المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الحادي والعشرون معرفة الموضوع - النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي - جـ ٢

[بدر الدين الزركشي]

الفصل: ‌النوع الحادي والعشرون معرفة الموضوع

‌النَّوْع الْحَادِي وَالْعشْرُونَ معرفَة الْمَوْضُوع

216 -

(قَوْله) هُوَ شَرّ الْأَحَادِيث الضعيفة

فِيهِ أَمْرَانِ

أَحدهمَا هَذِه الْعبارَة سبقه إِلَيْهَا الْخطابِيّ وَقد استنكرت مِنْهُ فَإِن الْمَوْضُوع لَا يعد فِي الْأَحَادِيث للْقطع بِكَوْنِهِ غير حَدِيث وأفعل التَّفْضِيل إِنَّمَا يُضَاف لبعضه وَهَذَا الْإِشْكَال يرد أَيْضا على إِفْرَاد المُصَنّف لَهُ بِنَوْع فَإِنَّهُ إِذا لم يكن حَدِيثا فَكيف يعد من أَنْوَاع الحَدِيث وَيُمكن أَن يُقَال إِنَّهُم أَرَادوا بِالْحَدِيثِ الْقدر الْمُشْتَرك وَهُوَ مَا يحدث بِهِ

وَمن حكمه أَنه لَا تحل رِوَايَته إِلَّا لقصد بَيَان حَال رَاوِيه لقَوْله صلى الله عليه وسلم من حدث عني بِحَدِيث وَهُوَ يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين رَوَاهُ مُسلم وَهُوَ أول

ص: 253

حَدِيث فِي صَحِيحه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ عقبه سَأَلت أَبَا مُحَمَّد يَعْنِي السَّمرقَنْدِي قلت لَهُ من روى حَدِيثا وَهُوَ يعلم أَن إِسْنَاده خطأ أيخاف أَن يكون قد دخل فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو إِذا روى حَدِيثا مُرْسلا فأسنده بَعضهم أَو قلب إِسْنَاده يكون قد دخل فِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ إِنَّمَا معنى هَذَا الحَدِيث إِذا روى الرجل حَدِيثا وَلَا يعرف لذَلِك الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أصل فَحدث فَأَخَاف أَن يكون قد دخل فِي هَذَا الحَدِيث

ص: 254

الثَّانِي مَا ذكره هُنَا فِيهِ إِيهَام مُخَالفَة لقَوْله فِي قسم الضَّعِيف إِن مَا عدم فِيهِ جَمِيع صِفَات الحَدِيث الصَّحِيح وَالْحسن هُوَ الْقسم الْأُخَر الأرذل وَالصَّوَاب مَا ذكره هُنَا وَيحمل مَا ذكره ثمَّ على أَنه أَرَادَ مَا لم يكن مَوْضُوعا إِلَّا أَن يُرِيد بذلك كَون رَاوِيه كذابا وَمَعَ ذَلِك لَا يلْزم من وجود كَذَّاب فِي السَّنَد أَن يكون الحَدِيث مَوْضُوعا إِذْ مُطلق كذب الرَّاوِي لَا يَقْتَضِي وضع الحَدِيث

217 -

(قَوْله)[وَإِنَّمَا يعرف كَون الحَدِيث] مَوْضُوعا بِإِقْرَار وَاضعه يَعْنِي كَحَدِيث نوح بن أبي مَرْيَم فِي فَضَائِل (أ 119) الْقُرْآن [انْتهى]

فِيهِ أَمْرَانِ

ص: 255

أَحدهمَا اعْتَرَضَهُ الإِمَام أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي وَقَالَ قَول وَاضعه يَعْنِي كَحَدِيث نوح بن أبي مَرْيَم لَيْسَ بقاطع بِوَضْعِهِ لجَوَاز كذبه فِيمَا أقرّ بِهِ يَعْنِي إِمَّا للتنفير عَن ذَلِك الحَدِيث الْمَرْوِيّ أَو لنَوْع آخر فَيحصل لغيره الرِّيبَة وَالشَّكّ فِيهِ وَجَوَابه إِن كَانَ الحَدِيث لَا يعرف إِلَّا من طَرِيق ذَلِك الشَّخْص كَانَ إِقْرَاره بذلك مسْقطًا لروايته وَقد حكم الشَّرْع على الْمقر بِمُقْتَضى إِقْرَاره وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يكون فِي نفس الْأَمر خِلَافه فَلَا نظر إِلَى ذَلِك

الثَّانِي اقْتضى أَنه لَا يثبت بِالْبَيِّنَةِ وَهَذَا كَمَا قَالَ الْفُقَهَاء إِن شَهَادَة الزُّور تثبت بِالْإِقْرَارِ دون الْبَيِّنَة فَيجوز أَن تشرك الرِّوَايَة الشَّهَادَة فِي هَذَا الحكم أَيْضا (إِذا رفعت الرِّوَايَة) للْحَاكِم وَلَكِن ظَاهر تصرف الْمُحدثين خِلَافه

ص: 256

218 -

(قَوْله) أَو نَازل منزلَة إِقْرَاره

أَي مِثَاله قيل لزائدة لم تركت حَدِيث الْكَلْبِيّ قَالَ مرض الْكَلْبِيّ فَكنت أختلف إِلَيْهِ فَسَمعته يَقُول مَرضت فنسيت مَا كنت أحفظه فَأتيت آل مُحَمَّد فتفلوا فِي فِي فَحفِظت كل مَا نسيت فَقلت لله عَليّ لَا أروي عَنْك شَيْئا أبدا

219 -

(قَوْله) أَو من قرينَة حَال الرَّاوِي

أَي كمن لم يرو عَمَّن لم يُدْرِكهُ قَالَ الْخَطِيب هَذَا مِمَّا يسْتَدلّ بِهِ على

ص: 257

كذب الرَّاوِي كَمَا جَاءَ عَن عمر بن مُوسَى قَالَ ثَنَا شيخكم الصَّالح وَأكْثر من ذَلِك فَقيل لَهُ من هُوَ قَالَ خَالِد بن معدان فَقيل لَهُ فِي أَي سنة لَقيته قَالَ سنة ثَمَان وَمِائَة فِي غزَاة أرمينية فَقيل لَهُ اتَّقِ الله يَا شيخ وَلَا تكذب مَاتَ خَالِد سنة أَربع وَمِائَة وَلم يغز أرمينية قطّ

وكغياث بن إِبْرَاهِيم لما زَاد لأجل الْمهْدي ذكر الْجنَاح فِي حَدِيث لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر فتقرب إِلَيْهِ بذلك فَلَمَّا قَامَ عَنهُ قَالَ أشهد أَن قفاك

ص: 258

قفا كَذَّاب رَوَاهُ ابْن أبي خَيْثَمَة وَنسبه الْقُرْطُبِيّ فِي أَوَائِل تَفْسِيره إِلَى أبي البخْترِي القَاضِي وَذكر أَبُو حَيَّان التوحيدي فِي البصائر عَن القَاضِي

ص: 259

أبي حَامِد المروروذي أَن رجلا أَتَى بَاب الْمهْدي وَمَعَهُ نَعْلَانِ فَقَالَ هما نعلا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَعرفهُ الْمهْدي فَأدْخلهُ وَقَبله وَوَصله فَلَمَّا خرج قَالَ الْمهْدي وَالله مَا هما بنعلي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمن أَيْن صارتا لَهُ أبميراث أم بشرَاء أم بِهِبَة لَكِن كرهت أَن يُقَال أهدي إِلَيْهِ نعلا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلم يقبلهَا واستخف بحكمهما

220 -

(قَوْله) أَو بِقَرِينَة فِي الْمَرْوِيّ فقد وضعت أَحَادِيث يشْهد بوضعها

ص: 260

ركاكة ألفاظها ومعانيها

قلت يشْهد لَهُ مَا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن أبي يعلى ثَنَا أَبُو خَيْثَمَة ثَنَا أَبُو عَامر الْعَقدي ثَنَا سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن عَن عبد الْملك بن سعيد بن سُوَيْد عَن أبي حميد وَأبي أسيد

ص: 261

أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا سَمِعْتُمْ الحَدِيث تعرفه قُلُوبكُمْ وتلين لَهُ أَشْعَاركُم وَأَبْشَاركُمْ وترون أَنه قريب مِنْكُم فَأَنا أولاكم بِهِ وَإِذا سَمِعْتُمْ الحَدِيث تقشعر لَهُ جلودكم وتنفر لَهُ قُلُوبكُمْ واشعاركم وترون أَنه مِنْكُم بعيد فَأَنا أبعدكم مِنْهُ

وَترْجم عَلَيْهِ ذكر الْأَخْبَار عَمَّا يسْتَحبّ لكم من كَثْرَة سَماع الْعلم ثمَّ الافتقار وَالتَّسْلِيم

وروى شيخ الْإِسْلَام الْهَرَوِيّ فِي كتاب ذمّ الْكَلَام من جِهَة الدَّارمِيّ ثَنَا الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي

ص: 262

ثَنَا يحيى بن آدم ثَنَا ابْن أبي ذِئْب عَن المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا حدثتم حَدِيثا عني تعرفونه وَلَا تُنْكِرُونَهُ فصدقوا بِهِ قلته أَو لم أَقَله فَإِنِّي لَا أَقُول إِلَّا مَا يعرف وَلَا يُنكر وَإِذا حدثتم عني حَدِيثا تُنْكِرُونَهُ وَلَا تعرفونه فكذبوا بِهِ فَإِنِّي لَا أَقُول مَا يُنكر وَأَقُول مَا يعرف

قَالَ شيخ الْإِسْلَام لَا أعرف عِلّة هَذَا الْخَبَر (د 73) فَإِن رُوَاته كلهم ثِقَات والإسناد مُتَّصِل وَمِمَّنْ صَححهُ عبد الْحق فِي أَحْكَامه والقرطبي فِي أول الْمُفْهم وَأما القَاضِي عِيَاض فَإِنَّهُ قَالَ هُوَ حَدِيث ضَعِيف ضعفه الْأصيلِيّ وَغَيره من الْأَئِمَّة

(أ 120) وتأوله الطَّحَاوِيّ إِن صَحَّ على أَن مَا جَاءَ عَنهُ صلى الله عليه وسلم مُوَافقا لكتاب الله عز وَجل

ص: 263

وَمَا عرف من سنته غير مُخَالف لشريعته وَلَا يتَحَقَّق أَنه قَالَه فليصدق بِمَعْنَاهُ لَا بِلَفْظِهِ إِذْ قد صَحَّ من أصُول الشَّرِيعَة أَنه قَالَ يُغير هَذَا اللَّفْظ وَلَا يكذب بِهِ إِذْ يحْتَمل أَنه قَالَه صلى الله عليه وسلم

وَأعلم أَنه قد اسْتعْمل أَئِمَّة الحَدِيث هَذِه الطَّرِيقَة وَلَهُم فِي معرفَة ذَلِك ملكة يعْرفُونَ بهَا الْمَوْضُوع وَشَاهده أَن إنْسَانا لَو خدم ملكا سنينا وَعرف مَا يحب وَمَا يكره فجَاء إِنْسَان ادّعى أَنه كَانَ يكره شَيْئا يعلم ذَلِك أَنه يُحِبهُ فبمجرد سَمَاعه

ص: 264

يُبَادر إِلَى تَكْذِيب من قَالَ إِنَّه يكرههُ لَكِن فِي كَون ذَلِك من دَلَائِل الْوَضع نظر وَكَذَا قَول بَعضهم كَون الْمَرْوِيّ مِمَّا يخل بالفصاحة فَإنَّا إِذا جَوَّزنَا رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِلَفْظِهِ الفصيح وَلم يحفظه الرَّاوِي وَهَذَا السُّؤَال ذكره الإِمَام أَبُو الْعِزّ المقترح جد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد لأمه ثمَّ قَالَ نعم إِن صرح أَن هَذَا صِيغَة الْمُصْطَفى وَكَانَت تخل بالفصاحة ردَّتْ رِوَايَته وَتبين وهمه انْتهى

وَهنا أُمُور مهمة

مِنْهَا قد كثر مِنْهُم الحكم على الحَدِيث بِالْوَضْعِ استنادا إِلَى أَن رَاوِيه عرف بِالْوَضْعِ فيحكمون على جَمِيع مَا يرويهِ هَذَا الرَّاوِي بِالْوَضْعِ وَهَذِه الطَّرِيقَة استعملها ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الموضوعات وَهِي غير صَحِيحَة لِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَونه مَعْرُوفا بِالْوَضْعِ أَن يكون جَمِيع مَا يرويهِ مَوْضُوعا لَكِن الصَّوَاب فِي هَذَا أَنه لَا يحْتَج بِمَا يرويهِ لضَعْفه وَيجوز أَن يكون مَوْضُوعا لَا أَنه مَوْضُوع لَا محَالة وَقد قَالَ القَاضِي أَبُو الْفرج النهرواني فِي الْمجْلس الْمِائَة من كتاب الجليس الصَّالح زعم جمَاعَة من أهل صناعَة الحَدِيث وَكثير مِمَّن لَا نظر لَهُ فِي الْعلم فَظن أَن مَا

ص: 265

ضعف رَاوِيه فَهُوَ بَاطِل فِي نَفسه ومقطوع على إِنْكَاره من أَصله وَهَذَا جهل مِمَّن ذهب إِلَيْهِ وَذَلِكَ أَن رَاوِيا مَعْرُوفا بِالْكَذِبِ فِي رواياته لَو روى خَبرا انْفَرد بِهِ مِمَّا يُمكن أَن يكون حَقًا أَو يكون بَاطِلا لوَجَبَ التَّوَقُّف على الحكم بِصِحَّتِهِ وَالْعَمَل بِمَا تضمنه وَلم يجز الْقطع على تَكْذِيب رِوَايَته وَالْحكم بتكذيب مَا رَوَاهُ انْتهى

وَفِي كتاب أدب الحَدِيث لعبد الْغَنِيّ بن سعيد من سمع عني حَدِيثا فكذبه فقد كذب ثَلَاثَة الله وَرَسُوله والناقل لَهُ

وَمِنْهَا قَالَ الْحَافِظ أَبُو سعيد العلائي الحكم على الحَدِيث بِكَوْنِهِ مَوْضُوعا من الْمُتَأَخِّرين عسر جدا لِأَن ذَلِك لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بعد جمع الطّرق وَكَثْرَة التفتيش وَأَنه لَيْسَ لهَذَا الْمَتْن سوى هَذَا الطَّرِيق الْوَاحِد ثمَّ يكون فِي رواتها من هُوَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ إِلَى مَا يَنْضَم إِلَى ذَلِك من قَرَائِن كَثِيرَة تَقْتَضِي لِلْحَافِظِ المتبحر بِأَن هَذَا الحَدِيث كذب وَلِهَذَا انتقد الْعلمَاء على أبي الْفرج فِي كِتَابه الموضوعات وتوسعه

ص: 266

بالحكم بذلك على كثير من أَحَادِيث لَيست بِهَذِهِ المثابة وَيَجِيء بعده من لَا يَد لَهُ فِي علم الحَدِيث فيقلده فِيمَا حكم بِهِ من الْوَضع وَفِي هَذَا من الضَّرَر الْعَظِيم مَالا يخفى وَهَذَا بِخِلَاف الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين الَّذين منحهم الله تَعَالَى التبحر فِي علم الحَدِيث والتوسع فِي حفظه كشعبة وَالْقطَّان وَابْن مهْدي وَنَحْوهم وأصحابهم مثل أَحْمد وَابْن الْمَدِينِيّ وَابْن معِين وَابْن رَاهَوَيْه وَطَائِفَة ثمَّ أَصْحَابهم مثل البُخَارِيّ وَمُسلم وَأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَهَكَذَا إِلَى زمن الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَلم يَجِيء بعدهمْ مسَاوٍ لَهُم وَلَا مقارب فَمَتَى وجد فِي كَلَام أحد من الْمُتَقَدِّمين الحكم بِوَضْع شَيْء كَانَ مُتَعَمدا لما أَعْطَاهُم الله عز وجل من الْحِفْظ الغزير وَإِن اخْتلف النَّقْل عَنْهُم عدل إِلَى التَّرْجِيح انْتهى

وَفِيمَا قَالَه نظر فقد حكم جمع من الْمُتَقَدِّمين على أَحَادِيث بِأَنَّهُ لَا أصل لَهَا (أ 121) ثمَّ وجد الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك وَفَوق كل ذِي علم عليم فَيَنْبَغِي أَن يُقَال إِنَّه يبْحَث عَن ذَلِك وَيُرَاجع من لَهُ عناية بِهَذَا الشَّأْن فَإِن لم يُوجد عِنْدهم مَا يُخَالف ذَلِك اعْتمد حِينَئِذٍ

وَمِنْهَا جعل بعض الْأُصُولِيِّينَ من دَلَائِل الْوَضع أَن يُخَالف الْعقل فقد قَالَ الله تَعَالَى {لآيَات لقوم يعْقلُونَ} وَلِهَذَا أَنْكَرُوا حَدِيث عرق الْخَيل الَّذِي

ص: 267

رَوَاهُ مُحَمَّد بن شُجَاع الثَّلْجِي قَالَ الْبَيْهَقِيّ هُوَ مَوْضُوع وَقَالَ ابْن عدي كَانَ الثَّلْجِي يضع الْأَحَادِيث الَّتِي يشنع بهَا على أهل الحَدِيث

وَجعلُوا من دَلَائِل الْوَضع أَيْضا أَن يُخَالف نَص الْكتاب كَمَا قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ - فِي حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن أَيُّوب بن خَالِد

ص: 268

عَن أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ خلق الله التربة يَوْم السبت الحَدِيث قَالَ لَعَلَّ إِسْمَاعِيل سَمعه من إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى وَقَالَ البُخَارِيّ الصَّوَاب أَنه من قَول كَعْب الْأَحْبَار وَكَذَا ضعفه الْبَيْهَقِيّ وَغَيره من الْحفاظ وَقَالُوا هُوَ خلاف ظَاهر الْقُرْآن من أَن الله خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من جِهَة ابْن جريج عَن إِسْمَاعِيل بِهِ

ص: 269

وَمِنْهَا أَن يُخَالف صَحِيح السّنة وَهَذِه طَريقَة ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَهِي طَريقَة ضَعِيفَة لَا سِيمَا حَيْثُ أمكن الْجمع قَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه فِي حَدِيث لَا يُؤمن عبد قوما فيخص نَفسه بدعوة فَإِن فعل فقد خَانَهُمْ هَذَا حَدِيث مَوْضُوع فقد ثَبت قَوْله صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ باعد بيني وَبَين خطاياي انْتهى

ص: 270

والْحَدِيث لَا يَنْتَهِي إِلَى ذَلِك فقد حسنه التِّرْمِذِيّ وَغَيره وَلَيْسَ بمعارض لحَدِيث الاستفتاح لِإِمْكَان حمله على مَا لَا يشرع للْإِمَام وَالْمَأْمُوم

وَقَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم إِنِّي لست كأحدكم إِنِّي أطْعم وأسقى هَذَا الْخَبَر يدل على أَن الْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَ فِيهَا أَنه كَانَ يضع الْحجر

ص: 271

على بَطْنه كلهَا أباطيل وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا الحجز وَهُوَ طرف الْإِزَار لَا الْحجر إِذْ الله جلّ وَعلا كَانَ يطعم رَسُوله ويسقيه إِذا وَاصل فَكيف يتْركهُ جائعا مَعَ عدم الْوِصَال حَتَّى يشد الْحجر على بَطْنه وَمَا يُغني الْحجر عَن الْجُوع وَقَالَ فِي كِتَابه الضُّعَفَاء فِي تَرْجَمَة أبان سُفْيَان إِنَّه روى حَدِيث عبد الله بن أبي أُصِيبَت ثنيته يَوْم

ص: 272

أحد فَأمره رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يتَّخذ ثنية من ذهب وروى النَّهْي أَن يُصَلِّي إِلَى نَائِم أَو متحدث قَالَ ابْن حبَان هَذَانِ موضوعان وَكَيف يَأْمر

ص: 273

الْمُصْطَفى عليه الصلاة والسلام باتخاذ الثَّنية من ذهب وَقد قَالَ إِن الذَّهَب وَالْحَرِير يحرمان على ذُكُور أمتِي وَكَيف ينْهَى عَن الصَّلَاة إِلَى النَّائِم وَقد

ص: 274

كَانَ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَعَائِشَة مُعْتَرضَة بَينه وَبَين الْقبْلَة انْتهى

ص: 275

وَلَا يخفى مَا فِي ذَلِك وَقد قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان - بعد كَلَام ابْن حبَان - هَذَا حكمك عَلَيْهِمَا بِالْوَضْعِ بِمُجَرَّد (د 74) مَا أبديت حكم فِيهِ نظر لَا سِيمَا خبر الثَّنية

وَمِنْهَا أَن الْوَضع قد وَقع وَمِنْهُم من اسْتدلَّ على وُقُوعه بقوله صلى الله عليه وسلم إِنَّه سيكذب عَليّ

فَإِن كَانَ هَذَا صَحِيحا وَقع الْكَذِب وَإِلَّا فقد حصل الْمَقْصُود وَفِيه نظر بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَحَادِيث الْمَوْجُودَة الْآن لِأَن الِاسْتِقْبَال فِي سيكذب لَا يعين وَقتهَا وَقد بقيت أزمان وَعِنْدهم نسخ مَشْهُورَة بِالْوَضْعِ وَقد جمعهَا بَعضهم فِي قَوْله

ص: 276

(أَحَادِيث نسطور وَيسر ويغنم

وَبعد أشج الْقَيْس ثمَّ خرَاش)

(ونسخة دِينَار ونسخة تربه

أبي هدبة الْقَيْسِي شبه فرَاش)

221 -

(قَوْله) وَلَقَد أَكثر الَّذِي جمع فِي هَذَا الْعَصْر الموضوعات

يُرِيد بِهِ أَبَا الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ واعتراضه عَلَيْهِ صَحِيح كَمَا سبق بَيَانه إِلَّا أَن

ص: 277

قَوْله إِن حَقه أَن يذكر فِي الضَّعِيف مَمْنُوع اقْتِصَاره على ذَلِك فَإِن فِيهَا مَا ضعفه مُحْتَمل وَيُمكن التَّمَسُّك بِهِ فِي التَّرْغِيب والترهيب وَمِنْهَا ماهو وَحَدِيث حسن أَو صَححهُ بعض الْأَئِمَّة ك [حَدِيث] صَلَاة التَّسْبِيح

ص: 278

قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ أَخطَأ بِذكرِهِ لَهُ فِي الموضوعات وَلم يكن لَهُ ذَلِك وَقد (أ 122) خرجه الْحفاظ فِي كتبهمْ

وكحديث قِرَاءَة آيَة الْكُرْسِيّ عقب الصَّلَاة حكم عَلَيْهَا بِالْوَضْعِ وَقد

ص: 281

رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد على شَرط الصَّحِيح قَالَ الْحَافِظ الْمزي أَسَاءَ ابْن الْجَوْزِيّ بِذكرِهِ فِي الموضوعات وَله مثل هَذَا كثير وَبَين قَوْلنَا لم يَصح وَقَوْلنَا

ص: 282

مَوْضُوع بون كَبِير فَإِن الْوَضع إِثْبَات الْكَذِب والاختلاق وَقَوْلنَا لَا يَصح لَا يلْزم مِنْهُ إِثْبَات الْعَدَم وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَن عدم الثُّبُوت وَفرق بَين الْأَمريْنِ وَقد ثَبت من طَرِيق آخر

222 -

(قَوْله) والواضعون للْحَدِيث أَصْنَاف

قلت قَالَ القَاضِي عِيَاض مِنْهُم من وضع عَلَيْهِ مالم يقلهُ أصلا إِمَّا اسْتِخْفَافًا كالزنادقة أَو حسبَة بزعمهم وتدينا كجهلة المتعبدين الَّذين وضعُوا الْأَحَادِيث فِي الْفَضَائِل والرغائب أَو إغرابا وَسُمْعَة كفسقة الْمُحدثين أَو تعصبا واحتجاجا كدعاة المبتدعة ومتعصبي الْمذَاهب أَو أتباعا لهوى فِيمَا أرادوه وَطلب الْعذر لَهُم فِيمَا راموه وَقد تعين جمَاعَة من كل من هَذِه الطَّبَقَات عِنْد أهل الصَّنْعَة وعلماء الرِّجَال وَمِنْهُم من لَا يضع متن الحَدِيث وَلَكِن رُبمَا وضع للمتن الضَّعِيف إِسْنَادًا مَشْهُورا وَمِنْهُم من يقلب الْأَسَانِيد وَيزِيد فِيهَا وَيسْتَعْمل ذَلِك إِمَّا للإغراب على غَيره أَو لرفع الْجَهَالَة عَن نَفسه

وَمِنْهُم من يكذب ليدعي سَماع مَا لم يسمع ولقاء من لم يلق وَيحدث

ص: 283

بأحاديثهم الصَّحِيحَة عَنْهُم

وَمِنْهُم من يعمد إِلَى كَلَام الصَّحَابَة أَو غَيرهم وَحكم الْعَرَب فينسبها للنَّبِي صلى الله عليه وسلم ترويجا لَهَا

قلت وَمن الزَّنَادِقَة مُحَمَّد بن سعيد المصلوب والمغيرة بن سعيد الْكِنْدِيّ أَرَادوا بذلك إِيقَاع الشَّك فِي قُلُوب النَّاس فرووا أَنا خَاتم النَّبِيين لَا نَبِي بعدِي إِلَّا أَن يَشَاء الله وَقَالَ شيخ من الْخَوَارِج بعد تَوْبَته أنظروا عَمَّن

ص: 284

تأخذون دينكُمْ فَإنَّا كُنَّا إِذا هوينا أمرا صيرناه حَدِيثا

قَالَ صَاحب الْمُفْهم وَقد استجاز بعض فُقَهَاء الْعرَاق نِسْبَة الحكم الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْقيَاس إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نِسْبَة قولية ل [فَيَقُول] فِي ذَلِك قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَذَا وَلِهَذَا نرى كتبهمْ مشحونة بِأَحَادِيث تشهد متونها بِأَنَّهَا مَوْضُوعَة لِأَنَّهَا تشبه فَتَاوَى الْفُقَهَاء وَلَا تلِيق بجزالة كَلَام سيد الْمُرْسلين وَإِنَّهُم لَا يُقِيمُونَ لَهَا سندا صَحِيحا قَالَ وَهَؤُلَاء يشملهم الْوَعيد بِالْكَذِبِ على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم 223 - (قَوْله) وَفِيمَا روينَاهُ عَن الإِمَام أبي بكر السَّمْعَانِيّ أَن بعض الكرامية جوز وضع الحَدِيث فِي بَاب التَّرْغِيب والترهيب

قلت هَذَا قَالَه ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الْمجْلس الثَّالِث من أَمَالِيهِ قَالَ واغتروا

ص: 285

بِحَدِيث رَوَاهُ يُونُس بن بكير عَن الْأَعْمَش عَن طَلْحَة بن مصرف عَن عَمْرو ابْن شُرَحْبِيل عَن عبد الله بن مَسْعُود يرفعهُ من كذب عَليّ مُتَعَمدا ليضل فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار قَالَ وَهَذَا القَوْل مِنْهُم بَاطِل وَالْكذب على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حرَام فِي جَمِيع الْأَحْوَال

وَأما حَدِيث يُونُس بن بكير فقد جَاءَ عَنهُ بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة ثمَّ سَاقه كَذَلِك وَقَالَ قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ وهم يُونُس بن بكير فِي هَذَا الحَدِيث فِي موضِعين

ص: 286

أَحدهمَا أَنه أسقط بَين طَلْحَة وَعَمْرو بن شُرَحْبِيل أَبَا عمار

وَالثَّانِي أسْندهُ وَالْمَحْفُوظ أَنه مُرْسل عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر ابْن مَسْعُود قَالَ وَقد روى الزُّهْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم [قَالَ] من حدث عني حَدِيثا بَاطِلا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار انْتهى

وَذكر غَيره أَن الْعلمَاء أجابوا عَن هَذِه الزِّيَادَة بأجوبة

أَحدهَا أَنَّهَا زِيَادَة بَاطِلَة اتّفق الْحفاظ على بُطْلَانهَا وَأَنه لَا تعرف صِحَّتهَا بِحَال

الثَّانِي قَالَ الطَّحَاوِيّ لَو صحت (أ 123) لكَانَتْ للتَّأْكِيد لقَوْله تَعَالَى {فَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا ليضل النَّاس بِغَيْر علم}

الثَّالِث أَن اللَّام فِي يضل لَيست للتَّعْلِيل بل للصيرورة وَالْعَاقبَة أَي يصير كذبهمْ للإضلال

ص: 287

وَبَقِي مِمَّا يتَعَلَّق بِكَلَام المُصَنّف ضبط السَّمْعَانِيّ والكرامية أما السَّمْعَانِيّ فَسبق فِي الْحسن وَأما الكرامية فَفِيهِ خلاف وَقد جرى بَين الشَّيْخ صدر الدّين ابْن المرحل وَالْقَاضِي سعد الدّين الْحَارِثِيّ فَقَالَ ابْن المرحل هُوَ بتَخْفِيف الرَّاء فَأنكرهُ الْحَارِثِيّ عَلَيْهِ فأصر ابْن المرحل على التَّخْفِيف وَأنْشد

(الْفِقْه فقه أبي حنيفَة وَحده

وَالدّين دين مُحَمَّد بن كرام)

وَذكر لي شَيخنَا جمال الدّين ابْن هِشَام - رَحمَه الله تَعَالَى - أَن الشَّيْخ الإِمَام أَبَا الْحسن السُّبْكِيّ - رَحمَه الله تَعَالَى - أخبرهُ أَن بعض النَّاس إِذْ ذَاك اتهمَ

ص: 288

ابْن المرحل بِوَضْع هَذَا الْبَيْت

قلت وَلَيْسَ كَذَلِك فقد أنْشدهُ الثعالبي لأبي الْفَتْح البستي وَأورد بعده

(إِن الَّذين أَرَاهُم لم يُؤمنُوا

بِمُحَمد بن كرام غير كرام)

وَهَذَا الْبَيْت يعضد ضَبطه بِالتَّخْفِيفِ لَكِن مَا ضَبطه الْحَارِثِيّ هُوَ الَّذِي ذكره غير وَاحِد من أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن مِنْهُم الْخَطِيب فِي المؤتلف والمختلف وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ كرام مثقل الرَّاء قَيده ابْن مَاكُولَا وَابْن السَّمْعَانِيّ وَغير وَاحِد وَهُوَ الْجَارِي على الْأَلْسِنَة وَقد أنكر ذَلِك متكلمهم مُحَمَّد بن الهيصم وَغَيره

ص: 289

وَحكى ابْن الهيصم فِيهِ وَجْهَيْن

أَحدهمَا كرام بِالتَّخْفِيفِ وَالْفَتْح على وزن حَلَال وَذكر أَنه الْمَعْرُوف فِي أَلْسِنَة مشايخهم وَزعم أَنه بِمَعْنى كَرَامَة أَو كريم وَالثَّانِي كرام بِالْكَسْرِ على لفظ جمع كريم وَحكى هَذَا عَن أهل سجستان وَأطَال فِي ذَلِك

قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح وَلَا معدل عَن الأول وَهُوَ الَّذِي أوردهُ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب وَقَالَ كَانَ وَالِده يحفظ الْكَرم فَقيل لَهُ الْكِرَام وَاعْتَرضهُ الذَّهَبِيّ وَقَالَ هَذَا قَالَه السَّمْعَانِيّ بِلَا إِسْنَاد وَفِيه نظر فَإِن كلمة كرام علم على وَالِد مُحَمَّد سَوَاء عمل فِي الْكِرَام أم لم يعْمل انْتهى

وَقد لخص ابْن الصّلاح فِي فَوَائِد رحلته (د 75) مَا قَالَه مُحَمَّد بن الهيصم فِي كِتَابه مَنَاقِب مُحَمَّد بن كرام

224 -

(قَوْله) وَرُبمَا غلط غالط فَوَقع فِي شبه الْوَضع بِلَا تعمد كَمَا وَقع لِثَابِت بن مُوسَى الزَّاهِد فِي حَدِيث من كثرت صلَاته بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ

قلت هَذَا قَالَه الخليلي فِي الْإِرْشَاد وَمِنْه أَخذه المُصَنّف وَهَذَا الحَدِيث

ص: 290

رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الطلحي ثَنَا ثَابت بن مُوسَى أَبُو زيد عَن شريك عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من كثرت صلَاته بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ وَإِسْمَاعِيل الطلحي وثابت بن مُوسَى وثقهما أَبُو جَعْفَر الْحَضْرَمِيّ مطين وَقَالَ توفّي

ص: 291

إِسْمَاعِيل سنة 233 وَغَيره يَقُول سنة 32 فَلَيْسَ عِنْدهم بِصَحِيح قَالَ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخه ثَابت بن مُوسَى العابد الضَّرِير كُوفِي حَدِيثه بَاطِل لَيْسَ لَهُ أصل وَلَا يُتَابِعه عَلَيْهِ ثِقَة ثمَّ سَاق لَهُ هَذَا الحَدِيث وَكَذَا قَالَ ابْن عدي لَا يعرف إِلَّا بِهِ سَرقه مِنْهُ جمَاعَة من الضُّعَفَاء قَالَ وَبَلغنِي عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير أَنه ذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث عَن ثَابت فَقَالَ بَاطِل شبه على ثَابت وَذَلِكَ أَن شَرِيكا كَانَ مزاحا وَكَانَ ثَابت رجلا صَالحا فَيُشبه أَن يكون ثَابت دخل على شريك وَكَانَ شريك يَقُول حَدثنَا الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم والتفت فَرَأى ثَابتا دخل على شريك وَكَانَ يمازحه من كثرت صلَاته بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ فَظن ثَابت لِغَفْلَتِه أَن هَذَا الْكَلَام الَّذِي قَالَه شريك هُوَ من الْإِسْنَاد الَّذِي قَرَأَهُ فَحَمله على ذَلِك وَإِنَّمَا ذَلِك قَول شريك

225 -

(قَوْله) والإسناد الَّذِي قَرَأَهُ مَتنه حَدِيث مَعْرُوف انْتهى

هَذَا هُوَ الْغَلَط الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن الصّلاح وَقد يُنَازع فِيهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا

ص: 292

أَنه قد تَابع ابْن مُوسَى (أ 124) على رِوَايَته هَذَا عَن شريك جمَاعَة من الضُّعَفَاء - كَمَا قَالَه ابْن عدي مِنْهُم عبد الحميد بن (بَحر) وَعبد الله بن شبْرمَة الشريكي وَإِسْحَاق بن بشر الْكَاهِلِي ومُوسَى بن مُحَمَّد أَبُو الطَّاهِر الْمَقْدِسِي

وَيُجَاب بِأَن الْمَذْكُورين سَرقُوهُ مِنْهُ كَمَا قَالَ ابْن عدي لَكِن مُتَابعَة عبد الله بن شبْرمَة رَوَاهَا أَبُو نعيم فِي تَارِيخ أَصْبَهَان ثَنَا أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن مُحَمَّد ثَنَا مُحَمَّد بن عبد السَّلَام

ص: 293

ثَنَا عبد الله بن شبْرمَة الْكُوفِي ثَنَا شريك بِهِ هَكَذَا قَالَ الْكُوفِي وَهُوَ أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام احْتج بِهِ مُسلم وَأما الشريكي الَّذِي ذكره ابْن عدي فَلم أر لَهُ ذكرا فِي كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل بل قد جَاءَ الحَدِيث من غير طَرِيق شريك أخرجه ابْن جَمِيع فِي مُعْجَمه فَقَالَ ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد الرقي ثَنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن هِشَام بن الْوَلِيد

ص: 294

ثَنَا جبارَة [بن] الْمُغلس عَن كثير بن سليم عَن أنس بِهِ مَرْفُوعا وجبارة وَكثير ضعيفان

الثَّانِي أَن هَذَا الْمِثَال من بَاب المدرج لَا من الْمَوْضُوع وَلِهَذَا قَالَ ابْن حبَان فِي كتاب الضُّعَفَاء ثَابت بن مُوسَى العابد روى عَن شريك عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من كثرت صلَاته بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ قَالَ ابْن حبَان وَإِنَّمَا هُوَ قَول شريك قَالَه عقب حَدِيث الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر يعْقد الشَّيْطَان على قافية رَأس أحدكُم [ثَلَاث عقد فأدرج] ثَابت فِي الْخَبَر وَجعل قَول شريك من كَلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ سرق [هَذَا من] ثَابت جمَاعَة

ص: 295

من الضُّعَفَاء فَحَدثُوا بِهِ عَن شريك واقترن بِهِ التَّمْثِيل بِمَا ذكر عَن أَحْمد بن حَنْبَل عَن يزِيد بن هَارُون عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس بن مَالك أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من عمل بِمَا يعلم وَرثهُ الله علم مَا لم يعلم

قَالَ الْحَافِظ أَبُو نعيم فِي الْحِلْية فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن أبي الْحوَاري ذكر أَحْمد بن حَنْبَل هَذَا الْكَلَام عَن بعض التَّابِعين أَنه ذكره عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَوضع هَذَا الْإِسْنَاد لسهولته وقوته وَهَذَا الحَدِيث لَا يحْتَمل بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أَحْمد بن حَنْبَل

226 -

(قَوْله) وَهَكَذَا حَال الحَدِيث الطَّوِيل الَّذِي يرْوى عَن أبي بن كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي فَضَائِل الْقُرْآن سُورَة سُورَة بحث باحث عَن مخرجه حَتَّى انْتهى إِلَى من اعْترف بِأَنَّهُ وَجَمَاعَة وضعوه انْتهى

وَهَذَا الباحث الَّذِي أبهمه هُوَ مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل فَإِنَّهُ قَالَ حَدثنِي شيخ بِالْبَصْرَةِ فصرت إِلَيْهِ فَقَالَ حَدثنِي شيخ بعبادان فصرت إِلَيْهِ فَأخذ بيَدي وأدخلني

ص: 296

بَيْتا فَإِذا فِيهِ قوم من المتصوفة وَمَعَهُمْ شيخ فَقَالَ هَذَا الشَّيْخ حَدثنِي فَقلت يَا شيخ من حَدثَك قَالَ لم يحدثني أحد وَلَكنَّا رَأينَا النَّاس قد رَغِبُوا عَن الْقُرْآن فَوَضَعْنَا لَهُم هَذَا الحَدِيث ليصرفوا قُلُوبهم إِلَى الْقُرْآن

قلت وَكَأن المُصَنّف إِنَّمَا أبهم الباحث لغضاضة فِيهِ فقد قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل كثير الْخَطَأ وَقَالَ البُخَارِيّ مُنكر الحَدِيث

227 -

(قَوْله) وَلَقَد أَخطَأ الواحدي الْمُفَسّر

وَغَيره كَالثَّعْلَبِيِّ والزمخشري فِي ذكره لَكِن الثَّعْلَبِيّ والواحدي ذكرَاهُ بِالْإِسْنَادِ

ص: 297

فخف حَاله لِأَنَّهُ يعرف أمره [من الْإِسْنَاد] بِخِلَاف من ذكره بِلَا إِسْنَاد وَجزم بِهِ كالزمخشري فَإِن خطأه أَشد

ص: 298