المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 باب التقديم للشاطبية وبيان رموزها [1 - 94] - الوافي في شرح الشاطبية

[عبد الفتاح القاضي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌[أبواب الكتاب]

- ‌1 باب التقديم للشاطبية وبيان رموزها [1 - 94]

- ‌2 باب الاستعاذة [95 - 99]

- ‌3 باب البسملة [100 - 107]

- ‌4 سورة أم القرآن [108 - 115]

- ‌5 باب الإدغام الكبير [116 - 131]

- ‌6 باب إدغام الحرفين المتقاربين في كلمة وفي كلمتين [132 - 157]

- ‌7 باب هاء الكناية [158 - 167]

- ‌8 باب المد والقصر [168 - 182]

- ‌9 باب الهمزتين من كلمة [183 - 201]

- ‌تلخيص مذاهب القراء

- ‌10 باب الهمزتين من كلمتين [202 - 213]

- ‌11 باب الهمز المفرد [214 - 225]

- ‌12 باب نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها [226 - 234]

- ‌13 باب وقف حمزة وهشام على الهمز [235 - 254]

- ‌14 باب الإظهار والإدغام [255 - 258]

- ‌15 باب ذال إذ [259 - 261]

- ‌16 باب دال قد [262 - 265]

- ‌17 باب تاء التأنيث [266 - 269]

- ‌18 باب لام هل وبل [270 - 273]

- ‌19 باب اتفاقهم في إدغام إذ وقد وتاء التأنيث وهل وبل [274 - 276]

- ‌20 باب ذكر حروف قربت مخارجها [277 - 285]

- ‌21 باب أحكام النون الساكنة والتنوين [286 - 290]

- ‌22 باب الفتح والإمالة وبين اللفظين [291 - 338]

- ‌23 باب مذهب الكسائي في إمالة هاء التأنيث وما قبلها في الوقف [339 - 342]

- ‌24 باب مذاهبهم في الراءات [343 - 358]

- ‌25 باب اللامات [359 - 364]

- ‌26 باب الوقف على أواخر الكلم [365 - 375]

- ‌27 باب الوقف على مرسوم الخط [376 - 386]

- ‌28 باب مذاهبهم في ياءات الإضافة [387 - 419]

- ‌29 باب ياءات الزوائد [420 - 444]

- ‌30 باب فرش الحروف- سورة البقرة [445 - 545]

- ‌31 باب فرش حروف سورة آل عمران [546 - 586]

- ‌32 باب فرش حروف سورة النساء [587 - 613]

- ‌33 باب فرش حروف سورة المائدة [614 - 631]

- ‌34 باب فرش حروف سورة الأنعام [632 - 680]

- ‌35 باب فرش حروف سورة الأعراف [681 - 713]

- ‌36 باب فرش حروف سورة الأنفال [714 - 724]

- ‌37 باب فرش حروف سورة التوبة [725 - 737]

- ‌38 باب فرش حروف سورة يونس عليه السلام [738 - 754]

- ‌39 باب فرش حروف سورة هود عليه السلام [755 - 771]

- ‌40 - باب فرش حروف يوسف عليه السلام [772 - 786]

- ‌41 باب فرش حروف سورة الرعد [787 - 796]

- ‌42 باب فرش حروف سورة إبراهيم عليه السلام [797 - 801]

- ‌43 باب فرش حروف سورة الحجر [802 - 807]

- ‌44 باب فرش حروف سورة النحل [808 - 815]

- ‌45 باب فرش حروف سورة الإسراء [816 - 829]

- ‌46 باب فرش حروف سورة الكهف [830 - 859]

- ‌47 باب فرش حروف سورة مريم عليها السلام [860 - 870]

- ‌48 فرش حروف سورة طه عليه السلام [871 - 886]

- ‌49 باب فرش حروف سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام [887 - 892]

- ‌50 باب فرش حروف سورة الحج [893 - 902]

- ‌51 باب فرش حروف سورة المؤمنون [903 - 911]

- ‌52 باب فرش حروف سورة النور [913 - 919]

- ‌53 باب فرش حروف سورة الفرقان [920 - 926]

- ‌54 باب فرش حروف سورة الشعراء [927 - 931]

- ‌55 باب فرش حروف سورة النمل [932 - 944]

- ‌56 باب فرش حروف سورة القصص [945 - 951]

- ‌57 باب فرش حروف سورة العنكبوت [952 - 957]

- ‌58 باب فرش حروف من سورة الروم إلى سورة سبأ [958 - 974]

- ‌59 باب فرش حروف سورة سبأ وفاطر [975 - 985]

- ‌60 باب فرش حروف سورة يس [986 - 992]

- ‌61 باب فرش حروف سورة الصافات [993 - 1000]

- ‌62 باب فرش حروف سورة ص [1001 - 1004]

- ‌63 باب فرش حروف سورة الزمر [1005 - 1009]

- ‌64 باب فرش حروف سورة المؤمن غافر [1010 - 1014]

- ‌65 باب فرش حروف سورة فصلت [1015 - 1017]

- ‌66 باب فرش حروف سورة الشورى والزخرف والدخان [1018 - 1030]

- ‌67 باب فرش حروف سورة الشريعة والأحقاف [1031 - 1037]

- ‌68 باب فرش حروف من سورة محمد صلى الله عليه وسلم إلى سورة الرحمن عز وجل [1038 - 1051]

- ‌69 باب فرش حروف سورة الرحمن عز وجل [1052 - 1058]

- ‌70 باب فرش حروف سورة الواقعة والحديد [1059 - 1064]

- ‌71 باب فرش حروف سورة المجادلة إلى سورة ن [1065 - 1077]

- ‌72 باب فرش حروف من سورة ن إلى سورة القيامة [1078 - 1091]

- ‌73 باب فرش حروف سورة القيامة إلى سورة النبا [1092 - 1098]

- ‌74 باب فرش حروف سورة النبا إلى سورة العلق [1099 - 1114]

- ‌75 باب فرش حروف من سورة العلق إلى آخر القرآن [1115 - 1120]

- ‌76 باب التكبير [1121 - 1133]

- ‌77 باب مخارج الحروف وصفاتها التي يحتاج القارئ إليها [1134 - 1159]

- ‌78 باب خاتمة الشاطبية [1160 - 1173]

- ‌الفهرس

الفصل: ‌1 باب التقديم للشاطبية وبيان رموزها [1 - 94]

[أبواب الكتاب]

‌1 باب التقديم للشاطبية وبيان رموزها [1 - 94]

قال الناظم رحمه الله تعالى:

1 -

بدأت ببسم الله في النّظم أوّلا

تبارك رحمانا رحيما وموئلا

[اللغة](1): البدء والابتداء بمعنى واحد. والنظم: مصدر أريد به المنظوم. وتبارك:

تفاعل من البركة، وهي زيادة الخير وكثرته. والرحمن الرحيم: وصفان مشتقان من الرحمة بمعنى الإحسان والإنعام. ويراد بالوصف الأول المنعم بحلائل النعم وعظائمها، وبالوصف الثاني المنعم بدقائقها. والموئل: المرجع والملجأ.

والمعنى: أنه ابتدأ نظمه بالبسملة لما اشتملت عليه من المعاني الجليّ، والصفات العلى لله رب العالمين، موئل الراجين، وملاذ اللاجئين.

2 -

وثنّيت صلّى الله ربّي على الرّضا

محمّد المهدى إلى النّاس مرسلا

ثنى نظمه بالصلاة على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ارتضاه الله عز وجل للنبوة، وبعثه هدية لعباده، واسطة بينهم وبين خالقهم سبحانه وتعالى.

3 -

وعترته ثمّ الصّحابة ثمّ من

تلاهم على الإحسان بالخير وبّلا

اللغة: عترة النبي صلى الله عليه وسلم: أهله الأدنون، وعشيرته الأقربون. والصحابة: جمع صحابي وهو من صحب النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك. وتلاهم: تبعهم. والوبل: جمع وابل وهو المطر الغزير.

المعنى: يعني: صلى الله «كذلك» على عترة النبي صلّى

(1) ما بين المعكوفتين إضافة من الناشر.

ص: 9

الله عليه وسلم، وعلى صحابته، وعلى من تبعهم واقتدى بهم في أعمالهم وأخلاقهم حال كون الصحابة والتابعين مشبهين بالمطر الغزير في كثرة خيرهم وعموم نفعهم.

4 -

وثلّثت أنّ الحمد لله دائما

وما ليس مبدوءا به أجذم العلا

اللغة: الأجذم: الناقص. والعلا: بفتح العين والمد: الرفعة والشرف. وقصر؛ رعاية لقافية الشعر.

والمعنى: أنه ثلث بإثبات الحمد الدائم لله سبحانه؛ لأن كل أمر لا يبدأ بحمد الله فهو ناقص الخير والبركة كما ورد ذلك مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

5 -

وبعد فحبل الله فينا كتابه

فجاهد به حبل العدا متحبّلا

اللغة: الحبل: بفتح الحاء السبب، وأطلق هنا على القرآن؛ لأنه سبب في نجاة كل من

تمسك به من أهوال الآخرة، وحبل بكسر الحاء: الداهية. والعدا: الأعداء. والمتحبل:

من تحبل الصيد إذا أخذه بالحبالة وهي الشبكة.

والمعنى: بعد ما ذكرنا من اسم الله تعالى، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عترته وصحابته وعلى كل من تبعهم بإحسان، فحبل الله فينا كتابه القديم وكلامه الحكيم، فجاهد أيها القارئ بهذا الكتاب وبما تضمنه من أدلة وبراهين مكايد خصومه وأعدائه حال كونك متحبلا بالقرآن أي جاعله حبالة تصيدهم بها إلى الإيمان والحق.

6 -

وأخلق به إذ ليس يخلق جدّة

جديدا مواليه على الجدّ مقبلا

اللغة: يقال: فلان خليق بكذا أي: جدير به، وأخلق به: فعل تعجب، أي ما أخلقه وأجدره، والضمير للقرآن. وإذ للتعليل. ويخلق بفتح الياء وضم اللام بمعنى يبلى. والجدة ضد البلى. وجديدا: من الجد بفتح الجيم وهو العظمة والعزة والشرف. والموالاة:

المصافاة، فمواليه بمعنى مصافيه، والجد: بكسر الجيم ضد الهزل. والإقبال على الشيء التوجه إليه والاهتمام به، وجدة: منصوب على التمييز، وجديدا: حال من ضمير يخلق العائد على القرآن العزيز. ومواليه: مبتدأ خبره على الجد فهي جملة مستأنفة، ويصح أن يكون مواليه مرفوعا على أنه فاعل جديدا، ومقبلا حال.

ص: 10

والمعنى: ما أجدر القرآن بالمجاهدة بأدلته وبراهينه؛ لأنه لا يبلى حال كونه سميّ المكانة، رفيع المنزلة، وكل من والاه وصافاه فهو مستقر على الجد سائر على الحق مستقيم على الجادة حال كونه مهتما به عاملا بما اشتمل عليه.

7 -

وقارئه المرضيّ قرّ مثاله

كالأترج حاليه مريحا وموكلا

اللغة: قر الشيء: بمعنى استقر وثبت، والمثال: الشبيه والنظير. والأترج: فاكهة معروفة جمع أترجة. وأراح الطيب: إذا عبق ريحه، وأكل الزرع: إذا أطعم أي صار ذا طعم.

والمعنى: أن قارئ القرآن العامل به، السائر على نهجه ثبت مثاله مشبها الأترج في حاليه الإراحة والطعم، وفي البيت إشارة لقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة:

ريحها طيب، وطعمها طيب» [أخرجه البخاري ومسلم].

8 -

هو المرتضى أمّا إذا كان أمّة

ويمّمه ظلّ الرّزانة قنقلا

اللغة: المرتضى: هو المحمودة سجاياه. والأمّ: بفتح الهمزة وتشديد الميم: القصد.

و «الأمة» الجماعة، وتطلق على الرجل الذي اجتمع فيه صفات الخير والبر. ويممه:

قصده. والرزانة: رجاحة العقل والسكينة والوقار. والقنقل: الكثيب العظيم من الرمل.

و (أمّا): تمييز، وكان بمعنى صار، وقنقلا: حال من الضمير المنصوب في ويممه.

والمعنى: أن قارئ القرآن مرضيّ قصده مخلصة نيته؛ لأنه صار بتوجهه للقرآن وعنايته به جامعا لخصال الخير، فيكون بمثابة أمة، وقصده ظل العقل والوقار، حال كونه مشبها الجبل في السكون والتؤدة والوقار، وجعل الناظم الرزانة هي التي تقصده كأنها تفتخر به، وتتزين بأن تظله لكثرة خلال الخير فيه مبالغة في الإشادة بقارئ القرآن.

9 -

هو الحرّ إن كان الحريّ حواريا

له بتحرّيه إلى أن تنبّلا

اللغة: الحر: هو الذي لم يلحقه الرق. والحرى: الخليق والجديد. والحواري:

بالتشديد: الصاحب المخلص، وتخفيف يائه لضرورة الشعر، والتحري: الاجتهاد في قصد الحق وطلب

ص: 11

الصواب، والتنبّل: الرفعة، أو الموت.

والمعنى: أن القارئ هو الحر الذي لم يستعبده الهوى، ولم تسترقه الدنيا، ولكن إذا كان خليقا جديرا بالتحري في القرآن، والاستعداد لحفظه واستظهاره، والسير على طريقته، حال كونه مخلصا له نيته موجها إليه جميع حواسه وشعوره إلى أن ينبغ في العلم أو إلى أن يموت.

10 -

وإن كتاب الله أوثق شافع

وأغنى غناء واهبا متفضّلا

الغناء: بفتح الغين والمد الكفاية، وهو مصدر بمعنى الفاعل أي أغنى مغن.

والمعنى: أن كتاب الله عز وجل هو الشافع الذي لا ترد شفاعته، وشفاعته للعبد تمنعه من وقوعه في العذاب بخلاف شفاعة غيره فإنها تخرج العبد من العذاب بعد وقوعه فيه، وفي ذلك إشارة لقوله صلى الله عليه وسلم «اقرءوا القرآن فإنه يجيء يوم القيامة شفيعا لأصحابه». ومعنى:

وأغنى غناء: أن كفاية القرآن أتم من كفاية غيره، وإغناؤه أكثر من إغناء غيره حال كون القرآن واهبا لقارئه الثواب متفضلا عليه بالكرامة.

11 -

وخير جليس لا يملّ حديثه

وترداده يزداد فيه تجمّلا

اللغة: الجليس: الصاحب. والملل: السآمة. والترداد: التكرار. والتجمل: تفعل من الجمال وهو الزينة. وترداد: مصدر مضاف إلى الهاء وهي تعود على القارئ فيكون من إضافة المصدر للفاعل، أو على القرآن فيكون من إضافة المصدر إلى المفعول، وضمير يزداد يرجع للترداد وضمير فيه يعود على القرآن. وتجملا: مفعول ثان ليزداد والأول محذوف والتقدير يزداد القارئ أو القرآن تجملا.

والمعنى: أن القرآن العظيم أحسن أنيس لا يسأم من حديثه، ولا تمل تلاوته ولا سماعه. وتكراره يزيده جمالا لما يظهر من تلاوته من النور والبهجة ويزيد قارئه تجملا لما يقتبس من أخلاقه وآدابه.

12 -

وحيث الفتى يرتاع في ظلماته

من القبر يلقاه سنا متهلّلا

ص: 12

اللغة: يرتاع: يفزع. والظلمات: جمع ظلمة ضد النور. والسنا: مقصور الضوء.

والمتهلل: الباشّ المسرور.

والمعنى: إذا كان قارئ القرآن يخشى من أعماله السيئة المظلمة أو من ظلمات القبر فإن القرآن يلقاه مشرقا باشّ الوجه، فيأنس به، ويتبدل خوفه أمنا وطمأنينة.

13 -

هنالك يهنيه مقيلا وروضة

ومن أجله في ذروة العزّ يجتلى

اللغة: هنالك: اسم إشارة للقبر، والمقيل: مكان القائلة وهي الاستراحة سواء كان فيها نوم أم لا. والروضة: الجنة المزدهرة. وذروة كل شيء: أعلاه. وذروة العز: أعلى درجات الجنة. ويجتلى: ينظر إليه بارزا، من اجتليت العروس إذا نظرت إليها بادية في زينتها. والضمير المستتر في يهنيه يعود على القرآن، والبارز يعود على القارئ. ومقيلا وروضة: حالان أو تمييزان. وضمير أجله يعود على القرآن. ويجتلى: يعود على القارئ.

والمعنى: أن القرآن الكريم يهنئ القارئ في القبر «حال كون القبر مقيلا وروضة» بدفع الشر عنه وجلب الخير له. ومن أجل تلاوته القرآن يجتلى القارئ في سنام المجد والكرامة يوم القيامة.

14 -

يناشد في إرضائه لحبيبه

وأجدر به سؤلا إليه موصّلا

اللغة: المناشدة: المبالغة في الطلب. والحبيب: فعيل بمعنى المفعول أي المحبوب. وأجدر به:

صيغة تعجب، والسؤل: المسئول وهو المطلوب، والضمير في يناشد يعود على القرآن وفي إرضائه يعود على الله تعالى، وفي لحبيبه يعود على القرآن. وحبيب القرآن هو القارئ للقرآن العامل بما فيه.

والمعنى: يناشد القرآن ربه أن يعطي قارئه من الأجر والمثوبة ما تقر به عينه. وقوله:

وأجدر به سؤلا إليه موصلا: معناه ما أحق مسئوله ومطلوبه أن يوصل إليه.

15 -

فيا أيّها القارى به متمسّكا

مجلّا له في كلّ حال مبجّلا

16 -

هنيئا مريئا والداك عليهما

ملابس أنوار من التّاج والحلى

ص: 13

17 -

فما ظنّكم بالنّجل عند جزائه

أولئك أهل الله والصّفوة الملا

اللغة: الإجلال والتبجيل: معناهما التوقير والتعظيم، نادى الناظم قارئ القرآن المتمسك به، المعظم له، الواقف عند حدوده، وبشّره بما تضمنته الأبيات بعده. والهنيء المريء: هو ما يستطاب من الطعام والشراب ثمّ عمم بالتهنئة لكل أمر سار. وهما منصوبان على المفعولية، والتقدير: صادفت هنيئا مريئا، أو على الحال والتقدير ثبت لك النعيم حال كونه هنيئا مريئا، أو على أنهما صفتا مصدر محذوف والتقدير عش عيشا هنيئا مريئا. وقوله:

والداك: مبتدأ، وجملة: عليهما ملابس أنوار: خبره. والحلىّ: جمع حلية وهي الهيئة من

التحلي الذي هو لبس الحلي. وفي قوله: والداك إلخ إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجا يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا فما ظنكم بالذي عمل بهذا؟» [رواه أبو داود وغيره]. وقوله: فما ظنكم بالنجل عند جزائه: النجل: النسل كالولد يقع على المفرد والجمع والمذكر والمؤنث. والاستفهام هنا فيه معنى التعظيم والتفخيم.

المعنى: والأمر أي: ظنّوا ما شئتم من الجزاء لهذا الولد الذي يكرّم والداه من أجله. وفي قوله: أولئك أهل الله إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن لله أهلين من الناس» قيل من هم يا رسول الله؟ قال: «أهل القرآن أهل الله وخاصته» [أخرجه البزار وابن ماجة].

والصفوة: الخالص من كل شيء. وأشار بالصفوة إلى الخاصة المذكورة في الحديث الآنف الذكر، والملا: الأشراف والرؤساء وهو موافق لقوله صلى الله عليه وسلم: «أشراف أمتي حملة القرآن» [أخرجه أبو العلاء الهمذاني]:

18 -

أولو البرّ والإحسان والصّبر والتّقى

حلاهم بها جاء القرآن مفصّلا

المعنى: أن أهل القرآن هم أصحاب الخير والإحسان والصبر على الطاعات. والبعد عن المحرمات، صفاتهم جاء بها القرآن مفصّلا لها.

19 -

عليك بها ما عشت فيها منافسا

وبع نفسك الدّنيا بأنفاسها العلا

ص: 14

اللغة: عليك: اسم فعل أمر بمعنى الزم. والمنافسة: الحرص على الشيء والمبالغة في المزاحمة فيه. والضمير في بها: يعود على الصفات المذكورة قبلا، وفي فيها: يعود على

الدنيا.

والمعنى: الزم هذه الصفات مدة حياتك منافسا فيها غيرك، وأبدل بنفسك الخسيسة، وشهوتك الحقيرة طيب أرواح الأعمال الصالحة والخلال الرفيعة.

20 -

جزى الله بالخيرات عنّا أئمّة

لنا نقلوا القرآن عذبا وسلسلا

اللغة: العذب: الماء الحلو الطيب، والسلسل: السهل الدخول في الحلق.

والمعنى: جزى الله أئمة القراءة الذين نقلوا لنا القرآن نقلا عذبا سائغا لم يزيدوا فيه كلمة أو حرفا، ولم ينقصوا منه كلمة أو حرفا، بل نقلوه بألفاظه وحروفه التي تلقوها عن غيرهم بالسند الموصول إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

21 -

فمنهم بدور سبعة قد توسّطت

سماء العلا والعدل زهرا وكمّلا

اللغة: بدور: جمع بدر وهو القمر المنير في الليلة الرابعة عشرة، وتوسط السماء: بلغ وسطها. وزهرا: جمع أزهر، وهو المضيء المشرق. وكمّلا: جمع كامل.

والمعنى: من هؤلاء الأئمة الناقلين للقرآن سبعة رجال، وشبههم بالبدور في علو

منزلتهم، وغزارة علمهم، وكثرة الانتفاع بهم.

22 -

لها شهب عنها استنارت فنوّرت

سواد الدّجى حتّى تفرّق وانجلى

اللغة: الشهب: جمع شهاب وهو النجم المضيء. استنارت: أضاءت. فنورت: أضاءت غيرها. والدجى: جمع دجية وهي الظلمة وكنى بها عن الجهل. وتفرق: تقطع. وانجلى: انكشف.

والمعنى: أن للقراء السبعة جماعة من الرواة أشبهت الشهب في الهداية والعلو، أخذت القراءة عنهم وعلمتها الناس بعدهم فأماطت عنهم ظلمة الجهل، وألبستهم أنوار العلم.

23 -

وسوف تراهم واحدا بعد واحد

مع اثنين من أصحابه متمثّلا

يعني أنه يذكر البدور «الأئمة» ثم يذكر الشهب «الرواة» ويبين لكل إمام راويين

ص: 15

هما أشهر من رويا عن الإمام، ثم إن من ذكرهم من الرواة على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: من أخذ عن الإمام مباشرة وهم: قالون وورش عن نافع، وشعبة وحفص عن عاصم، وأبو الحارث والدوري عن الكسائي.

القسم الثاني: من بينه وبين الإمام واحد وهم: الدوري والسوسي عن اليزيدي عن أبي عمرو، وخلف وخلاد عن سليم عن حمزة.

القسم الثالث: من بينه وبين الإمام أكثر من واحد وهم: البزي وقنبل، وهشام بن ذكوان فإن بين البزي وقنبل وبين ابن كثير أكثر من واحد، وبين هشام وابن ذكوان وبين ابن عامر أكثر من واحد.

24 -

تخيّرهم نقّادهم كلّ بارع

وليس على قرآنه متأكّلا

اللغة: تخيرهم: اختارهم وارتضاهم، والضميران المنصوبان للبدور والشهب كليهما. والنقاد:

جمع ناقد وهو الذي يميز الجيد من الرديء. والبارع: هو الحاذق المتقن. وتأكل بكذا: إذا جعله سبب أكله، فعلى في البيت بمعنى باء السببية، و (كلّ): نصب بدل من ضمير تخيرهم.

المعنى: اختار نقاد العلماء من بين القراء هؤلاء البدور السبعة والشهب الأربعة عشر على غيرهم لفضلهم علما وعملا وزهدا في الدنيا؛ حيث لم يجعلوا قراءتهم تعلما أو تعليما سبب رزقهم، ومورد كسبهم.

25 -

فأمّا الكريم السّرّ في الطّيب نافع

فذاك الّذي اختار المدينة منزلا

26 -

وقالون عيسى ثمّ عثمان ورشهم

بصحبته المجد الرّفيع تأثّلا

اللغة: هذا شروع في بيان الأئمة السبعة ورواتهم واحدا بعد واحد. و (الكريم السر) الشريف الباطن. و (المجد) الشرف. و (التأثل) الارتقاء إلى أعلى الشيء.

المعنى: ونافع هو ابن عبد الرحمن بن أبي نعيم وكنيته أبو رويم أصفهاني الأصل أسود اللون، كان عالما بوجوه القراءات والعربية، وهو إمام دار الهجرة في القراءة بعد أبي جعفر، وكان إذا تكلم يشم من فيه رائحة المسك، فقيل له: أتتطيب كلما جلست للإقراء، فقال: لا

ص: 16

أمس طيبا، ولكني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يقرأ في فيّ. فمن ذلك الوقت توجد هذه الرائحة، وقد أشار الناظم إلى هذا بقوله: فأما الكريم السر في الطيب نافع. قرأ على سبعين من التابعين منهم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع. ولد نافع سنة سبعين وتوفي بالمدينة سنة تسع وستين ومائة، وراوياه: قالون وورش.

فأما قالون: فهو عيسى بن مينا، ويكنى أبا موسى ولقّبه شيخه نافع بقالون لجودة قراءته، فإن قالون بلغة الرومية جيد، وكان أصم لا يسمع البوق، وإذا قرئ عليه القرآن سمعه. ولد سنة مائة وعشرين ومات بالمدينة سنة مائتين وعشرين. وأما ورش: فهو أبو سعيد عثمان بن سعيد المصري ولقبه شيخه نافع بورش لشدة بياضه، ولد بمصر سنة عشر ومائة، ثم رحل إلى نافع بالمدينة فقرأ عليه عدة ختمات، ثم رجع إلى مصر وأقرأ الناس مدة طويلة، ثم توفي بها سنة سبع وتسعين ومائة.

27 -

ومكّة عبد الله فيها مقامه

هو ابن كثير كاثر القوم معتلى

28 -

روى أحمد البرّى له ومحمّد

على سند وهو الملقّب قنبلا

اللغة: (مقامة) بضم الميم موضع الإقامة. (كاثر القوم معتلى) أي غالب القوم اعتلاء بعلمه وفضله.

المعنى: الإمام الثاني عبد الله بن كثير بن المطلب القرشي، ويكنى أبا معبد إمام أهل مكة في القراءة، ولد بمكة سنة خمس وأربعين ولقى بها من الصحابة أبا أيوب الأنصاري وأنس بن مالك وغيرهما فهو من التابعين وأخذ القراءة عرضا عن عبد الله بن السائب وغيره، وكان فصيحا بليغا مفوها، عليه السكينة والوقار، ومات سنة عشرين ومائة، روى عنه أحمد البزي وقنبل بسند.

فأما البزي: فهو أحمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة، والبزة الشدة، أستاذ ضابط محقق مقرئ مكة ومؤذن المسجد الحرام، انتهت إليه مشيخة الإقراء بمكة، ولد سنة سبعين ومائة، وتوفى سنة خمسين ومائتين.

وأما قنبل: فهو محمد بن عبد الرحمن بن خالد المكي الملقب بقنبل، انتهت إليه مشيخة الإقراء بالحجاز، ولد سنة خمس وتسعين ومائة، ومات سنة إحدى وتسعين

ص: 17

ومائتين. أخذ كل من البزي وقنبل القراءة عن رواة عن ابن كثير.

29 -

وأمّا الإمام المازنيّ صريحهم

أبو عمرو البصري فوالده العلا

30 -

أفاض على يحيى اليزيديّ سيبه

فأصبح بالعذب الفرات معلّلا

31 -

أبو عمر الدّوري وصالحهم أبو

شعيب هو السّوسيّ عنه تقبّلا

اللغة: (المازني) نسبة لبني مازن. و (الصريح) الخالص النسب. و (الإفاضة) الإفراغ. و (السيب) العطاء. والمراد به هنا العلم. و (الفرات) العذب وجمع بينهما للتأكيد. و (المعلل) الذي يسقى مرة بعد أخرى.

المعنى: الإمام الثالث أبو عمرو البصري المازني، ولد سنة ثمان وستين وقرأ بالبصرة والكوفة ومكة والمدينة، وهو أكثر القراء السبعة شيوخا، ومن شيوخه عبد الله بن كثير، وسمع أنس بن مالك وغيره، وتوفى بالكوفة سنة أربع وخمسين ومائة، أفاض أبو عمرو سيبه الذي هو العلم على يحيى اليزيدي فأصبح يحيى ببركة إفاضة أبي عمرو العلم عليه معللا ريان من العلم، ويحيى هذا هو السند المتوسط بين أبو عمرو وراوييه وهما: أبو عمر الدوري، وأبو شعيب السوسي.

فأما الدوري: فهو حفص بن عمر بن عبد العزيز، وكنيته أبو عمر إمام القراء في عصره وهو أول من جمع القراءات، ولد سنة خمسين ومائة في الدور- وهو موضع قرب بغداد- وتوفى سنة ست وأربعين ومائتين.

وأما السوسي: فهو صالح بن زياد السوسي توفي سنة إحدى وستين ومائتين، وقد قارب التسعين، وأخذ كل من الدوري والسوسي القراءة عن يحيى اليزيدي عن أبي عمرو البصري.

32 -

وأمّا دمشق الشّام دار ابن عامر

فتلك بعبد الله طابت محلّلا

33 -

هشام وعبد الله وهو انتسابه

لذكوان بالإسناد عنه تنقلا

اللغة: (المحلل): المكان الذي يحل فيه.

المعنى: الإمام الرابع عبد الله بن عامر اليحصبي، وكنيته أبو عمران، انتهت

ص: 18

إليه مشيخة الإقراء بالشام كان إماما كبيرا وتابعيّا جليلا جمع بين الإمامة بالجامع الأموي بدمشق والقضاء ومشيخة الإقراء، ولد ابن عامر سنة إحدى وعشرين من الهجرة، وقيل: سنة ثمان، وتوفى بدمشق سنة ثمان عشرة ومائة، وراوياه: هشام وابن ذكوان بسند.

فأما هشام: فهو هشام بن عمار بن نصير وكنيته أبو الوليد إمام أهل دمشق وخطيبهم ومقرئهم ولد سنة ثلاث وخمسين مائة، وتوفى سنة خمس وأربعين ومائتين.

وأما ابن ذكوان: فهو عبد الله بن أحمد بن بشر بن ذكوان الدمشقي، شيخ الإقراء بالشام، وإمام جامع دمشق، ولد سنة ثلاث وسبعين ومائة، وتوفى سنة اثنتين وأربعين ومائتين.

وقد نقل هشام وابن ذكوان القراءة عن ابن عامر ولكن بواسطة بينهما وبينه.

34 -

وبالكوفة الغرّاء منهم ثلاثة

أذاعوا فقد ضاعت شذا وقرنفلا

35 -

فأمّا أبو بكر وعاصم اسمه

فشعبة راويه المبرّز أفضلا

36 -

وذاك ابن عيّاش أبو بكر الرّضا

وحفص وبالإتقان كان مفضّلا

اللغة: (الغراء) البيضاء وصفت الكوفة بذلك؛ لما فيها من كثرة العلماء. (أذاعوا) نشروا العلم بين الناس. (ضاعت): فاحت رائحة العلم بها. و (الشذا): العود أو المسك. و (القرنفل) معروف. (والمبرز): هو الذي فاق أقرانه.

المعنى: أن في الكوفة المشهورة ثلاثة من الأئمة السبعة بثوا علمهم فيها، فتعطر بها ذكرهم، ورفع من شأنها علمهم. فالإمام الأول من الثلاثة: عاصم بن بهدلة أبي النجود بفتح النون الأسدي وكنيته أبو بكر. شيخ الإقراء بالكوفة بعد أبي عبد الرحمن السلمي، جمع بين الفصاحة والإتقان، وكان أحسن الناس صوتا بالقرآن وكان من التابعين، توفى آخر سنة سبع وعشرين ومائة بالكوفة.

وراوياه: شعبة وحفص.

فأما شعبة: فهو شعبة بن عياش بن سالم وكنيته أبو بكر.

ص: 19

ولد سنة خمس وتسعين.

وكان إماما كبيرا عالما عاملا حجة من كبار أئمة السنة، وتوفى سنة ثلاث وتسعين ومائة.

وأما حفص: فهو حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي. ولد سنة تسعين.

ويقال: كان حفص أعلم الناس بقراءة عاصم، توفى سنة ثمانين ومائة.

37 -

وحمزة ما أزكاه من متورّع

إماما صبورا للقرآن مرتّلا

38 -

روى خلف عنه وخلّاد الّذي

رواه سليم متقنا ومحصّلا

اللغة: (ما أزكاه) من الزكاة وهي الطهر. والتورع: الخشية والتقي وترك الشبهات.

المعنى: الإمام الثاني من أئمة الكوفة: حمزة بن حبيب الزيات ولد سنة ثمانين، وأدرك بعض الصحابة بالسن، فيحتمل أن يكون رأي بعضهم، كان إمام القراء بالكوفة بعد عاصم، قال عنه محمد بن فضيل: ما أحسب أن الله يدفع البلاء عن أهل الكوفة إلا بحمزة، وتوفي سنة ست وخمسين ومائة، وراوياه: خلف وخلاد.

فأما خلف: فهو خلف بن هشام البزار البغدادي وكنيته أبو محمد، ولد سنة خمسين ومائة وكان ثقة كبيرا زاهدا عابدا عالما ومات سنة تسع وعشرين ومائتين ببغداد.

وأما خلاد: فهو خلاد بن خالد الشيباني الصيرفي الكوفي وكنيته أبو عيسى، إمام في القراءة ثقة عارف محقق ضابط، ولد سنة تسع عشرة ومائة، وتوفي سنة عشرين ومائتين.

وقرأ خلف وخلاد على سليم بن عيسى الكوفي وقرأ سليم على حمزة.

39 -

وأمّا عليّ فالكسائيّ نعته

لما كان في الإحرام فيه تسربلا

40 -

روى ليثهم عنه أبو الحارث الرّضا

وحفص هو الدّوري وفي الذّكر قد خلا

المعنى: الإمام الثالث من أئمة الكوفة علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي وكنيته أبو الحسن، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد حمزة، قيل له: لم سميت الكسائي؟ قال:

لأنني أحرمت في كساء، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله: لما كان في الإحرام فيه تسربلا، وتوفي سنة تسع وثمانين ومائة بعد أن عاش سبعين سنة، وراوياه: الليث والدوري.

ص: 20

فأما الليث: فهو الليث بن خالد البغدادي. وكنيته أبو الحارث وهو ثقة حاذق ضابط للقراءة، وتوفي سنة أربعين ومائتين.

وأما الدوري: فهو حفص بن عمر الدوري، وتقدمت ترجمته عند الكلام على أبي عمرو البصري؛ لأن الدوري هذا روى عن أبي عمرو البصري وعن الكسائي، ولذلك قال الناظم: وفي الذكر قد خلا، أي مضى ذكر ترجمته مع أبي عمرو البصري.

41 -

أبو عمرهم واليحصبيّ ابن عامر

صريح وباقيهم أحاط به الولا

اللغة: (اليحصبي) نسبة إلى يحصب جد ابن عامر أو إلى قبيلة من اليمن والصاد تثلث.

المعنى: أن أبا عمرو البصري وابن عامر اليحصبي نسبهما خالص من الرق ومن ولادة العجم فهما من صميم العرب، وباقي الأئمة السبعة أحاط به الولاء وأحدق به، قال الجعبري: أبو عمرو وابن عامر نسبهما خالص من الرق وولادة العجم وباقي السبعة شيب نسبهم بولاء الرق إن ثبت أنه مسهم أو مس أحد آبائهم وإلا فولادة العجم، وولاء الحلف لا ينافي الصراحة ..

انتهى. وقال أبو شامة: وغلب على ذرية العجم لفظ الموالي يقال: فلان من العرب وفلان من الموالي أي العجم فهذا الذي ينبغي أن يحمل عليه ما أشار إليه بقوله: أحاط به الولا، يعني ولادة العجم ولا يستقيم أن يراد به ولاء العتاقة فإن ذلك لم يتحقق فيهم أنفسهم ولا في أصول جميعهم ولا يستقيم أن يراد به ولاء الحلف فإن العربية لا تنافي ذلك .. انتهى.

42 -

لهم طرق يهدي بها كلّ طارق

ولا طارق يخشى بها متمحّلا

(الطرق): جمع طريقة كصحف وصحيفة. (يهدى): بفتح الياء وكسر الدال يستعمل لازما بمعنى يهتدى، ومتعدّيا بمعنى يرشد غيره. (وكل طارق): إذا كان يهدي لازما فالمراد من (الطارق) من يسلك سبيل هذا الطرق، ويريد معرفتها، والوقوف عليها، وإذا كان متعدّيا؛ فالمراد منه العالم الذي يرشد الناس إليها، ويقفهم على حقيقتها.

والمعنى: أن لهؤلاء القراء ورواتهم مذاهب في الأصول والفرش منسوبة إليهم، قد اتضحت واستنارت يهتدى إلى معرفتها كل من توجه إليها، وسلك سبيل معرفتها أو يرشد الناس إليها، العالم بها، الواقف على سرها. وقوله: ولا طارق يخشى بها

ص: 21

متمحلا: معناه: أن هذه المذاهب

لما اتضحت معالمها، وثبتت قواعدها لا يخشى عليها مضلل ولا مدلس، فالمراد بالطارق هنا:

المضلل والمدلس من قولهم: طرق يطرق طروقا إذا جاء بليل، والليل محل الآفات. والمتمحل:

الماكر، أي لا يخشى على هذه المذاهب من مدلس يمكر بها ويحاول تغييرها والعبث فيها.

43 -

وهنّ اللّواتي للمواتي نصبتها

مناصب فانصب في نصابك مفضلا

اللغة: و (هن): ضمير القراءات والروايات، و (اللواتي): جمع اللاتي جمع التي، وجمع الجمع باعتبار كثرة الأنواع. و (المواتى) الموافق، وأصله المؤاتي بالهمز ثم خفف، والجار والمجرور «للمواتى» متعلق بنصبتها، ومعنى (نصبتها): رفعتها أو بينتها وعينتها، (مناصب) أي أعلاما جمع منصب وهو العلم (فانصب): فاتعب، (في نصابك)، نصاب

الشيء أصله. و (مفضلا): بضم الميم وسكون الفاء وكسر الضاد من أفضل إذا صار ذا فضل أي فعل الأعمال الفاضلة التي يصير بها ذا فضل، فهمزته للصيرورة.

والمعنى: أن هذه القراءات والروايات رفعتها وأبرزتها في هذا النظم للموافق لي على معرفتها حال كونها أعلاما تدل على شرف العالم بها، وآثارا ترشد إلى مذاهب هؤلاء القراء والرواة، فاتعب وشمر عن ساعد الجد في تحصيل نصابك أي العلم الذي يصير أصلا لك تنسب إليه إذا انتسب الناس لآبائهم وقبائلهم حال كونك مفضلا آتيا بفضائل الأعمال التي منها إخلاص النية في تحصيل العلم.

44 -

وها أنا ذا أسعى لعلّ حروفهم

يطوع بها نظم القوافي مسهّلا

اللغة: (ها) حرف تنبيه و (أنا) ضمير المتكلم مبتدأ و (ذا): اسم إشارة بدل منه، وجملة (أسعى): خبر المبتدأ. (والحروف): الكلمات التي اختلف القراء في قراءتها فكل كلمة تقرأ بوجوه متعددة تسمى حرفا، (ويطوع): بمعنى ينقاد وضمنه يسمح فعداه بالباء، (والقوافي): جمع قافية وهي كلمات أواخر الأبيات، (ومسهلا): حال من النظم.

والمعنى: إني مجتهد في نظم قراءات الأئمة السبعة راجيا من المولى سبحانه وتعالى تيسير ذلك النظم في مبناه ومعناه.

ص: 22

45 -

جعلت أبا جاد على كلّ قارئ

دليلا على المنظوم أوّل أوّلا

اللغة: (أبا جاد) هي أبجد هوز المعروفة، (دليلا): أي علامة.

والمعنى: جعلت حروف أبجد المعروفة علامة على كل قارئ من الأئمة السبعة ورواتهم الأربعة عشر على ترتيب ما نظمت، فجعلت الحرف الأول للقارئ الأول، والحرف الثاني للراوي الأول عنه، والثالث للراوي الثاني عنه وهكذا.

وهذه الحروف هي: أبج، دهز، حطي، كلم، نصع، فضق، رست. ف (أبج) لنافع وراوييه:(الألف) لنافع، و (الباء) لقالون، و (الجيم) لورش. (ودهز) لابن كثير وراوييه:(الدال) لابن كثير، و (الهاء) للبزي، و (الزاي) لقنبل. و (حطي) لأبي عمرو وراوييه:(الحاء) لأبي عمرو، و (الطاء) للدوري، و (الياء) للسوسي. و (كلم) لابن عامر وراوييه:(الكاف) لابن عامر، و (اللام) لهشام، و (الميم) لابن ذكوان. و (نصع) لعاصم وراوييه: النون (لعاصم)، و (الصاد) لشعبة، و (العين) لحفص. و (فضق) لحمزة وراوييه:(الفاء) لحمزة، و (الضاد) لخلف، و (القاف) لخلاد. و (رست) للكسائي وراوييه:(الراء) للكسائي، و (السين) لأبي الحارث، (والتاء) لحفص الدوري.

46 -

ومن بعد ذكري الحرف أسمى رجاله

متى تنقضى آتيك بالواو فيصلا

اللغة: المراد ب (الحرف) الكلمة القرآنية المختلف فيها.

والمعنى: أنه يذكر أولا الكلمة القرآنية المختلف فيها ثم يذكر قراء هذه الكلمة برموزهم المذكورة سابقا، واضعا هذه الرموز في أوائل كلمات متضمنة لمعان جليلة.

فإذا انقضت هذه الرموز أتى بالواو فاصلة بين الكلمة التي ذكر حكمها والكلمة التي سيبين حكمها بعد كقوله في آل عمران: وترون الغيب خص وخللا، ورضوان أضم إلخ فقد ذكر الكلمة القرآنية المختلف فيها وهي (ترون) في قوله تعالى يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ثم بين قراء هذه الكلمة برمزهم الخاص بهم وهو (الخاء) التي هي رمز للقراء الستة ثم أتى ب (الواو) في قوله ورضوان فاصلة بين كلمة ترونهم وحكمها وبين كلمة رضوان وحكمها، وهذا إذا ذكر القراء برموزهم فإنه يلتزم ذكر الكلمة القرآنية أولا ثم يذكر

ص: 23

قراءها، أما إذا ذكر القراء بصريح أسمائهم فلا يلتزم هذا الترتيب فقد يبدأ بذكر الكلمة القرآنية ويثني بذكر قرائها كقوله في سورة النحل يدعون عاصم، وقد يذكر القارئ أولا ثم يذكر الكلمة كقوله في سورة البقرة وحمزة أسرى

إلخ.

47 -

سوى أحرف لا ريبة في اتّصالها

وباللّفظ أستغني عن القيد إن جلا

اللغة: (الريبة) الشك. (أستغني) اكتفي. (القيد): التقييد. (جلا): كشف.

والمعنى: أنه قد يترك الواو الفاصلة وذلك في أحرف من القرآن إذا اتصلت لا يلتبس أمرها، ولا يرتاب الناظر فيها كقوله:

ورا برق افتح آمنا يذرون حق

كفّ يمنى حلا علا

فلم يأت بالواو بين (برق) و (يذرون)، ولا بين (يذرون) و (يمنى) إذ لا خوف من وقوع الالتباس فيها، وقوله وباللفظ استغنى عن القيد إن جلا، معناه: أنه قد يكتفي

بلفظ القرآن أي بالتلفظ بالكلمة القرآنية ولا يقيدها بقصر أو مد، أو غيبة أو خطاب أو نحو ذلك، وذلك إذا كان اللفظ دالّا على المقصود كاشفا عنه، ولم يحتج للتقييد كقوله في سورة العنكبوت: ويدعون نجم حافظ، وقوله في الفاتحة: ومالك يوم الدين رواية ناصر، فلم يقيد يدعون بالغيب، ولا مالك بالمد؛ لاتضاح المعنى وظهوره من اللفظ.

48 -

وربّ مكان كرّر الحرف قبلها

لما عارض والأمر ليس مهوّلا

المراد ب (الحرف) هنا حرف الرمز الدال على القارئ. و (العارض) الطارئ.

و (التهويل) التفزيع. وكرر مبني للمعلوم، والفاعل ضمير يعود على الناظم على طريقة الالتفات والحرف مفعول به. والضمير في قبلها يعود على الواو الفاصلة وما في قوله: لما، زائدة؛ أي لعارض، أو نكرة موصوفة؛ أي لأمر عارض.

والمعنى: أن الناظم ربما كرر الحرف الدال على رمز القراء لعارض اقتضى ذلك كتزيين اللفظ. أو تتميم القافية، وذلك نوعان: الأول: أن يكون الرمز لقارئ واحد فيكرره بعينه.

نحو حلا حلا، علا علا، والثاني: أن يكون الرمز لجماعة ثم يرمز لواحد من تلك الجماعة كقوله: سما العلا. إذ سما، وقوله (والأمر ليس مهولا)،

ص: 24

معناه: أن أمر تكرير الرمز ليس صعبا على المفكر لبعده عن اللبس.

49 -

ومنهنّ للكوفيّ ثاء مثلّث

وستّتهم بالخاء ليس بأغفلا

50 -

عنيت الألى أثبتّهم بعد نافع

وكوف وشام ذالهم ليس مغفلا

51 -

وكوف مع المكيّ بالظّاء معجما

وكوف وبصر غينهم ليس مهملا

52 -

وذو النّقط شين للكسائي وحمزة

وقل فيهما مع شعبة صحبة تلا

53 -

صحاب هما مع حفصهم عمّ نافع

وشام سما في نافع وفتى العلا

54 -

ومكّ وحقّ فيه وابن العلاء قل

وقل فيهما واليحصبي نفر حلا

55 -

وحرميّ المكّيّ فيه ونافع

وحصن عن الكوفي ونافعهم علا

اللغة: بقى من حروف أبي جاد ستة أحرف وهي: الثاء، والخاء، والذال، والظاء، والغين، والشين، ويجمع هذه الحروف كلمتا ثخذ ظغش، والناظم جعل كل حرف من هذه الأحرف السّتة رمزا لجماعة، فقال: ومنهن للكوفي ثاء مثلث إلخ.

المعنى: ومن حروف أبي جاد (الثاء) ذو النقط الثلاث، فهي رمز للكوفيين الثلاثة: عاصم وحمزة والكسائيّ، إذا اتفقوا في القراءة كقوله: وتظاهرون الظاء خفف ثابتا، و (الخاء) رمز للقراء الستة ابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، الكسائي. كقوله:

وترون الغيب خص. و (الذال) لابن عامر والكوفيين الثلاثة، كقوله: وجمع رسالاتي حمته ذكوره، و (الظاء) لابن كثير والكوفيين كقوله:

ويقصر ذريات مع فتح تائه

وفي الطور في الثاني ظهير

و (الغين) لأبي عمرو البصري والكوفيين كقوله: عباد برفع الدال في عند غلغلا و (الشين) لحمزة والكسائي كقوله: وخاطب فيما يعملون كما شفا، وإلى هنا تنتهي الرموز الحرفية أعني التي يكون الرمز فيها حرفا، ويرمز به لقارئ أو أكثر كما سبق، وأما الرموز الكلمية؛ وهي التي يكون الرمز فيها كلمة يرمز بها لأكثر من قارئ؛ فقد ذكرها الناظم في قوله: وقل فيهما مع شعبة صحبة تلا، إلى آخر

ص: 25

الأبيات. فكلمة (صحبة) رمز لحمزة والكسائي وشعبة، كقوله: و (صحبة) يصرف فتح ضم إلخ. وكلمة (صحاب) رمز لحمزة والكسائي وحفص، كقوله:(يضل) بضم الياء مع فتح ضاده صحاب. وكلمة (عم) رمز لنافع وابن عامر. كقوله: بما كسبت لا فا دعم. وكلمة (سما) رمز لنافع وابن كثير وأبي عمرو، كقوله: ويغشى سما خفا إلخ. وكلمة (حق) رمز لابن كثير وأبي عمرو كقوله:

وحق نصير كسر واو مسومين. وكلمة (نفر) رمز لابن كثير وأبي عمرو وابن عامر كقوله:

ليقضوا سوى بزّيهم نفر جلا. وكلمة (حرمى) رمز لنافع وابن كثير كقوله: وعلى الحرمى إن لنا هنا. وكلمة (حصن) رمز لنافع والكوفيين كقوله: وفي المخلصين الكل حصن، وقوله في النظم: ليس بأغفلا، الأغفل من الحروف: هو الذي لم ينقط، فمعناه بالخاء التي لم تغفل عن النقط بل نقطت، ومثل ذلك قوله: ذالهم ليس مغفلا؛ أي لم تغفل من النقط بل نقطت.

وقوله: بالظاء معجما؛ أي منقوطا، والحروف المعجمة هي المنقوطة. وقوله: غينهم ليس مهملا؛ أي لم يهمل من النقط بل، نقط والحروف المهلة هي الخالية من النقط.

56 -

ومهما أتت من قبل أو بعد كلمة

فكن عند شرطي واقض بالواو فيصلا

المعنى: مهما أتت من قبل الرمز الحرفي أو من بعده كلمة من الكلمات الثمان السابقة التي يرمز بها لأكثر من قارئ؛ فكن على ما شرطته واصطلحت عليه من إبقاء كل واحد من الرمز الحرفي والرمز الكلمي دالّا على ما وضع له وأريد منه، واقض بالواو فيصلا؛ عند انتهاء كل مسألة؛ فالمقصود أن كلّا من الرمز الحرفي والرمز الكلمي يدل على ما وضع له سواء انفرد كل منهما عن الآخر أو اجتمعا، فاجتماعهما لا يغير شيئا من المعنى الذي أريد بكل منهما، سواء كان الرمز الكلمي سابقا على الحرفي، كقوله: وعم علا لا يعقلون، وصحبة كهف في الشريعة وصلا. أو كان الحرفي سابقا على الكلمي كقوله: وعالم خفض الرفع عن نفر صفا حق غيب. أو توسط الكلمي بين حرفين كقوله: مع الكهف والإسرا يبشركم سما نعم،

ولباس الرفع في حق نهشلا، وليس ذكر الواو هنا تكرارا لأن السابق للرمز الحرفي، وهذا للرمز الكلمي.

57 -

وما كان ذا ضدّ فإنّي بضدّه

غنيّ فزاحم بالذّكاء لتفضلا

ص: 26

58 -

كمدّ وإثبات وفتح ومدغم

وهمز ونقل واختلاس تحصّلا

59 -

وجزم وتذكير وغيب وخفّة

وجمع وتنوين وتحريك أعملا

إذا قيد القراءة بقيد وكان هذا القيد ضدّا لقيد القراءة الأخرى؛ فإنه يكتفي بذكر قيد القراءة الأولى ويترك ذكر قيد القراءة الأخرى اختصارا؛ فإن أحد الضدين يدل على الآخر، وحينئذ يقرأ من يذكرهم من القراء بالقيد المذكور، ويقرأ من لم يذكرهم بضده كقوله في سورة النساء: وكوفيهم تسّاءلون مخففا؛ فقيد قراءة الكوفيين بقيد وهو التخفيف، فتكون قراءة المسكوت عنهم بضد التخفيف وهو التشديد، فتراه في هذا البيت قد اكتفى بذكر قيد القراءة الأولى وهو التخفيف عن ذكر قيد القراءة الأخرى وهو التشديد؛ لأنه إذا كانت قراءة الكوفيين بالتخفيف؛ لزم أن تكون قراءة من لم يذكرهم بالتشديد فلا يلزم الناظم إذا أن يصرح بالقراءة الأخرى؛ لأن القراءة المذكورة

تدل عليها دلالة الضدّ على ضده، ومثل ذلك المدّ فضده القصر، فإذا ذكر أن قراءة فلان بالمدّ تكون قراءة غيره بالقصر وبالعكس، ومثل المد والقصر فيما ذكر الإثبات فضده الحذف وبالعكس، والفتح فضدّه الإمالة وبالعكس، والإدغام فضده الإظهار وبالعكس، والهمز فضده تركه وبالعكس، والنقل فضده إبقاء الحركة وبالعكس، والاختلاس فضده إتمام الحركة وبالعكس، والتذكير ضده التأنيث وبالعكس، والغيب ضده الخطاب وبالعكس- والخفة والمراد بها التخفيف- ضدها الشدة؛ أي التشديد أو التثقيل وبالعكس، والجمع ضده الإفراد أو التوحيد وبالعكس، والتنوين ضده تركه وبالعكس، والتحريك ضده الإسكان وبالعكس، ويتضح من هذا أن هذه الأضداد كلها مطردة منعكسة، ومعنى الاطراد: أنه إذا ذكر المد مثلا كان ضده القصر. ومعنى الانعكاس:

أنه إذا ذكر القصر كان ضده المد، وهكذا يقال في بقية الأضداد المذكورة ما عدا الجزم فإن ضده الرفع، ولكنه يطرد بمعنى أنه كلما ذكر الجزم كان ضده الرفع ولا ينعكس بمعنى أنه إذا ذكر الرفع لم يكن ضده الجزم، بل يكون ضده النصب، ومعنى قوله (فزاحم بالذكاء لتفضلا): فزاحم العلماء بثاقب فكرك وحصافة ذهنك لتعد مع الفضلاء.

ص: 27

60 -

وحيث جرى التّحريك غير مقيّد

هو الفتح والإسكان آخاه منزلا

إذا ذكر التحريك غير مقيد بحركة فالمراد به الفتح كقوله: معا قدر حرك من صحاب وضده حينئذ الإسكان، وإذا ذكر الإسكان كان ضده الفتح، كقوله: ويطهرن في الطاء

السكون؛ فحينئذ يكون الفتح والإسكان ضدين مطردين منعكسين، فإذا قيد التحريك؛ كان المراد به ما قيد به كقوله: وحرك عين الرعب ضمّا كما رسا. وضده الإسكان أيضا.

ويؤخذ من هذا: أن الإسكان ضد التحريك سواء كان التحريك مطلقا أم مقيدا، فإذا كان ضد السكون حركة غير الفتح؛ فإنه يقيدها كقوله: وأرنا وأرني ساكنا الكسر

61 -

وآخيت بين النون واليا وفتحهم

وكسر وبين النّصب والخفض منزلا

اللغة: (آخى بين النون والياء)، وبين (الفتح والكسر) وبين (النصب والخفض) وفرق بين لقبي الفتح والنصب وبين لقبي الكسر والخفض على اصطلاح البصريين في التفرقة بين ألقاب الإعراب والبناء.

والمعنى: أن النون والياء صنوان، فإذا ذكر الياء لقارئ تكون قراءة المسكوت عنه بالنون كقوله:

ويا ويكفر عن كرام، وإذا ذكر النون لقارئ تكون قراءة المسكوت عنه بالياء، كقوله: وحيث يشاء نون دار. والفتح والكسر ضدان، فإذا ذكر الفتح لقارئ تكون قراءة غيره بالكسر كقوله: إن الدين بالفتح رفلا. وإذا ذكر الكسر لقارئ تكون قراءة غيره بالفتح نحو: عسيتم بكسر السين حيث أتى انجلا، والنصب والخفض ضدان، فإذا ذكر النصب لقارئ فقراءة غيره بالخفض كقوله: وغير أولى بالنصب صاحبه كلا، وإذا ذكر الخفض لقارئ فقراءة غيره بالنصب كقوله: وحمزة والأرحام بالخفض جملا. فالمؤاخاة بين ما ذكر مؤاخاة تضاد، وفائدة معرفة حركتي البناء والإعراب تظهر في نحو: والوتر بالكسر شائع؛ إذ يعلم من التعبير بالكسر أن المراد حركة الواو لا الراء. ومنزلا: اسم فاعل من أنزله، وهو حال من فاعل آخيت؛ أي حال كوني منزلا كل واحد مما ذكر منزلته.

ص: 28

62 -

وحيث أقول الضّمّ والرّفع ساكتا

فغيرهم بالفتح والنّصب أقبلا

المعنى: إذا ذكر الضم لقارئ ما ولم يقيد هذا الضم؛ كانت قراءة المسكوت عنه بالفتح كقوله: وفي إذ يرون الياء بالضم كللا. وإذا ذكر الرفع لقارئ ما ولم يقيده؛ كانت قراءة المسكوت عنه بالنصب كقوله: وحتى يقول الرفع في اللام أولا. أما إذا قيد الضم بكونه ضم الإسكان؛ فتكون قراءة الغير بالإسكان كقوله: وجزءا وجزء ضم الاسكان صف، وكذلك إذا قيده بكونه ضم الكسر فتكون قراءة الغير بالكسر كقوله:

ورضوان اضمم غير ثاني العقود كسره

صح ......

وإذا قيد الرفع بكونه رفع الجزم؛ كانت قراءة الغير بالجزم كقوله: يضاعف ويخلد رفع جزم كذي صلا. وإذا قيده بكونه رفع الخفض؛ كانت قراءة الغير بالخفض كقوله:

وخضر برفع الخفض عم حلا علا

63 -

وفي الرّفع والتّذكير والغيب جملة

على لفظها أطلقت من قيّد العلا

المعنى: أنه قد يذكر الكلمات التي فيها أحد هذه الثلاثة: الرفع والتذكير والغيب؛

بذكر هذه الكلمات مطلقة؛ فيعلم من إطلاقه لها أنها هي المرادة لا أضدادها مثاله: وأربع أولا صحاب، يعني بالرفع. ويجبي خليط، يعني بالتذكير، وبل يؤثرون حز؛ يعني بالغيب، فيعلم من هذا الإطلاق: أنه أراد الرفع في أربع. وياء التذكير في (يجبي)، وياء الغيب في وَيُؤْثِرُونَ وقد اجتمع إطلاق الثلاثة في قوله في سورة الأعراف:

وخالصة أصل ولا يعلمون قل

لشعبة في الثاني ويفتح شمللا

والخلاصة: أن الكلمة القرآنية إذا أطلقت وكانت قراءتها لا تعدو أن تكون بالرفع أو ضده؛ كان المراد الرفع. وإذا كانت قراءتها تحتمل التذكير والتأنيث؛ كان المراد التذكير.

وإذا كانت قراءتها تحتمل الغيبة والخطاب؛ كان المراد الغيبة، فحينئذ يكون الإطلاق دليلا على الرفع في الأول، والتذكير في الثاني، والغيبة في الثالث.

64 -

وقبل وبعد الحرف آتي بكلّ ما

رمزت به في الجمع إذ ليس مشكلا

اللغة: المراد بالحرف: الكلمة القرآنية المختلف فيها. والمراد بالجمع: الكلمات الثمان التي يرمز

ص: 29

بكل كلمة منها إلى أكثر من شيخ وهي (صحبة. صحاب. عم. سما. حق.

نفر. حرمى. حص) يعني إذا كان الرمز للقراء بكلمة من هذه الكلمات الثمان فلا يلتزم ذكر هذه الكلمة بعد الكلمة القرآنية، بل تارة يذكرها بعدها كقوله:

من يرتدد عم

فتذكر حقّا

وأخرى يذكرها قبلها كقوله: وصحبة يصرف. وحقا بضم الباء فلا يحسبنهم.

بخلاف حروف أبج؛ فإنه التزم أن يذكرها بعد ذكر الكلمة القرآنية، كما سبق في قوله: ومن بعد ذكري الحرف أسمى رجاله إلخ. وكذا التزم في الحروف التي يرمز بها لأكثر من قارئ كالشين والثاء أن يؤخرها عن كلمة القرآن كقوله: يبلغن امدده وأكسر شمردلا. وقوله: وفي عاقدت قصر ثوى. نعم إذا اجتمع حرف من حروف أبج مع إحدى الكلمات الثمان؛ فإن هذا الحرف يكون تابعا للكلمة تقدما وتأخرا؛ لأن هذا الكلمة دلت على محل الرمز كقوله: وحق نصير كسر واو مسومين. وقوله: وعالم خفض الرفع عن نفر. وكذلك إذا اجتمع حرف من الحروف التي يرمز بها لأكثر من قارئ مع إحدى الكلمات المذكورة؛ فإن هذا الحرف يكون تابعا للكلمة تقدما وتأخرا أيضا كقوله: ومنزلها التخفيف حق شفاؤه. وقوله: وضم كفا حصن يضلوا يضل عن.

65 -

وسوف أسمّي حيث يسمح نظمه

به موضحا جيدا معمّا ومخولا

اللغة: (الجيد): العنق، (المعم): بفتح العين و (المخول): بفتح الواو: الكريم الأعمام والأخوال؛ لأن العرب كانوا يعرفون الصبي الكريم الأعمام والأخوال بجيده؛ لأن أعمامه وأخواله يزينون جيده بالقلائد، فيعرف كرم عمومته وخئولته بجيده.

والمعنى: أن الناظم رضي الله عنه قد يذكر القارئ بصريح اسمه لا برمزه حيث يسمح النظم بذلك ويسهل عليه، وهو تارة يذكر اسم القارئ بعد كلمة القرآن كقوله: ونقل ردّا عن نافع، وقوله: وقل ولا كذبا بتخفيف الكسائي وأقبلا، وتارة بذكره قبلها كقوله: نافع بالرفع واحدة جلا. وقوله: وحمزة والأرحام بالخفض جملا، وقوله: موضحا: منصوب على الحال من فاعل أسمى، وجيدا: مفعول به لموضحا، ومعمما ومخولا: صفتان لجيدا، أي أذكر القارئ باسمه الصريح حال كوني كاشفا المسألة كشفا

ص: 30

ومحسنها تحسينا يشبه جيد كريم الأعمام والأخوال في وضوحه وحسنه.

66 -

ومن كان ذا باب له فيه مذهب

فلا بدّ أن يسمى فيدرى ويعقلا

المعنى: إذا انفرد قارئ أو راو بباب لا يشاركه فيه غيره، ذكره باسمه الصريح لا بالرمز الدال عليه. كقوله:

ودونك الادغام الكبير وقطبه

أبو عمرو البصري ....

وقوله: ورقق ورش كل راء إلخ، وقوله: وغلظ ورش فتح لام إلخ، وقوله: وحمزة عند الوقف سهل همزة إلخ، وقوله:

وفي هاء تأنيث الوقوف وقبلها

ممال الكسائي

67 -

أهلّت فلبّتها المعاني لبابها

وصغت بها ما ساغ عذبا مسلسلا

اللغة: (الإهلال) رفع الصوت، أي نادت القصيد وإن لم يجر ذكرها للعلم بها.

صارخة بالمعاني (فلبتها المعاني): أي أجابتها بقولها: لبيك أي إجابة دائمة ولباب المعاني:

خالصها. ولباب مرفوع على أنه بدل البعض من الكل من المعاني أي لم يلبها إلا خيار المعاني وشرافها. و (صغت) من الصياغة ويعبر بها عن إحكام الشيء وإتقانه، و (ما) موصول مفعول صغت وساغ من ساغ الشراب سهل وطاب وسهل مدخله في الحلق و (عذبا مسلسلا): حالا من فاعل ساغ العائد على ما و (العذب) الحلو اللذيذ، و (المسلسل): السلس الصافي.

والمعنى: أن القصيدة نادت المعاني فأجابها خيارها ونظم فيها اللفظ الحلو السلس الذي يسهل على اللسان حال كونه مستلذّا في السمع ملائما للطبع.

68 -

وفي يسرها التّيسير رمت اختصاره

فأجنت بعون الله منه مؤمّلا

اللغة: (رممت): الشيء طلبت حصوله و (التيسير): اسم كتاب للعلامة الحافظ أبي عمرو الداني في القراءات السبع. و (اختصار الكتاب): جمع معانيه في أقل من مبانيه.

(فأجنت): كثر جناها وثمرها، والضمير في (منه) يعود على التيسير أو على الله تعالى.

والمعنى: قصدت بهذه القصيدة إيجاز كتاب التيسير، واختصار جميع مسائله فأجنت

القصيدة، وكثرت فوائدها بتوفيق الله سبحانه وتيسيره مؤملا منه سبحانه كل خير وسداد.

69 -

وألفافها زادت بنشر فوائد

فلفّت حياء وجهها أن تفضّلا

ص: 31

اللغة: (الألفاف) جمع لف كالأضداد جمع ضد؛ الأشجار الملتفة لكثرتها بنشر أي بكثرة، (فوائد): جمع فائدة وصرف لضرورة الشعر. (فلفت): سترت. (وجهها):

محاسنها. (حياء) مفعول له أو حال أي مستحيية.

والمعنى: أن هذه القصيدة زادت على التيسير بفوائد ليست فيه كزيادة أحكام، أو إشارة لتعليل، ومن الزيادة مخارج الحروف، فغطت وجهها واستحيت هي أو ناظمها من تفضلها عليه، وهذا من أدب الصغير مع الكبير، وتواضع الفرع مع الأصل، والمتأخر مع المتقدم الذي له فضل السبق، وتواضع التلميذ مع أستاذه.

70 -

وسمّيتها حرز الأماني تيمّنا

ووجه التّهاني فاهنه متقبّلا

اللغة: (الحرز): ما يحفظ ما يودع فيه. والأماني: جمع أمنية، وهي ما يتمنى من بغية.

(ووجه الشيء): أحسنه. و (التهاني): جمع تهنئة، وخفف ياء الأماني، وأبدل همزة التهانئ ياء ساكنة، و (التيمن): التبرك من اليمن وهو البركة، (فاهنه): أمر من هناه بالألف والأصل هنأه يهنّئه بالهمز فخفف بالإبدال، ومعنى هنأه أعطاه والضمير في فاهنه يعود على الحرز.

والمعنى: جعلت اسم هذه القصيدة حرز الأماني ووجه التهاني تبركا وتفاؤلا لها بجمع المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة كي تتحقق فيه أماني طلبة هذا العلم. فأعط أيها الطالب هذا النظم كلّ عنايتك حال كونك متقبلا له، مقبلا عليه لتحرز ما تضمنه من فوائد وأحكام.

71 -

وناديت اللهمّ يا خير سامع

أعذني من التّسميع قولا ومفعلا

اللغة: أصل (اللهم): يا الله حذفت يا التي للنداء وعوض عنها الميم، وقطعت همزة اللهم للضرورة. (يا خير سامع) يا خير مجيب. وكرر النداء؛ حرصا على إجابة الدعاء (أعذني):

أجرني واعصمني. والتسميع عمل الخير لا لوجه الله بل بقصد الرياء و (قولا ومفعلا) مصدران تمييزان، أو حالان من الضمير في أعذني وهو الياء، أو بدلان من ياء أعذني بدل اشتمال.

والمعنى: يا خير مجيب للدعاء احفظني من طلب السمعة والرياء وحب الشهرة بين

ص: 32

الناس حتى لا يحبط عملي ولا يضيع ثوابي، والناظم لما أشاد بنظمه هذه الإشادة خشى أن يكون فيه رياء، فاستعاذ بالله تعالى منه قولا وفعلا.

72 -

إليك يدي منك الأيادي تمدّها

أجرني فلا أجري بجور فأخطلا

اللغة: (يدي) هي الجارحة مفعول لمحذوف أي مددت يدي إليك، أو مبتدأ، و (إليك) متعلق

الخبر أي يدي ممدودة إليك. و (الأيادي): جمع أيد جمع يد بمعنى النعمة، و (الأيادي) مبتدأ، وجملة (تمدها) خبره، و (منك): متعلق بمحذوف حال من فاعل تمدها أي حال كونها حاصلة منك، (أجرني): احفظني واعصمني. (والجور): العدول عن طريق الحق والعدل. (والخطل):

المنطق الفاسد، والفاء في (فأخطلا): جواب النفي والفعل منصوب بعد الفاء بإضمار أن.

والمعنى: أن الناظم مد يده إلى ربه راجيا تحقيق أمله وإنجاح مقصده، ثم بين السبب الحامل له على سؤاله ربه، فقال: الأيادي تمدها منك يعني: أن نعمك المتوالية على الواصلة منك إلى هي التي حملتني على مد يدي إليك، وأطعمتني في التوجه إلى واسع فضلك، وإلا فمن حقي ألا أمدها حياء من تقصيري في القيام بما يجب لك من ذل وعبودية، ثم تمم فقال: اعصم قلبي من الميل إلى الجور حتى لا ارتكبه فإني إن ارتكبته وقعت في فاسد القول وخطل المنطق.

73 -

أمين وأمنا للأمين بسرّها

وإن عثرت فهو الأمون تحمّلا

اللغة: (أمين): بالقصر في الهمزة وهي لغة، اسم فعل بمعنى استجب. و (أمنا):

هو ضد الخوف منصوب بفعل محذوف أي وهب أمنا للأمين وهو الموثوق به، الحفيظ على ما أتمن عليه. (عثرت): مثلث الفاء والفتح أفصح سقطت، والمراد من السقوط وقوع الخطأ فيها، والإسناد للقصيدة مجاز إذا المراد ناظمها. و (الأمون): الناقة القوية التي لا تكل من حمل الأثقال، وضمير فهو للأمين. و (تحمّلا): تمييز.

والمعنى: اللهم استجب دعائي، وامنح أمنا لمن حفظ هذه القصيدة ووعاها وعمل على نشر فوائدها وإذاعة أحكامها بين أهل العلم وإن زل الناظم زلة، فعلى هذا الأمين أن يحتمل زلله، ويقيه عثرته كما تتحمل الناقة القوية الأعباء الثقيلة وتصبر

ص: 33

عليها أي يكون بمنزلة هذه الناقة في تحمل ما يراه من زلل أو خطأ، ويتلمس لناظمها المعاذير ويعلم أن كل إنسان مهما أوتي من نباهة شأن وعلوّ قدر فهو عرضة للهفوات والعثرات.

74 -

أقول لحرّ والمروءة مرؤها

لإخوته المرآة ذ النّور مكحلا

اللغة: (الحر) هو الذي لم يسترقه هواه، ولم تستعبده مباهج الحياة. و (المروءة): كمال المرء بالأخلاق الفاضلة. و (مرؤها): رجل المروءة وصاحبها. والأخوة: جمع أخ من النسب وقد يراد به الأخ في الدين كما هنا. و (المكحل): هو الميل الذي يكتحل به. والمروءة:

مبتدأ أول (مرؤ): مبتدأ ثان و (المرآة) خبره والجملة خبر الأول. و (لإخوته): متعلق بمضاف مقدر أي نفع مرئها لإخوته و (ذو النور) خبر بعد خبر و (مكحلا): تمييز.

والمعنى: أن رجل المروءة وصاحبها نفعه لإخوانه من المؤمنين كنفع المرآة لهم، فيدلهم على عيوبهم ليعملوا على تلافيها كما تدل المرآة الناظر فيها على عيوبه. وهو ذو النور؛ أي

الإيمان يشفى من الداء بنوره كما تشفى العين المريضة بما يفعله المكحل فيها، وفي البيت إشارة لقوله صلى الله عليه وسلم:«المؤمن مرآة أخيه المؤمن» [أخرجه أبو داود].

75 -

أخي أيّها المجتاز نظمي ببابه

ينادي عليه كاسد السّوق أجملا

76 -

وظنّ به خيرا وسامح نسيجه

بالاغضاء والحسنى وإن كان هلهلا

77 -

وسلّم لإحدى الحسنيين إصابة

والاخرى اجتهاد رام صوبا فأمحلا

78 -

وإن كان خرق فادّركه بفضلة

من الحلم وليصلحه من جاد مقولا

اللغة: (المجتاز): مفتعل مأخوذ من الجواز بمعنى العبور. (ينادي عليه): يعرض للبيع، و (الكساد): ضد الرواج. (أجملا) ايت بالقول الجميل. و (النسيج): فعيل بمعنى المفعول أي المنسوج. و (الإغضاء) الإغماض على العيب وتجاهل وجوده. (الهلهل):

الثوب الخفيف الضعيف النسج، (والإصابة): الوصول للصواب. و (الاجتهاد): بذل الجهد في إدراك الصواب، و (الصوب): نزول المطر. و (أمحل): دخل في المحل وهو انقطاع المطر ويبس الأرض

ص: 34

بسبب انقطاعه. (والخرق): المراد به هنا العيب، (وادّركه): تداركه. و (فضلة الشيء): ما يفضل عنه. و (المقول): اللسان.

والمعنى: يا سامع قصيدتي حال الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، أحسن القول فيها بإظهار محاسنها، وإخفاء مثالبها. ثم أحسن الظن بالناظم ونظمه، وسامح نظمه الشبيه بالمنسوج؛ لأن النظم ضم كلمة إلى أخرى كما أن النسيج ضم طاقة إلى أخرى، بالتجاهل عن هفواته، والإغضاء عن زلاته، وإن كان ذلك النظم كالثوب الضعيف في ركاكة ألفاظه وتفاهة معانيه. وهذا تواضع من الناظم وإلا فنظمه آية في قوة الألفاظ وسمو المعاني. ثم يقول الناظم سلّم لي نظمي وابتعد عن لومي لأجل إحدى الحسنيين، وفي ذلك إشارة لقوله صلى الله عليه وسلم:«من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر» وحاله لا ينفك عن إحداهما، فإن كان مصيبا كان له أجران، وإن كان مخطئا كان له أجر. فلا ينبغي أن يوجه إليه لوم على كلتا الحالين؛ حال إدراك الصواب التي عبر عنها بقوله: إصابة، وحال الخطأ التي شبهها بحال من طلب المطر فوقع في المحل. ثم يقول: وإن وجد عيب في نظمي فتداركه بفضلة من حلمك، وليصلح هذا العيب من ذرب لسانه، وكان متضلعا من علوم العربية، واسع الاطلاع في علوم القراءات.

79 -

وقل صادقا لولا الوئام وروحه

لطاح الأنام الكلّ في الخلف والقلى

اللغة: (الوئام): مصدر بمعنى الوفاق. (لطاح): هلك. و (الأنام): الثقلان.

و (الخلف): الاختلاف. و (القلى): البغض. (وصادقا): صفة مصدر محذوف أي قولا صادقا. أو حال؛ أي حال كونك صادقا. و (لولا) حرف يدل على امتناع الشيء لوجود

غيره وهو هنا امتناع هلاك الكل لوجود الوفاق.

والمعنى: أن الوفاق سبب الحياة الهنيئة والراحة والطمأنينة، والاختلاف سبب الهلاك والدمار، وفي الأمثال: لولا الوئام لهلك الأنام.

80 -

وعش سالما صدرا وعن غيبة فغب

تحضّر حظار القدس أنقى مغسّلا

ص: 35

اللغة: (الغيبة) بالكسر: ذكر المرء أخاه بما يكره. (غب): من الغيبة بالفتح: المفارقة ضد الحضور. (تحضّر): مأخوذ من حضر المبني للمفعول إذا جعل حاضرا، و (الحظار والحظيرة) ما يحوط به على الماشية من أغصان الشجر لتقيها الحر والبرد. (القدس): الطهر.

و (حظيرة القدس): الجنة. (أنقى) أفعل من النقاء. (المغسل) المغسول. و (سالما):

حال. و (صدرا): تمييز، و (تحضر): فعل مبني للمفعول، ونائب الفاعل ضمير المخاطب، وجزم في جواب الأمر، (حظار) ثاني مفعوليه. و (أنقى ومغسلا): حالان.

والمعنى: إن سالم الصدر نظيف القلب عن الغش والغل وسائر الأمراض المعنوية. ولا تحضر مواطن الغيبة ولا تشارك المغتابين إن حضرت مجالسهم ليحضرك الله سبحانه حظار القدس في الجنة مع عباده الأبرار منقّى من الذنوب مطهرا من العيوب.

81 -

وهذا زمان الصّبر من لك بالّتي

كقبض على جمر فتنجو من البلا

المعنى: أن زماننا هذا زمان الصبر؛ لأنه قد أوذي فيه المحق، وأكرم فيه المبطل، وأصبح فيه المنكر معروفا، والمعروف منكرا، فمن يسمح لك بالحالة التي لزومها في الشدة كالقبض على النار الموقدة. وفي ذلك إشارة لقول صلى الله عليه وسلم:«يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر» [أخرجه الترمذي]، وقوله: فتنجو من البلا، المراد به: العذاب الأخروي.

82 -

ولو أنّ عينا ساعدت لتوكّفت

سحائبها بالدّمع ديما وهطّلا

83 -

ولكنّها عن قسوة القلب قحطها

فيا ضيعة الأعمار تمشي سبهللا

اللغة: (ساعدت): عاونت. (توكفت): من الوكف وهو القطر من وكف البيت إذا هطل. (والسحائب): جمع سحابة، والمراد المدامع، شبّهها بالسحائب في هطول دمعها و (الديم): جمع ديمة: المطر الدائم. و (الهطل): جمع هاطل، وهو المتتابع من المطر. و (القحط): الجدب. و (السبهلل): الذي لا شيء معه؛ أي فارغ.

والمعنى: لو ساعدت عين صاحبها على البكاء على التقصير في طاعة الله تعالى لهطلت

ص: 36

مدامعها بالدمع، ولم ينقطع بكاها أبدا، ولكن قلة بكائها صادرة عن قسوة القلب بسبب الغفلة عن ذكر الله سبحانه. فاحذروا أن تمر أعماركم في اللهو واللعب، وما لا يعود عليكم بالنفع في الحال والمآل.

84 -

بنفسي من استهدى إلى الله وحده

وكان له القرآن شربا ومغسلا

85 -

وطابت عليه أرضه فتفتّقت

بكلّ عبير حين أصبح مخضلا

اللغة: (استهدى): طلب الهداية. (الشرب): النصيب المقسوم من الماء. (المغسل):

مكان الغسل. (فتفتقت): انشقت. (والعبير): الزعفران، أو نوع من الطيب يخلط به.

و (المخضل): المبتل. و (بنفسي): متعلق بمحذوف تقديره أفدي.

والمعنى: أفدي بنفسي من كل مكروه من توجه في طلب هداية الله وحده، وكان له القرآن بملازمة تلاوته والعمل بما فيه حظه ونصيبه من الدنيا ومطهرا له من أوضار

الذنوب.

وطابت له الأرض التي تحمله لما عنده من الانشراح؛ بسبب صلاح حاله مع الله تعالى، وكنى بقوله: فتفتقت بكل عبير، عن ثناء أهلها عليه، واغتباطهم به، أو أن الأرض زكت وكثر خيرها بسبب هذا المستهدي لقيامه بالحق وبطاعة الله عز وجل. وكنى بقوله: مخضلا، عما أفاض الله عليه من نعمه بالمحافظة على حدوده.

86 -

فطوبى له والشّوق يبعث همّه

وزند الأسى يهتاج في القلب مشعلا

87 -

هو المجتبى يغدو على النّاس كلّهم

قريبا غريبا مستمالا مؤمّلا

اللغة: (طوبى): فعلى مصدر طاب يطيب، أصله طيبي، قلبت الياء واوا؛ لانضمام ما قبلها.

والمعنى: والحالة الطيبة له، أو طوبى الجنة له، ف (طوبى): مبتدأ والجار والمجرور خبره والجملة خبرية أو دعائية، والضمير في (له) يعود على المستهدي (والهم): القصد والإرادة، (والزند): ما يقدح به النار، و (الأسى): التأسف من أسيت على الشيء أسفت عليه، وحزنت، ومنه قوله تعالى: فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (يهتاج):

ينبعث ويلتهب و (مشعلا): حال من فاعل يهتاج.

والمعنى: العيش الرغد الناعم للمستهدي حين يثير الشوق قصده إلى ما أعده الله

ص: 37

لأهل طاعته من ثواب جزيل ونعيم مقيم. وحين يحترق قلبه من الأسى والحزن متحسرا على ما ضاع من عمره، غير مصروف إلى ذكر الله تعالى وشكره. وقوله:(هو المجتبى): أي المختار (يغدو):

يعني يمر. و (المستمال): الذي يطلب إليه الميل. و (المؤمل): الذي يؤمل ويرجى عنه الشدائد.

والمعنى: أن المستهدي هو المختار عند الله سبحانه وهو الذي سبقت له الحسنى. يمر على الناس قريبا من الله تعالى لإيمانه وإحسانه؛ ومن الناس بتواضعه لهم وخفض جناحه. غريبا لغرابة مسلكه، وندرة حاله، وعزة أشكاله في شدة التمسك بالحق؛ لأنه كالقابض على الجمر مستمالا يطلب منه من يعرف حاله الميل إليه والإقبال عليه. مؤملا مرجوّا عند نزول الشدائد ليدعوا بكشفها وإزالة آثارها.

88 -

يعدّ جميع النّاس مولى لأنّهم

على ما قضاه الله يجرون أفعلا

89 -

يرى نفسه بالذّمّ أولى لأنّها

على المجد لم تلعق من الصّبر والألا

المعنى: يعني أن المجتبى يعتقد كل الناس سادات تواضعا منه لله سبحانه، فلا يحتقر أحدا من عباد الله صالحا أو طالحا؛ لأن أفعالهم تجري على ما سبق به القضاء، وكتب القلم ويصح أن يكون.

المعنى: أن المجتبى يعد كل واحد من الناس عبدا مقهورا لله تعالى، لا يملك لنفسه فضلا عن غيره نفعا ولا ضرّا؛ لأن جميع أعمالهم تجري على وفق القضاء السابق، فلا يرهب أحدا ولا يتملق لأحد. فعلى المعنى الأول: يكون المقصود وصف المجتبى بالتواضع والبعد عن الكبر والعجب. وعلى الثاني: يكون المراد وصفه بالتوكل على الله وحده وقطع طمعه في الخلق. ثم بين الناظم أن هذا المجتبى يرى نفسه أولى بالذم وأحق به من غيرها؛ لأن نفسه لم تتحمل المشاق والمكاره، ولم تتناول ما هو مرّ المذاق في تحصيل رفعة القدر وسمو المنزلة عند الله تعالى، فهو لا يشغل نفسه بعيب الناس وذمهم، بل يرى أن ذم نفسه أولى واتهامها بالتقصير في الطاعات أحرى. فالمراد من قوله:(لم تلعق من الصبر) أن نفسه لم تتحمل المكاره والمشاق في سبيل تحصيل ما يرفع مكانتها ويعظم أجرها عند الله تعالى والصبر بفتح الصاد وكسرها مع سكون

ص: 38

الباء وبفتح الصاد مع كسر الباء عصارة شجر مر.

و (الألا): شجر حسن المنظر مر الطعم، وقيل: هو نبت يشبه الشيح في الريح والطعم.

90 -

وقد قيل كن كالكلب يقصيه أهله

وما يأتلي في نصحهم متبذّلا

اللغة: (الإقصاء): الإبعاد. فيقصيه يبعده. (يأتلي): يفتعل من الائتلاء وهو التقصير. (والتبذل): بذل ما في الوسع في تحقيق الشيء وعدم التهاون فيه.

والمعنى: قد قيل في المثل: كن كالكلب، الذي هو أخس الحيوانات. كن مثله في الوفاء لأهله والثبات عليه. فإن أهله يبعدونه عنهم ويجيعونه ويضربونه ويؤذونه، وهو لا يقصر في نصحهم وخدمتهم باذلا في ذلك قصارى وسعه وغاية جهده، وفي ذلك إشارة إلى ما روى وهب بن منبه أن راهبا أوصى رجلا فقال له: انصح لله أخلص له حتى تكون كنصح الكلب لأهله؛ فإنهم يؤذونه ويجيعونه ويأبى إلا أن يحيط بهم نصحا. والمقصود من البيت: الحث على بذل الجهد في طاعة الله عز وجل وعدم التراخي فيها، مهما ابتلي الإنسان في الدنيا فإن الله عز وجل لا يبتلى عبده في هذه الحياة بفقر أو مرض إلّا ليكفر ذنبه، أو يرفع في الآخرة درجته.

91 -

لعلّ إله العرش يا إخوتي يقي

جماعتنا كلّ المكاره هوّلا

92 -

ويجعلنا ممّن يكون كتابه

شفيعا لهم إذ ما نسوه فيمحلا

اللغة: (الوقاية): الحفظ. و (المكاره): جمع المكروه على غير قياس. و (هوّلا) جمع هائل بمعنى مخيف مفزع، وهو منصوب على الحال من المكاره، ويقال:(محل به)

يمحل من باب فتح يفتح إذا وشى به عند سلطان أو غيره، وأذاع فعله القبيح. وقوله:

(فيمحلا): منصوب بأن مضمرة بعد الفاء جوابا للنفي.

والمعنى: أن الناظم يرجو من الله جلت قدرته- إن قبلنا هذه الوصايا- أن يحفظنا الله سبحانه وتعالى من البلايا والمحن في الدنيا والآخرة، ويجعلنا من الذين يكون

القرآن شفيعا لهم يوم القيامة؛ لأنهم لم يهملوه، ولم يقصروا في حقه فيسعى بهم، ويشكوا منهم عند ربهم، وفي هذا إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «القرآن شافع

ص: 39