الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الديمقراطية في الإسلام
محاضرة ألقيت بنادي الطلبة المغاربة سنة 1960
سادتي:
ورثنا نحن معشر الشعوب الإسلامية، كما ورثت معنا وفي الظروف نفسها الشعوب الإفريقية الآسيوية، التي خضعت مثلنا للدول الإستعمارية، واحتكت بثقافتها وحضارتها في إطار الإستعمار، ورثنا من هذا الاتصال بحم القانون الذي يفرض على المغلوب عادات وتقاليد الغالب، ورثنا المقاييس المرتبطة بحياة العالم الغربي. وبتجربته التاريخية، وتقبلنا بعضها لنقشى بها الواقع الاجتماعي لدينا، ونوازن على ضوئها ماضينا بما يسحر أبصارنا في حاضر هذه الامم الغربية. هذه الامم التي فرصا علينا عاداتها ومفاهيهها ومصطلحا! اوأسلوب حياتها، وهكذا رأينا هذه الأشياء مس! ات يقتدي بها فكرنا ويهتدي بها اجتهادنا، ويستدل بها منطقنا، دون أن نحقق في درجتها من الصحة واتفاقها مع جوهر شخصيتنا، وفلسفة حياتنا. وكان أثرها في تفكيرنا أن أصبحنا نتناول! ني كتابتنا وفي حديثنا موضوعات جديدة، مثل موضوع هذا الحديث أي الديمقراطية في ال! سلام.
إننا حينها نقدم عنواناً كهذا لا نشعر عادة بأنه يتميهن فسَلَّمة! يسلم بها أحد تسليم القتنع، وإنما نسلِّم بها خضوعاً لمسايرة العرف الذي فرضته علينا الحضارة الغربية، حتى أصبحنا نفم إلى الإسلام كل ما نعتقد أنه ذو قيمة حضارية، دون أي تمحيص ف! يربطه أو يحدد درجة ارتباطه بالإسلام أو يتره عنه الإسلام. فالديمقراطية من تلك العناصر التي نتقبلها لنضيفها إلى التراث الإسلامي، مقتنعين بما يسوّغ هذه الإضافة، ولو بصورة شكلية، حق يصبح الموضوع لا يفتح بابه على نقطة استفهام:" هل توجد ديمقراطية في الإسلام؟ " بل ندخل فيه مباشرة من باب الس! ات، فنقول:" صفوا لنا الديمقراطية الموجودة في الإسلام ".
إن مشكلة الربط بين هذين المصمطلحين هي في نظري المشكلة الأساسية في الموضوع: يجب أولاً أن نميز بينهما وأن نعطي لكليهما ما تستحق شخصيته من التعريف، حتى يتبين في ضوء هذا التعريف أي قرابة توجد بين الصطلحين. وعليه يجب في خطوتنا الأولى أن نوضمح وأن نرف مصطلحاتنا: ما هو الإسلام؟ وما هي الد يمقراطية؟
ولا بد هنا من ملاحظة: أن كل مصطلح كان في زمن ما كمة محدثة، وإننا نعرف بالضبط متى حدثت ك! ة (إسلام) في اللغة العربية وبمعناها الدارج، إنها لا شك من ابت! ر القرآن الكريم.
ولكننا على جانبا أقل من العرفة ف! يخص مصطلح (ديمقراطية)، فنحن
لا نرف متى درجت في اللغة الربية بو! مفها مفردة مستوردة، ولا نعرف حتى تاريخ حدوثه في لغته الاصملية، إنما نعرف أنه صيغ في اللغة اليونانية قبل ع! ر (بريكلاس)، إذ أن الؤرخ (توسديد) يذكره على لسان هذا القيصر في إحدى خطبه الوجهة إلى شعب أثينة، أي منذ خسة قرون قبل اليلاد.
هكذا نرى المملة مفقودة بين الصطلحين بالنسبة إلى الزمان وإلى ال! ن، وربما أمكن القول مجازفة، نظراً لهذا التباعد من حيث التاريخ ومن حيثا الجغرافية، بأن لشى هناك " ديمقراطية في الإسلام ".
ومن جهة أخرى فبقدرما يكون اللفظ مشحوناً بالتاريخ، أي بقدر
ما تكون له من جذورفي واقع وتاريخ البشر، كما هو شأن الكمتين اللتين نحللهما، يكون شيء من التباس في هذا اللفظ التباساً يلبسه أحياناً معاني متعددة.
يجب إذن أن نرفع هذا الالتباس باختيارأي هذه المعاني نقصد بالضبط: إن
كلمة إسلام وكمة ديمقراطية تحتوي كلا! اعلى مضون ثري، يجب من الناحية العملية تبسيطسه إلى أقم! ما يمكن حتى تتشر الوازنة بينهما.
ما هي الديمقراطية في أبسط معانيها؟
إن أي قاموس اشتقاق في اللغة الفرنسية يدلنا على أن الكمة مركبة من مفردتين يونانيتين، وتعني (سلطة الشعب) أو سلطة الهاهير، كما تعودنا أن نقول اليوم، أي بتعبير تحليلي موجز (سلطة الإنسان).
ومن جهة أخرى ما هو (الإسلام)؟ في أبسط معاني الك! ة لعلنا لا نجد جواباً أفضل على هذا السؤال، من أن نستعيره من جواب الني! ذاته على سؤال ورد في حديث مشهور رواه مسلم والترمذي، والإمام أحمد والبخاري عن أل! هريرة، في روايات هتقاربة قال أبو هريرة: كان الني ى! 2 بارزاً يومأ للناس فأفتاه رجل فقال: ما الإيمان؟
…
الخ .. إلى أن قال ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصملاة وتؤدي الز؟ ة وتصوم رمضان. فإذا قصرنا الأمر على ما يتصل بموضوعنا، ووضعنا أمام أعيننا في هذا النص الجواب، الذي يستحق ثقة أكثر جواباً للسؤال المطروح: نرى أن الإسلام هو الإيمان بالله وحده، والقيام بالصلاة وأداء الز؟ ة والصيام.
وقد يقولط من يشرح هذا الحديث إنه! يذ! ر الحج لأنه ورد قبل أن يحدد فر! ط الحج.
ومهما يكن في الأمر، فها نحن وضعنا للكمتين التحديد المتفق مع أبسط معانيهما.
فهل يوجد وجه موازنة بينهما بعد هذا التبسيط؟ أي وجه موازنة بين مفهوم سياسي يفيد جمله تقرير (سلطة الإنسان) في نظام اجتماعي معين، وبين
مفهوم ميتافيزيقي يفيد جمله تقرير (خضوع الإنسان) إلى سلطة الله في هذا النظام أو في غيره؟
هكذا ينتهي الأمر فيما يبدو إلى مناقضة أوما يشبه مناقضة، كما لتي ظهرت
بكل وضوح في الشعارات التي نادت بها الثورة الفرنسية في نضالها ضد الكنيسة الا نريد ربأ ولا سيداً)، فهذه الناقضة الصورية تزيد طبعاً في تباعد الصطلحين، وفي صعوبة الوازنة التي نريد عقدها بينهما.
ولكن الصعوبة هذه ليست نتيجة الواقع الذي يدل عليه الصطلحان كلا! ا، بل!! اتنتج من كيفية تعبيرنا عن هذا الواقع:
إننا قد اخترنا مثلاللتعبير عن الديمقراطية العق اللغوي؟ يعرفه لنا أي قاموس اشتقاق، وهو مرتبط بمَقاليد الثورة الفرنسية التي يعد هذا الصطلح من إنتاجها اللغوي في هذا العصر.
ولكن ينبغي علينا في الواقع أن نعيد الكرة في تحديد الديمقراطية، ونحددها دون ربطها مسبقاً باي مفهوم آخر؟ لإسلام، فننظر إليها على أم وجوهها، أي في إطارممومياتها قبل أن نربط الموضوع باي مقياس مسبق.
ففي مثل هذا الإطار، الذي ستتضح مسوّغاته ف! بعد، يجب أن ننظر إلى الديمقراطية من ثلاثة وجوه:
1 -
الديمقراطية بوصفها شعورأ نحو الى (أنا).
2 -
الديمقراطية بوصفها شعورأ نحو الآخرين.
3 -
الديمقراطية بوصفها جموعة الشرووو الاجتماعية السياسية الضرورية لتكوين وتنهية هذا الشعورفي الفرد.
فهذه الوجوه الثلاثة تتفمن بالفعل مقتضيات الديمقراطية الذاتية والموضوعية، أي كل الاستعدادات النفسية ال! يقوم عليها الشعور الديمقراطي
والعدة التي يستند عليها النظام الديمقراطي في المجتمع، فلا يمكن أن تتحقق الديمقراطية واقعاً سياسياً إن اتكن شروطها متوافرة في بناء الشخصية وفي العادات والتقاليد القائمة في البلد.
فهذه الاعتبارات تكوِّن العموميات التي تتحدد في نطاقها المشكلة بما تقتضيه
من الوضوح، فهي تدلط خاصة على أن الشعور بالديمقرا! ية مقيد بشروط معينة لا يتحقق بدونها، وهذه الشروط ليست من وضع الطبيعة ولا من مقتضيات النظام الطبيعي، على خلاف ما؟ فت تتصوره الفلسفة الرومنطيقية في عهد جان جاك روسو، بل هي خلاصة ثقافة معينة وتتويج لحركة الإنسانيات وتقدير جديد لقيمة الإنسان: تقديره لنفسه وتقديره للآخرين.
فالشعور الديمقراطي هو نتيجة لهذه الحركة عبر القرون، ولهذا التقدير الزدوج لقيمة الإنسان.
إن الؤرخ الفرنسي (جيزو) يمّيح لنا في كتابه (تاريخ أوربا من نهاية الإمبراطورية الرومانية إلى الثورة الفرنسية) تتبع هذه الحركة، أي التطور الذي أدى إلى ظهور الد يمقراطية في أوربا. ونمو الشعور الد يمقراطي في البلاد الاور بية.
فالؤرخ الكبير يبين أكانت أصول الديمقراطية الغربية بعيدة وبسيطة، وكيف تكون الشعور الديمقراطي ببطء، قبل أن يتفجر بالتالي في التصريح بحقوق الإنسان والواطن، ذلك التصر يح الذي يعبر عن التقو يم الجديد للإنسان، وعن التتو يج الاسطوري والسياسي للثورة الفرنسية.
فالشعور الديمقراطي الغربي، قد بدأ يعبر عن نفسه، وهو ايتخلص بعد
من الغموض اللازم لكل ما هو في حالة تخلق ونشوء، خلال الحركتين التاريخيتين الكبيرتين: حر! ة الإصلاح وحركة النهضة، بل إن هاتين الحركتين
هما أول تصريح بقيمة الإنسان الاوربي في مجال الروح وفي مجال العقل.
فن الواضح أن هذا الدرس عن تاريخ أوربا الذي نقرؤه في! تاب (جيزو)، نجد الواقع الاجتماعي مطبوعا ومغلفا بخصالًص المجتمع الغربي، مثل حركة الإصلاح والنهضة.
ولكن الحقيقة العأمة بالنسبة إلى الشعور الديمقراطي، مهما يغشاها من قلة وضوح تلبس معها هنا ظواهر التاريخ الغربي وخصائصه، التي لا يمكن أن تتكرر في تاريخ الاجناس والشعوب الأخرى، فإنها تبرز على الرغم من ذلك تحت هذا الغلاف الخاص، أي عندما نخلص الموضوع من قيود التاريخ والسياسة ونعبر عن الأشياء بمصطلح علم النفس وعلم الاجتماع.
إن الشعور الديمقراطي في أوربا كان النتيجة والَال الطبيعي لحركة الإصلاح والنهضة. فهذا هو معناه التاريخي الصحيح، ولكن هذا العنى لا يفصل عن تاريخ أوربا ليطبق على أمم أخرى.
ولكن القانون العام بالنسبة إلى طبيعة الشعور الديمقراطي، سواء في أوربا
أو في بلد آخر، هو أن هذا الشعور نتيجة لاطراد اجماعي معين: فهو بالصطلح النفسي الحد الوسط بين طرفين، كل واحد منهما يمثل نقيضاً بالنسبة للآخر، النقيض العبر عن نفسية وشعورالعبد السكين من ناحية، والنقيض الذي يعبر عن نفسية وشعورالستعبد الستبد، من ناحية أخرى.
فالإنسان (الحر) أي الإنسان الجديد الذي تكثل فيه قيم الديمقراطية والتزاهاتها، هو الحد الإيجابي بين نافيتين تنفي كل واحدة منهما هذه القيم وتلك الالتزامات: نافية العبودية، ونافية الاستعباد.
ولهذا التطورناحية شكلية لها دلالتها عندما يضفى على هذا الإنسان (الحر) لقب يعبر عن قيمته الجديدة، فبعد أن كان يعد، ءؤدا 3 أي التابع إلى الملك
أو مولاه، تسميه الثورة الفرنسية! ح لا 45 أح المواطن، وتحا أالملك لو يس السادس عشر فتسميه (الواطنكأنيه) أثناء المحاكة، وبعد أن كان الفلاح الروسي يسس (موجيك) في العهد القيصري، أصبح (الرفيق) بعد ثورة أكتوبر سنة 1917. التي علقت على باب العهد الجديد صورة (الرفيق) ستالين.
ومن أثر هذه الشكليات أن يكون من بين أكبر الاسماء التي حلقت في سماء الثورة الفرنسية ايمم (روبسبييرح 3! س! أ"3 س!؟ هـ ")، حفيد أولئك الذين كانوا من قطيع 3،!! 3 أي الخدم. و (ميرابو ول! س!؟! 3 أ 7) حفيد أولئك الإقطاعيين 3 م داس! + "أس! 3 الذين مثلوا العهد البائد جمما فرنسا قبل الثورة.
فهذه هي الحقيقة العأمة، الخالصة من ظروف البيئة، والطابقة لكل وسط إنساني مهما كانت ظروفه التاريخية الخاصمة.
وهذا هو القياس العام الذي تقاس به الأشياء بالنسبة إلى أي تطور ديمقراطي. سواء بوصفه واقعاًا ندثر في طيات التاريخ، أو مشروعاً نريدى تحقيقه في واقع مجغ.
فكل تطورمن هذا النوع هو في جوهره مملية تصفية تصفي الإنسان، حتى يصبح الإنسان الجديد في صورة (الواطن) أو صورة (الرفيق)، أي الإنسان الذي تخلص من رواسب العبودية ومن نزعاقما الاستعباد، التي تكون الصورة السلبية للشعور الد يمقراطي.
والتاريخ يعطينا نماذج كثيرة من هذه الصور السلبية أي الصور العبرة عن نفسية العبد ونفسية الستعبد.
إنه لا يخلو من الفائدة أن نذكر بعض هذه النماذج توضيحاً ل! موضوع وربما وجدنا بعضها تهما في الادب:
-71 -
فالإرشاداتا التي يعطيها شخص أو رسول إلى شخص (جوينبلين) في قصمة فيكتورهوجو (الرجل الذي يفمحك)، هي في الواقع إرشادالا تنطق فيها روح العبد. حيث يقول أرسوس لزميله:" هناك سنة يتهسك بها الكبار، فإضهم لا يعملون شيئاً، وسنة يكسك بها الصغار، فإضهم لا يقولون شيئاً: إن الفقير ليس له صديق إلا صديق واحد: الصت، إنه لا يجوزله أن يتفوه إلا بكمة واحدة: نعم، فالاعتراف والرضا هو كل حقه: نعم إلى القاضي، نعم إلى اللك ". فالكبار ينهالون عليه ضربا بالعصا، إذا ما حدثتهم نفوسهم .. " إن هذا
من حقهم، وإنهم لا يخسرون شيئا من عز 33 إذا ما دكوا عظامنا ضربا .. ". فن البين أن فيكتورهوجو وصف في هذا اطوار بكل دقة نفسية العبد، الذي يقول " نعم،) في كل الظروف، ونشر أفي هذه الك! ة الإيجابية في لفظها من سلبية في معناها، إذ إن (نعم) هنا تساوي نافية، تلغي قيمة الى (أنا)، أي أنها تنفي القاعدة الأساسية التي تبنى عليها الديمقراطية في نفس الفرد.
ولا يخلو الادلب العرد! من هذه الاذج العبرة عن نفسية العبد، إننا نجدها خاصة في كتاب (ألف ليلة وليلة)، حيث نرى جما كل صفحة الامير يأمرأو يهدد بصرب عنق، والجلاد يقول:(نعم) السمع والطاعة يا مولأنا.
وإننا لنجد صورة أخرى للنافية التي تنفي الشعور الديمقراطي، في صورة الستعبد الستبد، كما يصفه القرآن الكريم لنا في الحوار الشهور الذي دار بين فرعون وموسى حيثا يسأل الأول:
- (فَمَنْ رَبكما يَا مُوسَى؟! أطه: 49/ 20)
فيرد الثاني:
- (رَئنا الذي أعْطى كلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى! أطه: 50/ 20)
- 72 -
إننا نرى أيعبر هذا السؤال عن نفسية الجبارالستبد، الذي يريد استعباد الخلق، وكان ينتظر من موسى الاعتراف بمزاممه في الربوبية، حتى أقى جواب الرسول فأثار غضبه لأنه كان رفضاً لزاعه.
ولكن المشهد يسكر فيزيد وضوحا في تصوير المستبد، فنراه يندفع في كبريائه، ويرجئ الرسول إلى يوم الزينة ليكون موعداً له وللسحرة، فيتزايد غضب الطاغية الستبد عندما رأى! يد الشيطان مهزومأ والسحرة سجداً:(قالوا آمنّا بِرَباِّ هرونَ ومويى! أطه: 70/ 20). فغضب الطاغية: (قال آمَنْتمْ لَة قبل أنْ آذَنَ لم، إئهُ لكبيرآُ الذي علَّمكُم السِحر، فلاقطّعَنّ أيديَم وأرجلَم من خِلاف، ولاصلبنَّمُ في جذوعِ النخْلِ، ولتعلَمُنَّ أيُّنا أشدّ عذاباً وأبقى! أطه: 171/ 20.
لشى من الضروري أن نتابع الشهد إلى آخره، فقد أعطانا صورة؟ فية للاستبداد في شخص فرعون، بقدرما يزداد غضبه على الرسول وعلى السحرة، فالوقف لا يعبر هنا عن (نافية) إزاء ال (أنا)، بل عن نافية إزاء الآخرين أي أنه ينفي جانباً من الشعور الديمقراطي.
ولكن قد نجد أحيانآَ موقفاً يعبر عن النافيتين معاً.
إن تاريخ روسيا القيصرية ترك لنا قصة ذات دلالة في الموضوع، إذ نرى
أحد القياصرة، وهو ف! أعتقد القيصر إسكندر الاكبر، وقد كان في ضيافته أمير من الغرب، فأراد القيصر أن يبرهن لضيفه عن مقدارسلطانه على رعيته، فأشار بأصبعه إلى جندي كان يقوم بدور حراسة بأحد ممرات الدوريات الشرفة على هاوية سحيقة، فبهجرد الإشارة ألقى الجندي بنفسه من ذلك العلو، كانه آلة تحركت بالضغط على زر
…
فهذا الشهد يتفحن بكل وضوح موقف العبد وموقف الرجل الستبد، أي نافيتي الشعور الد يمقراطي.
- 73 -
ويمكن جمع الكثير من هذه الكاذج، مثل رئيس الحشاشين، حسن السفاح، أو شيخ الجبل؟ كان يلقب، فإنه كان أيضاً يتصرف في حياة أتباعه فيقوم أحد! لمجرد الإشارة ليلقي بنفسه في هاوية معنوية، يلقى فيها كيره. وعلى كلِ فإن ما ذكرنا يكفي لتكو ين إطار العموميات التي تحيط بالموضوع، وتكون مرجعاً يرجع إليه في هذا السياق.
فالقضية إذن عندما نتحدث عن الديمقراطية في الإسلام منوطة بهذه العموميات وهذا الرجع، أي بالعناصر الثلاثة التي قدمناها على أنها الشروط العأمة لوجود الشعور الديمقراطي في أي بيئة.
وبالتالي فالسؤال هو: هل الإسلام يتضن ويتكفل هذه الشروط الذاتية والموضوعية، أي هل يكون نحو (الأنا) ونحو (الآخرين) ال! عور الذي يطابق الروح الديمقراطي؟ بينا، وهل يخلق الظروف الاجماعية الناسبة لتكية هذا الشعور؟
وعلينا من وجهة علية، وقبل الجواب على السؤال " هل يخلق الإسلام الشعور الديمقراطي؟ ا) أن نتساءل: هل يخفف الإسلام حقيقة من كلية ومن وحدة الدوافع السلبية، والنزعات النافية للشعور الديمقراطي، التي تطبع سلوك العبد وسلوك الستعبد؟
لابد إذن في البداية خاصة أن نقدر كل مشروع يهدف إلى تأسيس ديمقراطية، على أنه مشروع تثقيف في نطاق أمة ب! ملها، وعلى منهج شامل، يشمل الجانب النفسي والأخلاقي والاجتماعي والسياسي.
فالديمقراطية ليست إذن، كانفهمها فهما سطحياً عندما نتناول معناها الدارج أي في حدود اشتقاق الفردة، ليست مجرد علية سياسية، علية تسليم سلطات إلى الجاهير، إلى شعب يصرح بسيادته نص خاص في الدستور.
وقد يكون هذا النص نفسه غير موجود في بلد معين، إما لآن هذا البلد ايوضع في دستوره نظام دستوري، وإما لأن جباراً مستبداً جاء يلغيه، مثل نابليون في فىنسا؟ ومع ذلك لا تفقد الديمقراطية معناها في هاتين الحالتين، لآ! معناها مرتبط بشعور وبعادات وتقاليد لا يكونها نص ولا يلغيها جبار. فإنجلترا تكتع بحياة ديمقراطية ممتازة، دون أن يكون في آساسها نص دستوري خاص، يحمي الحقوق والحريات التي يكتع بها فعلاًا ل! عب الإنجليزي، وإنما تحميها تقاليد الشعب ذاته وعاداته وآوضاعه النفسية وعرفه الاجماعي. آي في نهاية التحليل يحميها ما يمكن أن نسكيه الروح الإنجليزي بالذات.
فليست الديمقراطية إذن في أساسها علية تسليم سلطات تقع بين طرفين معينين، بين ملك وشعب مثلا، بل هي تكوين شعور وانفعالات، ومقايش! ذاتية واجتماعية تشكل جموعها الاسس التي تقوم عليها الديمقراطية في كير شعب. قبل أن ينص عليها أي دستور. والدستور ما هو غالباً إلا النتيجة الثكلية لمشروع الديمقراطي عندما يصبح واقعاً سياسياً، يدل عليه نص توحي به عادات وتقاليد، ويمليه شعور في ظروف معينة، ولا يكون أي معنى لهذا النص إن! تسبقه التقاليد والعادات التي أوحت به، أو بعبارة أخرى السوّغات التاريخية التي دلت على ضرورف.
ومن هنا تبدو بكل وضوح تفاهة تلك الاستعارات الدستورية التي تستعيرها اليوم بعض الدول الإفريقية الآسيوية الناشئة، التي تريد إنشاء الوضع الجديد في بلادها،! القياس على النوال الذي تستعيره من بعض البلاد ذات التقاليد الديمقراطية العريقة، إن هذه الاستعارة تكون تارةً ضرورية ولكنها لن تكون بكل تأكيد وحدها؟ فية، إن اتصحبها الإجراءات الناسبة لبث ما يستعار في نفسية ال! عب الذي يستعيره.
ومهما يكن في الأمر، فقد تبين من الآن، أن الجواب على السؤال العروض
-75 -
في هذا البحث- هل توجد ديمقراطية في الإسلام- لا يتعلق ضرورة بنص فقهي مستنبط من السنة والقرآن الكريم، بل يتعلق بجوهر الإسلام عأمة، وخاصة من الوجهة التي تهمنا هنا، فإنه لا يسوّغ لنا أن نعد الإسلام دستوراً يعلن سيادة شعب معين، ويصرح بحقوق وحريات هذا الشعب، بل ينبغي أن نعده في سياق حديثنا صثروعاً ديمقراطياً تفرزه المارسة، وترى من خلاله موقع الإنسان السلم من المجتمع، الذي يكون محيطه وهو في الطريق نحو تحقيق القيم والثل الديمقراطية، تحقيقاً ترتبط معه حركته التاريخية بالبادئ العأمة التي أقرها الإسلام، في صورة بذور غرست في الوعي الإسلامي، وفي صورة شعور عام ودوافع تكون العادلة الإسلامية في كل فرد من المجتمع.
ويجب أن نعد هذه الحركة الناشئة والنشئة في لحظة بدايتها، أي في اللحظة التي تبتدئ تتحقق شروط الشروع الد يمقراطي الأولية، لأنها الشروط التي تتحقق بمقتضاها كل النتائج الاجماعية القبلة لهذا الشروع.
غيرأننا أوضحنا فما سبق أن مرحلة التخلق والنشوء ترتبط بصورة شكلية، بتعبير جديد نطلقه على الإنسان، أي بتقو يمه تقو يماً جديدأ ليصبح (الواطن) في الثورة الفرنسية، أو (الرفيق) في الثورة الروسية، وتظهر طبقاً لهذا التقو يم، الاختلافات الأولى بين النماذج الديمقراطية العروفة في التاريخ، حتى في الصطلح السياسي حيث نصبح نتكلم اليوم على (الديمقراطية الغربية) بأوربا (والديمقراطية الشعبية) في الشرق (والديمقراطية الجديدة) في الصين.
فبصورة تزيد أو تنقص وضوحأ، نجد أنفسنا أمام نماذج ديمقراطية يختلف بعضها عن بعض، بمقدارتقويمها الجديد للإنسان بالقيمة التي تعطى له في صورة شكلية، تعبر بصورة رمزية عن بداية أو تدشين المشروع الديمقراطي في البلد ووضعه في الطريق نحو القيم والثل الديمقراطية.
وهذا التقويم الجديد للإنسان يطبع من البداية فعالية الشروع وأثره في
المجال النفسي، بالنسبة إلى الدوافع السلبية التي تقاوم القومات الديمقراطية في نفس العبد ونفس الستعبد، فهو يكون إذن مقياساً تقاس به الأشياء في هذا السياق، وتميز به الماذج العروفة في التاريخ، من النموذج الذي حققته أثينة منذ ثلاثة آلاف سنة، إلى النموذج الذي تحققه الصين اليوم.
ولكننا عندما نرصد هذه الماذج، عدا النموذج الإسلامي بالنسبة إليه، نجد
أنها تستهدف في أساسها إما منح الإنسان بعض الحقوق السياسية التي يتهتع بها (الواطن) في البلاد الغربية، وإما الفمانات الاجماعية التي يكتع بها (الرفيق) في البلاد الشرقية.
أما الإسلام فإنه يمنح الإنسان قيمة تفوق كل قيمة سياسية أو اجتماعية، لأنها القيمة التي يمنحها له الله في القرآن في قوله: (ولَقدْ كرَّمنا بَني آدَم! أالإساء: 17/ 170 فهذا التكريم يكون- أ! ثر من الحقوق أو الفمانات- الشرط الاساسي للتعبير اللازم في نفس الفرد، طبقاً للشعور الديمقراطي سواء بالنسبة للأنا أم بالنسبة للآخرين، والآية التي تنص على هذا التكريم تبدو وكأنها نزلت لتصدير دستور ديمقراطي يمتاز عن كل الماذج الديمقراطية الأخرى، دون أن تعبر عنه نصوص قانونية محددة، فنظرة النموذج الإسلامي إلى الإنسان، هي نظرة إلى التكريم الذي وضعه الله فيه، أي نظرة إلى الجانب اللاهوتي فيه، بينها الاذج الأخرى! تمنحه النظرة إلى الجانب الناسوتي والجانب الاجتماعي، فالتقو يم الإسلامي يضفي على الإنسان شيئاً من القداسة، ترفع قيمته فوق كل قيمة تعطيها له النماذج الدنية.
والفرق لش! في الفردات ولكن في معناها، في واقع الأشياء بالنسبة إلى شعور الإنسان نحو نفسه ونحو الَاخرين.
فالإنسان الذي يحمل بين جانبيه الشعور بتكريم الله له، يشر بوزن هذا
التكريم في تقديره لنفسه وفي تقديره للآخرين، لأن الدوافع والنزعات السلبية المنافية للشعور الديمقراطي تبددت في نفسه.
ثم إن الإسلام الذي وضع في نفسية السلم هذا التوجيه العام، قد وضع عن طريقه- يمينا وشمالاً- حاجزين،! يلا يقع في هاوية العبودية أو هاوية الاستعباد.
وهذان الحاجزان مذكوران بالإشارة إلى آيتين تذكر الواحدة الهاوية ذات
اليهين والأخرى تذكر الهاوية ذات الشمال، فيقولط عز وجل:(تلكَ الدارُ الآخرةُ نجعفها للذينَ لا يريدونَ علُوّاً في الأرضِ ولافَساداً والعاقبةُ ل! تَّقين! أالقصص 83/ 28)
فهذا الحاجز وضع بكل وضوح على حافة الاستعباد حتى لايقع فيه السم،
أما الحاجز الآخر الذي يحفظه من هاوية العبودية فهو مذكور في قوله عز وجل: (إن الذينَ توّفا! الملائكةُ ظالي أنفسهم قالوا: فيمَ كنتُم؟ قالوا: كنّا مستضعَفين في الأرضِ، قالوا ألم تكنْ أرض اللهَ واسعةً فتهاجروا فيها، فأولئكَ مأواهم جهنم وساءت مَصيراً، إلا الستضع! نَ من الرجال والنساء والوالدان، لايستطيعونَ حيلةَ ولايهدون سبيلاً، فاولئك عسى الله أَن يعفوَ عنفم وكان الله عَفوّأ غَفورأ! أالنساء96/ 4 - 98).
وجمل القول إن المسلم محفوظ من النزعات النافية للشعور الديمقراطي، الوجودة أو الدسوسة في طينة البشر، بما وضع الله في نفسه من تكريم مقدس، وما جعل عن يمينه وشماله من معا ا، ترشد طريقه حق لايقع في وحل العبودية أو وحل الاستعباد.
ومع ما يدم شعوره بهذا التكريم العام الذي ئنِحَه بوصفه إنسانا، فإنه يشر بتكريم خاص قد منحه بوصفه مؤمنا في قوله عز وجل:(ولئهِ العزةُ ولرسولِهِ ول! ؤمنين! أالمنافقون 8/ 63)
- 78 -
وهذه العزة الوهو بة ل! ؤمن لاتعرضه للكبر ياء، لآنها لاتعني المجد التالف التصل بالأشياء الادية، بل هي العزة في عو الآخلاق، وعلو الهمة.
وهكذا نرى آن الدوافع السلبية التي من شآنها أن تدفع السلم إلى الهاوية،
من ناحية آو من آخرلى، يسيطر عليها ال! عور أالإيجابي الذي وضعت في نفسه بذوره بصفته مسماَ.
وعليه فإن (الديمقرأطية) مغروسة أولآَ في كير السلم، مع التقو يم الجديد
الذي حدد في نظره قيمته وقيمة الآخرين.
ولا شك أن عبارة (الديمقراطية الجديدة) في الصين الشعبية، تعني أولاً
هذا التقو يم الجديد للإنسان، قبل آن تعني قوانين جديدة ومصانع جديدة وطرقاً جديدة
…
فهي! م ((أولاً عا االآشخاص قبل أن تهم عا أالأشياء)).
وإذا أردنا أن نعرف شيئاً هو الديمقراطية الإسلامية، فإن هذأ الشيء يعني
أولاً (تطعيم) الإنسان، وتحصينه ضد النزعات المنافية للشعور الد يمقراطي، وتصفية هذه النزعات في نفسه.
أما الديمقراطية العمانية أو (اللاييكية)، فإنها تمنح الإنسان أولاًا لحقوق والضانات الاجتماعية، ولكنها تتركه عرضة لامرين: فهو إما أن يكون ضحية مؤامرات لنافع معينة، ولتكتلات مصالح خاصة ضخمة، وإما لأن يجعل الآخرين تحت ثقل دكتاتورية طبقية، لأنها! تصفّ في نفسه دوافع العبودية والاستعباد، لأن كل تغيير حقيقي في المجتمع لا يتصوردون تغيير ملائم في النفوس. طبقاً للقانون الاعلى:(إن اللهَ لا يغيّر مابقوم حتّى بُغَيّروا مابِأنفسِهم،! أالرعد 12/ 13).
وهكذا تظهر بوضوح أكثر العلاقة العفمو ية بين الإسلام والديمقراط! ية، العلاقة التي ايكن من الس! ل توضيحها في صدرهذا الحديث، عندما كنا نحاول
تحديد وجه التشبيه والوازنة بكمة ديمقراطية مأخوذة في معناها الاشتقاتما، أي باعتبار الشروع الديمقراطي على أنه مجرد مشروع تسليم سلطات إلى الشعب بمقتفى نصوص دستورية معينة.
وهكذا يظهرأيضاً بوضوح أكثر، الخطأ الذي نقع فيه عندما نستعير من
بلاد معينة دستوراً ديمقراطياً جاهزاً، لأننا في مثل هذه الحالة لأننقل مع النصوص الدستورية الستعارة كل الاسس النفسية والتجربة التاريخية، التي أملت هذه النصوص في بلاد مولدها، كانما نقوم بمتنروع ديمقراطي على غير أساس في صيم الواقع. إن هذه الملاحظات تتيح لنا، منذ الآن، التقرير بشرعية الحديث عن (الديمقراطية في الإسلام)؟ وردت عبارتها في عنوان هذا الحديث.
ولكن يجب أن نتساءل، كيف تتحقق هذه الديمقراطية الؤسسة بالصورة
التي بيناها في عالم النفس التصل بالضير والشعور؟ كيف تتحقق في عا! الواقع المحسوس، في الاعالط الخاصة والعأمة، في نطاق الأفراد والحكومات، وفي حياة النظم والنظمات؟
وعلى وجه الخصوص يجب أن نتساءل هل تكفل هذه الديمقراطية، ماتكفله الديمقراطية (اللاييكية) للفرد من حقوق وحريات سياسية ومن ضمانات اجماعية؟.
هذا هو الجانب الآخر الجانب الموضوعي، وقد يلاحظ أن مسوغات هذا الفصل، يحب أن تكون مستقاة من واقع السمين اليوم، لا من نصوص دينهم. ولكن ليس لهذه الملاحظة إلا قيمة شكلية، لأننا عندما ندرس ديمقراطية أثينا، على وجه الثال، فإننا لأنبحث عن مسوغاتها في واقع الشعب اليوناني اليوم، دون أن يعني هذا أن الجيل اليوناني العاصر قد فقد القيم التي تميزت بها الديمقراطية في عصر أفلاطون.
-80 -
فلا حرج إذن في اعتبار الديمقراطية في الإسلام، لا في الزمن الذي تحجرت
فيه التقاليد الإسلامية وفقدت فيه إشعاعها، كما هو شأنها اليوم بصورة عأمة، ولكن في زمن تخلقها ونموهافي المجتمع.
فما يتعارف عليه الناس ويؤكده التاريخ، أن التقاليد الإسلامية نشأت في
زمن الرسول عكه وفي عهد الخلفاء الراشدين.
فإذا اتفقنا على وجهة النظر هذه، وهي وجهة نظر فقهاء الإسلام، فالشروع الديمقراطي الذي وضعه الإسلام، قد أخذ طريقه للتحقيق نحو أربعين سنة تقريبأ.
ففي هذه الدة وضعت الاصول النفسية كلها التي تقدم ذ! رها، تكلها وتدعها مقدمات جديدة، لتكون الا! ساس العنوي للديمقراطية الإسلامية.
فإحدى هذه القدمات يجب ذكرها خاصة، لأنها تكل تقويم الإنسان في نقطة رئيسية تتصل بالعبد في المجتمع الإسلامي.
إننا نعلم أن ديمقراطية أثينة اتعط أي أ! ية لهذه القضية قضية الرقيق إلا
من الوجهة الأنتفاعية، فقد كان الرقيق من مقومات النظام الإقتصادي، حتى إن أحدأ أيفكر في إطار هذا النظام في وضع مبدأ لتحرير الرقيق فيكتل بذلك تقو يم الإنسان فيه. بيكا يأتي الإسلام فيقرر هذا البدأ بكل وضوح: فيشمل بذلك تقويمه الإنسان الذي وقع في قيد الرق، بمقدمات أوأصول فقهية نجدها في القرآن وفي السنة، وتكون في الواقع تشريعأ لعتق الرقيق بصورة تدريجية.
ومن بين هذه القدمات التي يمكن ذكرها، قوله عز وجل: (وهديناه النَّجدَين، فلا اقتحَمَ العقَبَة، وما أدراكَ ما العقَبَة، فَك رقَبة
…
! االبلد 13 - 10/ 90).
فهذا التقريع للإنسان اطركأنما يهدف إلى وضع قضية الرقيق في كيره،! تأخذ هكذا طريقها إلى الحل، أي طريق التحرير التدريجي.
وهذا التوجيه العام يظهر في آيات أخرى، كما لآية التي تحدد موضوع الصدقات حيث يقول عز وجل: (إنّما الصدقاث للفقراء والسا! ين والعاملين عليها والؤلَّفة قلوبُهم، وفي الرقابِ والغارِمين وفي سبيلِ الله
…
! أالتوبة 61/ 9).
؟ يظهر أيضاً في الاحاديث مثل قولهء!: ((من أعتق رقبة أعتق الله
بكل عضو منها عضواً من أعضائه من النار ".
وفي قوله عليه الصلاة والسلام: " من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه ".
وفي حديث آخرأوءك! عكهشند بشأن الرقيق: " إضهم إخوانم وضعهم الله تحت أيديم، فأطعمو! مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسودما ".
وفي حديث يقول فيه رسول الله!: ((أوصافي حبيي جبريل بالرفق بالرقيق، حتى ظننت أن الناس لاتُستعبد ولا تستخدم ". فهذه النصوص كلها تكل، من نواح مختلفة، التقويم الاساسي للإنسان، التقو يم الذي يقوم عليه-؟ قدمنا- الشروع الديمقراطي، تكيلاً يجعل هذا المشروع يفم في خطوطه العأمة مصير الرقيق إلى مصير الإنسان الحر، ضأ يضيف معه الرقيق إلى عا! الآخرين أي عا االأشخاص، بعد أن كان من عالم الأشياء وذلك لاول مرة في التاريخ.
ثم يذ! ر الني عليه الصلاة والسلام، هذه التوجيهات كلها في حجة الوداع،
في خطبته بهذه الناسبة. وهي الخطبة التي وضعت فيها ظروف هذه الحجة وملابسات التاريخ معنى الوصية الروحية، التي خلفها الرسول لن ياتي بعده من أجيال الس! ين. ومعنى التصريح بحقوق الإنسان فيقول عليه الصلاة والسلام:
" يا أيها الناس إن ربم واحد. وإن أبا أواحد.! لمم لآدم وآدم من تراب.
إن أكرمم عند الله أتقا أ. ليس لعرل! على عجمي، ولا لعجمي على عرل!، ولا لاحمر على أبيض، ولا لابيض على أحمر فضل إلا بالتقوى
…
"
فهذا الحديث يكل في مناسبة يملؤها الجلال والتأثير، فلسفة ومنهج الإنسان
في المشروع الديمقراطي الإسلامي.
ولكن إذا كانت لهذا المشروع هذه الاسس النظرية، فلا بد أن يكون له
من ناحية أخرى آثاره ال! وسة في صيم الواقع: في الاممال الفردية والحقوق والضانات التي يتهتع بها الفرد، وفي الاعال الصادرة من الحم وفي اميتازاته، وحدود سلطته، وفي! يفية تكو ينه أو صورة شرعيته، أي في جميع الصفات الظاهرة للد يمقراطية.
ولا شك أن لهذه الآثار وضوحاً أكثر، في فترة التخلق الدستوري، التي تمميب خلالها النصوص النظرية في الحقائق الاجتماعية، في أعال وسلوك الجيل الذي وضع الشروع الديمقراطي الإسلامي في طريق التحقيق، من اليوم الذي أشرقت فيه الهداية المحمدية إلى يوم صفين.
وتأثير البادئ في هذا المجتمع الناشئ يظهر أكلثر ما يظهر في الجانب المحسوس،
؟ تظهر حدودها التصلة بهذا الجانب في واقع الحياة الاجتماعية.
فدى تأثير البادئ يظهر فعلاً مع حدودها في وامع الجاة في الفترة الطابقة لطور التخلف والتكوين الديمقراطي، وإذا راجعنا هذا الطور فسنجد عدة مبادئ نظرية مع حدودها في التطبيق، كما لمبدأ الذي يؤسس الحم الإسلامي على طاعة المحكومين لاولي الأمر؟ ورد في الآية الكريمة:
(يا أيها الذينَ آمنوا، أطيعوا اللهَ، وأطيعوا الرسولَ، وأولي الأمرِ منكم،
فإنْ تنازعْتم في شيءٍ فَردّوه االى اللهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنون بالئهِ واليوم الآخر .. ! أالنساء59/ 4)
فهذا البداْ يقرر، طبقا للنص، امتيازات الحم.
ولكن في اليوم ذاته الذي يستلم فيه عر رضي الله تعالى عنه مقاليد هذا الحم
نراه يبين هو نفسه الحدود الواقعية ل! بدأ النظري، إذ يبين ل! ؤمنين الذين بايعوه، أي عاهدوه على الطاعة، حدود هذه الطاعة في خطبته الشهورة: "
…
من رأى منم في اعوجاجا فليقومني ".
فنرى هكذا، كيف تتصورفكرة اطم، في كير حا آفي اللحظة البارزة
من التاريخ الإسلامي، التي يستم فيها مقاليد الديمقراطية الإسلامية.
ولكن هذه اللحظة تعطيأ أيضاً صورة لفكرة الطاعة في كير محكوم، إذ
نرى أعرابياً يرد على الخليفة فيقول: " والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا".
إننا نرى الطاعة والحم محدودين بالاعتبارات نفس! افي كير الواطن البسيط وضير رجل الدولة.
وهكذا تبرز في صيم الواقع الذي سجله التاريخ فكرة الحاجزين، اللذين وضعهما الإسلام على يمين وشمال السم، في طريقه نحو تحقيق الديمقراطية الإسلامية، كما بينا، حتى إنه في مقابل الشعار الذي رفعته الثورة الفرنسية الأنريد ربا ولا سيدأ) يمكنه أن يعلن شعار الثورة الإسلامية الأنريد عبودية ولا استعبادأ).
وكذلك تبرز في هذه الفترة الخلاقة البادئ التي تحمي الحريات العنو ية، فحرية الضير تبرزفي هذه الاية (لا إكراهَ في الديني، قذ تبَّينَ الرشذ من الغَيّ! أالبقرة 256/ 2)
أما حرية العمل والتنقل فإضها مقررة في قوله عز وجل:
(هوَ الذي جعلَ لئم الأرضَ ذَلولاً فامشوا في مناكِبِها وكلوا من رِزقِه!
أاللك 15/ 67).
أما حرية التعبير، فإنها دخلت في العرف منذ الأيام الأولى من العهد الإسلامي، فالني عليه الصلاة والسلام كان يعود أصحابه على مناقشة آرائه وتقاريره، ففي يوم بدر نراه! ين! ر يحدد ميدان العركة في ال! ن الذي ظهر له الأنسب لذلك، ولكن أحد أصحابه من الأنصار اقترح م! نأ غيره، قد ظهر له أصلح بالنسبة إلى الحاجة اطربية، وتقول السنة التي تروي لنا هذا الخبر أن الني عليه الصلاة والسلام قد عدل رأيه طبقاً لوجهة نظر صاحبه، وقد كثرع هكذا سنة نجد أثرها البليغ في توجيه الرأي الإسلامي فيها بعد، كانرى ذلك في قضية تحديد الصداق مثلا، عندما أراد عر في أيامه أن يضع حداً أعلى لتقدير الهور، حتى يتشر الزواج لكل مسم، فأبدى رأيه في الموضوع من النبر، ولكن امرأة عجوزاً خالفته في الرأي مستشهدة بآية تترك تحديد الصداق إلى تقدير الزوجين أنفس! ما، وما كان موقف الخليفة إلا أن قال:" أصابت امرأة وأخطأ ممر ". وكذلك يقرر القرآن مبدأ حصانة النزلط، في الَاية الكريمة: (يا أيها الذينَ
آمنوا لاتَدْخُلوا بيوتاً غيرَ بيوتِم حتّى تستأنِسوا وتُسَلِّموا على أهلِها! أالنور 27/ 24).
ولكن هذا التوجيه العام الذي يقرر الحريات الفردية ويحميها في كل اتجاه، يضع في الوقت نفسه اطدود اللائمة لهذه الحريات في حد! هـ مش! ور إذ يقول عليه الصلاة والسلام؟ رواه البخاري: " مثل القائم في حدود الله والواقع فيها، كثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الاء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا
خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركو! وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ".
فهذا الحد الموضوع لكل حرية فردية في ظروف معينة، يكون أساسا مهماً
في التشريع الإسلامي تقدم فيها مصلحة المجتمع على مصلحة الأفراد. ولكن العمل يجري على أساس التخفيف الادل! والمادي من حدة الاستثناء السلط على حريات الفرد في مثل هذه الظروف. ومما يح! بهذا الصدد أن امرأة حهودية أرادت أن تحتفظ بملك لها يقع داخل الحدود التي عينها التخط! يط لبناء مسجد ممر في بيت القدس، فأراد القائم بالشروع تنفيذ الخطط دون التفات إلى وجهة نظر المدعية، على اعتبارأسبقية الصلحة العأمة، ولكن المدعية رفعت قضيتها إلى الخليفة الذي أوفاها رغبتها، وربما؟! اوجهة نظره مقررة على أساس أن بناء مسجد لايكون مصلحة عأمة بالنسبة إلى يهودية.
وهذه المعاملة في القضاء الإسلامي، تدخل أولا في نطاق التقويم العام للإنسان، بصفته إنسانا وضع في طينته التكريم، بقطع النظر عن كونه رجلاً أو امرأة، مس! اً أو! هوديا، ثم يحددها ماورد في نطاق القضاء، في قوله عز وجل:! وإذا حكتم بينَ الناسِ أن تحكموا بالعَدْل! أالنساء58/ 4).
ولا ريب أن آثار البادئ الظاهرة بكل وضوح في الاممال والمواقف، تظهر خلال الفترة التي يدخل فيها الشروع الديمقراطي الإسلامي في قيد التحقيق. فإذا وجدنا في الآية السابقة النص النظري الذي تقوم عليه عدالة القضاء الإسلامي، فإننا نجد في وثيقة أنجرى الصورة الواقعية لهذه العدالة، فهذه الوثيقة التاريخية التي من شأن القضاء الإسلامي أن يعتز بها، هي وصية عر رضي الله عنه للقاضي أل! موصى الاشعري، الذي كان بمثابة النائب العام للجمهورية في أيامنا، إذ يقول له:
- 86 -
" آسِ- أوساوِ- بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييشى ضعيف من عدلك ".
إن هذه الوصية لم تبق رسالة مهملة، بل كان أثرها بليغاً في الواقع؟ تدل
على ذلك الامثال الكثيرة في عهد التخلق الديمقراطي الإسلامي.
وهذه التفاصيل! لمها تكون في الحقيقة السمات العأمة لا يسمى ديمقراطية سياسية، أي سمات النظام الذي يمنح الفمانات الناسبة ضد كل تعد من جانجا الحم. والإسلام نظام من هذا النوع حتى في الصورة الشكلية التي يتكون عليها الحم، تكوّنأ يستلم معه رئيس الدولة سلطاته بمقتفى مبايعة الأمة- أو الشعب كانقول اليوم- ممثلة في بعض الرجال البارزين خلقاً وعقلاً، يمثلون هيئة على نمط مجلس شيوخ، يعينون الخليفة بالبايعة طبقاً لبدأ الشورى، الذي يقرره القرآن الكريم خاصة، عندما يومي الني! 2 (وشاورْفم في الأمر! (آل عران: 4/ 3 1) أو عأمة (وأمزهُم شورى بينَفم! أالشورى: 38/ 42)
فعلى هذه الاعتبارات يصح القول إن الحم الإسلامي ديمقراطي في مصدره
وفي عله، كما قدمنا. والإسلام يت! بهن كل السماتا التي تطبع الديمقراطية السياسية، التي تمنح الفرد مسؤولية في تأسيس اطم، والضانات الضرورية التي تحميه من جورهذا الحم.
ولكن التجربة التي تجري للديمقراطية السياسية في العالم منذ! د الثورة الفرنسية، تدل على ضعف حريات الفرد في الواقع، عندما لا تحميه في الوقت نفسه الضانات الاجقاعية التي تكفل حريته الادية.
ولقد رأينا في البلاد التطورة! يف يصبح (الواطن الحر) عبداً مجهولاً لصالح كبيرة تتحد ضده، وآتضيع عليه بهذا السبب النافع النتظرة التي يمنحها إياه بصورة نظر ية، تصر يح بحقوقا الإنسان ودستورلا يكون لهما أثرظاهرفي حياته.
كما رأينا كيف أن البلاد التي يحدث فيها هذا الاختلاف بين القيم السياسية والقيم الاجماعية، تعاني صراع الطبقات ربما ينتهي إلى تأسش! نوع من الديمقراطية يعطي (الواطن) الضانات الاجتماعية اللازمة، ولكن على حساب حرياته السياسية.
ولكن الإسلام تلافى هذا العوق، لأنه أقى لمشكلات الحياة الادية التصلة بالنظام الإقتصادي، بالحلولط الناسبة، دون أن يمس الفرد في حرياته الذاتية. وعليه فالإسلام يبدو وكانه جمع موفق بين مزايا الديمقراط! ية السياسية
والد يمقراطية الاجماعية.
فالتشريع الإسلامي يكم فعلا ال! مات السياسية التي قدمناها، بم! مات ديمقراطية أخرى، متصلة بالجانب الإقتصادي.
فالشروع الديمقراطي في المجال الإقتصادي، يقوم على مبادئ عأمة، تهدف
إلى توزيع الثروة حتى لا تصبح ذولة بين أيدي بعض الترفين.
فعندما يقرر القرآن الكريم الز؟ ة فإنه يضع أساس تشريع اجتماعي عام،
قبل أن تدرج في العالم الأفكار الاجماعية التي ألفناها فيه اليوم.
فعندما يصف الرسولء! -! ضرورة هذا البدأ، فإنه يصفه بمسوّغات تزم الاشتراكية أنها تنفرد بها اليوم، يقول عليه الصلاة والسلام:" إن الله اقتطع من أموال الس! ين الاغنياء نصيباً هو نصيب الفقراء) لأن الفقراء لا يجوعون ولا يعرون إلا بسبب الاغنياء ".
وهذا المبدأ، كما لبادئ التي يقررها القرآن والسنة، لا تحققه أممال! الأفراد فحسب- لأن كل مسلم يحاول القيام بهذا الواجب حتى في أيامنا- بل أممال الحم أيضا، وآثاره المرئية تظهر في التوجيهات الحكومية في صد التخلق الديمقراطي،
وفي السيرة حيث نجد هذه الآثار واضحة، فعمر رضي الله تعالى عنه حمع مولوداً يبيم، وقد علم أنه يبيى لأن أمه قد فطمته، ي تحصل على منحة يدفعها بيت الال للامهات اللواتي فطمن أولادهن، فأذاع الخليفة في الدينة لائحة خاصة بالامهاتا المرضعات، يقول لهن:" ألا لا تعجلوا صبيانم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام ".
فهذه اللائحة تعطينا عرضا فكرة عن تنظيم اطضانة الرحمية للاطفال، هذه الحضانة التي اتتحقق بهذه الصورة حتى اليوم في أوربا، إذ أن مثل هذه النح عندما تدفعها حكومة أوربية، فإخها لا تكون باسم الطفل مباشرة، كما لنحة التي يقدمها بيت الال في زمان عر، وإنما تقدمها باصم (منحة الامومة)، فالنتيجة واحدة لا شك، ولكن بين الطريقتين شيء من الاختلاف يميز الطريقة الإسلامية في العهد الديمقراطي.
ولا شك أننا نعجبا بهذا الثل لا يبدوفيه لرجل الدولة مثل عر من حمو الضير، ومن اهتهام بواجباته نحو الجهور، ولكن في مناسبة أخرى نرى أن المجهور نفسه يشعر بحقوقه؟ يتبين من خلال قصة المرأة السكينة، التي أبدت استياءها من الفقر رامية عر بأسبابه، فتتهمه دون أن تدري أنها تتحدث معه بال!! ال في شؤونما الأمة. إننا في الواقع لسنا أمام كير خليفة في حالة وكير امرأة مسكينة في حالة أخرى، بل نشعر بأننا أمام الضير الديمقراطي الذي صاغه الإسلام. وإن ما يتحرك في هذا الضير أو ذاك إنما هو الشعور بالقيمة الأساسية التي قدر بها الإنسان، ووضعت في كير السلم أساساً لكل البناء الإسلامي في الجانب الأخلاقي والسياسي والاجتماعي.
ثم يقرر الإسلام مبدأ آخر يضعه أساساً لبناء الإقتصاد وهو مبدأ تحريم الربا. ف! ن لهذا التحريم الاثر الكبير في تحديد صورة الإقتصاد الإسلامي، أضفى عليه من اللحظة الأولى الط! ابع الديمقراطي
…
لأنه لم يسمح بالتجارة في
المال والنقود التي تقوم على مبدأ الربا، وتحتكرها بعض البنوك.
وبذلك! يتح لمال أن يحقق لطبقة معينة أو لبعض الأفراد، السلطة الطلقة على الحياة الإقتصادية؟ يحدث في النظام الرأسمالي، إذ يتيح الربا السلطة التأمة للاحت! ر على التجارة، وللتكتل الالب على الصناعة بواسطة الصرف الذي يحقق تر! يز رأس الال، أي سلطة الال إلى أكبر درجة ممكنة، بالنسبة إلى إم! نيات عصر معين.
فالتشريع الإسلامي أعفى الإقتصاد من سلطة الدر! الطلقة، تلك السلطة
التي أحدثتا في البلاد التطورة أزمات اجتماعية تواجهها أحياناً بالثورات العنيفة.
وربما مجب القولط إن هذا التشريع! يخفف من حدة الدرهم في مجال الإقتصاد فحسب، بل خفف من حدته في المجال الروحي إذا صح التعبير، حتى إنه يعفي المجتمع من الازمة الأخلاقية التفشية اليوم في الحياة التي تستضيىء بأضواء الحضارة الغربية ..
فالإسلام ايقاوم فقط الاحت! ر الكبير الذي يقلل كية النتجات حتى ترتفع أسعارها في السوق، بل يقاوم كل احت! ر يؤدي على أي طريقة إلى ارتفاع الاسعار. إن كل وسيط بين النتج والستهلك يخفي صورة الاحت! ر الذي يكون الستهلك ضحيته، فالوسيط ضرب من الطفيلية في مجال الإقتصاد.
ولكن الت! ثريع الإسلامي يدين كل ضرب من الطفيلية، يدل على ذلك الحديث الروي عن أبي هريرة رضي اللْه تعالى عنة، حيث يقول:" خهى النيء! عن التلقي، وأن يبيع حاضر لباد ".
فهذا الحديث يفيد، بروحه إن/ يكن بحرفه، استن! ر الاحت! ر حتى في صورته الصغرة، لأن البادي لو باع بضاعته بنفسه، لباصا بسعر اليوم، أما
الحاضر فإنه يمكنه إرجاء البيع إلى ما بعد، لأنه من س! ن الدينة وفي إم! نه عرض البضاعة في السوق في الوقت الناسبا أي في الوقت الناسب له على حساب الستهلك.
فالإسلام يدين هذه الطفيلية، ولا يمهكح كذلك ببيع الاكولات التي ليست
بعد في حوزة البائع، كما يدل على ذلك الحديث الروي عن أنس بن مالك، إذ يقول إن رسول الله عكالل! حما عن بيع المارحتى تزهرأي تحمر فقال:((أرأيت إذا منع الله البهرة بمَ يأخذ أحد! مالط أخيه؟)).
فهذه العناصر التشريعية التي تكونما الجانب الاجماعي في الديمقراطية الإسلامية، قد كان لها أثرها الظاهر في الواقع المحسوس الخاص بالمجتمع الإسلامي، وقد أثرت على نموه الادي، طبقأ للهدف الزدوج الذي استهدفه الشرع، حتى لا يقع السلم في وضع العبد الذي تستعبده الاوضاع الإقتصادية، أو أن يصبح الرجل الستبد وبيده صولجان الذهب ..
وهكذا يتبين أن البادئ التي قررها الإسلام في المجال السياسي والمجال الاجتماعي، ووضعها في أساس ما يمكن أن نطلق عليه (الديمقراطية الإسلامية)، قد تحققت فعلاً في واقع المسمين. وقد كان أثرها حقيقياً في سلوك الأفراد وفي أعال الحم، على الاقل في فترة التخلق الديمقراطي التي عرفنا فما سبق حدودها الزمنية في التاريخ الإسلامي.
ولا شك أن التقو يم الاساسي للإنسان الذي قام عليه الشروع الديمقراطي في الإسلام، هو السبب الجوهري في هذا التحو يل الذي حول البادئ النظرية إلى حقائق اجتماعية م! وسة.
فقبل أن يذيع عر اللائحة الخاصة بالامهات الرضعات التي أشرنا إليها،
أي قبل أن يممدرالحا! أمره، فقد كان الإنسان الذي يعود إلى نفسه في لحظة يراجع
فيها ضيره، فترتفع منه تلك الصرخة التي سجلها التاريخ في آثار ابن الخطاب، إذ صرخ يا بؤساً لعمرأ قتل من أولاد المس! ين (1)
فليم نعطي هذا الفصل قيمته يجب ألا نتصور اطراده في الزمان، تصوراً
يبدو معه أن العامل الحكومي قد سبق، بإصدار اللائحة التي أشرنا إليها، العامل الأخلاقي، بل أن نتصوره أولا في الضير الذي كان يحتوي صرخة عر قبل أن يصدرأمره اطكومي، الذي يسجل في النظام الإداري في صورة لائحة، الاثر الظاهر لنظام خلقي خفي تحويه نفسه.
فهذا الاطراد هو في الواقع اطراد للشعور الاساسي نحو الى (أنا! ونحو الآخرين، الشعور الذي وضعت بذوره في الضير الإسلامي في صورة تقو يم جديد للإنسان؟ بيّنا.
فالطفل الذي لا زال في ثدي أمه، لشى في نظر عر، سوى الرجل المجرد أو (الواطن) المتوقع: فالخليفة لا يرى فيه مجرد إنسانيته أو مجرد حضور المجغ في شخصه، بل يرى فيه أكثر من ذللث، يرى فيه حضورالقيمة التي لا تقدر، والتي وضعها الله في جوهره قبل أن يولد في هذا العالم، وقدرها عز وجل يوم كرم آدم.
يجب أن نعترف، بان الشيء الذي يمكن التعبير عنه، بمصطلح اليوم بالروح الديمقراطي الإسلامي، إنما يحمل في جوهره حمة القداسة، والتاريخ قد يبين تأثير المبادئ عندما يضفى عليها شيء من القداسة.
ولقد لاحظ القارئ لا شك، أن الامثال التي أوردناها هنا قد انتقيناها من الفترة التاريخية التي بينا حدودها الزمنية بين الهجرة وصفين.
(1) من أراد أن يطلع على هذه القصة باكلها يجدها في (طبقات ابن سعد)، الجز 3 قم واحد ص 217، ونفتنم هنا الفرصة للتعبير عن شكرنا للاْستاذ الكبير عود ثاكر الذي دلنا على هذا النص؟ دلنا على نصوص الاْحاديث الواردة هنا.
وربما تساءلنا عا حدث بعد صفين؟ وهل التفاصيل التي قدمناها ترتبط بصورة ما بواقع الس! ين اليوم؟
فهذان السؤالأن ليسا في نطاق هذا الحديث الذي يقتصر فقط على وصف الطابع الخاص بالعهد الديمقراطي الإسلامي، أي بالفترة التي تنتهي مع الخلفاء الراشدين مع واقعة صفين، التي تمثل نقطة التحول في تاريخ العالم الإسلامي، والفاصل الذي منع الشروع الديمقراطي الإسلامي من أن يواصل سيره في التار يخ.
ولكن هذا التحول لم يمح آثار هذا الشروع في النظام الإسلامي. لقد دامت ظاهرة فيه فترة طويلة، نجدها حتى بعد صفين في سلوك الأفراد وفي أعال اطم أحياناً.
لاشك أن عهد معاوية مثلا كان، من الوجهة التي تهمنا هنا، عهد تقهقر الروح الديمقراطي الإسلامي.
ولكن إذا لاحظنا أن الطاغية الستبد قد ظهر من جديد في ت خص الحا أ،
يجب أن نلاحظ أن العبد لم يظهر بعد في شخص المحكوم مادام متهس! بالروح الإسلامي، كما يدل على ذلك تفاصيل كثيرة خاصة بتلك الفترة، كما طوار الغريب الذي نثأ بين أل! ذر الغفاري ومعاوية، عندما كان هذا الاخير قائماً ببناء قصر الخضراء بدمشق، ف! ن الصحالما الش! ور يؤنب الخليفة تأنيبأ شديداً، فيقولط له بهذه الناسبة: فإما أنك تبني هذا القصر بأموال السمين من دون حق لك فيها، وإما أن تبنيه من مالك وهو تبذير 1).
فهذه الرقابة التي يفرضها الضير الإسلامي على أعال اطم قد اسكر أثرها في التاريخ الإسلامي، حتى بعد التقهقر الذي أشرنا إليه، ويمكن تفسير أحداث
(1) أوردنا هذا القول بمعناه لابلفظه.
- 93 -
لمجرى في الضاريخ الإسلامي كظهور المرابطين والوحدين في ا! ضمال الإفريقي على أنها الصدى لاحتجاج الضير الإسلامي ضد الاستبداد.
ويمكن القول إن هذا الصدى! ينقطع من الأحداث، التي عبرت بصورة أو بأخرى عن اسيهرار الروح الديمقراطي الإسلامي عبر التاريخ قروناً طو يلة، حتى حدث فاصل آخر لا يمكن تحديد تاريخه بالضبط، ولكنه بلا ريب يتفق مع نهاية الحضارة الإسلامية. أي عندما ينتهي الإشعاع، الذي كونه التقو يم الاساسي للإنسان، إذ بعدما انتهى أثره في أممال الحكومة أي في السياسة، قد انتهى أيضاً في سلوك الأفراد أي في الأخلاق.
فإشعاع الروح الديمقراطي الذي بثه الإسلام، ينتهي أيضاً في العالم الإسلامي عندما يفقد أساسه في نفسية الفرد، أي عندما يفقد الفرد شعوره بقيمته وبقيمة الآخريخما.
ويجب أن نلاحظ أن الحضارة الإسلامية انتهت منذ الحين الذي فقدت في أساسها قيمة الإنسان.
ولشى من التطرف في شيء القول بصفة عأمة إن الحضارة تنتهي عندما تفقد
في شعورها معنى الإنسان.
لعله يمكن أن نستخلص من هذه الاعتبارات رأياً فما يخص مستقبل الديمقراطية في البلاد الإسلامية، فهذه البلاد تمر قطعاً بحالة إرهاص تبشر بنهضة الروح الد يمقراطيه في هذه البلاد، حيث تجري تجارب د يمقراطية ملحوظة. ولكن هذه المحاولات لاتنجح إلا بقدر ماتضع في كير السلم تقو يماً جديداَ للإنسان، أي بقدرماتضع في كيره قيمته وقيمة الآحرين حتى لا يقع في هاوية العبودية أو هاو ية الاستعباد.
***