الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واضطراري:
ومتعلقه ضِيْق النفس والعيّ (1).
واختياري:
بالياء المثناة تحت، وهو المقصود هنا، وهذا إما قبيح أوغيره؛ لأنَّ اللفظ الموقوف عليه إما أن يستقلَّ بمعنًى أو لا، الثاني القبيحِ، ويأتي.
الأوَّل: ثلاثة أقسام: تام، وكاف، وحسن.
فأما التام (2): فهو الذي يَحسُن الوقوف عليه والابتداء بما بعده، وهذا إنما يكون على لفظ لم يتعلق بشيء مما بعده ولا ما بعده به، بأن يكون منقطعًا عما بعده لفظًا ومعنًى. وأكثر ما يوجد في الفواصل ورؤوس الآي وانقطاع الكلم وانتهاء القصص، نحو:{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ونحو ذلك.
وقد يوجد قبل انقضاء الفاصلة، نحو:{وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)} ، فـ {أَذِلَّةً} هو آخر كلام بِلْقيس، و {يَفْعَلُونَ} هو رأس الآية (3).
وقد يوجد بعد انقضائها، نحو:{وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ} ، فـ {مُصْبِحِينَ} هو رأس الآية، و {وَبِاللَّيْلِ} هو تتمة الكلام.
(1) فيجوز للقارئ الذي عرض له ما ذُكر الوقف على آية كلمة وإن لم يتم المعنى، ثم يجب عليه أن يعود إلى الكلمة التي وقف عليها فيبتدئ بها إن صلح الابتداء بها وإلَّا بما قبلها.
(2)
سُمَّي تامًّا: لتمام المعنى وكماله عند الكلمة الموقوف عليها، وعدم الاحتياج إلى ما بعدها لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى.
(3)
بل هو ذيلها.
وكذلك: {عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا} ، فرأس الآية {يَتَّكِئُونَ} ، وتمام الكلام {وَزُخْرُفًا} ؛ لأنه معطوف على {سُقُفًا} . ويقاس على هذا ما يشبهه.
والوقف التام من قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} ابتداء كلام آخر.
وأما الكافي: فهو الذي يُكتفى بالوقف عليه والابتداء بما بعده، وذلك بأن يكون اللفظ الموقوف عليه متعلقًا بما بجده من حيث المعنى لا من حيث اللفظ (1)، نحو قوله تعالى:{لَا رَيْبَ فِيهِ} ، ونحو:{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (2)، ونحو:{وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)} (3)، وأمثالها.
وأما الحَسَن: فهو الذي يَحسُن الوقوف عليه ولا يَحسُن الابتداء بما بعده، بأن يكون اللفظ الموقوف عليه متعلقًا بما بعده لفظًا ومعنًى (4)، نحو:{الْحَمْدُ لِلَّهِ} ، فالوقف عليه حَسَن؛ لأنَّ المعنى مفهوم، ولا يحسن الابتداء بما بعده (5) لكونه تابعًا لما قبله لفظًا ومعنًى.
(1) وحكمه كالوقف التام: أنه يَحسُن الوقف عليه والابتداء بما بعده، والوقف عليه أولى من الوصل.
(2)
فما بعدها: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)} ، فهي مرتبطة بها معنىً لا لفظًا.
(3)
فما بعدها: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} فهي أيضًا مرتبطة بها معنىً لا لفظًا.
(4)
ينبغي أن يُعلَم أنه يلزم من التعلق اللفظي التعلق في المعنى ولا عكس، فلا يلزم من التعلق بالمعنى التعلق في اللفظ.
(5)
وهو: {رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)} .
ومَحَلُّ النهي عن ذلك إذا لم يكن رأس آية، فإن كان فيجوز الوقف عليها والابتداء بما بعدها ولو كان التعلُّق المذكور موجودًا فيها لورود السنَّة بالوقف (1) على نحو:{الْعَالَمِينَ (2)} ، والابتداء {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)} ، ولأنَّ رؤوس الآي فواصل بمنزلة فواصل السجع والقوافي، فلا بأس بالوقف عليها مع ذلك إن أُمِن اللَّبْسُ.
تنبيه: المراد بالتعلُّق المعنوي أن يتعلَّق المتأخِّر بالمتقدِّم من حيث المعنى لا الإِعراب، كالإِخبار عن حال المؤمنين والكافرين، أو تمام قصة ونحو ذلك. وباللفظي أن يتعلَّق به من حيث معنى الإِعراب لا المعنى؛ لكونه صفة له أو معطوفًا عليه، ونحو ذلك.
وأما القبيح: فهو الوقف على اللفظ الذي لم يستقل بمعنى، كالوقف على المضاف دون المضاف إليه، وعلى الرافع دون مرفوعه، وعلى الناصب دون منصوبه، وعلى أداة الشرط دون شرطها، وعلى الشرط دون جزائه، وعلى الموصوف دون صفته إذا لم يَتِمَّ معناه
(1) وذلك لما روته السيدة أمُّ سَلَمة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَطِّع قراءته يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثم يقف، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)} ثم يقف، وكان يقرؤها:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} .
الحديث رواه الترمذي ح (2927)، ورواه وأبو داود بلفظ قريب ح (4001).
قال الإِمام المقرئ أبو عمرو الداني في كتابه "المكتفى في الوقف والابتدا" ص 147: ولهذا الحديث طرق كثيرة، وهو أصلٌ في هذا الباب.
وقال الإِمام ابن الجَزَري في "النشر" 1/ 224: رواه أبو داود ساكتًا عليه، والترمذي، وأحمد، وأبو عبيدة، وغيرهم، وهو حديث حَسَن وسنده صحيح.
بدونها، وكذا المعطوف عليه دون المعطوف. لكن إذا اضطُرَّ القارئ لعيٍّ أو غيره إلى الوقف على شيء من ذلك فيجوز له، ولكن ينبغي له أن يبدأ بما قبله.
وأقبح من الوقف على ما ذُكِر الوقف على بعض حروف الكلمة، وأقبح منه الوقف على قوله تعالى:{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا} ، وعلى قوله تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى} ، فإن وقف عليهما مضطرٌ فلا بأس، لكن لا يبتدئ بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} ، ولا بقوله:{نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} ، بل يبتدئ بما قبله فإن لم يفعل فقد أخطأ خطأ فاحشًا.
تنبيه: جميع ما ذُكِرَ في الوقف والابتداء إنما هو على سبيل السُنَّة لا على سبيل الوجوب، فليس شيء منه واجبًا يحنث القارئ بتركه ولا حرامًا يأثم بفعله، بل المقصود منه تحسين القراءة وترتيلها وإعرابها؛ لأن الوقف والابتداء لا يدلَاّن على معنى حتى يأثم القارئ بذهابهما، اللَّهُمَّ إلَّا أن يكون لذلك سبب يستدعي تحريمه، كأن يقصد الوقف على {وَمَا مِنْ إِلَهٍ} ، و {إِنِّي كَفَرْتُ} ، ونحوهما من غير ضرورة، إذ لا يفعل هذا مسلم. فإن لم يقصد ذلك لم يَحرُم، لكن الأحسن اجتناب مثل هذا المحذور للإِيهام الحاصل به.