة الْمَتْن قد خَالفه بعد هَذَا فِي آخر النَّوْع الثَّانِي وَالْعِشْرين فَقَالَ إِذا رَأَيْت حَدِيثا بِإِسْنَاد ضَعِيف فلك أَن تَقول هُوَ ضَعِيف بِهَذَا الْإِسْنَاد [وَلَا تَقول ضَعِيف الْمَتْن بِمُجَرَّد ضعف ذَلِك الْإِسْنَاد] إِلَّا أَن يَقُول إِمَام إِنَّه لم يرد من وَجه صَحِيح أَو إِنَّه حَدِيث ضَعِيف مُفَسرًا ضعفه وَقَالَ أَيْضا فِي قسم الْمُعَلل إِن الْعلَّة الْوَاقِعَة فِي الْإِسْنَاد قد تقدح فِيهِ وَفِي الْمَتْن وَقد تقدح فِي الْإِسْنَاد خَاصَّة وَيكون الْمَتْن مَرْفُوعا صَحِيحا

ص: 122

وَيُجَاب بِأَن قَوْله أَولا وَإِذا قيل غير صَحِيح فَمَعْنَاه لم يَصح إِسْنَاده أَن هَذَا يَقْتَضِي أَن الحَدِيث إِذا رُوِيَ من وُجُوه كلهَا غير صَحِيحَة أقتضى ذَلِك الحكم على مَتنه بِأَنَّهُ غير صَحِيح لِأَن قَوْله لم يَصح إِسْنَاده اسْم جنس مُضَاف ليعم جَمِيع المسانيد وَهُوَ مُوَافق للْكَلَام الثَّانِي ثمَّ إِنَّه لَا يلْزم من ضعف السَّنَد ضعف الْمَتْن فقد يكون السَّنَد ضَعِيفا والمتن صَحِيح كَرِوَايَة يعلي بن عبيد عَن الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن دِينَار حَدِيث البيعان بِالْخِيَارِ غلط يعلى إِنَّمَا هُوَ عبد الله

ص: 123

ابْن دِينَار] فَالسَّنَد غير صَحِيح والمتن صَحِيح وَهَذَا مُوَافق لقَوْله فِي نوع [الْحسن] وَقَوْلهمْ حَدِيث حسن (ع 15) الْإِسْنَاد أَو صَحِيحه دون قَوْلهم حَدِيث حسن أَو صَحِيح لِأَنَّهُ قد يَصح أَو يحسن الْإِسْنَاد دون الْمَتْن لشذوذ أَو عِلّة

ص: 124

24 -

(قَوْله) الصَّحِيح يتنوع إِلَى مُتَّفق عَلَيْهِ ومختلف فِيهِ

أَي من اشْتِرَاط الِاتِّصَال فِيهِ عِنْد من لم يقبل الْمَرَاسِيل وَعَدَمه عِنْد من قبله وَاشْتِرَاط عدم الشذوذ وَالْعلَّة عِنْد الْمُحدثين وَعدم اشْتِرَاط ذَلِك عِنْد الْفُقَهَاء

وَقد ذكر الْحَاكِم أَن الصَّحِيح من الحَدِيث عشرَة أَقسَام خَمْسَة مُتَّفق عَلَيْهَا وَخَمْسَة فِيهَا خلاف

فَالْأول من الْقسم الأول اخْتِيَار البُخَارِيّ وَمُسلم وَهُوَ الدرجَة الأولى من الصَّحِيح الَّذِي يرويهِ عَن الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور الَّذِي لَهُ راويان [ثمَّ] عَن التَّابِعِيّ وتابعي التَّابِعِيّ كَذَلِك إِلَى حد الشَّيْخَيْنِ وَالْأَحَادِيث المروية بِهَذَا الشَّرْط لَا يبلغ عَددهَا عشرَة آلَاف

الثَّانِي الصَّحِيح بِنَقْل الْعدْل الضَّابِط عَن الْعدْل الضَّابِط إِلَى الصَّحَابِيّ

ص: 125

وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا راو وَاحِد

الثَّالِث أَخْبَار جمَاعَة من التَّابِعين الَّذِي لَيْسَ لَهُم إِلَّا راو وَاحِد

الرَّابِع هَذِه الْأَحَادِيث الْأَفْرَاد الغرائب الَّتِي يَرْوِيهَا الثِّقَات الْعُدُول تفرد بهَا ثِقَة من الثِّقَات وَلَيْسَ لَهَا طرق مخرجة فِي الْكتب

الْخَامِس أَحَادِيث جمَاعَة من الْأَئِمَّة عَن آبَائِهِم عَن أجدادهم وَلم تتواتر الرِّوَايَة عَن آبَائِهِم عَن أجدادهم بهَا إِلَّا عَنْهُم

ص: 126

وَأما الْأَقْسَام الْخَمْسَة الْمُخْتَلف فِي صِحَّتهَا

فَالْأول الْمُرْسل صَحِيح عِنْد أهل الْكُوفَة

الثَّانِي رِوَايَة المدلسين إِذا لم يذكرُوا سماعهم وَهِي صَحِيحَة عِنْد جمَاعَة مِنْهُم

الثَّالِث (د 12) خبر يرويهِ ثِقَة من الثِّقَات عَن إِمَام من أَئِمَّة الْمُسلمين فيسنده ثمَّ يرويهِ عَنهُ جمَاعَة من الثِّقَات فيرسلونه

الرَّابِع رِوَايَة مُحدث صَحِيح السماع صَحِيح الْكتاب ظَاهر الْعَدَالَة غير أَنه لَا يعرف مَا يحدث بِهِ وَلَا يحفظه كأكثر محدثي زَمَاننَا فَإِن هَذَا الْقسم صَحِيح عِنْد أَكثر أهل الحَدِيث وَأما أَبُو حنيفَة وَمَالك فَلَا يريان الْحجَّة بِهِ

الْخَامِس رِوَايَات المبتدعة وَأهل الْأَهْوَاء فَإِن رواياتهم عِنْد أهل (أ 16) الْعلم مَقْبُولَة إِذا كَانُوا صَادِقين

ص: 127

قَالَ الْحَاكِم فَهَذِهِ أَقسَام ذكرتها لِئَلَّا يتَوَهَّم متوهم أَنه لَيْسَ يَصح إِلَّا مَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم

25 -

(قَوْله) فروينا

قلت تكَرر هَذَا اللَّفْظ مِنْهُ وَيَقَع مضبوطا فِي بعض الْأُصُول بِضَم الرَّاء وَتَشْديد الْوَاو الْمَكْسُورَة وَوجدت بِخَط المُصَنّف فِي فَوَائِد رحلته سَأَلت شَيخنَا أَبَا الْخطاب بن دحْيَة عَن قَوْلنَا روينَا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَل يُقَال روينَا فَقَالَ لَا إِنَّمَا يُقَال روينَا

وَكَانَ ابْن الوردي الْحَافِظ يَقُول روينَا بِالتَّشْدِيدِ انْتهى

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أساس البلاغة قَوْلهم راوية الحَدِيث وروى الحَدِيث أَي حمله من قَوْلهم الْبَعِير يروي المَاء أَي يحملهُ

ص: 128

قلت وَلِهَذَا أطْلقُوا على المزادة الَّتِي يحمل فِيهَا راوية من بَاب مجَاز الْمُجَاورَة فَإِن راوية صِيغَة مُبَالغَة وَهِي حَقِيقَة للجمل فإطلاقه على ظرف المَاء مجَاز وَلَيْسَ هَذَا من بَاب أروى الرباعي حَتَّى يسْتَحقّهُ المَاء دون الْجمل لِأَن اسْم الْفَاعِل مِنْهُ مرو لَا راوية وَإِنَّمَا يَأْتِي راوية من الثلاثي 26 - (قَوْله) عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه أَنه قَالَ اصح الْأَسَانِيد كلهَا الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه وروينا نَحوه عَن أَحْمد بن حَنْبَل

فِيهِ أُمُور

إِحْدَاهَا يجوز فِي رَاهَوَيْه فتح الْهَاء وَالْوَاو وَإِسْكَان الْيَاء وَيجوز ضم الْهَاء

ص: 129

وَإِسْكَان الْوَاو وَفتح الْيَاء وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمُخْتَار وَقَالَ المُصَنّف فِي بعض أَمَالِيهِ سَمِعت الْحَافِظ أَبَا مُحَمَّد عبد الْقَادِر بن عبد الله - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - يَقُول سَمِعت الْحَافِظ أَبَا الْعَلَاء يَقُول أهل الحَدِيث لَا يحبونَ ويه أَي يَقُولُونَ لفظ ويه ببدء الْوَاو سَاكِنة تفاديا من أَن يَقع فِي آخر الْكَلِمَة ويه انْتهى

وَعَن الْحَافِظ جمال الدّين الْمزي أَنه قَالَ غَالب مَا عِنْد الْمُحدثين (ع 16) فعلويه - بِضَم مَا قبل الْوَاو - إِلَّا رَاهَوَيْه فالأغلب فِيهِ عِنْدهم فتح مَا قبل الْوَاو

ص: 130

وَفِي نفطويه الْوَجْهَانِ والآكد الْفَتْح

وَاعْلَم أَن رَاهَوَيْه لقب لجده وَسمي بذلك لِأَنَّهُ ولد فِي الطَّرِيق والرهو الطَّرِيق وعَلى هَذَا فَقيل يكْتب ابْن بِالْألف لِأَنَّهُ لم يَقع بَين علمين وَكَانَ أَبوهُ يكره أَن يُسمى بِهِ

الثَّانِي أَن هَذَا إِسْنَاد حجازي فَلَعَلَّ إِسْحَاق أَرَادَ ذَلِك لَا مُطلق الْأَسَانِيد وَقد قَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي كتاب الْعلم سَمِعت أَبَا الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد الْفَقِيه يَقُول سَمِعت [الْحسن بن سُفْيَان يَقُول سَمِعت] إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم

ص: 131

الْحَنْظَلِي يَقُول إِذا كَانَ الرَّاوِي عَن عَمْرو بن شُعَيْب ثِقَة فَهُوَ كأيوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر

الثَّالِث أَن الَّذِي نَقله الْحَاكِم عَن أَحْمد بن حَنْبَل بِصِيغَة أَجود لَا بِصِيغَة أصح فَلَعَلَّ المُصَنّف يرى أَن الْجَوْدَة وَالصِّحَّة مُتَرَادِفَانِ أَو متغايران وَلِهَذَا قَالَ نَحوه وَلم يقل مثله وَفِي جَامع التِّرْمِذِيّ فِي الطِّبّ هَذَا حَدِيث جيد حسن

ص: 132

فَالظَّاهِر أَنه أَرَادَ الصِّحَّة وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل وَذكر حَدِيثا رَوَاهُ عَن أَبِيه عَن يحيى

ص: 133

عَن سُفْيَان عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن الْحَارِث بن سُوَيْد - قَالَ قَالَ أبي لَيْسَ بِالْكُوفَةِ عَن عَليّ أصح من هَذَا انْتهى

وَهَذَا يدل على أَن كَلَامه الأول مَخْصُوص بالحجاز

27 -

(قَوْله) وروينا عَن عَمْرو بن عَليّ أصح الْأَسَانِيد مُحَمَّد بن

ص: 134

سِيرِين عَن عُبَيْدَة عَن عَليّ

هَذَا الْإِسْنَاد مركب من بَصرِي وَعبيدَة كُوفِي وَعلي سكن الْكُوفَة وَعبيدَة - بِفَتْح الْعين - بن عَمْرو السَّلمَانِي - بِسُكُون اللَّام - تَابِعِيّ كَاد أَن يكون صحابيا وَكَانَ ابْن سِيرِين أروى النَّاس عَنهُ وَقَالَ مَا رَأَيْت رجلا أَشد توقيا من عُبَيْدَة قَالَه الْعجلِيّ فِي تَارِيخه

ص: 135

28 -

(قَوْله) وروينا نَحوه عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ

ذكره الْحَاكِم عَنهُ بِصِيغَة أَجود لَا بِصِيغَة أصح وَفِيه مَا سبق والسختياني - بِفَتْح السِّين

29 -

(قَوْله) وَمِنْهُم من جعله ابْن عون

هَذَا نَقله الْحَاكِم عَن ابْن الْمَدِينِيّ

30 -

(قَوْله) وَفِيمَا نرويه عَن يحيى بن معِين أَنه قَالَ (أ / 17) أَجودهَا الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة

ص: 136

عَن عبد الله انْتهى

ذكره الْحَاكِم وَزَاد (قَالَ رجل ليحيى لما قَالَ ذَلِك) الْأَعْمَش مثل الزُّهْرِيّ قَالَ بَرِئت من الْأَعْمَش أَن يكون مثل الزُّهْرِيّ يرى الْعرض وَالْإِجَازَة وَكَانَ يعْمل لبني أُميَّة وَذكر الْأَعْمَش فمدحه وَقَالَ فَقير صبور مُجَانب للسُّلْطَان وذكرعلمه بِالْقُرْآنِ وورعه

ص: 137

31 -

(قَوْله) وروينا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة أَنه قَالَ أصح الْأَسَانِيد كلهَا الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَن [عَليّ]

قلت رَوَاهُ الْحَاكِم عَنهُ وَقَالَهُ عبد الرَّزَّاق أَيْضا رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي الْمدْخل عَن مُحَمَّد بن سهل بن عَسْكَر قَالَ سَأَلت عبد الرَّزَّاق أَي الْإِسْنَاد

ص: 138

أصح قَالَ الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَن عَليّ

وَجعل النَّسَائِيّ هَذَا من أحسن الْأَسَانِيد لَا أَصَحهَا فَفِي الْكَمَال فِي تَرْجَمَة الزُّهْرِيّ قَالَ النَّسَائِيّ أحسن أَسَانِيد تروى عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَة الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَن عَليّ

وَالزهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن ابْن عَبَّاس عَن عمر

وَأَيوب عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عُبَيْدَة عَن عَليّ

وَمَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود

ص: 139

32 -

(قَوْله) عَن البُخَارِيّ أَصَحهَا مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر

هَذَا يُسمى سلسلة الذَّهَب وَفِي هَذَا الْإِطْلَاق عَنهُ نظر فَفِي ذمّ الْكَلَام للهروي قَالَ الداوساني قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة ديباج خسرواني

ص: 140

33 -

(قَوْله) وَبنى الإِمَام أَبُو مَنْصُور التَّمِيمِي على ذَلِك أَن أجل الْأَسَانِيد الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَاحْتج بِإِجْمَاع أَصْحَاب الحَدِيث على أَنه لم يكن فِي الروَاة عَن مَالك أجل من الشَّافِعِي

فِيهِ أُمُور

أَحدهَا يُقَال على هَذَا أجل الْأَسَانِيد (د 13) مَا رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل عَن الشَّافِعِي عَن مَالك وَقد وَقع من ذَلِك أَحَادِيث فِي مُسْنده مِنْهَا قَالَ (ع 16) أَحْمد ثَنَا الشَّافِعِي ثَنَا مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يبع بَعْضكُم على بيع بعض وَنهى عَن النجش وَنهى عَن حَبل الحبلة وَنهى عَن الْمُزَابَنَة والمزابنة بيع التَّمْر بِالتَّمْرِ كَيْلا وَبيع الْكَرم بالزبيب كَيْلا وَأخرجه

ص: 141

البُخَارِيّ متقطعا من حَدِيث مَالك

وَزعم الخليلي فِي الْإِرْشَاد أَنه لم يروه عَن مَالك إِلَّا الشَّافِعِي قَالَ وَكَانَ يسْأَله عَنهُ الْأَئِمَّة وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَقد أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة من طَرِيق أَحْمد عَن الشَّافِعِي عَن مَالك عَن دَاوُد بن الْحصين عَن أبي سُفْيَان مولى ابْن أبي أَحْمد أَنه سمع أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يذكر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهى عَن الْمُزَابَنَة ثمَّ قَالَ رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك

ص: 142

وَأخرجه مُسلم عَن ابْن وهب عَن مَالك

وَمِنْهَا قَالَ أَحْمد ثَنَا الشَّافِعِي ثَنَا مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب ابْن مَالك عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة حَتَّى يرجعه الله إِلَى جسده يَوْم يَبْعَثهُ وَأخرج ابْن الصّلاح فِي كتاب أدب الْفتيا من طَرِيق عبد الله بن أَحْمد [سَمِعت أبي يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول سَمِعت مَالك بن أنس يَقُول] سَمِعت مُحَمَّد بن عجلَان

ص: 143

يَقُول إِذا أغفل الْعَالم لَا أَدْرِي أُصِيبَت مقاتله ثمَّ قَالَ هَذَا إِسْنَاد جليل عَزِيز جدا لِاجْتِمَاع أَئِمَّة الْمذَاهب الثَّلَاثَة فِيهِ بَعضهم عَن بعض انْتهى

وصنف الْحَازِمِي جُزْءا فِيمَا رَوَاهُ أَحْمد عَن الشَّافِعِي وَسَماهُ سلسلة الذَّهَب وَمن غَرِيبه رِوَايَة أَحْمد عَن رجل عَن الشَّافِعِي ذكره الخليلي فِي كِتَابه فساق عَن الزَّعْفَرَانِي ثَنَا الشَّافِعِي ثَنَا يحيى بن سليم عَن عبيد الله

ص: 144

ابْن عمر عَن نَافِع عَن - ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا - أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صلى بهم صَلَاة الْخَوْف رَكْعَتَيْنِ فِي [كل] رَكْعَة ركوعين وسجدتين ثمَّ قَالَ تفرد بِهِ الشَّافِعِي عَن يحيى بِهَذَا الْإِسْنَاد وسَمعه أَحْمد بن حَنْبَل عَن رجل عَن الشَّافِعِي ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ إِلَى عبد الله بن أَحْمد ثَنَا أبي - وَأَنا سَأَلته - حَدثنِي سُلَيْمَان بن دَاوُد (أ 18) الْهَاشِمِي أخبرنَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي مثله

الثَّانِي مَا نَقله عَن أبي مَنْصُور رَأَيْته كَذَلِك فِي كِتَابه الْمُسَمّى بتنبيه الْعُقُول فِي الرَّد على الْجِرْجَانِيّ ويتأيد بِمَا ذكره الخليلي فِي الْإِرْشَاد قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل كنت سَمِعت الْمُوَطَّأ من بضعَة عشر رجلا من حفاظ أَصْحَاب مَالك فأعدته على الشَّافِعِي لِأَنِّي وجدته أقومهم [بِهِ] وَرَوَاهُ ابْن عدي فِي مُقَدّمَة

ص: 145

الْكَامِل عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الْقزْوِينِي ثَنَا صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ سَمِعت أبي يَقُول سَمِعت الْمُوَطَّأ من مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي لِأَنِّي رَأَيْته فِيهِ ثبتا وَقد سمعته من جمَاعَة قبله انْتهى

وَهَذَا تَصْرِيح من أَحْمد [بِأَن][من] أجل من روى عَن مَالك هُوَ الشَّافِعِي وَقَالَ بعض الْفُضَلَاء قلت لِلْحَافِظِ جمال الدّين الْمزي قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل كنت سَمِعت الْمُوَطَّأ من بضعَة عشر رجلا من حفاظ أَصْحَاب مَالك فَكيف أجَاز رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَيحيى بن يحيى التَّمِيمِي وَالْبُخَارِيّ

ص: 146

رِوَايَة عبد الله بن يُوسُف وَأَبُو دَاوُد رِوَايَة عبد الله بن مسلمة القعْنبِي وَالنَّسَائِيّ رِوَايَة قُتَيْبَة بن سعيد وَكَيف لم يروه أَصْحَاب الْكتب من طَرِيق الشَّافِعِي وَالْبُخَارِيّ إِذا وجد حَدِيثا يُؤثر عَن مَالك لَا يكَاد يعدل بِهِ إِلَى غَيره حَتَّى إِنَّه يروي فِي الْجَامِع عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء عَن عَمه جوَيْرِية عَن مَالك وَلم يذكر الْجَواب وَيحْتَاج إِلَى فضل نظر وَجُوَيْرِية من أقدم أَصْحَاب مَالك وَهُوَ يُشَارك مَالِكًا فِي بعض شُيُوخه كنافع وَغَيره فَلهَذَا يؤثره البُخَارِيّ

الثَّالِث أَن نَقله الْإِجْمَاع فِيهِ نظر فَإِن أَصْحَاب مَالك قد منعُوا ذَلِك وَقَالُوا

ص: 147

إِمَّا أَن تريدوا بالأجلية فِي الْفِقْه أَو الحَدِيث فَإِن أردتم الْفِقْه فَلَا خلاف عندنَا [أَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم وَعبد الله بن وهب أجل مِنْهُ وَإِن أردتم الحَدِيث فَلَا خلاف عندنَا] أَن يحيى بن سعيد الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي أجل إِسْنَادًا مِنْهُ فَلم يسند ذَلِك على قَول أبي مَنْصُور إِلَّا بالمجاز (ع 17) وَهُوَ أَن يُرِيد من أجل الْأَسَانِيد وَأَيْضًا فَإِن الدَّارَقُطْنِيّ قد صنف جُزْءا فِي الْأَحَادِيث الَّتِي رَوَاهَا أَبُو حنيفَة عَن مَالك وَالْحَنَفِيَّة يَقُولُونَ إِن أجل من روى عَن مَالك أَبُو حنيفَة

وَالْجَوَاب أما مَا ذكره الْمَالِكِيَّة فَمَمْنُوع - وَأَيْنَ مَحل ابْن وهب وَمن ذَكرُوهُ من الشَّافِعِي وَيَكْفِي فِي ذَلِك كَلَام الإِمَام أَحْمد السَّابِق

وَأما أَبُو حنيفَة وَإِن صحت رِوَايَته عَن مَالك فَلم يشْتَهر وَلم يكثر كَرِوَايَة الشَّافِعِي وَقد ذكره الْخَطِيب فِي كتاب الروَاة عَن مَالك وَأسْندَ لَهُ حَدِيثا عَنهُ ووهمه فِيهِ وَقَالَ سَائِر رُوَاة الْمُوَطَّأ على خِلَافه

الرَّابِع فَاتَ المُصَنّف من الْأَقْوَال فِي أصح الْأَسَانِيد يحيى بن أبي كثير

ص: 148

عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - وَقيل شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن عَامر أخي أم سَلمَة عَن أم سَلمَة حَكَاهُمَا الْحَاكِم

وَقَالَ سُلَيْمَان بن حَرْب حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن عُبَيْدَة عَن

ص: 149

عَليّ حَكَاهُ أَبُو نعيم الْأَصْفَهَانِي فِي الْمدْخل

وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فِي حَدِيث مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر كَأَنَّهَا الدَّنَانِير ثمَّ قَالَ كَأَنَّك تسمعها من النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر البردعي فِي كتاب الْمُتَّصِل والمنقطع الْأَحَادِيث

ص: 150

الصِّحَاح الَّتِي أجمع أهل الحَدِيث على صِحَّتهَا من جِهَة النَّقْل مثل الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن عمر

وَالزهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من رِوَايَة مَالك بن أنس وَابْن عُيَيْنَة وَمعمر والزبيدي وَعقيل وَالْأَوْزَاعِيّ مالم يخْتَلف فِيهِ فَإِذا وَقع الِاخْتِلَاف فِي مثل هَذَا بَين هَؤُلَاءِ الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ توقف عَنهُ (أ 19)

وَقد خَالف نَافِع سالما فِي أَحَادِيث

قَالَ وَمثل الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة وَمثل الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ

ص: 151

وَهِشَام مَا لم يَقع الِاخْتِلَاف وَالِاضْطِرَاب فِيهِ ثمَّ أوضح ذَلِك (د 14)

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحَلِيم اتّفق أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ على أَن أصح الْأَحَادِيث أَحَادِيث أهل الْمَدِينَة ثمَّ أَحَادِيث أهل الْبَصْرَة ثمَّ أَحَادِيث أهل الشَّام

وَنقل عَن مَالك أَنه كَانَ لَا يحْتَج بِأَحَادِيث أهل الْعرَاق وَهُوَ القَوْل الْقَدِيم للشَّافِعِيّ فَإِنَّهُ قيل إِذا روى سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله حَدِيثا أيحتج بِهِ قَالَ إِن لم يكن لَهُ أصل بالحجاز وَإِلَّا فَلَا

ثمَّ إِن الشَّافِعِي رَجَعَ عَن ذَلِك وَقَالَ لِأَحْمَد إِذا صَحَّ الحَدِيث فَأَخْبرنِي بِهِ حَتَّى أذهب إِلَيْهِ شاميا كَانَ أَو بصريا أَو كوفيا وَلم يقل مكيا أَو مدنيا لِأَنَّهُ كَانَ يحْتَج بِهِ قبل هَذَا وصنف أَبُو دَاوُد السجسْتانِي مفاريد أهل الْأَمْصَار فَذكر فِيهِ مَا انْفَرد أهل كل مصر من الْمُسلمين من الْعلم بِالسنةِ

ص: 152

الْخَامِس أَن مَا ذكره أَولا من إِطْلَاق أصح الْأَسَانِيد لَيْسَ هُوَ مُطلقًا بل بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَحَابِيّ دون آخر وَلما نقل الْحَاكِم فِي كِتَابه ذَلِك قَالَ فَذكر كل وَاحِد مِنْهُم مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فِي ذَلِك وَلكُل صَحَابِيّ رُوَاة من التَّابِعين وَلَهُم أَتبَاع وَأَكْثَرهم ثِقَات لَا يُمكن أَن يقطع بالحكم فِي أصح الْأَسَانِيد لصحابي وَاحِد فَنَقُول إِن أصح أَسَانِيد أهل الْبَيْت جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ

ص: 153

إِذا كَانَ الرَّاوِي عَن جَعْفَر ثِقَة

وَأَصَح أَسَانِيد الصّديق إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم عَنهُ

وَأَصَح أَسَانِيد عمر الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن جده

ص: 154

وَأَصَح أَسَانِيد أبي هُرَيْرَة الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَنهُ وَقَالَ البُخَارِيّ أَصَحهَا أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَنهُ ولعَبْد الله بن عمر مَالك عَن نَافِع عَنهُ

ولعائشة عبيد الله بن عمر الْعمريّ عَن الْقَاسِم عَنْهَا قَالَ يحيى بن معِين تَرْجَمَة مشبكة بِالذَّهَب وَالزهْرِيّ عَن عُرْوَة عَنْهَا

ص: 155

وَلابْن مَسْعُود الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَنهُ

ولأنس مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ

وَأَصَح أَسَانِيد المكيين سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر

وَأَصَح أَسَانِيد اليمانيين معمر (ع 18) عَن همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة

وَأثبت أَسَانِيد المصريين اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الْخَيْر

ص: 156

عَن عقبَة بن عَامر

وَأثبت أَسَانِيد الشاميين الْأَوْزَاعِيّ عَن حسان بن عَطِيَّة عَن الصَّحَابَة

وَأثبت أَسَانِيد الخراسانيين الْحُسَيْن بن وَاقد عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه

وَقد ذكر ذَلِك الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى بتحصيل أصُول الْفِقْه فَقَالَ بعد ذكره الْأَقْوَال السَّابِقَة وَأكْثر أَئِمَّة الحَدِيث أَن لكل وَاحِد من الصَّحَابَة أتباعا يختصون بِهِ وللرواية عَنهُ طرق بَعْضهَا أصح من بعض ثمَّ ذكر مَا

ص: 157

سبق بِحُرُوفِهِ وَلم يعزه إِلَى الْحَاكِم وَكَذَلِكَ فعل الإِمَام أَبُو المظفر بن السَّمْعَانِيّ فِي كِتَابه القواطع فِي أصُول الْفِقْه

34 -

(قَوْله) الثَّانِيَة إِذا وجدنَا فِيمَا يرْوى من أَجزَاء الحَدِيث إِلَى آخِره

مَا ذكره من أَنه لَا يحكم بِصِحَّتِهِ لضعف الْأَهْلِيَّة فِي هَذِه الْأَزْمِنَة لَا نَعْرِف لَهُ فِيهِ سلفا وَالظَّاهِر جَوَازه وَلَعَلَّه بناه على جَوَاز خلو الْعَصْر عَن الْمُجْتَهد الْمُطلق وَالصَّوَاب خِلَافه

وَقَالَ النَّوَوِيّ الْأَظْهر عِنْدِي جَوَاز التَّصْحِيح لمن تمكن وقويت مَعْرفَته انْتهى

وَعَلِيهِ عمل أهل الحَدِيث وَقد صحّح كثير من الْمُتَأَخِّرين أَحَادِيث لم نجد لمن تقدمهم فِيهَا تَصْحِيحا كَابْن الْقطَّان

ص: 158

وتلميذه ابْن الْمواق والضياء الْمَقْدِسِي والزكي الْمُنْذِرِيّ والمزي

ص: 159

والذهبي إِلَّا أَن الشَّرْط الَّذِي ذكره النَّوَوِيّ مَأْخُوذ من تَعْلِيل ابْن الصّلاح وَالظَّاهِر أَنه لَا يُخَالف فِيهِ عِنْد وجوده

ص: 160

35 -

(قَوْله) أول من صنف الصَّحِيح البُخَارِيّ

مُرَاده الْمُجَرّد كَمَا زَاده النَّوَوِيّ وَإِلَّا فقد سبق البُخَارِيّ مَالك فِي الْمُوَطَّأ لَكِن فِيهِ الصَّحِيح والبلاغ والمقطوع والمنقطع وَذَلِكَ وَإِن كَانَ فِي صَحِيح البُخَارِيّ فَسَيَأْتِي جَوَابه (أ 20) فِي السَّادِسَة وَكَذَا مُسْند أَحْمد فَإِنَّهُ كالموطأ فِيهِ الصَّحِيح وَغَيره

36 -

(قَوْله) ثمَّ إِن مُسلما شَارك البُخَارِيّ فِي أَكثر شُيُوخه

قد اتّفقت الْأَئِمَّة السِّتَّة على روايتهم فِي كتبهمْ الْمَشْهُورَة عَن شيخ من غير وَاسِطَة كَأبي مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى وَأبي كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء

ص: 161

و [مُحَمَّد] بن بشار بنْدَار وَمُحَمّد بن زِيَاد وَعبد الله بن سعيد الْأَشَج وَعَمْرو بن عَليّ الفلاس وَنصر بن عَليّ الْجَهْضَمِي وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي وعباس بن عبد الْعَظِيم الْعَنْبَري إِلَّا أَن رِوَايَة البُخَارِيّ عَنهُ تَعْلِيق

ص: 162

37 -

(قَوْله) وكتاباهما أصح الْكتب بعد كتاب الله الْعَزِيز

قَالَ النَّوَوِيّ بِاتِّفَاق الْعلمَاء فَإِن قيل قد روى مُسلم فِي صَحِيحه عَن جمَاعَة من الضُّعَفَاء أَو المتوسطين أهل الطَّبَقَة الثَّانِيَة الَّذين لَيْسُوا من شُيُوخ الصَّحِيح قَالَ النَّوَوِيّ فَجَوَابه من أوجه ذكرهَا ابْن الصّلاح أَحدهَا أَن ذَلِك فِيمَن هُوَ ضَعِيف عِنْد غَيره ثِقَة عِنْده وَلَا يُقَال الْجرْح مقدم لِأَن شَرط قبُوله بَيَان السَّبَب

الثَّانِي أَن ذكر الضُّعَفَاء فِي كِتَابَيْهِمَا لم يُوجد محتجا بِهِ بل وَقع مُتَابعَة واستشهادا كمطر الْوراق وَبَقِيَّة وَابْن إِسْحَاق وَعبد الله بن عمر الْعمريّ

ص: 163

ونعمان بن رَاشد وَغَيرهم

الثَّالِث أَن يكون الضعْف طَرَأَ عَلَيْهِم بعد أَخذه عَنْهُم باختلاط حَدِيث لم يقْدَح فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُم قبل ذَلِك كَرِوَايَة مُسلم عَن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن وهب ابْن أخي عبد الله بن وهب فَذكر الْحَاكِم أَنه اخْتَلَط بعد الْخمسين وَمَا بَين بعد خُرُوج مُسلم من مصر

الرَّابِع أَن يقْصد علو الْإِسْنَاد بِالرجلِ الضَّعِيف والْحَدِيث عِنْده من رِوَايَة الثِّقَات نَازل فَيقْتَصر على العالي وَلَا يطول بِإِضَافَة النَّازِل إِلَيْهِ مكتفيا بِمَعْرِِفَة أهل الشَّأْن ذَلِك وَهَذَا الْعذر قد روينَاهُ عَنهُ تنصيصا

ص: 164

38 -

(قَوْله) وَأما مَا روينَاهُ عَن الشَّافِعِي مَا أعلم كتابا فِي الْعلم أَكثر صَوَابا من كتاب مَالك وَمِنْهُم من رَوَاهُ بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ

قلت كَقَوْلِه مَا كتاب بعد كتاب الله أَنْفَع من موطأ مَالك رَوَاهُ الْخَطِيب فِي جَامعه عَن هَارُون بن مُحَمَّد السَّعْدِيّ قَالَ قَالَ لي الشَّافِعِي وعَلى هَذِه الرِّوَايَة فَلَا يَجِيء السُّؤَال

39 -

(قَوْله) ثمَّ إِن كتاب البُخَارِيّ أصح الْكِتَابَيْنِ

فِيهِ أُمُور

ص: 165

الأول تفضيله كتاب البُخَارِيّ على مُسلم (د 15) هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور وَمِمَّنْ اخْتَارَهُ (ع 19) النَّسَائِيّ فَقَالَ مَا فِي هَذِه الْكتب أَجود من كتاب البُخَارِيّ وَقرر ذَلِك الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مدخله أَيْضا وَابْن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع قَالَ وَقد قيل إِن مَا فِيهِ مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ

وَمِمَّا يفضل بِهِ ثَلَاثَة أُمُور

أَحدهَا اشْتِرَاطه فِي الرَّاوِي مَعَ إِمْكَان اللِّقَاء ثُبُوت السماع وَمُسلم يَكْتَفِي بِمُجَرَّد إِمْكَان المعاصرة وَنقل فِي أول كِتَابه الْإِجْمَاع على أَن الْإِسْنَاد المعنعن لَهُ حكم الْمَوْصُول ب سَمِعت بِوُجُود المعاصرة

ص: 166

الثَّانِي اتِّفَاق الْعلمَاء على أَن البُخَارِيّ أجل من مُسلم وَأعلم بصناعة الحَدِيث وَقد انتخب مُسلم عَلَيْهِ ولخص مَا ارْتَضَاهُ فِي كِتَابه قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَوْلَا البُخَارِيّ مَا ذهب مُسلم وَلَا جَاءَ وَقَالَ الْخَطِيب إِنَّمَا قفى مُسلم طَرِيق البُخَارِيّ وَنظر فِي علمه وحذا حذوه وَلما ورد البُخَارِيّ نيسابور فِي آخر عمره لَازمه مُسلم وأدام الِاخْتِلَاف إِلَيْهِ

الثَّالِث استنباطه الْمعَانِي الصَّحِيحَة وَالْفِقْه الدَّقِيق مسبوكا فِي التراجم وَأما مُسلم فَلم يصنع ذَلِك بل الَّذِي ترْجم أبوابه (القَاضِي عِيَاض) قَالَه ابْن دحْيَة فِي مرج الْبَحْرين نعم اخْتصَّ مُسلم بِأَنَّهُ أحسن الْأَحَادِيث مساقا وأكمل سياقا وَأَقل تَكْرَارا وأتقن اعْتِبَارا بجمعه طرق الحَدِيث فِي مَكَان وَاحِد إِسْنَادًا ومتنا فيذكر الْمُجْمل ثمَّ الْمُبين لَهُ والمشكل ثمَّ الموضح لَهُ والمنسوخ ثمَّ النَّاسِخ لَهُ فيسهل على الطَّالِب النّظر فِي وجوهه وَتحصل لَهُ الثِّقَة بِجَمِيعِ مَا أوردهُ مُسلم من طرقه بِخِلَاف البُخَارِيّ فَإِنَّهُ يفرق طرق الحَدِيث فِي أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة متباعدة وَكثير مِنْهَا مَا

ص: 167

يذكرهُ فِي غير بَابه الَّذِي لَا يسْبق إِلَيْهِ الْفَهم أَنه فِيهِ أولى فيصعب على الطَّالِب جمع طرقه وَالْوُقُوف على أَلْفَاظه والإحاطة بِمَعْنَاهُ

قَالَ النَّوَوِيّ وَلِهَذَا رَأَيْت جمَاعَة من الْحفاظ غلطوا فنفوا رِوَايَة البُخَارِيّ أَحَادِيث (أ 21) هِيَ مَوْجُودَة فِي صَحِيحه فِي غير مظانها السَّابِقَة إِلَى الْفَهم

الْأَمر الثَّانِي مَا حَكَاهُ عَن [أبي عَليّ] النَّيْسَابُورِي حَكَاهُ الْخَطِيب فِي تَارِيخ بَغْدَاد فِي تَرْجَمَة مُسلم عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مَنْدَه أَيْضا أَنه قَالَ مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء أصح من كتاب مُسلم بن الْحجَّاج فِي علم الحَدِيث وَإِلَيْهِ يمِيل كَلَام أبي الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ

ص: 168

فِي خطْبَة تلخيصه لمُسلم وَنَقله عَن جمَاعَة وَعَزاهُ فِي اختصاره للْبُخَارِيّ إِلَى أَكثر المغاربة وَعزا تَرْجِيح البُخَارِيّ إِلَى أَكثر المشارقة وَسُئِلَ ابْن عقدَة الْحَافِظ أَيهمَا أحفظ مُسلم أَو البُخَارِيّ فَقَالَ كِلَاهُمَا عَالم فأعيد عَلَيْهِ السُّؤَال فَقَالَ يَقع لمُحَمد الْغَلَط فِي أهل الشَّام وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَخذ كتبهمْ وَنظر فِيهَا فَرُبمَا ذكر الرجل بكنيته ويذكره فِي مَوضِع آخر باسمه يظنهما أثنين وَأما مُسلم فَقل مَا يُوجد لَهُ الْغَلَط فِي النَّقْل لِأَنَّهُ كتب المسانيد وَلم يكْتب المقاطيع وَلَا الْمَرَاسِيل

ص: 169

وَفَاتَ المُصَنّف حِكَايَة قَول ثَالِث أَنَّهُمَا سَوَاء حَكَاهُ بعض الْمُتَأَخِّرين وَإِلَيْهِ ميل أبي الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ فِي مُخْتَصر البُخَارِيّ إِذْ قَالَ وَالْأولَى أَلا يُقَال فِي أَحدهمَا أولى بل هما فرسا رهان وَلَيْسَ لأحد بمسابقتهما يدان

وَقَالَ الْحَافِظ الْمزي لَو قيل إِن مُسلما كَانَ يعْتَمد على كِتَابه وعَلى ضَبطه وَأَن البُخَارِيّ كَانَ يعْتَمد على الضَّبْط كَانَ أولى فَإِن قيل مَا فَائِدَة هَذَا الْخلاف مَعَ أَن كلا مِنْهُمَا يلْزم الْعَمَل بِهِ قلت يظْهر فَائِدَته فِي التراجيح عِنْد التَّعَارُض فَيقدم مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ على مَا رَوَاهُ مُسلم إِذا قُلْنَا بأرجحيته وَكَذَا ذكره الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب

ص: 170

فِي وُجُوه التَّرْجِيح

الثَّالِث قَوْله من فضل كتاب مُسلم إِن كَانَ من جِهَة أَنه لم يمازجه غير الصَّحِيح بِخِلَاف مزج البُخَارِيّ فِي تراجم أبوابه من الْأَشْيَاء الَّتِي لم يسندها على الْوَصْف الْمَشْرُوط فِي الصَّحِيح اعْترض عَلَيْهِ بِأَن مُسلما قد مزجه بِغَيْر الْأَحَادِيث كَقَوْلِه فِي كتاب الصَّلَاة عَن يحيى بن أبي كثير لَا يُسْتَطَاع الْعلم براحة الْجِسْم وَلكنه نَادِر جدا بِخِلَاف البُخَارِيّ

قلت لَيْسَ التَّرْجِيح بِمُجَرَّد اجتنابه غير الحَدِيث بل لِأَنَّهُ لم يسند مِنْهَا إِلَّا الصَّحِيح بِخِلَاف البُخَارِيّ فَإِنَّهُ تجوز فِيمَا عدا الْمسند من التعليقات وَغَيرهَا وأتى بهَا على غير شَرط الصَّحِيح وَمُرَاد ابْن الصّلاح بِالْحَدِيثِ مَا هُوَ أَعم (ع 20) من الْمسند والأثر وَقد قَالَ مُسلم بعد أَحَادِيث التَّعَوُّذ آخر التَّشَهُّد بَلغنِي أَن طاوسا قَالَ لِابْنِهِ أدعوت بهَا فِي صَلَاتك فَقَالَ لَا قَالَ أعد صَلَاتك لِأَن

ص: 171

طاوسا روى عَن ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة

وَذكر أَيْضا أَمر حَدِيث الْإِفْك عَن عبد الله بن الْمُبَارك {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة} إِلَى قَوْله {أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم} إِن هَذِه أَرْجَى آيَة فِي الْقُرْآن

40 -

(قَوْله) لم يستوعبا الصَّحِيح وَلَا التزاماه

قلت وَكَذَا قَالَ الْحَاكِم فِي خطْبَة الْمُسْتَدْرك لم يحكما وَلَا وَاحِد مِنْهُمَا أَنه لم يَصح من الحَدِيث غير مَا خرجاه وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل قَالَ وَقد بقيت

ص: 172

أَحَادِيث صِحَاح لم يخرجاها وَلَيْسَ فِي تَركهمَا إِيَّاهَا دَلِيل على ضعفها وَعذر البُخَارِيّ كي لَا يطول الْكتاب فيمل فَإِنَّهُ قَالَ وَتركت من الصِّحَاح بِحَال [الطول]

وَأما مُسلم فَإِنَّهُ قسم الْأَخْبَار ثَلَاثَة أَقسَام فَأخْرج الأول وَهِي الْأَخْبَار الَّتِي هِيَ أسلم من الْعُيُوب من غَيرهَا وأنقى وَمن عزمه أَن يخرج الْقسمَيْنِ الْأَخيرينِ فَأَدْرَكته الْمنية قبل إخراجهما انْتهى

وَكَذَا الْحَازِمِي قَالَ لم يلْتَزم البُخَارِيّ أَن يخرج كل مَا صَحَّ من الحَدِيث وكما أَنه لم يخرج عَن كل من صَحَّ حَدِيثه وَلم ينْسب إِلَى شَيْء من جِهَات الْجرْح وهم خلق كثير يبلغ عَددهمْ نيفا وَثَلَاثِينَ ألفا لِأَن تَارِيخه يشْتَمل على نَحْو من أَرْبَعِينَ ألفا وَزِيَادَة وَكتابه فِي الضُّعَفَاء دون السبعمائة نفس (أ 22) فالثقات عِنْده أَكثر (وَمَعَ ذَلِك فَالَّذِينَ) خرجهم فِي جَامِعَة دون أَلفَيْنِ وَكَذَا لم يخرج كل مَا صَحَّ من الحَدِيث انْتهى

وَالْقَصْد من هَذَا أَمْرَانِ

ص: 173

أَحدهمَا أَن إِلْزَام الْحَاكِم وَغَيره لَهما أَحَادِيث على شَرطهمَا لم يخرجاها لَيْسَ بِلَازِم وَكَذَا فعل الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّهُ صنف جُزْءا فِي أَحَادِيث رجال من الصَّحَابَة رويت عَنْهُم من وُجُوه صِحَاح لَا مطْعن فِيهَا (د 16) فإلزام الدَّارَقُطْنِيّ الشَّيْخَيْنِ - يُخرجهَا إِذْ حَدهَا بسهامها - وَهُوَ فِي جُزْء صَغِير وخرجها أَبُو ذَر عبد بن أَحْمد الْهَرَوِيّ بأسانيدها من رِوَايَته عَن شُيُوخه فِي أَرْبَعَة أَجزَاء

وَالثَّانِي أَن تَركهمَا إِخْرَاج حَدِيث لَا يدل على ضعفه مَا لم يُصَرح أحد مِنْهُم بضعفه أَو جرح رُوَاته وَلَو كَانَ كَذَلِك لما صَحَّ الِاحْتِجَاج بِمَا عدا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ [لَكِن لما جَاءَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا لم يستوعبا الصَّحِيح] من الحَدِيث كُله وَلَا الرِّجَال الثِّقَات وَقد صحّح كل وَاحِد مِنْهُمَا أَحَادِيث سُئِلَ عَنْهَا وَلَيْسَت

ص: 174

فِي كِتَابه

41 -

(قَوْله) وروينا عَن مُسلم أَنه قَالَ لَيْسَ كل شَيْء عِنْدِي صَحِيح وَضعته هَا هُنَا - يَعْنِي فِي كِتَابه الصَّحِيح - وَإِنَّمَا وضعت هَا هُنَا مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ إِلَى آخِره

فِيهِ أَمْرَانِ

الأول هَذَا ذكره مُسلم فِي صَحِيحه فِي بَاب صفة صَلَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَقَول المُصَنّف أَرَادَ - وَالله أعلم - إِلَى آخِره جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر وَهُوَ أَنا نجد فِي كِتَابه أَحَادِيث مُخْتَلف فِي صِحَّتهَا فقد حكى النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم عَن ابْن الصّلاح أَنه أجَاب بجوابين

أَحدهمَا الْمَذْكُور فِي كِتَابه هَا هُنَا

وَالثَّانِي أَنه أَرَادَ أَنه لم يضع فِيهِ مَا اخْتلف الثِّقَات فِيهِ فِي نفس الحَدِيث متْنا أَو إِسْنَادًا وَلم يرد مَا كَانَ اخْتلَافهمْ فِي تَوْثِيق بعض رُوَاته وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر من

ص: 175

كَلَامه فَإِنَّهُ ذكر ذَلِك لما سُئِلَ عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَإِذا قَرَأَ فأنصتوا هَل

ص: 176

هُوَ صَحِيح فَقَالَ هُوَ عِنْدِي صَحِيح فَقيل لَهُ لم لم تضعه هَا هُنَا فَأجَاب بالْكلَام السَّابِق وَمَعَ هَذَا فقد اشْتَمَل كِتَابه على أَحَادِيث اخْتلفُوا فِي أسانيدها أَو متونها لصحتها عِنْده وَفِي ذَلِك ذُهُول مِنْهُ عَن هَذَا الشَّرْط أَو بِسَبَب آخر وَقد استدركت وعللت

الثَّانِي وَفِيه جَوَاب عَن الِاعْتِرَاض السَّابِق أَيْضا أَن مُرَاده ب المجمعين من لقِيه من أهل النَّقْل وَالْعلم بِالْحَدِيثِ قَالَه صَاحب الْمُفْهم وَقيل أَئِمَّة الحَدِيث كمالك وَالثَّوْري وَشعْبَة وَأحمد بن حَنْبَل وَابْن مهْدي وَغَيرهم قَالَه أَبُو حَفْص الميانشي فِي كتاب إِيضَاح مَا لَا يسع الْمُحدث جَهله وَذكر غَيره أَن مُسلما أَرَادَ

ص: 177

إِجْمَاع أَرْبَعَة من الْحفاظ أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى بن يحيى النَّيْسَابُورِي وَعُثْمَان بن أبي شيبَة وَسَعِيد بن مَنْصُور الْخُرَاسَانِي 42 - (قَوْله) وَقد قَالَ البُخَارِيّ أحفظ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح

قلت قيل إِنَّه أَرَادَ الْمُبَالغَة فِي الْكَثْرَة وَهَذَا (ع 21) ضَعِيف بل أَرَادَ

ص: 178

التَّحْدِيد وَقد نقل عَن غَيره من الْحفاظ مَا هُوَ أَكثر من ذَلِك وعَلى هَذَا فَفِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه أَرَادَ بِهِ تعدد الطّرق والأسانيد

وَالثَّانِي أَن مُرَاده بالأحاديث مَا هُوَ أَعم من الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف وأقاويل السّلف وعَلى هَذَا حمل الْبَيْهَقِيّ فِي مَنَاقِب أَحْمد قَول أَحْمد صَحَّ من الحَدِيث سَبْعمِائة ألف على أَنه أَرَادَ أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأقاويل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ

فَإِن قلت قد قَالَ ومائتي ألف غير صَحِيح فَمَا فَائِدَة حفظه لذَلِك قلت [التَّمْيِيز بَينهمَا]

وَقد قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه أحفظ سبعين ألفا صَحِيحَة وَأَرْبَعَة آلَاف مزورة فَقيل لَهُ مَا معنى حفظ المزورة قَالَ إِذا مر بِي حَدِيث مِنْهَا فِي الْأَحَادِيث عَرفته ذكره شيخ الْإِسْلَام فِي ذمّ الْكَلَام

43 -

(قَوْله) ثمَّ إِن أَبَا عبد الله بن الأخرم الْحَافِظ قَالَ قل مَا يفوت

ص: 179

البُخَارِيّ وَمُسلمًا - مِمَّا يثبت من الحَدِيث الصَّحِيح [يَعْنِي] فِي كِتَابَيْهِمَا

وَلقَائِل أَن يَقُول لَيْسَ ذَلِك بِالْقَلِيلِ وَفِي كتاب الْمُسْتَدْرك للْحَاكِم جملَة مستكثرة وَقد قَالَ البُخَارِيّ (أ 23) أحفظ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح

فِيهِ أَمْرَانِ

أَحدهمَا مَا أوردهُ على ابْن الأخرم لَا يرد لِأَنَّهُ قَالَ قل مَا يفوتهما مِمَّا يثبت من الحَدِيث الصَّحِيح وَلم يعين من كِتَابَيْهِمَا

وَمَا احْتج عَلَيْهِ بقولة البُخَارِيّ أحفظ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح حجَّة لِابْنِ الأخرم لَا عَلَيْهِ أَو يكون مُرَاد ابْن الأخرم الصَّحِيح الْمجمع عَلَيْهِ وَذكر أَبُو سعد إِسْمَاعِيل بن أبي الْقَاسِم البوشنجي فِي كتاب الْجَهْر بالبسملة عَن البُخَارِيّ أَنه صنف كتابا أورد فِيهِ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح انْتهى

ص: 180

وَهُوَ غَرِيب وَلَعَلَّه أَرَادَ لَو صنف على أَن الأقدمين يطلقون الْعدَد من الْأَحَادِيث على الحَدِيث الْوَاحِد الْمَرْوِيّ بعدة أَسَانِيد وعَلى هَذَا فيسهل الْخطب فَرب حَدِيث لَهُ مائَة طَرِيق وَأكْثر وَقد قَالَ الْفَقِيه نجم الدّين الْقَمُولِيّ إِن مَجْمُوع مَا صَحَّ من الحَدِيث أَرْبَعَة عشر ألف حَدِيث وَأول كَلَام البُخَارِيّ السَّابِق فَقَالَ مُرَاده - وَالله أعلم - بِمَا ذكره تعدد الطّرق والأسانيد وآثار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَغَيرهم فَسمى الْجَمِيع حَدِيثا وَقد كَانَ السّلف يطلقون الحَدِيث على ذَلِك قَالَ وَهَذَا أولى من تَأْوِيله أَنه أَرَادَ الْمُبَالغَة فِي الْكَثْرَة بل هُوَ مُتَعَيّن لَا يجوز الْعُدُول عَنهُ انْتهى

ص: 181

وَهَذَا التَّأْوِيل يُؤَيّدهُ أَنه قد صَحَّ عَن جمَاعَة من الْحفاظ أَن الْأَحَادِيث لَا تَنْتَهِي إِلَى هَذَا الْعدَد

وَقد ذكر أَبُو الْعَرَب فِي مُقَدّمَة كِتَابه الضُّعَفَاء عَن عَليّ بن بَقِي قَالَ سَأَلت يحيى بن سعيد الْقطَّان كم جملَة الْمسند فَقَالَ لي حصل أَصْحَابنَا ذَلِك وَهُوَ ثَمَانِيَة آلَاف حَدِيث وفيهَا مُكَرر قَالَ وَسمعت إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يَقُول سَأَلت جمَاعَة من أهل الْبَصْرَة عَن جملَة الْمسند الَّذِي رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا سَبْعَة آلَاف ونيف وَعَن غنْدر سَأَلت شُعْبَة عَن هَذَا فَقَالَ جملَة الْمسند أَرْبَعَة آلَاف ونيف

وناظر عبد الرَّزَّاق إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي ذَلِك فَقَالَ إِسْحَاق أَرْبَعَة آلَاف وَقَالَ عبد الرَّزَّاق أَقُول مَا قَالَه يحيى بن سعيد الْمسند أَرْبَعَة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة مِنْهَا ألف ومائتان سنَن وَثَمَانمِائَة (د 17) حَلَال وَحرَام وَأَلْفَانِ وَأَرْبَعمِائَة

ص: 182

فَضَائِل وأدب وتسديد

وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ سِتَّة آلَاف أَو خَمْسَة

وَذكر عَن جمَاعَة من الْأَئِمَّة القدماء قَرِيبا من ذَلِك وَأكْثر مَا قيل ثَمَانِيَة آلَاف

لَكِن أَيْن هَذَا مِمَّا حَكَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الْحَث على الْحِفْظ عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه قَالَ أعرف بكتابي مائَة ألف حَدِيث كَأَنِّي أنظر إِلَيْهَا وأحفظ مِنْهَا سبعين ألف حَدِيث من ظهر قلبِي صَحِيحَة وأحفظ أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث مزورة

قَالَ وَسُئِلَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ عَن رجل حلف بِالطَّلَاق أَن أَبَا زرْعَة يحفظ مِائَتي ألف حَدِيث هَل حنث قَالَ لَا ثمَّ قَالَ أَبُو زرْعَة أحفظ مِائَتي ألف حَدِيث كَمَا يحفظ الْإِنْسَان {قل هُوَ الله أحد} وَفِي المذاكرة ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث

ص: 183

انْتهى [قَوْله]

وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي التَّقْرِيب وَالصَّوَاب أَنه لم يفت الْأُصُول الْخَمْسَة إِلَّا الْيَسِير أَعنِي الصَّحِيحَيْنِ وَسنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ (ع 22) انْتهى

وَقد يتَوَقَّف فِي هَذَا إِلَى مَا سبق وَمن يُحِيط بِالصَّحِيحِ حَتَّى يحصره

وَفِي مدْخل الْحَاكِم عَن الإِمَام أَحْمد صَحَّ من الحَدِيث سَبْعمِائة ألف حَدِيث وَكسر وَهَذَا الْفَتى يَعْنِي أَبَا زرْعَة يحفظ سِتّمائَة ألف حَدِيث انْتهى

وَهَذَا يَنْفِي إِرَادَة الْمُبَالغَة وَيَقْتَضِي إِجْرَاء كَلَام الْأَئِمَّة على ظَاهره

وَذكر سعيد بن أبي مَرْيَم قَالَ سَمِعت مَالك بن أنس يَقُول كتبت بيَدي

ص: 184

مائَة ألف حَدِيث

قَالَ القَاضِي أبن المنتاب وَمِائَة ألف يسْمعهَا مَالك فتضاعف إِلَى عصرنا ويتشعب أَكثر من ألف ألف طَرِيق

وَذكر عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه كتب ألف ألف حَدِيث أسقط مِنْهَا ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث وَخرج مُسْنده من سَبْعمِائة ألف حَدِيث

وَقَالَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ توفّي النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمن رَآهُ وَسمع مِنْهُ زِيَادَة على مائَة ألف إِنْسَان من رجل وَامْرَأَة وكل قد روى عَنهُ سَمَاعا أَو رِوَايَة فَعلم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كثير انْتهى

ص: 185

وَيُمكن الْجمع بَين كَلَام الْأَئِمَّة بِحمْل من نقل عَنهُ دون ذَلِك على أصُول الْأَحْكَام كَمَا يحْكى عَن أبي بكر بن عقال

قَالَ أَبُو دَاوُد ذكرُوا عَن ابْن الْمُبَارك أَنه قَالَ السّنَن عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَحْو تِسْعمائَة حَدِيث فَقيل لَهُ إِن أَبَا يُوسُف قَالَ هِيَ ألف وَمِائَة قَالَ أَبُو يُوسُف أَخذ (أ 24) تِلْكَ الهنات من هُنَا وَمن هُنَا يَعْنِي الْأَحَادِيث الضعيفة

وَذكر عَن يحيى بن معِين أَن جملَة الْمسند أَرْبَعَة آلَاف ونيف

ص: 186

وروى الخليلي فِي الْإِرْشَاد بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْبُوَيْطِيّ قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول أصُول الْأَحْكَام نَيف وَخَمْسمِائة حَدِيث كلهَا عَن مَالك إِلَّا ثَلَاثِينَ حَدِيثا وَكلهَا عِنْد ابْن عُيَيْنَة إِلَّا سِتَّة أَحَادِيث

الثَّانِي ابْن الأخرم هَذَا [هُوَ] مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن يُوسُف الشَّيْبَانِيّ الْمَعْرُوف أَبوهُ بِابْن الْكرْمَانِي وَيُقَال لَهُ أَيْضا الأخرم إِجْرَاء للقب أَبِيه عَلَيْهِ وَكَانَ صدر أهل الحَدِيث بنيسابور قَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي هُوَ الْفَاضِل ابْن الْفَاضِل فِي الْحِفْظ والفهم صنف على الْكِتَابَيْنِ البُخَارِيّ وَمُسلم وَكَانَ ابْن خُزَيْمَة

ص: 187

يُرَاجِعهُ فِي مهمة سمع مِنْهُ أَبُو بكر الْقطيعِي وَأَبُو الْوَلِيد الْقرشِي وَأَبُو زَكَرِيَّا الْمُزَكي والطبقة توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة

44 -

(قَوْله) وَقد قَالَ البُخَارِيّ أحفظ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح ومائتي ألف حَدِيث غير صَحِيح

قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين الْحلَبِي جَاءَ فِي بعض الطّرق عَنهُ وَأعرف مِائَتي

ص: 188

الف بِلَفْظ أعرف بدل أحفظ وَكَأن هَذِه الرِّوَايَة أحسن

45 -

(قَوْله) وَجُمْلَة مَا فِي كِتَابه الصَّحِيح سَبْعَة آلَاف ومائتان وَخَمْسَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا بالأحاديث المكررة

هَذَا الَّذِي جزم بِهِ من الْعدَد الْمَذْكُور صَحِيح بِالنِّسْبَةِ إِلَى رِوَايَة الْفربرِي وَأما رِوَايَة حَمَّاد بن شَاكر فَهِيَ دونهَا بِمِائَتي حَدِيث وَدون هَذِه بِمِائَة حَدِيث رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن معقل

ص: 189

نقل ذَلِك من خطّ الشَّيْخ أبي مُحَمَّد عبد الْملك بن الْحسن بن عبد الله الصّقليّ

وَذكر أَبُو حَفْص عمر بن عبد الْمجِيد الميانشي فِي كِتَابه إِيضَاح مَا لَا يسع الْمُحدث جَهله الَّذِي اشْتَمَل عَلَيْهِ كتاب البُخَارِيّ من الْأَحَادِيث سَبْعَة آلَاف وسِتمِائَة ونيف أختارها من ألف ألف حَدِيث وسِتمِائَة ألف حَدِيث ونيف

(فَائِدَة)

لم يتَعَرَّض المُصَنّف لعدد مَا فِي كتاب مُسلم وَذكر فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ على مُسلم أَن فِيهِ أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث أصُول دون المكرر كَمَا ذكر فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَبِه جزم النَّوَوِيّ فِي تقريبه وَلم يذكر عدته بالمكرر وَهُوَ يزِيد على البُخَارِيّ لِكَثْرَة طرقه وَقَالَ أَحْمد بن سَلمَة يُقَال هُوَ إثنا عشر ألف

ص: 190

حَدِيث

وَقَالَ أَبُو حَفْص الميانشي اشْتَمَل كتاب مُسلم على ثَمَانِيَة آلَاف حَدِيث وَلَعَلَّ هَذَا أقرب وَأما كتاب أبي دَاوُد فَفِيهِ أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة حَدِيث

قَالَ ابْن داسة سَمِعت أَبَا دَاوُد يَقُول كتبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خَمْسمِائَة ألف حَدِيث انتخبت مِنْهَا هَذِه السّنَن فِيهِ أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة حَدِيث والمراسيل نَحْو سِتّمائَة حَدِيث

قَالَ أَبُو دَاوُد وَلم أصنف فِي هَذَا الْكتاب (ع 23) إِلَّا الْأَحْكَام وَلم أصنف فِيهِ كتب الزّهْد وَلَا فَضَائِل الْأَعْمَال وَهِي أَحَادِيث فِي صِحَاح كَثِيرَة

وَعنهُ مَا فِي كتاب السّنَن حَدِيث إِلَّا وَقد عرضته على أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى ابْن معِين

ص: 191

وَأما كتاب ابْن مَاجَه فَقَالَ أَبُو الْحسن بن الْقطَّان صَاحبه عدته أَرْبَعَة آلَاف

وَأما أَحَادِيث التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فَلم أر من عدهما

وَأما الْمُوَطَّأ فَقَالَ أَبُو بكر الْأَبْهَرِيّ جملَة مَا فِيهِ من الْآثَار عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَعَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ألف وَسَبْعمائة وَعِشْرُونَ حَدِيثا الْمسند مِنْهَا سِتّمائَة حَدِيث والمرسل مِائَتَان وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ حَدِيثا وَالْمَوْقُوف سِتّمائَة وَثَلَاثَة عشر وَمن قَول التَّابِعين مِائَتَان وَخَمْسَة وَثَمَانُونَ

وَذكر الكيا الهراسي

ص: 192

فِي تَعْلِيقه فِي الْأُصُول إِن موطأ مَالك كَانَ اشْتَمَل على تِسْعَة آلَاف حَدِيث ثمَّ لم يزل ينتقي حَتَّى رَجَعَ إِلَى سَبْعمِائة

وَذكر ابْن قدامَة فِي نسب قُرَيْش أَن الْوَلِيد (د 18) بن عَمْرو بن الزبير بن الْعَوام يُقَال إِنَّه [الَّذِي] ألف لمَالِك الْمُوَطَّأ وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ ذكر

ص: 193

القَاضِي ابْن المنتاب أَن مَالِكًا روى مائَة ألف حَدِيث جمع مِنْهُ فِي موطئِهِ (أ 25) عشرَة آلَاف ثمَّ لم يزل يعرضهَا على الْكتاب وَالسّنة ويختبرها بالآثار وَالْأَخْبَار [حَتَّى وصلت] إِلَى خَمْسمِائَة وَأما مُسْند أَحْمد فَسَيَأْتِي فِيمَا بعد

46 -

(قَوْله) وَرُبمَا عد الحَدِيث الْوَاحِد الْمَرْوِيّ بِإِسْنَادَيْنِ حديثين أَي إِذا كَانَ من الصَّحَابَة أَو التَّابِعين قَالَه الْحَافِظ الْمزي

47 -

(قَوْله) ثمَّ إِن الزِّيَادَة فِي الصَّحِيح على مَا فِي الْكِتَابَيْنِ إِلَى آخِره

حَاصله أَن من أَرَادَ الْوُقُوف على الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الَّتِي لَيست فِي البُخَارِيّ وَلَا [فِي] مُسلم أَو على زِيَادَة لَفْظَة فِي حَدِيث أَصله فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو تَتِمَّة لمَحْذُوف أَو زِيَادَة شرح فَعَلَيهِ بِهَذِهِ الْكتب الَّتِي ذكرهَا لَكِن مَا ذكره من

ص: 194

تَقْيِيد الحكم بِالصِّحَّةِ بِمَا نصوا على صِحَّته فِي مصنفاتهم لَيْسَ بِشَرْط بل إِذا صَحَّ مِنْهُم تَصْحِيح حَدِيث وَلَو فِي غير مصنفاتهم أَو صَححهُ من لم يشْتَهر لَهُ تصنيف من الْأَئِمَّة الْمُتَقَدّمَة كيحيى بن معِين وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَغَيرهمَا فَالْحكم كَذَلِك

وَإِنَّمَا قَيده ابْن الصّلاح بالمصنفات بِنَاء على اعْتِقَاده السَّابِق أَنه لَيْسَ لأحد التَّصْحِيح فِي هَذِه الْأَعْصَار وَقد وَافقه النَّوَوِيّ هُنَا ذهولا عَن اخْتِيَاره السَّابِق

ص: 195

48 -

(قَوْله) وَكثير من هَذَا مَوْجُود فِي الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ للحميدي

وعَلى هَذَا فَلَا يَنْبَغِي أَن يعزا مَا فِيهِ للْبُخَارِيّ وَمُسلم لما فِيهِ من الزِّيَادَة عَلَيْهِمَا فليحذر من ذَلِك وَيُحَرر اللَّفْظ من الْكِتَابَيْنِ أَو أَحدهمَا وَمَا لم يُوجد فيهمَا أَو أَحدهمَا فَلَا يحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ حَتَّى يعرف إِسْنَاده [وَهَذَا][غير] مُمكن مِنْهُ فَإِنَّهُ لم يذكر أسانيدها وَلَا ذكر اصْطِلَاحا حَتَّى يعرف فَمَا بَقِي إِلَّا النّظر فِيهَا من خَارج

ص: 196

49 -

(قَوْله) واعتنى الْحَاكِم بِالزِّيَادَةِ فِي عدد

أَي الْمُتُون لَا الْأَسَانِيد قَالَه الْمزي

50 -

(قَوْله) فِي الْمُسْتَدْرك أودعهُ مَا لَيْسَ فِي وَاحِد من الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا رَآهُ على شَرط الشَّيْخَيْنِ قد أخرجَا عَن رُوَاته فِي كِتَابَيْهِمَا

فِيهِ أَمْرَانِ

أَحدهمَا نوزع فِي قَوْله أودعهُ مَا لَيْسَ فِي وَاحِد مِنْهُمَا فَإِنَّهُ قد أودعهُ أَحَادِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا عَجِيب فَإِن هَذِه الْأَحَادِيث وَقعت لَهُ سَهوا على خلاف شَرطه وَلم يكن مَوْضُوع الْكتاب لذَلِك وَلَا هُوَ مَقْصُوده إِذْ لَا يكون ذَلِك استدراكا حِينَئِذٍ فَكَلَام المُصَنّف صَحِيح

الثَّانِي مَا ذكره فِي شَرطه قد تبعه عَلَيْهِ النَّوَوِيّ وَابْن دَقِيق الْعِيد

ص: 197

وَغَيرهمَا وَكَأَنَّهُم لم يقفوا على شَرط الْحَاكِم وَالَّذِي فِي خطْبَة الْمُسْتَدْرك مَا نَصه وَأَنا أستعين الله على إِخْرَاج أَحَادِيث رواتها ثِقَات قد احْتج بِمِثْلِهَا الشَّيْخَانِ أَو أَحدهمَا انْتهى

وَقَالَ النَّوَوِيّ المُرَاد بقَوْلهمْ على شَرطهمَا [فِي كِتَابَيْهِمَا] أَن يكون رجال إِسْنَاده فِي كِتَابَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهما شَرط فِي كِتَابَيْهِمَا وَلَا فِي غَيرهمَا وعَلى هَذَا عمل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فَإِنَّهُ ينْقل عَن الْحَاكِم تَصْحِيحه لحَدِيث على شَرط البُخَارِيّ - مثلا - ثمَّ يعْتَرض عَلَيْهِ بِأَن فِيهِ فلَانا وَلم يخرج لَهُ البُخَارِيّ وَكَذَلِكَ فعل الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك وَلَيْسَ ذَلِك مِنْهُم بِحسن لما ذكرنَا من كَلَام الْحَاكِم فِي (ع 24) خطبَته أَنه لم يشْتَرط نفس الرِّجَال الْمخْرج لَهُم فِي الصَّحِيح بل اشْترط رُوَاة احْتج بمثلهم الشَّيْخَانِ أَو أَحدهمَا وَإِنَّمَا يَنْبَغِي منازعته فِي تَحْقِيق الْمُمَاثلَة بَين رِجَاله (أ 26) وَرِجَال الصَّحِيحَيْنِ

نعم الْقَوْم معذورون فَإِنَّهُ قَالَ عقب أَحَادِيث أخرجهَا هُوَ صَحِيح على شَرط مُسلم فقد احْتج بفلان وَفُلَان يَعْنِي الْمَذْكُورين فِي سَنَده فَهَذَا مِنْهُ جنوح إِلَى إِرَادَة نفس رجال الصَّحِيح وَهُوَ يُخَالف مَا ذكره فِي مُقَدّمَة كِتَابه ثمَّ إِنَّه خَالف

ص: 198

الاصطلاحين فِي أثْنَاء كِتَابه وَقَالَ - لما أخرج التَّارِيخ وَالسير - وَلَا بُد لنا من نقل كَلَام ابْن إِسْحَاق والواقدي

وَاعْلَم أَن مَا اعْتَمدهُ فِي تَخْرِيجه أَن يرى رجلا قد وثق وَشهد لَهُ بِالصّدقِ وَالْعَدَالَة أَو حَدِيثه فِي الصَّحِيح فَيجْعَل كل مَا رَوَاهُ هَذَا الرَّاوِي على شَرط

ص: 199

الصَّحِيح [فَإِنَّهُ إِنَّمَا يكون على شَرط الصَّحِيح] إِذا انْتَفَت عَنهُ الْعِلَل والشذوذ والنكارة وتوبع عَلَيْهِ فَأَما مَعَ وجود ذَلِك أَو بعضه فَلَا يكون صَحِيحا وَلَا على شَرط الصَّحِيح

وَمن تَأمل كَلَام البُخَارِيّ وَنظر فِي تَعْلِيله أَحَادِيث جمَاعَة أخرج حَدِيثهمْ فِي صَحِيحه علم إِمَامَته وموقعه من هَذَا الشَّأْن وَتبين لَهُ مَا ذكرنَا وَأَن الْحَال لَيْسَ مطردا على قانون وَاحِد

وَنَظِير هَذَا من يرى الرجل قد تكلم فِي بعض حَدِيثه وَضعف فِي شيخ أَو فِي حَدِيث فَيجْعَل ذَلِك سَببا لتعليل حَدِيثه وتضعيفه أَيْن وجده كَمَا يَفْعَله كثير من الْمُتَأَخِّرين من الظَّاهِرِيَّة وَغَيرهم وَهُوَ غلط فَإِن تَضْعِيفه فِي رجل أَو فِي حَدِيث ظهر فِيهِ غلطه لَا يُوجب ضعف حَدِيثه مُطلقًا

ثمَّ الْعجب مِنْهُ فِي شَيْئَيْنِ

أَحدهمَا أَنه يخرج الحَدِيث وَيَقُول على شَرط الشَّيْخَيْنِ أَو أَحدهمَا وَيكون الحَدِيث بذلك اللَّفْظ فيهمَا أَو فِي أَحدهمَا وَقد وَقع لَهُ ذَلِك فِي أَحَادِيث

ص: 200

الأول حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة عَن حميد عَن بكر عَن عبد الله بن رَبَاح عَن أبي قَتَادَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا عرس بلَيْل اضْطجع عَن يَمِينه وَإِذا عرس قبل الصُّبْح نصب ذراعه نصبا وَوضع رَأسه على كَفه

وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ وَقد أخرجه مُسلم

ص: 201

الثَّانِي حَدِيث مُوسَى بن عقبَة عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من زَوَال نِعْمَتك وَمن تحول عافيتك وَمن فجاءة نقمتك وَمن جَمِيع سخطك

وَقَالَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ وَقد أخرجه مُسلم عَن أبي زرْعَة الرَّازِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن بكر عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن مُوسَى بن عقبَة بِهِ وَلَيْسَ لأبي زرْعَة فِي الصَّحِيح غَيره

ص: 202

الثَّالِث حَدِيث يحيى بن معِين حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن مجَالد عَن بَيَان عَن وبرة عَن همام بن الْحَارِث عَن عمار بن يَاسر قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمَا مَعَه إِلَّا خَمْسَة أعبد وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بكر وَقَالَ صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ

وَقد أخرجه البُخَارِيّ عَن عبد الله هُوَ ابْن حَمَّاد الآملي عَن ابْن معِين بِسَنَدِهِ وَمَتنه

ص: 203

الرَّابِع حَدِيث حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو بن دِينَار (د 19) قَالَ ذكر عِنْد جَابر ابْن زيد [تَحْرِيم][لُحُوم] الْحمر الْأَهْلِيَّة فَقَالَ أَبى ذَاك الْبَحْر - يَعْنِي ابْن عَبَّاس وتلا {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما}

وَقد أخرجه البُخَارِيّ مطولا عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن عَمْرو قلت لجَابِر بن زيد يَزْعمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهى عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة فَقَالَ قد كَانَ يَقُول ذَاك الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ عندنَا بِالْبَصْرَةِ وَلَكِن أَبى ذَاك الْبَحْر ابْن عَبَّاس وَقَرَأَ {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما} الْآيَة

ص: 204

الْخَامِس حَدِيث حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن أبي حزرة عَن عبَادَة بن الْوَلِيد ابْن عبَادَة حَدِيث التقاضي بِطُولِهِ قَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ وَكَذَلِكَ رُوِيَ مُخْتَصرا عَن زيد بن أسلم ورِبْعِي بن حِرَاش وحَنْظَلَة بن قيس كلهم (أ 27) عَن أبي الْيُسْر

ص: 205

أخرجه مُسلم

السَّادِس حَدِيث مكي بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله بن سعيد بن أبي هِنْد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس نعمتان مغبون فيهمَا كثير من النَّاس الصِّحَّة والفراغ وَقَالَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ (ع 25) وَلم يخرجَاهُ

وَقد أخرجه البُخَارِيّ عَن مكي بِهِ

ص: 206

السَّابِع حَدِيث أبي مسْهر عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ عَن أبي ذَر يَا عبَادي إِن حرمت الظُّلم على نَفسِي الحَدِيث بِطُولِهِ وَقَالَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ [بِهَذِهِ السِّيَاقَة

وَقد أخرجه مُسلم من حَدِيث حميد بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة

ص: 207

- رضي الله عنه أَن رجلا أصَاب ذَنبا فَقَالَ يَا رب أذنبت ذَنبا فَاغْفِر لي الحَدِيث بِطُولِهِ وَقد أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم جَمِيعًا

الثَّامِن حَدِيث أبان بن يزِيد عَن يحيى بن أبي كثير عَن ابْن قارظ عَن السَّائِب بن يزِيد عَن رَافع بن خديج كسب الْحجام خَبِيث

ص: 208

وَثمن الْكَلْب خَبِيث وَمهر الْبَغي خَبِيث وَقَالَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ]

وَقد أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم أبي النَّضر عَن ابْن أبي أوفى

ص: 209

التَّاسِع حَدِيث لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدو بِطُولِهِ قَالَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ

وَقد أَخْرجَاهُ جَمِيعًا

الْعَاشِر حَدِيث أبي سعيد لَا تكْتبُوا عني شَيْئا سوى الْقُرْآن رَوَاهُ فِي مَنَاقِب أبي سعيد وَقد رَوَاهُ مُسلم

الْأَمر الثَّانِي مَا يَدعِي أَنه على شَرط البُخَارِيّ وَقد ذكره البُخَارِيّ على خِلَافه

مِنْهَا مَا أخرجه عَن سعيد بن عَامر عَن شُعْبَة عَن عبد الْعَزِيز بن

ص: 210

صُهَيْب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من وجد تَمرا فليفطر عَلَيْهِ وَمن لَا فليفطر على المَاء فَإِنَّهُ طهُور وَقَالَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ

وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِن التِّرْمِذِيّ فِي الْعِلَل قَالَ سَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ فَقَالَ حَدِيث سعيد بن عَامر وهم

ص: 211

وَمِنْهَا أخرج حَدِيث عبد الله بن صَالح عَن يحيى بن أَيُّوب عَن ابْن جريج عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا من أذن اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَقَالَ على شَرط البُخَارِيّ

ص: 212

وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن البُخَارِيّ أَن يحيى بن المتَوَكل رَوَاهُ عَن ابْن جريج عَمَّن حَدثهُ عَن نَافِع وَأَن هَذَا أشبه فصحح انْقِطَاعه

وَمِنْهَا أخرج من جِهَة جرير بن حَازِم عَن ثَابت عَن أنس قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ينزل من الْمِنْبَر فَيعرض لَهُ الرجل فِي الْحَاجة فَيقوم مَعَه حَتَّى يقْضِي حَاجته وَقَالَ صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ

وَهَذَا الحَدِيث أخرجه الْأَرْبَعَة من جِهَة جرير قَالَ التِّرْمِذِيّ غَرِيب لَا

ص: 213

نعرفه إِلَّا من حَدِيث جرير سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول وهم جرير فِي هَذَا وَالصَّحِيح مَا رُوِيَ عَن ثَابت عَن أنس قَالَ أُقِيمَت الصَّلَاة فَأخذ رجل بيد النَّبِي صلى الله عليه وسلم الحَدِيث هُوَ هَذَا وَجَرِير رُبمَا يهم فِي الشَّيْء وَهُوَ صَدُوق انْتهى

51 -

(قَوْله) وَهُوَ وَاسع الخطو فِي شَرط الصَّحِيح متساهل فِي الْقَضَاء بِهِ

قلت قَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر أنكر النَّاس على الْحَاكِم أبي عبد الله أَحَادِيث جمعهَا وَزعم أَنَّهَا صِحَاح على شَرط الشَّيْخَيْنِ

مِنْهَا حَدِيث الطير

ص: 214

وَمن كنت مَوْلَاهُ فعلى مَوْلَاهُ

ص: 216

فَأنْكر عَلَيْهِ أَصْحَاب الحَدِيث ذَلِك وَلم يميلوا إِلَى قَوْله وَقد كَانَ عِنْد الْحَاكِم ميل إِلَى عَليّ ونعيذه بِاللَّه من أَن يبغض أَبَا بكر أَو عمر أَو عُثْمَان رضي الله عنهم وَقَالَ أَبُو نعيم الْحداد سَمِعت أَبَا [مُحَمَّد] الْحسن السَّمرقَنْدِي الْحَافِظ يَقُول سَمِعت أَبَا عبد الرَّحْمَن الشاذياخي يَقُول سُئِلَ الْحَاكِم عَن حَدِيث الطير فَقَالَ لم يَصح وَلَو صَحَّ لما كَانَ أحد أفضل من عَليّ بعد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الذَّهَبِيّ وَهَذِه الْحِكَايَة سندها صَحِيح فَمَا باله أخرج حَدِيثه فِي الْمُسْتَدْرك قَالَ فَلَعَلَّهُ تغير رَأْيه انْتهى

ص: 219

وَالْحكم على حَدِيث الطير بِالْوَضْعِ ذكره الخليلي فِي الْإِرْشَاد وَابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات وَابْن طَاهِر فِي اليواقيت وَعظم النكير على الْحَاكِم حَيْثُ قَالَ فِي عُلُوم الحَدِيث إِنَّه من (أ 28) الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة الَّتِي لم تخرج فِي الصَّحِيح قَالَ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْضُوع وَإِنَّمَا يَجِيء عَن سقاط أهل الْكُوفَة عَن الْمَشَاهِير والمجاهيل عَن أنس انْتهى

وَفِيمَا قَالَه نظر فقد تكلم عَلَيْهِ الشَّيْخ الْحَافِظ أَبُو سعيد العلائي فَقَالَ - بَعْدَمَا ذكر تَخْرِيج التِّرْمِذِيّ لَهُ وَكَذَلِكَ النَّسَائِيّ فِي خَصَائِص على - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - إِن الحَدِيث رُبمَا يَنْتَهِي إِلَى دَرَجَة الْحسن أَو يكون ضَعِيفا يحْتَمل ضعفه أما أَنه مَوْضُوع فَلَا وَقد خرجه الْحَاكِم بِرِجَال كلهم ثِقَات معروفون سوى أَحْمد بن

ص: 220

عِيَاض فَلم أر من ذكره بتوثيق وَلَا تجريح

قَالَ وَيقرب مِنْهُ حَدِيث عَليّ خير الْبشر من أبي فقد كفر أخرجه الْحَاكِم أَيْضا وَهُوَ مِمَّا يُنكر عَلَيْهِ وَقد قَالَ الْخَطِيب - بَعْدَمَا أخرجه - هَذَا حَدِيث مُنكر

ص: 221

وَأخرج الْحَاكِم أَيْضا حَدِيث تَزْوِيج عَليّ بفاطمة وَهُوَ مَوْضُوع

وَقَالَ الْحَافِظ شمس الدّين الذَّهَبِيّ كتاب (د 20) الْمُسْتَدْرك فِيهِ عجائب وَذَلِكَ أَنه مزج كِتَابه فَأخْرج فِيهِ مِمَّا هُوَ عَليّ شَرط الشَّيْخَيْنِ أَو أَحدهمَا قَرِيبا من ثلث الْكتاب وَأخرج فِيهِ أَيْضا أَحَادِيث أسانيدها فِي الظَّاهِر على شَرطهمَا وَفِي الْبَاطِن لَهَا علل خُفْيَة مُؤثرَة فِي عدم الصِّحَّة وَهِي قِطْعَة كَبِيرَة مِنْهُ وَأخرج قِطْعَة أُخْرَى نَحْو ربعه بأسانيد حَسَنَة وصالحة وجيدة وَبَاقِي الْكتاب مَنَاكِير وعجائب وَفِي غُضُون ذَلِك أَحَادِيث نَحْو الْمِائَة يشْهد الْقلب ببطلانها وَحَدِيث الطير بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا سَمَاء وَبِكُل حَال فَهُوَ كتاب مُفِيد

وَقد قَالَ ابْن طَاهِر سَمِعت أَبَا مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي يَقُول بَلغنِي أَن

ص: 222

مُسْتَدْرك الْحَاكِم ذكر بَين يَدي الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ مُسْتَدْرك عَلَيْهِمَا حَدِيث الطير فَبلغ ذَلِك الْحَاكِم فَأخْرج الحَدِيث من الْكتاب وَهَذِه الْحِكَايَة ذكرهَا الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي كتاب المادح والممدوح وَقَالَ الذَّهَبِيّ إِنَّهَا بَاطِلَة فَإِن الْحَاكِم إِنَّمَا ألف الْمُسْتَدْرك فِي أَوَاخِر عمره بعد موت الدَّارَقُطْنِيّ بِمدَّة وَحَدِيث الطير فِيهِ لم يحول مِنْهُ

وَذكر ابْن طَاهِر أَنه رأى حَدِيث الطير جمع الْحَاكِم بِخَطِّهِ فِي جُزْء ضخم فَكَتبهُ للتعجب وَقد وقف عَلَيْهِ

وروى أَيْضا عَن المظفر بن حَمْزَة الْجِرْجَانِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا سعد الْمَالِينِي يَقُول طالعت الْمُسْتَدْرك على الشَّيْخَيْنِ - الَّذِي صنفه الْحَاكِم - من أَوله إِلَى آخِره

ص: 223

فَلم أر فِيهِ حَدِيثا على شَرطهمَا

قَالَ الذَّهَبِيّ وَهَذَا غلو وإسراف بل فِيهِ جملَة وافرة على شَرطهمَا وَجُمْلَة كَبِيرَة على شَرط أَحدهمَا وَلَعَلَّ مَجْمُوع ذَلِك [نَحْو] النّصْف وَفِيه نَحْو الرّبع صَحَّ سَنَده وَإِن كَانَ فِيهِ عِلّة قَالَ وَمَا بَقِي وَهُوَ الرَّابِع فِيهِ الْمُنكر والضعيف والموضوع وَلَيْسَت رُتْبَة أبي سعد أَن يحكم بِهَذَا

وتحامل ابْن دحْيَة عَلَيْهِ فَقَالَ فِي كتاب الْعلم يجب على طلبة الحَدِيث أَن يتحفظوا من قَول الْحَاكِم أبي عبد الله فَإِنَّهُ كثير الْغَلَط بَين السقط وَقد قَالَ على مَالك وَأهل الْمَدِينَة فِي كتاب الْمدْخل مَا لَا علم لَهُ بِهِ انْتهى

ص: 224

52 -

(قَوْله) فَالْأولى أَن نتوسط فِيمَا حكم بِصِحَّتِهِ وَلم نجد لغيره فَهُوَ حسن إِلَى آخِره

وَمَا ذكره من الحكم بالْحسنِ عِنْد التفرد مَرْدُود بل الصَّوَاب أَن مَا انْفَرد بِتَصْحِيحِهِ فَيتبع بالكشف عَنهُ وَيحكم عَلَيْهِ بِمَا يَقْتَضِي حَاله من الصِّحَّة أَو الْحسن أَو الضعْف وعَلى ذَلِك عمل الْأَئِمَّة الْمُتَأَخِّرين وَإِنَّمَا ألجأ ابْن الصّلاح إِلَى ذَلِك اعْتِقَاده أَنه لَيْسَ لأحد التَّصْحِيح فِي هَذِه الْأَعْصَار وَقد سبق رده

وَقد صحّح فِي الْمُسْتَدْرك أَحَادِيث جمَاعَة وَأخْبر فِي كتاب الْمدْخل أَنهم لَا يحْتَج بهم وَأطلق الْكَذِب على بَعضهم هَذَا مَعَ أَن مُسْتَند تَصْحِيحه ظَاهر السَّنَد وَأَن رُوَاته ثِقَات وَلِهَذَا يَقُول صَحِيح الْإِسْنَاد وَصِحَّة الْإِسْنَاد شَرط (أ 29) من شُرُوط الحَدِيث وَلَيْسَت مُوجبَة لصِحَّته بل فِي الْمُسْتَدْرك أَحَادِيث مسكوت عَنْهَا وأسانديها صَحِيحَة أَو حَسَنَة أَو ضَعِيفَة فَيحكم عَلَيْهَا بِمَا يَقْتَضِيهِ حَال أسانيدها

53 -

(قَوْله) ويقاربه فِي حكمه صَحِيح أبي حَاتِم البستي

أَي يُقَارِبه فِيمَا ذكر وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بل صَحِيح ابْن حبَان أصح مِنْهُ بِكَثِير

ص: 226

قَالَ فِي خطْبَة كِتَابه لم يحْتَج فِيهِ إِلَّا بِحَدِيث اجْتمع فِي كل شيخ من رُوَاته خَمْسَة أَشْيَاء الْعَدَالَة والصدق وَالْعقل بِمَا يحدث وَالْعلم بِمَا يحِيل من مَا يروي والخلو من التَّدْلِيس فَكل من اجْتمع فِيهِ هَذِه الْخِصَال الْخمس احتججنا بحَديثه وكل من تعرى عَن خصْلَة مِنْهَا لم يحْتَج بِهِ إِلَى أَن قَالَ ولعلنا قد كتبنَا عَن أَكثر من ألفي شيخ من (أسفيجاب) إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَلم نرو فِي كتَابنَا هَذَا إِلَّا عَن مائَة وَخمسين شَيخا [أَو] أقل أَو أَكثر وَلَعَلَّ معول كتَابنَا هَذَا على نَحْو من عشْرين شَيخا مِمَّن أدرنا السّنَن عَلَيْهِم قَالَ (وَمن اخْتلف فِيهِ) كسماك ابْن حَرْب

ص: 227

وَدَاوُد بن أبي هِنْد وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن يسَار وَحَمَّاد بن سَلمَة وَأبي بكر بن عَيَّاش وأضرابهم فَمن صَحَّ عِنْدِي بِالِاعْتِبَارِ أَنه ثِقَة احتججت بِهِ وَلم أعرج على قَول من قدح فِيهِ وَمن صَحَّ عِنْدِي أَنه غير عدل لم أحتج بِهِ وَإِن وَثَّقَهُ بعض أَئِمَّتنَا قَالَ وَأما زيادات الْأَلْفَاظ فِي الرِّوَايَات فَلَا نقبل شَيْئا مِنْهَا إِلَّا عَمَّن كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْفِقْه لِأَن أَصْحَاب الحَدِيث يغلب عَلَيْهِم حفظ الْأَسَانِيد دون الْمُتُون وَالْفُقَهَاء الْغَالِب عَلَيْهِم حفظ الْمُتُون وأحكامها وأداؤها بِالْمَعْنَى دون الْأَسَانِيد فَإِذا رفع مُحدث خَبرا وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْفِقْه لم أقبل رَفعه إِلَّا من كِتَابه لِأَنَّهُ لَا يعلم الْمسند من الْمُرْسل وَلَا الْمَوْقُوف من الْمُنْقَطع انْتهى

وَبِه تعلم أَن شَرطه أَعلَى من شَرط الْحَاكِم وَبِذَلِك صرح الْحَازِمِي فَقَالَ ابْن حبَان أمكن فِي الحَدِيث من الْحَاكِم وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع قد

ص: 228

صنف أَبُو حَاتِم بن حبَان كتابا سَمَّاهُ صَحِيحا وَجمع فِيهِ الْكثير وَلَيْسَ فِي الصِّحَّة والثبت مثل هَذِه الْكتب

وَسكت المُصَنّف عَن صَحِيح ابْن خُزَيْمَة وألحقه الْخَطِيب فِي الْجَامِع بِكِتَاب أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ إِنَّه شَرط فِيهِ على نَفسه إِخْرَاج مَا اتَّصل بِهِ سَنَده بِنَقْل الْعدْل عَن الْعدْل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم

54 -

(قَوْله) الْخَامِسَة الْكتب المخرجة إِلَى آخِره

لما فرغ من الْمُسْتَدْرك أَخذ فِي الْمُسْتَخْرج

وَحَقِيقَته أَن يَأْتِي المُصَنّف إِلَى كتاب البُخَارِيّ أَو مُسلم فَيخرج أَحَادِيثه بأسانيد لنَفسِهِ من غير طَرِيق البُخَارِيّ أَو مُسلم فيجتمع إِسْنَاد المُصَنّف مَعَ إِسْنَاد البُخَارِيّ اَوْ مُسلم فِي شَيْخه أَو من فَوْقه

ص: 229

فَمِمَّنْ صنف مستخرجا على البُخَارِيّ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو بكر البرقاني وَأَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ

وَمِمَّنْ صنف مستخرجا على مُسلم أَبُو الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد الْقرشِي وَأَبُو عوَانَة الإسفرائني وَأَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ

55 -

(قَوْله) غير أَن الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ لحميدي مُشْتَمل على زِيَادَة تتمات إِلَى آخِره

ص: 230

وَمن هَا هُنَا اعْترض عَلَيْهِ فِي إِدْخَاله تِلْكَ الزِّيَادَات فِي الْكتاب فَإِنَّهُ لم يذكرهَا بِإِسْنَاد لتتميز عَن إِيرَاد الصَّحِيحَيْنِ وَذكرهَا (د 21) فِي ذيل الحَدِيث موهما أَنَّهَا فِي الصَّحِيح فليحذر من ذَلِك

وَهَذَا بِخِلَاف الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ لعبد الْحق وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِغَيْر لفظ الصَّحِيح

وَظَاهر كَلَام ابْن الصّلاح أَن الزِّيَادَات الْوَاقِعَة فِي كتاب الْحميدِي لَهَا حكم الصَّحِيح وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ لم يروها بِسَنَد كالمستخرج وَلَا ذكر أَنه يُرِيد ألفاظا وَيشْتَرط فِيهَا الصِّحَّة حَتَّى يُقَلّد فِي ذَلِك

56 -

(قَوْله) ثمَّ إِن التخاريج الْمَذْكُورَة يُسْتَفَاد مِنْهَا فَائِدَتَانِ

أهمل ثَالِثَة وَهِي زِيَادَة قُوَّة الحَدِيث بِكَثْرَة الطّرق ذكرهَا النَّوَوِيّ فِي

ص: 231

(أ 30) مُخْتَصره

57 -

(قَوْله) وَأما الَّذِي حذف من مُبْتَدأ إِسْنَاده وَاحِد أَو أَكثر وأغلب مَا وَقع فِي البُخَارِيّ وَهُوَ فِي كتاب مُسلم قَلِيل جدا

يَعْنِي حَتَّى قيل إِنَّه لم يَقع إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد فِي التَّيَمُّم وَهُوَ حَدِيث أبي الْجُهَيْم بن الْحَارِث بن الصمَّة أقبل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من نَحْو بِئْر جمل

ص: 232

يَعْنِي الحَدِيث إِلَى آخِره قَالَ فِيهِ مُسلم وروى اللَّيْث بن سعد وَلم يُوصل سَنَده بِهِ إِلَى اللَّيْث وَقد أسْندهُ البُخَارِيّ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث قيل وَلَيْسَ فِي مُسلم بعد مُقَدّمَة كِتَابه حَدِيثا لم يذكرهُ إِلَّا تَعْلِيقا غير هَذَا الحَدِيث وَفِيه مَوَاضِع أخر رَوَاهَا بِإِسْنَادِهِ الْمُتَّصِل ثمَّ قَالَ وَرَوَاهُ فلَان وَلَيْسَ من بَاب التَّعْلِيق وَإِنَّمَا مُرَاده الْمُتَابَعَة للراوي الَّذِي أسْندهُ من طَرِيقه أَو الِاخْتِلَاف فِي السَّنَد لَكِن قَالَ أَبُو عَليّ الغساني فِي كتاب مُسلم أَرْبَعَة عشر موضعا تَعْلِيقا وسردها وَذكره النَّوَوِيّ فِي مُقَدّمَة الشَّرْح وَوَاحِدَة فِي موضِعين مِنْهَا

ص: 233

58 -

(قَوْله) فَفِي بعضه نظر

أَي فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَحَدِيث من ساده نظر) أَي هَل هُوَ صَحِيح أم لَا مِثَاله

قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس كَذَا قَالَ مُجَاهِد كَذَا قَالَ عَفَّان كَذَا قَالَ القعْنبِي كَذَا اعْترض عَلَيْهِ فِي التَّمْثِيل بعفان والقعنبي فَإِن كليهمَا من شُيُوخ البُخَارِيّ الَّذين سمع مِنْهُم فَمَا رَوَاهُ عَنْهُم مَحْمُول على الِاتِّصَال وَقد ذكره على الصَّوَاب فِي النَّوْع الْحَادِي عشر وَأنكر على ابْن

ص: 234

حزم حكمه بالانقطاع على حَدِيث أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ فِي تَحْرِيم المعازف لِأَن البُخَارِيّ قَالَ قَالَ هِشَام بن عمار وَهِشَام أحد شُيُوخ البُخَارِيّ

قلت وتمثيل ابْن الصّلاح صَحِيح وَذَلِكَ لِأَن عفانا روى عَنهُ البُخَارِيّ تَارَة شفاها وَتارَة بالواسطة والقعنبي روى عَنهُ مُسلم أَيْضا كَذَلِك فَإِذا رَأَيْنَاهُ ذكره بِصِيغَة قَالَ دون صِيغَة التحديث والإخبار احْتمل الِاتِّصَال وَعَدَمه لثُبُوت الْوَاسِطَة والاتصال مَشْكُوك فِيهِ فالتحق بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ الْقدر الْمُحَقق والوصل زِيَادَة تحْتَاج إِلَى ثُبُوت وَتوقف عَنْهَا عدوله عَن صِيغَة الِاتِّصَال إِلَى هَذِه الْعبارَة فَكَانَت هَذِه بريئة فِيمَا ذكرنَا وَكَانَ ابْن الصّلاح من بَاب أولى

ص: 235

59 -

(قَوْله) وَيَنْبَغِي أَن قَول مَا كَانَ من ذَلِك وَنَحْوه بِلَفْظ فِيهِ جزم وَحكم بِهِ على من علقه عَنهُ فقد حكم بِصِحَّتِهِ إِلَى آخِره

وَهَذَا الَّذِي ذكره من أَن صِيغَة الْجَزْم تدل على صِحَة الحَدِيث والتمريض على ضعفه قد تبعه عَلَيْهِ أَكثر النَّاس وَقد أعترض عَلَيْهِ من جِهَتَيْنِ من جِهَة الصِّنَاعَة وَمن جِهَة الاستقراء فَإِن كَانَ هَذَا قَالَه من جِهَة الصِّنَاعَة فَلَا شكّ أَن قَول البُخَارِيّ مثلا قَالَ بِصِيغَة الْجَزْم لَيْسَ مَا يرى من قَول التَّابِعِيّ الْكَبِير قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِلَفْظ الْجَزْم وَهُوَ لَا يَقْتَضِي صِحَة الحَدِيث فبذلك رأى البُخَارِيّ إِذا علق الحَدِيث لم يفد الصِّحَّة

وللمصنف أَن يَقُول المُرَاد بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح مَا نَص أَئِمَّة الحَدِيث على صِحَّته وَإِن لم يذكر إِسْنَاده

وَأما الاستقراء فَلَا يساعده فقد قَالَ البُخَارِيّ فِي كتاب الْعلم فِي بَاب الْخُرُوج فِي طلب الْعلم رَحل جَابر بن عبد الله مسيرَة شهر إِلَى عبد الله بن أنيس فِي حَدِيث وَاحِد انْتهى

هَكَذَا جزم بِهِ ثمَّ ذكر بِصِيغَة التمريض فِي آخر الْكتاب فِي الرَّد على الْجَهْمِية فَقَالَ وَيذكر عَن جَابر بن عبد الله عَن عبد الله بن أنيس سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول فَذكره

ص: 236

فَدلَّ على اسْتِوَاء الصيغتين عِنْده وَإِلَّا يلْزم أَن يكون الحَدِيث الْوَاحِد ضَعِيفا حسنا

وَمَا يُقَال إِنَّه جزم بالرحلة دون التحديث فعندما ذكر التحديث أَتَى بِصِيغَة التَّرَدُّد مُحْتَمل

ص: 237

وَأَيْضًا فقد قَالَ البُخَارِيّ فِي بَاب وجوب الصَّلَاة فِي الثِّيَاب وَيذكر عَن سَلمَة ابْن الْأَكْوَع أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فزره وَلَو بشوكة وَفِي إِسْنَاده نظر

وَقَالَ فِي بَاب من أهدي لَهُ هَدِيَّة (أ 31) وَعِنْده جلساء فَهُوَ أَحَق وَيذكر عَن ابْن عَبَّاس أَن جلساءه شركاؤه وَلم يَصح

وَلَو كَانَ هَذَا اللَّفْظ نصا فِي التَّضْعِيف لما احْتَاجَ إِلَى تضعيفها بعد

ص: 238

وَقَالَ فِي بَاب الْفَخْذ ويروى عَن ابْن عَبَّاس وجرهد وَمُحَمّد بن جحش عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْفَخْذ عَورَة وَقَالَ أنس بن مَالك حسر النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن فَخذه وَحَدِيث أنس أسْند وَحَدِيث جرهد أحوط حَتَّى يخرج من اخْتلَافهمْ فَانْظُر كَيفَ قَالَ لما جزم بِهِ إِنَّه أسْند وَقَالَ [حِين] مَرضه إِنَّه أحوط وَقواهُ وسلك فيهمَا طَرِيق التَّرْجِيح وَهُوَ يدل على أَنه لَيْسَ بضعيف عِنْده

وَقد رد أَبُو الْعَبَّاس بن تَيْمِية على ابْن الصّلاح مَا اخْتَارَهُ فِي التَّعْلِيق وَقَالَ بل عَادَة البُخَارِيّ أَنه إِذا جزم بالمعلق فَقَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَهُوَ صَحِيح عِنْده وَإِذا لم يجْزم بِهِ كَقَوْلِه وَيذكر عَن بهز بن حَكِيم كَانَ ذَلِك عِنْده

ص: 239

حسنا لَا يبلغ مبلغ الصَّحِيح وَلَكِن لَيْسَ بضعيف مَتْرُوك بل هُوَ حسن يستشهد بِهِ ويحتج بِهِ إِذا لم يُخَالف الصَّحِيح وَلَكِن لَيْسَ بِالصَّحِيحِ الْمَشْهُور

وَهَذَا أقرب مِمَّا قَالَه ابْن الصّلاح

وَكَذَلِكَ نَازع فِيهِ الشَّيْخ عَلَاء الدّين مغلطاي - رَحمَه الله تَعَالَى -[قَالَ] فَإنَّا نجد البُخَارِيّ فِي مواضيع يَأْتِي بِصِيغَة الْجَزْم وَهِي ضَعِيفَة من خَارج وَيَأْتِي بِصِيغَة التمريض وَهِي صَحِيحَة مخرجة فِي كِتَابه فَمن الأول قَوْله فِي بَاب قَول الله عز وجل {وَكَانَ عَرْشه على المَاء} وَقَالَ الْمَاجشون عَن عبد الله ابْن الْفضل عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة فَأَكُون أول من بعث وَقد أخرجه فِي كتاب الْأَنْبِيَاء عَن ابْن الْفضل عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة لَا ذكر فِيهِ لأبي سَلمَة

ص: 240

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ (د 22) أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي أَطْرَافه - وَذكر كَلَام البُخَارِيّ إِنَّمَا يعرف هَذَا عَن ابْن الْفضل عَن الْأَعْرَج

وَمن الثَّانِي قَوْله فِي كتاب الصَّلَاة وَيذكر عَن أبي مُوسَى قَالَ كُنَّا نتناوب النَّبِي صلى الله عليه وسلم عِنْد صَلَاة الْعشَاء ثمَّ أسْندهُ بعد ذَلِك بأسطر فِي بَاب فضل الْعشَاء فَقَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء أَنا أَبُو أُسَامَة عَن بريد عَن أبي

ص: 241

بردة عَن أبي مُوسَى وَقَالَ فِي كتاب الطِّبّ وَيذكر عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الرقيا بِفَاتِحَة الْكتاب ثمَّ أسْندهُ بعد ذَلِك

وَقَالَ فِي كتاب من رد أَمر السَّفِيه والضعيف الْعقل وَإِن لم يكن حجر عَلَيْهِ الإِمَام وَيذكر عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رد على الْمُتَصَدّق صدقته ثمَّ أسْندهُ فِي مَوضِع آخر

ص: 242

قَالَ الْحَافِظ [عبد الْحق فِي الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ إِن المُرَاد بِهِ حَدِيث جَابر فِي فِي بيع الْمُدبر الَّذِي أخرجه فِي صَحِيحه

قلت وللمنتصر لِابْنِ الصّلاح أَن يَقُول

أما الأول فَلَا يُرَاد إِذْ لَيْسَ فِي ذَلِك مَا يَقْتَضِي الضعْف كَمَا لَا يَقْتَضِيهِ فِيمَا علل بِهِ غَيره أَحَادِيث أسندها هُوَ وَوَصلهَا وَيجوز أَن يكون ابْن الْفضل روى

ص: 243

الطَّرِيقَيْنِ فَذكر البُخَارِيّ فِي كل بَاب إِحْدَاهمَا كَمَا هِيَ عَادَته عِنْد التّكْرَار وَلَا يُعلل إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى وَقد أخرجه البُخَارِيّ فِي الرقَاق والتوحيد وَغَيرهمَا من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة والأعرج كليهمَا عَن أبي هُرَيْرَة وَكَذَا أخرجه مُسلم

وَلم أَن الْمُعْتَرض اعْترض بقول ابْن الصّلاح فِيمَا سَيَأْتِي من قَول البُخَارِيّ وَقَالَ بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده وَأَن ذَلِك لَيْسَ من شَرطه لَكَانَ أقرب من هَذَا وَمَعَ ذَلِك فَجَوَابه يعلم مِمَّا سَيذكرُهُ المُصَنّف عِنْد ذكر هَذَا التَّعْلِيق

ص: 244

وَأما الثَّانِي فلابن الصّلاح أَن يَقُول كَلَامي فِي التَّعْلِيق الْمُجَرّد الَّذِي لم يصله فِي مَوضِع آخر فَأَما تَعْلِيق هُوَ كَذَلِك فَلَيْسَ الْكَلَام فِيهِ لِأَن الْعَمَل حِينَئِذٍ بالمسند

وَلَو صَحَّ الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ بذلك بِنَاء على أَن كَلَامه فِي مُطلق التَّعْلِيق لورد فِي الْقسم الآخر فَإِنَّهُ قد يجْزم بتعاليق مَعَ أَنه [قد] يسندها فِي مَوضِع آخر من الصَّحِيح وَلَا يُمكن دُخُول ذَلِك فِي تَقْسِيم ابْن الصّلاح

وَزعم أَن البُخَارِيّ حَيْثُ علق مَا هُوَ صَحِيح إِنَّمَا يَأْتِي بِهِ بِصِيغَة الْجَزْم وَقد يَأْتِي (أ 32) بِهِ بِغَيْر صِيغَة الْجَزْم لغَرَض آخر غير التَّضْعِيف وَهُوَ إِذا اختصر الحَدِيث أَو أَتَى بِهِ بِالْمَعْنَى عبر بِصِيغَة التمريض لوُجُود الْخلاف الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَالْخلاف أَيْضا فِي جَوَاز اخْتِصَار الحَدِيث قَالَ وَإِذا تَأَمَّلت سِيَاق إِيرَاده فِي الْأَحَادِيث السَّابِقَة تَجدهُ كَذَلِك

وَهَذَا لَا معنى لَهُ فَإِن اخْتِصَار الحَدِيث أَو رِوَايَته بِالْمَعْنَى عِنْد المعتقد لجوازه بِشَرْطِهِ لَا يَقْتَضِي ذَلِك وَهنا عِنْده حَتَّى يُشِير إِلَيْهِ بعد ثُبُوت صِحَة أَصله بل كَلَام سليم الرَّازِيّ مُصَرح بِأَنا وَلَو منعنَا ذَلِك لم يسْقط بِهِ الرِّوَايَة لِأَنَّهَا مَسْأَلَة اجتهادية

ص: 245

ثمَّ لَو كَانَت النُّكْتَة فِي التمريض مَا ادَّعَاهُ هَذَا الْقَائِل لَاسْتَعْمَلَهُ البُخَارِيّ فِي كل موطن يَقْتَضِيهِ ذَلِك وَقد رَأَيْنَاهُ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة يسند الحَدِيث فِي مَوضِع بِطُولِهِ ثمَّ يعلقه فِي مَوضِع آخر مُخْتَصرا أَو بِالْمَعْنَى وَيَأْتِي فِيهِ بِصِيغَة الْجَزْم لَا التمريض فَمِنْهُ قَوْله فِي بَاب لَا يدْرِي مَتى يَجِيء الْمَطَر إِلَّا الله وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خمس لَا يعلمهُنَّ إِلَّا الله

وَقد أسْندهُ بِطُولِهِ فِي كتاب الْإِيمَان بِلَفْظ فِي خمس فَحذف الْجَار وَاخْتصرَ بَقِيَّة اللَّفْظ

وَقَالَ فِي بَاب إِدْخَال الْبَعِير فِي الْمَسْجِد لِلْعِلَّةِ وَقَالَ ابْن عَبَّاس طَاف النَّبِي صلى الله عليه وسلم على بعير وأسنده فِي كتاب الْحَج فِي بَاب الْمَرِيض يطوف رَاكِبًا عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم طَاف بِالْبَيْتِ وَهُوَ على بعير كلما أَتَى الرُّكْن أَشَارَ إِلَيْهِ وَكبر

وَقَالَ فِي بَاب رفع الْبَصَر إِلَى الْأَمَام فِي الصَّلَاة وَقَالَت عَائِشَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا - قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاة الْكُسُوف رَأَيْت جَهَنَّم يحطم بَعْضهَا بَعْضًا حِين رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرت مَعَ أَنه أسْندهُ مطولا فِي بَاب [إِذا] انفلتت

ص: 246

الدَّابَّة فِي الصَّلَاة

وَهُوَ كثير لمن يتبعهُ فقد بَطل هَذَا التأصيل وَلم يساعده الدَّلِيل وَأَقُول مَا علقه البُخَارِيّ إِمَّا أَن يسْندهُ فِي مَوضِع آخر من كِتَابه أَو لَا فَإِن أسْندهُ فَهُوَ صَحِيح عِنْده سَوَاء ذكره بِصِيغَة الْجَزْم أَو التمريض لِأَن الْعَمَل حِينَئِذٍ بالمسند وَفَائِدَة تَعْلِيقه قصد الِاخْتِصَار عَن التّكْرَار وَإِنَّمَا لم يذكرهَا كلهَا بِصِيغَة الْجَزْم اعْتِمَادًا على سندها فِي مَوضِع آخر فسهل الْأَمر فِي ذَلِك

وَإِن لم يسندها فِي مَوضِع آخر فَينْظر إِمَّا أَن ينص على ضعفها فِيهِ أَو لَا فَإِن نَص على ضعفها فَذَاك وَهَذَا كَمَا سبق مِثَاله فِي زر الثَّوْب بشوكة والهدية لمن عِنْده قوم وَإِن لم ينص على ضعفها فِيهِ نظر كَلَامه عَلَيْهِ من خَارج فَإِن عثر عَلَيْهِ إِمَّا من تَارِيخه أَو من نقل التِّرْمِذِيّ عَنهُ فِي الْجَامِع أَو غَيره فَالْعَمَل حِينَئِذٍ بِمَا قَالَ من تَضْعِيف أَو تَحْسِين من أمثلته قَوْله فِي بَاب الْغسْل وَقَالَ بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده مَعَ أَنه قَالَ فِي تَارِيخه مِمَّا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْده صَحِيحا بل إِمَّا حسن أَو ضَعِيف وَإِن لم يُوجد شَيْء من ذَلِك فَهُوَ عِنْده حسن يستشهد بِهِ لَا سِيمَا إِذا ذكر مَعَه بِمَعْنَاهُ فِي الْمسند مَا يقويه ويعضده

ص: 247

وَهَذَا كُله بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَذْهَب البُخَارِيّ فِي ذَلِك وَإِلَّا فَإِذا علمنَا لَهُ سندا من خَارج وَجب الحكم بِمَا يَقْتَضِيهِ حَاله من صِحَة أَو غَيرهَا وَكَذَلِكَ كَلَام غَيره من الْحفاظ فِيهِ

ص: 248

60 -

(قَوْله) عَن الْحَافِظ أبي نصر الوائلي أجمع أهل الْعلم أَنه لَو حلف بِالطَّلَاق أَن جَمِيع مَا فِي البُخَارِيّ مِمَّا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد صَحَّ عَنهُ وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَه لَا شكّ فِيهِ أَنه لَا يَحْنَث وَالْمَرْأَة بِحَالِهَا فِي حبالته انْتهى

والحبالة - بِكَسْر الْحَاء - قيدها ابْن الْأَثِير وَغَيره يجمع على حبائل وَمِنْه النِّسَاء حبائل الشَّيْطَان أَي مصائده

ص: 249

وَفِيه أُمُور

أَحدهَا أَن هَذَا قَالَه إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَيْضا وَعَزاهُ إِلَى كتاب مُسلم قَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه الْمسَائِل المفيدة قَالَ أَبُو الْمَعَالِي من حلف بِطَلَاق زَوجته أَن جَمِيع مَا فِي البُخَارِيّ وَمُسلم (أ 33) صَحِيح لم تطلق عَلَيْهِ لإِجْمَاع (د 23) الْمُسلمين على صِحَة مَا فِي هذَيْن الْكِتَابَيْنِ حَكَاهُ عَنهُ قَاضِي أران نقلته من خطّ شَيخنَا السلَفِي أَنه سَمعه مِنْهُ ثمَّ أَشَارَ ابْن دحْيَة إِلَى الْقدح فِي الْإِجْمَاع بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَمِيع فَقَالَ وَعرض البُخَارِيّ كِتَابه على حَافظ الدُّنْيَا أبي زرْعَة الرَّازِيّ فَقَالَ كتابك كُله صَحِيح إِلَّا ثَلَاثَة احاديث

الثَّانِي أَن ابْن الصّلاح فِي غير هَذَا الْكتاب قد نَازع الإِمَام فِي هَذَا الْمدْرك وَقَالَ لقَائِل أَن يَقُول إِنَّه لَا يَحْنَث وَلَو لم يجمع [الْمُسلمُونَ] على صحتهما للشَّكّ فِي الْحِنْث فَإِنَّهُ لَو حلف بذلك فِي حَدِيث لَيْسَ هَذِه صفته لم يَحْنَث وَإِن

ص: 250

كَانَ رَاوِيه فَاسِقًا فَعدم الْحِنْث حَاصِل قبل الْإِجْمَاع فَلَا يُضَاف إِلَى الْإِجْمَاع ثمَّ أجَاب بِأَن الْمُضَاف إِلَى الْإِجْمَاع هُوَ الْقطع بِعَدَمِ الْحِنْث ظَاهرا وَبَاطنا وَأما عِنْد الشَّك فَعدم الْحِنْث مَحْكُوم بِهِ ظَاهرا مَعَ احْتِمَال وجوده بَاطِنا فعلى هَذَا يحمل كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ اللَّائِق بتحقيقه

قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَهَذَا مِنْهُ بِنَاء على اخْتِيَاره - أَن أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ مَقْطُوع بِصِحَّتِهَا - وَأما على مَذْهَب الْأَكْثَرين فَيحْتَمل أَنه أَرَادَ لَا يَحْنَث ظَاهرا وَلَا يسْتَحبّ لَهُ الْتِزَام الْحِنْث حَتَّى تسْتَحب لَهُ الرّجْعَة كَمَا إِذا حلف بِمثل ذَلِك فِي غير الصَّحِيحَيْنِ فَإنَّا لَا نحنثه لَكِن تسْتَحب لَهُ الرّجْعَة احْتِيَاطًا لاحْتِمَال الْحِنْث وَهُوَ احْتِمَال ظَاهر قَالَ وَأما الصحيحان فاحتمال الْحِنْث فيهمَا فِي غَايَة الضعْف وَلَا تسْتَحب لَهُ الرّجْعَة لضعف احْتِمَال مُوجبهَا وَهُوَ حسن

ص: 251

وَقَالَ غَيره لَا نسلم عدم وُقُوع الطَّلَاق للجزم بِصِحَّتِهِ بل لعدم الْجَزْم بِعَدَمِ صِحَّته وَلَا يَقع الطَّلَاق بِالشَّكِّ فِي وُقُوع الْمُعَلق لِأَن الْحَالِف لَا يَحْنَث إِلَّا إِذا حلف على أَمر تحقق كذبه أما إِذا حلف على أَمر يعْتَقد صدقه وَهُوَ غير صَادِق لَا يَحْنَث لَا ظَاهرا وَلَا بَاطِنا

الثَّالِث أَنه أجْرى هَذَا على إِطْلَاقه بِالنِّسْبَةِ لجَمِيع مَا فِيهِ من الْمسند ثمَّ اسْتثْنى فِيمَا بعد مَا قدح [فِيهِ] مُعْتَمد من الْحفاظ وَهُوَ يفهم أَنه لم يرد بِهِ التعليقات بل المسندات المتعقبات وَهِي لَا شكّ مِمَّا حكم الإمامان بِصِحَّتِهَا فَهَذَا التَّقْيِيد خلاف مَا أطلقهُ هُنَا وَكَلَام أبي نصر وَالْإِمَام ينبو عَن تَأْوِيله

61 -

(قَوْله) إِن فِي بعض التراجم مَا لَيْسَ من شَرطه كَقَوْلِه بَاب مَا يذكر فِي الْفَخْذ ويروى عَن ابْن عَبَّاس وجرهد وَمُحَمّد بن جحش عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْفَخْذ عَورَة

62 -

(قَوْله) فِي أول بَاب من أَبْوَاب الْغسْل قَالَ بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم الله أَحَق أَن يستحيا مِنْهُ فَهَذَا قطعا لَيْسَ من شَرطه وَلذَلِك لم يُورِدهُ الْحميدِي فِي كِتَابه فَاعْلَم ذَلِك فَإِنَّهُ مُهِمّ خَافَ انْتهى

وَمرَاده أَن هَذَا التَّعْلِيق لم يفد إِلَّا الحكم بِصِحَّتِهِ عَمَّن أسْندهُ إِلَيْهِ أما الْمَذْكُور

ص: 252

فَلَيْسَ من شَرطه وَلِهَذَا لم يحْتَج بِهِ فِي إِسْنَاده وَبِهَذَا صرح أَبُو الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ فِي كتاب السماع فَقَالَ البُخَارِيّ لَا يعلق فِي كِتَابه إِلَّا مَا كَانَ فِي نَفسه صَحِيحا مُسْندًا لكنه لم يسْندهُ ليفرق بَين مَا كَانَ على شَرطه فِي اصل كِتَابه وَبَين مَا لَيْسَ كَذَلِك

وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي الْوَهم وَالْإِيهَام قد يعلق مَا لَيْسَ من شَرطه إِثْر التراجم فقد يترجم بِأَلْفَاظ غير الصَّحِيحَة ويورد أَحَادِيث مُرْسلَة فَلَا يَنْبَغِي أَن يعْتَقد فِي هَذِه كلهَا أَن مذْهبه صِحَّتهَا بل لَيْسَ لَهُ ذَلِك [بِمذهب] إِلَّا فِيمَا يُورِدهُ بِإِسْنَادِهِ موصلا وَقَالَ فِي مَوضِع آخر إِن البُخَارِيّ فِيمَا يعلق من الْأَحَادِيث فِي الْأَبْوَاب غير مبال لضعف رواتها فَإِنَّهَا غير مَعْدُودَة فِيمَا انتخب وَإِنَّمَا يعد من ذَلِك مَا وصل الْأَسَانِيد

قلت وَكَلَام الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن يُخَالف مَا فهمه المُصَنّف من كَلَام البُخَارِيّ فِي بعض التراجم السَّابِقَة فَإِنَّهُ لما (أ 34) روى حَدِيث بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ وَقد أَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى هَذَا الحَدِيث فِي التَّرْجَمَة يَعْنِي أَنه أَوْمَأ إِلَى تقويته وَقد أخرجه الْحَاكِم فِي اللبَاس من مُسْتَدْركه وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ

ص: 253

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة فِي الْفَخْذ وَقَالَ هَذِه أَسَانِيد صَحِيحَة مُحْتَج بهَا ونازعه الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصره وَقَالَ لَا تصل إِلَى الصِّحَّة بل صَالِحَة للحجة بانضمام بَعْضهَا إِلَى بعض

وَاعْلَم أَنه قد اعْترض على المُصَنّف فِي تَخْصِيصه الصِّحَّة فِي كتاب البُخَارِيّ بالمقاصد دون الْأَبْوَاب والتراجم بِأَنَّهُ مُخَالف لقَوْله أَولا إِن جَمِيع مَا فِيهِ صَحِيح لِأَنَّهُ إِمَّا مَذْكُور بِالْأَسَانِيدِ وَلَا خلاف فِي صِحَّته أَو بِلَفْظ الْجَزْم فَهُوَ مُلْحق بِهِ أَو غير ذَلِك وَهُوَ قَلِيل وَذكره فِي أثْنَاء الصَّحِيح يشْعر بِصِحَّتِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْفَائِدَة الثَّانِيَة أَن القَوْل فِي الصَّحِيح وَالْحسن رَاجع إِلَى تنصيص مَشَايِخ الحَدِيث وَهَا هُنَا ألزم أَن الْمُصَحح فِي كتاب البُخَارِيّ هِيَ الْمَقَاصِد دون التراجم والتعاليق فَبين الْكَلَامَيْنِ فرق

قلت مُرَاده الصِّحَّة الْمجمع عَلَيْهَا فَلَا يرد عَلَيْهِ التَّعَالِيق وَنَحْوهَا مِمَّا لَيْسَ من شَرطه

63 -

(قَوْله) فِي السَّابِعَة فِي ذكر رتب الصَّحِيح وَأَن أَعْلَاهُ مَا اتّفق عَلَيْهِ البُخَارِيّ وَمُسلم

ص: 254

قيل فَاتَهُ أَن يَقُول أَعْلَاهُ مَا اتّفق عَلَيْهِ الْأَئِمَّة السِّتَّة فَهُوَ أَعلَى من حَدِيث اتفقَا عَلَيْهِ وَحدهمَا وَمن نظر الْأَطْرَاف للمزي اجْتمع لَهُ مِنْهُ الْكثير وَقد أفرده بالتصنيف ابْن بنت أبي سعد وَالشَّيْخ عَلَاء الدّين مغلطاي

وَفِي هَذَا نظر لِأَن شَرط الْأَرْبَعَة دون شَرط الصَّحِيحَيْنِ وَمَا لَا مدْخل لَهُ فِي زِيَادَة الصِّحَّة لَا يصلح للترجيح فِيهَا

وَقد يمْنَع بِأَن الْفُقَهَاء قد يرجحون بِمَا لَا مدْخل لَهُ فِي ذَلِك الشَّيْء كَابْن الْعم الشَّقِيق يقدم على ابْن الْعم للْأَب وَإِن كَانَ الْعم للْأُم لَا يَرث

نعم هَذَا إِنَّمَا يتم فِي تعَارض حديثين أَحدهمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّة السِّتَّة وَالْآخر أخرجه الشَّيْخَانِ دونهم أما حَدِيث اتّفق السِّتَّة على إِخْرَاجه فَلَا تعلق لَهُ بِحَدِيث آخر انْفَرد بِهِ الشَّيْخَانِ حَتَّى يُقَال هَذَا اصح من هَذَا

ص: 255

64 -

(قَوْله) الثَّانِيَة صَحِيح انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ

أَي تَفْرِيعا على تَفْضِيل كِتَابه على مُسلم لِأَن شَرطه أضيق من شَرط مُسلم (د 24)

65 -

(قَوْله) الثَّالِث صَحِيح انْفَرد بِهِ مُسلم

لَك أَن تَقول إِنَّمَا يظْهر نزُول هَذَا عَمَّا قبله فِي حَدِيث نَص البُخَارِيّ على تَعْلِيله فَأخْرجهُ مُسلم أما حَدِيث لم يتَعَرَّض لَهُ البُخَارِيّ وَأخرجه مُسلم كَيفَ يكون نازلا وَترك البُخَارِيّ لَهُ لَا يقْدَح فِيهِ لِأَنَّهُ لم يلْتَزم كل الصَّحِيح

وَالتَّحْقِيق أَن هَذِه الرُّتْبَة وَمَا قبلهَا غير جَارِيَة على الْإِطْلَاق بل قد يكون بَعْضهَا كَمَا ذكر وَقد يكون بَعْضهَا بِخِلَافِهِ

وَإِلَى ذَلِك يُشِير كَلَام الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل حَيْثُ قَالَ فَإِن كَانَ مِمَّا خرجه الشَّيْخَانِ فِي كِتَابَيْهِمَا وَهُوَ الدرجَة الأولى من الصِّحَاح بَينته وَإِن كَانَ مِمَّا خرجه أَحدهمَا دون الاخر وَبَعضه دون الدرجَة الأولى فِي الصِّحَّة ذكرته انْتهى

وَيدل لذَلِك أَنهم قد يقدمُونَ بعض مَا رَوَاهُ مُسلم على مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ لمرجح اقْتضى ذَلِك وَمن رجح كتاب البُخَارِيّ على مُسلم إِنَّمَا أَرَادَ تَرْجِيح الْجُمْلَة على

ص: 256

الْجُمْلَة لَا كل وَاحِد وَاحِد من أَحَادِيثه على كل وَاحِد من أَحَادِيث الآخر وَمَعَ ذَلِك فَلَا يَسْتَقِيم من المُصَنّف إِطْلَاق تَرْجِيح مَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ على مُسلم

66 -

(قَوْله) الرَّابِع صَحِيح على شَرطهمَا

هَذَا يتَوَقَّف على معرفَة المُرَاد بشرطهما وَقد اخْتلف فِي ذَلِك قَالَ الْحَافِظ جمال الدّين الْمزي اصْطِلَاح الْمُتَقَدِّمين إِذا قَالُوا على شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم أَن ذَلِك مخرج على نَظِير رجال الصَّحِيحَيْنِ واصطلاح الْمُتَأَخِّرين إِذا كَانَ (أ 35) على رجال الصَّحِيحَيْنِ وَبِهَذَا جزم النَّوَوِيّ وَغَيره فَقَالَ المُرَاد بشرطهما أَن يكون رجال إِسْنَاده فِي كِتَابَيْهِمَا على مَا ذكرنَا

وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الْمدْخل لما كَانَ مُرَاد البُخَارِيّ إِيدَاع الصَّحِيح فِي كِتَابه صَار من يروي عَنهُ رِوَايَة موثوقا بِهِ فَجَائِز لمن حذا حذوه أَن يحْتَج بِهِ بِعَيْنِه وَإِن كَانَ فِي غير ذَلِك الْخَبَر فَإِذا روى مَالك وَاللَّيْث بن سعد وَعقيل وَيُونُس

ص: 257

وَشُعَيْب وَمعمر وَابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ فقد صَار هَؤُلَاءِ بأجمعهم من شَرطه فِي الزُّهْرِيّ حَيْثُ وجدوا إِذا صحت الرِّوَايَة عَنْهُم فَأَيهمْ جِيءَ بَدَلا عَن الاخر كَانَ شَرط البُخَارِيّ فِيهِ مَوْجُودا ورأيته قصد فِي أَكثر حَدِيث ابْن عُيَيْنَة إِلَى الرِّوَايَة عَن الْحميدِي وَعلي بن الْمَدِينِيّ لذكرهما عِنْد الْخَبَر فِي أَكثر مَا روياه عَنهُ ثمَّ قد روى عَن غَيرهمَا مَا لَا يذكر فِيهِ الْخَبَر فَصَارَ ذكر تِلْكَ الرِّوَايَات الَّتِي أَتَى بهَا عَن ابْن عُيَيْنَة من روايتهما مُتَّصِلَة وَإِن لم يذكر وَصلهَا من يرويهِ هَذَا الْإِسْنَاد عَنهُ اسْتِدْلَالا بروايته ذَلِك الْخَبَر مُتَّصِلا

وَأما الْحَاكِم فَقَالَ فِي الإكليل شَرطهمَا أَلا يذكرَا إِلَّا مَا رَوَاهُ صَحَابِيّ مَشْهُور لَهُ راويان ثقتان [فَأكْثر] ثمَّ يرويهِ عَنهُ تَابِعِيّ مَشْهُور بالرواية عَن

ص: 258

الصَّحَابَة لَهُ [أَيْضا] راويان ثقتان فَأكْثر ثمَّ يرويهِ عَنهُ من أَتبَاع الأتباع الْحَافِظ المتقن الْمَشْهُور (على ذَلِك الشَّرْط ثمَّ كَذَلِك) قَالَ وَالْأَحَادِيث المروية بِهَذَا الشَّرْط لَا يبلغ عَددهَا عشرَة آلَاف وَوَافَقَهُ صَاحبه الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ فِي السّنَن فِي عُقُوبَة كاتم مَاله عَن الزَّكَاة لم يخرج الشَّيْخَانِ بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده جَريا على عَادَتهمَا فِي أَن الصَّحَابِيّ اَوْ التَّابِعِيّ إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا راو وَاحِد لم يخرجَا حَدِيثه فِي الصَّحِيح وَمُعَاوِيَة بن حيدة الْقشيرِي لم يثبت عَنْهُمَا رِوَايَة ثِقَة عَنهُ غير ابْنه فَلم يخرجَا حَدِيثه فِي الصَّحِيح انْتهى

ص: 259

وَقَالَ فِي رسَالَته للجويني رَأَيْت الشَّيْخ حكى عَن بعض أَصْحَاب الحَدِيث أَنه اشْترط فِي قبُول الْأَخْبَار رِوَايَة عَدْلَيْنِ حَتَّى يصل بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالَّذِي عندنَا من مَذْهَب الْإِمَامَيْنِ البُخَارِيّ وَمُسلم أَنَّهُمَا إِنَّمَا يشترطان أَن يكون للصحابي الَّذِي روى الحَدِيث راويان فَأكْثر ليخرج بذلك عَن حد الْجَهَالَة وَهَكَذَا من دونه إِن انْفَرد أحد الراويين عَنهُ بِحَدِيث وَانْفَرَدَ الآخر بِحَدِيث آخر قبلاه وَإِنَّمَا يتوقفان فِي رِوَايَة صَحَابِيّ أَو تَابِعِيّ لَا يكون لَهُ إِلَّا راو وَاحِد كصفوان بن عَسَّال لم يرو عَنهُ ثِقَة إِلَّا زر بن حُبَيْش وَعُرْوَة بن مُضرس لم يرو عَنهُ غير الشّعبِيّ

ص: 260

وعَلى هَذَا انْتهى

قد رد على الْحَاكِم الْأَئِمَّة فِي ذَلِك قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي فِي الْإِلْمَام هَذِه الدَّعْوَى لم تثبت وَقد أبطل ذَلِك الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْمصْرِيّ فِي الْكتاب الَّذِي بَين فِيهِ أَوْهَام الْمدْخل للْحَاكِم

قلت وَكَذَلِكَ رد على الْحَاكِم الْحَازِمِي وَابْن طَاهِر وَابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ هَذَا غير صَحِيح وَلم يصب الْحَاكِم فِي هَذَا الظَّن

ص: 261

وَقَالَ الْحَازِمِي هَذَا قَول من لم يمعن الغوص فِي خبايا الصَّحِيح وَلَو عكس الْقَضِيَّة كَانَ أسلم قَالَ وَقد صرح بِنَحْوِ مَا قلت من هُوَ أمكن مِنْهُ فِي الحَدِيث هُوَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فَإِنَّهُ قَالَ وَأما الْأَخْبَار فَإِنَّهَا كلهَا أَخْبَار آحَاد لِأَنَّهُ لَيْسَ يُوجد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خبر من رِوَايَة عَدْلَيْنِ روى كل وَاحِد مِنْهُمَا [عَن] عَدْلَيْنِ حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى رول الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا اسْتَحَالَ هَذَا وَبَطل ثَبت أَن الْأَخْبَار كلهَا أَخْبَار آحَاد فَمن رد خبر الْوَاحِد فقد رد السّنة كلهَا

قَالَ الْحَازِمِي (أ 36) وَمن سبر مطالع الْأَخْبَار عرف صَوَاب مَا ذكره ابْن حبَان

وَأما قَوْله إِن الْمَوْجُود على هَذَا الشَّرْط قريب من عشرَة آلَاف فَهَذَا ظن مِنْهُ بِأَنَّهُمَا لم يخرجَا إِلَّا على مَا رسم بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن أقْصَى مَا يُمكن اعْتِبَاره فِي الصِّحَّة هُوَ شَرط البُخَارِيّ وَلَا يُوجد فِي كِتَابه من النَّحْو الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ إِلَّا الْقدر الْيَسِير

وَأما قَوْله إِن شَرطهمَا إِخْرَاج الحَدِيث عَن عَدْلَيْنِ وهلم جرا فَلَيْسَ كَذَلِك فَفِي الْكِتَابَيْنِ أَحَادِيث عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة لَيْسَ لَهُم غير راو وَاحِد كمرداس بن مَالك الْأَسْلَمِيّ فِي حَدِيث يذهب الصالحون الأول فَالْأول وَلَيْسَ

ص: 262

لمرداس فِي كتاب البُخَارِيّ غَيره قلت وَوهم الْحَاكِم فِي قَوْله إِن مرداسا لم يخرج لَهُ الشَّيْخَانِ شَيْئا

وَمِنْهُم حزن بن أبي وهب المَخْزُومِي خرج لَهُ البُخَارِيّ حديثين وَقد انْفَرد بهما عَنهُ [ابْنه] الْمسيب وَعَن الْمسيب ابْنه سعيد

[وَمِنْهُم رَافع بن عَمْرو الْغِفَارِيّ فِي مُسلم وَلم يرو عَنهُ غير عبد الله بن الصَّامِت

وَحَدِيث أبي رِفَاعَة الْعَدوي لم يرو عَنهُ غير حميد بن هِلَال وَحَدِيث الْأَغَر الْمُزنِيّ وَلم يرو عَنهُ غير أبي بردة] قَالَ وَمن مفاريد الْكِتَابَيْنِ حَدِيث

ص: 263

إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فَرد من غرائب الصَّحِيح إِذْ لم يروه عَن عمر سوى عَلْقَمَة انْتهى مُلَخصا

قَالَ مُحَمَّد بن طَاهِر فِي كتاب اليواقيت هَذَا الشَّرْط لم يشترطاه (د 25) وَلَا نقل عَن وَاحِد مِنْهُمَا أَنه قَالَه وَالْحَاكِم ظن ذَلِك ولعمري إِنَّه شَرط حسن لَو كَانَ مَوْجُودا فِي كِتَابَيْهِمَا لكنه منتقض بِأَحَادِيث روياها عَن أَقوام لَيْسَ لَهُم غير راو وَاحِد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم فَبَطل هَذَا الأَصْل

وَقد صرح الإِمَام المتقن أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مَنْدَه بِأَن شَرطهمَا خلاف مَا قَالَه الْحَاكِم فَقَالَ وَمن حكم الصَّحَابِيّ إِذا روى عَنهُ تَابِعِيّ وَإِن كَانَ مَشْهُورا مثل الشّعبِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب ينْسب إِلَى الْجَهَالَة فَإِذا روى عَنهُ رجلَانِ صَار مَشْهُورا وَاحْتج بِهِ وعَلى هَذَا بنى البُخَارِيّ وَمُسلم كِتَابَيْهِمَا الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا أحرفا تبين أمرهَا [انْتهى]

ص: 264

واعتنى ابْن الْأَثِير بالحاكم فَقَالَ مَا حكم على الْكِتَابَيْنِ بِهَذَا الحكم إِلَّا بعد الاختبار وَغَايَة مَا قيل عَلَيْهِ إِن فِي الْكِتَابَيْنِ أَحَادِيث على غير هَذَا الشَّرْط وَهَذَا ناف وَالْحَاكِم مُثبت على أَنه يُمكن تَأْوِيله بِوَجْهَيْنِ

أَحدهمَا أَن يكون الحَدِيث قد رَوَاهُ عَن الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور بالرواية راويان وَرَوَاهُ عَن ذَيْنك الراويين أَرْبَعَة عَن كل راو راويان [وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَن كل وَاحِد من الْأَرْبَعَة راويان] وَكَذَلِكَ إِلَى البُخَارِيّ وَمُسلم

الثَّانِي أَن يكون للصحابي راويان يروي الحَدِيث عَنهُ أَحدهمَا ثمَّ يكون لهَذَا الرَّاوِي راويان ويروي الحَدِيث عَنهُ أَحدهمَا وَكَذَلِكَ لكل وَاحِد مِمَّن روى ذَلِك الحَدِيث [راويان] وَيكون الْغَرَض من هَذَا الشَّرْط تَزْكِيَة الروَاة واشتهار ذَلِك الحَدِيث لصدوره عَن (قوم مشهورين بالرواية) انْتهى

وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين مُرَاد الْحَاكِم بقوله وَله راويان ثقتان أَي للراوي

ص: 265

راويان لَا للْحَدِيث الْمَذْكُور لأَنا وجدنَا أَحَادِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يَرْوِيهَا إِلَّا راو وَاحِد فِي مَرَّات مُتعَدِّدَة كَحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فَإِن كَانَ أَرَادَ أَن كل حَدِيث يرويهِ الرَّاوِي يكون لَهُ راويان فالاعتراض عَلَيْهِ مُتَوَجّه وَإِن كَانَ أَرَادَ أَن رَاوِي كل حَدِيث مَشْرُوط بِأَن يكون لَهُ راويان سَوَاء كَانَ فِي هَذَا الحَدِيث أَو غَيره فالاعتراض غير وَارِد

وَأغْرب مِمَّا قَالَه الْحَاكِم قَول أبي حَفْص الميانشي إِن شَرطهمَا فِي صَحِيحَيْهِمَا أَلا يدخلا فِيهِ إِلَّا مَا صَحَّ عِنْدهمَا وَذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اثْنَان فَصَاعِدا وَمَا نَقله عَن كل وَاحِد من الصَّحَابَة (أ 37) أَرْبَعَة من التَّابِعين فَأكْثر

وَقَالَ ابْن طَاهِر إِن الْأَئِمَّة الْخَمْسَة البُخَارِيّ وَمُسلمًا وَأَبا دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ لم ينْقل عَن وَاحِد مِنْهُم أَنه قَالَ شرطت فِي كتابي أَن أخرج على كَذَا لَكِن لما سبرت كتبهمْ علم بذلك كل وَاحِد مِنْهُم فَشرط البُخَارِيّ وَمُسلم أَن يخرجَا الحَدِيث الْمجمع على ثِقَة نقلته إِلَى الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور فَأن كَانَ للصحابي راويان فَصَاعِدا فَحسن وَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا راو وَاحِد وَصَحَّ ذَلِك الطَّرِيق إِلَى ذَلِك الرَّاوِي أَخْرجَاهُ إِلَّا أَن مُسلما أخرج حَدِيث قوم وَترك البُخَارِيّ حَدِيثهمْ لشُبْهَة وَقعت فِي نَفسه كحماد بن سَلمَة وَسُهيْل بن أبي صَالح وَدَاوُد بن

ص: 266

أبي هِنْد وَأبي الزبير والْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن وَغَيرهم

وَالْبُخَارِيّ لما تكلم فِي هَؤُلَاءِ بِمَا لَا يزِيل الْعَدَالَة والثقة ترك إِخْرَاج حَدِيثهمْ اسْتغْنَاء بغيرهم فتكلموا فِي سُهَيْل من سَمَاعه من أَبِيه فَقيل صحيفَة وَتَكَلَّمُوا فِي حَمَّاد بِأَنَّهُ أَدخل فِي حَدِيثه مَا لَيْسَ مِنْهُ

وَعند مُسلم مَا صَحَّ هَذَا النّظر فَأخْرج أَحَادِيثهم لإِزَالَة الشُّبْهَة عِنْده انْتهى

وَقَالَ الْحَازِمِي مَذْهَب من يخرج الصَّحِيح أَن يعْتَبر حَال الرَّاوِي الْعدْل فِي مشايخه وفيمن روى عَنْهُم وهم ثِقَات أَيْضا وَحَدِيثه عَن بَعضهم صَحِيح ثَابت يلْزمهُم أخراجه وَعَن بَعضهم مَدْخُول لَا يصلح إِخْرَاجه إِلَّا فِي الشواهد والمتابعات وَهَذَا بَاب فِيهِ غموض وَطَرِيقه معرفَة طَبَقَات الروَاة عَن رَاوِي

ص: 267

الأَصْل ومراتب مداركهم ولنوضح ذَلِك بمثال وَهُوَ أَن تعلم مثلا أَن أَصْحَاب الزُّهْرِيّ على خمس طَبَقَات مُتَفَاوِتَة فَالْأولى فِي غَايَة الصِّحَّة نَحْو مَالك وَابْن عُيَيْنَة وَعبيد الله بن عمر وَيُونُس وَعقيل وَنَحْوهم وَهِي مقصد البُخَارِيّ

الثَّانِيَة شاركت الأولى فِي الْعَدَالَة غير أَن الأولى جمعت بَين الْحِفْظ والإتقان وَبَين طول الْمُلَازمَة لِلزهْرِيِّ حَتَّى كَانَ مِنْهُم من يزامله فِي السّفر ويلازمه فِي الْحَضَر وَالثَّانيَِة لم تلْزم الزُّهْرِيّ إِلَّا مُدَّة يسيرَة وَلم تمارس حَدِيثه وَكَانُوا فِي الإتقان دون الطَّبَقَة الأولى [وهم] شَرط مُسلم نَحْو الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد والنعمان بن رَاشد وَعبد الرَّحْمَن بن مُسَافر وَنَحْوهم

وَالثَّالِثَة جمَاعَة لزموا الزُّهْرِيّ كالطبقة الأولى غير أَنهم لم يسلمُوا من غوائل الْجرْح فهم بَين الرَّد وَالْقَبُول وَهُوَ شَرط أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ نَحْو سُفْيَان بن حُسَيْن وجعفر بن برْقَان وَعبد الله بن عمر الْعمريّ وَزَمعَة بن صَالح

ص: 268

الْمَكِّيّ وَغَيرهم

وَالرَّابِع قوم شاركوا أهل الثَّالِثَة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل وتفردوا بقلة ممارستهم لحَدِيث الزُّهْرِيّ لأَنهم لم يصاحبوا الزُّهْرِيّ كثيرا وهم شَرط التِّرْمِذِيّ وَقَالَ وَفِي الْحَقِيقَة شَرط التِّرْمِذِيّ أبلغ من شَرط أبي دَاوُد لِأَن الحَدِيث إِذا كَانَ ضَعِيفا أَو مطلعه فِي حَدِيث أهل الطَّبَقَة الرَّابِعَة فَإِنَّهُ يبين ضعفه وينبه عَلَيْهِ فَيصير الحَدِيث عِنْده من بَاب الشواهد والمتابعات وَيكون اعْتِمَاده على مَا صَحَّ عِنْد الْجَمَاعَة وَمن هَذِه الطَّبَقَة إِسْحَاق بن يحيى الْكَلْبِيّ وَمُعَاوِيَة بن يحيى الصَّدَفِي وَإِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة الْمدنِي وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد الْمَكِّيّ والمثنى بن الصَّباح

ص: 269

وَنَحْوهم

الْخَامِسَة قوم من الضُّعَفَاء والمجهولين لَا يجوز لمن يخرج الحَدِيث على الْأَبْوَاب أَن يخرج لَهُم إِلَّا على سَبِيل الِاعْتِبَار والاستشهاد عِنْد أبي دَاوُد فَمن دونه فَأَما عِنْد الشَّيْخَيْنِ فَلَا كبحر بن كنيز السقاء وَالْحكم بن عبد الله الْأَيْلِي وَعبد القدوس بن حبيب وَمُحَمّد بن سعيد المصلوب وَغَيرهم

وَقد يخرج البُخَارِيّ أَحْيَانًا عَن أَعْيَان الطَّبَقَة الثَّانِيَة وَمُسلم عَن أَعْلَام الطَّبَقَة

ص: 270

الثَّالِثَة وَأَبُو دَاوُد عَن مشاهير الرَّابِعَة وَذَلِكَ لأسباب تَقْتَضِيه وَبِهَذَا (أ 38) يعْتَذر لمُسلم فِي إِخْرَاج حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة فَإِنَّهُ لم يخرج رواياته إِلَّا عَن الْمَشْهُورين كثابت الْبنانِيّ وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَذَلِكَ لِكَثْرَة ملازمته ثَابتا وَطول صحبته إِيَّاه بِخِلَاف أَحَادِيث حَمَّاد عَن آحَاد الْبَصرِيين فَإِن مُسلما لم يُخرجهَا لِكَثْرَة غرائبها ولقلة ممارسته لحديثهم وعَلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يسبر حَال الشَّخْص فِي الرِّوَايَة بعد ثُبُوت عَدَالَته فمهما حصل الْفَهم بِحَالَة (د 26) الرَّاوِي على النَّحْو الْمَذْكُور وَكَانَ الرَّاوِي محتويا على الشَّرَائِط الْمَذْكُورَة تعين إِخْرَاج حَدِيثه مُنْفَردا بِهِ كَانَ أَو مشاركا وَلَا يُقَال يلْزم البُخَارِيّ ان يخرج عَن أَعْلَام الطَّبَقَة الثَّانِيَة لوُجُود الصِّحَّة لأَنا نقُول هُوَ لم يلْتَزم إِخْرَاج كل صَحِيح كَمَا مر بَيَانه

وَأعلم أَن مُسلما ذكر فِي أول صَحِيحه أَنه يقسم الحَدِيث ثَلَاثَة أَقسَام وَاخْتلف الْحفاظ هَل ذكرهَا أَو ذكر الأول فَقَط واخترمته الْمنية قبل الثَّانِي فَقَالَ القَاضِي عِيَاض بِالْأولِ

ص: 271

وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ بِالثَّانِي

ص: 272

67 -

(قَوْله) السَّابِع صَحِيح عِنْد غَيرهمَا وَلَيْسَ على شَرط أَحدهمَا

جعل غَيره السَّابِع مَا حكم بِصِحَّتِهِ أهل السّنَن الْأَرْبَعَة وَمن المهم معرفَة شرطهم وَقد سبق من كَلَام الْحَازِمِي شَيْء مِنْهُ وَقَالَ ابْن طَاهِر أما أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فَإِن كتابهما يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام

الأول الْمخْرج فِي الصَّحِيحَيْنِ وَحكمه مَا ذكرنَا

وَالثَّانِي الصَّحِيح على شَرطهمَا قَالَ ابْن مَنْدَه شَرطهمَا إِخْرَاج أَحَادِيث أَقوام لم يجمع على تَركهم إِذا صَحَّ الحَدِيث باتصال الْإِسْنَاد من غير قطع وَلَا إرْسَال فَيكون هَذَا الْقسم من الصَّحِيح لما بَينا أَن الشَّيْخَيْنِ تركا كثيرا من

ص: 273

الصَّحِيح الَّذِي حفظاه

الثَّالِث أَحَادِيث أَخْرَجَاهَا من غير قطع مِنْهُمَا بِصِحَّتِهَا وَقد أَبَانَا بِمَا يفهمهُ أهل الْمعرفَة فأورداها وَبينا سقمها لتزول الشُّبْهَة

وَقَالَ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ فِي كِتَابه الممهد وَإِذا الْتفت إِلَى (غير مَا يُخرجهُ) أهل الصَّحِيح فَمَا خرجه النَّسَائِيّ أقرب بِالصَّحِيحِ مِمَّا خرجه غَيره بل من النَّاس من يعده من أهل الصَّحِيح لِأَنَّهُ يبين علل الْأَسَانِيد فَإِنَّهُ أدخلها فِي كِتَابه وَقد حَدثنَا عَنهُ أَنه قَالَ لم أخرج فِي كتاب السّنَن

ص: 274

[عَن] من يتَّفق على تَركه فَإِن خرج مِنْهُم وَاحِد بَينته وَهَذِه رُتْبَة فِي الْعلم شريفة

قَالَ ابْن طَاهِر وَأما التِّرْمِذِيّ فقسم كِتَابه على أَرْبَعَة أَقسَام صَحِيح مَقْطُوع بِهِ وَهُوَ مَا أوردهُ البُخَارِيّ وَمُسلم (وَقسم على شَرط أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ كَمَا بَينا فِي الْقسم الثَّانِي لَهما)

وَقسم آخر كالثالث لَهما أخرجه وَأَبَان عَنهُ ورابع أبان [هُوَ][عَنهُ] وَقَالَ مَا أخرجت فِي كتابي إِلَّا حَدِيثا قد عمل بِهِ بعض الْفُقَهَاء [مَا خلا حديثين] فعلى الأَصْل كل حَدِيث احْتج بِهِ مُحْتَج أَو عمل بِهِ عَامل أخرجه سَوَاء صَحَّ طَرِيقه أم لم يَصح وَقد أزاح عَن نَفسه بِأَنَّهُ تكلم على كل حَدِيث بِمَا فِيهِ وَكَانَ من طَرِيقه أَن يترجم الْبَاب الَّذِي فِيهِ حَدِيث مَشْهُور عَن صَحَابِيّ [فِي حكم] قد صَحَّ الطَّرِيق إِلَيْهِ وَأخرج حَدِيثه فِي الْكتب الصِّحَاح ويورد فِي

ص: 275

الْبَاب ذَلِك الحكم عَن صَحَابِيّ آخر لم يخرجوه من حَدِيثه [وَلَا يكون الطَّرِيق إِلَيْهِ] كالطريق إِلَى الأول إِلَّا أَن الحكم صَحِيح ثمَّ يتبعهُ بِأَن يَقُول وَفِي الْبَاب عَن فلَان ويعد جمَاعَة فيهم الصَّحَابِيّ فالأكثر [الَّذِي أخرج ذَلِك الحكم من حَدِيثه] وَمَا سلك هَذِه الطَّرِيقَة إِلَّا فِي أَبْوَاب مَعْدُودَة

68 -

(قَوْله) إِن أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ مَقْطُوع بِصِحَّتِهَا لتلقي الْأمة لَهَا بِالْقبُولِ وَالْإِجْمَاع حجَّة قَطْعِيَّة انْتهى

وَقَالَ فِي جُزْء لَهُ مَا اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على إِخْرَاجه فَهُوَ مَقْطُوع بِصدق مخبره ثَابت يَقِينا لتلقي الْأمة ذَلِك بِالْقبُولِ وَذَلِكَ يُفِيد الْعلم النظري [وَهُوَ فِي إِفَادَة الْعلم كالمتواتر إِلَّا أَن الْمُتَوَاتر يُفِيد الْعلم الضَّرُورِيّ وتلقي الْأمة بِالْقبُولِ يُفِيد الْعلم النظري] وَقد اتّفقت الْأمة على أَن مَا اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على صِحَّته

ص: 276

(أ / 39) فَهُوَ حق وَصدق انْتهى

فِيهِ أُمُور

أَحدهَا أَن هَذَا الَّذِي قَالَه المُصَنّف قد أنكرهُ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيّ وَأَبُو مُحَمَّد بن عبد السَّلَام فَقَالَ النَّوَوِيّ خَالف الشَّيْخ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ وَقَالُوا يُفِيد الظَّن مَا لم يتواتر لِأَن أَخْبَار الْآحَاد لَا تفِيد إِلَّا الظَّن وَلَا يلْزم من إِجْمَاع الْأمة على الْعَمَل بِمَا فيهمَا إِجْمَاعهم على أَنه مَقْطُوع بِهِ من كَلَام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

وَقَالَ الشَّيْخ عز الدّين هُوَ مَبْنِيّ على قَول الْمُعْتَزلَة إِن الْأمة إِذا عملت

ص: 277

بِحَدِيث اقْتضى ذَلِك الْقطع بِصِحَّتِهِ قَالَ وَهُوَ مَذْهَب رَدِيء

وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين قد تكلم جمَاعَة من الْحفاظ على بعض أحاديثهما فَأَيْنَ التلقي بِالْقبُولِ وَفِيهِمَا المتعارض والقطعي لَا تعَارض فِيهِ

وَنقل عَن ابْن برهَان الأصولي أَنه أنكر القَوْل بِأَن عمل الْأمة بِحَدِيث يَقْتَضِي الْقطع بِهِ وَأَيْضًا فَإنَّا نقطع بِالْفرقِ بَين حَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَهُوَ من أشهر الْمُتَّفق عَلَيْهِ وَبَين غزَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَدْرًا وأحدا وحنينا والعمليات لَا تَتَفَاوَت حَتَّى يظْهر الْفرق بَين بعض أَخْبَارهَا وَبَعض وَإِذا كَانَت خطْبَة حجَّة الْوَدَاع لم يحصل الْعلم بوقوعها بل هِيَ فِي عداد الْآحَاد مَعَ وُقُوعهَا فِي الْعَالم المجتمعين فِي الْحَج فَمَا الظَّن بِبَقِيَّة الْأَخْبَار الَّتِي لم يسْمعهَا إِلَّا وَاحِد أَو اثْنَان قَالَ وَالْحق أَن أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ تفِيد الظَّن الْقوي واحتجاجه على ذَلِك بتلقي الْأمة بِالْقبُولِ وَالْعَمَل بِهِ عِنْد عدم الْمعَارض يَقْتَضِي الْقطع فَهَذِهِ الْحجَّة لَا تخْتَص بالصحيحين وَقد تلقت الْأمة الْكتب الْخَمْسَة أَو السِّتَّة بِالْقبُولِ وَسَيَأْتِي نقل الْإِجْمَاع فِي ذَلِك

ص: 278

وَأَيْضًا فَقَوله إِن الْأمة تلقت الْكِتَابَيْنِ بِالْقبُولِ إِن أَرَادَ كل الْأمة فَلَا يخفى فَسَاده لِأَن الْكِتَابَيْنِ إِنَّمَا صنفا فِي الْمِائَة الثَّالِثَة بعد عصر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم وأئمة الْمذَاهب المتبعة ورؤوس حفاظ الْأَخْبَار ونقاد الْآثَار وَإِن أَرَادَ بالأمة الَّذين وجدوا بعد الْكِتَابَيْنِ فهم بعض الْأمة لَا كلهم فَلَا يَسْتَقِيم دَلِيله الَّذِي قدره من تلقي الْأمة وَثُبُوت الْعِصْمَة لَهُم والظاهرية إِنَّمَا يعتدون بِإِجْمَاع الصَّحَابَة خَاصَّة وَأَيْضًا فَإِن أَرَادَ أَن كل حَدِيث مِنْهَا تلقوهُ بِالْقبُولِ فَهُوَ غير مُسْتَقِيم فقد تكلم جمَاعَة من الْحفاظ فِي أَحَادِيث مِنْهَا كالدارقطني بل أدعى ابْن حزم أَن فيهمَا حديثين مَوْضُوعَيْنِ وَلَكِن الْحفاظ انتقدوه عَلَيْهِ وَقد اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على إِخْرَاج حَدِيث مُحَمَّد بن بشار بنْدَار وأكثرا من الِاحْتِجَاج بِهِ وَتكلم فِيهِ غير وَاحِد من الْحفاظ وَغير ذَلِك من رجالهما الَّذين تكلم فيهم فَتلك الْأَحَادِيث عِنْد هَؤُلَاءِ لَا يتلقونها بِالْقبُولِ وَإِن أَرَادَ أَن غَالب مَا فيهمَا سَالم من ذَلِك لم تبْق لَهُ حجَّة فَإِنَّهُ إِنَّمَا احْتج بتلقي الْأمة وَهِي معصومة على مَا قَرَّرَهُ وَأَيْضًا فقد حكى فِيمَا سبق عَن أبي عَليّ الْحَافِظ أَن كتاب مُسلم أصح ورد عَلَيْهِ فِيهِ القَوْل فقد أجْرى فيهمَا التَّرْجِيح وَالتَّرْجِيح لَا يكون مَعَ الْقطع بِصِحَّة

ص: 279

الْإِجْمَاع على أَنه صلى الله عليه وسلم (د 27) قَالَه وَأَيْضًا فينقض بِفعل الْعلمَاء فِي سالف الْأَعْصَار من تعرضهم لأحاديث الصَّحِيحَيْنِ وترجيح بَعْضهَا على بعض بِاعْتِبَار من سلم من الْكَلَام على من لم يسلم مِنْهُ وَغير ذَلِك من وُجُوه الترجيحات فَلَو كَانَ الْجَمِيع مَقْطُوعًا بِهِ لَا نسد بَاب التَّرْجِيح فَهَذَا تعَارض الْإِجْمَاع الَّذِي قَالَه ابْن الصّلاح سلمنَا دَعْوَى الْإِجْمَاع لَكِن يمْتَنع تنَاوله مَحل النزاع لِأَن ابْن الصّلاح بنى صِحَّته على أَن الْأمة إِذا ظنت شَيْئا لزم أَن يكون فِي نفس الْأَمر (أ / 40) فَيكون عِنْده الظَّن الْمجمع عَلَيْهِ فَيصير الْإِجْمَاع مَعْلُوما وَإِلَّا لم يتم لَهُ مقْصده وَنحن نمْنَع ذَلِك ونقول إِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا إِذا اجْتمعت على شَيْء أَنه مظنون وظنها مَعْصُوم لِئَلَّا يلْزم خطؤها فِي ظَنّهَا وَحِينَئِذٍ لَا يلْزم مَا قَالَه

هَذَا حَاصِل مَا ردوا بِهِ

وَاعْلَم أَن هَذَا الَّذِي قَالَه ابْن الصّلاح هُوَ قَول جَمَاهِير الْأُصُولِيِّينَ من أَصْحَابنَا وَغَيرهم قد جزم بِهِ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني فَقَالَ فِي كِتَابه أصُول الْفِقْه الْأَخْبَار الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ مَقْطُوع بِصِحَّة أُصُولهَا ومتونها وَلَا يحصل الْخلاف فِيهَا بِحَال وَإِن حصل فِي ذَلِك اخْتِلَاف فِي طرقها أَو رواتها فَمن خَالف حكمه خَبرا مِنْهَا وَلَيْسَ لَهُ تَأْوِيل سَائِغ للْخَبَر نقضنا حكمه لِأَن هَذِه الْأَخْبَار تلقتها الْأمة بِالْقبُولِ هَذَا لَفظه

ص: 280

وَجزم بِهِ أَيْضا القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ فِي شرح الْكِفَايَة وَالشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي اللمع وسليم الرَّازِيّ فِي التَّقْرِيب وَحَكَاهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن الْأُسْتَاذ أبي بكر بن فورك فَقَالَ الْخَبَر الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ يقطع بصدقه وَأَنه أَشَارَ فِي مَوضِع آخر إِلَى تلقيهم قولا لَا عملا لأَنهم متعبدون بِالْعَمَلِ بِخَبَر الْوَاحِد وَأَن القَاضِي أَبَا بكر

ص: 281

لم يسلم الْقطع وَلَو تلقوهُ بِالْقبُولِ وَنَقله الْغَزالِيّ فِي عَن الْأُصُولِيِّينَ ثمَّ خالفهم وَنَقله الكيا الطَّبَرِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى بتلويح مدارك الْأَحْكَام عَن الْأَكْثَرين قَالَ لِأَن الْأمة لَا يجوز أَن تنطق عَن التَّصْدِيق بِالْكَذِبِ لِأَن فِي ذَلِك إِجْمَاعًا على الْبَاطِل وَهُوَ منفي عَنْهَا قَالَ وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر هَذَا لَا يتَصَوَّر عِنْدِي فَإِن الْخَبَر الْوَاحِد إِذا لم يُوجب الْعلم فَلَا يتَصَوَّر اتِّفَاق الْأمة على انْقِطَاع الِاحْتِمَال حَيْثُ لَا يَنْقَطِع وَالْإِجْمَاع إِنَّمَا يتَصَوَّر فِيمَا يجوزه الْعقل وَهَذَا لَا يجوزه الْعقل قَالَ وَالْحق مَا قَالَه القَاضِي وَمن خَالفه فِي ذَلِك لم يحصل على علم مَا قَالَه

وَقَالَ أَبُو المظفر بن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع خبر الْوَاحِد قد يُوجب الْعلم فِي مَوَاضِع مِنْهَا أَن يتلقاه الْعلمَاء بِالْقبُولِ وَالْعَمَل بِهِ لأَجله فَيقطع بصدقه قَالَ وَسَوَاء فِي ذَلِك عمل الْكل أَو الْبَعْض كَخَبَر حمل بن مَالك فِي الْجَنِين وَخبر ابْن

ص: 282

عَوْف فِي الْجِزْيَة من الْمَجُوس وَخبر أبي هُرَيْرَة فِي تَحْرِيم نِكَاح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وخالتها ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك ذهب أَكثر أَصْحَاب الحَدِيث إِلَى أَن الْأَخْبَار الَّتِي حكم أهل الصَّنْعَة بِصِحَّتِهَا وَرَوَاهَا الثِّقَات الْأَثْبَات مُوجبَة للْعلم

ص: 283

وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب فِي الملخص إِذا تلقت الْأمة الْخَبَر بِالْقبُولِ وصدقت بِهِ فَهُوَ دَلِيل على صِحَّته لقِيَام الدَّلِيل فِي انْتِفَاء الْخَطَأ من إجماعها وَلم يحك فِي ذَلِك خلافًا

وَقَالَ صَاحب الْوَاضِح من الْمُعْتَزلَة ذهب الشَّيْخ أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ إِلَى أَن الصَّحَابَة إِذا اتّفقت على الْعَمَل بِمُجَرَّد خبر دلّ على أَن الْخَبَر كَانَ متواترا فِي الأَصْل مَعْلُوما وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هَذِه الْعَادة غير مَعْلُومَة فقد قبلوا أَخْبَار الاحاد أَيْضا انْتهى

ص: 284

وَنَقله بَعضهم عَن السَّرخسِيّ من الْحَنَفِيَّة وَجَمَاعَة من الْحَنَابِلَة كَأبي يعلى وَأبي الْخطاب وَابْن حَامِد وَابْن الزَّاغُونِيّ وَأكْثر أهل الْكَلَام من

ص: 285

الأشعرية وَغَيرهم وَأهل الحَدِيث قاطبة وَمذهب السّلف عَامَّة وَقد تبين مُوَافقَة ابْن الصّلاح لِلْجُمْهُورِ وَهُوَ لَازم للمتأخرين فَإِنَّهُم صححوا أَن خبر الْوَاحِد إِذا احتفت بِهِ الْقَرَائِن أَفَادَ الْقطع وَاخْتَارَهُ الإِمَام وَالْغَزالِيّ والآمدي وَابْن الْحَاجِب (أ / 41) وَغَيرهم

[و] الثَّانِي مَا جزم بِهِ من كَون الْإِجْمَاع حجَّة قَطْعِيَّة قد اعْترض عَلَيْهِ فِيهِ بِأَنَّهُ إِن وصل إِلَيْنَا بالآحاد فَهُوَ ظَنِّي أَو بالتواتر - وَهُوَ قَلِيل - فظني عِنْد الإِمَام والآمدي

قلت صرح ابْن برهَان وَغَيره من أَئِمَّتنَا بِأَن الْإِجْمَاع قَطْعِيّ وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَلِهَذَا لم يقبل فِيهِ خبر الْوَاحِد وَالظَّاهِر الثَّالِث

ص: 286

69 -

(قَوْله) سوى أحرف يسيرَة

قد صرح بِالِاسْتِثْنَاءِ أَيْضا فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ على مُسلم فَقَالَ وَهَذَا مُسْتَثْنى مِمَّا ذَكرْنَاهُ بعد الْإِجْمَاع على تلقيه بِالْقبُولِ

وَقَالَ النَّوَوِيّ قد أجَاب عَن تِلْكَ الأحرف آخَرُونَ

قلت وَأكْثر اسْتِدْرَاك الدَّارَقُطْنِيّ [يرجع إِلَى المسانيد من غير تَرْجِيح الْمُتُون وَقد أجَاب عَن بعضه أَبُو مَسْعُود إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبيد الدِّمَشْقِي

قَالَ الدراقطني] اجْتمعت بِأبي مَسْعُود فتذاكرنا مَعَه الصَّحِيحَيْنِ ومشينا مَعَه ثمَّ فتحنا عَلَيْهِ جَوَاب غرائب فَلم يُوجد

ص: 287

قَالَ ابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي سَمِعت أَبَا عبد الله الْحميدِي بِبَغْدَاد يَقُول قَالَ لنا أَبُو مُحَمَّد بن حزم وَمَا وجدنَا للْبُخَارِيّ وَمُسلم فِي كِتَابَيْهِمَا شَيْئا لَا يحْتَمل مخرجا إِلَّا حديثين لكل وَاحِد مِنْهُمَا حَدِيث تمّ عَلَيْهِ فِي تَخْرِيجه الْوَهم مَعَ اتصافهما وحفظهما وَصِحَّة معرفتهما قلت وَقد رَأَيْت ذكرهمَا هُنَا لتتم الْفَائِدَة

الأول خرجه مُسلم عَن عَبَّاس بن عبد الْعَظِيم وَأحمد بن جَعْفَر المعقري عَن النَّضر بن مُحَمَّد اليمامي عَن عِكْرِمَة هُوَ ابْن عمار عَن أبي

ص: 288

زميل سماك الْحَنَفِيّ عَن ابْن عَبَّاس هُوَ عبد الله بن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْمُسلمُونَ لَا ينظرُونَ إِلَى أبي سُفْيَان وَلَا يُقَاعِدُونَهُ فَقَالَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم يَا نَبِي الله ثَلَاث أعطنيهن قَالَ نعم قَالَ عِنْدِي أحسن الْعَرَب وأجمله أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان أزَوّجكَهَا قَالَ نعم قَالَ [و] مُعَاوِيَة تَجْعَلهُ كَاتبا قَالَ نعم قَالَ وَتُؤَمِّرنِي حَتَّى أقَاتل الْكفَّار كَمَا كنت أقَاتل الْمُسلمين قَالَ نعم قَالَ أَبُو زميل وَلَوْلَا أَنه طلب ذَلِك من النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا أعطَاهُ ذَلِك لِأَنَّهُ لم يسْأَل شَيْئا إِلَّا قَالَ نعم

قَالَ ابْن حزم هَذَا حَدِيث مَوْضُوع وَلَا شكّ فِي وَضعه والآفة فِيهِ من عِكْرِمَة ابْن عمار وَلَا يخْتَلف اثْنَان من أهل الْمعرفَة بالأخبار أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يتَزَوَّج أم حَبِيبَة إِلَّا قبل الْفَتْح بدهر وَهِي بِأَرْض الْحَبَشَة وأبوها أَبُو سُفْيَان يَوْمئِذٍ كَافِر هَذَا مِمَّا لَا شكّ فِيهِ وَإِنَّمَا أسلم يَوْم الْفَتْح

وَأما الَّذِي فِي كتاب البُخَارِيّ وَتَابعه مُسلم عَلَيْهِ (28) فَهُوَ قبل تَمام الْكتاب بأوراق فِي كتاب تَرْجَمَة {وكلم الله مُوسَى تكليما} فساق عَن

ص: 289

شريك بن عبد الله قَالَ سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول لَيْلَة أسرِي بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم من مَسْجِد الْكَعْبَة جَاءَهُ ثَلَاثَة نفر قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ هَكَذَا قَالَ ثمَّ مضى فِي الحَدِيث وَفِيه حَتَّى جَاءَ سِدْرَة الْمُنْتَهى ودنا الْجَبَّار رب الْعِزَّة فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قاب قوسين أَو أدنى فَأوحى إِلَيْهِ مَا يُوحى خمسين صَلَاة قَالَ ابْن حزم فَهَذِهِ أَلْفَاظ مُعْجمَة مُنكرَة أَولهَا قَوْله إِن ذَلِك قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ وَأَنه حِينَئِذٍ فرضت عَلَيْهِم الْخَمْسُونَ صَلَاة وَهَذَا بِلَا خلاف بَين أحد من أهل الْعلم أَنه كَانَ قبل الْهِجْرَة بِسنة وَبعد أَن أُوحِي إِلَيْهِ بِنَحْوِ اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَكَيف يكون قبل الْوَحْي ثمَّ قَالَ أخبرنَا أَبُو الْحسن هبة الله بن عبد الله حميد الْبَصْرِيّ الْبَزَّار - رَحمَه الله تَعَالَى - بِمصْر وَمَا كتبت عَنهُ غير هَذِه الْحِكَايَة [حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن النَّيْسَابُورِي

ص: 290

ثَنَا مُحَمَّد بن أَحْمد القَاضِي] ثَنَا عَليّ بن أَحْمد بن النَّضر قَالَ سَمِعت عَليّ بن الْمَدِينِيّ - وَدخل عَلَيْهِ رجلَانِ عَلَيْهِمَا هَيْئَة من اللبَاس فَقَالَا لَهُ يَا أَبَا الْحسن أما تحجم وَقد هجم هَذَا الشَّهْر الْمُبَارك فَقَالَ لَهما عَليّ بن الْمَدِينِيّ قد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ أفطر الحاجم والمحجوم فَقَالَ لَهُ أَحدهمَا يَا أَبَا الْحسن

ص: 291

إنَّهُمَا كَانَا يغتابان فَقَالَ عَليّ هَذَا رَوَاهُ الحجامون وَقد ثَبت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ أفطر الحاجم والمحجوم (أ / 42) ثمَّ قَالَ لعَلي ثَلَاثَة أَحَادِيث لَا تصح عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَو صدق السَّائِل مَا أَفْلح من رده وأنهما كَانَا يغتابان

ص: 292

وَأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم واجهه تِلْقَاء وَجهه انْتهى كَلَام ابْن حزم

وَمَا ذكره مَرْدُود وَأما الأول فَفِيهِ أَوْهَام أَحدهَا قَوْله الآفة من عِكْرِمَة بعد قَوْله إِنَّه مَوْضُوع وَلم يقل أحد إِن عِكْرِمَة يضع الحَدِيث وَلَا يكذب وَهُوَ وَإِن تكلم فِيهِ فَلم يصل أحد فِيهِ إِلَى هَذَا الْقدح قَالَ قد قَالَ يحيى بن معِين ثِقَة وَكَانَ مجاب الدعْوَة

قلت وَالظَّاهِر أَن الآفة فِيهِ من الرَّاوِي عَن عِكْرِمَة وَهُوَ النَّضر بن عبد الرَّحْمَن فَإِن لَهُ عَن عِكْرِمَة مَنَاكِير كَمَا قَالَه الْحفاظ فَإِن قيل فَإِن مُسلما

ص: 293

لم يُخرجهُ عَنهُ وَإِنَّمَا أخرجه عَن النَّضر بن مُحَمَّد اليمامي قيل وَالظَّاهِر أَن مُسلما وهم فِي ذَلِك بِسَبَب اشْتِرَاك اسمهما فَظن أَن النَّضر هَذَا الرَّاوِي عَن عِكْرِمَة هُوَ ابْن مُحَمَّد الثِّقَة وَلَيْسَ كَذَلِك هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن الضَّعِيف وَهَذَا أسهل من وهمه فِي متن الحَدِيث وإدخاله إِيَّاه فِي صَحِيحه مَعَ أَنه كذب

الثَّانِي نَقله الْإِجْمَاع على أَنه صلى الله عليه وسلم لم يتَزَوَّج أم حَبِيبَة إِلَّا قبل الْفَتْح لَيْسَ بِصَحِيح فقد حكى الْمُنْذِرِيّ عَن بَعضهم أَنه تزَوجهَا بِالْمَدِينَةِ بعد قدومها من الْحَبَشَة غير أَن الْمَشْهُور الأول وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي السّنة الَّتِي تزَوجهَا فِيهَا فَقيل سنة خمس من الْهِجْرَة وَقيل سنة سِتّ وَدخل بهَا فِي سنة سبع

وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي صَدَاقهَا فَقيل أصدقهَا النَّجَاشِيّ أَرْبَعمِائَة دِينَار وَقيل مِائَتي دِينَار وَقيل / أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم

الثَّالِث أَن هَذَا الْإِشْكَال الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ قد أجَاب عَنهُ الْعلمَاء بأجوبة

مِنْهَا أَن أَبَا سُفْيَان لما اسْلَمْ ظن أَن النِّكَاح يَتَجَدَّد بِإِسْلَام الْوَلِيّ وخفي ذَلِك عَلَيْهِ كَمَا خَفِي على ابْن عمر طَلَاق الْحَائِض وخفي على عَليّ - رَضِي الله تَعَالَى

ص: 294

عَنهُ - حكم الْمَذْي مَعَ تقدم صحبته وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي فِي انتصاره إِن قَوْله أزَوّجكَهَا أَي أجدد عقدك عَلَيْهَا وَكَأن أَبَا سُفْيَان رأى غَضَاضَة عَلَيْهِ أَن زوجت قبل إِسْلَامه بِغَيْر إِذْنه أَو أَنه اعْتقد أَن بِإِسْلَامِهِ يَنْفَسِخ نِكَاح ابْنَته وَهَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم قَالَ وَمعنى قَوْله صلى الله عليه وسلم تطييب لِقَلْبِهِ لِأَنَّهُ لم ينْقل تَجْدِيد قطّ وَهَذَا تَأْوِيل بعيد مَعَ قَوْله عِنْدِي أجمل الْعَرَب وَأحسنه وَهِي تَحت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

وَمِنْهَا أَنه يحْتَمل أَن تكون مَسْأَلته الأولى إِيَّاه فِي تَزْوِيج أم حَبِيبَة وَقعت فِي

ص: 295

بعض خرجاته إِلَى الْمَدِينَة وَهُوَ كَافِر حِين سمع نعي زوج أم حَبِيبَة بِأَرْض الْحَبَشَة ومسألته الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وقعتا بعد إِسْلَامه فجمعهما الرَّاوِي قبل ذَلِك [كَمَا] فِي حَدِيث عَليّ نهى عَن نِكَاح الْمُتْعَة وَلُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة يَوْم خَيْبَر

وعَلى هَذَا الْجَواب اقْتصر الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ لَا يحْتَمل إِن كَانَ الحَدِيث مَحْفُوظًا إِلَّا ذَلِك

وَمِنْهَا انه يحمل الحَدِيث على ظَاهره وَأَنه صلى الله عليه وسلم تزوج أم حَبِيبَة بِمَسْأَلَة أَبِيهَا لما أسلم وَيقدم على تزَوجه صلى الله عليه وسلم بهَا بِأَرْض الْحَبَشَة فَإِن تَزْوِيجهَا بِأَرْض الْحَبَشَة جَاءَ من رِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار مُرْسلا وَالنَّاس يَخْتَلِفُونَ فِي الِاحْتِجَاج بمسانيده فَكيف بمراسيله [و] قَالَ الْمُنْذِرِيّ وَهَذَا فِيهِ نظر فَإِن

ص: 296

تزَوجه صلى الله عليه وسلم بهَا لم يخْتَلف أهل الْمَغَازِي أَنه كَانَ قبل رُجُوع جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه من أَرض الْحَبَشَة ورجوعهم كَانَ زمن خَيْبَر وتزويج أم حَبِيبَة كَانَ قبله وَإِسْلَام أبي سُفْيَان بن حَرْب كَانَ فِي زمن الْفَتْح فتح مَكَّة بعد نِكَاحهَا بِسنتَيْنِ أَو ثَلَاث فَكيف يَصح أَن يكون تزَوجهَا بمسألته (أ / 43)

قلت وَمِمَّنْ حكى الْإِجْمَاع فِي ذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَكَانَ شَيخنَا عماد الدّين بن كثير - رَحمَه الله تَعَالَى - يذكر تَأْوِيلا حسنا وَهُوَ أَن أَبَا سُفْيَان إِنَّمَا أَرَادَ تزوج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من ابْنَته الْأُخْرَى عزة أُخْت أم حَبِيبَة فَيحصل لَهُ الشّرف بصهر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من وَجْهَيْن وَيشْهد لهَذَا حَدِيث أم حَبِيبَة أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله انكح أُخْتِي ابْنة أبي سُفْيَان وَفِي بعض طرق مُسلم عزة بنت أبي سُفْيَان فَقَالَ أوتحبين ذَلِك الحَدِيث فَكَأَن أَبَا سُفْيَان اعْتقد أَن ذَلِك يحل لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لأختها أم حَبِيبَة لتساعده على ذَلِك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تطييبا لِقَلْبِهِ فِي أول الْأَمر ثمَّ بَين لأم حَبِيبَة أَن ذَلِك لَا يحل وَقضى حاجتيه الْأُخْرَيَيْنِ بِأَن استكتب مُعَاوِيَة وَأمر أَبَاهُ وَكَانَ مِمَّن ابتعثه لتخريب طاغوت أهل الطَّائِف وَدخل الْوَهم على عِكْرِمَة أَو غَيره فِي قَوْله أحسن الْعَرَب وأجمله أم

ص: 297

حَبِيبَة وَإِنَّمَا هِيَ عزة وَكَانَ الحَدِيث عِنْده بنت أبي سُفْيَان فَاعْتقد أَنَّهَا أم حَبِيبَة فسماها وَلم يتفطن لذَلِك فَصَارَ الحَدِيث مُنْكرا بذلك ثمَّ قَالَ الْمُنْذِرِيّ وَطعن بَعضهم فِي الحَدِيث بِأَمْر آخر وَقَالَ لَا أعرف أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَمر أَبَا سُفْيَان وَلَو كَانَ الحَدِيث صَحِيحا لأَمره وَفَاء بعهده

وَهَذَا (د 29) مَرْدُود بِمَا سبق عَن شَيخنَا ابْن كثير من تأميره على الطَّائِف وَذكر الزبير بن بكار عَن سعيد بن الْمسيب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سبى يَوْم حنين سِتَّة آلَاف غُلَام وَامْرَأَة فَجعل عَلَيْهِم أَبَا سُفْيَان بن حَرْب وَحكى الزبير أَيْضا أَنه اسْتَعْملهُ على إجلاء الْيَهُود وَقد اخْتلف فِي اسْتِعْمَاله على نَجْرَان

ص: 298

وَأما مَا ذكره فِي الحَدِيث فشريك لم يقل أحد فِيهِ إِنَّه يضع الحَدِيث وَقد رد أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ على من قَالَ حدث بِأَحَادِيث بَوَاطِيلُ قَالَ لَا تقل بَوَاطِيلُ

وَأما مَا تعلق بِهِ من قَوْله قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ فقد حمل جمَاعَة من الْعلمَاء هَذَا الحَدِيث على أَن الرُّؤْيَا كَانَت مناما كَمَا وَقع لعَائِشَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا - أَنه كَانَ بِالْمَدِينَةِ بعد الْهِجْرَة مناما وَمعنى قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ أَي بالإسراء يقظة وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك الْخطابِيّ والوزير ابْن هُبَيْرَة فِي الإفصاح

ص: 299

70 -

(قَوْله) إِذا ظهر بِمَا قدمْنَاهُ إِلَى آخِره

حَاصله أَنه يشْتَرط للْعَمَل بِالْحَدِيثِ والاحتجاج بِهِ أَخذه من نُسْخَة مُقَابلَة مَعَ ثِقَة على أصُول مُخْتَلفَة مروية بروايات متنوعة وَقد حَكَاهُ عَنهُ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم ثمَّ قَالَ وَهُوَ مَحْمُول على الِاسْتِظْهَار والاستحباب أَي لعسر ذَلِك غَالِبا وَقَالَ فِي التَّقْرِيب وَلَو قابلها بِأَصْل مُعْتَمد مُحَقّق (فَلَا يبعد الِاكْتِفَاء بِهِ) وَسَيَأْتِي من كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ مَا يشْهد لَهُ

وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي قسم الْحسن - لما ذكر اخْتِلَاف نسخ التِّرْمِذِيّ فِي قَوْله حسن صَحِيح أَو حسن وَنَحْو ذَلِك - فَيَنْبَغِي أَن تصحح أصلك بِجَمَاعَة أصُول وتعتمد على مَا اتّفقت عَلَيْهِ انْتهى

وَفِي كَلَام الْكل أَنه لَا يشْتَرط فِي ذَلِك أَن يكون لَهُ بِهِ رِوَايَة وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَان إِذا وجد النَّاظر حَدِيثا مُسْندًا فِي كتاب مصحح وَلم يسترب فِي ثُبُوته وَلم يسمعهُ من شَيْخه فَلَا يرويهِ وَلَكِن يتَعَيَّن عَلَيْهِ الْعَمَل بِهِ

ص: 300

وَلَا يتَوَقَّف وجوب الْعَمَل على الْمُجْتَهدين لموجبات الْأَخْبَار على أَن يَنْتَظِم لَهُم الْإِسْنَاد فِي جَمِيعهَا وَالْمُعْتَمد فِي ذَلِك أَن الَّذين كَانَ ترد عَلَيْهِم كتب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يتَعَيَّن عَلَيْهِم الْعَمَل بموجبها وَمن يبلغهُ ذَلِك الْكتاب وَلم يكن مُخَاطبا بمضمونه وَلم يسمعهُ مِمَّن سَمعه فَهُوَ كالمقصود بمضمون الْكتاب قَالَ وَلَو قَالَ رجل رَأَيْت حَدِيثا فِي صَحِيح مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل مَا وثقت باشتمال الْكتاب عَلَيْهِ فعلى الَّذِي يسمعهُ يذكر ذَلِك أَن يَثِق بِهِ ويلحقه بِمَا تَلقاهُ بِنَفسِهِ أَو رَوَاهُ عَن الشَّيْخ المسمع قَالَ وَلَو عرض مَا ذَكرْنَاهُ على جملَة الْمُحدثين لأبوه فَإِن فِيهِ سُقُوط ثُبُوت الرِّوَايَة عِنْد ظُهُور الثِّقَة وَصِحَّة الرِّوَايَة وهم عصبَة (أ 44) لَا مبالاة بهم فِي حقائق الْأُصُول انْتهى

وَجعل الأبياري - فِي شَرحه - هَذِه الْمَسْأَلَة من تفريعات رد الْمُرْسل لِأَن الِاعْتِمَاد على صِحَة النُّسْخَة فَقَط لَا يحصل مِنْهُ معرفَة الْوَاسِطَة فَإِذا وجد نُسْخَة مصححة - مثلا - من صَحِيح البُخَارِيّ فَمن الَّذِي أوصله إِلَى أَن هَذَا صَحِيح البُخَارِيّ وَلَو ثَبت عِنْده ذَلِك لاحتاج إِلَى أَن يثبت عِنْده الطَّرِيق من البُخَارِيّ إِلَى

ص: 301

النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَهَؤُلَاءِ لَا يجيزون أبدا الرِّوَايَة وَالْعَمَل بهَا إِلَّا إِذا عرفت الوسائط بِالْعَدَالَةِ وَمَا وَرَاء ذَلِك فَلَا يلْتَفت إِلَى صِحَة النُّسْخَة إِلَّا أَن يَقُول الرَّاوِي أَنا أروي هَذَا عَن فلَان وعينه لَهُ وَعلمه الْفَرْع قَالَ والمحدثون فِي هَذَا الْبَاب هم أهل الْفَنّ على الْحَقِيقَة فَلَا معنى لاطراح أَقْوَالهم

قيل وَمن الْغَرِيب مَا نَقله الْحَافِظ أَبُو بكر مُحَمَّد بن خير بن عمر الْأمَوِي - وَهُوَ خَال أبي الْقَاسِم السُّهيْلي - فِي قَوْله أَي كِتَابه إِنَّه لَا يحل نقل الحَدِيث إِلَّا لمن لَهُ بِهِ رِوَايَة وَنقل الْإِجْمَاع فِي ذَلِك فَقَالَ وَقد اتّفق الْعلمَاء رَحِمهم الله تَعَالَى على أَنه لَا يَصح لمُسلم أَن يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَذَا حَتَّى يكون عِنْده ذَلِك القَوْل مرويا وَلَو على أقل وُجُوه الرِّوَايَات لقَوْله صلى الله عليه وسلم من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار

ص: 302

وَفِي رِوَايَة من كذب عَليّ مُطلقًا من غير تَقْيِيد انْتهى

وَلَيْسَ فِيهِ اشْتِرَاط ذَلِك بل فِيهِ تَحْرِيم الْجَزْم بِنِسْبَة القَوْل إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى يتَحَقَّق أَنه رُوِيَ فِي كتب الرِّوَايَات بِدَلِيل استدلاله بِالْحَدِيثِ

ص: 303