الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: رأي في تفسير الشواذ في لغة العرب
كثيرا ما تقابلنا في كتب النحو العربي عبارة: "وهي لغة شاذة"1.
وقد اجتهد علماء العرب في تعريف هذا الشاذ، وحصر أمثلته المختلفة2، غير أنهم لم يذكروا شيئا عن الأسباب، التي تؤدي إلى وقوع الأمثلة الشاذة، في لغة من اللغات.
وقبل أن نعرف شيئا عن أهم الأسباب، التي يحدث من أجلها الشاذ في اللغة، نود أن نؤكد هنا شيئا، فرغ منه المحدثون من علماء اللغات، منذ فترة طويلة، وهو أن اللغة كائن حي؛ لأنها تحيا على ألسنة المتكلمين بها، وهم من الأحياء3، وهي لذلك تتطور وتتغير بفعل الزمن، فهي عبارة عن سلسلة متلاحقة الحلقات، يسلم بعضها إلى بعض، وكل حلقة منها تتكون من مجموعة من الظواهر المطردة القواعد؛ لأن كل لغة لا بد لها من منطق معين، حتى تصلح لكي يتفاهم بها أهلها. وهذا المنطق هو ما نطلق عليه اسم "القواعد المطردة".
1 انظر مثلا: "شرح ابن عقيل 1/ 71، 1/ 75، 1/ 79، 1/ 124، 1/ 130، 1/ 26، 1/ 271، 1/ 426، 2/ 12، 2/ 38، 2/ 188 ومعاني القرآن للزجاج 1/ 55 والعيني على هامش الخزانة 4/ 94 والمرتجل لابن الخشاب 26 وغير ذلك.
2 انظر في ذلك: الخصائص 1/ 96، 116، 1/ 266 والاقتراح 20 والأشباه والنظائر 1/ 214 والمزهر 1/ 226.
3 انظر مثلا ما كتبه "يسبرسن" O. Jespersen عن "حياة اللغة" في مقدمة كتابه: Die sprache.
تؤخذ إسكانر
غير أننا نلحظ في كل حلقة من حلقات التطور اللغوي، أمثلة شاذة عن تلك القواعد المطردة، ويرجع السبب في وجودها في اللغة، في غالب الأحيان، إلى واحد من ثلاثة أمور، فإما أن تكون تلك الشواذ، بقايا حلقة قديمة، ماتت واندثرت، وهو ما نسميه نحن:"الركان اللغوي للظواهر المندثرة في اللغة"، وإما أن يكون هذا الشاذ بداية وإرهاصا لتطور جديد، لظاهرة من الظواهر، تسود حلقة تالية، وتقضي على سلفها في الحلقة القديمة، وإما أن يكون ذلك الشاذ، شيئا مستعارا من نظام لغوي مجاور.
وكل مثال شذ لسبب من الأسباب الثلاثة السابقة، على القواعد المطردة، في حلقة من حلقات التطور اللغوي، إنما كان مطردا في بيئته، وتوافقا مع القواعد السائدة في تلك البيئة، فالركام اللغوي، كان أمرا مطردا في تلك الحلقة، التي بادت واندثرت. وبدايات التطور في ظاهرة من ظواهر اللغة، نراها سائدة مطردة بعد ذلك، في حلقتها الجديدة، التي آلت إليها لغة من اللغات. وكذلك تلك الأمثلة المستعارة في أية لغة، من نظام لغوي مجاور، هي شاذة هنا، غير أنها قد تكون مطردة تمام الاطراد، في ذلك النظام اللغوي المجاور.
والشكال التالي بين كل هذه الأمور بوضوح، مع ملاحظة أن العلامة "*" تعنى المرحلة المندثرة، والعلامة = تعنى المرحلة الحالية، والعلامة O تعنى المرحلة التالية، والعلامة × تعنى: "النظام اللغوي المجاوري:
يوجد شكل رسم يسحب إسكانر
واصطلاح "الركام اللغوي" اصطلاح صنعناه نحن، قياسا على:"الركام الحجري"، ذلك الاصطلاح الجغرافي، الذي يعنون به تلك الأحجار، التي تجرفها السيول والانهيارات الثلجية، من مكان إلى مكان.
أما نحن فنعنى بمصطلحنا "الركام اللغوي" بقايا الظواهر اللغوية المندثرة؛ لأننا نعتقد أن الظاهرة اللغوية الجديدة، لا تمحو الظاهرة القديمة بين يوم وليلة، بل تسير معها جنبا إلى جنب مدة من الزمن، قد تطول وقد تقصر، وهي حين تتغلب عليها، لا تقضي على أفرادها قضاء مبرما، بل يتبقى منها بعض الأمثلة، التي تصارع الدهر، وتبقى على مر الزمن.
ومن أمثلة ذلك: مراحل تطور الأفعال المعتلة في اللغة العربية، وأخواتها اللغات السامية، فقد تركت بعض هذه المراحل ركاما لغويا في تلك اللغات هنا وهناك.
ونعني بالأفعال المعتلة ما كان منها "أجوف"، مثل، قال، وباع، وخاف، وطال أو ناقصا، مثل: دعا، وقضى، أو من نوع "اللفيف المقرون"، مثل روى، وهوى، فإن كل هذا الأفعال، وما شابهها، بصورتها التي ذكرناها هنا، تعد آخر مرحلة من مراحل تطورها في اللغات السامية.
أما أولى هذه المراحل، فإنها كانت: قول، وبيع، وخوف، وطول، ودعو، وقَضَى، ورَوَى، وهَوَى، على نمط الصحيح تماما. وهذه المرحلة بقيت كما هي في اللغة الحبشية1، في بعض الأفعال الجوفاء، وفي كل الأفعال الناقصة، أو من نوع اللفيف المقرون، مثال الأجوف فيها:
1 انظر: A. Dillmann، Grammatik der athiopischen sprache 163-165.
تسحب إسكانر
وقد بقيت من هذه المرحلة، عدة أفعال في العربية، مثل:"عور". بمعنى: فقد إحدى عينيه، و "حور"، والحور: نقاء بياض العين واشتداد سوادها، و "هيف" بمعنى: ضمر بطنه، و "استحوذ" في مثل قوله تعالى:{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} [المجادلة 58/ 19"، و "استنوق الجمل"، وهو مثل عربي، يقال إن "طرفة بن العبد" هو أول من قاله، حين سمع "المتلمس" ينشد شعرا له، ويقول فيه:
وقد أتناسى الهم عند احتضاره
…
بناج عليه الصيعرية مكدم1
والصيعرية: سمة للنوق، فجعلها المتلمس للجمل، وسمعه طرفة ينشد البيتن فقال: استنوق الجمل، فضحك الناس، وسارت مثلا.
أما المرحلة الثانية في تطور هذه الأفعال المعتلة، فهي مرحلة التسكين، أو ضياع الحركة بعد الواو والياء للتخفيف، فيصبح الفعل على نحو: قول:، وبيع وخوف وقضي، ورمى
…
الخ.
وقد فطن العلامة "ابن جني" بحسه اللغوي، إلى ضرورة وجود هذه المرحلة في طريق تطور الأفعال المعتلة، فقال: "ومن ذلك قولهم: إن أصل قام: قوم، فأدبلت الواو ألفا، وكذلك: باع، أصله: بيع، ثم أبدلت الياء
1 انظر: الصناعتين، لأبي هلال العكسري 92.
ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها. وهو لعمري كذلك، إلا أنك لم تقلب واحدا من الحرفين إلا بعد أن أسكنته، استثقالا لحركته، فصار إلى: قوم، وبيع"1.
وقد بقيت هذه المرحلة عند قبيلة طيئ، فقد روى لنا عنها أنها تقول مثلا:"حبلى" و"أفعى" و"هدى"، وما شابه ذلك، في الوصل والوقف2. وأغلب الظن أن الراجز الذي قال:
وفرج منك قريب قد أتى
وزميله الذي قال:
يمنعهن الله ممن قد طغى
إنما كان من شعراء هذه القبيلة كذلك3.
ولعل هذه الظاهرة كانت شائعة عند قبيلة "هذيل" كذلك لأنهم كانوا عندما يضيفون المقصور إلى ياء المتكلم، في مثل:"هداي" و"هواي" وغيرهما، يقولون، هدى "= هدى + ي"، وهوى "= هوى + ي" وغير ذلك. وعلى لغتهم جاء قول أبي ذؤيب الهذلي:
سبقوا هويَّ وأعنقوا لهواهم
…
فتخرموا ولكل جنب مصرع4
كثيرا، وقالوا عنه إنه "لغة بني بكر بن وائل، وأناس كثير من تميم5، كما
1 الخصائص 2/ 471-472 وانظر كذلك: شرح مراح الأرواح 122
2 انظر: كتاب سيبويه 2/ 287 ومعاني القرآن للزجاج 1/ 87.
3 انظر: المنصف لابن جني 1/ 160 ومعاني القرآن للزجاج 1/ 87.
4 شرح ديوان الهذليين 1/ 7 وانظر معاني القرآن للزجاج 1/ 87.
5 انظر: شرح شواهد الشافية 4/ 15.
يروى عن قبيلة ربيعة كذلك1. ومن أمثلته قول القطامي:
إذا هدرت شقاشقه ونشبت
…
له الأظفار تُرْك له المدار2
وقول القطامي كذلك:
ألم يجز التفرق جند كسرى
…
ونُفْخوا في مدائنهم فطاروا3
وقول الأخطل:
وما كل مغبون ولو سَلْف صفقه
…
براجع ما قد فاته برادد4
وقول الأخطل كذلك:
فإن أهجه يضجر كما ضَجْر بازل
…
من الأدم دَبْرت صفحتاه وغاربه5
وقول الشاعر:
وقالوا ترابي فقلت صدقتم
…
أبي من تراب خَلْقه الله آدما6
وقول الآخر:
فإن النبيذ الصرد إن شُرْب وحده
…
على غير شيء أحق الكَبْد جوعها7
وقول أبي خراش الهذلي:
1 انظر: الصاهل والشاحج 440، 486، 666
2 ديوانه ق29/ 57 ص86 وانظر البيت برواية أخرى في الصاهل والشاحج 440
3 شرح شواهد الشافية 4/ 15 وفي ديوانه ق29/ 39 ص84: "وأجلوا عن مدائنهم". وفي هامشه عن إحدى نسخ الديوان الخطية: "ونفخوا".
4 ديوانه ص137 وشرح شواهد الشافية 4/ 18 ورسالة الغفران للمعري 312 والخصائص 3/ 338.
5 ديوانه ص217 والكامل 3/ 177 والصاهل والشاحج 486 والشاحج 486 وإصلاح المنطق 36
6 البيت في أمثال أبي عكرمة 128 مع مصادر أخرى في هامشه.
7 الصاهل والشاحج 440.
ولحم امرئ لم تطعم الطير مثله
…
عشية أمسى لا يبين من البَكْم1
وقول الشاعر:
ألا يا ليتها لُدْغت
…
وأدعى كيم ذي أرقى2
وقول أبي النجم العجلي:
لو عُصْر منها البان والمشك انعصر3
وقوله كذلك:
حتى إذا ما رَضْي من كمالها4
وقول الراجز:
رُجْم به الشيطان في هوائه5
وقول الآخر:
قالت أراه دالفا قد دُنْي له6
ومن أمثال العرب قولهم: "لم يُحرم من فُصْد له"7.
والمرحلة الثالثة في تطور الأفعال المعتلة، هي تلك المرحلة التي تسمى في عرف اللغويين المحدثين:"انكماش الأصوات المركبة"8 kontraktion der Diphthonge والأصوات المركبة في العربية هي: الواو والياء المسبوقتان
1 شرح ديوان الهذليين 3/ 1345 وشرح شواهد الشافية 4/ 18.
2 الصاهل والشاحج 486.
3 شرح شواهد الشافية 4/ 15 وإصلاح المنطق 36.
4 الصاهل والشاحج 666.
5 إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه 8
6 التمام في تفسير أشعار هذيل 223 واللسان "دنا" 18/ 300.
7 انظر: كتاب الأمثال لمؤرج السدوسي 50 مع مصادر أخرى في هامشه.
8 انظر: C. Brockelmann، Syrische Grammatik 32 ff
تسحب إسكانر
بالفتحة، في مثل:"قول" و "بيت"، فإن الملاحظ في تطور اللغات، هو انكماش هذه الأصوات، فتتحول الواو المفتوح ما قبلها إلى ضمة طويلة ممالة، كقولنا في اللهجة المصرية مثلا: Som، nom، yom بدلا من "يوم" و "نوم" و "صوم". وكذلك تنكمش الياء المفتوحة ما قبلها، فتتحول إلى كسرة طويلة ممالة، كقولنا في اللهجة المصرية مثلا: let ، zet ، bet f بدلا من "بيت" و "ليل" و "زيت" وغير ذلك.
وهذه المرحلة هي الشائعة في اللغة الحبشية، في الأفعال الجوفاء1، ففيها مثلا:
"باع" وغير ذلك كما توجد هذه المرحلة أيضا، في اللهجات العربية التي تميل، في مثل قوله تعالى:{وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} في قراءة من أمال 2. وفي ذلك يقول الزجاج: "والإمالة إلى الكسر، لغة بنى تميم وكثير من العرب. ووجهها أنها الأصل في ذوات الياء، فأميلت لتدل على ذلك"3.
أما المرحلة الرابعة والأخيرة في تطور تلك الأفعال المعتلة، فتتمثل في التحول من الإمالة إلى الفتح الخالص، ذلك أن الحركة الممالة الناتجة من انكماش الصوت المركب، كثيرا ما تتطور في اللغات المختلفة، فتتحول إلى فتحة طويلة4، فمثلا كلمة:"فأين" تطورت بعد سقوط الهمز منها إلى: "فين" Fen، بدلا من "فين"، وفي بعض اللهجات:"وين".
1 انظر: 79 F. praetorius Aethiopische Grammatik
2 انظر: التيسير في القراءات السبع 223.
3 معاني القرآن للزجاج 1/ 144.
4 انظر: التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه 51.
تسحب إسكانر
wen المتطورة عن "وين" بعد سقوط الهمز من "وأين". غير أننا نسمع بعض أهال مصر العليا، ينطقون الكلمة الأولى بالفتح الخالص، فيقولون:"فإن" بدلا من "فين" fen الشائعة فيما عدا ذلك في بلاد مصر، أي أن التطور في هذا الصوت المركب، كان على النحو التالي: a > e > ay.
وهذا التطور الأخير، هو الذي وصلت إليه العربية في مثل:"قام" و "باع" و "خاف" و "دعا"" وقضى" و "رمى"1. كما وصلت اللغة العبرية في مثل:
توجد فقرة سرياني يجسب أن تسحب إسكانر؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وقد حدث مثل ذلك في لغة طييء، في الأفعال المعتلة المكسورة العين في الماضي كذلك، مثل قولهم:"رضا" في "رضى"، و "فنا" في:"فني"، و "هذا" في:"هدى" وغير ذلك 2.
تلك هي مراحل تطور الأفعال المعتلة، وقد رأينا كيف خلفت تلك المراحل ركاما لغويا، في العربية الفصحى، واللغات السامية، واللهجات العربية المختلفة، ومن كل ذلك نرى أن ما يقوله النحاة من أن "قال" مثلا، أصلها:"قول"، صحيح: بصرف النظر عن تعليلهم هذا، بتحرك الواو
1 انظر أيضا: C. Rabin، Ancient west، - Arabian 160.
2 انظر: كتاب سيبويه 2/ 290 وخزانة الأدب 4/ 149.
وانفتاح ما قبلها، وإن كان ابن جني مثلا يزعم أن ذلك الأصل لم يوجد في العربية يوما ما، إذ عقد في "الخصائص" بابا سماه:"باب مراتب الأشياء وتنزيلها تقديرا وحكمًا لازمانا ووقتا"، وقال فيه: "هذا الموضع كثير الإيهام لأكثر من يسمعه، لا حقيقة تحته، وذلك كقولنا: الأصل في قام: قوم، وفي باع: بيع
…
وفي استقام: استقوم
…
فهذا يوهم أن هذه الألفاظ وما كان نحوها -مما يدعى أن له أصلا يخالف ظاهر لفظه- قد كان مرة يقال، حتى إنهم كانوا يقولون في موضع: قام زيد: قوم زيد، وكذلك نوم جعفر، وطول محمد
…
وليس الأمر كذلك، بل بضده، وذلك أنه لم يكن قط مع اللفظ به إلا على ما تراه وتسمعه. وإنما معنى قولنا: إنه كان أصله كذا، أنه لو جاء مجيء الصحيح ولم يعلل، لوجب أن يكون مجيئه على ما ذكرنا، فأما أن يكون استعمل وقتا من الزمان كذلك، ثم انصرف عنه فيما بعد إلى هذا اللفظ، فخطأ لا يعتقده أحد من أهل النظر"1.
ويحاول ابن جني أن يؤكد فكرته تلك مرة أخرى في كتابه: "سر صناعة الإعراب". غير أنه يعود فيعترف بأن الظاهرة اللغوية القديمة، قد تبقى منها أمثلة تعين على معرفة الأصل، وهو ما نسميه هنا:"بالركام اللغوي"، يقول ابن جني:"فبهذا ونحوه استدل أهل التصريف على أصول الأشياء المغيرة، كما استدلوا بقوله عز اسمه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} ، على أن أصل استقام: استقوم، وأصل استباع: استبيع، ولولا ما ظهر من هذا ونحوه، لما أقدموا على القضاء بأصول هذه الأشياء، ولما جاز ادعاؤهم إياها"2.
1 الخصائص 1/ 256.
2 سر صناعة الإعراب 1/ 194 كما يقول المبرد في المقتضب 2/ 97: "وقد يجيء في الباب الحرف والحرفان على أصولهما، وإن كان الاستعمال على غير ذلك، ليدل على أصل الباب، فمن ذلك: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} ، وأغيلت المرأة".
وهكذا نرى ابن جنى، لا يريد أن يعترف بوجود الأصل القديم لهذه الظاهرة في الواقع اللغوي، غير أنه حين عثر على مثال من "الركام اللغوي" وهو قوله تعالى:{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} اضطر إلى الاعتراف به.
ومن أمثلة "الركام اللغوي" كذلك، ما نعرفه من إلحاق الفعل علامة تثنية أو جمع في بعض ما روي لنا من أمثلة في العربية، فمن المعروف في العربية الفصحى، أن الفعل يجب إفراده دائما، حتى وإن كان فاعله مثنى أو مجموعا، أي أنه لا تتصل به علامة تثنية ولا علامة جمع، للدلالة على تثنية الفاعل أو جمعه، فيقال مثلا:"قام الرجل" و"وقام الرجلان" و"قام الرجال"، بإفراد الفعل:"قام" دائما، إذ لا يقال في الفصحى مثلا:"قاما الرجلان" ولا "قاموا الرجال".
وعلى هذا النحو، جاءت جمهرة الجمل الفعلية في القرآن الكريم، يقول الله تعالى مثلا:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران: 146] ولم يقل: قاتلوا معه. كما قال جل شأنه: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} [آل عمران: 122] ولم يقل: همتا طائفتان.
تلك هي القاعدة المطردة في العربية الفصحى شعرا ونثرا. غير أنه قد وردت في كتاب الله تعالى بعض آيات، لحق الفعل فيها علامة جمع للفاعل المجموع، كقوله تعالى:{ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} [المائدة: 71]، وقوله عز وجل:{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: 3] .
وقد أكثر النحويون والمفسرون علماء اللغة العرب، القول في تخريج هاتين الآيتين الكريمتين، فقد قال الإمام القرطبي، في تفسير الآية الأولى مثلا:" {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} ، أي عمي كثير وصم، بعد تبين الحق لهم بمحمد عليه السلام، فارتفع "كثير" على البدل من الواو، كما تقول: رأيت قومك ثلثيهم، وإن شئت كان على إضمار مبتدأ، أي العمي والصم كثير منهم. ويجوز أن يكون على لغة من قال: أكلوني البراغيث"1.
كما قال في الآية الثانية: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} ، أي تناجوا فيما بينهم بالتكذيب، ثم بين من هم، فقال: الذين ظلموا، أي الذين أشركوا، فالذين ظلموا بدل من الواو في "أسروا" وهو عائد على الناس المتقدم ذكرهم. قال المبرد: وهو كقولك: إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبد الله، فبنو بدل من الواو في: انطلقوا. وقيل: هو رفع على الذم، أي هم الذين ظلموا. وقيل: على حذف القول، أي يقول الذين ظلموا. وقول رابع: أن يكون منصوبا بمعنى: أعنى الذين ظلموا وأجاز الفراء أن يكون خفضا بمعنى: اقترب للناس الذين ظلموا حسابهم، فهذه خمسة أقوال. وأجاز الأخفش الرفع على لغة من قال: أكلوني البراغيث، وهو حسن. وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير، ومجازة: والذين ظلموا أسروا النجوى"2.
تلك هي آراء المفسرين والنحاة واللغويين العرب، في هذه الظاهرة، وهم فيها مقلبون لكل الأوجه الممكنة في العربية، من التخريج والتأويل. غير
1 تفسير القرطبي 6/ 248.
2 تفسير القرطبي 11/ 268 وانظر معاني القرآن للفراء 1/ 316.
تسحب إسكانر
أن مقارنة اللغات السامية، أخوات العربية، تؤدي إلى معرفة أن الأصل في تلك اللغات، أن يلحق الفعل عامة التثنية والجمع للفاعل المثنى والمجموع، كما تلحقه علامة التأنيث، عندما يكون الفاعل مؤنثا سواء بسواء1.
ففي اللغة العربية مثلا:
توجد فقرة سرياني تسحب إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟.؟؟؟؟؟؟؟
وترجمته الحرفية: "لا يقومون الأشرار بالعدل3".
ومثل ذلك في الآرامية في مثل:
فقرة سرياني تسحب إسكانر؟؟ ؟؟
وكذلك الحال في الحبشة في نحو
وترجمته الحرفية: "وكثروا أطفالهم 6".
1 هذا على عكس مما يراه بروكلمان Grundriss 11 173 من أن ظواهر المطابقة تختلف في كل لغة من اللغات السامية، كاختلاف نظام الجملة فيها، وأننا لا نستطيع إرجاع إحدى استعمالاتها في هذين الأمرين إلى السامية الأم!
2 سفر روث 1/ 5.
3 سفر المزامير 1/ 5.
4 أحيقار حكيم من الشرق الأدنى القديم 33/ 1
5 انظر: F. Praetorius aethiopische Grammatik m chrestomathia 41
6 انظر: F. praetorius، aethiopsische grammatik، crrestomathia 42
وقد تخلصت العربية الفصحى، من هذه الظاهرة رويدا رويدا، غير أن بقاياها ظلت حية عند بعض القبائل العربية القديمة، كما بقيت بعض أمثلتها في الفصحى، وهو ما نسميه هنا بالركام اللغوي. وتعرف هذه الظاهرة عند النحاة العرب بلغة "أكلوني البراغيث"، وقد عرفت بهذا الاسم؛ لأن سيبويه هو أول من مثل لها في كتابه، واختار هذا المثال فقال:"في قول من قال: أكلوني البراغيث"1، كما قال في موضع آخر:"ومن قال: أكلوني البراغيث، قلت على حد قوله: مررت برجل أعورين أبواه"2. وإن كان قد ضرب لهذه الظاهرة أمثلة أخرى في كتابه، فقال: "واعلم أن من العرب من يقول: ضربوني قومك، وضرباني أخواك، فشبهوا هذه بالتاء التي يظهرونها في: قالت فلانة، فكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علامة، كما جعلوا للمؤنث علامة، وهي قليلة"3.
وقد حكيت هذه اللغة عن قبيلة "بلحارث بن كعب"، كما حكاها أهل البصرة عن قبيلة "طيئ"، وبعض النحاة يحكيها عن قبيلة "أزد شنوءة"4. وقد بقيت هذه الظاهرة شائعة في كثير من اللهجات العربية الحديثة، كقولنا مثلا في لغة الخطاب، في مصر: "ظلموني الناس" و"زارونا الجيران" وغير ذلك. كما بقيت بعض أمثلتها في القرآن الكريم، والحديث الشريف، واحتفظ بها الكثير من أبيات الشعر العربي القديم.
1 كتاب سيبويه 1/ 5.
2 كتاب سيبويه 1/ 237.
3 كتاب سيبويه 1/ 236.
4 انظر الجنى الداني للمرادي 171.
أما القرآن الكريم، فقد سبق الحديث عما فيه من أمثلة هذه الظاهرة. ومما جاء في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم:"يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" 1، بدلا من:"تتعاقب فيكم ملائكة" وإن كان بعض العلماء يرى في هذا الحديث أنه مختصر من حديث طويل، وأن الواو فيه ضمير يعود على اسم ظاهر متقدم، وليس علامة جمع، وأن أصل الحديث:"إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار"2.
أما أبيات الشعر القديم، التي وردت فيها هذه الظاهرة، فما أكثرها في دواوين الشعر العربي، ومن أمثلة ذلك قول عمرو بن ملقط الطائي، وهو شاعر جاهلي:
ألفيتا عيناك عند القفا
…
أولى فأولى لك ذا واقيه3
بدلا من: ألفيت عيناك. ومثله قول أمية بن أبي الصلت:
يلومونني في اشتراء النخيـ
…
ـل أهلي فكلهم يعذل4
بدلا من: يلومني أهلي. وكذلك قول أبي عبد الرحمن العتبي:
رأين الغواني الشيب لاح بعارضي
…
فأعرضن عني بالخدود النواضر5
أي: رأت الغواني: كما يقول الفرزدق:
1 انظر: مغني اللبيب 2/ 356
2 انظر: شرح الأشموني على الألفية 2/ 48.
3 شرح شواهد المغني 113.
4 ديوانه ص16 والدرر اللوامع 1/ 142 وشرح التصريح 1/ 276 وفي شرح شواهد المغني 265: "عزاه السخاوي في المفصل إلى أحيحة بن الجلاح".
5 العيني على هامش الخزانة 2/ 473.
ولكن ديافي أبوه وأمه
…
بحوران يعصون السليط أقاربه1
أي: يعصر أقاربه. ويقول ابن قيس الرقيات:
تولى قتال المارقين بنفسه
…
وقد أسلماه مبعد وحميم2
أي: أسلمه مبعد وحميم. وكذلك يقول عروة بن الورد:
دعيني للغنى أسعى فإني
…
رأيت الناس شرهم الفقير
وأبعدهم وأهونهم عليهم
…
وإن كانا له نسب وخير3
أي: كان له نسب وخير. ومثله قول مجنون ليلى:
ولو أحدقوا بي الإنس والجن كلهم
…
لكي يمنعوني أن أجيك لجيت4
أي: ولو أحدق الإنس والجن. وإنما أطلنا في ذكر هذه الأمثلة، لنبرهن على شيوع الظاهرة في الشعر العربي.
ومن "الركام اللغوي" كذلك، مجيء ما تصرف من "أفعل بالهمزة"، في مثل قول ليلى الأخيلية.
تدلت على حص ظماء كأنها
…
كرات غلام في كساء مؤرنب5
1 ديوانه ص50 وكتاب سيبويه 1/ 236 وأمالي ابن الشجري 1/ 133 وشرح ابن يعيش 3/ 89.
2 ديوانه ق35/ 2 ص196.
3 ديوانه ص91.
4 ديوانه ق58/ 4 ص74.
5 ديوانها ق4/ 21 ص56 والمنصف 1/ 192.
وقول الراجز:
وصاليات ككما يؤثفين1
وقول الآخر:
فإن أهل لأن يؤكرما2
وقد تخلصت العربية الفصحى من الهمز في هذه الأمثلة وما شابهها، بسبب ما يسمى "كراهة توالي الأمثال في أبنية العربية". وتتحقق هذه الكراهة في الأصل في المضارع المسند إلى ضمير المتكلم، إذ الأصل فيه:"أؤكرم" فصار بعد حذف أحد المقطعين المتماثلين: "أكرم"، ثم حملت باقي صيغ المضارعة والتصاريف الأخرى، على هذه الصيغة، طردا للباب على وتيرة واحدة3. ومع ذلك بقيت من "الركام اللغوي" لهذه الظاهرة، تلك الأمثلة السابقة.
وإذا كانت العربية الفصحى، قد آثرت تطبيق نظرية "المخالفة النوعية بين الحركات" في جمع المؤنث السالم، الذي ينصب بالكسرة بدلا من الفتحة4، فإن الأصل وهو النصب قد بقي لنا في شيء من الركام اللغوي، فيما روي لنا عن أبي خيرة الأعرابي، أنه قال:"استأصل الله عرقاتَهم5"، وفيما رواه الكوفيون عن بعض العرب من قولهم: "سمعت لغاتَهم، وقول الرياشي: سمعت بعض العرب يقول: أخذت إراتَهم6.
1 المنصف لابن جني 1/ 192.
2 الإنصاف 7/ 48، 461 والمنصف 1/ 37، 1/ 192
3 انظر الفصل السابق: كراهة توالي الأمثال في أبنية العربية.
4 انظر: فقه اللغات السامية 78 "الفقرة 141".
5 انظر: الخصائص 1/ 384، 3/ 304.
6 انظر: منهج السالك لأبي حيان 11.
ولعل من هذا "الركام اللغوي" كذلك، ما وصل إلينا من نصب الجزأين بعد "ليت" في مثل قول عبد الله بن مسلم الهذلي:
لكنه شاقه أن قيل ذا رجب
…
يا ليت عدة دهري كله رجبا1
وقول العجاج:
يا ليت أيام الصبا رواجعا2
وقول الشاعر:
ألا يا ليتني حجرا بوادٍ
…
أقام وليت أمي لم تلدني3
ومن ذلك أيضا قولهم في الأمثال: "ليت القسي كلها أرجلا"4. ويقال إن نصب "ليت" للجزأين لغة لبني تميم5. ويقول ابن سلام: "وهي لغة لهم. سمعت أبا عون الحرماني يقول: ليت أباك منطلقا، وليت زيدا قاعدا"6.
ولعل السرفي نصب الجزأين على هذا النحو، أن "ليت" أصلها:"رأيت"7، بدليل بقاء هذا الأصل، بعد تخفيف الهمز، في اللهجات العامية، إذ يقال في مصر مثلا:"يا ريتني غني! ". وقد قلبت راؤها لاما منذ زمن بعيد في الفصحى، وحمل التمني في معناها، على الترجي في "لعل"،
1 مجالس ثعلب 2/ 407 وانظر شرح أشعار الهذليين 2/ 910 والتمام لابن جني 168
2 ملحق ديوانه ق33/ 1 ص82 وطبقات فحول الشعراء 1/ 78 ولم ينسب في كتاب سيبويه 1/ 284 وخزانة الأدب 4/ 290 والتمام لابن جني 168.
3 همع الهوامع 1/ 134 والدرر اللوامع 1/ 112.
4 مجمع الأمثال للميداني 2/ 90 والمستقصي 2/ 302.
5 انظر: خزانة الأدب 4/ 291.
6 طبقات فحول الشعراء 1/ 78.
7 انظر: C. Brock elmann، Grundriss 1 137، 11 30.
فعملت علمها، ومع ذلك بقي لنا الأصل في هذا "الركام اللغوي" الذي رأيناه في الشواهد السابقة، وقد قاس الفراء والكسائي على تلك الشواهد، بناء على مذهبهما في توسيع دائرة القياس اللغوي1.
وهناك أمثلة أخرى لهذه النظرية -نظرية الركام اللغوي- في العربية، يضيق المقام عن ذكرها وكلها تبرهن بما لا يدع مجالا للشك، على أن الظاهرة اللغوية، عندما تتطور، لا تموت أو تندثر تماما، وإنما تبقى منها بقايا تدل عليها، وفي ذلك يقول العالم اللغوي فندريس:"التغيير لا يكون تاما إطلاقا، فكثيرا ما تبقى الصيغ القديمة، إلى جانب الصيغ المستحدثة، حتى لتلاحظ في النظام العام للغات التي لها تاريخ طويل، والتي عانت تطورا ضخما، كالفرنسية أو الإنجليزية، مزيجا من النظم التي تضم حالات مختلفة"2.
أما السبب الثاني من أسباب الشذوذ في اللغة، وهو ما سميناه من قبل:"بدايات التطور" أو "إرهاص التطور" لظاهرة من الظواهر اللغوية، فإن خير أمثلة ما نراه في العربية الفصحى، في صيغتي:"تفعَّل" و"تفاعل"، إذ رويت لنا فيهما صورة أخرى هي:"اتفعَّل" و"اتفاعل".
1 انظر: شرح المفصل لابن يعيش 8/ 84.
2 اللغة لفندريس 423.
والصورة الأولى لهاتين الصيغتين أقدم من الثانية، وعليها جمهرة الأفعال التي رويت لنا في الفصحى، مثل: تعلم، وتكلم، وتقاتل، وتضارب، ومنها في القرآن الكريم قوله تعالى:{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8]، وقوله جل شأنه:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]، وقوله عز وجل:{فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45]، وقوله سبحانه وتعالى:{وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} ، [البقرة: 158] ، وقوله جل وعلا:{قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [النمل: 49] .
كما روى لنا من الصورة الثانية، بعض الأمثلة في العربية الفصحى، ومنها في القرآن الكريم قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ} [يونس: 24]، وقوله عز وجل:{لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} [الصافات: 8]، وقوله سبحانه وتعالى:{لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10]، وقوله جل شأنه:{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُون} [النمل: 66] .
وهذا التطور حدث أولا في مضارع صيغتي: "تفعل" و"تفاعل"، إذ تتأثر التاء فيهما -بعد تسكينها للتخفيف- بفاء الفعل، إذا كانت صوتا من أصوات الصفير، كالسين والشين، أو الأصوات الأسنانية، كالدال والتاء، فتقلب صوتا من جنس هذه الأصوات، ثم قيست على ذلك صيغة الفعل الماضي، فالفعل:"اذكر" مثلا، مقيس على "يذكر". وأصله كما قلنا:"يَتْذَكَّر" بتسكين التاء للتخفيف من: "يَتَذَكَّر".
ولقد كانت هذه الظاهرة في سبيل التطور في العربية الفصحى، عندما جاء الإسلام، ولذلك نجد أمثلتها في القرآن الكريم، جنبا إلى جنب في بعض الأحيان، مع الصيغ القديمة التي لم يحدث فيها تطور. ونحن نعد هذا دليلا على أن التطور اللغوي، في أية ظاهرة لغوية، لا يحدث فجأة، فيقضي بين يوم وليلة على كل أثر للقديم.
ففي القرآن الكريم أمثلة كثيرة للصورتين الحديثة والقديمة، في سياق لغوي متشابه إلى حد كبير، مما يؤيد ما نذهب إليه من أن معناهما واحد، وأن إحدى الصورتين أصل للأخرى، ومثال ذلك قوله تعالى:{وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] إلى جانب قوله في آية أخرى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] . كما يقول الله عز وجل: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ} [يس: 18] . ويقول سبحانه وتعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، إلى جانب قوله في موضع آخر:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] . ومثله قوله جل شأنه: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: 269] إلى جانب قوله في آية أخرى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد: 19] .
بل إن الآية والواحدة لتحتوي في بعض الأحيان، على الصورتين معا، كقوله تعالى:{لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29] .
وقد ظل هذا التطور سائرا في طريقه في لهجات الخطاب، حتى ساد وحده، وقضى على الظاهرة القديمة، ففي اللهجة العامية المصرية نقول مثلا: فلان اصدعت دماغه، واسرع في كلامه. ولا أثر للصيغة القديمة في لهجات الخطاب، إذ لا يقال فيها مثلا: فلان تصدعت دماغه، وتسرع في كلامه.
وكذلك الحال في صيغة: "تفاعل" إذ ماتت هي الأخرى، وحلت محلها صيغة "اتفاعل" التي شاهدنا مولدها في عصر نزول القرآن الكريم، إذ نقول الآن في لهجات الخطاب: فلان اشَّاتم مع فلان، واصَّالحوا سوا، بدلا من: تشاتم، وتصالحوا.
بل لقد سادت صيغتا: اتفعل واتفاعل، في اللهجة العامية المصرية، حتى ولو لم يكن في الأصل صوت من أصوات الصفير، أو الأصوات الأسنانية، كقولنا مثلا في لهجة الخطاب:"اتفرج" و"اتبهدل" وغير ذلك.
ومن أمثلة بدايات التطور في الظواهر اللغوية، في العربية الفصحى كذلك، ما حدث في صيغة:"انفعل"، منذ عصور العربية الأولى، فقد كانت هذه الصيغة موضوعة للدلالة على مطاوعة الفعل الثلاثي، أي قبول أثر هذا الفعل، مثل:"كسرت الإناء فانكسر"، و"فتحت الباب فانفتح"1.
1 في المخصص لابن سيده 14/ 1: "ومعنى قولنا "مطاوعة" أن المفعول به لم يمتنع مما رامه الفاعل، ألا ترى أنك تقول فيما امتنع مما رمته: دفعته فلم يندفع، وكسرته فلم ينكسر، أي: أوردت أسباب الكسر عليه فلم تؤثر".
ومن شواهد المطاوعة في الشعر العربي العربي القديم، قول أبي قيس بن الأسلت:
محاجنهم تحت أقرابه
…
وقد شرموا جلده فانشرم1
وقول سهم بن حنظلة الغنوي:
حتى يصادف مالا أو يقال فتى
…
لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا2
وقول سويد بن كراع:
فإن تزجراني يابن عفان أنزجر
…
وإن تتركاني أحم عرضا ممنعا3
وقول ذي الرمة:
سيلا من الدعص أغشته معارفها
…
نكباء تسحب أعلاه فينسحب4
ولما كان فاعل هذا الفعل المطاوع، ضميرا يعود على مفعول الفعل السابق عليه في جملته، أصبح الفعل المطاوع مشبها في المعنى للمبني للمجهول، في نحو:"كُسر الإناء" و"فتح الباب"، إذ لا يذكر مع المبني للمجهول غالبا، إلا ما هو مفعول به في المعنى، وأصبح من الممكن أن ينوب هذا المطاوع مناب المبني للمجهول.
وقد بدأت هذا الظاهرة في التطور، في عصر نزول القرآن الكريم، ولذلك نجد الفعل المطاع واردًا في النص القرآني، في سياق الأفعال المبنية للمجهول، في بعض الأحيان، كما في قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ،
1 لسان العرب "شرم" 15/ 213.
2 الأصمعيات ق12/ 12 ص48.
3 سمط اللآلي 2/ 943 وشرح القصائد السبع 16.
4 ديوانه ق1/ 5 ص2 وجمهرة أشعار العرب 933.
تسحب اسكانر
وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ، وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ، وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 1-5] ، وقوله سبحانه وتعالى. {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ، وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ، وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير: 1-4]، وقوله عز وجل:{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 1، 2] .
تلك كانت بداية التطور في هذه الظاهرة حينذاك. وقد ظل هذا التطور سائرا على ألسنة العامة، وفي لهجات الخطاب، شيئا فشيئا، حتى كادت صيغة المبني للمجهول الأصلية، تندثر في كثير من اللهجات العربية الحديثة، وينوب عنها في الدلالة عن الجهل بالفاعل، صيغة:"انفعل"، إذا يقول العامة في مصر مثلا:"فلان انضرب علأة سخنة، وعيط لما انفق من العياط"!
وما حدث في هذه اللهجات الحديثة، حدث مثله تماما في اللغة العبرية القديمة، إذ أصبح المبني للمجهول فيها من الثلاثي هو: بـ " تسحب إسكانر] nif al أي تقابل صيغة "انفعل" في العربية، وضاعت منها الصيغة الأصلية للمبني للمجهول كذلك.
أما السبب الثالث من أسباب الشذوذ في اللغة، وهو أن يكون ذلك الشاذ شيئا مستعارا من نظام لغوي مجاور، فقد فطن إليه "ابن جني" حين قال: "وما اجتمعت فيه لغتان أو ثلاث أكثر من أن يحاط به. فإذا ورد شيء من ذلك، كأن يجتمع في لغة رجل واحد لغتان، فقد يجوز أن تكون لغته في
الأصل إحداهما، ثم إنه استفاد الأخرى من قبيلة أخرى، وطال بها عهده، وكثر استعماله لها، فلحقت لطول المدة، واتصال استعمالها بلغته الأولى"1.
كما يعيب ابن جني على اللغويين العرب أنهم "جمعوا أشياء على وجه الشذوذ عندهم، وادعوا أنها موضوعة في أصول اللغة على ما سمعوه بأخرة من أصحابها، وأُنْسُوا ما كان ينبغي أن يذكروه، وأضاعوا ما كان واجبا أن يحفظوه". ثم يقول بعد ذلك: "واعلم أن أكثر ذلك وعامته، إنما هو لغات تداخلت فتركبت. هكذا ينبغي أن يعتقد، وهو أشبه بحكمة العرب"2.
ومن الأمثلة على ذلك في العربية الفصحى، ما نراه فيها من كلمات غير مهموزة في نصوصها، فمن المعروف أن الفصحى اتخذت طريق تحقيق الهمز، وهو الأمر الذي عرفته قبيلة "تميم" كذلك. كما روي لنا أن بعض القبائل العربية لم تكن تهمز في كلامها، ومنها قبيلة "قريش". قال أبو زيد الأنصاري:"أهل الحجاز وهذيل، وأهل مكة والمدينة لا ينبرون، وقف عليها عيسى بن عمر، فقال: ما آخذ من قول تميم إلا بالنبر، وهم أصحاب النبر، وأهل الحجاز إذا اضطروا نبروا"3.
والنبر هو: الهمز، قال ابن منظور "والنبر: همز الحرف: ولم تكن قريش تهمز في كلامها. ولما حج المهدي، قدم الكسائي يصلي بالمدينة، فهمز فأنكر أهل المدينة عليه، وقالوا: تنبر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالقرآن؟! "4.
1 الخصائص 1/ 372.
2 الخصائص 1/ 374-375.
3 مقدمة لسان العرب 1/ 14.
4 لسان العرب "نبر" 7/ 40.
تسحب اسكانر
كما يقول الإمام الرضي: "اعلم أن الهمزة، لما كان أدخل الحروف في الحلق، ولها نبرة كريهة، تجري مجرى التهوي، ثقلت بذلك على لسان المتلفظ بها، فخففها قوم - وهم أكثر أهل الحجاز ولا سيما قريش، روى عن أمير المؤمنين على رضي الله تعالى عنه: نزل القرآن بلسان قريش، وليسوا بأصحاب نبر، ولولا أن جبريل عليه السلام نزل بالهمز على النبي صلى الله عليه وسلم، ما همزنا - وحققها غيرها، والتحقيق هو الأصل كسائر الحروف، والتخفيف استحسان1".
ومع ذلك كله، فإننا نرى في الفصحى أمثلةغير مهموزة، وحقها الهمز، ولا تفسير لها إلا بذلك المبدأ، وهو الاستعارة من نظام لغوي مجاور.
ومن أمثلة ذلك، كلمة:"ناس"، فإن الأصل فيها هو:"أناس" المستعملة في الفصحة كذلك 2.
والديل على أن الهمزة أصلية في الكمة، وجودها في بعض اللغات السامية كالعبريةن فهي فيها
توجد فقرة تسحب إسكانر "إيش بمعنى: رجل، والياء فيه بدل من النون، بدليل وجودها في الجمع، كما أن هناك مفردا نادرا الاستعمال في العبرية، يحتوي على هذه النون كذلك، وهو: Enos "إنوش"، ويقابل في العربية كلمة: "إنس".
1 شرح الشافية 3/ 31.
2 يشيع سقوط الهمزة فيها مع أداة التعريف ويندر في غير ذلك. انظر الخصائص 3/ 150 وانظر أيضا: The Noldeke، zur Grammatik 16.
ومن أمثلة هذه الظاهرة كذلك: الفعل "يرى" فهو مضارع "رأى" وعينة همزة -كما ترى، غير أن العربية الفصحى، التي آثرت تحقيق الهمز في نطقها، هي التي استعارت هذا النطق الخالي من الهمز، من قريش ومن جرى مجراها من القبائل المجاورة، ومثل ذلك تماما نراه في فعلي الأمر:"كُلْ" و"خُذْ" في الوصل والابتداء، وكذلك في فعلي الأمر:"مُرْ" و"سَلْ" في الابتداء فقط. وماضي هذه الأفعال الأربعة مهموز -كما تعرف، وهو: أكل، وأخذ، وأمر، وسأل.
وكذلك كلمة: "النبي"، تستعملها الفصحى بلا همز، مع أن فعلها هو:"تنبأ". وإذا كانت العربية الفصحى تهمز الكلمات: "أرجأ". و"الكفء" و"برأ" و"ذرأ"، فإن "مرجون" في قوله تعالى:{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} [التوبة: 106] لا تكون حينئذ إلا استعارة من نظام لغوي مجاور، مثلها في ذلك مثل:"أرجه" في قوله عز وجل: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} [الأعراف: 111، والشعراء: 36] و"كفوا" في قوله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]، و"البرية" في قوله جل شأنه:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة} [البينة: 6، 7]، و" ذرية" في قوله عز اسمه:{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38] . وكذلك الحال في كلمة: "الله" التي يقول فيها سيبويه: "وكان الاسم -والله أعلم: إله، فلما أدخل فيه الألف واللام، حذفوا الألف، وصارت الألف واللام خلفا منها"1.
1 كتاب سيبويه 1/ 309 وانظر: الخصائص 3/ 150.
وإذا كانت حركة الضمير في ضمير النصب والجر للغائب المفرد المذكر، تتأثر بما قبلها من كسرة طويلة أو قصيرة أو ياء، فتقلب الضمة كسرة1، في العربية الفصحى، فيقال مثلا "ضَرَبْتِهِ"، و"عَلَيْهِ" بدلا من "ضَرَبْتِهُ" و"عَلَيْهِ"، فإن القرآن الكريم، وهو الممثل الأعلى لهذه العربية، قد جاءت به في قراءة حفص عن عاصم، بعض الأمثلة، التي لم يحدث فيها مثل هذا التأثر الصوتي، وهي قوله تعالى:{وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} [الكهف: 63]، وقوله عز وجل:{وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّه} [الفتح: 10] ، وقد انتقل إليها ذلك من اللغة الحجازية، التي حافظت على الأصل في حركة هذا الضمير، يقول سيبويه: "فالهاء تكسر إذا كان قبلها ياء أو كسرة
…
وذلك قولك: مررت بهي قبل، ولديهي مال، ومررت بدارهي قبل وأهل الحجاز يقولون: مررت بهو قبل، ولديهو مال. ويقرءون: فخسفنا بهو وبدارهو الأرض"2. كما يقول المبرد: "فأما أهل الحجاز خاصة، فعلى الأمر الأول فيها، يقرءون: فخسفنا بهو وبداره الأرض. ومن لزم اللغة الحجازية قال: عَلَيْهُ مال"3.
وهذا مثال أخير لظاهرة الشذوذ عن طريق انتقال اللغة، فمن خصائص اللغة الحجازية فك الإدغام في الأفعال المضارعة المجزومة
1 انظر: التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه 25.
2 كتاب سيبويه 2/ 294.
3 المقتضب 1/ 37.
بالسكون، والأمر المأخوذ منها. وقد جرى القرآن الكريم على لغتهم، إلا في أمثلة قليلة جاءت بالإدغام على لغة بني تميم.
وقد فطن إلى ذلك قدامي اللغويين العرب، قال الزجاج:"وأهل الحجاز يظهرون التضعيف. وهذه الآية: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} فيها اللغتان جميعا، فقوله تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ} ، على لغة أهل الحجاز، وقوله: {لَا يَضُرُّكُمْ} ، على لغة غيرهم من العرب"1.
كما قال الزركشي2: "أنزل الله القرآن بلغة الحجازيين إلا قليلا فإنه نزل بلغة التميميين، فمن القليل إدغام: {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 4] ، فإن الإدغام في المجزوم والاسم المضاعف لغة تميم، ولهذا قل، والفك لغة أهل الحجاز، ولهذا كثر، نحو: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [البقرة: 217] ، و {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] و {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] و {مَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال: 13] و {احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 27] وغير ذلك كثير".
1 معاني القرآن للزجاج 1/ 476.
2 البرهان 1/ 285.