الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالغنائم منصورًا. وكان بطلًا، شجاعًا، مهيبًا، برز إلى الإفرنج مرات، وينصر عليهم، بذل وسعه في الجهاد.
تخريب المقدّم بزغش حصون الإسماعيلية:
وفيها جمع بزغش مقدَّم جيش سَنْجَر عسكرًا كثيرًا وخلقًا من المُطَّوِّعة، وسار إلى قتال الإسماعيليّة، وقدم طَبَس وهي لهم فخربها وما جاء وراءها من القلاع والقرى، وأكثر فيهم النَّهْب والسَّبْي والقتْل، وفعل بهم الأفعال العظيمة.
تأمين الإسماعيليّة وسخط النّاس عَلَى السلطان:
ثمّ إنّ أصحابه أشاروا بأن يؤمَّنُوا، ويشترط عليهم أن لا يَبْنُوا حصنًا، ولا يشترون سلاحًا، ولا يَدْعُون أحدًا إلى عقائدهم، فسخط كثيرٌ من النّاس هذا الأمان، ونقموه عَلَى السّلطان سنجر. ومات بزغش، ختم له بغزو هؤلاء الكلاب الزنادقة1.
1 انظر: الكامل "10/ 328-344"، والبداية والنهاية "12/ 162-164"، النجوم الزاهرة "5/ 186"، صحيح التوثيق "7/ 524".
أحداث سنة ثمان وتسعين وأربعمائة:
وفاة السلطان بَركيَارُوق:
في ربيع الآخر، مات السّلطان بَركيَارُوق، وملّكت الأمراء بعده ولَدَه جلالَ الدّولة ملكشاه، وخطب لَهُ ببغداد وهو صبيّ دون الخمس سِنين.
دخول جَكَرْمِش في طاعة السلطان محمد:
وأمّا السّلطان محمد، فكان مقيمًا بتبريز، فسار إلى مراغة يريد جَكَرْمِش، فحصّن المَوْصِل، وجعل أهل الضِّياع إلى البلد، فنازله محمد، وجَدّ في قتاله، وقاتل في جَكَرْمِش أهل المَوْصِل لمحبّتهم فيه، ودام القتال مدّةً، فلمّا بلغت جَكَرْمِش وفاة بَركيَارُوق، أرسل إلى محمود يبذل الطّاعة، فدخل إِلَيْهِ وزير محمد سعْد المُلْك، وخرج معه جَكَرْمِش، فقام لَهُ محمد واعتنقه وقال: ارجع إلى رعيّتك،
فإن قلوبهم إليك، فقبّل الأرض وعاد، فقدّم للسّلطان وللوزير تُحَفًا سَنِيّة، ومدّ سِماطًا عظيمًا بظاهر المَوْصِل.
سلطنة محمد على بغداد:
ثمّ أسرع محمد إلى بغداد وفي خدمته صاحب المَوْصِل. وكان ببغداد ملكشاه بْن بَركيَارُوق الصّبيّ الّذي سَلْطَنه الخليفة، وأتابك الصّبيّ إياز. فبرز وأمّن بغداد، وتحالفوا عَلَى حرب محمد، ومَنْعه من السّلطنة. وجاء محمد ونزل بالجانب الغربيّ، وخُطِب لديه، ثمّ ضعُف إياز والأمراء، فراسلوا محمدًا في الصُّلْح - وليُعطي إيازَ أمانًا عَلَى ما سَلَفَ منه. وتمّ الدَّسْتُ لمحمّد، واجتمعت الكلمة عليه، فاستخلف السّلطانَ إلْكِيا الهرّاسيّ، وأقام السّلطان محمد ببغداد ثلاثة أشهر، وتوجّه إلى أصبهان.
مقتل إياز أتابك ملكشاه:
وأمّا إياز أتابك ملكشاه، فإنّه لمّا سلّم السّلطنة إلى محمد عمل دعوةً عظيمة في داره ببغداد، دعى إليها محمدًا، وقدم إليه تُحَفًا، منها الحبل البُلخُشيّ الّذي أخذه من ترِكة مؤيّد المُلْك ابن النّظّام. وحضر مَعَ السّلطان الأمير سيف الدّولة صَدَقَة بْن مَزْيَد. فاعتمدوا إياز اعتمادًا رديئًا، وهو أَنَّهُ ألبس مماليكه العُدَد1 والسّلاح ليعرضوا عَلَى محمد، فدخل عليهم رَجُلٌ مَسْخَرَة فقالوا: لا بُدَّ أنّ نُلْبسك دِرْعًا. وعبثوا بِهِ يصفعونه، حتّى كَلَّ وهرب، والْتجأ إلى غلمان السّلطان، فرآه السّلطان مذعورًا وعليه لباسٌ عظيم، فارتاب2. ثمّ جسّه3 غلام، فإذا درْع تحت الثياب الفاخرة، فاستشعر، وقال محمد: إذا كَانَ أصحاب العمائم قد لبسوا السّلاح، فكيف الأجناد؟ وتحيّل لكونه في داره، فنهض وخرج. فلمّا كَانَ بعد أربعة أيّام استدعى إياز وجَكَرْمِش صاحب المَوْصِل وجماعة وقال: بَلَغَنَا أنّ المُلْك قِلِج أرسلان بْن سُليمان بن قتلمش قصد ديار بَكْر ليأخذها، فانظروا من يُنْتَدب لَهُ. فقالوا: ما لَهُ إلّا الأمير إياز. فطلب إيازًا إلى بين يديه لذلك، وأعدّ جماعةً ليفتكوا به إذا ما دخل، فضربه واحد
1 العدد: مفردها عُدة: وهي آلة الحرب.
2 ارتاب: شك.
3 جس: يقال: جس الأرض جسًّا: وطئها، وجس يد المريض: مسها ليتعرف حاله، وجس الشيء بيده: مسه.
أبان رأسه، فغطّى صدقة وجهه بكُمّه. وأما الوزير فغشي عَلَيْهِ. ولُفّ إياز في مسحٍ، وألقي عَلَى الطّريق. فركب أجناده وشغبوا ثمّ تفرقوا. وهذا1 أمر عدّة المزاح، نسأل اللَّه السّلامة. ثمّ أخذه قوم من المطّوّعة، وكفنوه ودفنوه. وعاش نحو الأربعين سنة. وكان من مماليك السّلطان ملكشاه. وكان شجاعًا غزير المروءة، ذا خبرة بالحروب. ثمّ قتلوا وزيره بعد شهرين.
هلاك صَنْجيل:
وفيها هلك الطّاغية صَنْجيل الذي حاصر طرابلس في هذه المدة، وبنى بقربها قلعة وكان من شياطين الإفرنج ورؤوسهم. ووصل إلى الشام ليحج القدس، فأخذ بأرض صيداء وذهب حينئذٍ عينُه. ودار في بلاد الشّام بزيّ التُّجّار؛ فلمّا تُوُفّي السّلطان ملكشاه واختلفت الكلمة دخل إلى بلاده، وجمع الإفرنج للحجّ، ودخل أنطاكيّة، وحارب المسلمين مرّات، وتمكّن. ثمّ شنّ الغارة من حصنه، فبرز لَهُ ابن عمّار من طرابُلُس، وكبس الحصن بغتةً، فقتل من فيه، ورمى بالنيران في جوانبه، ورجع صَنْجيل، فدخل الحصن، فانخسف بِهِ سقفُهُ، ثمّ مرض وغُلِب، فصالح صاحبَ طرابُلُس. ثمّ مات في سنة ثمانٍ. فقام بعده أخيه؛ وجَد في حصار طرابُلُس، والأمر بيد اللَّه تعالى.
وفاة الأمير سقمان بن أرتق:
وفيها توفي الأمير سقمان بن أرتق، وكان فخر الملك ابن عمّار صاحب طرابُلُس كاتبه واستنجد بِهِ، فتهيأ لذلك، فأتاه وهو عَلَى العزْم كتاب طُغْتِكِين صاحب دمشق: بأنّي مريض أخاف إنّ متّ أنّ تملك الإفرنج دمشقَ، فأَقْدِمْ عليَّ فبادر إلى دمشق، ووصل القريتين، وأسقط في يد طُغْتِكِين وندم، فلم يلبث أنّ أتاه الخبر بموت سُقْمان بالقريتين بالخوانيق، وكانت تعتريه1 كثيرًا، فمات في صَفَر، ورجع بِهِ عسكره، ودُفن بحصن كَيْفا. وكان دينًا حازمًا مجاهدا، فيه خيرٌ في الجملة.
قتل الإسماعيليّة للحجّاج الخُراسانيّين:
وأمّا الإسماعيليّة فثاروا بخراسان، ولم يقفوا عَلَى الهدنة فعاثوا بأعمال بيهق،
1 تعتريه: تصيبه.
وبيَّتوا الحُجّاج الخُراسانيّين بنواحي الرَّيّ ووضعوا فيهم السيف، ونجا بعضهم بأسوأ حال.
قتل الإسماعيليّة ابن المشّاط:
وقتلوا الْإِمَام أبا جعفر المشّاط أحد شيوخ الشّافعيّة، وكان يعظ بالرَّيّ، فلمّا نزل عَن الكرسيّ وثب عَلَيْهِ باطنيّ قتله.
استيلاء الإفرنج عَلَى حصن أرتاح:
وفيها كانت وقعة بين الإفرنج ورضوان بْن تُتُش صاحب حلب، فانكسر رضوان. وذلك أنّ تنكري صاحب أنطاكيّة نازل حصنًا، فجمع رضوان عسكرًا ورجّالة كثيرة، فوصلوا إلى تبريز. فلمّا رأى تنكري كثرة سوادهم راسل بطلب الصُّلْح، فامتنع رضوان، فعملوا مصافّات، فانهزمت الإفرنج من غير قتال. ثمّ قَالُوا: نعود ونحمل حملة صادقةً، ففعلوا، فانخطف المسلمون، وقُتِل منهم بَشَرٌ كثير. ولم ينْجُ من الأسر إلّا الخيّالة. وافتتح الإفرنج الحصن. ويقال لَهُ: حصن أرتاح. وذلك في شَعْبان.
الموقعة بين المسلمين والإفرنج بين يافا وعسقلان:
وفيها قدِم المصريّون في خمسة آلاف، وكاتبوا طغتكين أحب دمشق، فأرسل ألفًا ثلاثمائة فارس، عليهم الأمير إصْبَهْبَذ صَبَاوَة فاجتمعوا، وقصدهم ببغدوين صاحب القدس وعكا في ألف وثلاثمائة فارس، وثمانية آلاف راجل، فكان المصافّ بين يافا وعسقلان، وثبت الفريقان، حتّى قُتِل من المسلمين ألفٌ ومائتان، ومن الإفرنج مثلُهم، فقُتِل نائب عسقلان جمال المُلْك. ثمّ قطعوا القتال وتحاجزوا. وقلّ أنّ يقع مثل هذا. ثمّ ردّ عسكر دمشق، ودخل المصريّون إلى عسقلان.
شِحْنكيّة بغداد:
وفيها عزل عَنْ شِحْنكيّة بغداد إيلغازي بْن أُرْتُق، وجعل السّلطان محمد عَلَى بغداد قسيم المُلْك سُنْقُر البُرْسُقيّ، وكان ديِّنًا عاقلًا من خوّاص محمد.