المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌30 باب فرش الحروف- سورة البقرة [445 - 545] - الوافي في شرح الشاطبية

[عبد الفتاح القاضي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌[أبواب الكتاب]

- ‌1 باب التقديم للشاطبية وبيان رموزها [1 - 94]

- ‌2 باب الاستعاذة [95 - 99]

- ‌3 باب البسملة [100 - 107]

- ‌4 سورة أم القرآن [108 - 115]

- ‌5 باب الإدغام الكبير [116 - 131]

- ‌6 باب إدغام الحرفين المتقاربين في كلمة وفي كلمتين [132 - 157]

- ‌7 باب هاء الكناية [158 - 167]

- ‌8 باب المد والقصر [168 - 182]

- ‌9 باب الهمزتين من كلمة [183 - 201]

- ‌تلخيص مذاهب القراء

- ‌10 باب الهمزتين من كلمتين [202 - 213]

- ‌11 باب الهمز المفرد [214 - 225]

- ‌12 باب نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها [226 - 234]

- ‌13 باب وقف حمزة وهشام على الهمز [235 - 254]

- ‌14 باب الإظهار والإدغام [255 - 258]

- ‌15 باب ذال إذ [259 - 261]

- ‌16 باب دال قد [262 - 265]

- ‌17 باب تاء التأنيث [266 - 269]

- ‌18 باب لام هل وبل [270 - 273]

- ‌19 باب اتفاقهم في إدغام إذ وقد وتاء التأنيث وهل وبل [274 - 276]

- ‌20 باب ذكر حروف قربت مخارجها [277 - 285]

- ‌21 باب أحكام النون الساكنة والتنوين [286 - 290]

- ‌22 باب الفتح والإمالة وبين اللفظين [291 - 338]

- ‌23 باب مذهب الكسائي في إمالة هاء التأنيث وما قبلها في الوقف [339 - 342]

- ‌24 باب مذاهبهم في الراءات [343 - 358]

- ‌25 باب اللامات [359 - 364]

- ‌26 باب الوقف على أواخر الكلم [365 - 375]

- ‌27 باب الوقف على مرسوم الخط [376 - 386]

- ‌28 باب مذاهبهم في ياءات الإضافة [387 - 419]

- ‌29 باب ياءات الزوائد [420 - 444]

- ‌30 باب فرش الحروف- سورة البقرة [445 - 545]

- ‌31 باب فرش حروف سورة آل عمران [546 - 586]

- ‌32 باب فرش حروف سورة النساء [587 - 613]

- ‌33 باب فرش حروف سورة المائدة [614 - 631]

- ‌34 باب فرش حروف سورة الأنعام [632 - 680]

- ‌35 باب فرش حروف سورة الأعراف [681 - 713]

- ‌36 باب فرش حروف سورة الأنفال [714 - 724]

- ‌37 باب فرش حروف سورة التوبة [725 - 737]

- ‌38 باب فرش حروف سورة يونس عليه السلام [738 - 754]

- ‌39 باب فرش حروف سورة هود عليه السلام [755 - 771]

- ‌40 - باب فرش حروف يوسف عليه السلام [772 - 786]

- ‌41 باب فرش حروف سورة الرعد [787 - 796]

- ‌42 باب فرش حروف سورة إبراهيم عليه السلام [797 - 801]

- ‌43 باب فرش حروف سورة الحجر [802 - 807]

- ‌44 باب فرش حروف سورة النحل [808 - 815]

- ‌45 باب فرش حروف سورة الإسراء [816 - 829]

- ‌46 باب فرش حروف سورة الكهف [830 - 859]

- ‌47 باب فرش حروف سورة مريم عليها السلام [860 - 870]

- ‌48 فرش حروف سورة طه عليه السلام [871 - 886]

- ‌49 باب فرش حروف سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام [887 - 892]

- ‌50 باب فرش حروف سورة الحج [893 - 902]

- ‌51 باب فرش حروف سورة المؤمنون [903 - 911]

- ‌52 باب فرش حروف سورة النور [913 - 919]

- ‌53 باب فرش حروف سورة الفرقان [920 - 926]

- ‌54 باب فرش حروف سورة الشعراء [927 - 931]

- ‌55 باب فرش حروف سورة النمل [932 - 944]

- ‌56 باب فرش حروف سورة القصص [945 - 951]

- ‌57 باب فرش حروف سورة العنكبوت [952 - 957]

- ‌58 باب فرش حروف من سورة الروم إلى سورة سبأ [958 - 974]

- ‌59 باب فرش حروف سورة سبأ وفاطر [975 - 985]

- ‌60 باب فرش حروف سورة يس [986 - 992]

- ‌61 باب فرش حروف سورة الصافات [993 - 1000]

- ‌62 باب فرش حروف سورة ص [1001 - 1004]

- ‌63 باب فرش حروف سورة الزمر [1005 - 1009]

- ‌64 باب فرش حروف سورة المؤمن غافر [1010 - 1014]

- ‌65 باب فرش حروف سورة فصلت [1015 - 1017]

- ‌66 باب فرش حروف سورة الشورى والزخرف والدخان [1018 - 1030]

- ‌67 باب فرش حروف سورة الشريعة والأحقاف [1031 - 1037]

- ‌68 باب فرش حروف من سورة محمد صلى الله عليه وسلم إلى سورة الرحمن عز وجل [1038 - 1051]

- ‌69 باب فرش حروف سورة الرحمن عز وجل [1052 - 1058]

- ‌70 باب فرش حروف سورة الواقعة والحديد [1059 - 1064]

- ‌71 باب فرش حروف سورة المجادلة إلى سورة ن [1065 - 1077]

- ‌72 باب فرش حروف من سورة ن إلى سورة القيامة [1078 - 1091]

- ‌73 باب فرش حروف سورة القيامة إلى سورة النبا [1092 - 1098]

- ‌74 باب فرش حروف سورة النبا إلى سورة العلق [1099 - 1114]

- ‌75 باب فرش حروف من سورة العلق إلى آخر القرآن [1115 - 1120]

- ‌76 باب التكبير [1121 - 1133]

- ‌77 باب مخارج الحروف وصفاتها التي يحتاج القارئ إليها [1134 - 1159]

- ‌78 باب خاتمة الشاطبية [1160 - 1173]

- ‌الفهرس

الفصل: ‌30 باب فرش الحروف- سورة البقرة [445 - 545]

‌30 باب فرش الحروف- سورة البقرة [445 - 545]

الفرش: مصدر فرش إذا نشر وبسط، فالفرش معناه: النشر والبسط، والحروف:

جمع حرف، والحرف: القراءة يقال: حرف نافع حرف حمزة أي قراءته، وسمى الكلام على كل حرف في موضعه من الحروف المختلف فيها بين القراء فرشا؛ لانتشار هذه الحروف في مواضعها من سور القرآن الكريم، فكأنها انفرشت في السور بخلاف الأصول فإن حكم الواحد منها ينسحب على الجميع وهذا باعتبار الغالب في الفرش والأصول؛ إذ قد يوجد في الفرش ما يطرد الحكم فيه كقوله:(وحيث أتاك القدس إسكان داله دواء) البيت. وقوله: (وها هو بعد الواو والفا ولامها) البيت. وقوله:

(وإضجاعك التوراة مارد حسنه إلخ) وقد يذكر في الأصول ما لا يطرد كالمواضع المخصوصة التي ذكرها في الهمزتين من كلمة ومن كلمتين، والكلمات المعينة في باب الإمالة، وفي باب الإدغام الصغير، وفي ياءات الإضافة، وياءات الزوائد. فالتسمية في كل من الأصول والفرش باعتبار الكثير الغالب.

445 -

وما يخدعون الفتح من قبل ساكن

وبعد ذكا والغير كالحرف أوّلا

قرأ المرموز لهم بالذال وهم: الشامي والكوفيون قوله تعالى: وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ بفتح الحرف الذي قبل الساكن وهو الياء، والحرف الذي بعده وهو الدال والساكن هو الخاء، وقرأ غيرهم وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وما يخادعون والذي دلنا على قراءتهم قوله:(والغير) أي غير الشامي والكوفيين يقرءون وما يخادعون كالحرف الأول وهو يُخادِعُونَ اللَّهَ* فخلاف القراء إنما هو في الموضع الثاني؛ لأنه قيده بالواو و (ما) فكأنه قال لفظ: يَخْدَعُونَ المقرون بالواو وما قرأه الشامي والكوفيون بكذا وغيرهم بكذا، ولأنه قال:(والغير كالحرف أولا) فعلم أن اختلاف القراء في الموضع الثاني، وأما الأول: فلا خلاف فيه بينهم وإنما أحال قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو على الموضع الأول؛ لأن قراءتهم لا يمكن أخذها من الضد؛ لأن ضد الفتح في الياء والدال الكسر، وضد السكون في الخاء التحرك بالفتح فلو كانت قراءتهم مأخوذة من الضد لكانت

ص: 199

بكسر الياء والدال وفتح الخاء وذلك لا يصح لغة ولا قراءة فلم يقرأ به ولا في الشاذ، فمن أجل ذلك اضطر إلى إحالة قراءة الباقين على الموضع الأول وهو كلمة يُخادِعُونَ اللَّهَ* وإطلاق الحرف على الكلمة مجاز مرسل من إطلاق الجزء وإرادة الكل والعلاقة الجزئية. و (ذكا) معناه اشتعل وأضاء.

446 -

وخفّف كوف يكذبون وياؤه

بفتح وللباقين ضمّ وثقّلا

[تصوير]

قرأ الكوفيون بتخفيف الذال وفتح الياء في قوله تعالى: بِما كانُوا يَكْذِبُونَ* ويلزم من تخفيف الذال وفتح الياء إسكان الكاف، وقرأ الباقون وهم أهل سما: وابن عامر بضم الياء وتشديد الذال، ويلزم من هذا فتح الكاف. وأخذت قراءة الباقين من النص عليها في قوله و (للباقين ضم وثقلا) وإنما نص عليها ولم يتركها؛ لتؤخذ من الضد لعدم إمكان ذلك بالنسبة لفتح الياء؛ لأن ضد الفتح الكسر، فلو تركها لتؤخذ من الضد لكانت القراءة بكسر الياء مع التشديد وهذا لا يجوز، فظهر من هذا أن تشديد الذال يؤخذ من الضد؛ لأنه ضد التخفيف.

وأما الضم فلا يؤخذ من الضد؛ لأن ضد الفتح الكسر لا الضم فلذلك احتاج إلى النص على الضم، وأمّا النص على التثقيل وهو التشديد فليس في حاجة إلى النص عليه؛ لأنه ضد التخفيف كما سبق، فلعله نص عليه زيادة في البيان. ويرد على الناظم: أن إطلاقه الحكم في يَكْذِبُونَ* يتناول لفظ يَكْذِبُونَ في سورة التوبة في قوله تعالى: بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ مع اتفاق القراء على قراءة هذا الموضع بالتخفيف، ولفظ يكذبون في الانشقاق في قوله تعالى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ مع اتفاق القراء على قراءته بالتشديد فكان عليه تقييد هذا الحكم بموضع البقرة كأن يقول، هنا أو نحو ذلك ودافع عنه بعض شراح كلامه بأنّ عادة الناظم في الفرش إذا أطلق الحكم يكون مقصورا على ما في السورة ولا يكون عامّا شاملا إلا بقرينة تدل على العموم كقوله: بحيث أتي، وحيث جاء، وجميعا، ونحو ذلك اللهم إلا في النذر اليسير من الكلمات، فقد ذكر حكمها في سورتها ولم يأت بقرينة تدل على العموم، ولكن كان الحكم عامّا شاملا لجميع مواضع هذه الكلمة كقوله في آل عمران:

(ولا ألف في ها هأنتم زكا جني) وقوله فيها أيضا: (ومع مد كائن كسر همزته دالا) إلخ.

ص: 200

447 -

وقيل وغيض ثمّ جيء يشمّها

لدى كسرها ضمّا رجال لتكملا

448 -

وحيل بإشمام وسيق كما رسا

وسيء وسيئت كان راويه أنبلا

قرأ الكسائي وهشام لفظ قِيلَ* حيث وقع في القرآن الكريم، ولفظ وَغِيضَ الْماءُ في هود ولا ثاني له في القرآن، ولفظ وَجِيءَ*: وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ بإشمام كسر الحرف الأول منها ضما، وقرأ ابن عامر، والكسائي بالإشمام في:

وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ في سبأ، وَسِيقَ* في الموضعين في سورة الزمر، وقرأ ابن عامر والكسائي، ونافع بالإشمام في سِيءَ بِهِمْ* في هود والعنكبوت، سِيئَتْ في الملك وكيفية الإشمام في هذه الأفعال: أن تحرك الحرف الأول منها بحركة مركبة من حركتين ضمة وكسرة، وجزء الضمة مقدم وهو الأقل، ويليه جزء الكسرة وهو الأكثر، ولا يضبط هذا الإشمام إلا التلقي والأخذ من أفواه الشيوخ المتقنين، وإطلاق الناظم الحكم يوهم قصره على ما

في هذه السورة ولكن لما ضم إلى ما في هذه السورة ألفاظا ليست فيها وهي:

وَغِيضَ، وَجِيءَ*، وَحِيلَ، وَسِيقَ*، سِيءَ*، سِيئَتْ كان ذلك قرينة على عموم الحكم وشموله لهذه الألفاظ حيث وقعت في القرآن الكريم ولا بدّ أن تكون أفعالا فإن كانت أسماء فلا إشمام فيها لأحد نحو: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا في النساء، وَقِيلِهِ يا رَبِّ في الزخرف، إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً في الواقعة، وَأَقْوَمُ قِيلًا في المزمل.

449 -

وها هو بعد الواو والفا ولامها

وها هي أسكن راضيا باردا حلا

450 -

وثمّ هو رفقا بان والضّمّ غيرهم

وكسر وعن كلّ يملّ هو انجلا

أمر بإسكان الهاء من لفظي (هو، هي) واللفظان من ضمائر الفصل للكسائي وقالون وأبي عمرو إذا كان كل منهما مقرونا بالواو نحو: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ*، وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ أو بالفاء نحو: فَهُوَ وَلِيُّهُمُ، فَهِيَ كَالْحِجارَةِ، أو باللام نحو: وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، لَهِيَ الْحَيَوانُ، وأسكن الكسائي وقالون الهاء في: ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ في

ص: 201

القصص، وقرأ غيرهم بالضم في لفظ هو والكسر في لفظ هي وعن كل القراء السبعة ضم الهاء في أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ في البقرة.

451 -

وفي فأزلّ اللّام خفّف لحمزة

وزد ألفا من قبله فتكمّلا

أمر بتخفيف اللام وزيادة ألف قبلها لحمزة فتكون قراءة غيره بتشديد اللام وحذف الألف قبلها.

452 -

وآدم فارفع ناصبا كلماته

بكسر وللمكّيّ عكس تحوّلا

أمر أن يقرأ لجميع القراء غير المكي قوله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ، برفع (آدم) ونصب (كلمات) بالكسر. ثم ذكر أن المكي وهو ابن كثير يعكس هذه القراءة فيقرأ بنصب (آدم) ورفع (كلمات). وفي قوله:(تحولا) إشارة إلى انتقال النصب من (كلمات) إلى (آدم) وانتقال الرفع من (آدم) إلى (كلمات) في قراءة ابن كثير قال العلامة أبو شامة: وحقيقة العكس لا تتحقق هنا من جهة أن نصب آدم ليس بكسر بل بفتح فهو عكس مع قطع النظر عن لفظ الكسر انتهى، ولا يخفى أن العكس هنا عكس في الإعراب لا في الكلمات.

453 -

ويقبل الاولى أنّثوا دون حاجز

وعدنا جميعا دون ما ألف حلا

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ بتاء التأنيث فتكون قراءة الباقين [تصوير]

بياء التذكير والتقييد بالأولى للاحتراز عن الثانية وهي وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ فلا خلاف بين القراء في قراءتها بالتذكير. وقرأ أبو عمرو واعَدْنا في جميع مواضعه بحذف

الألف بعد الواو، وهو في ثلاثة مواضع هنا: وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وفي الأعراف وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً، وفي طه وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ. وقرأ غيره بإثبات الألف بعد الواو.

454 -

واسكان بارئكم ويأمركم له

ويأمرهم أيضا وتأمرهم تلا

455 -

وينصركم أيضا ويشعركم وكم

جليل عن الدّوريّ مختلسا جلا

قرأ أبو عمرو، وهو مرجع الضمير في (له) بإسكان الهمز في بارِئِكُمْ* في الموضعين هنا

ص: 202

وبإسكان الراء في هذه الألفاظ حيث ذكرت في القرآن الكريم: يَأْمُرُكُمْ*، يَأْمُرُهُمْ، تَأْمُرُهُمْ، يَنْصُرْكُمُ*، يُشْعِرُكُمْ. ثم ذكر أن كثيرا من حذاق النقلة روى عن الدوري اختلاس كسرة الهمزة في بارِئِكُمْ* واختلاس ضمة الراء في بقية الألفاظ.

والاختلاس: هو الإتيان بثلثي حركة الحرف بحيث يكون المنطوق به من الحركة أكثر من المحذوف منها، ويرادفه الإخفاء، فاللفظان معناهما واحد، ويقابلهما الروم فهو الإتيان ببعض الحركة بحيث يكون الثابت منها أقل من المحذوف، ويؤخذ مما ذكر أن السوسي ليس له في شيء من هذه الألفاظ إلا الإسكان وأما الدوريّ فله في كل منها الإسكان والاختلاس.

456 -

وفيها وفي الأعراف نغفر بنونه

ولا ضمّ واكسر فاءه حين ظلّلا

457 -

وذكر هنا أصلا وللشّام أنّثوا

وعن نافع معه في الاعراف وصّلا

قرأ أبو عمرو وابن كثير والكوفيون نَغْفِرْ لَكُمْ* هنا وفي الأعراف بنون العظمة في أوله ولا ضم فيها فتكون مفتوحة؛ لأن الفتح ضد الضم وبكسر الفاء، وبقى من القراء السبعة:

نافع والشامي وهو ابن عامر. أما نافع: فأمر الناظم أن يقرأ له بياء التذكير بدلا من النون هنا مع ضم هذه الياء ويؤخذ له ضمها من الضد؛ لأنه نفي الضم عن النون في قراءة الجماعة فيكون ثابتا في الحرف الذي في مكان النون وهو الياء في قراءة نافع والتاء في قراءة ابن عامر ويقرأ لنافع بفتح الفاء؛ لأنه ضد الكسر، وأما ابن عامر: فأمر أن يقرأ له بتاء التأنيث المضمومة بدلا من النون في الموضعين هنا وفي الأعراف بدليل قوله: (معه في الاعراف) ويقرأ لابن عامر بفتح الفاء أيضا؛ لأنه ضد الكسر كما سبق. ثم ذكر أن نافعا يشارك ابن عامر في القراءة بالتأنيث في سورة الأعراف فتلخص من كل ما سبق أن البصري والمكي والكوفيين يقرءون نَغْفِرْ* في السورتين بالنون المفتوحة وكسر الفاء وأن نافعا يقرأ في البقرة بالياء المضمومة وفتح الفاء وفي الأعراف بالتاء المضمومة وفتح الفاء وأن ابن عامر يقرأ بالتاء المضمومة وفتح الفاء في الموضعين.

ويؤخذ من هذا أنه لا قراءة في الأعراف بالياء فالخلف فيها دائر بين القراءة بالنون المفتوحة

وكسر الفاء- وهي قراءة البصري والمكي والكوفيين-

ص: 203

والقراءة بالتاء المضمومة وفتح الفاء وهي قراءة نافع وابن عامر، والله تعالى أعلم.

458 -

وجمعا وفردا في النّبيء وفي النّبو

ءة الهمز كلّ غير نافع ابدلا

459 -

وقالون في الأحزاب في للنّبيّ مع

بيوت النّبيّ الياء شدّد مبدلا

أبدل القراء السبعة إلا نافعا الهمزة ياء في لفظ النبيء سواء كان مفردا أم جمع مذكر سالما- أم جمع تكسير- وفي لفظ النبوءة أيضا فالمفرد النَّبِيُّ* ونَبِيٍّ* ونَبِيًّا* وجمع المذكر السالم النَّبِيُّونَ* النَّبِيِّينَ* وجمع التكسير الْأَنْبِياءَ* أَنْبِياءَ* وَالنُّبُوَّةَ* في: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ في آل عمران، وفي وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ في الجاثية. أبدل القراء السبعة إلا نافعا الهمز ياء في جميع ما تقدم مع إدغام الياء الساكنة قبلها فيها بحيث يصير النطق بياء واحدة مشددة في لفظ المفرد وجمع المذكر السالم، وبياء خفيفة في جمع التكسير، وبواو واحدة مشددة في لفظ وَالنُّبُوَّةَ* حيث وقع، وقرأ نافع بالهمز في كل ما ذكر وقد وافق قالون الجماعة فخالف مذهبه في موضعين: فقرأ فيهما بإبدال الهمزة ياء مع إدغام الياء التي قبلها وهما: إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ، لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ، كلاهما في الأحزاب، وإطلاق كلام الناظم يفيد أن قالون يقرأ بترك الهمز في الحالين: الوصل والوقف، ولكن المحققين على أنه يقرأ بترك الهمز وبالياء المشددة وصلا فقط، فإذا وقف رجع لأصله فقرأ بالهمز في الموضعين.

460 -

وفي الصّابئين الهمز والصّابئون خذ

وهزؤا وكفؤا في السّواكن فصّلا

461 -

وضمّ لباقيهم وحمزة وقفه

بواو وحفص واقفا ثمّ موصلا

المشار إليهم بالخاء وهم القراء السبعة إلا نافعا قرءوا بهمزة مكسورة بعد الباء في لفظ وَالصَّابِئِينَ* في البقرة والحج. وبهمزة مضمومة بعد الباء في وَالصَّابِئُونَ في العقود، وقرأ نافع بترك الهمز في اللفظين مع ضم الباء في وَالصَّابِئُونَ وقرأ حمزة بإسكان الزاي في لفظ هُزُواً* كيف وقع في القرآن وبإسكان الفاء في كُفُواً أَحَدٌ في الإخلاص. وقرأ الباقون بضم الزاي والفاء، فإذا وقف حمزة أبدل الهمزة واوا، وله نقل حركة

ص: 204

الهمزة إلى ما قبلها أى إلى الزاي والفاء، وإذا وصل حقق الهمزة، وحفص يبدل الهمزة واوا وقفا ووصلا، والباقون يقرءون بالهمز وصلا ووقفا.

462 -

وبالغيب عمّا تعملون هنا دنا

وغيبك في الثّاني إلى صفوه دلا

قرأ ابن كثير وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ الذي بعده أَفَتَطْمَعُونَ بياء الغيب [تصوير]

وقرأ غيره بتاء الخطاب، وعلم أن مراده هذا الموضع من قوله:(هنا) أي في المكان القريب من لفظ هُزُواً*. وقرأ نافع وشعبة وابن كثير وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ الذي بعده أُولئِكَ الَّذِينَ بياء الغيبة، وقرأ غيرهم بتاء الخطاب.

463 -

خطيئته التّوحيد عن غير نافع

ولا يعبدون الغيب شايع دخللا

قرأ القراء السبعة إلا نافعا وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ بالتوحيد أى الإفراد، فتكون قراءة نافع بالجمع أى بزيادة ألف بعد الهمزة، وقرأ حمزة والكسائي وابن كثير وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ بياء الغيب، فتكون قراءة الباقين بتاء الخطاب و (الدخلل) هو الذي يداخلك في أمورك.

464 -

وقل حسنا شكرا وحسنا بضمّه

وساكنه الباقون واحسن مقوّلا

قرأ حمزة والكسائي وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً بفتح الحاء والسين كما لفظ به، وقرأ الباقون بضم الحاء وسكون السين وصرح بقراءتهم، وعلمت قراءة حمزة والكسائي من اللفظ، ومن ضد ترجمة الباقين؛ لأن ضد الضم في الحاء فتحها، وضد السكون في السين التحريك بالفتح. وقوله:(وأحسن مقولا) أي ناقلا؛ أى أحسن في نقلك بأن تنقل عن الأئمة بصدق وأمانة، وهو منصوب على الحال من فاعل وأحسن.

465 -

وتظّاهرون الظّاء خفّف ثابتا

وعنهم لدى التّحريم أيضا تحلّلا

قرأ المرموز لهم بالثاء وهم: الكوفيون: عاصم وحمزة والكسائي تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ هنا، وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ في التحريم بتخفيف الظاء؛ فتكون قراءة غيرهم بالتشديد، وما أحسن قوله:(تحللا) بعد ذكر التحريم.

ص: 205

466 -

وحمزة أسرى في أسارى وضمّهم

تفادوهمو والمدّ إذ راق نفّلا

قرأ حمزة وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى بفتح الهمزة وسكون السين في مكان أُسارى بضم الهمزة وفتح السين وألف بعدها وهي قراءة الباقين فلفظ بالقراءتين، وقرأ نافع والكسائي وعاصم تُفادُوهُمْ بضم التاء وفتح الفاء وألف بعدها وهو مراده ب (المد) وأخذ فتح الفاء من إثبات ألف بعدها إذ لا تثبت الألف إلا حيث يكون ما قبلها مفتوحا فاكتفى بذكر المد عن ذكر الفتح، وقرأ الباقون بفتح التاء وسكون الفاء وأخذ فتح التاء من الضد وأخذ سكون الفاء من ضد الفتح الذي دل عليه المد يقال: راقني الشيء: أعجبني، و (نفّل) أعطي النفل بفتح الفاء وهو الغنيمة.

467 -

وحيث أتاك القدس إسكان داله

دواء وللباقين بالضّمّ أرسلا

قرأ ابن كثير لفظ القدس حيث وقع في القرآن العظيم بإسكان الدال، وقرأ غيره بضمها، ونص على قراءة الباقين؛ لأنها لا تعلم من الضد الإسكان التحريك بالفتح.

468 -

وينزل خفّفه وتنزل مثله

وننزل حقّ وهو في الحجر ثقّلا

469 -

وخفّف للبصري بسبحان والذي

في الانعام للمكّي على أن ينزّلا

470 -

ومنزلها التّخفيف حقّ شفاؤه

وخفّف عنهم ينزل الغيث مسجلا

قرأ المكى والبصري كل فعل مضارع من لفظ يُنَزِّلَ* مضموم الأول بتخفيف الزاي ويلزمه سكون النون سواء كان مبدوءا بياء الغيب مثل: أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، أم بتاء الخطاب نحو: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ. أم بنون العظمة نحو إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً. وسواء كان مبنيّا للمعلوم كهذه الأمثلة، أو مبنيّا للمجهول نحو: أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ، ونحو: مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ. وقولنا: مضموم الأول؛ خرج به، وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها*، فلا خلاف بين القراء في تخفيف زائه. وقرأ الباقون بتشديد الزاى منه فتح النون وقوله:(وهو في الحجر ثقلا) معناه: أن كل ما في الحجر ثقّل لجميع القراء كما يفيده الإطلاق.

ص: 206

وفي الحجر موضعان: أولهما ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ، والثاني:

وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ، ولا خلاف بين القراء السبعة في تشديدهما، وخفف أبو عمرو ما* في سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى وإطلاقه يتناول موضعيها وهما وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ، حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً. وشددهما ابن كثير مع باقي القراء فخالف فيهما مذهبه، وخفف ابن كثير موضع الأنعام عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وشدده البصري مع الباقين فخالف فيه مذهبه، وخفف ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي الزاي في هذه المواضع: إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ في المائدة، وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا في الشورى، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ في لقمان.

وشدد الباقون في هذه المواضع.

471 -

وجبريل فتح الجيم والرّا وبعدها

وعى همزة مكسورة صحبة ولا

472 -

بحيث أتى والياء يحذف شعبة

ومكّيّهم في الجيم بالفتح وكّلا

قرأ حمزة والكسائي وشعبة لفظ وَجِبْرِيلَ* حيث وقع في القرآن الكريم بفتح الجيم والراء وزيادة همزة مكسورة بعد الراء، ويزيد شعبة على حمزة والكسائي حذف الياء التي بعد الهمزة فيشاركهما في فتح الجيم والراء وزيادة الهمزة المكسورة ويخالفهما في حذف الياء بعدها؛ لأنهما يثبتان الياء بعد الهمزة، وقرأ المكي بفتح الجيم

وقرأ الباقون بكسرها.

473 -

ودع ياء ميكائيل والهمز قبله

على حجّة والياء يحذف أجملا

قرأ حفص وأبو عمرو وَمِيكالَ حيث نزل بحذف الياء والهمز الذي قبله [تصوير]

ويفهم من ضد هذه القراءة أن غيرهما يقرأ بإثبات الياء والهمز الذي قبله ما عدا نافعا؛ فإنه يثبت الهمز ويحذف الياء. وقول الناظم قبله، نص في أن محل اختلاف القراء هو الياء الثانية و (أجملا) نعت لمصدر محذوف أى حذفا أجملا؛ أي جميلا.

474 -

ولكن خفيف والشّياطين رفعه

كما شرطوا والعكس نحو سما العلا

قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا بتخفيف النون في ولكن

ص: 207

مع كسرها في الوصل للتخلص من التقاء الساكنين وسكونها في الوقف ورفع نون الشياطين. وقرأ الباقون بعكس هذه القراءة فتكون قراءتهم بتشديد النون في ولكن مع فتحها ونصب النون في الشياطين. الباقون هم عاصم ونافع وابن كثير وأبو عمرو. ولم يقيد نون ولكن في قراءة الباقين بالفتح اعتمادا على الشهرة.

475 -

وننسخ به ضمّ وكسر كفى ونن

سها مثله من غير همز ذكت إلى

قرأ مرموز (كفي) وهو ابن عامر ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ بضم النون الأولى وكسر السين فتكون قراءة غيره بفتح النون والسين؛ لأن ضد الضم الفتح وضد الكسر الفتح، وقرأ مرموز الذال والألف وهما ابن عامر والكوفيون ونل فع أَوْ نُنْسِها بضم النون الأولى وكسر السين كقراءة ابن عامر في ننسخ من غير همزة بعد السين فتكون قراءة الباقين وهما ابن كثير وأبو عمرو بفتح النون والسين وزيادة همز ساكن بعدها. والناظم رضي الله عنه لم يقيد الهمز بكونه ساكنا أو متحركا فمن أين علم سكونه؟

قال العلامة أبو شامة: ومطلق الهمز لا يقتضي حركته فيقتصر على أقل ما يصدق عليه اسم الهمز وهو الإتيان بهمزة ساكنة ويظهر لي- والله أعلم- أن سكون الهمز علم من قواعد العربية. ذلك أن قوله أَوْ نُنْسِها معطوف على فعل الشرط فيكون مجزوما مثله فحينئذ يتعين سكون الهمز. فالناظم لم يقيد الهمز بالسكون اعتمادا على هذه القواعد.

476 -

عليم وقالوا الواو الاولى سقوطها

وكن فيكون النّصب في الرّفع كفّلا

477 -

وفي آل عمران في الاولى ومريم

وفي الطّول عنه وهو باللّفظ أعملا

478 -

وفي النّحل مع يس بالعطف نصبه

كفى راويا وانقاد معناه يعملا

قرأ ابن عامر إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً بحذف الواو الأولى من وَقالُوا والتقييد بالأولى للاحتراز عن الثانية فلا خلاف بين القراء في إثباتها، وقرأ كُنْ فَيَكُونُ بالنصب في مكان الرفع يعني بنصب النون بدلا من رفعها في هذه السورة وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ وفي آل عمران في الكلمة الأولى فيها وهي كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ، واحترز بالأولى عن الثانية وهي التي بعدها

ص: 208

الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، فقد اتفق القراء على الرفع فيها، وفي مريم في كُنْ فَيَكُونُ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي، وفي

الطول وهي غافر في كُنْ فَيَكُونُ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ. وقوله: (وهو باللفظ أعملا) توجيه لقراءة ابن عامر بالنصب، فوجهه أنه منصوب بعد فاء السببية في جواب الأمر وهو كُنْ* وهذا الفعل وهو كُنْ* ليس أمرا حقيقة؛ لأن المعنى أن الله تعالى إذا أراد شيئا ما تحقق، ولا يحول دون تحققه حائل ولكن لما كان على صورة الأمر ولفظه لفظ الأمر أجري مجرى الأمر الحقيقى، فنصب المضارع في جوابه، وقرأ ابن عامر والكسائي كُنْ فَيَكُونُ (40) وَالَّذِينَ هاجَرُوا في سورة النحل. كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحانَ الَّذِي في سورة يس، بنصب النون في فَيَكُونُ أيضا عطفا على الفعل المنصوب قبله، وهو نَقُولَ وهذا معنى قوله (بالعطف نصبه). ومعنى (انقاد) معناه: يعملا سهل النصب وظهر وجهه في هذين الموضعين لعطفه على قبله حال كونه في سهولته مشبها يعملا، وهو الجمل القوى في السير المطبوع على العمل.

479 -

وتسأل ضمّوا التّاء واللّام حرّكوا

برفع خلودا وهو من بعد نفي لا

قرأ السبعة إلا نافعا وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ بضم التاء وتحريك اللام بالرفع وعلى هذه القراءة تكون لا التي قبل تسأل نافية، فتكون قراءة نافع بفتح التاء؛ لأنه ضد الضم، وبسكون اللام؛ لأنه ضد التحريك، وعلى هذه القراءة تكون لا ناهية؛ لأن النهى ضد النفي.

480 -

وفيها وفي نصّ النّساء ثلاثة

أواخر إبراهام لاح وجمّلا

481 -

ومع آخر الأنعام حرفا براءة

أخيرا وتحت الرّعد حرف تنزّلا

482 -

وفي مريم والنّحل خمسة أحرف

وآخر ما في العنكبوت منزّلا

483 -

وفي النّجم والشّورى وفي الذّاريات وال

حديد ويروي في امتحانه الاوّلا

484 -

ووجهان فيه لابن ذكوان هاهنا

وو اتّخذوا بالفتح عمّ وأوغلا

ص: 209

ضمير فيها يعود على السورة التي يتحدث عن اختلاف القراء في مواضع الاختلاف فيها، وهي سورة البقرة، يعني أن المرموز له باللام وهو هشام قرأ لفظ إِبْراهِيمَ* بفتح الهاء وألف بعدها في جميع المواضع في سورة البقرة كما يدل على ذلك إطلاق كلامه وكذلك قرأ بفتح الهاء وألف بعدها في المواضع الثلاثة الأخيرة في سورة النساء

وهي: وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا، وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ واحترز بالمواضع الأخيرة عن الموضع الأول منها وهو: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ فإن هشاما يقرؤه كالجماعة. وقرأ أيضا بفتح الهاء وألف بعدها في الموضع الأخير من سورة الأنعام وهو مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، والتقييد بالآخر احتراز عن [تصوير]

جميع ما فيها من لفظ إبراهيم فإن هشاما يقرؤه كالجماعة وأيضا حرفا براءة أخيرا وهما:

وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ، إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ واحترز بآخر السورة عن كل ما فيها وكذا قوله تعالى وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ في سورة إبراهيم، وقوله إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً، أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ، والموضعان في النحل وقوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ، أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ، وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ والثلاثة في مريم. وقوله تعالى: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ في العنكبوت، وهو آخر ما فيها. واحترز بالآخر عن قوله تعالى فيها وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ، وقوله تعالى: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى في النجم، وقوله: وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ في الشورى، وقوله سبحانه: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ في الذاريات، وقوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ في الحديد، وقوله تعالى:

قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ في سورة الممتحنة وهي الامتحان، وهو الموضع الأول فيها واحترز به عن الموضع الثاني وهو: إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ. فهذه ثلاثة وثلاثون موضعا قرأها هشام بفتح الهاء وألف بعدها، وقرأ غيرها بكسر الهاء وياء ساكنة بعدها كالجماعة. وقوله (ووجهان فيه لابن ذكوان هاهنا) معناه أن ابن ذكوان قرأ جميع ما في البقرة من لفظ إبراهيم بوجهين: الأول كهشام، والثاني كالجماعة، ويفهم من هذا أن ابن ذكوان يقرأ غير ما في البقرة من سائر المواضع كالجماعة، وعلمت قراءة هشام بفتح الهاء والألف من تلفظه بها، وأما قراءة الجماعة فتعلم من جهة أن هشاما لما قرأ بالفتح وبالألف وضد الفتح الكسر ويلزم من الكسر قبل الألف قبلها ياء علم أن

ص: 210

قراءة الجماعة بكسر الهاء وياء بعدها، هكذا قرر بعض الشراح. وقال العلامة الجعبرى: قد علم من اصطلاحه الذي قررناه سابقا أن اللفظ المختلف فيه إذا كان له نظير متفق عليه ذكر الوجه المخالف كالألف هنا ثم يحيل الآخر على محل الإجماع وهو الياء .. انتهى. ثم ذكر أن المشار إليهما بكلمة (عمّ) وهما نافع والشامي قرآ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ بفتح الخاء فتكون قراءة غيرهما بكسرها.

485 -

وأرنا وأرني ساكنا الكسر دم يدا

وفي فصّلت يروى صفا درّه كلا

486 -

وأخفاهما طلق وخفّ ابن عامر

فأمتعه أوصى بوصّى كما اعتلا

قرأ ابن كثير والسوسي: وَأَرِنا مَناسِكَنا، أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً، أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى، أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ بسكون الراء. وقرأ السوسي وشعبة وابن كثير وابن عامر أَرِنَا الَّذَيْنِ في فصلت بسكون الراء. وقرأ الدوري عن أبي عمرو بإخفاء الحركة أي اختلاسها في كل ما ذكر. وقرأ الباقون بإشباع كسر الراء في الجميع والقراءتان سكون الراء وكسرها مأخوذتان من قول الناظم (ساكنا الكسر) وقرأ ابن عامر فَأُمَتِّعُهُ بتخفيف التاء

ويلزم منه سكون الميم وقرأ غيره بفتح الميم وتشديد التاء؛ لأنه ضد التخفيف ويلزمه فتح الميم وقرأ ابن عامر ونافع وأوصى بها، بزيادة ألف بين الواوين مع سكون الواو الثانية وتخفيف الصاد. وقرأ الباقون بحذف الألف مع فتح الواو الثانية وتشديد الصاد وقد لفظ الناظم بالقراءتين معا.

487 -

وفي أم يقولون الخطاب كما علا

شفا ورءوف قصر صحبته حلا

قرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ بتاء الخطاب فتكون قراءة الباقين بياء الغيبة، وقرأ (صحبة) أى شعبة وحمزة والكسائي وكذا أبو عمرو لفظ رَؤُفٌ* حيث نزل بالقصر؛ أى حذف حرف المد بعد الهمزة. وقرأ الباقون بالمد- لأنه ضد القصر- والمراد به إثبات حرف المد بعد الهمزة.

488 -

وخاطب عمّا يعملون كما شفا

ولام مولّيها على الفتح كمّلا

قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي عَمَّا يَعْمَلُونَ الذي بعده وَلَئِنْ أَتَيْتَ بتاء الخطاب؛ فتعين

ص: 211

لغيرهم القراءة بياء الغيبة، ودلنا على هذا الموضع: وقوعه بعد ترجمة رَؤُفٌ* وقرأ ابن عامر هُوَ مُوَلِّيها بفتح اللام، وحينئذ تنقلب الياء ألفا. وقرأ غيره بكسر اللام وياء ساكنة مدية بعدها.

489 -

وفي يعملون الغيب حلّ وساكن

بحرفيه يطّوّع وفي الطّاء ثقّلا

490 -

وفي التّاء ياء شاع والرّيح وحّدا

وفي الكهف معها والشّريعة وصّلا

491 -

وفي النّمل والأعراف والرّوم ثانيا

وفاطر دم شكرا وفي الحجر فصّلا

492 -

وفي سورة الشّورى ومن تحت رعده

خصوص وفي الفرقان زاكيه هلّلا

قرأ أبو عمرو عَمَّا تَعْمَلُونَ الذي بعده وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ بياء الغيب، وغيره بتاء الخطاب، والذي دلنا على موضعه: وقوعه بعد ترجمة مولاها.

وقرأ حمزة والكسائي وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً بسكون العين وتثقيل الطاء وبالياء في مكان التاء، وفي الكلام تقديم وتأخير.

والمعنى: أنهما قرآ بالياء المعجمة المفتوحة في أول الفعل وبعدها طاء مفتوحة مشددة وبعدها عين ساكنة. وقرأ حمزة والكسائي أيضا بتوحيد لفظ الرِّياحِ* أى بحذف الألف فتسكن الياء في هذه السورة وتصريف الرّيح، وفي الكهف تذروه الرّيح، وفي سورة الشريعة وهي الجاثية وتصريف الرّيح. وانضم إليهم ابن كثير في توحيد لفظ الرِّياحِ* في السور الآتية: النمل ومن يرسل الرّيح بشرا، والأعراف وهو الّذى يرسل الرّيح بشرا. وفي الموضع الثاني من الروم الله الّذى يرسل الرّيح [تصوير]

واحترز به عن الموضع الأول وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ. فلا خلاف في قراءته بالجمع، وفي فاطر وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ. وانفرد حمزة بقراءة هذا اللفظ بالإفراد في الحجر وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ وقرأ السبعة إلا نافعا بالتوحيد في سورة الشورى إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ وفي السورة التي تحت الرعد وهي إبراهيم كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فتكون قراءة نافع بالجمع في السورتين. وقرأ البزي وقنبل عن ابن كثير بالتوحيد في سورة الفرقان وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً وقرأ غيرهما بالجمع.

ص: 212

493 -

وأيّ خطاب بعد عمّ ولو ترى

وفي إذ يرون الياء بالضّمّ كلّلا

قرأ المشار إليهما بكلمة (عم) وهما: نافع عامر بتاء الخطاب في قوله تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا. ويشير بقوله (وأي خطاب) إلى تفخيم شأن هذا الخطاب وتهويل أمره؛ لما فيه من الدلالة على تفظيع العذاب الذي ادخره الله عز وجل لمتخذي الأصنام أندادا، وفي قوله (عم) إشارة إلى أن قوله تعالى: وَلَوْ تَرى * على هذه القراءة- الخطاب فيه عام لكل من تتأتى منه الرؤية، وقرأ غيرهما بياء الغيب. وقرأ ابن عامر إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ بضم الياء فتكون قراءة غيره بفتحها. ومعنى قوله (كلّلا) أن الياء كللت بالضمة شبه الضمة بالإكليل وهو التاج الذي يوضع فوق رأس الملوك.

494 -

وحيث أتى خطوات الطّاء ساكن

وقل ضمّه عن زاهد كيف رتّلا

المعنى: أن لفظ خطوات حيث وقع في القرآن الطاء فيه ساكن للجميع ما عدا حفصا وقنبلا وابن عامر والكسائي؛ فإنهم يضمونها، وذكر الناظم القراءتين؛ لأن إحداهما لا تؤخذ من الضد إذ ضد السكون الفتح، وضد الضم الفتح.

495 -

وضمّك أولى السّاكنين لثالث

يضمّ لزوما كسره في ند حلا

496 -

قل ادعوا أو انقص قالت اخرج أن اعبدوا

ومحظورا انظر مع قد استهزئ اعتلا

497 -

سوى أو وقل لابن العلا وبكسره

لتنوينه قال ابن ذكوان مقولا

498 -

بخلف له في رحمة وخبيثة

......

إذا اجتمع ساكنان في كلمتين، وكان الساكن الأول في آخر الكلمة الأولى والثاني في الكلمة الثانية، وكان أول الثانية همزة وصل تضم عند الابتداء، وكان الحرف الثالث في الكلمة مضموما ضمة لازمة فقد اختلف القراء في الساكن الأول مع اجماعهم على تحريكه للتخلص من الساكنين فمنهم من ضمه لأجل ضم الحرف الثالث في الكلمة الثانية فيكون ضمه للاتباع كراهة الانتقال من كسر إلى ضم ولا اعتداد بالحرف الساكن بينهما؛ لأن الحرف الساكن حاجز غير حصين. وقد أشار الناظم إلى هذه العلة

ص: 213

بقوله (لثالث) وهناك علة ثانية وهي أن ضم هذا الساكن يدل على حركة همزة الوصل التي حذفت في الوصل

وهي الضمة، ومنهم من كسره، والذين حركوا هذا الساكن بالضم هم: نافع وابن كثير وابن عامر والكسائي، والذين حركوه بالكسر هم المشار إليهم بالفاء والنون والحاء وهم حمزة وعاصم وأبو عمرو وعلة تحريكهم هذا الساكن بالكسر أنه الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، وذلك نحو الأمثلة التي ذكرها الناظم: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ في الإسراء، أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا في المزمل، وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ في يوسف، أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ في نوح، وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) انْظُرْ في الإسراء، وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ* في الأنعام وغيرها.

فالساكن الأول في المثال اللام، وفي الثاني الواو، وفي الثالث التاء، وفي الرابع النون، وفي الخامس التنوين، وفي السادس الدال.

والساكن الثاني في المثال الأول، وفي الثاني النون، وفي الثالث الخاء، وفي الرابع العين، وفي الخامس النون، وفي السادس السين. وأول الكلمة الثانية في كل مثال من الأمثلة المذكورة همزة وصل تضم عند الابتداء والحرف الثالث في الكلمة الثانية من هذه الأمثلة مضموم ضمّا لازما. وإنما عد الحرف المضموم ثالث حروف الكلمة لأحد اعتبارين: الأول أن قبله الحرف الساكن، وقبل الحرف الساكن همزة الوصل؛ فهمزة الوصل أول حروف الكلمة، وثانيها الحرف الساكن، وثالثها الحرف المضموم، وهذا بالنظر للابتداء بالكلمة، وأيضا بالنظر لرسم الكلمة؛ فإن كلمة اخرج مثلا مرسومة في الخط أربعة أحرف: الأول:

همزة الوصل، والثاني: الخاء، والثالث: الحرف المضموم وهو الراء. والرابع: الجيم.

الاعتبار الثاني: أن هذا الحرف المضموم عدّ ثالثا باعتبار الساكن الأول إذا الحكم متعلق به، فالساكن الأول كالكلام في قُلِ ادْعُوا* هو الحرف الأول، والدال هو الحرف الثاني، والعين وهو المضموم هو الحرف الثالث، وأما همزة الوصل:

فحذفت في الدرج، وهذا منظور فيه لوصل الكلمة الأولى بالثانية.

ويؤخذ من الضابط الذي ذكرناه: أن الساكن الأول لا يضم إلا بشرطين: الأول:

أن يكون الساكن الثاني في كلمة ثانية مبدوءة بهمزة وصل تضم عند الابتداء بها.

الثاني: أن يكون الحرف الثالث من الكلمة الثانية مضموما ضمّا لازما ومحترز

ص: 214

الشرط الأول أن الساكن الثاني إذا كان في كلمة مبدوءة بهمزة وصل لا تضم في الابتداء فلا يضم الساكن الأول لأحد من القراء بل يكسر باتفاق، حتى وإن كان الحرف الثالث في هذه الكلمة مضموما ضمّا لازما نحو: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ*، قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، غُلِبَتِ الرُّومُ، كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ، بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ؛ فهمزة الوصل في هذه الأمثلة ونحوها تفتح في الابتداء كما هو معلوم.

[تصوير]

ومحترز الشرط الثاني: أن الحرف الثالث في الكلمة الثانية إذا كانت ضمته عارضة فلا يضم الساكن الأول بل يكسر لجميع القراء نحو: إِنِ امْرُؤٌ، فإن ضمة الراء عارضة؛ لأنها تابعة لضم الهمزة، ولذلك لو فتحت الهمزة نحو: إنّ امرأ؛ لفتحت الراء، ولو كسرت الهمزة لكسرت الراء، نحو لِكُلِّ امْرِئٍ* فنظرا لكون ضمة الراء في هذه الكلمة عارضة لا يبتدأ بهمزة الوصل إلا مكسورة سواء ضمت الراء أو فتحت أو كسرت، ومن ذلك أَنِ امْشُوا، ثُمَّ اقْضُوا. فإن ضمة الشين والضاد عارضة؛ لأن الأصل: امشيوا، اقضيوا. بكسر الشين والضاد كما هو مقرر في فن الصرف. ويبتدأ بهمزة الوصل مكسورة فيهما: نظرا لعروض ضمة الحرف الثالث في الكلمتين، ومن الحركة العارضة حركة الإعراب نحو: بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى، وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. والتمثيل بعزير لا يصح إلا على قراءة من ينونه وهو عاصم والكسائي فكلاهما يكسر التنوين. فأما عاصم: فعلى أصل مذهبه في كسر أول الساكنين مطلقا. وأما الكسائي: فلعروض الضمة؛ لأنها ضمة إعراب تتحقق وتنتفي حسب العوامل، فتتحقق في حالة الرفع وتنتفي في حالة النصب وتحل الفتحة محلها، وفي حالة الجر تحل الكسرة محلها. ومن الضمة العارضة: ضمة القاف في أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ لأن الأصل اتقيوا بكسر القاف وضم الياء فاستثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى القاف ثم حذفت الياء.

وقال بعضهم: إن القاف المضمومة ليست ثالثة حروف الكلمة بل هي رابعة حروفها؛ لأن قبلها التاء مشددة، فهي حرفان وقبلها همزة الوصل، فيكون قبل القاف ثلاثة أحرف:

همزة الوصل، والتاء المشددة بحرفين، فتكون القاف رابعة الأحرف، فجميع ما تقدم من محترز الشرطين يكسر فيه أول الساكنين لكل القراء.

وقال بعض المحققين: إن الشرط الأول كاف وحده ولا حاجة إلى الثاني؛ لأنه إذا تحقق الشرط الأول خرج مثل: إِنِ الْحُكْمُ*، قُلِ الرُّوحُ،

ص: 215

غُلِبَتِ الرُّومُ. وما شاكل ذلك؛ لفتح همزة الوصل في هذه الأمثلة وأشباهها. وخرج إِنِ امْرُؤٌ، أَنِ امْشُوا، ثُمَّ اقْضُوا، بِغُلامٍ اسْمُهُ، عُزَيْرٌ ابْنُ، أَنِ اتَّقُوا؛ لكسر همزة الوصل فيها وأشباهها. وحينئذ لا يضم الساكن الأول في شيء مما ذكر؛ بل يكسر للجميع، وممن جنح إلى الاكتفاء بالشرط الأول: الإمام مكي بن أبي طالب حيث قال: اختلفوا في الساكنين إذا اجتمعا من كلمتين وكانت الألف- أي همزة الوصل- التي تدخل على الساكن الثاني في الابتداء تبتدأ بالضم .. انتهى.

واختصر العلامة الجعبرى ما قاله الإمام مكي فقال: اختلفوا في حركة الأول من الساكنين إذا كان بينهما همزة وصل مضمومة. ثم قال: وهذا يغني عن لزوم الضم .. انتهى. ثم استثنى الناظم لأبي عمرو الواو من أو واللام من قُلِ* فقرأ بالضم فيهما حيث وقعا نحو: قُلِ ادْعُوا

اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ، قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا.

فيكون أبو عمرو قد خالف أصله في أَوِ* وقُلِ* فقط. وقول الناظم (وبكسره لتنوينه) قال ابن ذكوان: مقولا في قوة الاستثناء من مذهب ابن ذكوان؛ لأن مذهبه ضم الساكن الأول في جملة من يضمون، فإذا كان الساكن تنوينا فإن ابن ذكوان يكسره نحو: مَحْظُوراً (20) انْظُرْ، مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوها. واختلف عنه في موضعين: لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا بالأعراف كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ بإبراهيم. فروي عنه في كل منهما الضم والكسر. و (مقولا) بضم الميم وكسر الواو مأخوذ من أقوله مثل قوّله أي جعله قولا له، وهو منصوب على الحال.

498 -

............. ........

ورفعك ليس البرّ ينصب في علا

499 -

ولكن خفيف وارفع البرّ عمّ في

هما وموصّ ثقلة صحّ شلشلا

أى قرأ حمزة وحفص لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا بنصب الراء، وقرأ الباقون برفعها وأخذت قراءة الباقين من قوله (ورفعك ليس البر) أى رفعك لَيْسَ الْبِرَّ الثابت للقراء ينصب لحمزة وحفص فيكون قد نصب على القراءتين، ولو قال: ليس البر ينصب في علا، لنص على قراءة واحدة، ولكانت القراءة الثانية بخفض الراء؛ لأن الخفض ضد النصب، وليست

ص: 216

القراءة الثانية كذلك فمن أجل هذا (ورفعك إلخ) ليدل على قراءة غير حفص وحمزة، وقول الناظم ليس البر من غير واو يعطي أن موضع الخلاف إنما هو المجرد من الواو، وأما المقترن بها وهو: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ. فقد اتفق القراء على قراءته برفع الراء. ثم بين أن نافعا والشامي يقرءان:

وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى. بتخفيف نون وَلكِنَّ وكسرها ورفع راء البر في الموضعين فتكون قراءة الباقين بتشديد النون ونصبها ونصب راء البر. وأخيرا ذكر أن شعبة وحمزة والكسائي قرءوا مِنْ مُوصٍ بتثقيل الصاد، ويلزمه فتح فتكون قراءة الباقين بتخفيف الصاد ويلزمه سكون الواو، والشلشل الخفيف.

500 -

وفدية نوّن وارفع الخفض بعد في

طعام لدى غصن دنا وتذلّلا

501 -

مساكين مجموعا وليس منوّنا

ويفتح منه النّون عمّ وأبجلا

قرأ هشام وأبو عمرو والكوفيون وابن كثير بتنوين فِدْيَةٌ ورفع الميم في طَعامُ فتكون قراءة نافع وابن ذكوان بحذف التنوين وخفض الميم، وقرأ نافع وابن عامر مساكين بالجمع وترك التنوين وفتح النون، وقرأ الباقون مِسْكِينٍ بالإفراد وإثبات التنوين في النون وكسرها فتصير قراءة نافع وابن ذكوان بترك التنوين وخفض الميم [تصوير]

وجمع مساكين وقراءة هشام بالتنوين ورفع الميم وجمع مساكين وقراءة الباقين بالتنوين ورفع الميم وإفراد مساكين. و (أبجلا) كفى، يقال: أبجله الشيء إذا كفاه.

502 -

ونقل قران والقران دواؤنا

وفي تكملوا قل شعبة الميم ثقّلا

قرأ ابن كثير بنقل حركة الهمزة إلى الراء الساكنة قبلها مع حذف الهمزة في لفظ قُرْآنٍ* وما تصرف منه حيث وقع وكيف نزل، سواء كان مقرونا بلام التعريف نحو:

أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، أم مضافا إلى اسم ظاهر نحو: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، أم إلى ضمير نحو: فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، أم كان خاليا من اللام والإضافة نحو: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ، وقرأ الباقون بإثبات الهمز وسكون الراء. وقرأ شعبة وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ بتثقيل الميم ويلزمه فتح الكاف، وقرأ غيره بتخفيف الميم وسكون الكاف.

ص: 217

503 -

وكسر بيوت والبيوت يضمّ عن

حمى جلّة وجها على الأصل أقبلا

قرأ حفص وأبو عمرو وورش بضم كسر الباء في لفظ بُيُوتٍ* حيث وقع وكيف نزل، سواء كان مصاحبا للام التعريف نحو: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها أم مضافا إلى اسم ظاهر نحو: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ أم إلى ضمير نحو: غَيْرَ بُيُوتِكُمْ أم كان خاليا من اللام والإضافة نحو: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً. وقرأ الباقون بكسر الباء في ذلك وأمثاله.

وقد أشار الناظم إلى توجيه قراءة الضم بأنها الأصل؛ إذ الأصل في جمع فعل بفتح الفاء وسكون العين أن يكون على فعول مثل: قلب وقلوب، وشيخ وشيوخ. ووجه قراءة الكسر:

مجانسة الياء استثقالا لضمة الياء بعد ضمة.

504 -

ولا تقتلوهم بعده يقتلوكمو

فإن قتلوكم قصرها شاع وانجلا

قرأ حمزة والكسائي: ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم بفتح التاء في الأول والياء في الثاني وإسكان القاف فيهما وضم التاء فيهما أيضا مع القصر؛ أى حذف الألف كما لفظ بها. ويحذف الألف في فَإِنْ قاتَلُوكُمْ. وقرأ الباقون بضم التاء في الأول والياء في الثاني وفتح القاف وكسر التاء فيهما مع المد، أي: إثبات ألف بين القاف والتاء في الثلاثة، ولا خلاف في فَاقْتُلُوهُمْ أنه بغير ألف. ومعنى (شاع وانجلا) اشتهر القصر وانكشف.

505 -

وبالرّفع نونه فلا رفث ولا

فسوق ولا حقّا وزان محمّلا

قرأ ابن كثير وأبو عمرو فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ برفع الثاء والقاف وتنوينهما، وقرأ غيرهما بفتح الثاء والقاف وترك التنوين فيهما ولا خلاف في جِدالَ أنه بالفتح من غير تنوين.

506 -

وفتحك سين السّلم أصل رضى دنا

وحتّى يقول الرّفع في اللّام أوّلا

قرأ نافع والكسائي وابن كثير ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ بفتح السين، وقرأ الباقون بكسرها

وسيبين حكم ما في الأنفال والقتال في سورة الأنفال. وقرأ نافع حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ

ص: 218

برفع اللام، وقرأ غيره بنصبها. وفي قوله:(أولا) إشارة إلى تأويل قراءة نافع وهو أن الفعل بمعنى المضي أى: (حتى قال الرسول) أو هي حكاية حال ماضية. والفعل إذا كان كذلك ووقع بعد حتى رفع، ووجه النصب: أن الفعل مستقبل. فنصب بعد حتى على تقدير: إلى أن يقول، أو: كي يقول.

507 -

وفي التّاء فاضمم وافتح الجيم ترجع ال

أمور سما نصّا وحيث تنزّلا

قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم تُرْجَعُ الْأُمُورُ* حيث نزل في القرآن الكريم بضم التاء وفتح الجيم، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح التاء وكسر الجيم.

508 -

وإثم كبير شاع بالثّا مثلّثا

وغيرهما بالباء نقطة اسفلا

قرأ حمزة والكسائي قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ بالثاء المثلثة، وقرأ غيرهما بالباء الموحدة أي: التي بنقطة واحدة في أسفلها.

509 -

قل العفو للبصريّ رفع وبعده

لأعنتكم بالخلف أحمد سهّلا

قرأ أبو عمرو البصري قُلِ الْعَفْوَ برفع الواو، فتكون قراءة غيره بنصبها، وسهل أحمد البزى عن ابن كثير همزة لَأَعْنَتَكُمْ بين بين بخلف عنه، فله فيها التسهيل والتحقيق، وقرأ غيره بالتحقيق قولا واحدا.

510 -

ويطهرن في الطّاء السّكون وهاؤه

يضمّ وخفّا إذ سما كيف عوّلا

قرأ أهل سما وابن عامر وحفص حَتَّى يَطْهُرْنَ بسكون الطاء وضم الهاء وتخفيفهما؛ فتكون قراءة شعبة وحمزة والكسائي بفتح الطاء والهاء وتشديدهما.

511 -

وضمّ يخافا فاز والكلّ أدغموا

تضارر وضمّ الرّاء حقّ وذو جلا

قرأ حمزة إِلَّا أَنْ يَخافا بضم الياء، فتكون قراءة غيره بفتحها، وكل القراء أدغموا الراء الأولى في الثانية في لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها فقرءوا براء واحدة مشددة، وضم هذه الراء ابن كثير وأبو عمرو وفتحها غيرهما.

ص: 219

512 -

وقصر أتيتم من ربا وأتيتمو

هنا دار وجها ليس إلّا مبجّلا

قرأ ابن كثير: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً في الروم، إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ، في هذه السورة بقصر الهمزة فيهما، والمراد بالقصر حذف الألف بعدها، وقرأ غيره بالمد أى

بإثبات حرف المد أي: الألف بعد الهمزة في الموضعين. والتبجيل: التعظيم.

513 -

معا قدر حرّك من صحاب وحيث جا

يضمّ تمسّوهن وامدده شلشلا

[تصوير]

قرأ ابن ذكوان وحفص وحمزة والكسائي: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ.

بتحريك الدال فيهما أي: بفتحها؛ إذ التحريك إذا أطلق ولم يقيد كان المراد به الفتح وكان ضده الإسكان، فتكون قراءة الباقين بإسكان الدال في الموضعين. وقرأ حمزة والكسائي لفظ تَمَسُّوهُنَّ* حيث جاء في القرآن بضم التاء وإثبات ألف بعد الميم مع مد المشبع للساكنين فتكون قراءة الباقين بفتح التاء وحذف الألف بعد الميم. والشلشل: الخفيف.

514 -

وصيّة ارفع صفو حرميّه رضى

ويبصط عنهم غير قنبل اعتلا

515 -

وبالسّين باقيهم وفي الخلق بصطة

وقل فيهما الوجهان قولا موصّلا

قرأ شعبة والحرميان- نافع وابن كثير- والكسائي وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ برفع التاء فتكون قراءة غيرهم بنصبها. وقوله: (ويبصط عنهم) معناه: أنه نقل عن هؤلاء المذكورين وهم: شعبة ومن معه- إلا قنبلا- أنهم قرءوا وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ هنا وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً في الأعراف بالصاد في الموضعين. وقرأ غيرهم ومعهم قنبل بالسين في الموضعين إلا أن خلادا وابن ذكوان اختلف عنهما في الموضعين فروي عنهما الصاد والسين فيهما إلا أن المحققين نبهوا على أن ابن ذكوان ليس له في موضع الأعراف إلا الصاد، وأمّا السين؛ فليست من طريق الناظم، فلا يقرأ له بها في هذا الموضع.

والخلاصة: أن نافعا والبزي وشعبة والكسائي يقرءون بالصاد في الموضعين، وأن قنبلا وأبا عمرو وهشام وحفصا وخلفا عن حمزة يقرءون بالسين في الموضعين، وأن لخلاد

ص: 220

الصاد والسين في كل من الموضعين، وأن ابن ذكوان له الصاد والسين في البقرة. وله في الأعراف الصاد فقط.

516 -

يضاعفه ارفع في الحديد وهاهنا

سما شكره والعين في الكلّ ثقّلا

517 -

كما دار واقصر مع مضعّفة وقل

عسيتم بكسر السّين حيث أتى انجلا

قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي: فيضاعفه له وله أجر كريم في الحديد، فيضاعفه له أضعافا كثيرة في هذه السورة برفع الفاء، فتكون قراءة ابن عامر وعاصم بنصب الفاء في الموضعين. وقرأ ابن عامر وابن كثير بتشديد العين وحذف الألف قبلها في الموضعين، وكذا في كل فعل مضارع مشتق من المضاعفة سواء بني للفاعل كما هنا أم للمفعول كما في سورة هود: يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ وسواء اقترن بالضمير كما هنا، وكقوله:

وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها، يُضاعِفْهُ لَكُمْ. أم تجرد عنه نحو: وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ، يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ. وأشار الناظم إلى هذا العموم بقوله:(كما دار) أي: حيث وقع وعلى أية صورة نزل، وكذا يثقلان العين ويحذفان الألف قبلها في لفظ مُضاعَفَةً في قوله تعالى في آل عمران: لا تأكلوا الرّبوا أضعافا مضعّفة فتكون قراءة

الباقين بتخفيف العين، وإثبات الألف قبلها، في الجميع.

والحاصل: أن في فَيُضاعِفَهُ* هنا وفي الحديد أربع قراءات:

الأولى: بتخفيف العين وإثبات الألف قبلها ورفع الفاء وهذه لنافع وأبي عمرو وحمزة والكسائي.

الثانية: بتشديد العين وحذف الألف ورفع الفاء لابن كثير.

الثالثة: بتشديد العين وحذف الألف ونصب الفاء لابن عامر.

الرابعة: بتخفيف العين وإثبات الألف ونصب الفاء؛ لعاصم. وفي باقي المواضع قراءتان: التشديد لابن كثير وابن عامر، والتخفيف لغيرهما. وقرأ نافع: قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ هنا، فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ في القتال بكسر السين في الموضعين، فتكون قراءة غيره بفتحها فيهما.

518 -

دفاع بها والحجّ فتح وساكن

وقصر خصوصا غرفة ضمّ ذو ولا

قرأ السبعة إلا نافعا وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ* في هذه السورة وفي سورة الحج بفتح الدال

ص: 221

وسكون الفاء. ويلزم من سكون الفاء القصر أي: حذف الألف بعدها، فتكون قراءة نافع بكسر الدال وفتح الفاء وإثبات ألف بعدها كما لفظ به. وقرأ الشامي والكوفيون لفظ غُرْفَةً في إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بضم الغين فتكون قراءة غيرهم بفتحها.

519 -

ولا بيع نوّنه ولا خلّة ولا

شفاعة وارفعهنّ ذا أسوة تلا

520 -

ولا لغو لا تأثيم لا بيع مع ولا

خلال بإبراهيم والطّور وصّلا

قرأ نافع وابن عامر والكوفيون: لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ هنا، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ في إبراهيم، لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ في الطور، برفع هذه الكلمات وتنوينها، فتكون قراءة الباقين بفتحها بلا تنوين وهما ابن كثير وأبو عمرو.

521 -

ومدّ أنا في الوصل مع ضمّ همزة

وفتح أتى والخلف في الكسر بجّلا

إذا وقع بعد لفظ أَنَا* همزة قطع مضمومة أو مفتوحة، فنافع يمده أي يثبت فيه الألف وصلا. وقد وقع بعده همزة قطع مضمومة في موضعين: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ السورة، أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ في يوسف. ووقع بعده همزة قطع مفتوحة في عشرة مواضع وهي: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ بالأنعام، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بالأعراف، أَنَا أَخُوكَ بيوسف، أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا، أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا كلاهما في الكهف، أَنَا آتِيكَ بِهِ* في موضعين في النمل، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ بغافر، فَأَنَا

أَوَّلُ الْعابِدِينَ بالزخرف، وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ في الممتحنة. وعلى قراءة نافع يكون مده عنده من قبيل المد المنفصل، فيمد كل من قالون وورش حسب مذهبه في المد المنفصل، وإذا وقع بعد لفظ أَنَا* همزة قطع مكسورة؛ فلقالون فيه المد بخلف عنه، فروي عنه إثبات ألفه وصلا، وروي عنه حذفها وصلا، والوجهان عنه صحيحان، وقد وقع ذلك في ثلاثة مواضع:

إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ بالأعراف، إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ بالشعراء، وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ بالأحقاف. وفهم من اختصاص قالون بالخلف فيما بعده همزة قطع مكسورة أن ورشا لا يثبت الألف في هذا النوع وصلا، أما إذا وقع بعد لفظ أَنَا* حرف آخر من حروف الهجاء غير همزة القطع، فقد اتفق القراء السبعة على حذف ألفه وصلا

ص: 222

نحو: إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ*، عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي. كما اتفقوا على إثبات ألفه عند الوقف سواء وقع بعده همزة القطع أم أي حرف آخر من حروف الهجاء.

522 -

وننشزها ذاك وبالرّاء غيرهم

وصل يتسنّه دون هاء شمردلا

قرأ ابن عامر والكوفيون كَيْفَ نُنْشِزُها بالزاي المعجمة كما نطق به وقرأ غيرهم بالراء المهملة كما صرح به. وقرأ حمزة والكسائي لَمْ يَتَسَنَّهْ بحذف الهاء في حال الوصل، وقرأ غيرهم بإثباتها في حال الوصل ولا خلاف بين القراء في إثباتها في حال الوقف. والشمردل الخفيف أو الكريم.

523 -

وبالوصل قال اعلم مع الجزم شافع

فصرهنّ ضمّ الصّاد بالكسر فصّلا

قرأ حمزة والكسائي فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ بوصل الهمزة أي: بهمزة وصل تثبت في الابتداء وتحذف في الدرج وبجزم الميم، فإذا وقفا على قالَ ابتدءا بهمزة مكسورة وعلى هذه القراءة يكون (اعلم) فعل أمر مبنيا على السكون فتعبير الناظم بالجزم لتؤخذ القراءة الأخرى من ضد الجزم وهو الرفع ولو قال: مع السكون للزم أن تكون القراءة الأخرى بفتح الميم وليست كذلك وقرأ غيرهما أَعْلَمُ بهمزة قطع مفتوحة تثبت وصلا ووقفا، وبرفع الميم على أنه فعل مضارع مرفوع بالتجرد. وقرأ حمزة فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ بكسر ضم الصاد وقرأ غيره بضمها.

524 -

وجزءا وجزء ضمّ الاسكان صف وحي

ثما أكلها ذكرا وفي الغير ذو حلا

قرأ شعبة بضم إسكان الزاي في جُزْءاً المنصوب، وهو في قوله تعالى: ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً هنا، وفي قوله تعالى: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً في الزخرف، والمرفوع وهو في قوله تعالى: لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ في الحجر. وقرأ غيره بإسكان الزاي في الجميع. وقرأ ابن عامر والكوفيون بضم إسكان الكاف في لفظ أُكُلٍ إذا كان مضافا لضمير المؤنث حيث وقع في القرآن الكريم نحو: فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ،

أُكُلُها دائِمٌ، تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ. فتكون قراءة أهل (سما) في هذا بإسكان الكاف فإذا لم يكن مضافا لضمير المؤنث فأبو عمرو وابن عامر والكوفيون يقرءون

ص: 223

بضم إسكان الكاف سواء كان مضافا لضمير المذكر نحو: مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ أم كان مقرونا باللام نحو: وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ. أم كان مجردا من الإضافة واللام نحو: أُكُلٍ خَمْطٍ.

والخلاصة: أن نافعا وابن كثير يقرءان بإسكان الكاف في الجميع. وأبو عمرو يقرأ بإسكانها فيما أضيف لضمير المؤنث، وبضمها في غيره. وابن عامر والكوفيون يضمونها في الجميع.

525 -

وفي ربوة في المؤمنين وهاهنا

على فتح ضمّ الرّاء نبّهت كفّلا

قرأ عاصم وابن عامر وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ في سورة المؤمنين كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ في هذه السورة بفتح ضم الراء في الموضعين. وقرأ غيرهما بضم الراء فيهما و (كفّلا) جمع كافل وهو الضامن.

526 -

وفي الوصل للبزّيّ شدّد تيمّموا

وتاء توفّي في النّسا عنه مجملا

527 -

وفي آل عمران له لا تفرّقوا

والانعام فيها فتّفرّق مثّلا

528 -

وعند العقود التّاء في لا تعاونوا

ويروي ثلاثا في تلقّف مثّلا

529 -

تنزّل عنه أربع وتناصرو

ن نارا تلظّى إذ تلقّون ثقّلا

530 -

تكلّم مع حرفي تولّوا بهودها

وفي نورها والامتحان وبعد لا

531 -

في الانفال أيضا ثمّ فيها تنازعوا

تبرّجن في الأحزاب مع أن تبدّلا

532 -

وفي التّوبة الغرّاء قل هل تربّصو

ن عنه وجمع السّاكنين هنا انجلى

533 -

تميّز يروى ثمّ حرف تخيّرو

ن عنه تلهّى قبله الهاء وصّلا

534 -

وفي الحجرات التّاء في لتعارفوا

وبعد ولا حرفان من قبله جلا

535 -

وكنتم تمنّون الّذي مع تفكّهو

ن عنه على وجهين فافهم محصّلا

ص: 224

قرأ البزيّ بتشديد التاء وصلا في الفعل المضارع في أحد وثلاثين موضعا باتفاق، وموضعين باختلاف وهي: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ في البقرة، إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ في النساء، وَلا تَفَرَّقُوا في آل عمران، فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ في الأنعام، وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ في العقود- المائدة-، فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ* بالأعراف والشعراء، تَلْقَفْ ما صَنَعُوا بطه، ما تنزل الملائكة بالحجر، [تصوير]

عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ كلاهما بالشعراء، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ في القدر، ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ في الصافات، ناراً تَلَظَّى في الليل، إِذْ تَلَقَّوْنَهُ في النور، لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ في هود، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ في هود، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ في النور، وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ في الممتحنة، وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ، وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا في الأنفال وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى، وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ كلاهما في الأحزاب، قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا في التوبة، تَكادُ تَمَيَّزُ بالملك، إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ بالقلم، فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى في عبس، وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا في الحجرات، وفيها وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ، وَلا تَجَسَّسُوا وهذان الحرفان واقعان في السورة قبل لِتَعارَفُوا وكل منهما وقع بعد كلمة وَلا. وهذه آخر الكلمات المعدودة الإحدى والثلاثين المشددة للبزيّ باتفاق الناقلين عنه.

وأما الموضعان المختلف عنه فيهما فهما: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ بآل عمران، فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ في الواقعة. ولكن الذي حققه أهل العلم أن تشديد التاء في هذين الموضعين عن البزي ليس من طريق الحرز ولا التيسير، فينبغي الاقتصار له فيهما على التخفيف كالجماعة. وقرأ غير البزيّ بالتخفيف في جميع ما تقدم والتخفيف حذف إحدى التاءين، فتصير تاء واحدة خفيفة ولا خلاف بين القراء أن الابتداء لا يكون إلا بالتخفيف لا فرق في ذلك بين البزيّ وغيره أى بتاء واحدة.

تنبيهات:

الأول: أراد الناظم من قوله: (شدد تيمّموا) هذا اللفظ بعينه؛ فخرج فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* فلا تشديد فيه لأحد.

الثاني: خص لفظ (توفّي) في النساء في إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ فخرج نحو الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ* فلا تشديد فيه.

ص: 225

الثالث: قيد وَلا تَفَرَّقُوا بآل عمران فخرج وَلا تَتَفَرَّقُوا بالشورى؛ لأن فيه تاءين وخرج وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لأن كلّا منهما فعل ماض والتشديد خاص بالمضارع.

الرابع: قيد تَعاوَنُوا* في العقود بوقوعها بعد لا فخرج وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى لأنه فعل أمر ولم يقع بعد لا فليس فيه تشديد.

الخامس: حصر لفظ تَوَلَّوْا* في خمسة مواضع: في الأنفال موضع، وفي هود موضعان، وفي النور موضع، وفي الممتحنة موضع. وقد سبق بيان هذه المواضع كلها، فكل ما خرج عن هذه المواضع لا يشدد نحو: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ في البقرة، وَإِنْ تَوَلَّوْا

فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ بالأنفال، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ بها أيضا، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ بالمائدة، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ بالتوبة فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ بالأنبياء. فهذه الأفعال كلها لا تشديد فيها؛ لأنها كلها أفعال ماضية. وأما فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ بآل عمران فيحتمل أن يكون ماضيا فلا يشدد، وأن يكون مضارعا فيشدد، ولكنه لم يشدد ولم يذكر في هذه التاءات لعدم القطع بكونه مضارعا.

والخلاصة: أن التشديد خاص بالمواضع الخمسة للقطع بكونه أفعالا مضارعة، وأما غيرها فلا تشديد فيه؛ إما لكونه مقطوعا بأنه ماض، وإما لكونه مشكوكا في كونه مضارعا أو ماضيا.

السادس: حصر الناظم (تنزل) في أربعة مواضع فخرج نحو: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ فليس فيه تشديد.

السابع: يتضح من أمثلة التاء أن الحرف الذي قبلها ثلاثة أقسام: متحرك نحو: تَكادُ تَمَيَّزُ، فَتَفَرَّقَ بِكُمْ، ساكن صحيح نحو: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ، فَإِنْ تَوَلَّوْا*، حرف مد نحو: لا تَناصَرُونَ، وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ. فإن كان قبلها متحرك أو ساكن صحيح؛ فالأمر ظاهر، وإن كان قبلها حرف مد؛ فإنه يتعين إثباته ومده مدّا مشبعا بمقدار ثلاث ألفات؛ أي: ست حركات، مثل: دَابَّةٍ*، الطَّامَّةُ. ومن حرف المد: فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى، فيجب إثبات صلة الهاء ومدها مدا مشبعا، وهذا معنى قوله (قبله الهاء وصّلا).

ص: 226

536 -

نعمّا معا في النّون فتح كما شفا

وإخفاء كسر العين صيغ به حلا

قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون في كلمة نِعِمَّا في الموضعين: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ في هذه السورة، إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ في النساء. وهذا معنى قوله:(معا) فتكون قراءة الباقين بكسر النون وقرأ شعبة، وقالون، وأبو عمرو، بإخفاء كسر العين، والمراد بالإخفاء: الاختلاس فتكون قراءة غيرهم بإتمام كسر العين.

والحاصل: أن ابن عامر وحمزة والكسائي يقرءون بفتح النون وكسر العين كسرا كاملا، وأن ورشا وابن كثير وحفصا يقرءون بكسرهما، وأن قالون وأبا عمرو

وشعبة يقرءون بكسر النون واختلاس كسرة العين، وقد ورد النص عن قالون وأبي عمرو وشعبة بإسكان العين أيضا، وصرح بجواز هذا الوجه لهم صاحب التيسير فيكون لكل واحد منهم في العين وجهان اختلاس كسرتها وإسكانها ومع كل من الوجهين في العين كسر النون وعلى وجه إسكان العين يتعين تشديد الميم وغنها.

537 -

ويا ونكفّر عن كرام وجزمه

أتى شافيا والغير بالرّفع وكّلا

[تصوير]

قرأ حفص وابن عامر: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ* بالياء، فتكون قراءة غيرهما بالنون. وقرأ نافع وحمزة والكسائي بجزم الراء، فتكون قراءة غيرهم برفعها، وقد صرح بهذا في قوله:

(والغير بالرفع وكلا).

والخلاصة: أن نافعا وحمزة والكسائي يقرءون بالنون وجزم الراء، وأن حفصا، وابن عامر يقرءان بالياء ورفع الراء، وأن الباقين وهم: ابن كثير، وأبو عمرو، وشعبة يقرءون بالنون ورفع الراء. ويؤخذ من هذا كله: أن أحدا لم يقرأ بالياء وجزم الراء. وقول الناظم:

(والغير بالرفع وكلا) زيادة إيضاح؛ لأن الاصطلاح: أن الجزم ضده الرفع.

538 -

ويحسب كسر السّين مستقبلا سما

رضاه ولم يلزم قياسا مؤصّلا

قرأ نافع، وابن كثير وأبو عمرو والكسائي يَحْسَبُ* بكسر السين إذا كان مستقبلا مضارعا سواء كان مبدوءا بالياء نحو: يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ، أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ أم بالتاء نحو: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ. وسواء تجرد عن الضمير كهذه

ص: 227

الأمثلة أم اتصل به نحو: يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً، يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ. وسواء كان مجردا من التوكيد كهذه الأمثلة أم مصاحبا له نحو:

فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ، لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ. فإطلاق الناظم تناول هذه الأنواع كلها، فأهل (سما) والكسائي يقرءون بكسر السين في هذه الأنواع وأشباهها حيث وقعت في القرآن المجيد، وقد يقال: إن الفعل المضارع في أصل وضعه صالح للحال والاستقبال ويعينه لأحد المعنيين: قرينة لفظية أو حالية، وظاهر كلام الناظم يفيد أن محل الاختلاف بين القراء هو الفعل المضارع الدال على الاستقبال فهل الحكم كذلك، أو محل الاختلاف: هو الفعل المضارع مطلقا، وإذا كان الأمر كذلك، فما معنى قول الناظم (مستقبلا)؟

ويجاب عن هذا بأن محل اختلاف القراء هو الفعل المضارع مطلقا، سواء كان للحال أو للاستقبال. وأما قول الناظم:(مستقبلا) فمعناه: الصالح للاستقبال سواء استعمل فيه أم في الحال، فالمراد الاحتراز عن الماضي وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين في هذا الفعل حيث ورد وكيف أتي في القرآن العظيم. وقول الناظم:(مستقبلا) بدل بطريق المفهوم على أن الفعل الماضي لا خلاف فيه بين القراء نحو: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا، وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ*. وقوله (ولم يلزم إلخ) الضمير فيه يعود على الكسر وقياسا مفعول به ليلزم. و (مؤصلا) صفة قياسا.

المعنى: أن كسر السين في (يحسب) لم يوافق القياس الذي جعل أصلا يعتمد عليه بل خرج عنه؛ لأن الفعل الماضي المكسور العين مثل: فهم علم، فقه شرب. القياس في

مضارعه فتح العين نحو: يفهم يعلم يفقه يشرب. وحينئذ تكون قراءة الكسر سماعية وقراءة الفتح قياسية.

539 -

وقل فأذنوا بالمدّ واكسر فتى صفا

وميسرة بالضّمّ في السّين أصّلا

قرأ حمزة وشعبة فآذنوا بحرب بالمد أي: بإثبات ألف بعد الهمزة، ويلزم من إثبات ألف بعدها فتحها وبكسر الذال، وقرأ غيرهما بهمزة ساكنة مع فتح الذال كما نطق به. وقرأ نافع مَيْسَرَةٍ بضم السين، وقرأ غيره بفتحها.

ص: 228

540 -

وتصّدّقوا خفّ نما ترجعون قل

بضمّ وفتح عن سوى ولد العلا

قرأ عاصم تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ، بتخفيف الصاد، فتكون قراءة غيره بتشديدها. وقرأ السبعة إلا أبا عمرو: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ بضم التاء وفتح الجيم، وقرأ أبو عمرو بفتح التاء وكسر الجيم.

541 -

وفي أن تضلّ الكسر فاز وخفّفوا

فتذكر حقّا وارفع الرّا فتعدلا

قرأ حمزة أَنْ تَضِلَّ بكسر الهمزة وغيره بفتحها، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو فَتُذَكِّرَ بتخفيف الكاف ويلزمه سكون الذال، وقرأ غيرهما بتشديد الكاف ويلزمه فتح الذال، وقرأ حمزة برفع الراء وغيره بنصبها، فتكون قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالتخفيف ونصب الراء، وقراءة حمزة بالتشديد ورفع الراء، وقراءة الباقين بالتشديد ونصب الراء.

542 -

تجارة انصب رفعه في النّسا ثوى

وحاضرة معها هنا عاصم تلا

قرأ الكوفيون إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ في النساء بنصب التاء، وقرأ غيرهم برفعها، وقرأ عاصم حاضِرَةً مع تِجارَةً* في هذه السورة بالنصب في كلا اللفظين والباقون بالرفع فيهما.

543 -

وحقّ رهان ضمّ كسر وفتحة

وقصر ويغفر مع يعذّب سما العلا

544 -

شذا الجزم والتّوحيد في وكتابه

شريف وفي التّحريم جمع حمى علا

قرأ ابن كثير وأبو عمرو فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ بضم كسر الراء، وضم فتح الهاء وبالقصر أي بضم الراء والهاء وحذف الألف. فالمراد بالقصر: حذف الألف، فتكون قراءة الباقين بكسر الراء وفتح الهاء وإثبات ألف بعدها كما لفظ به. وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة والكسائي فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ بجزم الراء في الفعل الأول والباء في الثاني فتكون قراءة الباقين برفع الفعلين، وقرأ حمزة والكسائي وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ* بكسر الكاف وفتح التاء وألف بعدها على التوحيد [تصوير]

فتكون قراءة الباقين بضم

ص: 229