الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِصَّةُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ:
قَالَ أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَلَإِ بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاءُوا فَقَالَ:"يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا". قَالُوا: لَا وَاللَّهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ. فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ: كَانَ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ فِيهِ خِرَبٌ وَنَخْلٌ. فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ. فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ ذَاكَ الصَّخْرَ، وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ، وَيَقُولُونَ: اللهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ فَانْصُرِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فِي قِصَّةِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ: فَطَفِقَ1 هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَنْقِلُونَ اللَّبِنَ، وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقِلُ اللَّبِنَ مَعَهُمْ:
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ
…
هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ
وَيَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَه
…
فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ2
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَتَمَثَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ فِي الْحَدِيثِ. وَلَمْ يَبْلُغْنِي فِي الْحَدِيثِ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ غير هذه الأبيات. ذكره الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ3.
وَقَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: ثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ. فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا. وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ، وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا. وَغَيَّرَهُ عُثْمَانُ، فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَبِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقْفَهُ بِالسَّاجِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عُبَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ الْأَنْصَارَ جَمَعُوا مَالًا، فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ابْنِ بهذا المسجد وزينه، إلى متى
1 طفق: أخذ.
2 تقدم تخريجه قبل قليل.
3 أخرجه البخاري في "صحيحه""3906". قال الحافظ ابن حجر في "الفتح""7/ 291": "وفي الحديث: جواز قول الشعر وأنواعه -يعني: الحسن منه- خصوصا الرجز في الحرب. والتعاون على سائر الأعمال الشاقة، لما فيه من تحريك الهمم وتشجيع النفوس". ا. هـ.
نُصَلِّي تَحْتَ هَذَا الْجَرِيدِ؟ فَقَالَ: "مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ أَخِي مُوسَى، عَرِيشٌ كَعَرِيشِ مُوسَى".
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: "كَعَرِيشِ مُوسَى"؛ قَالَ: إِذَا رَفَعَ يَدَهُ بَلَغَ الْعَرِيشَ، يَعْنِي السَّقْفَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَنَيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَقُولُ:"قَرِّبُوا الْيَمَامِيَّ مِنَ الطِّينِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحْسَنِكُمْ لَهُ بِنَاءً".
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدِي هَذَا". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِأَطْوَلَ مِنْهُ1.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدَ إِلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ". صَحِيحٌ2.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه: كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ3 يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ؛ يَعْنِي فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ. فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ يَنْفُضُ عَنْهُ التُّرَابَ وَيَقُولُ:"وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ دُونَ قَوْلِهِ: "تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ"، وَهِيَ زِيَادَةٌ ثَابِتَةُ الْإِسْنَادِ4.
وَنَافَقَ طَائِفَةٌ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، فَأَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ مُدَارَاةً لِقَوْمِهِمْ. فَمِمَّنْ ذُكِرَ مِنْهُمْ: مِنْ أَهْلِ قُبَاءَ: الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدِ بْنُ الصَّامِتِ.
وَكَانَ أَخُوهُ خَلَّادُ رَجُلًا صَالِحًا، وَأَخُوهُ الْجَلَّاسُ دُونَ خَلَّادٍ فِي الصَّلَاحِ.
وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ: نَبْتَلُ بْنُ الحارث. وبجاد بن عثمان. وأبو حبيبة ابن الْأَزْعَرِ أَحَدُ مَنْ بَنَى مَسْجِدَ الضِّرَارِ. وَجَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَابْنَاهُ: زَيْدٌ وَمُجَمِّعٌ. وَقِيلَ لَمْ يَصِحَّ عَنْ مُجَمِّعٍ النفاق، وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِيهِمْ لِأَنَّ قَوْمَهُ جَعَلُوهُ إِمَامَ مَسْجِدِ الضِّرَارِ. وَعَبَّادُ بن
1 أخرجه مسلم في "صحيحه""1398" كتاب "الحج" بلفظ: عن أبي سعيد، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله! أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ فأخذ كفا من حصباء، فضرب به الأرض، ثم قال:"هو مسجدكم هذا" لمسجد المدينة.
2 أخرجه البخاري "1190" في كتاب "فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة"، ومسلم في "صحيحه""1394" كتاب "الحج".
3 يعني: عمار بن ياسر رضي الله عنه.
4 أخرجه البخاري "447"، ومسلم "2236"، وغيرهما.
حُنَيْفٍ. وَأَخَوَاهُ سَهْلٌ وَعُثْمَانُ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ.
وَمِنْهُمْ: بِشْرٌ، وَرَافِعٌ، ابْنَا زَيْدٍ. وَمِرْبَعٌ، وَأَوْسٌ، ابْنَا قَيْظِيٍّ. وَحَاطِبُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَرَافِعُ بْنُ وَدِيعةَ، وَزَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ؛ ثَلَاثَتُهُمْ مِنْ بَنِي النَّجَارِ، وَالْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ الْخَزْرَجِيُّ؛ مِنْ بَنِي جُشَمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنُ سَلُولٍ، مِنْ بَنِي عَوْفٍ بْنُ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ رَئِيسَ الْقَوْمِ.
وَمِمَّنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ مِنَ الْيَهُودِ وَنَافَقَ بَعْدُ: أَسْعَدُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَزَيْدُ بْنُ اللُّصَيْتِ، وَرَافِعُ بْنُ حَرْمَلةَ، وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنُ التَّابُوتِ، وَكِنَانَةُ بْنُ صُورِيَا.
وَمَاتَ فِيهَا: الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ السُّلَمِيُّ أَحَدُ نُقَبَاءِ الْعَقَبَةِ رضي الله عنه. وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَكَانَ كَبِيرَ الشَّأْنِ.
وَتَلَاحَقَ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ تَأَخَّرُوا بِمَكَّةَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَحْبُوسٌ أَوْ مَفْتُونٌ. وَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا أَسْلَمَ أَهْلُهَا، إِلَّا أَوْسُ اللَّهِ، وَهُمْ حَيٌّ مِنَ الْأَوْسِ؛ فَإِنَّهُمْ أَقَامُوا عَلَى شِرْكِهِمْ.
وَمَاتَ فِيهَا: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ وَالِدُ خَالِدٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلِ السَّهْميُّ وَالِدُ عَمْرٍو بِمَكَّةَ عَلَى الْكُفْرِ.
وَكَذَلِكَ: أَبُو أُحَيْحةَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ الْأُمَوِيُّ تُوُفِّيَ بِمَالِهِ بِالطَّائِفِ.
وَفِيهَا: أُرِيَ الْأَذَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَشُرِعَ الْأَذَانُ عَلَى مَا رَأَيَا.
وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَقَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِوَاءً لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَعْتَرِضُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ. وَهُوَ أَوَّلُ لِوَاءٍ عُقِدَ فِي الْإِسْلَامِ.
وَفِيهَا: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَأَبَا رَافِعٍ إِلَى مَكَّةِ لِيَنْقُلَا بَنَاتَهُ وَسَوْدَةَ1 أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ.
وَفِي ذِي الْقِعْدَةِ عَقَدَ لِوَاءً لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، لِيُغِيرَ عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ أَوْ بَنِي جُهَيْنَةَ. ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق، عن يزيد بن رومان،
1 هي: سودة بنت زمعة، أم المؤمنين رضي الله عنها.
عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَكَانَ أَوَّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَايَةَ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ1.
وَفِيهَا: آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَالْحَقِّ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَوَرَّثَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، حَتَى نَزَلَتْ:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} 2.
وَالسَّبَبُ فِي قِلَّةِ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذَا الْعَامِ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ السِّنِينَ، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَلِيلِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ. فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِبَعْضِ الْحِجَازِ، أَوْ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ. وَفِي خِلَافَةِ عُمَرَ -بَلْ وَقَبْلَهَا- انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ فِي الْأَقَالِيمِ. فَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ سَبَبُ قِلَّةِ مَنْ تُوُفِّيَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَسَبَبُ كَثْرَةِ مَنْ تُوُفِّيَ فِي زَمَانِ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ.
وَكَانَ فِي هَذَا الْقُرْبِ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ بْنُ جُشَمِ بْنُ وَائِلٍ الْأَوْسِيُّ الشَّاعِرُ. وَكَانَ يُعْدَلُ بِقَيْسِ بْنِ الْخَطِيمِ فِي الشَّجَاعَةِ وَالشِّعْرِ. وَكَانَ يَحُضُّ الْأَوْسَ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَكَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ يَتَأَلَّهُ وَيَدَّعِي الْحَنِيفِيَّةَ، وَيَحُضُّ قُرَيْشًا عَلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ قَصِيدَتَهُ الْمَشْهُورَةَ الَّتِي أَوَّلُهَا:
أَيَا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ
…
مُغَلْغَلَةً عَنِّي لُؤَيَّ بْنَ غَالِبِ
أَقِيمُوا لَنَا دِينًا حَنِيفًا فَأَنْتُمُو
…
لَنَا قَادَةٌ قَدْ يُقْتَدَى بِالذَّوَائِبِ
رَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ رِجَالِهِ قَالُوا: خَرَجَ ابْنُ الْأَسْلَتِ إِلَى الشَّامِ، فَتَعَرَّضَ آلَ جَفْنَةَ فَوَصَلُوهُ. وَسَأَلَ الرُّهْبَانَ فَدَعُوهُ إِلَى دِينِهِمْ فَلَمْ يُرِدْهُ. فَقَالَ لَهُ رَاهِبٌ: أَنْتَ تُرِيدُ دِينَ الْحَنِيفِيَّةِ، وَهَذَا وَرَاءَكَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ. ثُمَّ إِنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا، فَلَقِي زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ3، فَقَصَّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ. فَكَانَ أَبُو قَيْسٍ بَعْدُ يَقُولُ: لَيْسَ أحد على دين
1 استشهد رضي الله عنه متأثرا بجراحه عقب غزوة بدر الكبرى.
2 "إسناده صحيح": "مسند الطيالسي""2676"، والطبراني في "الكبير""11748"، والبيهقي في "السنن""6/ 262"، وقال الهيثمي في "المجمع" "7/ 28": رجاله رجال الصحيح. والآية: من سورة الأنفال: 75.
3 والد الصحابي الجليل: سعيد بن زيد، أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه.