الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انهزام المصريين والإفرنج عند عسقلان:
وفيها قدِم عسكر المصريين فالتقاهم الإفرنج، فانهزم الفريقان بعد معركة كبيرة بقرب عسقلان، والله أعلم1.
1 انظر: المنتظم "5/ 110-120"، والكامل "10/ 395"، البداية والنهاية "12/ 160"، صحيح التوثيق "7/ 523".
أحداث سنة خمس وتسعين وأربعمائة:
وفاة المستعلي باللَّه العُبَيْديّ:
فيها تُوُفّي المستعلي باللَّه أحمد بْن المستنصر باللَّه مَعَدّ العُبَيْديّ الشيعي صاحب مصر.
خلافة الآمر بأحكام اللَّه العُبَيْديّ:
وقام بعده ولده الآمر بأحكام اللَّه منصور، طفلٌ لَهُ خمسُ سنين. والأمور كلها إلى أمير الجيوش الأفضل. أقام هذا الصّغير ليتمكّن من جُمَيْع الأمور، وذلك في سابع عشر صَفَر.
المصافّ الثالث بين الأخوين محمد وبركياروق:
وكان المصاف الثالث بين الأخوين محمد وبَركيَارُوق. كَانَ محمد ببغداد أوّل السنة، ورحل منها هُوَ وأخوه سَنْجَر، فقصد سَنْجَر بلاده بخراسان، وقصد هَمَذَان السلطان محمد. وسار بَركيَارُوق معه أربعة آلاف، وكان معه مثلها. فالتقوا بروذراود، وتصافوا، ولم يجري بينهم قتالٌ لشدّة البرد. وتصافوا من الغد، فكان الرجل يبرز فيبارزه آخر، فإذا تقابلا اعتنق كلٌّ منهما صاحبه، وسلّم عَلَيْهِ، ويعود عنه.
مصالحة الأخوين:
ثمّ سعت الأمراء في الصُّلْح لِمَا عمّ المسلمين من الضّرَر والوهْن، فتقرّرت القاعدة عَلَى أنّ يكون بَركيَارُوق السلطان، ومحمد الملك، ويضرب لَهُ ثلاث نوب، ويكون لَهُ
جنزة وأعمالها وأذْرَبَيْجان، وديار بَكْر، والموصل، والجزيرة. وحَلَف كلٌّ واحدٍ منهما لصاحبه، وانفصل الْجَمْعان من غير حربٍ، ولله الحمد. وسار كلّ أمير مع أقطاعه، هذه في ربيع الأوَّل.
المصافّ الرابع بين الأخوين:
فلمّا كَانَ في جُمَادَى الأولى كَانَ بينهما مصافّ رابع. وذلك أنّ السّلطان محمدًا سار إلى قَزْوين، ونسب الأمراء الذين سعوا في صورة الصُّلْح إلى المخامرة، فكحل الأمير أيدكين، وقتل الأمير سمل. وجاء إلى محمد الأمير ينال، وتجمع العسكر، وقصده بَركيَارُوق، وكانت الوقعة عند الرّيّ، فانهزم عسكر محمد، وقصدوا نحو طَبَرِسْتان، ولم يُقتل غير رجلٍ واحد، قُتِل صبْرًا ومضت قطعةٌ منهم نحو قَزْوين، ونهبت خزائن محمد. وانهزم في نفر يسير إلى إصبهان في سبعين فارسًا، وحصنها ونصب مجانيقها، وكان معه بها ألف فارس. وتبعه بَركيَارُوق بجيوش كثيرة تزيد عَلَى خمسة عشر ألف، فحاصره وضيّق عَلَيْهِ. وكان محمد يدور كلّ ليلةٍ عَلَى السّور ثلاث مرّات. وعدمت الأقوات فأخرج من البلد الضُّعفاء. واستقرض محمد من أعيان البلد أموالًا عظيمة، وعثرهم وصادرهم، واشتد عليهم القحط، وهانت فيهم الأمتعة. وكانت الأسعار عَلَى بَركيَارُوق رخيصة. ودام البلاء إلى عيد الأضحى، فلمّا رأى محمد أموره في إدبار، فارق البلد، وساق في مائة وخمسين فارسًا، ومعه الأمير ينال، وفحمل بَركيَارُوق وراءه عسكرًا، فلم ينصحوا في طلبه، وزحف جيش بَركيَارُوق عَلَى إصبهان ليأخذوها، فقاتلهم أهل البلد قتال الحريم، فلم يقدروا عليهم. فأشار الأمراء عَلَى بَركيَارُوق بالرحيل، فرحل إلى هَمَذَان.
منازلة ابن صَنْجيل طرابلس:
وفيها نازل ابن صَنْجيل الإفرنجي طرابلس، فسار عسكر دمشق مَعَ صاحب حمص جناح الدولة، فالتقوا، فانكسر المسلمون ورجعوا.
انهزام بردويل أمام عسكر المصريّين:
قال ابن المظفر سبط ابن الْجَوْزيّ: جهّز الأفضل عساكر مصر فوصلوا في رجب
إلى عسقلان مَعَ الأمير نُصَيْر الدّولة يُمْن. وخرج بردويل من القدس في سبعمائة، فكبس المصريّين، فثبتوا له، وقتلوا معظم رجاله، وانهزم هُوَ في ثلاثة أنفار، واختبأ في أَجَمَةِ قَصَب. فأحاط المسلمون بِهِ وأحرقوا القَصَب، فهرب إلى يافا.
نجدة عسكر دمشق لطرابلس:
وأمّا عسكر دمشق، فعادوا وكشفوا عَنْ طرابلس الإفرنج.
وفاة جناح الدولة صاحب حمص:
ومات صاحب حمص جناح الدولة حسين بْن ملاعب، وكان بطلًا شجاعًا مذكورًا. قفز عَلَيْهِ ثلاثةٌ من الباطنيّة يوم الجمعة في جامع حمص، فقتلوه، وقُتِلوا.
تسلّم شمس الملوك دُقَاق مدينة حمص:
فنازَلَها صاحب أنطاكيّة الّذي تملّكها بعد أسْر بَيْمُنت بالإفرنج، فصالحوه عَلَى مال. وجاء شمس الملوك دُقَاق فتسلّمها.
مقتل الوزير الدّهسْتاني:
وفيها قُتِل الوزير الأعزّ أبو المحاسن عَبْد الجليل الدهستاني وزير بركياروق. وجاءه شابٌ أشقر، وقد ركب إلى خيمة السّلطان وهو نازل عَلَى إصبهان، فقيل: كَانَ مملوكًا لأبي سَعِيد الحدّاد الّذي قتله الوزير عام أوّل، وقيل: كَانَ باطنيا فأثخن الوزير بالجراحات.
وزارة المَيْبُذِيّ:
ووَزَرَ بعده الخطير أبو منصور المَيْبُذِيّ الّذي كَانَ وَزَرَ للسّلطان محمد. وكان في حصار إصبهان متسلّمًا بعض السّور، وطالبه محمد بمالٍ للجند، ففارقه في اللّيل وخرج إلى مدينة مَيْبُذ، وتحصّن بها، فبعث بَركيَارُوق من حاصره، فنزل بالأمان. ثمّ رضي عَنْهُ بركياروق واستوزره.
الفتنة بين شحنة بغداد إيلغازي والعامّة:
وفيها كانت فتنة كبيرة بين شحنة بغداد إيلغازي بْن أُرْتُق وبين العامّة. أتى جُنْديٌ من أصحابه ملّاحًا ليعبُرَ به وبجماعة، فتأخّر، فرماه بنشابةٍ فقتله، فأخذت العامّة القاتل، فجروه إلى باب النوبي، فلقيهم ابن إيلغازي فخلّصه، فَرَجمتهم العامّة. فتألم إيلغازي، وعبر بأصحابه إلى محلّة الملّاحين، فنهبوها، وانتشرت الشُّطّار، فعاثوا هناك وبدَّعوا، وغرق جماعة، وقتل آخرون. وجمع إيلغازي التُّركمان، وأراد نَهْب الجانب الغربيّ من بغداد، ثمّ لَطَفَ اللَّه تعالى.
وفاة قوام الدولة كبر بوقا التركيّ:
وفيها ساق صاحب المَوْصِل قِوامُ الدّولة كبربوقا التُّركيّ في ذي القعدة عند مدينة خُوَيّ. وكان السلطان بَركيَارُوق قد أرسله في العام الماضي إلى أذْرَبَيْجان، فاستولى عَلَى أكثرها، ومرض ثلاثة عشر يوما، ودفن بخُوَيّ. وأوصى أمراءه بطاعة سُنْقُرجاه. فسار بهم ودخل المَوْصِل، وأقام ثلاثة أيّام.
مقتل سُنْقُرجاه صاحب المَوْصِل:
وكان كبيروها قد كاتبوا الأمير موسى التُّركمانيّ، وهو بحصن كَيْفا، ينوب عَنْ كبربوقا. فسار مجدًا، فظن سُنْقُرجاه أَنَّهُ قدِم إلى خدمته، فخرج يتلقاه، ثمّ ترجل كلٌّ واحدٍ منهما للآخر، واعتنقا، وبكيا عَلَى كبربوقا، ثمّ ركبا، فقال سُنْقُرجاه: أَنَا مقصودي المِخَدّةُ والمنصب، وأمّا الأموال والولايات فلكم. فقال موسى: الأمر في هذا إلى السلطان. ثمّ تنافسا في الحديث، فجذب سُنْقُرجاه سيفه، وضرب موسى صَفْحًا عَلَى رأسه فجرحه، فقال موسى نفسه، وجذب سُنْقُرجاه إلى الأرض ألقاه، جذب بعض خواص موسى سكينًا قتل بها سُنْقُرجاه. ودخل موسى البلد، وخلع عَلَى أصحاب سُنْقُرجاه، وطيّب قلوبهم، وحكم عَلَى المَوْصِل.
مقتل الأمير موسى التركماني:
ثمّ غدر بِهِ عسكره وانضموا إلى شمس الدّولة جَكَرْمِش، فافتتح نصيبين، ثمّ نازل المَوْصِل، وحاصر موسى مدة، فأرسل موسى إلى سُقْمان بْن أُرْتُق يستنجد بِهِ، عَلَى أنّ أطلق لَهُ حصن كيفا وعشرة آلاف دينار. فسار من ديار بَكْر ونَجَدَه، فرحل عَنْهُ جكرمش. فخرج موسى يتلقّى سُقْمان، فوثب عَلَيْهِ جماعة فقتلوه، وهرب خواصُّه. وملك سُقْمان حصن كيفا، فبقيت بيد ذريته إلى سنة بضع وعشرين وستمائة. وكان بها في دولة الملك ابن العادل محمود بْن مُحَمَّد بْن قُرا رسلان بْن دَاوُد بْن سُقْمان بْن أُرْتُق صاحبها.
استيلاء جَكَرْمِش عَلَى المَوْصِل والخابور:
ثمّ سار جكرمِش وحاصر المَوْصِل، فتسلّمها صُلْحًا، وأحسن السيرة، وقتل الذين وثبوا عَلَى موسى. واستولى بعد ذَلِكَ عَلَى الخابور، وغيره، وقوي أمره.
موقعة صَنْجيل الإفرنجي عند طرابلس:
قَالَ ابن الأثير: وكان صَنْجيل الإفرنجي، لعنه اللَّه، قد لقي قلج أرسلان بْن سليمان بْن قُتُلْمش صاحب الروم، فهزمه ابن قُتُلْمش، وأسر خلقًا من الإفرنج، وقتل خلقًا، وغنم شيئًا كثيرًا. وبقي مَعَ صنجيل ثلاثمائة، فوصل بهم إلى الشام، فنازل طرابلس، فجاءت نجدةُ دمشق نحو ألفي فارس، وعسكر حمص، وغيرهم، فالتقوا عَلَى باب طرابلس، فرتب صَنْجيل مائة في وجه أهل البلد، ومائةً لملتقى عسكر دمشق، وخمسين فارسًا للحمصيّين، وبقي هُوَ في خمسين. فأمّا عسكر حمص، فلم يثبتوا للحملة، وولوا منهزمين، وتَبِعَهم عسكر دمشق. وأمّا أهل البلد، فقتلوا المائة الذين بارزتهم، فحمل صنجيل بالمائتين، فكسروا أهل طرابلس، وقتل منهم مقتلة، وحاصرهم، وأعانه أهل البَرّ، فإنّ أكثرهم نصارى. ثمّ هادنهم عَلَى مالٍ. ونازل أَنْطرسَوُس، فافتتحها وقتل أهلها.
إطلاق سراح بيمند صاحب أنطاكية:
وفيها أطلق ابن الدانشمند بيمند الإفرنجي صاحب أنطاكية، وكان أسَرَه كما تقدم، فباعه نفسه بمائة ألف دينار، وبإطلاق ابنه ياغي سِنان صاحب أنطاكية، وكان أسرها لمّا أخذ أنطاكية من أبيها. فقدم أنطاكية، وقويت نفوس بأهلها بِهِ. وأرسل إلى أهل قِنَّسْرين والعواصم يطالبهم بالإمارة، وانزعج المسلمون.
حصار صَنْجيل لحصن الأكراد:
وفيها سار صنجيل إلى حصن الأكراد فحاصره، فجمع جناح الدّولة عسكرًا ليسير إِلَيْهِ وليكسبهم، فقتله كما قتل باطني، بالجامع. وقيل: إن ربيبه الملك رضون جهّز عَلَيْهِ من قتله.
منازلة صَنْجيل حمص:
وأصبح صَنْجيل حمص فنازلها.
محاصرة القُمص عكّا:
ونزل القُمّص عَلَى عكّا، وجَدَّ في حصارها وكاد أنّ يأخذها، فكشف عَنْهَا المسلمون.
محاصرة صاحب الرُّها لبيروت:
وفيها سار القُمّص صاحب الرُّها إلى أنّ نازل بيروت، فحاصرها مدّةً، ثمّ عجز عَنْهَا وترحل.
طمع صاحب سمرقنْد في خراسان:
وأمّا سنجر، فإنه لمّا عاد من بغداد إلى خُراسان خطب لأخيه محمد بجميع خراسان. وطمع صاحب سمرقنْد جبريل بْن عُمَر في خراسان، وجمع عسكرًا تملأ الأرض -قِيلَ: كانوا مائة ألف فيهم خلْقٌ من الكفار- وقصد خُراسان. وكان قد كاتبه كُنْدُغدي أحد أمراء سَنْجَر، وأعلمه بمرض سَنْجَر، وبأن السلطانين في شُغلٍ بأنفسهما. وعُوفي سَنْجَر، فسار لقصده في ستّة آلاف فارس، إلى أنّ وصل بلخ،
فهرب كُنْدُغدي إلى خدمة قدرخان، وهو صاحب سَمَرْقَنْد جبريل بْن عُمَر، ففرح بمَقْدَمِه، وسار معه فملك تِرْمِذ، وقرُب قدرخان بجيوشه إلى بلْخ، فجاءت العيون إلى سَنْجَر، أنّ قدرخان ذهب يتصيد في ثلاثمائة فارس، فندب الأمير بزغش لقصْده، فساق ولحقه وقاتله، فانهزم أصحاب قدرخان لقلتهم، وأسر قدرخان وكُنْدُغْدي، وأُحضرا بين يدي سَنْجَر فقبَّل قدرخان الأرض واعتذر فأمر بِهِ فقُتِل وتملّس كُنْدُغدي، ونزل في قناة مشى فيها قدْر فرسَخَيْن تحت الأرض، عَلَى ما بِهِ من النِّقْرِس، وقتل فيها حَيَّتين، وطلع من القناة، فصادف أصحابه، فسار في ثلاثمائة فارس إلى غَزْنَة.
وفاة كُنْدُغدي:
قَالَ ابن الأثير: وقيل: بل جمع سَنْجَر عساكر كثيرة، والتقى بصاحب سَمَرْقَنْد، وكثُر القْتلُ بين النّاس، وانهزم قدرخان صاحب سَمَرْقَنْد، وأسر، ثمّ قتل. وحاصر سَنْجَر تِرْمِذ، وفيها كُنْدُغدي، فنزل بالأمان، وأمره بمفارقة بلاده، فسار إلى غَزْنَة، فأكرمه صاحبها علاء الدّولة وبالغ، ثمّ خاف منه كُنْدُغدي، ثمّ هرب، فمات بناحية هَرَاة.
تملُّك سَنْجَر بْن محمد على سَمَرْقَنْد:
وأحضر السلطان سَنْجَر محمد بْن سليمان بْن بُغْراخان نائب مَرْو، وملّكه سَمَرْقَنْد، وبعثه إليها. وهو من أولاد الخانيّة بما وراء النّهر، وأُمُّه ابنة السلطان ملكشاه، وسنجر خاله، فدفع عَنْ مملكة آبائه، فقصد مَرْو، وأقام بها إلى الآن، فعظم شأنُه، وكثرت جموعه، إلّا أَنَّهُ انتصب له هاغوابك، وزاحمه في المُلْك، وجرت لَهُ معه حروب.
استرجاع بَلَنْسِيَة من النصارى:
وفيها نازل المسلمون بَلَنْسِيَة، واسترجعوها من النصارى بعد أنّ بقيت بأيديهم ثمانية أعوام، فجدد محراب جامعها. ودامت دار إسلام إلى أنّ أخذتها النّصارى المرة الثانية سنة ست وثلاثين وستمائة1.
1 البداية والنهاية "12/ 163"، النجوم الزاهرة "5/ 180".