المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الثالث عشر الشاذ - النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي - جـ ٢

[بدر الدين الزركشي]

الفصل: ‌النوع الثالث عشر الشاذ

‌النَّوْع الثَّالِث عشر الشاذ

هُوَ لُغَة التفرد يُقَال شَذَّ يشذ ويشذ بِضَم الشين وَكسرهَا

أَي انْفَرد عَن الْجُمْهُور قَالَه فِي الصِّحَاح

182 -

(قَوْله) عَن الشَّافِعِي لَيْسَ الشاذ من الحَدِيث أَن يروي الثِّقَة مَالا يروي غَيره إِنَّمَا الشاذ أَن يروي الثِّقَة حَدِيثا يُخَالف مَا روى النَّاس انْتهى

هَكَذَا نَقله الْعَبَّادِيّ فِي طبقاته عَن الشَّافِعِي وَزَاد عَنهُ تمثيله بِحَدِيث معَاذ

ص: 133

ابْن جبل فِي غَزْوَة تَبُوك فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ

يُرِيد مَا أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن قُتَيْبَة حَدثنَا اللَّيْث بن سعد عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الطُّفَيْل عَن معَاذ بن جبل - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَة تَبُوك إِذا ارتحل ح ~ ثمَّ قَالَ رَوَاهُ ابْن الْمَدِينِيّ عَن أَحْمد عَن قُتَيْبَة وَهُوَ حسن غَرِيب تفرد بِهِ قُتَيْبَة لَا نعلم أحدا رَوَاهُ عَن اللَّيْث غَيره

ص: 134

وَقَالَ الْحَاكِم رِوَايَة أَئِمَّة ثِقَات وَهُوَ شَاذ الْإِسْنَاد والمتن ثمَّ قَالَ وَلَيْسَ ليزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الطُّفَيْل رِوَايَة وَلَا وجدنَا هَذَا الْمَتْن بِهَذِهِ السِّيَاقَة عِنْد أحد من أَصْحَاب أبي الطُّفَيْل ثمَّ قَالَ فَنَظَرْنَا فَإِذا الحَدِيث مَوْضُوع وقتيبة ثِقَة مَأْمُون ثمَّ روى بِسَنَدِهِ إِلَى البُخَارِيّ قَالَ قلت لقتيبة مَعَ من كتبت عَن اللَّيْث هَذَا الحَدِيث قَالَ مَعَ خَالِد يَعْنِي ابْن الْقَاسِم الْمَدَائِنِي قَالَ البُخَارِيّ وَكَانَ خَالِد

ص: 135

الْمَدَائِنِي يدْخل الْأَحَادِيث على الشُّيُوخ وَقَالَ أَبُو سعيد بن يُونُس لم يحدث بِهِ إِلَّا قُتَيْبَة وَيُقَال إِنَّه غلط وَإِن مَوضِع يزِيد بن أبي حبيب أَبُو الزبير

وروى الْأَثْرَم فِي كتاب النَّاسِخ والمنسوخ من جِهَة مُوسَى بن عَليّ عَن

ص: 136

أَبِيه عَن عقبَة بن عَامر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْم عَرَفَة وَأَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام أكل وَشرب وَقَالَ هَذَا حَدِيث تفرد بِهِ مُوسَى بن عَليّ وَالَّذين رووا هَذَا الحَدِيث لم يذكرُوا عَرَفَة وَقد يهم الْحَافِظ أَحْيَانًا وَالْأَحَادِيث إِذا كثرت كَانَت أثبت من الْوَاحِد الشاذ كَمَا قَالَ إِيَاس بن مُعَاوِيَة إياك والشاذ من

ص: 137

الْعلم وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن أدهم إِنَّك إِن حملت الشاذ من الْعلم حملت شرا كثيرا قَالَ وَعِنْدنَا [هُوَ الَّذِي] يَجِيء بِخِلَاف مَا جَاءَ بِهِ غَيره وَلَيْسَ الشاذ الَّذِي يَجِيء وَحده بِشَيْء لم يَجِيء بِهِ أحد قد يُخَالِفهُ غَيره

183 -

(قَوْله) وَحكى الخليلي نَحْو هَذَا عَن الشَّافِعِي

يَعْنِي فَإِنَّهُ قَالَ وَأما الشواذ فَقَالَ الشَّافِعِي وَجَمَاعَة من أهل الْحجاز الشاذ عندنَا مَا يرويهِ الثِّقَات على لفظ وَاحِد وَيَرْوِيه ثِقَة خِلَافه زَائِدا أَو نَاقِصا وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب أَكثر الْمُحدثين على أَن الشاذ أَن يروي مَا لَا يرويهِ سَائِر الثِّقَات سَوَاء خالفهم أم لَا وَمذهب الشَّافِعِي وَطَائِفَة من عُلَمَاء الْحجاز أَن الشاذ مَا يُخَالف الثِّقَات أما مَالا يخالفهم فَلَيْسَ بشاذ بل يحْتَج بِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح انْتهى

ص: 138

وَيُؤَيِّدهُ أَن الْمَذْهَب الصَّحِيح قبُول الزِّيَادَة من الثِّقَة والمانعون يشكل عَلَيْهِم الْجمع بَين الْأَمريْنِ

وَجرى الميانشي على طَرِيق الْمُحدثين فَقَالَ الشاذ أَنه يرويهِ راو مَعْرُوف لكنه لَا يُوَافقهُ على رِوَايَته المعروفون

وحاول بَعضهم نفي الْخلاف فِي ذَلِك فَقَالَ لَا يحمل كَلَام الشَّافِعِي على خلاف قَول الْمُحدثين بل كَلَام الشَّافِعِي مَحْمُول على حكم الشاذ الَّذِي لَا يحْتَج بِهِ وَهُوَ الَّذِي انْفَرد بِهِ ثِقَة عَن غَيره مُخَالف لما رَوَاهُ النَّاس وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى يُسمى مُنْكرا فَعلمنَا من هَذَا أَن مُرَاد الشَّافِعِي بَيَان حكم الشاذ الَّذِي لَا يحْتَج بِهِ لَا تَعْرِيف الشاذ من حَيْثُ هُوَ لِأَن الشَّافِعِي أجل من أَن يخفى عَلَيْهِ ذَلِك (أ 104) بل كَلَام الشَّافِعِي يفهم أَن أهل الحَدِيث يطلقون الشاذ على مَا انْفَرد بِهِ ثِقَة فَحصل

ص: 139

أَن الَّذِي انْفَرد بِهِ ثِقَة أَو غير ثِقَة هُوَ الشاذ ثمَّ إِن كَانَ الِانْفِرَاد من الثِّقَة فَهُوَ صَحِيح يحْتَج بِهِ وَإِن كَانَ من غَيره فَلَا وَهَذَا تَقْسِيم لبَعْضهِم الشاذ إِلَى صَحِيح وَغير صَحِيح كَمَا فعلوا فِي الْعِلَل بل قسم بَعضهم الشاذ إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام صَحِيح وَحسن وَضَعِيف لِأَن الْمُنْفَرد إِن كَانَ ثِقَة فَصَحِيح وَإِن كَانَ غير ثِقَة فَحسن وَإِلَّا فضعيف

184 -

(قَوْله) كَحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فَإِنَّهُ فَرد إِلَى آخِره

اعْترض عَلَيْهِ الْحَافِظ جمال الدّين الْمزي فَقَالَ فِي التَّمْثِيل نظر لِأَن لَهُ شَاهدا وَهُوَ مَا رَوَاهُ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ابْن مَسْعُود أخرجه الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح فَخرج عَن أَن يكون شاذا بذلك انْتهى

ص: 140

وَذكر عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مَنْدَه فِي الْمُسْتَخْرج أَنه رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَليّ بن أبي طَالب وَسعد بن أبي وَقاص وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَأنس وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة وَأَبُو هُرَيْرَة وَعبادَة بن الصَّامِت وَعتبَة بن عبد السّلمِيّ وهزال بن يزِيد (د 64) وَعقبَة بن عَامر وَأَبُو ذَر الْغِفَارِيّ وَجَابِر وَعتبَة بن الندر وَعقبَة بن مُسلم وَذكر أَحَادِيثهم إِلَّا أَنه لم يذكر أسانيدها وأكثرها لَا يَصح قَالَ شَيخنَا عماد الدّين بن كثير وَمَا ذكره ابْن مَنْدَه غَرِيب وَقد عرضته على شَيخنَا الْحَافِظ الْمزي فَقَالَ لَا يكَاد يَصح من هَذَا شَيْء

ص: 141

واستغرب ذَلِك جدا

ص: 142

وَأما دَعْوَى المُصَنّف تفرد عَلْقَمَة عَن عمر فَلَيْسَ كَذَلِك فقد رَوَاهُ عَن عمر غير عَلْقَمَة جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن عَامر بن ربيعَة وَعبد الله بن عمر بن الْخطاب وَأَبُو جُحَيْفَة وَذُو الكلاع وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر وواصل بن عَمْرو الحذامي وَعَطَاء بن يسَار وناشرة بن سمي وَأَيْضًا لم يتفرد بِهِ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة فقد رَوَاهُ عَنهُ نَافِع مولى ابْن عمر وَابْن

ص: 143

الْمسيب [كَذَا ذكره ابْن مَنْدَه فِي الْمُسْتَخْرج مَعَ ذكره ابْن الْمسيب] فِي جملَة من روى عَن عمر لَكِن رِوَايَة ابْن الْمسيب عَن عمر مُنْقَطِعَة وَرِوَايَته عَن عَلْقَمَة مُتَّصِلَة

وَلم ينْفَرد يحيى بن سعيد بروايته ذَلِك عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم فقد رَوَاهُ عَن [مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم مُحَمَّد بن عَمْرو

ص: 144

وَدَاوُد بن أبي الْفُرَات و] مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَابْن بشار وحجاج بن أَرْطَاة وَعبد ربه بن سعيد هَذَا كُله كَلَام ابْن مَنْدَه لَكِن أَسَانِيد هَذِه لَا تصح فَلهَذَا كَانَ هَذَا الحَدِيث فَردا فِي الصِّحَّة

185 -

(قَوْله) وأوضح من ذَلِك حَدِيث عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن بيع الْوَلَاء وهبته تفرد بِهِ عبد الله بن دِينَار

ص: 145

قد يُقَال هَذَا فِيهِ نظر فقد رَوَاهُ [عَن ابْن عمر نَافِع] قَالَ أَبُو حَاتِم حَدثنَا قبيصَة بن عقبَة عَن الثَّوْريّ عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن بيع الْوَلَاء وهبته

ص: 146

قَالَ شَيخنَا عماد الدّين ونقلته من خطه هَذَا غَرِيب جدا والْحَدِيث مَشْهُور فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من حَدِيث الثَّوْريّ عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر قَالَ مُسلم النَّاس عِيَال فِي هَذَا الحَدِيث على عبد الله بن دِينَار

قلت وَقَالَ التِّرْمِذِيّ قد روى يحيى بن سليم هَذَا الحَدِيث عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَهُوَ وهم وهم فِيهِ يحيى بن سليم فقد روى عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ وَعبد الله بن نمير وَغير وَاحِد عَن عبد الله بن دِينَار وَهَذَا أصح من حَدِيث يحيى بن سليم

ص: 147

وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي الْعِلَل سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ سعيد بن يحيى الْأمَوِي عَن أَبِيه عَن عبيد الله عَن نَافِع وَعبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن بيع الْوَلَاء وهبته قَالَ أبي نَافِع أَخذ عَن عبد الله بن دِينَار هَذَا الحَدِيث وَلَكِن هَكَذَا قَالَ انْتهى

وَرَوَاهُ أَيْضا عَن ابْن عمر عَمْرو بن دِينَار رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْوسط قَالَ ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى ثَنَا أبي عَن أَبِيه عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن

ص: 148

دِينَار أَنه سمع ابْن عمر يَقُول نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن بيع الْوَلَاء وَعَن هِبته

قَالَ الطَّبَرَانِيّ لم يروه عَن سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار إِلَّا يحيى بن حَمْزَة تفرد بِهِ وَلَده عَنهُ

186 -

(قَوْله) وَحَدِيث مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دخل مَكَّة وعَلى رَأسه المغفر

ص: 149

لم ينْفَرد بذلك فقد رَوَاهُ [غَيره] عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس

ص: 150

187 -

(قَوْله) وَقد قَالَ مُسلم بن الْحجَّاج

ص: 151

أَي فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور وَقد روى الزُّهْرِيّ حَدِيث من قَالَ لصَاحبه [تعال] أقامرك فليتصدق لَا يرويهِ أحد غير الزُّهْرِيّ وللزهري [نَحْو] من تسعين حرفا يرويهِ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يُشَارِكهُ فِيهَا أحد بأسانيد جِيَاد

وَقَالَ الْحَاكِم فِي النَّوْع السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ تفرد الزُّهْرِيّ عَن نَيف وَعشْرين رجلا من التَّابِعين لم يرو عَنْهُم غَيره

188 -

(قَوْله) لَيْسَ الأمرعلى الْإِطْلَاق الَّذِي [أَتَى بِهِ] الخليلي وَالْحَاكِم إِلَى آخِره

فِيهِ نظر لِأَن الخليلي مَا حكم بِشَيْء من جِهَة نَفسه بل ذكر قَول الشَّافِعِي

ص: 152

فَقَط

[و] قَوْله إِن مُرَاد الشَّافِعِي حكم الشاذ لَا تَعْرِيفه وَأما الْحَاكِم فقد عرف الشاذ والتعريف لَا يعول عَلَيْهِ إِلَّا من جِهَة الْجمع أَو الْمَنْع

فَيُقَال هَذَا غير جَامع أَو غير مَانع فَإِنَّهُ قَالَ إِنَّه غير مَانع لدُخُول الحَدِيث الَّذِي انْفَرد بِهِ الْآحَاد مَعَ كَونه ورد فِي الصَّحِيح [فللحاكم أَن يَقُول لَا يعْتَبر فِي وُرُود الحَدِيث الْمُنْفَرد فِي الصَّحِيح] لِأَنَّهُ لم يحكم بِصِحَّتِهِ وَلَا بضعفه بل بشذوذه وَلَا يلْزم من ذَلِك ضعفه لِأَن التفرد رُبمَا ينجبر بِمَا يلْحقهُ بِالصَّحِيحِ أَو الْحسن

ص: 153