المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة نحمد الله تعالى على وافر فضله، وسابغ - الوافي في شرح الشاطبية

[عبد الفتاح القاضي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌[أبواب الكتاب]

- ‌1 باب التقديم للشاطبية وبيان رموزها [1 - 94]

- ‌2 باب الاستعاذة [95 - 99]

- ‌3 باب البسملة [100 - 107]

- ‌4 سورة أم القرآن [108 - 115]

- ‌5 باب الإدغام الكبير [116 - 131]

- ‌6 باب إدغام الحرفين المتقاربين في كلمة وفي كلمتين [132 - 157]

- ‌7 باب هاء الكناية [158 - 167]

- ‌8 باب المد والقصر [168 - 182]

- ‌9 باب الهمزتين من كلمة [183 - 201]

- ‌تلخيص مذاهب القراء

- ‌10 باب الهمزتين من كلمتين [202 - 213]

- ‌11 باب الهمز المفرد [214 - 225]

- ‌12 باب نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها [226 - 234]

- ‌13 باب وقف حمزة وهشام على الهمز [235 - 254]

- ‌14 باب الإظهار والإدغام [255 - 258]

- ‌15 باب ذال إذ [259 - 261]

- ‌16 باب دال قد [262 - 265]

- ‌17 باب تاء التأنيث [266 - 269]

- ‌18 باب لام هل وبل [270 - 273]

- ‌19 باب اتفاقهم في إدغام إذ وقد وتاء التأنيث وهل وبل [274 - 276]

- ‌20 باب ذكر حروف قربت مخارجها [277 - 285]

- ‌21 باب أحكام النون الساكنة والتنوين [286 - 290]

- ‌22 باب الفتح والإمالة وبين اللفظين [291 - 338]

- ‌23 باب مذهب الكسائي في إمالة هاء التأنيث وما قبلها في الوقف [339 - 342]

- ‌24 باب مذاهبهم في الراءات [343 - 358]

- ‌25 باب اللامات [359 - 364]

- ‌26 باب الوقف على أواخر الكلم [365 - 375]

- ‌27 باب الوقف على مرسوم الخط [376 - 386]

- ‌28 باب مذاهبهم في ياءات الإضافة [387 - 419]

- ‌29 باب ياءات الزوائد [420 - 444]

- ‌30 باب فرش الحروف- سورة البقرة [445 - 545]

- ‌31 باب فرش حروف سورة آل عمران [546 - 586]

- ‌32 باب فرش حروف سورة النساء [587 - 613]

- ‌33 باب فرش حروف سورة المائدة [614 - 631]

- ‌34 باب فرش حروف سورة الأنعام [632 - 680]

- ‌35 باب فرش حروف سورة الأعراف [681 - 713]

- ‌36 باب فرش حروف سورة الأنفال [714 - 724]

- ‌37 باب فرش حروف سورة التوبة [725 - 737]

- ‌38 باب فرش حروف سورة يونس عليه السلام [738 - 754]

- ‌39 باب فرش حروف سورة هود عليه السلام [755 - 771]

- ‌40 - باب فرش حروف يوسف عليه السلام [772 - 786]

- ‌41 باب فرش حروف سورة الرعد [787 - 796]

- ‌42 باب فرش حروف سورة إبراهيم عليه السلام [797 - 801]

- ‌43 باب فرش حروف سورة الحجر [802 - 807]

- ‌44 باب فرش حروف سورة النحل [808 - 815]

- ‌45 باب فرش حروف سورة الإسراء [816 - 829]

- ‌46 باب فرش حروف سورة الكهف [830 - 859]

- ‌47 باب فرش حروف سورة مريم عليها السلام [860 - 870]

- ‌48 فرش حروف سورة طه عليه السلام [871 - 886]

- ‌49 باب فرش حروف سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام [887 - 892]

- ‌50 باب فرش حروف سورة الحج [893 - 902]

- ‌51 باب فرش حروف سورة المؤمنون [903 - 911]

- ‌52 باب فرش حروف سورة النور [913 - 919]

- ‌53 باب فرش حروف سورة الفرقان [920 - 926]

- ‌54 باب فرش حروف سورة الشعراء [927 - 931]

- ‌55 باب فرش حروف سورة النمل [932 - 944]

- ‌56 باب فرش حروف سورة القصص [945 - 951]

- ‌57 باب فرش حروف سورة العنكبوت [952 - 957]

- ‌58 باب فرش حروف من سورة الروم إلى سورة سبأ [958 - 974]

- ‌59 باب فرش حروف سورة سبأ وفاطر [975 - 985]

- ‌60 باب فرش حروف سورة يس [986 - 992]

- ‌61 باب فرش حروف سورة الصافات [993 - 1000]

- ‌62 باب فرش حروف سورة ص [1001 - 1004]

- ‌63 باب فرش حروف سورة الزمر [1005 - 1009]

- ‌64 باب فرش حروف سورة المؤمن غافر [1010 - 1014]

- ‌65 باب فرش حروف سورة فصلت [1015 - 1017]

- ‌66 باب فرش حروف سورة الشورى والزخرف والدخان [1018 - 1030]

- ‌67 باب فرش حروف سورة الشريعة والأحقاف [1031 - 1037]

- ‌68 باب فرش حروف من سورة محمد صلى الله عليه وسلم إلى سورة الرحمن عز وجل [1038 - 1051]

- ‌69 باب فرش حروف سورة الرحمن عز وجل [1052 - 1058]

- ‌70 باب فرش حروف سورة الواقعة والحديد [1059 - 1064]

- ‌71 باب فرش حروف سورة المجادلة إلى سورة ن [1065 - 1077]

- ‌72 باب فرش حروف من سورة ن إلى سورة القيامة [1078 - 1091]

- ‌73 باب فرش حروف سورة القيامة إلى سورة النبا [1092 - 1098]

- ‌74 باب فرش حروف سورة النبا إلى سورة العلق [1099 - 1114]

- ‌75 باب فرش حروف من سورة العلق إلى آخر القرآن [1115 - 1120]

- ‌76 باب التكبير [1121 - 1133]

- ‌77 باب مخارج الحروف وصفاتها التي يحتاج القارئ إليها [1134 - 1159]

- ‌78 باب خاتمة الشاطبية [1160 - 1173]

- ‌الفهرس

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة نحمد الله تعالى على وافر فضله، وسابغ

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة

نحمد الله تعالى على وافر فضله، وسابغ قوله، ونصلي ونسلم على سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم صفوة رسله، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

أما بعد: فهذا شرح «حرز الأماني ووجه التهاني» المعروف «بالشاطبية» في القراءات السبع للإمام أبي القاسم الشاطبي رضى الله عنه، يحل رموزه، ويبرز كنوزه، ويفتح مغلقه، ويقيد مطلقه، ويفصل مجمله، ويوضح مشكله، ويزيل مبهمه، ويميط اللثام عن عباراته، ويكشف النقاب عن إشاراته. وضعته خدمة لطلاب المعاهد الأزهرية في ديارنا المصرية، ولطلاب المعاهد الدينية في البلاد الإسلامية الشقيقة المقرر عليهم تدريس متن الشاطبية.

والإمام الشاطبي هو أبو القاسم بن فيرة (1) بن خلف بن أحمد الشاطبي الأندلسي الرعيني الضرير. ولد في آخر سنة 538 هجرية بشاطبة (2)، حيث تلقى فيها القراءات وحذقها على أبي عبد الله محمد بن أبي العاص النفري ثم رحل إلى بلنسية (3) فعرض بها التيسير للإمام أبي عمرو الداني، كما عرض بها القراءات على الإمام ابن هذيل، وسمع منه الحديث. وأخذ على أبي عبد الله محمد بن حميد كتاب سيبويه، والكامل للمبرد، وأدب الكاتب لابن قتيبة. ثم رحل للحج عن طريق الإسكندرية؛ فسمع بها من أبي طاهر السلفي وغيره من الفضلاء. ولما دخل القاهرة أقبل عليه الناس واجتمعوا حوله يرتشفون من علمه الفياض، وينهلون من أدبه الغزير. فلما ترامت أخباره إلى «القاضي الفاضل» حاكم مصر اتصل به وأكرم نزله وجعله شيخا للمدرسة

(1) بكسر الفاء وبعدها ياء مثناة تحتية ساكنة ثم راء مشددة مضمومة بعدها هاء ومعناها بلغة عجم الأندلس الجديد.

(2)

هي قرية من قرى الأندلس.

(3)

قرية قريبة من بلده.

ص: 3

الفاضلية بالقاهرة، فتصدر بها للإقراء، وحضر له أهل العلم من كل صوب وحدب ليتلقوا عنه علوم القرآن الكريم، وبهذه المدرسة نظم فيما نعلم أربع قصائد:

الأولى: حرز الأماني، وهي التي نحن بصدد شرحها، اختصر فيها كتاب «التيسير» في القراءات السبع للإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني.

الثانية: عقيلة أتراب القصائد في بيان رسم المصاحف العثمانية، اختصر فيها كتاب المقنع للإمام الداني المذكور.

الثالثة: ناظمة الزهر في علم الفواصل- ولنا عليها شرح وجيز نافع- اختصر فيها كتاب البيان في عدّ آي القرآن للإمام الداني أيضا.

الرابعة: قصيدة دالية لخّص فيها كتاب التمهيد لابن عبد البر.

وكان الشاطبي رضى الله عنه إماما ثبتا، حجة في علوم القرآن والحديث واللغة، كما كان آية من آيات الله في حدة الذهن وحصافة العقل وقوة الإدراك، ويزين ذلك كله زهد في الدنيا، وورع في الدين، وإقبال على الله تعالى بمختلف العبادات ومتنوع القربات، ولا يجلس للإقراء إلا على طهارة، وكان يمنع جلساءه من الخوض إلا في العلم والقرآن، وكان يعتل العلة الشديدة ولا يشتكي، فكان مثلا أعلى للصبر والاستسلام لربه والخضوع لحكمه، وإذا سئل عن حاله لا يزيد على أن يقول:«العافية» .

توفّي الإمام في يوم 28 جمادى الآخرة سنة 590 هجرية، ودفن بمقبرة القاضي الفاضل بالقرافة الصغرى بسفح جبل المقطم بالقاهرة، وقبره معروف يقصد حتى الآن للزيارة، تغمده الله بواسع رحماته، وأفاض علينا من خيراته وبركاته.

أما عن أنزل القرآن على سبعة أحرف وحكمة ذلك: فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» [رواه البخاري ومسلم] .. وعن أبيّ بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة (1) بني غفار فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك» ثم أتاه الثانية فقال:

إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال: «أسأل

(1) الأضاة بفتح الهمزة مستنقع الماء وكان بموضع من المدينة وينسب إلى بني غفار فقد نزلوا عنده.

ص: 4

الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك» ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال:«أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك» ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف؛ فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا. [رواه مسلم].

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره (1) في الصلاة فتصبرت حتى سلّم فلببته بردائه (2) فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كذبت فإن

رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:

أني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اقرأ يا هشام» فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلك أنزلت» ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال صلى الله عليه وسلم:«كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه (3)» [رواه البخاري ومسلم].

وعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال: «يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين، فيهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط» قال: يا محمد إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف. [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح].

وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة اختلافا كثيرا وذهبوا فيه مذاهب شتى، والذي نرجحه من بين هذه المذاهب مذهب الإمام أبي الفضل الرازي، وهو أن المراد بهذه الأحرف الأوجه التي يقع بها التغاير والاختلاف.

والأوجه التي يقع بها هذا التغاير والاختلاف لا تخرج عن سبعة: الأول: اختلاف الأسماء في الإفراد والتثنية والجمع، نحو قوله تعالى في سورة البقرة:

وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ قرئ لفظ (مسكين) هكذا بالإفراد وقرئ (مساكين) بالجمع. وقوله تعالى في الحجرات: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ قرئ بفتح الهمزة والخاء والواو وبعدها ياء ساكنة على أنه مثنى أخ، وقرئ:«إخوتكم» بكسر

(1) أواثبه وأقاتله.

(2)

جمعت عليه رداءه عند لبته.

(3)

أي من الأحرف المنزل بها.

ص: 5

الهمزة، وسكون الخاء وفتح الواو، وبعدها تاء مكسورة على أنه جمع أخ. وقوله تعالى في سورة سبأ: وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ قرئ بإثبات الألف بعد الفاء مع ضم الراء على الجمع، وقرئ بحذف الألف وسكون الراء على الإفراد. واختلاف الأسماء أيضا في التذكير والتأنيث نحو قوله تعالى في البقرة: وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ قرئ (يقبل) بياء التذكير وتاء التأنيث. وقوله تعالى في النحل: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ* قرئ (يتوفاهم) بياء التذكير، وقرئ بتاء التأنيث. وقوله تعالى في الأنفال: وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ قرئ (يكن) بياء التذكير وتاء التأنيث.

الثاني: اختلاف تصريف الأفعال، من ماض ومضارع وأمر، نحو: قوله تعالى في البقرة: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً قرئ بفتح التاء والطاء مخففة مع فتح العين على أنه فعل ماض، وقرئ (يطّوع) بياء مفتوحة وبعدها طاء مشددة مفتوحة مع جزم العين على أنه فعل مضارع. وقوله تعالى بيوسف: فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ قرئ بجيم مشددة بعد النون

المضمومة وبعدها ياء مفتوحة على أنه فعل ماض؛ وقرئ بزيادة نون ساكنة بعد النون المضمومة مع تخفيف الجيم وسكون الياء على أنه فعل مضارع. وقوله تعالى في الأنبياء:

قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ قرئ (قال) على أنه فعل ماض وقرئ (قل) على أنه فعل أمر. وقوله تعالى في البقرة: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قرئ (أعلم) بهمزة قطع مفتوحة مع رفع الميم على أنه فعل مضارع، وقرئ (اعلم) بهمزة وصل تثبت مكسورة في الابتداء وتسقط في الدرج مع سكون الميم على أنه فعل أمر.

الثالث: اختلاف وجوه الإعراب، نحو قوله تعالى في سورة البقرة: وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ قرئ بضم التاء ورفع اللام على أن (لا) نافية، وقرئ بفتح التاء وجزم اللام على أن (لا) ناهية. وقوله تعالى في إبراهيم: اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ قرئ بخفض الهاء من لفظ الجلالة وقرئ برفعها. وقوله تعالى في النور: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ قرئ (يسبح) بكسر الباء وفتحها على البناء للمعلوم والمجهول.

الرابع: الاختلاف بالنقص والزيادة، كقوله تعالى بآل عمران: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ قرئ بإثبات الواو قبل السين وقرئ بحذفها. وقوله تعالى في يوسف:

قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ قرئ بزيادة الياء المفتوحة بعد الألف وقرئ

ص: 6

بحذفها. وقوله تعالى في الشورى وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ قرئ (فبما) بفاء قبل الباء وقرئ (بما) بحذف الفاء.

الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير، كقوله تعالى في آل عمران وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا قرئ بتقديم (وقاتلوا) وتأخير (وقتلوا) وقرئ بتقديم (وقتلوا) وتأخير (وقاتلوا). وقوله تعالى في الإسراء وفصلت: وَنَأى بِجانِبِهِ قرئ بتقديم الهمزة على الألف وقرئ بتقديم الألف على الهمزة. وقوله تعالى في المطففين: خِتامُهُ مِسْكٌ قرئ بكسر الخاء وتقديم التاء المفتوحة على الألف وقرئ بفتح الخاء وتقديم الألف على التاء المفتوحة.

السادس: الاختلاف بالإبدال، أي جعل حرف مكان آخر، كقوله تعالى في سورة يونس: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ قرئ (تبلوا) بتاء مفتوحة فباء ساكنة وقرئ بتاءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة. وقوله تعالى في الشعراء: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ قرئ (وتوكل) بالواو، وقرئ (فتوكل) بالفاء. وقوله تعالى في سورة التكوير: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ قرئ بالضاد والطاء.

السابع: الاختلاف في اللهجات: كالفتح والإمالة، والإظهار والإدغام، والتسهيل

والتحقيق، والتفخيم والترقيق وهكذا، ويدخل في هذا النوع الكلمات التي اختلفت فيها لغة القبائل وتباينت ألسنتهم في النطق بها نحو: خطوات، بيوت، خفية، زبورا،

شنآن، السحت، الأذن، بالعدوة، بزعمهم، يعزب، يقنط.

وأما الحكمة في إنزال القرآن على هذه الأوجه المختلفة، فهي: أن العرب الذي نزل القرآن بلغتهم، ألسنتهم مختلفة، ولهجاتهم متباينة، ويتعذر على الواحد منهم أن ينتقل من لهجته التي درج عليها، ومرن لسانه على التخاطب بها، فصارت هذه اللهجة طبيعة من طبائعه، وسجية من سجاياه، واختلطت بلحمه ودمه، بحيث لا يمكنه التغاضي عنها ولا العدول إلى غيرها ولو بطريق التعليم والعلاج، خصوصا الشيخ الكبير والمرأة العجوز والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قطّ، كما في حديث الترمذي الآنف الذكر.

فلو كلفهم الله تعالى مخالفة لهجاتهم والعدول عنها لشقّ ذلك عليهم، ولكان ذلك من قبيل التكليف بما لا يدخل تحت الطاقة، فاقتضت رحمة الله تعالى بهذه

ص: 7

الأمة أن يخفف عليها وأن ييسر لها حفظ كتابها وتلاوة دستورها، كما يسّر لها أمر دينها وأن يحقق لها أمنية نبيها حين أتاه جبريل فقال له: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته فإن أمتي لا تطيق ذلك» ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يردد في المسألة ويلحف في الرجاء حتى أذن الله له أن يقرئ أمته القرآن على سبعة أحرف، فكان صلى الله عليه وسلم يقرئ كل قبيلة بما يوافق لغتها ويلائم لسانها.

أما عن قراءات الأئمة السبعة وصلتها بالأحرف السبعة: فيرى بعض الناس أن قراءة أي قارئ من القراء السبعة هي أحد الأحرف السبعة المذكورة في الحديث. فيزعموا أن قراءة نافع هي حرف، وقراءة ابن كثير هي حرف آخر، وهكذا قراءات باقي القراء السبعة، كل قراءة منها حرف من الأحرف السبعة، وهذا الرأي بعيد عن الصواب ومخالف للإجماع لأسباب متعددة أهمها: أن الأحرف السبعة نزلت في أول الأمر للتيسير على الأمة ثم نسخ الكثير منها بالعرضة الأخيرة، مما حدى بالخليفة عثمان بن عفان إلى كتابة المصاحف التي بعث بها إلى الأمصار وأحرق كل ما عداها من المصاحف.

والصواب: أن قراءات الأئمة السبعة بل العشرة التي يقرأ الناس بها اليوم هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، وورد فيها الحديث:«أنزل القرآن على سبعة أحرف» وغيره من الأحاديث. وهذه القراءات العشر جميعها موافقة لخط مصحف من المصاحف العثمانية التي بعث بها عثمان إلى الأمصار بعد أن أجمع الصحابة عليها وعلى إطراح كل ما يخالفها.

أسأل الله سبحانه أن يثيبني على هذا العمل الجليل بقدر ما لي فيه من حسن النية، ونبالة القصد، وأن يمنحني الإخلاص الدائم لخدمة كتابه المجيد، ويجعله شفيعا لي يوم الدين، فهو حسبي ونعم الوكيل ..

خادم العلم والقرآن

عبد الفتّاح القاضي

ص: 8