الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 باب إدغام الحرفين المتقاربين في كلمة وفي كلمتين [132 - 157]
132 -
وإن كلمة حرفان فيها تقاربا
…
فإدغامه للقاف في الكاف مجتلى
133 -
وهذا إذا ما قبله متحرّك
…
مبين وبعد الكاف ميم تخلّلا
134 -
كيرزقكم واثقكم وخلقكم
…
وميثاقكم أظهر ونرزقك انجلا
المعنى: إن اجتمع في كلمة حرفان متقاربان فإن السوسي يخص بالإدغام من الحروف المتقاربة القاف في الكاف بشرطين:
الأول: أن يكون ما قبل القاف متحركا.
الثاني: أن يكون بعد الكاف ميم جمع، فإذا تحقق الشرطان وجب الإدغام، وإذا فقد أحدهما امتنع الإدغام، مثال ما اجتمع فيه الشرطان: يَرْزُقُكُمْ*، واثَقَكُمْ، خَلَقَكُمْ*، ومثال ما فقد منه الشرط الأول: مِيثاقَكُمْ*، ومثال ما فقد منه الشرط الثاني: نَرْزُقُكَ. وقول الناظم: مبين، بين ظاهر، ولم يحترز به عن شيء وإنما هو صفة مؤكدة والضمير في تخللا يعود على السوسي، يعني أنه خص إدغام المتقاربين في كلمة بالقاف والكاف دون غيرهما من بقية الحروف المتقاربة، فلم يدغم من كل حرفين متقاربين التقيا في كلمة واحدة إلا القاف في الكاف بالشرطين السابقين. وقوله:(مجتلى) مكشوف مأخوذ من جلاه إذا كشفه، والمراد به الشهرة، ويقال: تخلل المطر الأرض إذا أصاب بعض البقاع ولم يكن عامّا ولا يخفى ما فيه من مناسبة إدغام بعض الحروف دون بعض، ويقال: انجلى الأمر إذا ظهر وانكشف حقيقته والضمير في (فإدغامه) يعود على السوسي؛ لأنه المختص بالإدغام.
135 -
وإدغام ذي التّحريم طلّقكنّ قل
…
أحقّ وبالتّأنيث والجمع أثقلا
المعنى: أن إدغام القاف في الكاف في اللفظ الذي وقع في سورة التحريم وهو طَلَّقَكُنَّ أولى وأجدر بالإدغام من غيره ك يَرْزُقُكُمْ* ونحوه؛ لأن الغرض من الإدغام التخفيف وكلما كان اللفظ أثقل كان أولى بالإدغام مما هو دونه في الثقل. ولفظ
طَلَّقَكُنَّ قد تحقق فيه الشرط الأول وهو تحرك ما قبل القاف، وفقد فيه الشرط الثاني وهو وجود الميم ولكن قام مقامها ما هو أثقل منها وهو النون؛ لأنها متحركة والحركة أثقل من السكون، ومشددة والمشدد أثقل من المخفف، ودالة على التأنيث. وأما الميم: فهي ساكنة مخففة دالة على التذكير، فكان هذا اللفظ أولى بالإدغام من غيره. ويؤخذ من هذا: أن للسوسي وجهين في هذا اللفظ: الإدغام والإظهار.
136 -
ومهما يكونا كلمتين فمدغم
…
أوائل كلم البيت بعد على الولا
137 -
شفا لم تضق نفسا بها رم دواضن
…
ثوى كان ذا حسن سأى منه قد جلا
المعنى: إذا اجتمع الحرفان المتقاربان في كلمتين بأن يكون أحدهما آخر الكلمة والثاني أول الكلمة التي تليها؛ فالسوسي يدغم الأول منهما في الثاني وصلا إذا كان الحرف الأول أحد الحروف الستة عشر المذكورة في أوائل كلمات البيت الثاني وهي: الشين واللام والتاء والنون والباء والراء والدال والضاد والثاء والكاف والذال والحاء والسين والميم والقاف والجيم.
138 -
إذا لم ينوّن أو يكن تا مخاطب
…
وما ليس مجزوما ولا متثقّلا
المعنى: اشترط في إدغام هذه الحروف في غيرها أربعة شروط:
الأول- ألا يكون الحرف الأول الذي يدغم منونا فلو كان منونا امتنع إدغامه نحو:
نَذِيرٌ لَكُمْ، فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ، شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ.
الثاني- ألا يكون تاء مخاطب، فإن كان كذلك لم يدغم نحو: وَما كُنْتَ ثاوِياً، فَلَبِثْتَ سِنِينَ، خَلَقْتَ طِيناً، وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ. ولم يقع في القرآن تاء متكلم عند مقارب لها، فلهذا لم يستثنها الناظم.
الثالث- ألا يكون مجزوما، فإن كان مجزوما وهو وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ في البقرة، وليس في القرآن غيره؛ امتنع إدغامها.
الرابع- ألا يكون مشددا، فإن كان مشددا، امتنع إدغامه نحو: أَشَدَّ ذِكْراً، كَمَنْ هُوَ أَعْمى، لا يَضِلُّ رَبِّي، وَهَمَّ بِها، لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ.
والخلاصة: أن الحرف الأول إن كان منونا، أو تاء مخاطب، أو مجزوما، أو مشددا؛
امتنع إدغامه ووجب إظهاره.
139 -
فزحزح عن النّار الّذي حاه مدغم
…
وفي الكاف قاف وهو في القاف أدخلا
140 -
خلق كلّ شيء لك قصورا وأظهرا
…
إذا سكن الحرف الّذي قبل أقبلا
المعنى: هذا بيان للحروف التي تدغم فيها الحروف الستة عشر المذكورة، ولم يذكرها على سبيل الترتيب في البيت وإنما ذكرها حسبما تيسر له النظم، فبدأ بالحاء، وذكر أنها تدغم في العين في موضع واحد وهو قوله تعالى في آل عمران فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ.
وما عدا هذا الموضع لا تدغم فيه نحو وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ، لا جُناحَ عَلَيْكُمْ*، الْمَسِيحُ عِيسَى*. ثم ذكر أن القاف تدغم في الكاف نحو خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ*. وأن الكاف تدغم في القاف نحو لَكَ قُصُوراً. وإدغام أحد هذين الحرفين في الآخر يجري في جميع المواضع في القرآن ولكن بشرط أن يكون الحرف الذي قبل الحرف المدغم متحركا، فإن كان ساكنا؛ امتنع الإدغام نحو وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، وَتَرَكُوكَ قائِماً. وهذا معنى قوله: وأظهرا إذا سكن الحرف الذي قبل أقبلا.
وينبغي أن يعلم أن إدغام القاف في الكاف في هذا الباب إدغام محض لا تبقى معه صفة استعلاء القاف بلا خلاف، وأما إدغام القاف في الكاف في أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ: فمن أهل الأداء من أبقى صفة استعلاء القاف، ومنهم من حذفها، وهذا هو المشهور المأخوذ به.
141 -
وفي ذي المعارج تعرج الجيم مدغم
…
ومن قبل أخرج شطأه قد تثقّلا
المعنى: تدغم الجيم في حرفين في موضعين: في التاء في قوله تعالى: ذِي الْمَعارِجِ (3) تَعْرُجُ وفي الشين: في قوله تعالى في سورة الفتح التي هي قبل سورة المعارج: أَخْرَجَ شَطْأَهُ. ولا نظير لهما في القرآن، ولا تدغم الجيم في غير ذلك من الحروف.
142 -
وعند سبيلا شين ذي العرش مدغم
…
وضاد لبعض شأنهم مدغما تلا
143 -
وفي زوّجت سين النّفوس ومدغم
…
له الرّأس شيبا باختلاف توصّلا
المعنى: تدغم الشين في السين في موضع واحد وهو لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا في الإسراء، وتدغم الضاد في الشين في موضع واحد وهو فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ في النور، وتدغم السين في حرفين في الزاي في موضع واحد: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ بالتكوير. وفي الشين في الرَّأْسُ شَيْباً وفي مريم بخلف عنه فله فيه الإدغام والإظهار.
144 -
وللدّال كلم ترب سهل ذكا شذا
…
ضفا ثم زهد صدقه ظاهر جلا
145 -
ولم تدغم مفتوحة بعد ساكن
…
بحرف بغير التّاء فاعلمه
المعنى: تدغم الدال في عشرة أحرف وهي المجموعة في أوائل الكلمات المذكورة وهي التاء، والسين، والذال، والشين، والضاد، والثاء، والزاي، والصاد، والظاء، والجيم، والأمثلة هكذا. الْمَساجِدِ تِلْكَ، عَدَدَ سِنِينَ، وَالْقَلائِدَ ذلِكَ، وَشَهِدَ شاهِدٌ*، مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ* مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ، تُرِيدُ زِينَةَ، نَفْقِدُ صُواعَ، مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ، داوُدُ جالُوتَ، دارُ الْخُلْدِ جَزاءً، ويشترط في إدغام الدال في أي حرف من هذه الحروف ألا تكون مفتوحة بعد ساكن، فإن فتحت بعد ساكن امتنع الإدغام نحو لِداوُدَ سُلَيْمانَ، بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ، آلَ داوُدَ شُكْراً، بَعْدَ ثُبُوتِها بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ* داوُدَ زَبُوراً*، واستثنى من ذلك التاء، فإن الدال تدغم فيها حتى ولو كانت مفتوحة بعد ساكن وذلك في موضعين مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ في التوبة، بَعْدَ تَوْكِيدِها في النحل، ولا ثالث لهما في القرآن الكريم.
146 -
وفي عشرها والطّاء تدغم تاؤها
…
وفي أحرف وجهان عنه تهلّلا
147 -
فمع حمّلوا التّوراة ثمّ الزّكاة قل
…
وقل آت ذا ذال ولتأت طائفة علا
148 -
وفي جئت شيئا أظهروا لخطابه
…
ونقصانه والكسر الادغام سهّلا
المعنى: تدغم التاء في الأحرف العشرة التي تدغم فيها الدال سوى التاء؛ لأن الإدغام فيها من قبيل المثلين، وكذلك تدغم في الطاء فتكون حروف التاء أيضا عشرا، والأمثلة:
الشَّوْكَةِ تَكُونُ، وإن كان هذا من باب المثلين. الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ*، بِالسَّاعَةِ سَعِيراً
وَالذَّارِياتِ ذَرْواً بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ*، وَالْعادِياتِ ضَبْحاً، الصَّالِحاتِ ثُمَّ، وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ، فَالزَّاجِراتِ زَجْراً، إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً، وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا الْمَلائِكَةُ ظالِمِي*، مِائَةَ جَلْدَةٍ، الصَّالِحاتِ جُناحٌ، الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ. ولم يشترط الناظم في إدغام التاء في هذه الأحرف ما اشترطه في إدغام الدال فيها، من أنها لا تدغم مفتوحة بعد ساكن؛ لأن التاء لم تقع كذلك إلا وهي حرف خطاب وقد سبق استثناؤه نحو: دَخَلْتَ جَنَّتَكَ، قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ.
وهناك مواضع وقعت فيها التاء مفتوحة بعد ألف وهي على قسمين: قسم لا خلاف في إدغامه: وذلك في موضع واحد وهو: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ في هود، وقسم نقل فيه الخلاف: وذلك في المواضع التي ذكرها، وهي: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ، ثم في سورة الجمعة وَآتُوا الزَّكاةَ* ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ* في البقرة، وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ في الإسراء، فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ في الروم. وهما المرادان في قوله: وقل آت ذا أل وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى في النساء، لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا في مريم. وقد بين أن
في هذا الموضع الإظهار والإدغام، وعلل الإظهار: بكون تائه للخطاب، وبحذف عين الفعل وهو معنى قوله: ونقصانه. وعلل الإدغام: بكون تاء الخطاب مكسورة، والكسر ثقيل فأدغمت ليسهل النطق بها، فكسر التاء هو الذي سهل إدغامها، وتقييد (جئت) بكسر التاء كما لفظ به؛ لإخراج مفتوح التاء وذلك في موضعين في الكهف لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً، فلا تدغم هذه التاء في الشين لكونها تاء خطاب.
149 -
وفي خمسة وهي الأوائل ثاؤها
…
وفي الصّاد ثمّ السّين ذال تدخّلا
المعنى: تدغم الثاء في خمسة أحرف، وهي أوائل كلمات «ترب سهل ذكا شذا ضفا» وهي التاء والسين والذال والشين والضاد. والأمثلة حَيْثُ تُؤْمَرُونَ، وَوَرِثَ سُلَيْمانُ، الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ وَالْحَرْثِ ذلِكَ. وليس في القرآن غيره، حَيْثُ شِئْتُما*، حَدِيثُ ضَيْفِ وليس في القرآن غيره، وتدغم الذال في السين في فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ. والموضعان في الكهف. وتدغم في الصاد في مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً في سورة الجن ولا ثاني له في القرآن.
150 -
وفي اللّام راء وهي في الرّا وأظهرا
…
إذا انفتحا بعد المسكّن منزلا
151 -
سوى قال ثمّ النّون تدغم فيهما
…
على إثر تحريك سوى نحن مسجلا
المعنى: تدغم الراء في اللام نحو: سَيُغْفَرُ لَنا، أَطْهَرُ لَكُمْ. وتدغم اللام في الراء نحو: كَمَثَلِ رِيحٍ، قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ. ويشترط في إدغام كل منهما في الآخر: ألا يكون مفتوحا بعد ساكن، فإن كان كذلك امتنع إدغامه نحو: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ، إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ*. ونحو: فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ، فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي، وهذا معنى قوله: وأظهرا إذا انفتحا إلخ. واستثنى من ذلك لفظ (قال) فإن اللام فيه مع كونها مفتوحة بعد ساكن تدغم في الراء نحو قالَ رَبِّ*، قالَ رَجُلانِ. أما لو انفتح أحدهما بعد متحرك نحو: وَسَخَّرَ لَكُمُ*، جَعَلَ رَبُّكِ. أو انضم أحدهما بعد ساكن نحو: وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ* لا يُكَلِّفُ*، فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. أو انكسر أحدهما بعد ساكن نحو: بِالذِّكْرِ لَمَّا، مِنْ فَضْلِ رَبِّي: فإنه يدغم بلا خلاف.
وتدغم النون في كلّ من الراء واللام؛ بشرط أن تقع بعد متحرك نحو: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ، خَزائِنَ رَحْمَةِ*، لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ*، مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ*. فإن وقعت بعد ساكن امتنع إدغامها سواء كانت مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة نحو: يَخافُونَ رَبَّهُمْ، أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ، بِإِذْنِ رَبِّهِمْ*. واستثنى من ذلك لفظ وَنَحْنُ* فإن نونه مع كونها واقعة بعد ساكن تدغم في اللام بعدها في جميع القرآن نحو: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ*.
152 -
وتسكن عنه الميم من قبل بائها
…
على إثر تحريك فتخفى تنزّلا
المعنى: تسكن الميم عن السوسي إذا وقعت قبل الباء وكان قبل الميم متحرك، فيخفى تنزلها أي يحصل فيها الإخفاء نحو: أَعْلَمُ بِكُمْ*، عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ*، حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ. وإنما قال: وتسكن، ولم يقل: وتدغم؛ لأن الميم حينما يراد إدغامها تسكن وإذا سكنت كان حكمها الإخفاء إذا وقع بعدها الباء ونحو:
وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ. فإن كان ما قبل الميم متحركا؛ امتنع تسكينها وإخفاؤها نحو:
إِبْراهِيمُ بَنِيهِ، الْيَوْمَ بِجالُوتَ، وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ*.
153 -
وفي من يشاء با يعذّب حيث ما
…
أتى مدغم فادر الأصول لتأصلا
المعنى: يدغم السوسي (باء يعذب) المرفوع في ميم (من يشاء) حيث وقع في القرآن الكريم. وقد
وقع ذلك في خمسة مواضع: موضع بآل عمران، وموضعين بالمائدة،
وموضع بالفتح وموضع بالعنكبوت. أما الذي في البقرة: فإن السوسي يقرؤه بسكون الباء فيدغمه، وإدغامه حينئذ يكون من باب الإدغام الصغير. وفهم من تخصيص إدغام باء يُعَذِّبُ* في ميم مَنْ يَشاءُ* أن الباء لا تدغم في ميم أخرى نحو: أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا، سَنَكْتُبُ ما قالُوا، ضُرِبَ مَثَلٌ. ولما تمم الكلام على الحروف الستة عشر التي تدغم في غيرها، وبيّن شرط إدغام كل منها ختم بقوله:(فادر الأصول): أي اعرف ما ذكرته لك من القواعد (لتأصلا)؛ لتكون أصلا ومرجعا يرجع إليه في معرفة هذا الفن.
154 -
ولا يمنع الإدغام إذ هو عارض
…
إمالة كالأبرار والنّار أثقلا
المعنى: لما فرغ الناظم من بيان الحروف التي تدغم في غيرها في باب المتقاربين، ذكر بعد ذلك ثلاث قواعد تتعلق بالإدغام الكبير، سواء كان من باب المثلين أو المتقاربين، وقد تضمن هذا البيت القاعدة الأولى، وحاصلها: أن الحرف الذي يدغم إذا كان مكسورا وكان قبله ألف ممالة بسبب كسر هذا الحرف، فإدغام هذا الحرف المكسور لا يمنع من إمالة الألف قبله نظرا لعروض هذا الإدغام، فكأن الكسر موجود نحو: وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا، إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ، فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا. فإن الألف في الْأَبْرارِ* والنَّارَ* تمال بسبب كسر الراء فإذا أدغمت الراء وهي لا تدغم إلا بعد تسكينها، فإن موجب الإمالة في هذه الحال يزول. فحينئذ لا تمال الألف ولكن لما كان هذا الإدغام عارضا؛ فإنه لا يمنع إمالة الألف فكأن موجب الإمالة وهو كسر الراء الذي ذهب بالإدغام متحقق موجود. وقوله:(أثقلا): حال من الإدغام، والمراد بكون الإدغام أثقل أنه مشدد لا أنه أثقل من الإظهار، والمراد بالإدغام في البيت الإدغام الصريح. وإذا كان الإدغام الصريح لا يمنع الإمالة فأولى ألا يمنعها الرّوم.
155 -
وأشمم ورم في غير باء وميمها
…
مع الباء أو ميم وكن متأمّلا
المعنى: هذه هي القاعدة الثانية والأمران محمولان على التخيير دون الإيجاب يقول: إذا أدغمت حرفا في حرف مماثل له أو مقارب فأشمم حركة الحرف الأول المدغم إن كانت ضمة. ورمها إن كانت ضمة أو كسرة إلا في أربع صور يمتنع فيها الإشارة بالإشمام
والرّوم، والصور الأربع هي: الباء مع الباء نحو: نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا. والباء مع الميم نحو:
يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ*، والميم مع الميم نحو: يَعْلَمُ ما*. والميم مع الباء نحو: أَعْلَمُ بِكُمْ*، قال الإمام أبو شامة: ويمتنع الإدغام الصحيح مع الروم دون الإشمام، فالروم هنا عبارة عن الإخفاء والنطق ببعض الحركة فيكون مذهبا آخر غير الإدغام وغير الإظهار. ثم قال: واستثناء الصور الأربع يتجه على مذهب الإشمام لقول الداني: إن الإشارة تتعذر في ذلك من أجل إطباق الشفتين. أما الروم فلا يتعذر؛ لأنه نطق ببعض حركة الحرف، فهي تابعة لمخرجه فكما ينطق بالباء والميم بكل حركتهما، كذلك ينطق بهما ببعض حركتهما ثم قال: ومنهم من استثنى الفاء أيضا نحو (تعرف في) ومنهم من لم يستثنها .. انتهى.
ويؤخذ من كلام أبي شامة وغيره: أن للسوسي في الحروف المدغمة سواء كانت من باب المثلين أو المتقاربين مذهبين: الأول: الإدغام المحض. المذهب الثاني: الإدغام المحض مع الإشمام في غير الصور الأربع، أو الإدغام الغير المحض. والمراد به: الروم، وهو الإتيان ببعض الحركة، وقد يعبر عنه بالإخفاء. ويتحقق هذا الروم في غير الصور الأربع على مذهب الشاطبي، وأما على مذهب غيره؛ فيمكن تحققه في الصور الأربع أيضا. وهذا مذهب المحققين، وسيأتي في باب الوقف على أواخر الكلم، أن الإشمام لا يكون إلا في الحروف المضمومة، وأن الروم يجري في المضمومة والمكسورة، وأن الإشمام والروم لا يدخلان الحروف المفتوحة، وعلى هذا يكون للسوسي في الحرف المفتوح نحو: وَشَهِدَ شاهِدٌ* الإدغام المحض فقط على المذهبين. ويكون له في المضموم نحو وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا الإدغام المحض من غير إشمام على المذهب الأول، والإدغام المحض مع الإشمام، والإدغام الغير المحض وهو الروم على المذهب الثاني، ويكون له في المكسور نحو: كَمَثَلِ رِيحٍ الإدغام المحض على المذهب الأول، والروم وهو الإخفاء على المذهب الثاني، ويكون له في نحو: نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا، يُعَذِّبُ مَنْ*، يَعْلَمُ ما*، أَعْلَمُ بِكُمْ* الإدغام المحض من غير إشمام على المذهبين، ولا روم فيه أيضا على رأي الشاطبي. وفيه الروم على رأي غير الشاطبي من المحققين.
وإذا كان قبل الحرف المدغم حرف مد ولين أو حرف لين فقط جاز في حرف المد أو حرف اللين ثلاثة أوجه: المد، والتوسط، والقصر مع جواز الروم والإشمام إن كان مضموما، والروم