الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سيبويه في الجزء الثاني من كتابه مواضع يكون فيها كسر أوائل الأفعال المضارعة عامًا في لغة جميع العرب إلا أهل الحجاز وذلك في نحو مضارع "فعِل" إذا كانت لامه أو عينه ياء أو واوًا، نحو: وجِل وخشِي، مثلًا، فيقولون: نيجَل، ونِخشي؛ هكذا، فراجعه في الكتاب فإن فيه تعليلًا حسنًا. وقال في آخر هذا الفصل: إن بني تميم يخالفون العرب ويتفقون مع أهل الحجاز في فتح ياء المضارعة فقط. ونسب ابن فارس في "فقه اللغة" هذا الكسر لأسد وقيس، إلا أنه جعله عاما في أوائل الألفاظ، فمثل له بقوله:"مثل تعلمون ونعلم وشِعير وبِعير"1.
12-
القُطعة في لغة طيئ: وهي قطع اللفظ قبل تمامه، فيقولون في مثل يا أبا الحكم: يا أبا الحكا، وهي غير الترخيم المعروف في كتب النحو؛ لأن هذا مقصور على حذف آخر الاسم المنادى، أما القطعة فتتناول سائر أبنية الكلام.
13-
اللَّخلخانية، وهي تعرض في لغة أعراب الشحَر وعمان، فيحذفون بعض الحروف اللينة، ويقولون في نحو ما شاء الله: مشا الله. ومن لغات الشحر المرغوب عنها ما نقله صاحب "المخصص" من أن بعضهم يقول في السيف: شَلَقَى.
14-
الطُّمطمانية في لغة حِمْيَر: يبدلون لام التعريف ميمًا، وعليها جاء الحديث في مخاطبة بعضهم: $"ليس من امبر امصيام في امسفر"، أي: ليس من البر الصيام في السفر.
1 أحرف المضارعة في العبرانية والسريانية لا تلزم حركة واحدة. فتكون في العبرانية ساكنة ومكسورة ومفتوحة ومضمومة على اختلاف في هذه الحركات بين الاختلاس والإشباع والإمالة، أما في السريانية فهي ساكنة، ما عدا الهمزة فإنها متحركة أبدًا ولكن إذا ولي حروف المضارعة همزة متحركة فإنهم ينقلون حركة هذه الهمزة إليها، وإذا وليها حرف ساكن كسروها.
النوع الثاني:
لغات منسوبة غير ملقبة عند العلماء، ومن أمثلته:
1-
في لغة فُقيم1: يبدلون الياء جيما، ولغتهم في ذلك أعم من لغة قضاعة التي مرت في النوع الأول؛
لأنها غير مقيدة، فيقولون في بختي وعلي: بختجّ وعلجّ، ومنه قول الحماسي:
خالي عُوَيف وأبو عَلِجّ
…
المطعمان اللحم بالعشج
أي: بالعشي، وأنشد أبو زيد لبعضهم:
يا رب إن كنت قبلت حجتج
…
فلا يزال ساجح يأتيك بج
يريد: حجتي، ويأتيك بي؛ والساجح: السريع من الدواب2. وقال ابن فارس في "فقه اللغة":
1 فقيم هذه: هي فقيم دارم، لا فقيم الكنانية المسمون بنسأة الشهور؛ لأنهم كانوا يؤخرون حركة الأشهر الحرم إلى غيرها، وفيهم نزل قوله تعالى:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} والنسبة إلى هؤلاء فقمي، وإلى أولئك فقيمي، حذفوا الياء في الأولى للتمييز بينهما، وله نظائر في كلامهم.
2 ويروى: فلا يزال شاحج: وهو البغل؛ لأن الشحيج صوته.
إن الياء تجعل جيما في النسب، عند بني تميم: يقولون غلامج أي: غلامي؛ وكذلك الياء المشددة تحول جيما في النسب، يقولون: بَصْرِجّ وكُوفِجّ، في بصري وكوفي. وعكس هذه اللغة في تميم -على ما نقله صاحب "المخصص"- وذلك أنهم يقولون: صهريّ والصهاريّ، في صهريج والصهاريج.
2-
في لغة مازن يبدلون الميم باء والباء ميمًا، فيقولون في بكر: مكر، وفي اطمئن: اطبئن، وقد تقدمت.
3-
في لغة طيئ يبدلون تاء الجمع هاء إذا وقفوا عليها، إلحاقًا لها بتاء المفرد؛ وقد سمع من بعضهم:"دفن البناه، من المكرماه" يريد: البنات، والمكرمات؛ وحكى قطرب قول بعضهم: كيف البنون والبناه، وكيف الإخوة والأخواه؟ وسيأتي في النوع الرابع عكس هذه اللغة.
4-
في لغة طيئ أيضًا يقلبون الياء ألفًا بعد إبدال الكسرة التي قبلها فتحة، وذلك من كل ماض ثلاثي مكسور العين، ولو كانت الكسرة عارضة كما لو كان الفعل مبنيا للمجهول، فيقولون في رضي وهُدي: رضا، وهدى؛ بل ينطقون بها قول العرب "فرس حظية بظية" فيقولون: حظاة بظاة. وكذلك يقولون: النصاة، في الناصية.
ومن لغتهم أنهم يحذفون الياء من الفعل المعتل بها إذا أُكّد بالنون، فيقولون في: اخْشَينّ وارمينّ.... إلخ. اخشنّ وارمنّ. وجاء من ذلك في الحديث الشريف على لغتهم: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء تنطحها". وتنسب هذه اللغة إلى فزارة أيضًا كما تنسب إلى طيئ.
5-
في لغة طيئ على ما رواه ابن السكيت أنهم يبدلون في الهمزة في بعض المواضع هاء، فيقولون: هن فعلت فعلت، يريدون: إن فعلت، ومنه قول شاعرهم:
ألا يا سنا برق على قلل الحمى
…
لهنك من برق علي كريم
أي: لإنك وسيأتي عكس هذه اللغة في النوع الرابع.
6-
في لغة تميم يجيئون باسم المفعول من الفعل الثلاثي إذا كانت عينه ياء على أصل الوزن بدون حذف، فيقولون في نحو: مبيع مبيوع؛ ولكنهم لا يفعلون ذلك إذا كانت عين الفعل واوًا إلا ما ندر، بل يتبعون فيه لغة الحجازيين، نحو: مَقُول ومَصُوغ؛ وهكذا.
7-
في لغة هذيل لا يبقون ألف المقصور على حالها عند الإضافة إلى ياء المتكلم، بل يلقبونها ياء ثم يدغمونها، توصلًا إلى كسر ما قبل الياء، فيقولون في عصاي وهواي: عَصِيّ وهَوِيّ؛ قال شاعرهم:
سبقوا هوِيّ وأعنقوا لهواهم
…
فتخرموا ولكل جنب مصرع
ولا يفعلون ذلك إلا إذا كانت الألف في آخر الاسم للتثنية، كما في نحو:"فتياي" بل يوافقون الجمهور في إبقائها دون قلب، كأنهم كرهوا أن يزيلوا دلالتها على المعنى الذي ألحقت بالكلمة له.
8-
في لغة فزارة وبعض قيس يقلبون الألف في الوقف ياء، فيقولون: الهُوي وأفعي وحُبلي.
ومن تميم من يقلب هذه الألف واوًا فيقول: "الهُدو وأفعو وحبلو" ومنهم من يقلبها همزة فيقول: ألهُدأ وأفعأ وحُبلأ".
وقريب من قلب الألف واوًا ما رواه ابن قتيبة عن ابن عباس: "لا بأس بلبس الحِدَوْ للمحرم" أي: الحذاء، وهو دليل على أن من بعض لغاتهم قلب الألف مطلقًا واو.
9-
في لغة خشعم وزبيد يحذفون نون "من" الجارة إذا وليها ساكن، قال شاعرهم.
لقد ظفر الزوار أقفية العدا
…
بما جاوز الآمال م الأسر والقتل
وقد شاعت هذه اللغة في الشعر واستخفها كثير من الشعراء فتعاوروها.
10-
في لغة بلحرث يحذفون الألف من "على" الجارة واللام الساكنة التي تليها، فيقولون في على الأرض، علأرض، وهكذا.
11-
في لغة قيس وربيعة وأسد وأهل نجد من بني تميم، يقصرون "أولاء" التي يشار بها للجمع ويلحقون بها "لامًا" فيقولون: أولالك، قال بعضهم:
أولالك قومي لم يكونوا أشابة
…
وهل يعظ الضليل إلا أولالك1
12-
في لغات أسماء الموصول:
بلحرث بن كعب وبعض ربيعة يحذفون نون اللذين واللتين في حالة الرفع، وعلى لغتهم قول الفرزدق:
أبني كليب إن عمي اللذا
…
قتلا الملوك وفككا الأغلال
وقول الأخطل:
هما اللتا لو ولدت تميم
…
لقيل فخر لهم صميم
وتميم وقيس يثبتون هذه النون ولكنهم يشددونها، فيقولون: اللذان، واللتان؛ وذلك في أحوال الإعراب الثلاثة، وللنحاة في حكمة هذا التشديد أقوال ليست من غرضنا.
وطيئ تقول في الذي ذو، وفي التي ذات. ولا يغيرونهما في أحوال الإعراب الثلاثة رفعًا ونصبًا وجرا. وقال أبو حاتم: إن "ذو" الطائية للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، وإعرابها بالواو في كل موضع.
وسيأتي في النوع الرابع بعض لغات غير منسوبة في أسماء الموصول.
13-
في لغة ربيعة يقفون على الاسم المنون بالسكون في كل أحوال الإعراب، فيقولون: رأيت خالد، ومررت بخالد، وهذا خالد؛ وغيرهم يشاركهم إلا في النصب.
وفي لغة الأزد يبدلون التنوين في الوقف من جنس حركة آخر الكلمة فيقولون جاء خالدو، ومررت بخالدي.
1 الأشابة: الأخلاط، والضليل: مبالغة.
وفي لغة سعد يضعفون الحرف الأخير من الكلمة الموقوف عليها، إلا إذا كان هذا الحرف همزة أو كان ما قبله ساكنًا، فيقولون: هذا خالد، ولا يضعفون في مثل رشأ وبكر.
14-
في لغة بلحرث وخثعم وكنانة يقلبون الياء بعد الفتحة ألفًا، فيقولون في إليك وعليك ولديه:"إلاك، وعلاك، ولداه"، ومنه قول الشاعر:
طاروا علاهن فطر علاها
ومن لغتهم أيضًا إعراب المثنى بالألف مطلقًا، رفعًا ونصبًا وجرا؛ وذلك لقلبهم كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها ألفًا؛ فيقولون: جاء الرجلان، ورأيت الرجلان، ومررت بالرجلان؛ وأنشد ابن فارس في "فقه اللغة" لبعضهم:
تزود منا بين أذناه ضربة
…
دعته إلى هابي التراب عقيم
غير أنه خص هذه اللغة ببني الحارث بن كعب1.
15-
ذكر المبرد في "الكامل" أن بني سعد بن زيد بن مناة، ولخم من قاربها، يبدلون الحاء هاء لقرب المخرج، فيقولون في مدحته: مدهْتُه؛ وعليه قول رؤبة:
لله درّ الغانيات المده
أي: المدح؛ وفي هذه الأرجوزة:
براق أصلاد الجبين الأجله
أي: الأجلح.
وقل في موضع آخر: العرب تقول: هودج، وبنو سعد بن زيد مناة ومن وليهم يقولون: فودج؛ فيبدلون من الهاء فاء.
وفي أمالي ثعلب: أزد شنوءة تقول: تفكهون، وتميم يقولون تفكنون، بمعنى تعجبون.
وأمثلة الاختلاف من هذا الضرب غير قليلة.
16-
في "أمالي القالي" عن أبي زيد أن الكلابيين يلحقون علامة الإنكار في آخر الكلمة، وذلك الاستفهام إذا أنكروا أن يكون رأي المتكلم على ما ذكر في كلامه أو يكون على خلاف ما ذكر.
فإذا قلت: رأيت زيدًا، وأنكر السامع أن تكون رأيته قال: زيدًا إنيه! بقطع الألف وتبيين النون، وبعضهم يقول: زيدنيه! كأنه ينكر أن يكون رأيك على ما ذكرت.
وهذه الزيادة تجري في لغة غيرهم على النحو الذي تسمعه في لغة العامة من مصر، فإنك إذا قلت لأحدهم: رأيت الأسد، يقول: الأسد إيه! فالعرب تحرك آخر الكلمة إذا كان ساكنًا2. وتلحق به
1 قال ابن جني في "سر الصناعة": إن من العرب من يقلب في بعض الأحوال الواو والياء الساكنتين ألفين للفتحة قبلهما، وذلك نحو قولهم في الحيرة: جاري؛ وفي طيئ: طائي.
2 قلت: يعني بالساكن: المنون.