الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس: في اللهجات العربية
الفصل الأول: الخصائص اللغوية القبيلة طيئ القديمة
…
الباب السادس: في اللهجات العربية
الفصل الأول: الخصائص اللغوية لقبيلة طيئ القديمة
نسب طيئ:
تنسب قبيلة طيئ إلى جدها الأكبر: طيئ بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ1. و"طيئ" لقب له، واسمه: "جلهمة"، قال ابن حزم: "ولد أدد بن زيد: مرة بن أدد، ونبت ابن أدد وهو الأشعر، وجلهمة بن أدد، وهو طيئ، ومالك بن أدد، وهو مذحج"2.
وقبيلة طيئ هي في الأصل إحدى القبائل القحطانية اليمنية، فإن "سبأ" هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان3.
ويبدو أن هذه القبيلة، قد انتقلت مع غيرها من القبائل اليمنية، إلى شمائل الجزيرة العربية، بعد خراب سد مأرب، في عهد عمران بن عامر "ماء السماء" بن حارثة "الغطريف" بن امرئ القيس "البطريق" بن ثعلبة "البهلول" بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ4.
1 العقد الفريد 3/ 399.
2 جمهرة أنساب العرب 397.
3 الاشتقاق لابن دريد 361.
4 انظر: معجم البلدان "مأرب" 4/ 385 وجمهرة أنساب العرب 330 وصفة جزيرة العرب 370-374 وسيرة ابن هشام 1/ 13.
ويرى الشيخ "حمد الجاسر" أن تحديد انتقال القبائل اليمنية، بخراب سد مأرب "أمر مشكوك فيه، وذلك أن المتقدمين يؤرخون حادثة الخراب، بأنها في عصر الملك الفارسي: دارا بن بهمن. ودارا هذا هو الذي غزاه الإسكندر الأكبر، في منتصف القرن الرابع قبل الميلاد. والأدلة التاريخية والنقوش التي عثر عليها في أمكنة كثيرة في جنوبى الجزيرة وشماليها، وفي أمكنة أخرى خارجها، تدل على انتشار كثير من تلك القبائل، التي ورد ذكرها خارج اليمن، قبل سيل العرم". كما يقول: "وليس من المعقول أن تلك الرقعة الصغيرة من الأرض، وهي مأرب، تتسع لعدد كبير من السكان يتكون من قبائل. والأمر الذي لا ريب فيه أن انتقال تلك القبائل، كان في فترات متفرقة، وفي أزمان متباعدة، فعندما تضيق البلاد بسكانها، ينتقل قسم منها بحثا عن بلاد تلائم حياتهم"1.
مكان إقامة طيئ:
أقامة قبيلة طيئ في شمالي الحجاز. قال ابن خلدون: "كانت منازلهم باليمن، فخرجوا منه على إثر خروج الأزد منه، ونزلوا سميراء وفيدا في جوار بني أسد، ثم غلبوا بني أسد على أجأ وسلمى، وهما جبلان في بلادهم، يعرفنا بجبلي طيئ، فاستمروا فيها، ثم افترقوا في أول الإسلام في الفتوحات"2.
1 في سراة غامد وزهران، لحمد الجاسر 224.
2 العبر لابن خلدون 2/ 254 وانظر: قلائد الجمان للقلقشندي 72 ونهاية الأرب في معرفة أنساب العرب للقلقشندي 326.
وقد ذكر اليعقوبي بعض الأماكن التي كانت تقيم فيهم على طريق الحاج من الكوفة إلى المدينة ومكة، فقال:"والأجفر منازل طيئ، ثم فيد، وهي المدينة التي ينزلها عمال طريق مكة، وأهلها طيئ، وهي في سفح جبلهم المعروف بسلمى، وتوز وهي منازل طيئ"1.
كما يقول الإصطخري: "وليس بين المدينة والعراق، مكان يستقل بالعمارة والأهل جميع السنة، مثل: فيد، وفيد في ديار طيئ. وجبلا طيئ منها على مسيرة يومين، وفيها نخيل وزرع قليل لطيئ، وبها ماء قليل، يسكنها بادية من طيئ، ينتقلون عنها في بعض السنة للمراعي"2.
ويذكر الزمخشري بعض مياههم وأمكنتهم، مثل: أبضة، وحساء، ريث، والحوراء، وغضور، والسبعان، وبلطة، ومناع، وغير ذلك كثير3.
فصاحة طيئ:
تعد طيئ عند اللغويين والنحاة العرب، من القبائل الفصيحة، التي تؤخذ عنها اللغة، فقد قال أبو نصر الفارابي، وهو يتحدث عن العرب: "فإن فيهم سكان البراري، وفيهم سكان الأمصار، وأكثر ما تشاغلوا بذلك
1 البلدان لليعقوبي 71-72 وانظر كذلك: صفة جزيرة العرب 337
2 المسالك والممالك 54.
3 انظر: الأمكنة والمياه والجبال للزمخشري "فهرس أعلام الأشخاص والجماعات 247".
من سنة تسعين إلى سنة مائتين. وكان الذي تولى ذلك من بين أمصارهم، أهل الكوفة والبصرة من أرض العراق، فتعلموا لغتهم والفصيح منها، من سكان البراري منهم، دون أهل الحضر، ثم سكان البراري من كان في أوسط بلادهم ومن أشدهم توحشا وجفاء، وأبعدهم إذعانا وانقيادا، وهم قيس وتميم وأسد وطيئ ثم هذيل، فإن هؤلاء هم معظم من نقل عنهم لسان العرب. والباقون فلم يؤخذ عنهم شيء؛ لأنهم كانوا في أطراف بلادهم، مخالطين لغيرهم من الأمم، مطبوعين على سرعة انقياد ألسنتهم لألفاظ سائر الأمم المطيفة بهم، من الحبشة والهند والفرس والسريانيين وأهل الشام ومصر"1.
ومما يدل على مكانة اللغة الطائية في نفوس القوم، ما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام، من حديث طلحة بن عبيد الله أنه قال:"فوضعوا اللج على قفي"، ثم فسره فقال:"وقوله: قفي، هي لغة طائية. وكانت عند طلحة امرأة طائية، ويقال إن طيئا لا تأخذ من لغة أحد، ويؤخذ من لغاتها"2. وما يؤخذ من لغات طيئ إلا لفصاحتها ومكانتها بين القبائل الأخرى. كما أن اعتزاز طيئ بلغاتها، كان هو السبب -فيما يبدو- في عدم أخذها عما عداها من لغات العرب، فيما رواه لنا أبو عبيد.
1 الحروف للفارابي 147 وقد نقل السيوطي هذا النص في كتابيه المزهر 1/ 211 والاقتراح 19 بصبغة مختلفة، فقال:"وقال أبو نصر الفارابي في أول كتابه المسمى: الألفاظ والحروف: والذين عنهم نقلت اللغة العربية، وبهم اقتدى، وعنهم أخذ اللسان العربي، من بين قبائل العرب هم: قيس وتميم وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة، وبعض الطائيين، ولم يؤخذ من غيرهم من سائر قبائلهم".
2 غريب الحديث 4/ 11 وانظر كذلك: الفائق الزمخشري 3/ 91.
تسحب اسكانر
اشتقاق طيئ:
"قال ابن خالويه: سئل ثعلب عن طيئ مم أُخذ؟ فقال: من طاءة الفرس، وهو أعلاه"1. فكأن ثعلبا يرى في طيئ علوا في النسب، وإن كان ابن الكلبي يرى أنه "سمي طيئًا؛ لأنه أول من طوى المناهل"2.
وطيء المناهل عبارة عن بناء الآبار بالحجارة.
طييء واللغة السريانية:
عرفت اللغة السريانية الاسم: هنا فقرة تسحب إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟ tayyaya "طيابا" بمعنى: "الرجل الطائي" ثم بمعنى: "العربي" مطلقا. كما تسمى العربية عند السريان: lessana tayyaya "لشانا طيايا" بمعنى: "اللسان العربي".
وقد عرف العرب هذه التسمية السريانية، لقبيلة طييء، فقد روى أن المفضل الضبي، الراوية الكوفي المشهور، التقى في الكوفة بأعرابي، فقال له المفضل: ممن الرجل؟ قال: من طييء، فقال له المفضل - وكان قليل المزح:
وما طييء إلا نبيط تجمعت
…
فقالوا طيابا، كلمة فاستمرت
1 نوادر أبي مسحل 1/ 326.
2 الاشتقاق لابن دريد: 380 وجمهرة اللغة 1/ 109.
3 انظر: إنباه الرواة 3/ 300.
تسحب اسكانر
1-
موقف طييء من الهمزة:
يبدو أنه قبيلة طييء، كانت تميل إلى التخلص من صوت الهمزة، في مثل: يؤاخي، ويؤاكل، ويؤاسي، فتبدلها حرفا من جنس حركة ما قبلها، فتصير الأمثلة السابقة، يواخي، ويواكل، ويواسي1، وتشتق الماضي من هذه الصيغ الجديدة، فتقول: واخيت، وواكلت، وواسيت.
ويؤيد كراهية طييء لنطق الهمزة، ما روى لنا عنهم من أنهم كانوا يبدلون الهمزة في بعض المواضع هاء، فقد "حكى ابن جني عن قطرب أن طيئا تقول: هن فعلت فعلت، يريدون: إن فيبدلون 2". وهذا يذكرنا بما حدث في اللغة العبرية، إذ قلبت فيها همزة "إن" الشرطية، هاء كذلك، فيقال فيها: hinne "هني" = إن.
ولم يقتصر الأمر في قلب الطائيين الهمزة هاء على "إن" الشرطية وحدها، بل حكى ذلك عنهم في همزة الاستفهام كذلك، يقولون:"هزيد فعل ذلك؟ يريدون: أزيد فعل ذلك؟ 3 ". ومثل هذا حادث في اللغة العبرية كذلك.
أما ما رواه لنا الفراء عن طييء، من أنهم كانوا يهمزون ما لا يستحق الهمز، في قوله: "وربما غلطت العرب في الحرف، إذا ضارعه آخر من الهمز، فيهمزون غير المهموز، سمعت امرأة من طييء تقول: رثأت زوجي
1 تهذيب اللغة 7/ 623 واللسان "أخا" 18/ 23.
2 اللسان "أنن" 16/ 178 والممتع لابن عصفور "1/ 397.
3 اللسان "ها" 20/ 373.
بأبيات. ويقولون: لبأت بالحج، وحلأت السويق، فيغلطون"1 فليس هذا الهمز منهم إلا حذلقة، أو مبالغة في التفصح وتقعرا في الكلام، وكلها اصطلاحات من عندنا لما يقابل في اللاتينية Hyperurb anismus وفي الإنجليزية: Overcorr ectness 2، وهو اصطلاح اتخذ لدى علماء اللغة، للصيغ التي تنتج بسبب الحرص الشديد، على محاكاة اللغة الأدبية، ممن لا يملك زمامها من عامة الشعب، فهو يحاول أن يرد العامية التي يتحدث بها إلى نمط اللغة الأدبية، وهو في محاولته هذه لا يفرق بين الظواهر الجديدة والقديمة، في لغة الخطاب، فإذا رد كلمة جديدة إلى القديم أصاب، أما إذا فعل مثل ذلك مع الكلمات التي احتفظت بالأصل القديم، وشابهت مع ذلك الجديد، فإنه حينئذ يكون متقعرا ومتحذلقا، وذلك كمن يعرف أن الصوت المركب: aw مثلا في العربية الفصحى، يقابل حركة الضم الممالة: "o" في العامية، وذلك مثل: صُوم في صَوْم، وعُوم في عَوْم، ونُوم في نَوْم، ويُوم في يَوْم، فهو إذا رد هذه الكلمات إلى أصلها كان مصيبا في كلامه، غير أن هناك كلمات لها مثل هذه الصورة في الأصل، في اللغة الفصحى نفسها، مثل: "ثُوم" و"حُوت" و"رُوح" وغير ذلك.
وهنا يحاول ذلك المتفصح أن يقلب هذه الضمات الأصيلة إلى الصوت
1 معاني القرآن للفراء 1/ 459 وقد حرف الأزهري طيئا، فجعلها:"غني" في هذا الخبر، ونقل عنه صاحب اللسان الكلمة محرقة، يقول الأزهري "تهذيب اللغة 15/ 683= لسان العرب 1/ 10":"ومنها همزة التوهم، كما روى الفراء عن بعض العرب أنهم يهمزون ما لا همز فيه إذا ضارع المهموز. قال: وسمعت امرأة من غني، تقول، رثأت زوجي بأبيات. قال: ويقولون: لبأت بالحج، وحلأت السويق، فيغلطون".
2 يسمي فندريس "اللغة 80" هذه الظاهرة: الإسراف في المدينة، والغلو في مراعاة الصحة. انظر كذلك كتابنا: التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه 79-84.
المركب، الذي تتميز به اللغة الفصحى، فيقول: ثَوْم وحَوْت ورَوْح، قياسا على ما فعله في تلك الكلمات السابقة، وعندئذ يأتي بشيء لا هو في لهجات الخطاب، ولا هو في اللغة الفصحى. وليس ما فعله إلا نوعا من أنواع القياس الخاطئ.
وعلى هذا النحو يمكن تفسير همز ما ليس أصله الهمز، في خبر الفراء السابق؛ لأن أولئك الطائيين يتركون الهمز في كلامهم -كما سبق أن عرفنا- فيقولون مثلا: فقيت عينه، ووجيت بطنه، بلا همز، ولكنهم يسمعون اللغة الأدبية في شعر الشعراء، ومواقف الجد من القول، وفيها: فقأت عينه، ووجأت بطنه، بالهمز، فيقولون بناء على هذا: حلأت السويق، ولبأت بالحج، ورثأت الميت، عن طريق القياس الخاطئ، مبالغة في التفصح، بدلا من: حليت ولبيت ورثيت. كما يمكن فهم ما روي عنهم من أنهم كانوا يهمزون: "السؤدد"1، وهو من سوَّدته، أي جعلته سيدا، فلا أثر للهمز في أصله. وبمثل هذا أيضا يمكن أن يفسر الهمز عند طيئ للألف المقصورة، في مثل:"حُبْلَأ" بدلا من: "حُبْلَى"2.
2-
جهر السين والصاد:
السين والصاد من الأصوات الأسنانية اللثوية، المهموسة أي التي
1 انظر: الاشتقاق لابن دريد 211.
2 انظر: أصول النحو لابن السراج 2/ 320.
لا تتذبذب معها الأوتار الصوتية. والسين هي مرقق الصاد، والصاد هي مفخم السين.
وقد روي عن قبيلة طيئ أنها كانت تجهر الصوتين، أي تجعل الأوتار الصوتية، تتذبذب معهما، وقد دل اللغويون على هذا الجهر فيهما بقلبهما زايا، فقالوا: إن طيئا تقول في: سقر: زقر، وفي الصقر: زقر، وفي الصراط: زراط. والزاي هي المقابل المجهور للسين. أما المقابل المجهور للصاد، فهو الزاي المفخمة التي تشبه نطق العوام للظاء، في مثل كلمة: ظلم.
وأغلب الظن أن الطائيين كانوا ينطقون الصاد نطقا مماثلا لهذا النطق، غير أن اللغويين دلوا عليه بالزاي المرققة، لعدم وجود رمز للزاي المفخمة في الكتابة العربية، وإن كان هؤلاء اللغويون يتحدثون عما يسمونه بإشمام الصاد صوت الزاي، فقد قرأ كل من حمزة والكسائي وخلف ورويس قوله تعالى:{حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} 1، وقوله عز وجل:{يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} 2 فإشمام الصاد زايا. وقد سمى ابن سينا هذا النطق: "الزاى الظائية" وقال عن نطقها: "يكون وسط اللسان فيها أرفع، والاهتزاز في طرف اللسان خفي جدا"3.
ويزعم ابن الكلبي أن هذه الظاهرة تسمى: "الرسو" و"التمعدد"، وهو يفسر قول حاتم طيئ:
إلههم ربي وربي إلههم
…
فأقسمت لا أرسو ولا أتمعدد
1 سورة القصص 28/ 23 وانظر: إتحاف فضلاء البشر 210.
2 سورة الزلزلة 99/ 6 وانظر: إتحاف فضلاء البشر 273.
3 أسباب حدوث الحروف 19.
قال: الرسو أن يقال للصقر: زقر، ولسقر: زقر، وللصراط: زراط، وللصقعب: زقعب
…
قال: وسمعت أبا أسماء وغير واحد من طيئ يقولون: اللهم إنا نعوذ بك من شر زقر. وهذا كلام معد، فلذلك قال: لا أتمعدد"1.
ومع أن حاتما الطائي ينفي هذه الظاهرة عن نفسه -إن صح تفسير ابن الكلبي للبيت- فقد روي أنه هو نفسه قد قلب الصادر زايا، في حكاية رواها لنا مؤرج السدوسي، فقال:"وكانت عنزة أسروا حاتم طيئ، فغزت رجالهم، وتُرك مع النساء والضعفة من الرجال، فقالوا له: افصد لنا، فقام إلى ناقة فعقرها، فقالوا له: أهكذا الفصد؟ وأوجعوه ضربا. قال: هكذا فزدي أنه، يريد: فصدى أنا"2.
ويقيد أبو الطيب اللغوي، انقلاب الصادر زايا في لغة طيئ، بسكونها؛ إذ يقول:"ويقال: هي المزدعة والمصدغة، للمخدة. وطيئ تقلب كل صاد، ساكنة زايا. قال الأصمعى: كان حاتم الطائي أسيرا في عنزة، فجاءته النساء بناقة ومفصد، وقلن له: افصد هذه الناقة، فأخذ المفصد فلتم في سبلتها، أي نحرها، وقال: هكذا فزدي أَنَهْ، أي: فصدى أنا"3.
1 ديوان حاتم ق3 / 1 ص5 ولا وجود للرسوم والتمعدد بهذا المعنى في المعاجم العربية!
2 كتاب الأمثال لمؤرج 51 وفي المثل: لم يحرم من فزدله، يعنون: من فصد له ذراع البعير، وكانوا يفعلون ذلك عند المجاعات، ويطبخون الدم ويأكلونه. انظر: لحن العوام للزبيدي 194.
3 الإبدال لأبي الطيب 2/ 126.
3-
قلب الياء والواو في مثل: "بَقِيَ" و"سَرُو" ألفا.
من المعروف في اللغة العربية الفصحى، أن الياء والواو إذا تحركتا وفتح ما قبلهما، قلبتا ألفين، مثل: سَعَى، وأصلها: سَعَيَ، دعا، وأصلها: دَعَوَ. فإن كان ما قبلهما مكسورا أو مضموما، لم تقلب واحدة منهما ألفا. ولذلك بقيت الياء في مثل:"رضي" والواو في مثل: "سرو" لاختلال شرط الفتح قبلهما.
أما قبيلة طيئ، فإنها تطرد الباب على وتيرة واحدة، ولطيئ توسع في اللغات"1 كما روي عنها، فهي هنا تطرد الباب على وتيرة واحدة، فتقلب كل ياء أو واو متحركة ألفا، بشرط تحرك ما قبلها على الإطلاق، دون تخصيص هذه الحركة بالفتح. قال الجوهري: "وطيئ تقول: بقا وبقت، مكان: بقي وبقيت. وكذلك أخواتها من المعتل"2.
كما يقول القزاز القيرواني: "ومما يجوز للشاعر أن يقول في دُهِيَ: دُهَا، وهي لغة لطيئ. وكذلك يجوز له أيضا أن يفعل في الواو. وحُكي أن ذلك في طيئ أيضا، وأنهم يقولون في قرنوة وعرقوة: قرناة وعرقاة، فيصنعون في الواو ما صنعوا في الياء من البدل"3.
ويمتلئ شعر الطائيين بهذه الظاهرة، ويتضح ذلك بصورة خاصة في شعر زيد الخيل الطائي، فمن ذلك قوله:
1 انظر في هذا القول: الأفعال لابن القوطية 5 والأفعال لابن القطاع 1/ 15 والمزهر للسيوطي 2/ 98.
2 الصحاح "بقي" 6/ 2284 وانظر كذلك: تسهيل الفوائد لابن مالك 311 وشرح المفضليات لابن الأنباري "767 والمصباح المنير "بقي" 1/ 32 وشمس العلوم 1/ 31 والممتع لابن عصفور 1/ 153 والجنى الداني للمرادي 390 والبارع للقالي 512 واللسان "فني" 20/ 23
3 ما يجوز للشاعر في الضرورة 262-264.
أفي كل عام مأتم تبعثونه
…
على محمر ثوبتموه وما رُضَا1
وكذلك قوله:
تجدون خمشا بعد خمش كأنه
…
على فاجع من خير قومكم نُعَا2
وقوله كذلك:
لعمرك ما أخشى التصعلك ما بَقَا
…
على الأرض قيسي يسوق الأباعرا3
وقوله أيضا:
فردوا علينا ما بَقَا من نسائنا
…
وأبنائنا واستمتعوا بالأباعر4
وقوله:
فلولا زهير أن أكدر نعمة
…
لقاذعت كعبا ما بَقَيْتُ وما بَقَا5
وقوله:
فليت أبا شريح جار عمرو
…
حَيَا عوف وغيبه القبور6
1 ديوانه في 1/ 1 ص25 وسيبويه 1/ 65، 2/ 290 ونوادر أبي زيد 80 والخزانة 4/ 149 وجمهرة اللغة 2/ 143 والجمانة 11 والبارع 511 وشرح شواهد سيبويه 1/ 121 وشرح ديوان كعب 131 ونوادر القالي 25.
2 ديوانه ق1/ 2 ص26 والبارع للقالي 511 نوادر أبي زيد 80 وشرح أبيات الكتاب 1/ 121 وشرح ديوان كعب 132 ونوادر القالي 25
3 ديوانه ق25/ 8 ص62 ونوادر أبي زيد 68 وتفسير القرطبي 3/ 370
4 شرح أبيات الكتاب 2/ 278 وروايته في الديوان ق27/ 2 ص64: "بني أسد ردوا علينا نساءنا" ولا شاهد فيه.
5 ديوانه ق1/ 6 ص27 والبارع للقالي 511 ونوادر أبي زيد 80 وشرح ديوان كعب 134 ونوادر القالي 26.
6 ديوانه ق24/ 1 ص60 والبارع للقالي 511 ونوادر أبي زيد 80.
وقوله:
نصول بكل أبيض مشرفي
…
على اللاتي بَقَا فيهن ماء1
كما يقول جوين بن عامر الطائي:
وأسمر مربوع رَضَاه ابن عازب
…
فأُعْطَى ولم ينظر ببيع حلال2
وكذلك يقول البولاني3.
نستوقد النبل بالحضيض ونصـ
…
ـطاد نفوسا بُنَتْ على الكرم4
كما قال رجل من طيئ:
إذا لم يكن مال يرى شنفت له
…
صدور رجال قد بَقَا لهم وفر5
وهذه الظاهرة، وإن عزيت في المصادر العربية إلى طيئ وحدها، فإننا نجد لها أمثلة لدى شعراء من قبائل أخرى غير قبيلة طيئ، فمثلا يقول بشر بن أبي خازم الأسدي:
بدعلبة براها النص حتى
…
بلغت نضارها وفَنَا السنا6
ومثله قول طفيل الغنوي:
لزجرت قلبا لا يريع إلى الصبا
…
إن الغوي إذا نُهَا لم يُعْتِبِ7
1 ديوانه ق2/ 1 ص30 والاقضاب 427.
2 نوادر أبي زيد 78.
3 بولان بطن من طيئ. انظر: شرح المرزوقي للحماسة ق31.
4 الصحاح "بقي" 6/ 2284 واللسان "بقي" 18/ 86.
5 نوادر أبي زيد 179.
6 ديوان ق41 ص204 وشرح اختيارات المفضل الضبي للتبريزي 3/ 1399.
7 عجزه منسوب لطفيل الغنوي في سيبويه والشنتمري 2/ 291 والبيت بتمامه بلا نسبة ما يجوز للشاعر في الضرورة للقزاز 263 وتفسير الطبري 11/ 61 وليس في ديوانه.
وكذلك قال طفيل الغنوي:
فلما فَنَا ما في الكنائن ضاربوا إلى
…
القرع من جلد الهجان المجوب1
كما يقول المستوغر بن ربيعة التميمي:
هل ما بَقَا إلا كما قد فاتنا
…
يوم يكر وليلة تحدونا2
ويقول زهير بن أبي سلمى المزني:
تربع صارة حتى إذا ما
…
فَنَا الدحلان عنه والإضاء3
ويقول معن بن أوس المزني:
أعاذل هل يأتي القبائل حظها
…
من الموت أم أُخْلَا لنا الموت وحدنا4
كما يقول كلثوم بن صعب "؟ ":
فليت غدا يوم سواه وما بَقَا
…
من الدهر ليل يحبس الناس سرمدا5
وقد فطن إلى ذلك بعض علماء العربية، كابن سلام الذي يقول:"بقا وفنا لغتان لطيئ، وقد تكلمت بهما العرب، وهما في لغة طيئ أكثر"6، كما يقول ابن دريد:"وما رُضَا في معنى: ما رَضِيَ، وهي لغة لطيئ، وقد تكلم بها بعض العرب"7، غير أنها "لغة فاشية في طيئ"8. وبعض هؤلاء الشعراء من قبائل تجاور طيئا، كبشر بن أبي خازم الأسدي، كما أن زهير بن أبي سلمى كان متزوجا من طائية9.
1 ديوانه ق1/ 60 ص13 والجيم لأبي عمرو 3/ 121 واللسان "قرع" 10/ 137.
2 طبقات ابن سلام 1/ 33.
3 ديوانه ص65 وطبقات ابن سلام 1/ 33.
4 ديوانه ق7/ 1 ص23.
5 الحماسة بشرح المرزوقي ق576/ 2 ص1388.
6 طبقات ابن سلام 1/ 33
7 جمهرة اللغة 2/ 143.
8 الممتع لابن عصفور 1/ 153 وديوان امرئ القيس ص23
9 ديوانه بشرح ثعلب 283.
وقد رويت لنا بعض أبيات الشعر، وفيها هذه الظاهرة، بلا نسبة لشاعر معين، فيمكن لذلك أن تكون لبعض الطائيين أو لغيرهم، فمن ذلك قول الشاعر:
ألا ليت عمي يوم فرق بيننا
…
سُقَا السم ممزوجا بشب يماني1
وقول لآخر:
لم تلق خيل قبلها ما قد لَقَتْ
…
من غب هاجرة وسير مسأد2
وقول امرأة:
يا من بمقلته زُهَا الدهر
…
قد كان فيك تضاءل الأمر3
وبعض شعراء طيئ كانوا يحرصون على طريقة العربية الفصحى في هذه الظاهرة، فلا يقبلون الياء ألفا، إلا إذا فتح ما قبلها، كحاتم الطائي الذي يقول:
كريم لا أبيت الليل جاذ
…
أعدد بالأنامل ما رزيت
إذا ما بت أشرب فوق ريي
…
لسكرت في الشراب فلا رويت
إذا ما بت أختل عرس جاري
…
ليخفيني الظلام فلا خفيت
أأفضح جارتي وأخون جاري
…
معاذ الله أفعل ما حييت4
كما يقول كذلك:
تبع ابن عم الصدق حيث لقيته
…
فإن ابن عم السوء إن سر يُخلف5
1 جمهرة اللغة 1/ 32 وتثقيف اللسان 271.
2 المحكم لابن سيده 6 / 312 واللسان "لقا" 20/ 120 وانظر اللسان "سأد" 4/ 184.
3 سمط اللآلي 1/ 162.
4 ديوانه ق36 ص21.
5 ديوانه ق27/ 2 ص22.
ولم تقتصر هذه الظاهرة على الأفعال المعتلة عند طيئ، فإنهم يقلبون كل ياء ألفا، إذا تحركت وتحرك ما قبلها في الأسماء كذلك، فيقولون: ناصاة1، وباداة2، وتوصاة3، وخظاه بظاة4، وفالاة5، وباناة6 وباقاة7، وأوداة8، في: ناصية، وبادية، وتوصية، وخظية بظية، وفالية، وبانية، وباقية، وأودية.
وقد ورد بعض ذلك في شعر طيئ، كقول حريث بن عتاب الطائي:
لقد آذنت أهل اليمامة طيئ
…
بحرب كناصاة الحصان المشهر9
ومثل ذلك قول حاتم الطائي:
فقلت لأصباة صغار ونسوة
…
بشهباء من ليل الثمانين قرت10
يريد: أصبية، جمع:"صبي".
1 اللسان نصا" 20/ 199 "وري" 20/ 268 والممتع 2/ 557 والمخصص 6/ 40 وتفسير القرطبي 3/ 370.
2 اللسان "نصا" 20/ 199 وديوان امرئ القيس 123 والمخصص 6/ 40
3 اللسان "وري" 20/ 268.
4 اللسان "خظا" 18/ 254
5 مجالس ثعلب 2/ 496.
6 مقاييس اللغة 1/ 302 واللسان "بني" 18/ 104 والمخصص 6/ 40
7 الممتع 2/ 557.
8 اللسان "ودي" 20/ 263.
9 نوادر أبي زيد 124 وما يجوز للشاعر في الضرورة للقزاز 262 واللسان "نصا" 20/ 199.
10 ديوانه ص10.
وقد وردت هذه الظاهرة في شعر امرئ القيس كذلك في قوله:
رب رامٍ من بني ثغل
…
مخرج كفيه من ستره
عارض زوراء عن نشم
…
غير باناة على وتره1
يريد: غير بانية. والبانية من القسي، التي لصق وترها بكبدها حتى كاد ينقطع وترها في بطنها من لصوقة بها، وهو عيب فيها.
ويبدو حرص حاتم الطائي على استخدام العربية الفصحى مرة أخرى، في قوله:
يا كعب إنا قديما أهل رابية
…
فينا الفعال وفينا المجد والخير2
4-
ألف المقصور ياء:
روي لنا عن قبيلة طيئ أنهم كانوا يقولون في مثل: أَفْعَى وحُبْلَى، وغيرهما مما ينتهى في العربية الفصحى بالألف المقصورة، أَفْعَيْ وحُبْلَيْ، بالياء في الوقف والوصل. ويشارك طيئا فزارة وناس من قيس، في هذه الظاهرة في الوقف فقط، قال سيبويه: "قول بعض العرب في أَفْعَى: هذه أَفْعَىْ، وفي حُبْلَى: هذه حُبْلَيْ وفي مُثَنَّى: هذا مُثَنَّيْ، فإذا وصلت صيرتها ألفا، وكذلك كل ألف في آخر الاسم. حدثنا الخليل وأبو الخطاب أنها لغة لفزارة وناس من قيس، وهي قليلة: فأما الأكثر والأعرف فأن تدع الألف في الوقف على حالها، ولا تبدلها ياء، فإذا وصلت استوت اللغتان
…
وأما طيئ فزعموا أنهم يدعونها في الوصل على حالها في الوقف"3.
1 ديوانه ق17/ 2 ص123 ومقاييس اللغة 1/ 302 والمخصص 6/ 39.
2 ديوانه ص6.
3 كتاب سيبويه 2/ 287.
كما يقول أبو علي الفارسي: "الياء في الأواخر وقعت موقع الألف في الوصل والوقف، وذلك لغة طيئ فيما حكاه "سيبويه" عن أبي الخطاب وغيره من العرب، وذلك قولهم في أَفْعَى: أَفْعَيْ
…
كما أن ناسا يقولون: أفعيْ في الوقف، فإذا وصلوا قالوا: رأيت الأفعى فاعلم. وجعلت طيئ الحرف في الوصل والوقف ياء"1.
ويرى علماء العربية أن الألف المقصورة هي الأصل، وأن الياء في مثل: حبليْ وأفعيْ، في لهجة طيئ وغيرها، ليست إلا انقلابا لتلك الألف، انظر مثلا إلى قول ابن جني:"ومنهم من يبدل هذه الألفات في الوقف ياء"2.
غير أن الاطلاع على اللغات السامية من جانب، وتحكيم القوانين الصوتية من جانب آخر يدلان على أن مثل: حبليْ وأفعيْ بالياء، أسبق في سلسلة التطور اللغوي من: أفعى وحبلى بالألف.
فإن النظر إلى الأفعال الناقصة، مثل: رمى ودعا، وهي تماثل في صورتها هذه، صورة الأسماء المقصورة في الفصحى، يرينا أنها في أصلها الأول في اللغات السامية، كانت تتصرف تصرف الصحيح تماما. والدليل على ذلك وجود هذا الأصل القديم في اللغة الحبشية الجعزية، وهي إحدى اللغات السامية، ففيها مثلا يقال:"صَحَوَ" في: صحا، و"تَلَوَ" في: تلا، و"رَمَيَ" في: رمى. وليس الأمر مقصورا في الحبشية على الأفعال
1 الحجة لأبي علي الفارسي 1/ 63-64.
2 المحتسب 1/ 77.
الناقصة، بل إن الأفعال الجوفاء، يعامل شيء منها معاملة الصحيح كذلك، فيقال فيها مثلا:"دَيَنَ" في: دان، و"بَيَنَ" في: بان، وغير ذلك1.
ولم تبق من هذه المرحلة في اللغات السامية الأخرى إلا بقايا قليلة في العربية، من الأفعال الجوفاء، مثل: حَوِرَ، وعَوِرَ، وهَيِفَ، واستحوذ، واستنوق، وغيرها. وإذا رجعنا بالاسم المقصور إلى هذه المرحلة القديمة فإنه يكون مثل: هُدَيٌ، وفَتَيٌ، وعَصَوٌ، وقَفَوٌ، وما إلى ذلك.
أما المرحلة الثانية في تطور الأفعال المعتلة والأسماء المقصورة، فهي مرحلة التسكين، أو سقوط الحركة بعد الواو والياء للتخفيف، فيصبح الفعل على نحو: قَضَيْ ودَعَوْ، كما تصبح الأسماء المقصورة على نحو: أَفْعَيْ وعَصَوْ.
وقد فطن العلامة "ابن جني" بحسه اللغوي، إلى ضرورة وجود هذه المرحلة في طريق تطور الأفعال المعتلة، فقال:"ومن ذلك قولهم: "إن أصل قام: قَوَمَ، فأبدلت الواو ألفا، وكذلك باع، أصله: بيع، ثم أبدلت الياء ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، وهو لعمري كذلك، إلا أنك لم تقلب واحدا من الحرفين، إلا بعد أن أسكنته، استثقالا لحركته، فصار إلى: قَوْمَ وبَيْعَ"2.
وقد بقيت هذه المرحلة عند قبيلة طيئ، فيما روي لنا من الأمثلة السابقة: أَفْعَيْ وحُبْلَيْ ومُثَنَّيْ وغيرها. وقد كنا في انتظار أن يظهر الفرق
1 انظر: Dillmann، Grammatik der athiopischen sprache 163-165.
2 الخصائص 2/ 471-472 وانظر كذلك: شرح مراح الأرواح 122.
بين الأصل الواوي، والأصل اليائي في المقصور في هذه الحالة، ويبدو أن تلك كانت الحال في بداية الأمر، فكان يقال: هذه حُبْلَيْ وهذه عَصَوْ.
ولكن يبدو أن بعض طيئ قد قاست الواوي على اليائي، فقالت في الجميع: حُبْلَيْ وعَصَيْ، على حين قاس ناس منهم اليائي على الواوي، فقالوا: حُبْلَوْ وعَصَوْ، يقول أبو علي الفارسى:"الياء يبدلها من الألف في الوقف والوصل طيئ، والواو يبدلها منها بعض طيئ"1. كما يقول ابن جني: "ومنهم من يبدل هذه الألفات في الوقف ياء، فيقول: هذه عَصَيْ، ورأيت حُبْلَيْ، وهذه رَجَيْ، أي الناحية، يريد: رَجا. ومنهم من يبدلها في الوقف أيضا واوا، فيقول: هذه عَصَوْ وأَفْعَوْ وحُبْلَوْ"2.
ويبدو أن بعض الأفعال المعتلة، قد وصلت إلى هذه المرحلة عند طيئ كذلك يدلنا على هذا، ذلك الرجز الذي يساق في المصادر العربية، للاستشهاد على قلب ألف المقصور ياء عند طييئ. وأغلب الظن أنه لواحد من رجازهم، يقول:
إن لطي نسوة تحت الغَضَيْ
…
يمنعهن الله ممن قد طَغَيْ
بالمشرفيات وطعن بالقَنَيْ3
يريد: الغضا، وطغى، والقنا.
ووصول المقصور إلى هذه المرحلة عند طيئ وغيرها، هو الذي
1 الحجة 1/ 64.
2 المحتسب 1/ 77.
3 المنصف1/ 160 والمحتسب 1/ 77.
يفسر لنا صورة هذه المقصور عندهم، عندما يضاف إلى ياء المتكلم؛ إذ كانوا يقولون في مثل: هَوَايَ وهُدَايَ: هَوَىَّ "هَوَيْ + يَ" وهُدَيَّ "هُدَىْ + يَ" وغير ذلك.
ففي حديث طلحة بن عبيد الله: "فوضعوا اللج على قفيَّ" يعني السيف على قفاي1، فقد نصت المصادر على أن:"قفيَّ" هنا لغة طائية، وقالوا: وكانت عند طلحة امرأة طائية".
وقالوا: "وكانت عند طلحة امرأة طائية".
وقد عرفت هذه الظاهرة عند غير طيئ كذلك، قال الفراء:"وهي لغة في بعض قيس وهذيل: يا بُشْرَيَّ، كل ألف أضافها المتكلم إلى نفسه، جعلها ياء مشددة، أنشدنى القاسم بن معن "لأبي ذؤيب الهذلي":
تركوا هَوَيَّ وأعتقوا لهواهم
…
ففقدتهم ولكل جنب مصرع
وقال لي: بعض بني سليم: آتيك بموليَّ فإنه أروى منى. قال: أنشدنى المفضل "للمنخل اليشكري":
يطوف بي عكب في معد
…
ويطعن بالصملة في قفيَّا
فإن لم تثأروا لي من كعب
…
فلا أوريتما أبدا صديَّا2
فهذا النص للفراء يعزو الظاهرة لبعض قيس وهذيل وبعض بني سليم ولليشكريين كذلك. وقد صدق ابن جني حين قال: "هذه لغة فاشية في هذيل وغيرهم"3.
1 غريب الحديث لأبي عبيد 4/ 11 والفائق للزمخشري 3/ 91 والنهاية لابن الأثير 4/ 94 واللسان "قفا" 20/ 55.
2 معاني القرآن 2/ 39 وانظر: المحتسب 1/ 76 والخصائص 1/ 177
3 المحتسب 1/ 76.
ومما يصدق هذا أيضا، ورودها في بيت لأبي داود الإيادي، وهو:
فأبلوني بليتكم لعلِّي
…
أصالحكم وأستدرج نَوَيَّا1
وبيت آخر لأبي السود الدؤلي "من بكر" وهو:
أحبهم لحب الله حتى
…
أجيء إذا بعثت على هَوَيَّا2
كان هذه كله في المرحلة الثانية من مراحل: تطور المقصور والأفعال المعتلة في العربية واللغات السامية، أما المرحلة الثالثة، فهي تلك المرحلة التي تسمى في عرف اللغويين المحدثين:"انكماش الأصوات المركبة"3.
والأصوات المركبة في العربية هي الواو والياء المسبوقتان بالفتحة، في مثل:"قَوْل" و"بَيْت" فإن الملاحظ في تطور اللغات هو انكماش هذه الأصوات، وتحولها إلى حركات ممالة، مثل قولنا في العامية، يُوم، وصُوم، ونُوم، بدلا من: يَوْم، وصَوْم، ونَوْم. ومثل قولنا كذلك، بَيِت، ولَيِل، وعَيِن، بدلا من: بَيْت ولَيْل، وعَيْن.
وهذه المرحلة هي الشائعة في اللغة الحبشية في الأفعال الجوفاء، ففيها مثلا:"قُومَ" بمعنى: قام، و"شِيَط" بمعنى: باع، وغير ذلك. كما توجد هذه المرحلة أيضا، في اللهجات العربية التي تميل، في مثل قوله تعالى:
1 النقائض 1/ 408 والخصائص 2/ 341.
2 الكامل للمبرد 3/ 205.
3 انظر: C. Brock elmann، Syrische Grammatik، s. 6.
"والضحى، والليل إذا سجى، ما ودعك ربك، وما قلى" في قراءة من أمال1.
أما المرحلة الرابعة والأخيرة في تطور الأسماء المقصورة، والأفعال الناقصة والجوفاء، فتتمثل في التحول من الإمالة إلى الفتح الخالص، ونحن نلحظ ذلك في تطور عبارة:"السلام عليكم" إلى: "السلام علاكم" في بعض لهجات الخطاب القديمة والحديثة، فقد مرت هذه اللهجات بالإمالة أولا، ثم الفتح الخالص.
ونحن نلحظ مثل هذا التطور في العربية القديمة، في قول بعض العرب:"إن الرجز لعاب، أي لعيب. والرجز: ارتعاد مؤخر البعير"2، كما جاء في قولهم: "تبت إليك فتقبل تابتي، وصمت إليك فتقبل صامتي، أي توبتي وصومتي. ذكره الواحدي في تفسير قوله تعالى:{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هي لغة بلحارث بن كعب، وهي قبيلة من اليمن"3، وهي تلك القبيلة التي روي لنا عنها أنها كانت تلزم المثنى الألف في جميع أحواله4، فقد قال أبو زيد الأنصاري في تفسير قول الراجز:
طارت علاهن فشل علاها
"وعلاها" أراد: عليها. ولغة بلحارث بن كعب قلب الياء الساكنة، إذا
1 التيسير في القراءات السبع للداني 223
2 النوادر لأبي زيد 3
3 شرح مراح الأوراح 120.
4 تسهيل الفوائد 12 وشرح التسهيل 1/ 66
انفتح ما قبلها ألفا، يقولون: أخذت الدرهمان، واشتريت ثوبان، والسلام علاكم. وهذه الأبيات على لغتهم"1.
وهذا الطور الأخير، هو الذي وصلت إليه العربية، في المقصور والناقص والأجوف، في نحو: الفتى والهدى، وحبلى وأفعى، ودعا وسعى، وقام وباع، وغير ذلك.
5-
لغة أكلوني البراغيث:
من المعروف في العربية، أن الفعل يجب إفراده دائما، حتى وإن كان فاعله مثنى أو مجموعا، أي أنه لا تتصل به علامة تثنية ولا علامة جمع، للدلالة على تثنية الفاعل أو جمعه، فيقال مثلا:"قام الرجل" و"قام الرجلان" و"قام الرجال"، بإفراد الفعل:"قام" دائما؛ إذ لا يقال في الفصحى مثلا: "قاما الرجلان" ولا "قاموا الرجال".
تلك هي القاعدة المطردة في العربية الفصحى، شعرا ونثرا. أما قبيلة طيئ، فقد روي لنا عنها2 أنها كانت تلحق الفعل علامة تثنية للفاعل المثنى، وعلامة جمع للفاعل المجموع. وتُعرف هذه الظاهرة عند النحاة العرب، بلغة "أكلوني البراغيث".
1 النوادر لأبي زيد 58 وانظر: الصاحبي لابن فارس 49.
2 انظر: الجنى الداني للمرادي 171 وشرح درة الغواص للخفاجي 152 وبصائر ذوي التمييز 5/ 149 وشرح التصريح 1/ 275، 2/ 110 وهمع الهوامع 1/ 160 والقاموس المحيط "الواو" 4/ 413 والنهاية لابن الأثير 3/ 297 والفائق للزمخشري 3/ 74.
وقد سبق أن عرفنا أن هذه اللغة هي الأصل في اللغات السامية1، كما عرفنا أن هناك ركاما لغويا كثيرا من هذه الظاهرة، في القرآن الكريم، والحديث الشريف، والشعر العربي القديم.
وقد استمرت هذه الظاهرة في أشعار المولدين من الطائيين وغيرهم، فها هو أبو تمام الطائي، يمتلئ ديوان شعره بالأبيات التي جاءت على هذه اللغة، مثل قوله:
شجى في الحشى ترداده ليس يفتر
…
به صُمْنَ آمالي وإني لمفطرُ
وقد قال عنه أبو العلاء المعري في هذا الموضع2: "يبين في كلام الطائي أنه كان يختار إظهار علامة الجمع في الفعل، مثل قوله: صمن آمالي، ولو قال: صام آمالي لاستقام الوزن. وقد جاء بمثل ذلك في غير هذا الموضع".
ومن أمثلة ذلك في شعره أيضا.
وغدا تبين كيف غب مدائحي
…
إن مِلْنَ بي هممي إلى بغداد3
ومنها كذلك قوله:
ولو كان الأرزاق تجري على الحجا
…
هَلَكْنَ إذن من جهلهن البهائم4
1 انظر الفصل الذي عنوانه: "رأي في تفسير الشواذ في لغة العرب" من فصول الباب الثاني.
2 شرح الديوان للخطيب التبريزي 2/ 214.
3 شرح الديوان للخطيب التبريزي 2/ 131.
4 شرح الديوان للخطيب التبريزي 3/ 178 وانظر أمثلة أخرى في 1/ 224، 2/ 128، 2/ 288، 3/ 10، 3/ 74 وغيرها.
وقد جاءت بعض أمثلة هذه الظاهرة في شعر المتنبي، فمن ذلك قوله:
ورمى وما رمتا يداه فصابني
…
سهم يعذب والسهام تريح1
وقال كذلك:
نفديك من سيل إذا سئل الندى
…
هول إذا اختلطا دم ومسيح2
وإذا كانت العربية الفصحى، قد تخلصت رويدا رويدا من هذه الظاهرة فإن بقاياها ظلت حية، عند بعض القبائل العربية القديمة، كقبيلة طيئ. وقد حُكيت لنا هذه اللغة كذلك عن قبيلة:"بلحارث بن كعب"3، وقبيلة:"أزد شنوءة"4، وهما من القبائل اليمنية، التي تمت لأصل قبيلة طيئ بصلة5.
6-
ذو الموصولة:
تستخدم قبيلة طييء "ذو" اسما موصولا. وهم اسم موصول قديم في اللغات السامية، منه بقايا في لغة الشعر العبرية6. ومن أمثلته فيها: Halo adonay zu Hatanu lo "أليس الرب الذي أخطأنا إليه"7.
1 ديوانه ص165 وانظر كذلك أمالي ابن الشجري 1/ 133.
2 ديوانه ص169 وانظر كذلك أمالي ابن الشجري 1/ 133.
3 انظر: بصائر ذوي التمييز 5/ 149 والقاموس المحيط "الواو" 4/ 413 ومغني اللبيب 2/ 365.
4 انظر: بصائر ذوي التمييز 5/ 149 وشرح التصريح 1/ 276 والقاموس المحيط "الواو" 4/ 413 ومغني اللبيب 2/ 365.
5 انظر: الاشتقاق لابن دريد 361.
6 انظر: Gesenius، Hebraische Grammatik 115، 467.
7 سفر إشعيا 42/ 24 وانظر أمثلة أخرى في المزامير 132/ 12، 142/ 4، 143/ 8 وغير ذلك.
وقد ورد كذلك في نفش عربي قديم، هو "نقش النمارة"، الذي اكتشفه المستشرق "رينيه ديسو"، في مدفن امرئ القيس بن عمرو بن عدي ويرجع تاريخه إلى سنة 328 بعد الميلاد، ففي السطر الأول من هذا النقش، نقرأ الجملة التالية:"تي نفس مر القيس بر عمرو ملك العرب كله ذو أسر التج"، وهي تعني:"هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلها الذي حاز التاج"1.
وقد شاع استخدام "ذو" هذه في كلام أهل طيئ، اسما موصولا عاما للمفرد والمثنى والجمع، والمذكر والمؤنث، بصورة واحدة لا تتغير في كل ذلك2.
وهي كثيرة الورود بهذه الصورة في أشعار طيئ، فمن أمثلة ذلك قول سنان الفحل الطائي:
فإن الماء ماء أبي وجدي
…
وبئري ذو حفرت وذو طويت3
وقول قيس بن جروة الطائي الملقب بعارق:
لئن لم تغير بعض ما قد صنعتم
…
لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه4
1 انظر كتابنا: فصول في فقه العربية 55-56.
2 انظر في ذلك: لسان العرب "الألف اللينة" 20/ 348 وشرح الحماسة للمرزوقي 2/ 591 والأزهية للهروي 303 وأمالي ابن الشجري 2/ 305 وشرح الرضي على الكافية 2/ 41.
3 البيت له في شرح المرزوقي للحماسة 2/ 591 وشرح التصريح 1/ 137 واللسان "الألف اللينة" 20/ 348 والأزهية 303 ومجمع الأمثال 1/ 45 وتوضيح المقاصد للمرادي 1/ 228 وأمالي ابن الشجري 2/ 305 وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 222 وشرح ابن يعيش للمفصل 3/ 147 وتهذيب اللغة 15/ 44 والدرر اللوامع 1/ 59 وعجزه في شرح الرضي للكافية 2/ 41 وبصائر ذوي التمييز 3/ 25.
4 البيت له في ديوان حاتم الطائي 170 والنقائض 2/ 1082 وشرح المرزوقي للحماسة 3/ 1447، 4 / 1746 وخزانة الأدب 3/ 330 والمزهر 2/ 438 وألقاب الشعراء 2/ 327 وشرح ابن يعيش للمفصل 3/ 148 وينسب له أو لعمرو بن ملقط الطائي في نوادر أبي زيد 61.
وقول قوّال الطائي:
قولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا
…
هلم فإن المشرفي الفرائض1
وقوله كذلك:
أظنك دون المال ذو جئت تبتغي
…
ستلقاك بيض للنفوس قوابض2
وقول ملحة الجرمي الطائي:
يغادر محض الماء ذو هو محضه
…
على إثره إن كان للماء من محض
يروي العروق الهامدات من البلى
…
من العرفج النجدي ذو باد والحمض3
وقول حاتم الطائي:
إذا ما أتى يوم يفرق بيننا
…
بموت فكن يا وهم ذو يتأخر4
وقوله كذلك:
ومن حسد يجور عليَّ قومي
…
وأي الدهر ذو لم يحسدوني5
وقوله أيضا:
كلوا ما به خضرا وصفرا ويانعا
…
هنيئا وخير النفع ذو لا يكدر6
1 البيت له في شر المرزوقي للحماسة 2/ 640 وخزانة الأدب 2/ 295 وهو بلا نسبة في شرح الرضي على الكافية 2/ 41.
2 البيت في شرح المرزوقي للحماسة 2/ 642 وخزانة الأدب 2/ 296.
3 البيتان له في شرح الحماسة للمرزوقي 4/ 1809 ومعجم الشعراء للمرزباني 444.
4 ديوانه ص272 وشعراء النصرانية قبل الإسلام 103 ورواه ابن قتيبة في: الشعر والشعراء 1/ 249: "بموت فكن أنت الذي يتأخر" ولا شاهد فيه!
5 ديوانه ص290 وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 222 والعيني على هامش الخزانة 1/ 451.
6 ديوانه ص373.
كما قال رجل من طيئ أدرك الإسلام:
فإن بيت تميم ذو سمعت به
…
فيه تنمت وأرست عزها مضر1
وقد وردت هذه الظاهرة كذلك في شعر رجل من بني أسد "وقبيلة أسد تجاور طيئا" وهو منظور بن سحيم الفقعسي الأسدي، في قوله:
فإما كرام موسرون أتيتهم
…
فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا2
كما وردت هذه الظاهرة أيضا في أمثال قبيلة طيئ، نحو قولهم:"أتى عليهم ذو أتى"3، أي: أتى عليهم الذي أتى على الناس، وهو الموت.
وجاءت كذلك في قول زيد الخيل الطائي لبني فزارة، وذكر عامر بن الطفيل:"إني أرى في عامر ذو ترون"4. ويروي الجاحظ عن الأصمعي أنه قال: "قال أبو سليمان الفقعسي لأعرابي من طيئ: أبامرأتك حمل؟ قال: لا وذو بيته في السماء، ما أدري! والله ما لها ذنب تشتال به، وما آتيها إلا وهي ضبعة"5.
كما وردت "ذو" الموصولة أيضا، على لسان "حذيفة بن سور العجلاني" حين قابل الأصمعي، فسأله من هو؟ قال الأصمعي: أنا عبد الملك بن قريب الأصمعي. فقال حذيفة: ذو يتتبع الأعراب، فيكتب ألفاظهم؟ "6.
1 نوادر أبي زيد 61 والكامل للمبرد "3/ 217 والأزهية للهروي 303 وأمالي ابن الشجري 2/ 305 وصدره في لسان العرب "الألف اللينة 20/ 348 وتهذيب اللغة 15/ 45.
2 شرح المفصل لابن يعيش 3/ 148 ومعجم الشعراء 282 والدرر اللوامع 1/ 59 وشرح التصريح 1/ 137.
3 انظر: مجمع الأمثال للميداني 1/ 45 ونوادر أبي مسحل 2/ 462 ولسان العرب "الألف اللينة" 20/ 348 وتهذيب اللغة 15/ 45.
4 انظر: الكامل للمبرد 3/ 219 وعنه في ديوان زيد الخيل الطائي 107.
5 البيان والتبيين 2/ 81 وانظر كذلك: لسان العرب "ضبع" 10/ 85.
6 المزهر للسيوطي 2/ 308.
ويبدو أن قبيلة طيئ، لم تكن كلها تجعل ذو الموصولة، ملازمة لحالة واحدة دائما، فقد كان بعض الطائيين يجريها مجرى "ذي" بمعنى صاحب، فيقيسها عليها، ويعربها بالحروف. قال المرادي:"وبعض طيئ يعرب "ذو" الطائية، إعراب التي بمعنى: صاحب، فيقول: جاء ذو قام، ورأيت ذا قام، ومررت بذي قام"1 وقد حكى ذلك ابن الدهان أيضا2. وعلى لغة هؤلاء روي قول منظور بن سحيم السابق:
فإما كرام موسرون أتيتهم
…
فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا3
كما أن بعض الطائيين، يفرق بين المذكر والمؤنث في الموصول، فيجعل "ذو" للمذكر مطلقا، مفردا ومثنى ومجموعا، و"ذات" للمؤنث مطلقا، مفردا ومثنى ومجموعا كذلك4، قال ابن الشجري:"وذو موحدة على كل حال في التثنية والجمع، وكذلك ذات موحدة مضمومة في كل حال"5. وحكى هذه اللغة الجزولي6.
وقد جاء عليها ما رواه الفراء في كتابه: "لغات القرآن" من أنه سمع
1 الجنى الداني 242 وانظر: شرح التسهيل لابن مالك 1/ 222 وشرح التصريح 1/ 137.
2 انظر: شرح الرضي على الكافية 2/ 41.
3 روي البيت على هذه اللغة في شرح الحماسة للمرزوقي 3/ 1158 وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 222 والمقرب 1/ 59 وتوضيح المقاصد للمرادي 1/ 229.
4 انظر: الأزهية 303 وشرح الرضي على الكافية 2/ 41 ولسان العرب "الألف اللينة" 20/ 348.
5 أمالي ابن الشجري 2/ 305.
6 انظر: شرح الرضي على الكافية 2/ 41.
أعرابيا من طيئ يسأل ويقول: "بالفضل ذو فضلكم الله به، وبالكرامة ذات أكرمكم الله به"1، أي بها.
وبعض هؤلاء الطائيين، يصرف هذا الاسم تصريفا كاملا، يختلف في المفرد والمثنى والجمع، والمذكر والمؤنث2، فيقول: هذا ذو نعرف، وهذان ذوا نعرف، وهؤلاء ذوو نعرف، وهذه ذات نعرف، وهاتان ذواتا نعرف، وهؤلاء ذوات نعرف. ويضمون التاء من:"ذات" و"ذوات" على كل حال.
وأنشد الفراء على هذه اللغة، قول رؤبة بن العجاج:
جمعتها من أينق موارق
…
ذوات ينهضن بغير سائق3
وخلاصة القول في هذه المسألة، أن طيئا تنقسم في "ذو" الموصولة، على أربع فرق:
الأولى: توحد "ذو" دائما وتبنيها على الضم.
الثانية: توحد "ذو" دائما، وتعربها إعراب "ذي" بمعنى: صاحب.
الثالثة: تجعل "ذو" لمفرد المذكر ومثناه وجمعه، و"ذات" لمفرد المؤنث ومثناه وجمعه.
1 انظر: شرح التصريح 1/ 138 والأزهية 303 وأمالي ابن الشجري 2/ 305 واللسان "الألف اللينة" 20/ 348 وتهذيب اللغة 15/ 44 وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 218 والمقرب 1/ 59.
2 روى ذلك الفراء في كتاب: لغات القرآن. انظر شرح التصريح 1/ 138 والمقرب 1/ 59.
3 انظر: الأزهية 303 وأمالي ابن الشجري 2/ 305 1/ 58 وشرح التصريح 1/ 138 وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 218 وانظر كذلك ملحق ديوان رؤبة ق70/ 1 ص180.
الرابعة: تصرف "ذو" على حسب الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث.
والفرقة الأولى، تمثل الظاهرة في صورتها القديمة، بدليل ما في العبرية، والنقوش العربية القديمة. وما عند غير هذه الفرقة، تطور لعب فيه القياس اللغوي دورا كبيرا.
7-
الوقف على تاء التأنيث:
من المعروف أن العربية الفصحى، تقف على تاء التأنيث في الاسم بالهاء1، ولكن قبيلة طيئ وحدها، من بين القبائل العربية القديمة، كانت تقف على هذه التاء بغير إبدال، فتبقيها تاء كحالتها في الوصل سواء بسواء، "قال الفراء: والعرب تقف على كل هاء مؤنث بالهاء إلا طيئا، فإنهم يقفون عليها بالتاء، فيقولون: هذه أَمَتْ، وجَارِيَتْ، وطَلْحَتْ"2.
وقد ذكر سيبويه هذه الظاهرة، وإن لم يسم القبيلة التي تخصها، وروى ذلك عن أبي الخطاب الأخفش، فقال:"وزعم أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقولون في الوقف: طلحت، كما قالوا في تاء الجميع قولا واحدا في الوقف والوصل"3.
1 انظر في تفسير هذه الظاهرة: مقدمة تحقيقنا لكتاب البلغة لابن الأنباري.
2 اللسان "ها" 20/ 370 وانظر كذلك: شرح شواهد الشافية 4/ 199.
3 كتاب سيبويه 2/ 281 وانظر: شرح شواهد الشافية 4/ 218.
وعلى هذه اللغة، جاء قول بعضهم:"وعليه السلام والرحمتْ"1، وقول أبي النجم العجلي:
الله نجاك بكفي مَسْلَمَتْ
…
من بعدما وبعدما وبعد مت
صارت نفوس القوم عند الغَلْصمَتْ
…
وكادت الحرة أن تُدعَى أَمَتْ2
وقول سور الذئب:
بل جوز تيهاء كظهر الحَجَفَتْ3
وهذا الذي تصنعه قبيلة طيئ، هو ما يوجد في اللغتين: الأكادية والحبشية4 من اللغات السامية، أخوات اللغة العربية. وهو يروى كذلك عن اللغة الحميرية، قال ابن منظور: "والوثب: القعود، بلغة حمير، يقال: ثِبْ، أي: اقعد. ودخل رجل على ملك من ملوك حمير، فقال له الملك: ثب، أي اقعد، فوثب فتكسر، فقال الملك: ليست عندنا عَرَبِيَّتْ، من
1 شرح ابن يعيش للمفصل 9/ 81 والخصائص 1/ 304 والمحتسب 2/ 92 وشرح شواهد الشافية 4/ 199، 4/ 220.
2 الأبيات لأبي النجم في اللسان "ما" 20/ 361 وشرح التصريح 2/ 344 والدرر اللوامع 2/ 214 وهي بلا نسبة في شرح المفصل 5/ 89، 9/ 81 والخصائص والعيني على هامش الخزانة 4/ 559 والدرر اللوامع 2/ 235 والخزانة 2/ 148 والخصائص 1/ 304.
3 هو لسؤر الذئب في 14 بيتا في اللسان "حجف" 10/ 383 و13 بيتا في شرح شواهد الشافية 4/ 200 وبلا نسبة في اللسان "بلل" 13/ 74 والإنصاف 232 والمحتسب 2/ 92 والمخصص 9/ 7، 16/ 84 16/ 96، 16/ 120 وشرح المفصل 2/ 118، 4/ 67.
5/ 89، 9/ 81، 10/ 45 والخصائص 1/ 304، 2/ 98.
4 انظر: فقه اللغات السامية لبروكلمان 96.
دخل ظفار حمر، أي تكلم بالحميرية. وقوله: عربيت، يريد: العربية، فوقف على الهاء بالتاء، وكذلك لغتهم"1.
وقد حدث ذلك أيضا في كثير من المؤنثات العربية، التي دخلت اللغة التركية، ولذلك كتبها الأتراك بالتاء المفتوحة، ومنها كثير من الأعلام العربية، التي جاءتنا من تركيا بصورتها الجديدة، مثل: طلعت، وعزت، وألفت، وقسمت، ونعمت، وحشمت، ومدحت، وعفت، وبهجت، وعصمت، وشوكت، ومرفت، وثروت، وغيرها.
فهذه الأعلام ليست في الحقيقة، إلا الصورة التركية، للمصادر والأسماء العربية التالية: طلعة، وعزة، وألفة، وقسمة، ونعمة، وحشمة، ومدحة، وعفة، وبهجة، وعصمة، وشوكة، ومرفة، وثروة، ونحوها.
غير أن المصادر العربية، تروي لنا كذلك أن قبيلة طيئ، كانت تقف على تاء جمع المؤنث السالم وما يماثلها بالهاء، وهذا ما يحكيه قطرب عنهم2، فقد سمع بعضهم يقول:"دفن البناه من المكرماه" يريد: دفن البنات من المكرمات، ويقول:"كيف الإخوة والأخواه" يريد: كيف الإخوة والأخوات. ومثل ذلك أيضا قولهم: "هيهاه" و"أولاه" في: هيهات وأولات3.
1 لسان العرب "وثب" والخصائص 2/ 28 وإصلاح المنطق 162 والمخصص 16/ 84.
2 انظر: الممتع 1/ 402 وشرح التصريح 2/ 343 وشرح ابن يعيش للمفصل 10/ 45.
3 انظر: شرح الأشموني 4/ 214 وهمع الهوامع 2/ 209 والممتع 1 402 وشرح التصريح 2/ 343.
ويبدو أن ذلك لم يكن لغة لهم جميعا، بدليل قول بعض المصادر العربية في عرض هذه الظاهرة:"وسمع إبدالها هاء في قول بعضهم"1.
ونحن نفترض في بعض هؤلاء الطائيين، أنهم كانوا يقفون على تاء التأنيث في المفرد بالهاء2، كما في العربية الفصحى تماما، غير أن هؤلاء القوم قاسوا تاء جمع المؤنث السالم، على تاء تأنيث المفرد، ولا سيما تلك التاء التي تقع في المفرد بعد ألف، مثل تاء: صلاة، وزكاة، وحياة، وقناة، وأداة، وأناة، ونجاة، وحماة، وفلاة، ووفاة، وحصاة، ونواة، وفتاة، ودواة، ومهاة، وغيرها.
وقد فطن إلى هذا، الشيخ خالد الأزهري، فقال وهو يتحدث عن المثال: دفن البناه من المكرماه: "بإبدال تاء الجمع هاء في الوقف، تشبيها بتاء التأنيث الخالصة"3.
وفي بعض اللهجات العربية المعاصرة، كلهجة "القصيم" في الجزيرة العربية، قياس عكسي في هذه الظاهرة؛ إذ يقف الناس في لهجات الخطاب هناك على تاء التأنيث المسبوقة بالألف في المفرد، بالتاء، قياسا على الوقف على تاء جمع المؤنث السالم بالتاء.
1 انظر: شرح الأشموني 4/ 214.
2 وانظر: شرح المفصل لابن يعيش 10/ 45.
3 شرح التصريح 2/ 343.