المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الثامن عشر المعلل - النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي - جـ ٢

[بدر الدين الزركشي]

الفصل: ‌النوع الثامن عشر المعلل

‌النَّوْع الثَّامِن عشر الْمُعَلل

200 -

(قَوْله) ويسميه أهل الحَدِيث الْمَعْلُول وَذَلِكَ مِنْهُم وَمن الْفُقَهَاء فِي قَوْلهم فِي بَاب الْقيَاس الْعلَّة والمعلول مرذول عِنْد أهل الْعَرَبيَّة واللغة

قلت قد سبقه إِلَى إِنْكَار هَذَا جمَاعَة مِنْهُم الحريري فَقَالَ الْمَعْلُول لَا يسْتَعْمل إِلَّا مَفْعُولا كَقَوْلِه عله يعله ويعله إِذا سقَاهُ ثَانِيًا

قَالَ وَإِطْلَاق النَّاس لَهُ على الَّذِي أَصَابَته الْعلَّة وهم فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُقَال لذَلِك معل وَقَالَ صَوَابه معتل أَو مُعَلل لِأَنَّهُ من الاعتلال وَالْعرْف فِيهِ أَن

ص: 204

فعله رباعي نقُول لَا أعلك الله قَالَ الْجَوْهَرِي أَي لَا أَصَابَك بعلة وَهَذَا معنى قَول المُصَنّف مرذول لِأَن الْمَعْرُوف عله بِالشرابِ فَهُوَ مَعْلُول أَي سقَاهُ مرّة بعد أُخْرَى وَأعله فَهُوَ مُعَلل وَلَا يُقَال مَعْلُول قَالَ صَاحب الْمُحكم اسْتعْمل أَبُو إِسْحَاق يَعْنِي الزّجاج لَفظه الْمَعْلُول فِي المتفاعل من الْعرُوض ثمَّ قَالَ والمتكلمون يستعملون لَفْظَة الْمَعْلُول فِي مثل هَذَا كثيرا وَلست مِنْهَا على ثِقَة وَلَا ثلج لِأَن الْمَعْرُوف إِنَّمَا هُوَ أعله الله فَهُوَ مُعَلل اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون على مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ من قَوْلهم مَجْنُون ومشلول من أَنَّهُمَا جَاءَا على جننته وشللته وَإِن لم يستعملا فِي الْكَلَام واستغني عَنْهُمَا بأفعلت قَالَ وَإِذا قَالُوا جن وشل فَإِنَّمَا يَقُولُونَ جعل مِنْهُ الْجُنُون والشل كَمَا قَالُوا حرق وَقتل انْتهى

وَالصَّوَاب أَنه يجوز أَن يُقَال عله فَهُوَ مَعْلُول من الْعلَّة والاعتلال إِلَّا أَنه قَلِيل وَمِنْهُم من نَص على أَنه فعل ثلاثي وَهُوَ ابْن الْقُوطِيَّة فِي كتاب الْأَفْعَال

ص: 205

فَقَالَ عل الْإِنْسَان عِلّة مرض وَالشَّيْء أَصَابَته الْعلَّة انْتهى

وَكَذَلِكَ قَالَه قطرب فِي كتاب فعلت وأفعلت وَكَذَلِكَ الليلي وَقَالَ أَحْمد صَاحب الصِّحَاح عل الشَّيْء فَهُوَ مَعْلُول من الْعلَّة وَيشْهد لهَذِهِ الْعلَّة قَوْلهم عليل كَمَا يَقُولُونَ قَتِيل وجريح وَقد سبق نَظِير هَذَا الْبَحْث فِي المعضل وَظهر بِمَا ذَكرْنَاهُ أَن قَول المُصَنّف مرذول أَجود من قَول النَّوَوِيّ فِي اختصاره لحن لِأَن اللّحن سَاقِط غير مُعْتَبر الْبَتَّةَ بِخِلَاف المرذول

وَأما قَول الْمُحدثين علله فلَان بِكَذَا فَهُوَ غير مَوْجُود فِي اللُّغَة وَإِنَّمَا هُوَ مَشْهُور عِنْدهم بِمَعْنى ألهاه بالشَّيْء وشغله من تَعْلِيل الصَّبِي بِالطَّعَامِ لَكِن (د 69) اسْتِعْمَال الْمُحدثين لَهُ فِي هَذَا الْمَعْنى على سَبِيل الِاسْتِعَارَة

ص: 206

201 -

(قَوْله) معرفَة هَذَا النَّوْع من أجل عُلُوم الحَدِيث إِلَى آخِره

أسْند الْحَاكِم عَن ابْن مهْدي قَالَ لِأَن أعرف عِلّة حَدِيث هُوَ عِنْدِي أحب إِلَيّ أَن أكتب عشْرين حَدِيثا لَيْسَ عِنْدِي

قَالَ الْحَاكِم وَإِنَّمَا يُعلل الحَدِيث من أوجه لَيْسَ للجرح فِيهَا مدْخل فَإِن حَدِيث الْمَجْرُوح سَاقِط واه وَعلة الحَدِيث يكثر فِي أَحَادِيث الثِّقَات أَن يحدثوا بِحَدِيث لَهُ عِلّة فيخفى عَلَيْهِم علته فَيصير الحَدِيث معلولا وَالْحجّة فِي التَّعْلِيل عندنَا الْحِفْظ والفهم والمعرفة لَا غير قَالَ ابْن مهْدي معرفَة الحَدِيث إلهام فَلَو قلت للْعَالم بعلل الحَدِيث من أَيْن قلت هَذَا لم يكن لَهُ حجَّة وَأسْندَ إِلَى أبي زرْعَة سَأَلَهُ رجل مَا الْحجَّة فِي تعليلكم الحَدِيث قَالَ الْحجَّة أَن تَسْأَلنِي عَن حَدِيث لَهُ عِلّة (أ 113) فأذكر علته ثمَّ تقصد ابْن وارة فتسأله وَلَا تخبره فيذكر علته ثمَّ تقصد أَبَا حَاتِم فيعلله ثمَّ تميز كلامنا على ذَلِك الحَدِيث فَإِن اتفقنا فَاعْلَم حَقِيقَة هَذَا الْعلم وَإِن اخْتَلَفْنَا فَاعْلَم أَن كلا يتَكَلَّم على مُرَاده فَفعل الرجل

ص: 207

فاتفقت كلمتهم فَقَالَ أشهد أَن هَذَا الْعلم إلهام

وَقَالَ نعيم بن حَمَّاد لعبد الرَّحْمَن بن مهْدي كَيفَ تعرف صَحِيح الحَدِيث من سقيمه قَالَ كَمَا يعرف الطَّبِيب الْمَجْنُون

وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم سَمِعت أبي يَقُول مثل معرفَة الحَدِيث كَمثل فص ثمنه مائَة دِينَار وَآخر مثله على لَونه ثمنه عشرَة دَرَاهِم

202 -

(قَوْله) مَعَ قَرَائِن تنضم إِلَى ذَلِك تنبه الْعَارِف بِهَذَا الشَّأْن على إرْسَال الْمَوْصُول إِلَى آخِره

ذكر بعض من صنف فِي عُلُوم الحَدِيث أَن الْمُعَلل أَن يروي عَمَّن لم يجْتَمع بِهِ إِمَّا بطرِيق التَّارِيخ كمن تتقدم وَفَاته عَن مِيلَاد من يروي عَنهُ وَإِمَّا بطرِيق الْجِهَة بِأَن يروي الْخُرَاسَانِي عَن المغربي وَلم ينْقل أَن الْخُرَاسَانِي انْتقل من خُرَاسَان وَأَن المغربي انْتقل من الْمغرب

ص: 208

وَاعْلَم أَن للمحدثين أغراضا فِي صناعتهم احتاطوا فِيهَا لَا يلْزم الْفُقَهَاء اتباعهم على ذَلِك فَمِنْهُ تَعْلِيلهم الحَدِيث الْمَرْفُوع بِأَنَّهُ رُوِيَ تَارَة مَوْقُوفا وَتارَة مُرْسلا وطعنهم فِي الرَّاوِي إِذا انْفَرد بِرَفْع الحَدِيث أَو بِزِيَادَة فِيهِ لمُخَالفَته من هُوَ أحفظ مِنْهُ فَلَا يلْزم ذَلِك فِي كل موطن لِأَن الْمُعْتَبر فِي الرَّاوِي الْعَدَالَة وَأَن يكون عَارِفًا ضابطا متقنا لما يرويهِ نعم إِذا خَالف الرَّاوِي من هُوَ أحفظ وَأعظم

ص: 209

مُخَالفَة معارضه فَلَا يُمكن الْجمع بَينهمَا وَيكون ذَلِك مِنْهُ قدحا فِي رِوَايَته وكقولهم من لم يرو عَنهُ إِلَّا راو وَاحِد فَهُوَ مَجْهُول وَمن عارضت رِوَايَته رِوَايَة الثِّقَات فَهُوَ مُتَّهم كل ذَلِك فِيهِ تَفْصِيل وَإِنَّمَا احتاطوا فِي صناعتهم كَمَا كَانَ بعض الصَّحَابَة يحلف من حَدثهُ أَو يطْلب شَاهدا أَو غَيره وكل ذَلِك غير لَازم فِي قبُول أَخْبَار الْآحَاد لِأَن الأَصْل هِيَ الْعَدَالَة وَالْحِفْظ

وَالْفُقَهَاء لَا يعللون الحَدِيث ويطرحونه إِلَّا إِذا تبين الْجرْح وَعلم الِاتِّفَاق على ترك الرَّاوِي وَمِنْه قَوْلهم مُنْقَطع ومرسل وَهَذَا إِنَّمَا يكون عِلّة إِذا كَانَ الْمُرْسل يحدث عَن الثِّقَات وَغَيرهم وَلَا يكون عِلّة مُعْتَبرَة إِذا كَانَ الْمُرْسل لَا يروي إِلَّا عَن الثِّقَات وَقُلْنَا إِن رِوَايَته عَنهُ تَعْدِيل وعَلى هَذَا درج السّلف فَأَما إِذا عَارضه مُسْند عدل كَانَ أولى مِنْهُ قطعا [و] كَذَلِك قَوْلهم فلَان ضَعِيف وَلَا يثبتون وَجه الضعْف فَهُوَ جرح مُطلق وَفِي قبُوله خلاف

ص: 210

نعم رُبمَا يتَوَقَّف الْفُقَهَاء فِي ذَلِك وَإِن لم يتَبَيَّن السَّبَب وَقَالَ ابْن حزم قد علل قوم أَحَادِيث بِأَن رَوَاهَا عَن رجل مرّة وَعَن آخر أُخْرَى وَهَذَا قُوَّة للْحَدِيث وَزِيَادَة فِي دَلَائِل صِحَّته وَمن الْمُمكن أَن يكون سَمعه مِنْهُمَا

203 -

(قَوْله) ثمَّ مَا يَقع فِي الْإِسْنَاد قد يقْدَح فِي صِحَة الْإِسْنَاد والمتن جَمِيعًا كَمَا فِي التَّعْلِيل بِالْإِرْسَال وَالْوَقْف إِلَى آخِره

وَمَا ذكره من توهيم يعلى سبقه إِلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ فِي علله الْكَبِير هَذَا الحَدِيث يرويهِ الثَّوْريّ وَشعْبَة وَاخْتلف عَنْهُمَا فروى ابْن أبي عبد الرَّحْمَن الْمقري عَن أَبِيه عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عمر وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يعلى بن عبيد عَن الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن دِينَار وَكِلَاهُمَا وهم وَالصَّحِيح عَن الثَّوْريّ وَعَن شُعْبَة

ص: 211

عَن عبد الله بن دِينَار انْتهى

وَيُؤَيِّدهُ (أ 114) قَول يحيى بن معِين فِي رِوَايَة الدَّارمِيّ عَنهُ يعلى بن عبيد ضَعِيف فِي الثَّوْريّ ثِقَة فِي غَيره

204 -

(قَوْله) وَمِثَال الْعلَّة فِي الْمَتْن إِلَى أَخّرهُ

فِيهِ أُمُور

أَحدهَا مَا ذكره من تَعْلِيل رِوَايَة مُسلم بِأَنَّهَا رويت بِالْمَعْنَى من قَوْله كَانُوا يستفتحون يُؤَيّدهُ رِوَايَة أَحْمد وَالنَّسَائِيّ

ص: 212

بِلَفْظ لَا يجهرون مَكَان لَا يقرؤون قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ وإسنادها صَحِيح

وَالثَّانِي مَا ذكره من أَن أنسا سُئِلَ عَن الِافْتِتَاح بالبسملة فَذكر أَنه لَا يحفظ فِيهِ شَيْئا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذَا رَوَاهُ عَنهُ أَحْمد فِي الْمسند وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه

ص: 213

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِسْنَاده صَحِيح لَكِن ابْن عبد الْبر وهنه بِنَوْع من التَّرْجِيح فَقَالَ من حفظ عَن أنس حجَّة على من سَأَلَهُ فِي حَال نسيانه وَأجَاب عَنهُ الْحَافِظ أَبُو شامة فِي كتاب الْبَسْمَلَة

الثَّالِث أَن هَذَا الحَدِيث يصلح أَن يكون من أَمْثِلَة الْعلَّة فِي الْإِسْنَاد أَيْضا فَإِن فِي إِسْنَاده كِتَابَة لَا [يعلم] من كتبهَا وَلَا من حملهَا وَقَتَادَة ولد أكمه وَذَلِكَ أَن مُسلما رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن مهْرَان ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ فَفِيهِ

ص: 214

عِلَّتَانِ الْكِتَابَة واشتماله على عنعنة الْوَلِيد وَهُوَ مُدَلّس

205 -

(قَوْله) وسمى التِّرْمِذِيّ النّسخ عِلّة

لَعَلَّ التِّرْمِذِيّ يُرِيد أَنه عِلّة فِي الْعَمَل بِالْحَدِيثِ لَا أَنه عِلّة فِي صِحَّته لاشتمال الصَّحِيح على أَحَادِيث مَنْسُوخَة وَلَا يَنْبَغِي أَن يجْرِي مثل ذَلِك فِي التَّخْصِيص

ص: 215