المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحداث سنة تسع وتسعين وأربعمائة: - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ٣٤

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌أحداث سنة تسع وتسعين وأربعمائة:

دخول السّلطان محمد إصبهان:

ودخل محمد إصبهان سلطانًا متمكنًا، مهيبًا، كثير الجيوش، بعد أنّ كَانَ خرج منها خائفًا، يترقب، وبسط العدل، وأحسن إلى العامّة.

الْجُدَريّ والوباء في بغداد:

وفيها كَانَ ببغداد جُدَريّ مُفْرِط، مات فيه خلْقٌ من الصّبيان لا يحصون وتبعه وباءٌ عظيم.

مواصلة حصار طرابُلُس:

وكان الحصار متواترًا عَلَى طرابُلُس. وكتب أهلها متواصلة إلى طُغْتِكِين يستصرخونه لإنجادهم وعونهم، فأهلك اللَّه تعالى صَنْجيل مقدم الإفرنج، وقام غيره كما سبق1.

1 انظر: الكامل "10/ 416، 417"، البداية والنهاية "12/ 165، 166"، صحيح التوثيق "7/ 525".

ص: 38

‌أحداث سنة تسع وتسعين وأربعمائة:

قتل متنبئ بنهاوند:

وفيها ظهر بنواحي نَهَاوَنْد ولدٌ فادّعى النُّبُوة، وكان يُمَخْرق بالسِّحْر والنجوم، وتبعه الخلْق، وحملوا إِلَيْهِ أموالهم، فكان لا يدّخر شيئًا. وسمّى أصحابه بأسماء الصّحابة أَبِي بَكْر، وعُمَر.

قتل خارج يطلب المُلْك بنهاوند:

وخرج أيضًا بنهاوند من ولد ألْب أرسلان السّلطان رجلٌ يطلب المُلْك، فأُخذا وقُتِلا في وقتٍ واحد.

استرجاع طُغْتِكِين حصنين من الإفرنج:

وفيها شرع الإفرنج وعملوا في حصنٍ بين طَبَريّه والبثنيّة يقال لَهُ: عال، فبلغ

ص: 38

طُغْتِكِين صاحب دمشق، فسار وأخذ الحصن، وأعاد الأسارى والغنائم وزيّنت دمشق أسبوعًا. ثمّ سار إلى حصن رفنية، وصاحبه ابن أخت صَنْجيل، فحاصره طغتكين وملكه، وقتل به خمسمائة من الإفرنج.

امتلاك الإسماعيليّة حصن فامية:

وفيها مَلَك الإسماعيليّة حصنَ فامِيَة وقتلوا صاحبه خلف بْن مُلاعب الكِلَابيّ. وكان خَلَف قد تغلّب عَلَى حمص، وقطع الطّريق، وعمل أنْحَس ممّا تعمله الإفرنج فطرده تُتُش عَنْ حمص، فذهب إلى مصر، فما التفتوا إِلَيْهِ. فاتّفق أنّ نقيب فَامِيَة من جهة رضوان بْن تُتُش أرسل إلى المصريّين، وكان عَلَى مذهبهم، يستدعى منهم من يسلّم إِلَيْهِ الحصن، فطلب ابن مُلاعب منهم أنّ يكون واليا عَلَيْهِ لهم. فلمّا ملك خلع طاعتهم. فأرسلوا من مصر يتهدّدونه بما يفعلونه بولده الّذي عندهم رهينة، فقال: لا أنزل من قلعتي، وابعثوا إليَّ بعض أعضاء ابني حتّى آكُله. وبقي بفامية يقطع الطريق، ويخيف السبيل، وانضم إليه الكثير من المفسدين.

قتل ابن مُلاعب بحيلة قاضي سرمين:

ثمّ أخذت الإفرنج سَرْمِين، وأهلها رافضة، فتوجّه قاضيها إلى ابن مُلاعب فأكرمه وأحبّه، ووثق بِهِ، فأعمل القاضي الحيلة، وكتب إلى أبي طاهر الصائغ أحد رؤوس الباطنيّة ومن الواصلين عند رضوان صاحب حلب واتفق معه على الفتك بابن ملاعب. وأحس ابن ملاعب فأحضر القاضي، فجاء وفي كمه مصحف، وتنصل وخدع ابن ملاعب، فسكت عَنْهُ؛ وكتب إلى الصائغ يشير إليه بأن يحسن لرضوان إنفاذ ثلاثمائة رجلٍ من أهل سَرْمِين الذين نزحوا إلى حلب، ويُنفذ معهم خيلًا من خيول الإفرنج، وسلاحًا من سلاحهم، ورؤوسًا، من رؤوس الإفرنج، فيأتون ابن مُلاعب في صورة أنّهم غُزاة، ويشكون من سوء معاملة رضوان المُلْك لهم. وأنّهم فارقوه، فلقيتهم طائفة من الإفرنج، فنصروا على الإفرنج، وهي رؤوسهم. ويحملون على جُمَيْع ما معهم إِلَيْهِ، فإذا أذِن لهم في المقام عنده اتّفق عَلَى إعمال الحيلة. ففعل الصائغ جميع ذلك، وجاؤوا بتلك الرؤوس، وقدّموا لابن مُلاعب ما معهم من خيل وغيرها، فانزلهم ابن مُلاعب في رَبَض1 فَامِيَة. فقام

1 ربض: طرف المكان.

ص: 39

القاضي ليلةً هُوَ ومن معه بالحصن، فدلوا حبالًا، وأصعدوا أولئك من الربض، ووثبوا إلى أولاد ابن مُلاعب وبني عمّه فقتلوهم، وأتوا ابن مُلاعب وهو مع امرأته فقال: من أنت؟ قَالَ: مَلَك الموت جئت لقبْض روحك. ثمّ قتله. ثم وصل الخبر إلى أَبِي طاهر الصّائغ، فسار إلى فَامِيَة، وهو لا يشكّ أنّها لَهُ. فقال القاضي: إنّ وافقتَني وأقمتَ معي، وإلّا فارجع. فآيس ورجع.

قتْلُ الإفرنج قاضي سَرْمِين:

وكان عند طُغْتِكِين الأتابك ولدٌ لابن مُلاعب فولّاه حصنًا، فقطع الطّريق، وأخذ القوافل كأبيه. فهَمّ بالقبض عَلَيْهِ طُغْتِكِين، فهرب إلى الإفرنج، واستدعاهم إلى فَامِيَة، وقال: ما فيها إلّا قُوت شهر. فنازلوه وحصروه، وجاع أهله، ومَلَكَتْه الإفرنج، فقتلوا القاضي المذكور. وظفروا بالصّائغ فقتلوه، وهو الّذي أظهر مذهب الباطنيّة بالشّام، فقيل: لم يقتلوه وإنّما بَقِيّ إلى سنة سبعٍ وخمسمائة، فقتله ابن بديع رئيس حلب بعد موت رضوان صاحبها.

إفساد ربيعة والعرب في البصرة ونواحيها:

وفيها ملك ضيف الدّولة صدقة بْن مَزْيَد الأَسَديّ البصرة، وحكم عليها، وأقام بها نائبًا، وجعل معه مائة وعشرين فارسًا. فاجتمعت ربيعة، والعرب، في جَمْعٍ كبير، وقصدوا البصرة، فقاتلهم النّائب، فأسروه، ودخلوا البلد بالسّيف، فنهبوا وأحرقوا، وما أبقوا ممكِنًا، وانتشر أهلُها بالسّواد. وأقامت العرب تُفْسد شهرًا، فأرسل صدقة عسكرًا وقد فات الأمر.

اشتداد الحصار عَلَى طرابُلُس:

وأمّا ابن عمّار فكان يخرج من طرابُلُس وينال من الإفرنج، وخرّب الحصن الّذي أقامه صَنْجيل، وحرق فيه، فرجع صَنْجيل ومعه جماعة من القمامصة والفرسان، فوقف عَلَى بعض السُّقُوف المحترقة، فانخسف، فمرض صَنْجيل عشرة أيّام ومات، لعنه اللَّه تعالى؛ وحملت جيفةُ الملعون إلى القدس، فدفنت بِهِ. ولم يزل الحرب بين أهل طرابُلُس والإفرنج خمسَ سِنين إلى هذا الوقت. فعدموا الأقوات، وافتقر

ص: 40