الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: مصادر "كتاب المزهر" للسيوطي
كتاب "المزهر في علوم اللغة وأنواعها" أشهر كتب جلال الدين السيوطي اللغوية، بل إنه أشهر كتب فقه اللغة في العربية، جمع فيه مؤلفه حصاد القرون الطويلة، التي سبقته في الدراسات اللغوية عند العرب، واستوعب فيه كل ما وصلت إليه يده من مؤلفات السابقين، في القضايا التي أثارها في كتابه، بدءا من حديثه عن أصل اللغة ونشأتها، ومرورا بطرق تحمل العلم باللغة، ومعرفة الفصيح والمطرد والشاذ والنادر، والمعرب والمولد، وخصائص العربية في ظواهر الاشتقاق والحقيقة والمجاز، والمشترك والتضاد والترادف، والإتباع والإبدال، والقلب والنحت، والمثنى والمكنى والمبني، والملاحن والألغاز، والأشباه والنظائر.... وانتهاء بالحديث عن آداب اللغوي، ومعرفة ما ينتاب كتابة اللغة من التصحيف والتحريف، وطبقات اللغويين وأسمائهم وكناهم وألقابهم وأنسابهم، وأغلاط الشعراء والرواة وأكاذيب الأعراب، وما إلى ذلك.
ولقد بلغت مصادر السيوطي في هذا الكتاب مائتي مصدر، يعود أقدمها إلى القرن الثاني الهجري، كالعين للخليل بن أحمد الفراهيدي، وأحدثها إلى الفيروزآبادي المتوفى "سنة 817هـ" قبل السيوطي بحوالي قرن من الزمان.
وقد أتى السيوطي على الكثير من محتويات بعض هذه الكتب، فنقلها إلى مزهره، فقد نقل أكثر ما في كتاب "الإبدال" لابن السكيت، ثم قال: "هذا غالب ما أورده ابن السكيت، وبقيت منه أحرف أخرى، أخرتها
إلى النوع السابع والثلاثين والذي يليه، وفات ابن السكيت ألفاظ جمة مفرقة في كتب اللغة. ومن أهم ما فاته الإبدال بين السين والصاد، نحو: السراط والصراط"1.
ومعنى هذا النص أن السيوطي، لم يكن ينقل ما في مصادره، نقلا عشوائيا، وإنما هو نقل واع يتبع منهجا وتخطيطا بالغ الدقة.
ومثل ذلك أيضا نقله، ما ذكره الفيروزآبادي من أسماء العسل في كتابه:"ترقيق الأسل لتصفيق العسل"، وقوله بعد أن انتهى منه:"قلت: ما استوفى أحد مثل هذا الاستيفاء، ومع ذلك فقد فاته بعض الألفاظ"2، ثم استكمل هذه الألفاظ من أمالي القالي، وأمالي الزجاجي3.
ويشبه هذا أيضا صنيعه مع كتاب "المثنى والمبني" لابن السكيت، فقد نقل منه عشر صفحات كاملة، ثم قال:"هذا ما أورده ابن السكيت في هذا الباب، وقد جمع فأوعى، ومع ذلك فقد فاته ألفاظ"4، وقد استدرك السيوطي هذا الفائت من ديوان الأدب، والغريب المصنف، والجمهرة، وغيرها.
وأحيانا ينقل السيوطي فصولا كاملة من مصادره، كما فعل ذلك حين نقل الفصلين الرابع والخامس من كتاب:"لمع الأدلة" لأبي البركات بن
1 المزهر 1/ 469.
2 في الأصل: "الزجاج" وهو تحريف.
3 المزهر 1/ 409.
4 المزهر 2/ 182.
الأنباري "82/ 84" بالحرف الواحد1. وكما فعل في باب: "ذكر ما جاء على فُعالة"؛ إذ نقله كله من "الغريب المصنف" لأبي عبيد، وقال في آخره: "هذا جميع ما في الغريب المصنف"2.
وفي بعض الأحيان يلخص السيوطي ما في مصادره تلخيصا شديدا، كما فعل حين لخص كتاب "مراتب النحويين" لأبي الطيب اللغوي، في عشرين صفحة، وقال في آخرها:"انتهى كلام أبي الطيب في كتاب مراتب النحويين ملخصا"3. وهو لا يغفل الإشارة إلى ما لخصه من نصوص مصادره، كما رأينا في العبارة السابقة، وكقوله في موضع آخر مثلا: "انتهى كلام ابن جني ملخصا"4.
وقد نثر السيوطي كثيرا من مسائل "الصاحبي" لابن فارس، و"الخصائص" لابن جني في مزهره، فقد نقل عن الأول ست صفحات كاملة في أحد المواضع، ثم قال:"هذا كله كلام ابن فارس"5. كما أكثر من النقل عنه في افتتاحيات كثير من أبوابه6. وقد نص السيوطي على استفادته الكاملة من هذا الكتاب، فقال مرة:"قلت: قد رأيت نسخة من هذا الكتاب مقروءة على المصنف، وعليها خطه، وقد نقلت غالب ما فيه في هذا الكتاب"7. كما نقل عن "الخصائص" كثيرا كذلك؛ إذ نقل منه ست صفحات في أصل اللغة، وقال في آخرها: "هذا كله كلام ابن
1 المزهر 1/ 113-114.
2 المزهر 2/ 119-120.
3 المزهر 2/ 395-414.
4 المزهر 1/ 359.
5 المزهر 1/ 66-71.
6 المزهر 1/ 321-345.
7 المزهر 1/ 403.
جني"1. وهناك نقل آخر في سبع صفحات في موضوع: المهمل والمستعمل، قال بعده: "انتهى كلام ابن جني"2 وفي باب: سقطات العلماء، نقل عنه اثنتي عشرة صفحة، وقال: "انتهى ما أورده ابن جني"3.
ومن أمثلة النقل المطول عن المصادر، نقله رسالة في حوالي ثلاثين صفحة4، من ديوان رسائل الشريف أبي القاسم علي بن الحسين المصري، في الألغاز اللغوية، ثم نقله المقامة الثانية والثلاثين في الألغاز من مقامات الحريري كاملة5.
ومع تطويله النقل عن بعض المصادر على هذا النحو، نراه لا يستخدم في بعض الأحيان كل الكتب المتخصصة في الموضوع الذي يكتب فيه، ففي موضوع:"المشجر" مثلا، لم يستخدم السيوطي كتاب:"المداخل" لأبي عمر الزاهد "345هـ"، ولا كتاب:"المسلسل" لأبي الطاهر التميمي "538هـ". وفي موضوع: "الإتباع" لم يستخدم كتاب: "الإتباع" لأبي الطيب اللغوي "351هـ". وكذلك في موضوع: "الإبدال" لم يفد من كتاب: "الإبدال" لأبي الطيب اللغوي شيئا. ونراه كذلك في موضوع: "الأمثال" لا يستخدم بعض الكتب المهمة، مثل:"جمهرة الأمثال" لأبي هلال العسكري "395هـ" و"مجمع الأمثال" للميداني "518هـ" و"المستقصى" للزمخشري "538هـ" وغير ذلك.
1 المزهر 1/ 10-16.
2 المزهر 1/ 240-247.
3 المزهر 2/ 369-381
4 المزهر 1/ 591-621.
5 المزهر 1/ 622-635.
وتنقسم مصادر السيوطي في مزهره، إلى أنواع شتى من حيث التخصص، على النحو التالي:
1-
كتب في فقه اللغة، كالصاحبي في فقه اللغة لابن فارس، والخصائص لابن جني.
2-
معاجم عربية مرتبة على الموضوعات، مثل: الغريب المصنف لأبي عبيد القاسم بن سلام، وفقه اللغة للثعالبي1. أو مرتبة على المخارج، مثل: العين للخليل بن أحمد، ومختصره لأبي بكر الزبيدي، وتهذيب اللغة للأزهري، والمحكم والمحيط الأعظم لابن سيده، واستدراك الغلط الواقع في كتاب العين للزبيدي، أو مرتبة ترتيبا هجائيا أو على المباني، مثل: الصحاح للجوهري، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، والعباب للصاغاني، وجمهرة اللغة لابن دريد، وديوان الأدب للفارابي، والمجمل لابن فارس.
3-
كتب لغوية متخصصة في موضوع واحد، مثل: الإبدال لابن السكيت، والأيام والليالي للفراء، وما اتفق لفظه واختلف معناه للمبرد، والمقصور والممدود لابن ولاد، والأضداد لأبي بكر بن الأنباري، والإتباع لابن فارس، وشجر الدر لأبي الطيب اللغوي، والمقصور والممدود لأبي علي القالي، وما جاء على فَعَالِ للصاغاني، والمثنى لأبي الطيب اللغوي، والموازنة لحمزة بن الحسن الأصفهاني، وخلق الإنسان للصاغاني، والأجناس للأصمعي، والمقصود والممدود لابن السكيت، والفروق لأبي الطيب اللغوي، والأصوات لابن السكيت، والليل والنهار لأبي حاتم السجستاني.
4-
كتب في النحو والصرف، مثل: الكتاب لسيبويه، وأصول
1 يلاحظ أن السيوطي لم يستخدم معجمامهما من معاجم الموضوعات، وهو "المخصص" لابن سيده.
النحو لابن السراج، وارتشاف الضرب لأبي حيان، والتسهيل لابن مالك، ولمع الأدلة لأبي البركات بن الأنباري، وشرح التسهيل لأبي حيان، وسفر السعادة للسخاوي، والإنصاف لأبي البركات بن الأنباري، وشرح فصول ابن معط لابن إياز، والغرة في شرح اللمع لابن الدهان، وشرح المفصل للسخاوي، وشرح الشافية للجاربردي.
5-
كتب في لحن العامة، مثل: إصلاح المنطق لابن السكيت، وتهذيبه للخطيب التبريزي، وأدب الكاتب لابن قتيبة، وشرحه للجواليقي والزجاجي، والفصيح لثعلب، وشروحه لابن درستويه والمرزوقي وابن خالويه والبطليوسي، وذيله للموفق البغدادي.
6-
كتب الأمالي، مثل: أمالي ثعلب المعروفة بمجالس ثعلب، والأمالي لأبي علي القالي، وأمالي الزجاجي، وأمالي ابن دريد، وأمالي أبي عبيد.
7-
كتب النوادر، كالكتب التي ألفها كل من أبي زيد الأنصاري، وأبي محمد اليزيدي، وابن الأعرابي، ويونس بن حبيب، وأبي عمرو الشيباني، والنجيرمي.
8-
دواوين الأدب والمجاميع الشعرية، مثل: يتيمة الدهر للثعالبي، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والكامل للمبرد، وشرح المعلقات لأبي جعفر النحاس، وربيع الأبرار للزمخشري، ومقامات الحريري، ونشوار المحاضرة للتنوخي، وشرح شعر هذيل للسكري، والحمقى والمغفلين لابن الجوزي، وجمهرة أشعار العرب لمحمد بن أبي الخطاب، وأيام العرب لأبي عبيدة، وشروح المقامات للمطرزي والنحاس وسلامة الأنباري، وشرح كامل المبرد لأبي إسحاق البطليوسي.
9-
مجاميع أمثال العرب، مثل: الزاهر في معاني كلمات الناس لأبي بكر بن الأنباري، وجامع الأمثال لأبي علي أحمد بن إسماعيل القمي.
10-
كتب في البلاغة والنقد القديم، مثل: الإيضاح للقزويني، ومنهاج البلغاء لحازم القرطاجني، وسر الفصاحة لابن سنان، والعمدة لابن رشيق، وعروس الأفراح لبهاء الدين السبكي، والطريق إلى الفصاحة لابن النفيس.
11-
كتب في الأصول والفقه، مثل: شرح منهاج الأصول للإسنوي، والمحصول لفخر الدين الرازي، والوصول إلى الأصول لأبي الفتح ابن برهان، وشرح منهاج البيضاوي لتاج الدين السبكي، وشرح المحصول للقرافي، والملخص في أصول الفقه للقاضي عبد الوهاب السبكي، والروضة للإمام النووي.
12-
كتب في التفسير، مثل: تفسير الطبري، والبحر المحيط للزركشي، والتفسير لوكيع، والتفسير لابن جزي.
13-
كتب في الحديث، مثل: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، والمستدرك للحاكم، وشعب الإيمان للبيهقي، وغريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام، والأدب المفرد للبخاري، ومسند أحمد بن حنبل.
14-
كتب في التراجم والطبقات، مثل: طبقات فحول الشعراء لابن سلام، وأخبار النحويين البصريين للسيرافي، وطبقات الشعراء لابن المعتز، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي، ومراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي، وطبقات النحويين واللغويين للزبيدي، ومن سمي عمرا من الشعراء لابن الجراح، والمؤتلف والمختلف للآمدي.
15-
كتب تاريخية، مثل: تاريخ دمشق لابن عساكر، والبداية والنهاية لابن كثير، وتاريخ حلب للكمال بن العديم، وتاريخ المسعودي "مروج الذهب"، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار.
هذه هي جمهرة المصادر التي رجع إليها جلال الدين السيوطي، في تأليف موسوعته اللغوية:"المزهر في علوم اللغة وأنواعها". وبعض هذه المصادر مفقودة لا وجود له الآن، مثل: الأجناس للأصمعي، والأصوات لابن السكيت، والليل والنهار لأبي حاتم السجستاني، والفروق لأبي الطيب اللغوي، وشرح الفصيح لابن خالويه، وأيام العرب لأبي عبيدة، والنوادر لأبي عمرو الشيباني، والنوادر ليونس بن حبيب.
وهذا الكتاب الأخير كان قليل الوجود في عصر ابن مكتوم "749هـ"؛ إذ قال عنه السيوطي في المزهر: "وفي النوادر ليونس، رواية محمد بن سلام الجمحي عنه، وهذا الكتاب لم أقف عليه، إلا أني وقفت على منتقى منه، بخط الشيخ تاج الدين بن مكتوم النحوي، وقال عنه: إنه كتاب كثير الفائدة قليل الوجود"1.
وبعض مصادر السيوطي في مزهره، لا يزال مخطوطا ينتظر من يحققه وينشره، وينفض غبار الزمن عنه، مستعينا على تحقيقه بالنصوص التي اقتبسها السيوطي منه، مثل: الموازنة لحمزة بن الحسن الأصبهاني، وشرح المفصل للسخاوي، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار، ومن المصادر المخطوطة
1 المزهر 2/ 289.
ما هو تحت الطبع، بعد أن اشتغل بتحقيقها بعض المعاصرين، مثل: العين للخليل بن أحمد، والمقصور والممدود للقالي، والغريب المصنف لأبي عبيد، وارتشاف الضرب لأبي حيان، وسفر السعادة للسخاوي، والأمالي لابن دريد، والنوادر لابن الأعرابي.
ومن المصادر ما رآه السيوطي، ثم افتقده في أثناء تأليفه للمزهر، كهذا الكتاب الذي ذكره في النوع السابع والثلاثين، في معرفة ما ورد بوجهين بحيث يؤمن فيه التصحيف، فقال: "وقد رأيت من عدة سنين في هذا النوع مؤلفا في مجلد، لم يكتب عليه اسم مؤلفه، ولا هو عندي الآن حال تأليف هذا الكتاب. ورأيت لصاحب القاموس تأليفا سماه: تحبير الموشين فيا يقال بالسين والشين، ولم يحضر عندي الآن
…
فأعملت فكري في استخراج أمثلة ذلك من كتب اللغة"1.
وكتاب: "فتيا فقيه العرب" لابن فارس، الذي نشره حسين علي محفوظ، بدمشق سنة 1958م، كان عند السيوطي كذلك، ثم افتقده عند تأليف المزهر، فقال:"وقد ألف ابن فارس تأليفا لطيفا في كراسه، سماه بهذا الاسم "فتيا فقيه العرب" رأيته قديما، وليس هو الآن عندي
…
فنذكر ما وقع من ذلك في مقامات الحريري، ثم إن ظفرت بكتاب ابن فارس، ألحقت ما فيه"2. ويبدو أن السيوطي لم يظفر بهذا الكتاب مرة أخرى، حتى مات رحمه الله.
ومثل ذلك يتحدث السيوطي عن كتاب: "ليس في كلام العرب".
1 المزهر 1/ 537.
2 المزهر 1/ 622.
لابن خالويه، فيقول في باب: معرفة الأشباه والنظائر1: "هذا نوع مهم ينبغي الاعتناء به، فبه تعرف نوادر اللغة وشواردها، ولا يقوم به إلا مضطلع بالفن واسع الاطلاع، كثير النظر والمراجعة. وقد ألف ابن خالويه كتابا حافلا، في ثلاثة مجلدات ضخمات، سماه: كتاب ليس، موضوعه: ليس في اللغة كذا إلا كذا. وقد طالعته قديما. وانتقيت منه فوائد، وليس هو بحاضر عندي الآن. وأنا أذكر إن شاء الله في هذا النوع، ما يقضي فيه الناظر العجب، وآت فيه ببدائع وغرائب، إذا وقع عليها الحافظ المطلع، يقول: هذا منتهى الأرب".
وهذا أحد المواضع التي يظهر فيها أسلوب السيوطي، في التقديم لأبواب المزهر المختلفة. أما الفوائد التي انتقاها من كتاب:"ليس" لابن خالويه قديما، فتظهر منثورة هنا وهناك في المزهر، ومنها في أحد المواضع اثنتا عشرة صفحة، قال في آخرها:"هذا آخر المنتقى من كتاب ليس لابن خالويه"2.
وبعض مصادر "المزهر" كانت عند السيوطي بخطوط مؤلفيها، فقد ذكر أنه رأى تاريخ حلب للكمال بن العديم بخطه3، كما كانت عنده تذكره الشيخ تاج الدين بن مكتوم القيسي بخطه4، وكانت عنده ثلاثة كتب للنجيرمي كلها بخطه، وهي: التعليق5، والفوائد6،
1 المزهر 2/ 3.
2 المزهر 2/ 78-90.
3 المزهر 2/ 225.
4 انظر: المزهر 1/ 275، 1/ 421.
5 المزهر 1/ 382.
6 المزهر 2/ 304.
والنوادر1، كما نقل "من خط الشيخ بدر الدين الزركشي في كراسة له سماها: عمل من طب لمن حب"2.
وتبلغ نسبة النصوص المنقولة عن كتب مفقودة، في "المزهر" حوالي 40% من حجم الكتاب. ومن هنا تبدو قيمة كتاب "المزهر" للسيوطي، الذي حفظ لنا نصوصا كثيرة، ضاعت أصولها ولم تصل إلينا. وهو في مثل هذه النصوص، يعد مصدرا أصيلا في البحث العلمي.
وتختلف معاملة السيوطي لمصادره من مؤلف إلى مؤلف، فهو أحيانا ينقل نقلا حرفيا ما أمامه من نصوص في مصادره، مثلما ذكرناه من قبل، من نقله الفصلين الرابع والخامس من كتاب:"لمع الأدلة" لابن الأنباري، بالحرف الواحد.
وأحيانا يتصرف، ويقدم ويؤخر، ويحذف ويختصر، كما فعل في باب:"الأضداد"3 الذي نقله من كتاب: "الغريب المصنف" لأبي عبيد القاسم بن سلام، فإننا إذا طالعنا هذا الكتاب الأخير، رأينا أبا عبيد يروي في باب الأضداد منه عن أبي زيد، ثم عن اليزيدي، ثم عن أبي زيد مرة ثانية، ثم عن الأصمعي، ثم عن أبي عبيدة، ثم عن الكسائي، ثم عن أبي زيد مرة ثالثة، ثم عن الكسائي مرة ثانية، ثم عن الأموي، ثم عن الأصمعي مرة ثانية، ثم عن أبي عبيدة مرة ثانية، ثم عن أبي عمرو، ثم عن أبي عبيدة مرة ثالثة، ثم عن الأحمر، ثم عن الأصمعي مرة ثالثة، ثم عن أبي عبيدة مرة رابعة، ثم عن
1 المزهر 2/ 291.
2 المزهر 2/ 366.
3 المزهر 1/ 389-391.
الأصمعي مرة رابعة، ثم عن أبي عبيدة مرة خامسة، ثم عن الكسائي مرة ثالثة. وهكذا ينتهي الباب.
أما السيوطي، فإنه جمع آراء كل عالم بعضها إلى بعض، فبدأ بأبي زيد، فالأصمعي، فأبي عبيدة، فالكسائي، فالأموي، فأبي عمرو، فالأحمر. أما أبو عبيدة فإنه كان -فيما يبدو- يدون في غريبه المصنف، ما سمعه من شيوخه، حسبما كان يقع إليه هذا المسموع يوما بعد يوم. هذا إلى أن السيوطي، حذف كلام اليزيدي، والشواهد الشعرية المختلفة، التي يمتلئ بها الغريب المصنف، في هذا الباب.
وبعد
…
فماذا للسيوطي في كتابه: "المزهر"؟ إن له أولا فضل جمع الجزئيات الصغيرة من هنا وهناك، في الموضوع الذي يكتبه. وهو يعزو كل قول إلى صاحبه في أمانة علمية فائقة. وإذا كانت تلك عادته في كل نقوله هنا وهناك. فإننا لا ندري السر الذي جعله يجهّل مصدره في تلك المواضع القليلة جدا في كتابه، كقوله مثلا:"وقال بعضهم"1، أو:"وفي بعض المجاميع"2 أو: "قال أهل الأصول"3، أو:"قال المعري في بعض كتبه"4، أو:"قال صاحب زاد المسافر"5 أو: "رأيت لهذه الأبيات شرحا في كراسة"6.
1 المزهر 1/ 94، 1/ 274، 2/ 286، وفي الموضع الأخير ذكر السيوطي قصيدة توجد في المقامة السادسة والأربعين من مقامات الحريري، وهي المقامة الحلبية. ولا ندري السر في إغفاله مصدره هنا؟!
2 المزهر 2/ 368.
3 المزهر 1/ 368، 1/ 387، 1/ 405.
4 المزهر 2/ 105.
5 المزهر 1/ 351.
6 المزهر 1/ 380.
ولم يخل كتاب: "المزهر" بالإضافة إلى هذا الجمع الدءوب، والترتيب المعجب الرائق، من خطرات هنا وهناك للمؤلف تعزى إليه وحده، وهي في بعض الأحيان رأي له، واجتهاد وصل إليه بثاقب فكره، وطول خبرته باللغة.
فهو يدخل أحيانا بجمل اعتراضية، تفسر مبهما، أو تشرح غامضا، أو تضيف جديدا، كقوله مثلا:"وقال ابن جني في الخصائص -وكان هو وشيخه أبو علي الفارسي معتزليين"1 وتوضيحه اسم إسماعيل بن القاسم البغدادي، بأنه "هو أبو علي القالي"2، وتعليقه على تعليم آدم للملائكة أسماء الأشياء، بأن "في هذا فضيلة عظيمة، ومنقبة شريفة لعلم اللغة"3، ووصفه الراغب الأصفهاني بأنه "من أئمة السنة والبلاغة"4، وتعليقه على قول السيرافي إن الخليل بن أحمد عمل أول كتاب العين، بأن "هذه العبارة من السيرافي صريحة في أن الخليل لم يكمل كتاب العين، وهو الظاهر لما سيأتي من نقل كلام الناس في الطعن فيه، بل أكثر الناس أنكروا كونه من تصنيف الخليل"5.
وليست كل تعليقات السيوطي على هذا النحو من الاختصار.
وهذه تعليقه طويلة، يعرفنا فيها بقراءته لكتاب:"استدراك الغلط الواقع في كتاب العين للزبيدي"، ويذكر لنا محتواه، فيقول: "قلت: وقد طالعته إلى
1 المزهر 1/ 10.
2 المزهر 1/ 83.
3 المزهر 1/ 30.
4 المزهر 1/ 201.
5 المزهر 1/ 76.
ولم يخل كتاب: "المزهر" بالإضافة إلى هذا الجمع الدءوب، والترتيب المعجب الرائق، من خطرات هنا وهناك للمؤلف تعزى إليه وحده، وهي في بعض الأحيان رأي له، واجتهاد وصل إليه بثاقب فكره، وطول خبرته باللغة.
فهو يدخل أحيانا بجمل اعتراضية، تفسر مبهما، أو تشرح غامضا، أو تضيف جديدا، كقوله مثلا:"وقال ابن جني في الخصائص - وكان هو وشيخه أبو على الفارسي معتزليين1"، وتوضيحه اسم إسماعيل بن القاسم البغدادي، بأنه "هو أبو على القالي 2"، وتعليقه على تعليم آدم للملائكة أسماء الأشياء، بأن "في هذا فضيلة عظيمة، ومنقبة شريفة لعلم اللغة"3، ووصفه الراغب الإصفهاني بأنه "من أئمة السنة والبلاغة 4"، وتعليقه على قول السيرافي إن الخليل بن أحمد عمل أول كتاب العين، بأن "هذه العبارة من السيرافي صريحة في أن الخليل لم يكمل كتاب العين، وهو الظاهر لما سيأتي من نقل كلام الناس في الطعن فيه، بل أكثر الناس أنكروا كونه من تصنيف الخليل 5".
وليست كل تعليقات السيوطي على هذا النحو من الاختصار. وهذه تعليقه طويلة، يعرفنا فيها بقراءته لكتاب:"استدراك الغلط الواقع في كتاب العين للزبيدي"، ويذكر لنا محتواه، فيقول: "قلت: وقد طالعته إلى
1 المزهر 1/ 10
2 المزهر 1/ 83.
3 المزهر 1/ 30.
4 المزهر 1/ 201.
5 المزهر 1/ 76.
"قلت: معاذ الله! هو بريء مما رمي به. ومن طالع الجمهرة رأي تحريه في روايته، وسأذكر منها في هذا الكتاب ما يعرف منه ذلك. ولا يقبل فيه طعن نفطويه؛ لأنه كانت بينهما منافرة عظيمة
…
وقد تقرر في علم الحديث أن كلام الأقران في بعضهم لا يقدح"1.
وكذلك رد على الفخر الرازي، حين ذكر أن أهل اللغة أهملوا البحث عن أحوال اللغات ورواتها جرحا وتعديلا، فقال:"وأقول: بل الجواب الحق عن هذا، أن أهل اللغة والأخبار، لم يهملوا البحث عن أحوال اللغات، ورواتها جرحا وتعديلا، بل فحصوا ذلك وبينوه، كما بينوا ذلك في رواة الأخبار. ومن طالع الكتب المؤلفة في طبقات اللغويين والنحاة وأخبارهم وجد ذلك. وقد ألف أبو الطيب اللغوي كتاب: مراتب النحويين، بين فيه ذلك، وميز أهل الصدق من أهل الكذب والوضع"2.
وحين قال أبو الطيب في هذا الكتاب، عن أبي عبيد القاسم بن سلام:"ولا نعلمه سمع من أبي زيد شيئا"، رد عليه السيوطي فقال:"قلت: قد صرح في عدة مواطن من الغريب المصنف بسماعه منه"3.
وتبدو سعة علم السيوطي، حين يهمل مصدره تفسير شيء ما، فيعثر عليه السيوطي مفسرا في كتاب آخر فيذكره، كقوله مثلا: "وقال ابن ولاد في المقصور والممدود، عُشُورا، بضم العين والشين. زعم سيبويه أنه لم يعلم في الكلام شيء على وزنه، ولم يذكر تفسيره
…
قلت: ذكر القالي في
1 المزهر 1/ 93-94.
2 المزهر 1/ 120.
3 المزهر 2/ 412.
كتاب: المقصور والممدود أن العشورا: العاشوراء. قال: وهي معروفة"1.
وهو كثير التخريج لنصوص مصادره، من أجل توثيقها، فقد خرج في أحد المواضع مجموعة من الأخبار التي نقلها من كتاب:"الصاحبي" لابن فارس، في المصاحف لابن أشتة، والمستدرك للحاكم، والأوائل لأبي هلال العسكري، والطيوريات لأبي طاهر السلفي، والمصاحف لأبي بكر بن أبي داود، ومسند أحمد بن حنبل2. وفي موضع آخر خرج حكاية رواها عن تصحيف العسكري، في معجم الأدباء لياقوت، والحمقى والمغفلين لابن الجوزي3.
وهو في تعليقاته حريص كل الحرص على توثيق نقوله، بذكر خطوط العلماء الذين نقل عنهم، كقوله مثلا:"وجدت هذه الحكاية، مكتوبة بخط القاضي مجد الدين الفيروزآبادي صاحب القاموس، على ظهر نسخة من العباب للصاغاني، ونقلها من خطه تلميذه أبو حامد محمد بن الضياء الحنفي، ونقلتها من خطه"4. بل إنه ليعلمنا في بعض هذه التعليقات، بملكيته لنسخة ثمينة من جمهرة اللغة مقروءة على العلماء، فيقول: "قلت: ظفرت بنسخة من الجمهرة بخط أبي النمر أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس الطرابلسي اللغوي، وقد قرأها على ابن خالويه، بروايته لها عن ابن دريد، وكتب عليها حواشي من استدراك ابن خالويه على مواضع منها، ونبه على
1 المزهر 1/ 169.
2 المزهر 2/ 341-343.
3 المزهر 2/ 354.
4 المزهر 1/ 95.
بعض أوهام وتصحيفات"1. وهو في أحد المواضع يقابل نسختين من كتاب الجمهرة، فيقول: "وقال ابن دريد في الجمهرة: باب ما تكلمت به العرب من كلام العجم حتى صار كاللغز. وفي نسخة: حتى صار كاللغة"2.
ويبدو في بعض تعليقات السيوطي، استدراكه المكمل لبعض المؤلفات السابقة قد استدرك على القاموس المحيط أشياء، وقال:"قلت: ومع كثرة ما في القاموس من الجمع للنوادر والشوارد، فقد فاته أشياء ظفرت بها في أثناء مطالعتي لكتب اللغة، حتى هممت أن أجمعها في جزء مذيلا عليه"3. كما استدرك على كتاب: "الإتباع" لابن فارس، وقال: "وقد ألف ابن فارس تأليفا مستقلا في الإتباع، وقد رأيته مرتبا على حروف المعجم، وفاته أكثر مما ذكره. وقد اختصرت تأليفه وزدت عليه ما فاته، في تأليف لطيف سميته: الإلماع في الإتباع"4.
وهو أحيانا يذكر الأقوال المناظرة لما هو فيه، فبعد أن ذكر عن "الصاحبي" لابن فارس، أن ابن خالويه قال: جمعت للأسد خمسمائة اسم وللحية مائتين، قال: قلت: ونظير ذلك في فقه اللغة للثعالبي: قد جمع حمزة بن الحسن الأصبهاني من أسماء الدواهي ما يزيد على أربعمائة، وذكر أن تكاثر أسماء الدواهي من الدواهي. قال: ومن العجائب أن أمة وسمت معنى واحدا بمئين من الألفاظ5.
1 المزهر 1/ 95.
1 المزهر 1/ 279 وفي الجمهرة 3/ 499: "كاللغة"!
3 المزهر 1/ 103.
4 المزهر 1/ 414 ويحمل قوله "1/ 420": "وفي كتاب إلماع الإتباع لابن فارس" على السهو!
5 المزهر: 1/ 325.
ونرى من بعض تعليقات السيوطي، كيف أن علمه رحمه الله كان ينمو بكثرة الاطلاع على المصادر المختلفة بمرور الأيام، فهذه فائدة استفادها من جمهرة اللغة، كان قد سئل عنها فلم يعرفها، يقول: "وهذه فائدة لطيفة، لم أرها إلا في الجمهرة، فكانت العرب تسمي: صفر الأول وصفر الثاني، وربيع الأول، وربيع الثاني، وجمادى الأولى وجمادى الآخرة، فلما جاء الإسلام وأبطل ما كانوا يفعلونه من النسيء، سماه النبي صلى الله عليه وسلم شهر الله المحرم
…
وبذلك عرفت النكتة في قوله: شهر الله. ولم يرد مثل ذلك في بقية الأشهر ولا رمضان. وقد كنت سئلت من مدة عن النكتة في ذلك، ولم يحضرني فيها شيء، حتى وقفت على كلام ابن دريد هذا"1.
وهذه فائدة أخرى وجدها السيوطي عند ثعلب، بعد أن طالب سؤاله عنها، فقد قال بعد أن روى عن ثعلب في أماليه شرحا للمثل:"لا يدري الحي من اللي" أي لا يعرف الكلام البين من الكلام غير البين: "قلت: رضي الله عنه سيدي عمر بن الفارض، ما كان أوسع علمه باللغة! قال في قصيدته اليائية:
صار وصف الضر ذاتيا له
…
عن عناء والكلام الحي لي
ولما شرحت قصيدته هذه ما وجدت من يعرف منها إلا القليل. ولقد سألت خلقا من الصوفية عن معنى قوله: "والكلام الحي لي"، فلم أجد من يعرف معناه، حتى رأيت هذا الكلام في أمالي ثعلب"2.
ولم تخل بعض تعليقات السيوطي من الوهم. ومن ذلك اعتقاده أن
1 المزهر 1/ 300-301.
2 المزهر 1/ 501.
كلمة: "السبت" تعني في أصل اللغة: "الدهر"، فقال في موضوع العام الذي خصص:"ثم رأيت له مثالا في غاية الحسن، وهو لفظ: "السبت" فإنه في اللغة: الدهر، ثم خصص في الاستعمال لغة بأحد أيام الأسبوع، وهو فرد من أفراد الدهر"1.
والحقيقة أن "السبت" كلمة معربة عن العبرية:
SABBAT ومعناها: الراحة!
ولكن تلك الأوهام لا تقلل من قيمة الفوائد الجليلة، التي نثرها في صفحات كتابه الضخم، كقوله مثلا:"فائدة: حيث أطلق أبو عبيد في الغريب المصنف أبا عمرو فهو الشيباني، فإن أراد أبا عمرو بن العلاء قيده. وحيث أطلق النحاة أبا عمرو فمرادهم ابن العلاء. وحيث أطلق البصريون أبا العباس فالمراد به المبرد، وحيث أطلقه الكوفيون فالمراد به ثعلب"2.
ومن تعليقات السيوطي النادرة، ما ذكره عن طريقة الأمالي اللغوية، عند قدامى اللغويين، فقال:"يكتب المستملي أو القائمة: مجلس أملاه شيخنا فلان بجامع كذا في يوم كذا، ويذكر التاريخ، ثم يورد المملي بإسناده كلاما عن العرب الفصحاء، فيه غريب يحتاج إلى التفسير، ثم يفسره، ويورد من أشعار العرب وغيرها بأسانيده، ومن الفوائد اللغوية، بإسناد وغير إسناد ما يختاره"3.
وقد ذكر السيوطي بعد ذلك محاولته التي لم يقدر لها النجاح، في إحياء هذه الأمالي، فقال: "وقد كان هذا في الصدر الأول فاشيا، ثم مات
1 المزهر 1/ 427.
2 المزهر 2/ 455-456.
3 المزهر 2/ 314.
الحفاظ، وانقطع إملاء اللغة من دهر مديد، واستمر إملاء الحديث
…
وقد أردت أن أجدد إملاء اللغة وأحييه بعد دثوره، فأمليت مجلسا واحدا، فلم أجد له حملة، ولا من يرعب فيه فتركته"1.
هذا، ونحب أن نشير في خاتمة هذا البحث إلى شيء مهم جدا، وهو ضرورة مراجعة المزهر على مصادره، لسد ما أصاب نصه من خلل من كثير من المواضع. وهذه بعضها:
أ- روى السيوطي النص التالي عن "ثعلب في أماليه: ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعة تميم، وتلتلة بهراء، وكسكسة ربيعة، وكشكشة هوازن، وتضجع قريش"2. وصوابه، كما في مجالس ثعلب ومصادر أخرى كثيرة: "وكشكشة ربيعة، وكسكسة هوازن، وتضجع قيس"3.
ب- روى السيوطي النص التالي عن كتاب: "الألفاظ والحروف" للفارابي، في القبائل التي تؤخذ عنها اللغة:"وبالجملة فإنه لم يؤخذ لا من لخم ولا من جذام، لمجاورتهم أهل مصر والقبط، ولا من قضاعة وغسان وإياد، لمجاورتهم أهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرءون بالعبرانية، ولا من تغلب واليمن، فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا من بكر لمجاورتهم للقبط والفرس"4.
1 المزهر 2/ 314.
2 المزهر 1/ 211.
3 مجالس ثعلب 1/ 80 وانظر: الخصائص 2/ 11 وسر صناعة الإعراب 1/ 234-235 وخزانة الأدب 4/ 495.
4 المزهر 1/ 212.
ويقف المرء حائرا أمام هذا النص؛ إذ كيف يمكن لليمن أن تكون بالجزيرة مجاورة لليونان؟ ثم كيف لبكر أن تمتد بجناحيها في شمالي الجزيرة العربية، فتجاور في الشرق الفرس في إيران، كما تجاور في الغرب القبط في مصر؟
وصواب العبارة كما في المصادر: "ولا من تغلب والنمر فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونانية، ولا من بكر لأنهم كانوا مجاورين للنبط والفرس"1. فانظر كيف حرفت كلمة: "النمر" فصارت في نشرة المزهر: "اليمن"، كما حرفت أختها: "النبط"، فصارت في هذه النشرة كذلك: "القبط"!
ج- روى السيوطي النص التالي عن ابن درستويه، فقال:"قال ابن درستويه في شرح الفصيح: قول العامة: نحوي لغوي، على وزن: جهل يجهل، خطأ أو لغة رديئة"2. وفي هامشه تعليقا على عبارة: "نحوي لغوي" قال محققو المزهر: "لم نقف على ضبط هذه العبارة"!
وهذا الذي لم يقف على ضبطه محققو الكتاب، موجود على الصواب في مصدره: تصحيح الفصيح لابن درستويه، وهو قوله:"فتقول: غَوِيَ يَغْوَى، على نحو: جَهِلَ يَجْهَلُ"3.
1 الاقتراح 19 وانظر الحروف للفارابي 147.
2 المزهر 1/ 225.
3 تصحيح الفصيح 1/ 119.
وبعد
…
فقد بلغ السيوطي في تآليفه شأوا لا يدرك، وجهدا تقصر دونه الخطى
…
وكتابه: "المزهر في علوم اللغة وأنواعها" تاج على رءوس هذه المؤلفات، وغرة في وجه هذه التصانيف، يشهد له بطول الباع في الدراسات اللغوية العربية. والصبر والجلد في القراءة والجمع. رحم الله السيوطي رحمة واسعة.