الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: في أبنية العربية والتطور اللغوي
الفصل الأول: كراهة توالي الأمثال في أبنية العربية
تميل اللغة العربية إلى التخلص من توالي المقاطع المتماثلة، فتحذف واحد منها، وذلك هو ما يسميه الألمان: Haplologische Sibenellipse ويسميه اللغويون العرب بكراهة توالي الأمثال.
ونقصد بالمقاطع المتماثلة هنا، ما يشمل المقاطع ذات الأصوات الصامتة المتماثلة، أو المتقاربة في المخارج، ويحدث ذلك في أول الكلمة، أو في وسطها، أو في آخرها، كما أن العربية تميل كذلك أحيانا، إلى التخلص من توالي الأصوات المتماثلة، سواء أكانت حركات أم أصواتا صامتة، وإن لم تكن المقاطع متماثلة.
والسبب في هذا صعوبة تتابع المقاطع والأصوات المتماثلة في النطق. ويقول "بروكلمان" Brockelmann: "إذا توالى مقطعان، أصواتهما الصامتة متماثلة، أو متشابهة جدا، الواحد بعد الآخر في أول الكلمة، فإنه يكتفى بواحد منهما، بسبب الارتباط الذهني بينهما"1.
ويعد "برجشتراسر" هذا الظاهرة من الترخيم، فيقول:"ومن الترخيم ما هو جنس من التخالف، وهو حذف آخر مقطعين متتاليين، أولهما حرفان مثلان أو شبهان"2.
ونشرح فيما يلى أنواع هذه الظاهرة في العربية:
1 فقه اللغات السامية 79.
2 التطور النحوي للغة العربية 70.
1-
صيغ تَفَعَّلَ وتَفَاعَلَ وتَفَعْلَلَ، مع تاء المضارعة، يتكرر فيها المقطع: ta في بدايتها مثل: "تتقدم" و"تتقاتل" و"تتبختر". وحذف أحد هذين المقطعتين كثير الورود في العربية، وقول ابن مالك في ألفيته:
وما بتاءين ابتدى قد يقتصر
…
فيه على تا كتبين العبر
"قد" فيه للتحقيق، أو للتقليل النسبي1، وقد ذكر الأشموني في شرح البيت، أن "هذا الحذف كثير جدا"2.
وهذه الظاهرة شائعة في القرآن الكريم، فقد وردت فيه مثلا كلمة:"تذكرون" 17 مرة بالحذف، في مقابل:"تتذكرون" 3 مرات بلا حذف، ففيه:{لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 52 والأعراف: 57 والنحل: 90 والنور: 1، 7 والذاريات: 49] وفيه {فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} [الواقعة: 62] كما أن فيه: {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [يونس: 3 وهود: 24، 30 والنحل: 17 والمؤمنون: 85 والصافات: 155 والجاثية: 23] في مقابل: {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 80 والسجدة: 4] وفيه: {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [غافر: 58] .
وفي القرآن كذلك: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} [الشعراء: 221]{تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 221]{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر: 4] في مقابل: {تَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [فصلت: 30] .
1 العيني على هامش الأشموني 4/ 351.
2 شرح الأشموني على ألفية ابن مالك 4/ 351.
وفيه المضارع: "تولوا" خمس مرات، في مقابل:"تتولوا" أربع مرات، ففيه:{فَإِنْ تَوَلَّوْا} [آل عمران: 32 وهود: 57 والنور: 54]{وَإِنْ تَوَلَّوْا} [هود: 3]{وَلَا تَوَلَّوْا} [الأنفال: 20] في مقابل: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا} [محمد: 38 والفتح: 16]{وَلَا تَتَوَلَّوْا} [هود: 52]{لَا تَتَوَلَّوْا} [الممتحنة: 13] .
كما أن فيه: {وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] بجانب: {وَلَا تتَفَرَّقُوا} [الشورى: 13] وفيه: {تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} [النساء: 97] إلى جانب: {تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَة} [النحل: 28] .
وفيه إلى جانب ذلك كثير من الأفعال، التي ذكر كل واحد منها مرة واحدة بالحذف، مثل:{فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُون} [الواقعة: 65]{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [البقرة: 267]{فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ} [التوبة: 52]{يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِه} [هود: 105]{وَلا تَبَرَّجْنَ} [الأحزاب: 33]{وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب: 52]{مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} [الصافات: 25]{وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12]{أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} [الممتحنة: 9]{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك: 8]{لَمَا تَخَيَّرُونَ} [القلم: 38]{فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس: 10]{نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14]{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [النور: 15]{وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} [آل عمران: 143]{وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 280]{وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال: 46]{وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11]{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13] .
{تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [البقرة: 85]{وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [التحريم: 4]1.
ومن أمثلة ذلك في النثر أيضا قول ابن هشام في سيرة النبي: "فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العَقَنْقَل"2.
وهذا الحذف ضروري عندما تتوالى ثلاثة مقاطع فيها التاء3، كما في قول القطامي:
وخير الأمر ما استقبلت منه
…
وليس بأن تَتَبَّعَهُ اتباعا4
والأصل: "تَتَتَبَّعه" وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تَتَايعوا في الكذب، كما يتتابع الفراش في النار" 5، بدلا من "لا تتتايعوا".
ومن أمثلة هذه الظاهرة في الشعر، ما ورد في كتاب "العين" للخليل بن أحمد من قوله: "وتهرعت الرماح إليه، إذا أقبلت شوارع. قال: عند الكريهة والرماح تهرع
أراد: تتهرع"6.
كما وردت في قول بشر بن أبي خازم:
1 انظر في بعض هذه المواضع القرآنية: إعراب القرآن المنسوب للزجاج 3/ 849 وما بعدها.
2 سيرة ابن هشام "تحقيق السقا" 1/ 621.
3 انظر كتاب: W. wright، A Grammar of the Arabic Language I 65.
4 ديوان القطامي ق13/ 24 ص40 وما يجوز للشاعر في الضرورة للقزاز القيرواني 267 وانظر مصادر أخرى كثيرة في هامشه.
5 النهاية لابن الأثير 1/ 202.
6 العين للخليل بن أحمد 1/ 122.
فكأن ظعنهم غداة تحملوا
…
سفن تكفأ في خليج مغرب1
وقول المثقب العبدي:
لمن طعن تطالع من ضبيب
…
فما خرجت من الوادي لحين2
وقول مالك بن الريب:
ولا تنسيا عهدي خليلي بعدما
…
تقطع أوصالي وتبلى عظاميا3
وقول كعب بن زهير:
فما تدوم على حال تكون بها
…
كما تلون في أثوابها الغول
وما تمسك بالوصل الذي زعمت
…
إلا كما يمسك الماء الغرابيل4
وقول طفيل الغنوي:
إذا خرجت يوما أعيدت كأنها
…
عواكف طير في السماء تقلب5
وقول حرقة بنت النعمان:
فأف لدنيا لا يدوم نعيمها
…
تقلب تارات بنا وتصرف6
وفي كل ما سبق من الأمثلة، لا يهم تعيين المحذوف، والقول بأنه المقطع الأول أو الثاني، كما أتعب اللغويون أنفسهم في هذا المجال، وحاولوا إقامة الأدلة النظرية على وجهة نظرهم، يقول صاحب إعراب القرآن: "وأصله تتذكرون، فحذفت إحدى التاءين، والمحذوفة الثانية؛ لأن التكرار
1 ديوانه في 7/ 4 ص35.
2 ديوانه ق5/ 5 ص142 والخصائص 1/ 398
3 نوادر القالي 138.
4 ديوانه ص8 وقصيدة البردة 96-97
5 ديوانه ق2 / 13 ص22.
6 الحماسة بشرح المرزوقي ق449/ 2 ص1203.
بها وقع، وليس الأول بمحذوف؛ لأن الأول علامة المضارعة، والعلامات لا تحذف"1.
كما يقول شارح مراح الأرواح: "وتحذف التاء الثانية جوازا في مثل: تتقلد، وتتباعد، وتتبختر، أي فيما اجتمع فيه تاءان في أول مضارع: تَفَعَّل وتفاعل وتفعلل، وذلك حال كونه فعل المخاطب أو المخاطبة، مفردا أو مثنى أو مجموعة، والغائبة المفردة والمثناة دون المجموع، إحداهما حرف المضارعة، والثانية تاء الباب، واختلف في المحذوف، فذهب البصريون إلى أنه هو الثانية؛ لأن الأولى حرف المضارعة، وحذفها مخل -على ما حُكي عن المبرد. وذهب الكوفيون إلى أنه هو الأولى؛ لأن الثانية للمطاوعة، وحذفها مخل، ولأنها زائدة وحذفها أهون. واختار المصنف مذهب البصريين؛ لأن رعاية كونه مضارعا أولى؛ لأن الغرض من الاشتقاق، إنما هو الدلالة على اختلاف المعنى، باختلاف الصيغ. وأما المطاوعة وسائر معاني الأبواب فإنما هي بعد هذا الغرض، ولأن الثقل إنما يحصل عند الثانية. وأما إثبات التاءين فهو الأصل، لدلالة كل واحد منهما على معنى"2.
ومع أن سيبويه قال في كتابه3: "فإن التقت التاءان في: تتكلمون، وتترسون، فأنت بالخيار، إن شئت أثبتهما، وإن شئت حذفت إحداهما"، فإنه عاد فقال بعد ذلك مباشرة: "وتصديق ذلك قوله عز وجل: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} ، و {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} . وإن شئت حذفت التاء الثانية، وتصديق ذلك قوله تبارك وتعالى:{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} ،
1 إعراب القرآن المنسوب للزجاج 3/ 849.
2 شرحان على مراح الأرواح في علم الصرف 50
3 كتاب سيبويه 2/ 425.
وقوله: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} . وكانت الثانية أولى بالحذف؛ لأنها هي التي تسكن وتدغم في قوله تعالى: {فَادَّارَأْتُمْ} ، {وَازَّيَّنَتْ} ، وهي التي يفعل بها ذلك في: يذَّكَّرون، فكما اعتلت هنا كذلك تحذف هناك".
والظاهر أن عبارة: "وإن شئت حذفت إحداهما" مضافة إلى نص سيبويه، وهي ليست منه منه1!
2-
نون الأفعال الخمسة "يفعلون وتفعلون ويفعلان وتفعلان وتفعلين" مع نون الوقاية قبل ياء المتكلم، أو مع ضمير المتكلمين المنصوب. وكذلك الفعل المسند إلى نون النسوة قبل هاتين الحالتين.
وهذه الظاهرة كثيرة الورود في الشعر، مثل قول الأعشى:
أبالموتِ الذي لا بد أني
…
ملاق لا أباك تخوفيني2
أي: تخوفينني. وكذلك قول عمرو بن معديكرب:
تراه كالثغام يعل مسكا
…
يسوء الفاليات إذا فليني3
أي: فلينني. وكذلك قول جميل:
أيا ريح الشمال أما تريني
…
أهيم وأنني بادي النحول4
أي: ترينني. وكذلك قول ابن مقبل:
عرجت فيها أحييها وأسألها
…
فكدن يبكينني شوقا ويبكينا5
1 لم يفطن إلى ذلك الأستاذ عبد السلام هارون في نشرته لكتاب سيبويه 4/ 476
2 أمالي ابن الشجري 1/ 362 والكامل للمبرد 2/ 142 والمنصف لابن جني 2/ 337.
3 ديوانه ق81/ 2 ص173 وكتاب سيبويه 2/ 154 والمنصف لابن جني 2/ 337 والفصول والغايات للمعري 34.
4 الأغاني 8/ 109.
5 ديوانه ق41/ 10 ص319.
أي: يبكيننا. أما قول الشاعر:
انظر قبل تلوماني إلى
…
طلل بين النقا فالمنحنى1
فقد قال فيه ابن جني: "يريد: تلومانني، فيجوز أن يكون حذف "أن" وهو يريدها، كأنه قال: قبل أن تلوماني، فحذف النون للنصب؛ لأنه قد أضاف "قبل"، وحكم الإضافة أن تكون إلى الأسماء، فإذا أضمر "أن" فكأنه قال: قبل لومكما. ويجوز أن يكون أضاف "قبل" إلى الفعل؛ لأنها ظرف، فجرى مجرى: أقوم يوم يقوم زيد، ثم حذف النون الثانية تخفيفا".
وهذا القول الأخير يدل على وجهة نظر ابن جني، في أن المحذوف هنا هو النون الثانية، أو بعبارة أخرى: المقطع الثاني. وقد عبر عن ذلك مرة أخرى بصراحة، عندما قال:"يريد "فلينني" فحذف النون الآخرة، كما حذفها من "تخوفيني". وكانت الآخرة أولى بذلك في: تخوفيني؛ لأن الأولى علم الرفع، والثانية إنما كانت جيء بها في الواحد، ليسلم حرف الإعراب من الكسر، ويقع الكسر عليها، فتركت في الجمع على حد ما كانت عليه في الواحد، فلما اضطر في الجمع حرك النون التي هي علم الرفع بالكسر، ولم يمتنع من ذلك؛ لأنها ليست حرف الإعراب فيكره فيها الكسر"2.
ومن أمثال النثر قول ابن هشام: "ما الذي تهنئونا به؟ "3، وقوله كذلك:"فقال لهم: أفلا تعطوني؟ "4.
1 المنصف لابن جني 2/ 337.
2 المنصف 2/ 338.
3 سيرة ابن هشام "نشرة فستنفلد 458 وقد صححت في نشرة السقا "1/ 643" فجعلت: "ما الذي تهنئوننا به"!
4 سيرة ابن هشام "نشر فستنفلد" وقد صححت في نشرة السقا "1/ 77" فجعلت: "أفلا تعطونني"!
وفي الأغاني: "فأخبراه أنهما لا يعرفاني"1، وفيها كذلك:"ألا تجزينيه؟ 2 وفيها أيضا: "هل لك في يد تولينيها؟ "3.
وفي عيون الأخبار: "لِمَ تزعجوني من جواركم؟ "4.
وفي تفسير الطبري على لسان رجل من بني النضير: "كنا نعطيهم في الجاهلية ستين وسقا، ونقتل منهم، ولا يقتلونا5".
وفي حديث رواه البخاري، في الباب الخامس عشر، من كتاب الشهادات في صحيحه، على لسان عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك، أنها قالت:"ولئن قلت لكم إني لبريئة، والله يعلم أني لبريئة، لا تصدقوني بذلك"6.
ومن النصوص المتأخرة قول أسامة بن منقذ: "فكانوا يقاتلونا النهار كله"7
هذا إلى أن ابن هشام يقول في مغني اللبيب، وهو يتحدث عن نون الوقاية:
"ونحو تأمرونني، يجوز فيه الفك، والإدغام، والنطق بنون واحدة. وقد قرئ بهن في السبعة، وعلى الأخيرة فقيل: النون الباقية نون الرفع، وقيل: نون الوقاية، وهو الصحيح"8.
1 الأغاني "بولاق" 5/ 126.
2 الأغاني "بولاق" 7/ 84.
3 الأغاني "بولاق" 20/ 153.
4 عيون الأخبار 1/ 293.
5 تفسير الطبري 8/ 510.
6 انظر أحاديث أخرى في شواهد التوضيح لابن مالك 170-173
7 الاعتبار لأسامة بن منقذ 26.
8 مغني اللبيب 2/ 344.
وعلى الرغم من أن مرسوم المصحف في هذه الآية: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: 64] بنون واحدة، "فقد قرأها ابن عامر: تأمرونني أعبد، بنونين الأولى مفتوحة، ونافع بواحدة مخففة، والباقون بواحدة مشددة"1.
3-
إنّ وأنّ ولكنّ وكأنّ ولعل، مع نون الوقاية قبل ياء المتكلم، أو ضمير المتكلمين المنصوب.
يقول ابن هشام، وهو يتحدث عن نون الوقاية: إنها تلحق قبل ياء المتكلم المنتصبة بالحرف "نحو: إنني، وهي جائزة الحذف مع إن وأن ولكن وكأن، وغالبة الحذف مع لعل، وقليلته مع ليت"2.
أما أن ذلك غالب في "لعل"؛ فلأن اللام تشبه النون في أنهما من الأصوات المائعة Liquida ومن أمثلة ذلك قول جميل بن معمر العذري:
فقالت لَعَنَّا يا جميل نبيعه
…
وآجالنا من دون ذاك قريب3
وقول الفرزدق:
ألستم عائجين بنا لَعَنَّا
…
نرى العرصات أو أثر الخيام4
وقد روى هذا البيت الأخير: "لَغَنَّا" بالغين المعجمة، على أنها لغة في "لعل" عن الأصمعي5. وقال ابن منظور:"ولَغَنَّ لغة في لعلّ. وبعض بني تميم يقولون: لغنك بمعنى: لعلك"6 ثم ذكر بيت الفرزدق.
1 التيسير للداني 190 وهي في مصاحف الشام بنونين "المقنع 110".
2 مغني اللبيب 2/ 344.
3 ديوانه ص28 والحماسة البصرية 2/ 189.
4 ديوانه 835.
5 القلب والإبدال لابن السكيت 33.
6 لسان العرب "لغن" 17/ 275.
وإبدال الغين من العين صعب التفسير من الناحية الصوتية، ولعله تصحيف قديم لبيت الفرزدق، وإن خلا ديوانه منه!
وأما قلة ذلك مع "ليت" فلأنه لا يوجد في هذه الحالة مقطعان متماثلان، أو متقاربان، وإنما سبب حذف النون معها هو الضرورة، ولذلك لا نجد لها أمثلة إلا في الشعر، كقول زيد الخيل الطائي:
كمنية جابر إذ قال ليتي
…
أصادفه ويهلك جل مالي1
ويقول الجوهري: "وإني وإنني بمعنى، وكذلك: "كأني وكأنني، ولكني ولكنني؛ لأنه كثر استعمالهم لهذه الحروف، وهم يستثقلون التضعيف، فحذفوا النون التي تلي الياء، وكذلك لعلِّي ولعلّني؛ لأن اللام قريبة من النون"2.
ويقول المبرد: "فالذي ذكرنا مما يحذف قولك: إنني، وكأنني، ولعلني؛ لأن هذه الحروف مشبهة للفعل مفتوحة الأواخر، فزدت فيها النون، كما زدتها في الفعل لتسلم حركاتها، ويجوز فيهن الحذف، فتقول: إني وكأني ولكني"2.
والحذف مع هذه الأحرف هو الشائع في القرآن الكريم، ففيه مثلا بالحذف لا غير:"وأنَّا" 8 مرات "فإنّي" 6 مرات "أئنا" 10 مرات "فإنّا" 10 مرات "ولكني" 4 مرات "ولكنّا " مرتين "لعلّي" 6 مرات.
وفيه كذلك: "أنّا" 17 مرة، في مقابل:"أنّنا مرة واحدة، "بأنّا"
1 ديوانه ق43/ 7 ص87 وكتاب سيبويه 1/ 386 والمقتضب 1/ 250.
2 الصحاح "أنن" 5/ 2073.
3 المقتضب 1/ 249.
مرتين، في مقابل "بأنّنا" مرة واحدة، "إنّي" 124 مرة، في مقابل:"إنّني" 6 مرات، "وإني" 13 مرة، في مقابل:"وإنني" مرة واحدة، "إنّا" 53 مرة، في مقابل:"إنّنا" 5 مرات، "وإنّا" 33 مرة، في مقابل: "وإنّنا مرة واحدة1.
4-
الأفعال الخمسة إذا اتصل بها نون التوكيد: والحذف هنا لازم مطرد في العربية.
يقول ابن عقيل: "الفعل المؤكد بالنون، إن اتصل به ألف اثنين، أو واو جمع، أو ياء مخاطبة، حرك ما قبل الألف بالفتح، وما قبل الواو بالضم وما قبل الياء بالكسر، ويحذف الضمير إن كان واوا أو ياء، ويبقى إن كان ألفا، فتقول: يا زيدان هل تضربانِّ؟ ويا زيدون هل تضربُنَّ؟ ويا هند هل تضربِنَّ؟ والأصل: هل تضربانِنَّ، وهل تضربونَنَّ، وهل تضربينَنَّ، فحذفت النون لتوالي الأمثال، ثم حذفت الواو والياء لالتقاء الساكنين، فصار: هل تضربُنَّ، وهل تضربِنَّ. ولم تحذف الألف لخفتها، فصار: هل تضربانِّ: وبقيت الضمة دالة على الواو، والكسرة دالة على الياء"2.
كما يقول سيبويه: "وإذا كان فعل الجميع مرفوعا، ثم أدخلت فيه النون الخفيفة أو الثقيلة، حذفت نون الرفع وذلك قولك: لتفعلُنَّ ذاك، ولتذهبُنَّ؛ لأنه اجتمعت فيه ثلاث نونات، فحذفوها استثقالا. وتقول: هل تفعلُنَّ ذلك؟ تحذف نون الرفع؛ لأنك ضاعفت النون، وهم يستثقلون
1 انظر كتاب "فلوجل": "G. Flugel، Congordantiae Corani Arabicae "نجوم الفرقان في أطراف القرآن" ليبزج 1898م، ص20، 21، 22، 173، 174.
2 شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 2/315.
التضعيف، فحذفوها إذ كانت تحذف وهم في ذا الموضع أشد استثقالا للنونات، وقد حذفوها فيما هو أشد من ذا"1.
هذا، ويعلل المبرد لذهاب النون هنا بتعليل غريب، فيرى أن النون حذفت، لكي تكون نظيرا للفتح في الفعل المسند للواحد، فيقول:"فإذا ثنيت أو جمعت، أو خاطبت مؤثنا فإن نظير الفتح في الواحد، حذف النون مما ذكرت لك، تقول للمرأة: هل تضربِنَّ زيدا ولا تضربِنَّ عمرا؟ فتكون النون محذوفة، التي كانت في تضربين، ألا ترى أنك إذا قلت: لن تضرب يافتي، قلت للمرأة إذا خاطبتها: لن تضربي، وكذلك: لن تضربا، ولن تضربوا، للاثنين والجماعة، فحذف النون نظير للفتحة في الواحد"2.
5-
كلمة "بني" الداخلة على معرف باللام القمرية، مثل: بلحارث، وبلهجيم، وبلعنبر، وبلقين، يعني: بني الحارث، وبني الهجيم، وبني العنبر، وبني القين.
وذلك كثير الورود في كتب التراث العربي، ففي تاريخ الطبري:"وأقبل رجلان أخوان من بلقين يقال لهما: ملك وعقيل"3.
وفي طبقات ابن سعد: "قالوا: إن بلمصطلق من خزاعة"4.
كما تبدأ حماسة أبي تمامة بقوله: "قال بعض شعراء بلعنبر"5.
1 كتاب سيبويه 2/ 154.
2 المقتضب 3/ 20.
3 تاريخ الطبري 1/ 616.
4 الطبقات الكبرى لابن سعد "ليدن 1909" القسم الأول من الجزء الثاني ص45
5 الحماسة بشرح المرزوقي 1/ 22.
ويقول سيبويه في ذلك: "ومن الشاذ قولهم في بني العنبر وبني الحارث بلعنبر وبلحارث، بحذف النون، وكذلك يفعلون بكل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة، فأما إذا لم تظهر اللام فيها فلا يكون ذلك؛ لأنها لما كانت مما كثر في كلامهم، وكانت اللام والنون قريبتي المخارج، حذفوها"1.
ويقول المبرد: "ومما حذف استخفافا لأن ما ظهر دليل عليه، قولهم في كل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة، مثل: بني الحارث، وبني الهجيم، وبنى العنبر، هو بلعنبر وبلهجيم، فيحذفون النون لقربها من اللام؛ لأنهم يكرهون التضعيف، فإن كان مثل: بني النجار، والنمر، والتيم، لم يحذفوا، لئلا يجمعوا عليه علتين: الإدغام والحذف"2.
كما يقول المبرد أيضا: "وكذلك كل اسم من أسماء القبائل تظهر فيه لام المعرفة، فإنهم يجيزون معه حذف النون التي في قولك: "بنو"، لقرب مخرج النون من اللام، وذلك قولك: فلان من بلحارث وبلعنبر وبلهجيم"3.
ويقول كذلك: "ومن كلام العرب أن يحذفوا النون إذا لقيت لام المعرفة ظاهرة، فيقولون في بني الحارث، وبني العنبر وما أشبه ذلك، بلحارث، وبلعنبر، وبلهجيم"4.
ويقول الزجاجي: "ومن الشاذ قولهم في بني الحارث وبني العنبر:
1 كتاب سيبويه 2/ 430.
2 المقتضب 1/ 251.
3 الكامل في اللغة والأدب 3/ 299.
4 الكامل في اللغة والأدب 3/ 360.
بلحارث وبلعنبر، فيحذفون النون، وكذلك يفعلون بكل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة"1.
ويقول الجوهري: "وقولهم: بلحارث، لبني الحارث بن كعب، من شواذ التخفيف؛ لأن النون واللام قريبا المخرج، فلما لم يمكنهم الإدغام لسكون اللام، حذفوا النون
…
وكذلك يفعلون بكل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة، مثل: بلعنبر، وبلهجيم. فإذا لم تظهر اللام فلا يكون ذلك"2.
وأخيرا يقول ابن يعيش: "ومما حذف استخفافا على غير قياس لأن ما ظهر دليل عليه، قولهم في كل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة، ولا تدغم، نحو: بني العنبر، وبني العجلان، وبني الحارث، وبني الهجين: هؤلاء بلعنبر، وبلعجلان، وبلحارث، وبلهجين. فحذفوا النون لقربها من اللام، وهم يكرهون التضعيف، إذ الياء الفاصلة تسقط، لالتقاء الساكنين، ولا يفعلون ذلك في بني النجار، وبني النمر، وبني التيم، لئلا يجمعوا عليه إعلالين: الإدغام والحذف"3.
6-
ومثل ما سبق: دخول حرف الجر "على" على معرف بأل القمرية، مثل قول الفرزدق:
وما سبق القيسي من ضعف حيلة
…
ولكن طفت عَلْماءِ قلفة خالد4
وكذلك قول قطري بن الفجاءة:
1 الجمل للزجاجي 381
2 الصحاح "حرث" 1/ 279.
3 شرح المفصل لابن يعيش 10/ 155.
4 ديوانه 216 والمقتضب 1/ 251 والجمل للزجاجي 381 وشرح المفصل 10/ 155 وأمالي ابن الشجري 2/ 4.
غداة طفت عَلْماءِ بكر بن وائل
…
وعجنا صدور الخيل نحو تميم1
يريد في البيتين: "على الماء". وكذلك قول الشاعر:
وللموت خير لامرئ من حياته
…
بدارة ذل عَلْبلايا يوقر2
يريد: "على البلايا".
ويقول سيبويه في آخر كتابه: "ومثل هذا قول بعضهم: عَلْماءِ بنو فلان، فحذفوا اللام، يريد: على الماء بنو فلان، وهي عربية"3.
ويرى ابن الشجري أن هذا الحذف للتخفيف، فيقول:"ومما حذفوا من الحروف لاجتماعها مع لام التعريف، لام "على" فيما حكاه سيبويه من قولهم: عَلْماءِ بنو فلان، يريدون: على الماء، فهمزة الوصل سقطت في الدرج، وألف "على" سقطت لسكونها، وسكون لام "الماء"، وحذفت لام "على" تخفيفا"4.
وقد طرد الباب على وتيرة واحدة في العامية العربية اليوم، فأصبح يقال فيها مثلا:"عَلْباب" و"عَلْمكتب"، كما يقال فيها أيضا:"عَ السطح" و"عَ التراب"، وغير ذلك.
7-
ويشبه ما سبق كذلك: دخول حرفي الجر "من" و"عن" على معرفة بأل القمرية، قال ابن منظور: "قال أبو اسحاق: ويجوز حذف
1 الكامل للمبرد 3/ 299 وأمالي ابن الشجري 1/ 97، 2/ 4 والحماسة البصرية 1/ 97 مع اختلاف.
2 المعمرون والوصايا لأبي حاتم السجستاني 66.
3 كتاب سيبويه 2/ 430.
4 أمالي ابن الشجري 2/ 4 وانظر كذلك: شرح ابن يعيش للمفصل 10/ 155.
النون من "من" و"عن" عند الألف واللام، لالتقاء الساكنين، وحذفها من "من" أكثر من حذفها من "عن"؛ لأن دخول "من" في الكلام أكثر من دخول "عن"1.
ومن أمثلة ذلك2، قول ابن ميادة:
وما أنس مِلْأشياء لا أنس قولها
…
وأدمعها يذرين حشو المكاحل3
وقد كثر ذلك في شعر عمر بن أبي ربيعة، فمن ذلك قوله:
فلم أنس مِلْأشياء لا أنس نظرتي
…
إليها وتربيها ونحن لدى سلع4
وقوله:
فما أنس مِلْأشياء لا أنس موقفي
…
وموقفها وهنا بقارعة النخل5
وقوله:
وما أنس مِلْأشياء لا أنس مجلسا
…
لنا مرة منها بقرن المنازل6
وقوله:
فملآن لمت النفس بعد الذي مضي
…
وبعد الذي آلت وآليت من قسم7
وقوله:
فملآن يثن الصبر نفسي أوتمت
…
إذا انبت حبل من حبالك فانقضب8
1 لسان العرب "من" 17/ 312.
2 انظر أمثلة أخرى كثيرة في معجم تيمور الكبير 1/ 167.
3 شرح المرزوقي للحماسة ق551/ 1 ص1355 وشرح المضنون 252 والحماسة البصرية 2/ 110.
4 ديوانه "نشر شفارتس" ق56/ 8 ص50.
5 ديوانه "نشر شفارتس" ق168/ 3 ص122
6 ديوانه "نشر شفارتس" ق177/ 4 ص127.
7 ديوانه "نشر شفارتس" ق83/ 9 ص67
8 ديوانه "نشر شفارتس" ق252/ 4 ص174
وقوله:
وتعلم أن لها عندنا
…
ذخائر مِلْحب لا تظهر1
وقوله:
نجيين نقضي اللهو في غير محرم
…
ولو رغمت ملكا شحين المعاطس2
وقوله:
عشية رحنا ملغميم وصحبتي
…
تخب بهم عيس لهن رسيم3
ومثل ذلك أيضا قول الشاعر:
أبلغ أبا دختنوس مألكة
…
غير الذي قد يقال مِلْكذب4
ومثل قول الآخر:
كأنهما مِلْآن لم يتغيرا
…
وقد مر للدارين من بعدنا عصر5
ومثل قول النابغة الجعدي:
ولقد شهدت عكاظ قبل محلها
…
فيها وكنت أعد مِلْفتيان6
ومثل قول النابغة الجعدي كذلك:
1 ديوانه "نشر شقارتس" ق51/ 3 ص44
2 ديوانه "نشر شفارتس" ق223/ 7 ص160
3 ديوانه "نشر شفارتس" ق87/ 17 ص69
4 شرح ابن يعيش 8/ 35 والأشباه والنظائر للسيوطي 1/ 201 وأمالي ابن الشجري 1/ 97، 1/ 386 واللسان "من" 17/ 312.
5 شرح ابن يعيش 8/ 35 والأشباه والنظائر للسيوطي 1/ 201 وأمالي ابن الشجري 1/ 386.
6 ديوانه ق10/ 2 ص137 والمعمرون والوصايا 82.
ولبست مِلْإسلام ثوبا واسعا
…
من سيب لا حرم ولا منان1
ومثل قول أعشى بن قيس بن ثعلبة:
وأحكم من قس وأجرأ مِلَّذي
…
بذي الفيل من خفان أصبح حاردا2
ومثل قول عروة بن الورد:
وما أنس مِلْأشياء لا أنس قولها
…
لجارتها ما إن يعيش بأحورا3
ومثل قول فضالة بن زيد العدواني:
وكان سليطا مقولي متناذرا
…
شذاه فصرت اليوم مِلْعي أبكما4
ومثل قول القتال الكلابي:
وما أنس مِلأشياء لا أنس نسوة
…
طوالع من حوضي وقد جنح العصر5
ومثل قول ذي الإصبع العدواني:
أجعل مالي دون الدنا غرضا
…
وما وهي مِلْأمور فانصدعا6
ومثل قول الراجز:
لو يستطيع فدية فداك
…
بنفسه مِلْموت إن أتاك7
ومثل قول الحارث بن خالد المخزومي:
عاهد الله إن نجا مِلْمنايا
…
ليعودن بعدها حرميا8
1 ديوانه ق10/ 5 ص137 والمعمرون والوصايا 82
2 المعمرون والوصايا 87
3 ديوانه ص63 وتهذيب الألفاظ 491.
4 المعمرون والوصايا 104
5 ديوانه 16/ 3 ص49 ومعجم البلدان 2/ 263، 3/ 637
6 المفضليات بشرح ابن الأنباري ق29/ 6 ص313.
7 الحماسة البصري 2/ 404.
8 الكامل للمبرد 3/ 360.
ويقول المبرد بعد هذا البيت: "وقوله: مِلمنايا، يريد: من المنايا، ولكنه حذف النون لقرب مخرجها من اللام، فكانتا كالحرفين يلتقيان على لفظ، فيحذف أحدهما ومن كلام العرب أن يحذفوا النون، إذا لقيت لام المعرفة ظاهرة".
ومثل قول العرجي:
وما أنس مِلْأشياء لا أنس قولها
…
لخادمها قومي اسألي لي عن الوتر1
ومثل قول عمرو بن السليح:
دلفنا للأعاجم من بعيد
…
بجمع مِلْجزيرة كالسعير2
ومثل قول عدي بن زيد:
يسارقن مِلْأستار طرفا مفترا
…
ويبرزن من فتق الخدور الأصابعا3
ومثل قول أبي قيس بن الأسلت:
فولوا سراعا هاربين ولم يؤب
…
إلى أهله مِلْجيش غير عصائب4
ومثل قول عمرو بن كلثوم:
فما أبقت الأيام مِلْمال عندنا
…
سوى جذم أذواد محذفة النسل5
ومثل قول تأبط شرا:
فادركنا الثأر منها ولما
…
ينج مِلْحيين إلا الأقل6
1 ديوانه ص178 والأغاني 1/ 399.
2 الأغاني 2/ 141 وأمالي ابن الشجري 1/ 96.
3 ديوانه ص139 والشعر للشعراء 1/ 232 والأغاني 2/ 150.
4 ديوانه ص70 والسيرة النبوية لابن هشام 1/ 59.
5 الحماسة بشرح المرزوقي ق160/ 3 ص476 ونظام الغريب 131 وأمالي ابن الشجري 1/ 97.
6 الحماسة بشرح التبريزي ص384
ومثل قول الشاعر:
ألا أبلغ بني عوف رسولا
…
فما مِلْآن في الطير اعتذار1
ومثل قول جميل بن معمر العذري:
وما أنس مِلْأشياء لا أنس قولها
…
وقد قربت نضوي أمصر تريد2
ومثل قول مليح بن الحكم الهذلي:
فلما دنت مِلْأرض حتى تقربت
…
إليها وحتى طبقت بالكلاكل3
ومثل قول المرقش الأكبر:
لم يشج قلبي مِلْحوادث إلـ
…
لا صاحبي المتروك في تغلم4
8-
الفعل "استطاع" ومضارعه، في قوله تعالى:{فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97]، وقوله تعالى:{ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 82] .
ويقول ابن السكيت: "ويقال: ما أستطيع، وما أسطيع، وما أستيع، بمعنى واحد"5.
ومن أمثلة ورود ذلك في الشعر، قول عدي بن زيد العبادي:
ولا تقصرن عن سعي من قد ورثته
…
فما اسطعت من خير لنفسك فازدد6
1 لسان العرب "منن" 17/ 312.
2 ديوانه ص62 والحماسة البصرية 2/ 106.
3 التمام في تفسير أشعار هذيل 240.
4 الخصائص 1/ 296.
5 القلب والإبدال 46.
6 ديوانه ق23/ 30 ص106 والحماسة البصرية 2/ 49
وقول العباس بن مرداس:
تأبى رفاعة مولاها وأنفسها
…
أن يسلموني ولا يسطاع ما منعوا1
وقول المرار:
ويرى دوني فلا يسطيعني
…
خرط شوك من قتاد مسمهر2
وقول يحيى بن زياد الحارثي:
دفعنا بك الأيام حتى إذا أتت
…
تريدك لم نسطع لها عنك مدفعا3
9-
مصغر "ابن" عند إضافته إلى ياء المتكلم. وهذا الحذف لازم، إذ يقال دائما:"بُنَيّ"، وأصله:"بُنَيِّي".
10-
مثال: مَيِّت، وهَيِّن، ولَيِّن، ونحوها، إذ تخفف أحيانا، فيقال: مَيْت، وهَيْن، ولَيْن. وهذا معناه حذف المقطع:"yi" فرارا من تكرار الياء.
وقد وردت كلمة: "أَيِّم" بالتخفيف في بيت العجاج:
وبطن أيْمٍ وقواما عُسلجا
وقال عنه ابن السكيت: "والأصل: أيِّم، فخفف نحو، لَيِّن ولَيْن، وهَيِّن وهَيْن"4.
11-
عبارة: ايْمُنُ الله، يقال فيها:"ايْمُ الله"!
1 تهذيب الألفاظ 26.
2 المستقصى في الأمثال للزمخشري 2/ 82.
3 الحماسة بشرح المرزوقي ق281/ 3 ص861.
4 القلب والإبدال 17.
12-
كلمة: لله، يقال فيها:"لاهِ"، وذلك كما في قول ذي الإصبع العدواني:
لاهِ ابن عمك لا أفضلت في حسب
…
عني ولا أنت دياني فتخزوني1
"أراد: لله ابن عمك، فحذف لام الجر واللام التي بعدها"2.
13-
الفعل المضارع إذا كان نوني الفاء وهو مسند لجماعة المتكلمين. وقد ورد ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: "وكذلك نُجِّي المؤمنين"[الأنبياء: 88] في قراءة ابن عامر وعاصم3. وفي الآية تخريجات أخرى واهية، ذكرها ابن هشام فقال: "وقد يجيء هذا الحذف في النون. ومنه على الأظهر قراءة ابن عامر وعاصم: وكذلك نُجِّي المؤمنين، أصله: نُنَجِّي، بفتح النون الثانية. وقيل الأصل: نُنْجي، بسكونها، فأدغمت كإجّاصة وإجّانة. وإدغام النون في الجيم لا يكاد يعرف. وقيل: هو من نجا ينجو، ثم ضعفت عينه، وأسند لضمير المصدر. ولو كان كذلك لفتحت الياء؛ لأنه فعل ماض"4.
وهذا التخريج الثالث في كلام ابن هشام، هو الرأي الوحيد عند الفراء، في قوله:"وقد قرأ عاصم، فيما أعلم: نُجِّي، بنون واحدة ونصب "المؤمنين" كأنه احتمل اللحن، ولا نعلم لها جهة إلا تلك؛ لأن ما لم يسم فاعله إذا خلا باسم رفعه، إلا أن يكون أضمر المصدر في: نُجِّي، فنوى به
1 الأغاني 3/ 105 والمفضليات ق31/ 4 ص160 والاقتضاب 441 وشرح شواهد المغني 147 وأمالي القالي 1/ 260.
2 انظر: الصحاح "ليه" 6/ 2248.
3 انظر: التيسير للداني 155.
4 أوضح المسالك 293.
الرفع، ونصب "المؤمنين"، فيكون كقولك: ضُرِب الضرب زيدا، ثم تكنى عن الضرب، فتقول: ضرب زيدا. وكذلك نُجِّي النجاءُ المؤمنين"1.
وقد رد ابن جني هذا الرأي الذي ارتآه الفراء، على النحو الذي قدمه ابن هشام من قبل، يقول ابن جني:"وأما قراءة من قرأ: وكذلك نُجِّي المؤمنين، فليس على إقامة المصدر مقام الفاعل، ونصب المفعول الصريح؛ لأنه عندما على حذف إحدى نوني: "نُنَجِّي"، كما حذف ما بعد حرف المضارعة في قول الله سبحانه: "تذكرون" أي تتذكرون. ويشهد أيضا لذلك سكون لام "نجي"، ولو كان ماضيا لانفتحت اللام إلا في الضرورة"2.
وقد أورد ابن الشجري معظم هذه الأقوال في أماليه، ثم قال:"وخطر لي في هذه القراءة وجه يخرج الفعل من بنائه للمفعول، وعن إدغام النون في الجيم، ولا يخرجه عن قياس العرب، وهو أن يكون القارئ نجي، أراد: ننجي، مفتوح النون مشدد الجيم، فحذف النون الثانية كراهة توالي مثلين متحركين، كما حذف التاء من قرأ: تذكرون، خفيف الذال، حذف التاء الثانية من تتذكرون، وكما حذفوا بإجماع التاء الثانية من تتنزل، وقرءوا كلهم: تنزل الملائكة والروح"3.
14-
مضارع وزن "أفعل". وأصل كراهة توالي الأمثال هنا في المضارع المسند إلى ضمير المتكلم، إذ الأصل فيه:"أؤكرم"، فصار بعد
1 معانى القرآن للفراء 2/ 210.
2 الخصائص 1/ 398.
3 أمالي ابن الشجري 2/ 216.
حذف أحد المقطعين المتماثلين: "أُكْرِمُ"، ثم حملت باقي صيغ المضارعة على هذه الصيغة، طردا للباب على وتيرة واحدة"1.
وقد فطن إلى ذلك أبو العباس المبرد، فقال:"أكرم يُكرم، وأحسن يُحسن. وكان الأصيل: يؤكرم، ويؤحسن، حتى يكون على مثال: يدحرج؛ لأن همزة: أكرم مزيدة، بحذاء دال: دحرج، وحق المضارع أن ينتظم ما في الماضي من الحروف، ولكن حذفت هذه الهمزة؛ لأنها زائدة، وتلحقها الهمزة التي يعني بها المتكلم نفسه، فتجتمع همزتان، فكرهوا ذلك وحذفوا إذ كانت زائدة، وصارت حروف المضارعة تابعة للهمزة التي يعني بها المتكلم نفسه، كما حذفوا الواو التي في: "يَعِد" لوقوعها بين ياء وكسرة. وصارت حروف المضارعة تابعة للياء"2.
ويقول ابن جني في ذلك: "قولهم: أنا أكرم، حذفوا الهمزة التي كانت في: "أكرم"، لئلا يلتقي همزتان؛ لأنه كان يلزم: أنا أؤكرم، فحذفوا الثانية، كراهة اجتماع همزتين، ثم قالوا: نكرم وتكرم ويكرم، فحذفوا الهمزة، وإن كان لو جاءوا بها لما اجتمع همزتان، ولكنهم أرادوا المماثلة، وكرهوا أن يختلف المضارع، فيكون مرة بهمزة وأخرى بغير همزة، محافظة على التجنيس في كلامهم"3.
كما يقول أبو البركات بن الأنباري: "وكذلك قالوا: "أكرم، والأصل فيه: أؤكرم، فحذفوا إحدى الهمزتين استثقالا لاجتماعهما. وقالوا: نكرم،
1 انظر: التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه 70-71.
2 المقتضب 2/ 97.
3 المنصف 1/ 192 وانظر كذلك: شرحان على مراح الأرواح 57.
وتكرم، ويكرم، والأصل فيها: نؤكرم وتؤكرم، ويؤكرم
…
فحذفوا الهمزة، وإن لم يجتمع فيها همزتان، حملا على: أكرم، ليجري الباب على سنن واحد"1.
وقد يضطر بعض الشعراء إلى استخدام الأصل، الذي لا تتوالى فيه الأمثال، مثل قول ليلى الأخيلية:
تدلت على حص ظماء كأنها
…
كرات غلام في كساء مُؤرنب2
ومثل قول الآخر:
وصاليات ككما يُؤثفين3
وقول الثالث:
فإنه أهل لأن يُؤَكرما4
1 الإنصاف لابن الأنباري 148.
2 المنصف 1/ 192 وانظر ديوانها ق4/ 21 ص56.
3 المنصف 1/ 192.
4 المنصف 1/ 37، 1/ 192 والإنصاف 7، 48، 461 وقد نسب العيني هذا الرجز لأبي حيان الفقعسي أو غيره، فقال في شرح الشواهد الكبرى "هامش خزانة الأدب 4/ 578":"قد مر الكلام عليه مستوفي في شواهد النعت، وفي شواهد نوني التوكيد". وهو يقصد بذلك قوله "4/ 80":
قد سالم الحيات منه القدما
…
الأفعوان والشجاع الشجعما
وقوله "4/ 329":
يحسبه الجاهل ما لم يعلما
…
شيخا على كرسيه معمما
وقد وهم في ذلك العيني، إذ لم يتقدم البيت في القصيدة التي رواها لأبي حيان الفقعسي "4/ 80". وقد رد عليه البغدادي في "شرح شواهد الشافية""4/ 58"، فقال:"وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والعشرون: فإنه أهل أن يؤكرما، على أنه شاذ، والقياس: يُكرم، بحذف الهمزة. وهذا المقدار أورده الجوهري في صحاحه في مادة "كرم" غير معزو إلى قائله، ولا كتب عليه ابن بري شيئا في أماليه، ولا الصفدي في حاشيته، وهو مشهور في كتب العربية قلما خلا عنه: وقد بالغت في مراجعة المواد والمظان، فلم أجد قائله ولا تتمته. وقال العيني: تقدم الكلام عليه مستوفى في شواهد باب النعت، وفي شواهد نوني التوكيد. وأقول: لم يذكره فيهما أصلا، فضلا عن أن يستوفي الكلام عليه".
15-
عبارة: وعَبَدَ الطاغوت، في قوله تعالى:{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60] ، فقد عد لها ابن جني1 عشر قراءات مختلفة، إحداها من جهة أحمد بن يحيى ثعلب، مبنية على كراهة توالي المقاطع المتقاربة في المخارج والصفات، يقول:"ومن جهته "أحمد بن يحيى" أيضا: وعبد الطاغوت، وقال: أراد عَبَدَةَ، فحذف الهاء. قال: ويقال: عبدة الطاغوت والأوثان، ويقال للمسلمين: عباد"2.
ومن الطريف أن الطبري يرى أنه "لو قرئ: وعبد الطاغوتِ، بالكسر، كان له مخرج في العربية صحيح"3، ثم يقول:"وإن لم أستجز اليوم القراءة بها، إذ كانت قراءة الحجة من القرأة بخلافها. ووجه جوازها في العربية أن يكون مراد بها: وعَبَدَةَ الطاغوت، ثم حذفت الهاء للإضافة".
كما يقول الفراء: "وكان أصحاب عبد الله "بن مسعود" يقرءون: وعبد الطاغوتِ، على فعل، ويضيفونها إلى الطاغوت، ويفسرونها: خدمة الطاغوت. ولو قرأ قارئ: وعَبَدَ الطاغوتِ، كان صوابا جيدا، يريد: عبدة الطاغوت، فيحذف الهاء، لمكان الإضافة"4.
في المحتسب 1/ 214-216.
2 المحتسب لابن جني 1/ 216.
3 تفسير الطبري 10/ 441.
4 معاني القرآن للفراء 1/ 314.
والحقيقة أن التاء لم تحذف للإضافة، كما يرى ذلك الطبري والفراء، وإنما حذفت لكراهة توالي المقاطع المتقاربة في الصفات.
وقد تحير: "نولدكه" Th. Noldeke في معنى هذه الآية، فظن فيها نوعا من القلب، وقال في الفصل الذي كتبه عن "لغة القرآن" في كتابه:"مقالات جديدة في علم اللغات السامية"1: "وهناك نوع من القلب في: من لعنه الله، وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، فإن ترتيب الكلمات على حسب المعنى المراد يكون كالآتي: "من عبد الطاغوت ولعنه
…
الخنازير"!!
16-
ويشبه الآية القرآنية: عدا الأمر في قول زهير:
إن الخليط أجدوا البين فانجردوا
…
وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا2
فقد قال فيه الجوهري: "أراد: عدة الأمر، فحذف الهاء عند الإضافة"3.
تلك هي معظم أمثلة ظاهرة كراهية توالي الأمثال في العربية. ولا تقتصر هذه الظاهرة على العربية وحدها، ففي الفصيلة السامية أمثلة
1 Neue Bitrage zur Semitischen Sprachwissens chaft، s 12.
2 الصحاح للجوهري "وعد" 1/ 548.
3 انظر كذلك: شرحان على مراح الأرواح 116 وألف باء للبلوي 1/ 426 واللسان "غلب" 2/ 143 "وعد" 4/ 477.
تؤخذ إسكانر
كثيرة لها، مثال ذلك كلمة:" arya في اللغة السريانية، بمعنى: "ليث" أصلها: aryaya 1.
ومن اللغات الأوروبية مثلا كلمة: Der Beamte بمعنى: "الموظف" في الألمانية، فأصلها: der Beamtete 2. ومثال ذلك أيضا الكلمة الألمانية: Stipendium بمعنى: "منحة دراسية"، فهي مستعارة في القرن السادس عشر الميلادي من اللاتينية: Stipendium بمعنى: "ضريبة" أو "صرف الأجر". وهي مركبة في اللاتينية من كلمتين، وأصلها Stipi - pendium الكلمة الأولى: Stips بمعنى: "مساعدة مالية" أو "تبرع""والثانية": Pendere بمعنى: "صرف"3.
وليس الحذف هو السبيل الوحيد للفرار من كراهة توالي الأمثال في العربية، بل هناك طريق آخر هو قلب أحد الصوتين المتماثلين صوتا آخر، يلغب أن يكون من الأصوات المتوسطة المائعة، أو من أصوات العلة، وهو ما يسمى بالمخالفة الصوتية Dissimilation. وهناك طريق ثالث، هو إيجاد فاصل بين الصوتين المتماثلين، يخفف من ثقل اجتماعهما، كما هو الحال في توكيد الفعل المسند إلى نون النسوة، إذ تزيد فيه اللغة العربية ألفا بين نون النسوة ونون التوكيد. وهذه الألف يسميها الصرفيون بالألف الفارقة.
1 انظر كتاب "موسكاتي": S. Moscati. An introduction, p, 62 وكتاب "بروكلمان": C. Brock elmann, Syrische Grammtik, s 42>
2 انظر قاموس: Der sprach Brockhaus، 61 يقول: Eigentlich der Beamtete، Lutherzeit
3 F. kluge، Etymologi sches worterbuch der deutschen sprache برلين 1960 ص 751.
وقد لخص جلال الدين السيوطي كل هذه الحالات الثلاث أحسن تلخيص، فقال "وهو يسمى المخالفة بالقلب":"اجتماع الأمثال مكروه، ولذلك يفر منه إلى القلب أو الحذف أو الفصل، فمن الأول: قالوا في دهدهت الحجر: دهديت، قلبوا الهاء الأخيرة ياء، كراهة اجتماع الأمثال. وكذلك قولهم في: حاحا زيد: حيحا زيد، قلبوا الألف ياء لذلك. وقال الخليل: أصل "مهما" الشرطية: ماما، قلبوا الألف الأولى هاء، لاستقباح التكرير
…
وكذلك: دينار، وديباج، وقيراط، وديماس، وديوان، أصلها: دِنَّار، ودِبَّاج، ودِوَّان، قلب أحد حرفي التضعيف ياء لذلك. ولَبَّى أصله: لَبَّبَ، قلبت الباء الثانية، التي هي اللام ياء؛ هربا من التضعيف، فصار: لبي، ثم أبدلت الياء ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار: لَبَّى.
"ومن الثاني: حذف أحد مثلى ظللت ومسست وأحسست، فقالوا: ظلت، ومست، وأحست. وحذف إحدى الياءين من: سيّد، وميّت، وهيّن، وليّن. وقيل: وهو مقيس على الأصح. وقال ابن مالك: يحفظ ولا يقاس عليه
…
"ومن ذلك "الثالث" قال ابن عصفور: لم تدخل النون الخفيفة على الفعل، الذي اتصل به ضمير جمع المؤنث؛ لأنه يؤدي إلى اجتماع المثلين، وهو ثقيل فرفضوه لذلك، ولم يمكنهم الفصل بينهما بالألف، فيقولون: هل تضربنانْ؟ لأن الألف إذا كان بعدها ساكن غير مشدد حذفت، فيلزم أن يقال: هل تضربنَنْ؟ فتعود إلى مثل ما فررت منه، فلذلك عدلوا عن إلحاق الخفيفة، وألحقوا الشديدة، وفصلوا بينهما وبين نون الضمير بالألف، كراهية اجتماع الأمثال، فقالوا: هل تضربنانِّ؟ "1.
1 الأشباه والنظائر 1/ 18.