الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقاتل بنفسه حتّى قتل، وحمل المسلمون عَلَى النصاري فهزموهم إلى قيسارية. قَالَ: فيقال: أنهم قتلوا من الإفرنج ثلاثمائة ألف. قلت: هذه مجازفة عظيمة من نوع المذكورة آنفًا.
القحط بالشام:
وفيها كَانَ القحط بالشام، والخوف من الإفرنج1.
1 انظر: النجوم الزاهرة "5/ 163-167".
أحداث سنة أربع وتسعين وأربعمائة:
هزيمة السلطان محمد وذبح وزيره مؤيد الملك:
في وسطها كَانَ مصاف كبير بين السلطانين: محمد، وبركياروق. كَانَ مَعَ بَركيَارُوق خمسون ألفًا، فانهزم محمد، وأسر وزيره مؤيد الملك، فذبحه بركياروق بيده. وكان بخيلًا سيئ الخلق، مذموم السيرة، إلّا أَنَّهُ كَانَ من دهاة العالم، عاش خمسين سنة.
دخول بَركيَارُوق الرّيّ:
ودخل بَركيَارُوق الرّيّ وسجد لله، وجاء إلى خدمته صاحب المَوْصِل كبربوقا، ونور الدولة دُبَيْس ولد صَدَقَة.
تحالف السلطان محمد وأخيه سنجر:
وانهزم محمد إلى خراسان، فأقام بجرجان، وراسل أخاه لأبَوَيْه الملك سَنْجار يطلب منه مالًا وكسوة، فسيَّر إِلَيْهِ ما طلب. ثمّ تحالفا وتعاهدا واتّفقا. ولم يكن بقي مَعَ محمد غير ثلاثمائة فارس، فقدم إليه أخيه سَنْجَر وانضمّ إليهما عسكرٌ كثير، وتضرّر بالعسكر أهل خُراسان.
تراجع بَركيَارُوق إلى هَمَذَان:
وأمّا السّلطان بَركيَارُوق فسار جيشه قريبًا من مائة ألف، فغلت الأسعار،
واستأذنته الأمراء في التّفرّق بالفلاة1، فبقي في عسكر قليل، فبلغ ذَلِكَ أخَوَيْه، فقصداه وطَوَيا المراحل، فتقهقر ونقصت هيبته، وقصد هَمَذَان، فبلغه أنّ إياز متولّيها قد راسل محمدًّا ليكون معه، فسار إلى خُوزِسْتان، ثمّ خرج إلى حُلْوان.
مرض بَركيَارُوق:
وأمّا إياز فلم يقبله محمد، فخاف وهرب إلى عند بَركيَارُوق، فدخلت أصحاب محمد ونهبوا حواصله، فيقال: إنهم الخمسمائة فرس العربيّة. وتكامل مَعَ بَركيَارُوق خمسة آلاف ضعيف، قد ذهبت خيامهم وثقلهم، وقدم بهم بغداد، ومرض، وبعث يشكو قلّة المال إلى الدّيوان، فتقرَّر الأمر عَلَى خمسين ألف دينار حُمِلت إِلَيْهِ، ومد أصحابه أيديهم إلى أموال الرّعية وظلموهم.
خروج صاحب الحلّة عَنِ الطاعة:
وخرج عَنْ طاعته صاحب الحلّة، وخطب لأخيه محمد.
دخول السلطان محمد بغداد:
وفي آخر العام وصل محمد وسَنْجَر إلى بغداد، وجاء إلى خدمته إيلغازي بْن أُرْتُق، وتأخر بَركيَارُوق وهو مريض إلى واسط، وأصحابه ينهبون القُري والمؤنة. وفرح الخليفة والناس بالسّلطان محمد.
ظهور الباطنيّة 2 ببغداد:
وفي حدودها ظهرت الباطنيّة ببغداد ونواحيها، وكثروا.
رواية ابن الْجَوْزيّ عَنِ الباطنية:
قَالَ أبو الفَرَج بْن الْجَوْزيّ: وأوّل ما عُرف من أخبار الباطنيّة، يعني الإسماعيليّة، أنّهم اجتمعوا فَصَلُّوا العيد في ساوَة، ففِطن بهم الشحنة، فأخذهم وحبسهم، ثم
1 الفلاة: الصحراء.
2 الباطنية: فرقة من الفرق الضالة، تنتمي إلى الشيعة، وتعتقد أن للشريعة ظاهرًا وباطنًا، وتستحل أعراض المسلمين وأموالهم.
أطلقهم، ثمّ اغتالوا مؤذنًا من أهل ساوة فاجتهدوا أنّ يدخل في مذهبهم، فامتنع فخافوا أنّ ينمّ عليهم، فقتلوه، فرُفِع ذَلِكَ إلى نظام المُلْك، فأخذ رجلًا نجارًا اتّهمه بقتله، وهو أوّل من فتكوا بِهِ، وكانوا يقولون: قلتم منّا نجّارًا فقتلنا بِهِ نظام المُلْك. ثمّ استفحل أمرهم بأصبهان. ولمّا مات السّلطان ملكشاه، آل أمرهم إلى أنّهم كانوا يسرقون النّاس فيقتلوهم ويُلْقُونهم بالآبار، فكان الإنسان إذا دنا وقتٌ ولم يعد إلى منزله يئسوا منه. وبلغ من حيلهم امرأة عَلَى حصير لا تبرح منها، فدخلوا الدّار، يعني الأخَوان، فأزالوها، فوجدوا تحت الحصير بئرًا فيها أربعون قتيلًا. فقتلوا المرأة، وهدموا الدّار. وكانوا يجلسون ضريرًا عَلَى باب زُقاقهم، فإذا مرّ بِهِ إنسان سأله أنّ يقوده إلى رأس الزُّقاق، فإذا فعل جذبه من في الدار إليها فقتلوه. فجدّ أهل إصبهان فيهم، فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا. وأوّل قلعة ملكوها بناحية إصبهان، تسمّى الرُّوذَبار، وكانت لقراج صاحب ملكشاه، وكان متهمًا بمذهبهم. فلمّا مات ملكشاه أعطوه ألفًا ومائتي دينار، فسّلمها إليهم في سنةٍ ثلاثٍ وثمانين. وقيل: لم يكن ملكشاه مات.
مقدَّم الباطنيّة:
وكان مقدَّمهم يقال لَهُ: الحَسَن بْن الصّبّاح، وأصله من مَرْو، وكان كاتبًا لبعض الرؤساء، ثمّ صار إلى مصر وتلقّى من دعاتهم، وعاد داعيةً للقوم، وحصل على هذه القلعة، وكان لا يدعو إلّا غنيا، ثم يذكر لَهُ ما تمّ عَلَى أهل البيت من الظلم، ثمّ يَقُولُ لَهُ: إذا كانت الأزارقة والخوارج سمحوا بنفوسهم في القتال مَعَ بني أُميّة، فما سبب تخلُّفك بنفسك عَنْ إمامك؟ فيتركه بهذه المقالة طُعْمةً للسِّباع.
طاعة الباطنيّة لمقدَّمهم:
وكان ملكشاه نفَّذ إِلَيْهِ يتهدّده ويأمره بالطّاعة، ويأمره أنّ يكفّ أصحابه عَنْ قتل العلماء والأمراء، فقال للرسول: الجواب ما تراه. ثمّ قَالَ لجماعةٍ بين يديه: أريد أنّ أُنْفذكم إلى مولاكم في حاجةٍ، فمن ينهض بها؟ فاشرأبّ كلُّ واحدٍ منهم، وظنّ الرَّسُول أنّها حاجة، فأومى إلى شابّ فقال: اقتل نفسك. فجذب سكّينًا، فقال بها في عاصمته، فخرَّ ميتًا. وقال لآخر: إرمِ نفسَك من القلعة. فألقى نفسه فتقطّع.
فقال للرسول: قل لَهُ: عندي من هَؤُلَاءِ عشرون ألفًا هذا حدّ طاعتهم، فعاد الرَّسُول وأخبر ملكشاه، فعجب، وأعرض عَنْ كلامهم.
حيلة للباطنية في الاستيلاء عَلَى قلعة:
وصار بأيديهم قلاعٌ كثيرة، منها قلعةٌ عَلَى خمسة فراسخ من إصبهان، وكان حافظها رجلًا تركيا، فصادقه نجارُ منهم، أهدى لَهُ جارية، وقوسًا فوثق بِهِ، وكان يستنيبه في حفظ القلعة. فاستدعى النّجّار ثلاثين رجلًا من أصحاب ابن عطاش، وعمل دعوة، ودعا التُّرْكيّ وأصحابه، وسقاهم الخمر، فلمّا سكروا تسلّق الثّلاثون بحبال إِلَيْهِ، فقتلوا أصحاب التُّرْكيّ، وسلم هُوَ وحده، فهرب. وتسلموا القلعة. وقطعوا الطُّرقات ما بين فارس وخورزستان. ثم ظفر جاولي بثلاثمائة منهم، فأحاط هُوَ وجنده بهم فقتلوهم، وكان جماعة منهم في عسكر بَركيَارُوق، فاستغووا خلقًا منهم، فوافقهم، فاستشعر أصحاب السلطان منهم، ولبسوا السّلاح، ثمّ قتلوا منهم مائة رَجُل.
من خُزَعْبَلات 1 الباطنيّة:
وكان بنواحي المشان رَجُل منهم يتزهد ويدّعي الكرامات. أحضر مرّةً جَدْيًا مَشْوِيًّا لأصحابه، وأمر برد عظامه على التنور، فردت، وجعل على التنور طبقًا. ورفع الطبق فوجدوا جديا يرعى حشيشًا، ولم يروا نارًا ولا رمادًا. فتلطف بعض أصحابه حتّى عرف بأن التنور كَانَ يفضي إلى سرداب، وبينهما شقُّ من حديد يدور بلَوْلَب، فيفرك اللَّوْلَب، فتدور النّار، ويجيء بدلها الجدْيُ والمَرْعَى. وقال الغزالي في كتاب "سرّ العالمين": شاهدتُ قصة الحَسَن بْن الصّبّاح لمّا تزهّد تحت حصن أَلَمُوت، فكان أهل الحصن يتمنون صعوده إليهم، ويمتنع ويقول: أما ترون المُنْكَر كيف فشا؟ وفسد الناس وبعثنا إليهم خلقًا. فخرج أمير الحصن يتصيّد، وكان أكثر تلامذته في الحصن، فأصعدوه إليهم وملّكوه، وبعث إلى الأمير من قتله. ولمّا كثرت قلاعهم، واشتغل عَنْهُمْ أولاد ملكشاه باختلافهم اغتالوا جماعةً من الأمراء والأعيان. وللغزاليّ رحمه الله كتاب فضائح الباطنيّة، ولابن الباقِلّانيّ، والقاضي عَبْد الجبّار،
1 حزعبلات: خرافات.
وجماعة: ردّ عَلَى الباطنيّة. وهم طائفة خبيثة، ويظهرون الزهد، والمراقبة، والكشف، فيضلّ بهم كلّ سليمِ الباطن.
رواية ابن الأثير عَن الباطنيّة:
قَالَ ابن الأثير وفي شَعْبان سنة أربعٍ وتسعين أمر السّلطان بَركيَارُوق بقتل الباطنيّة، وهم الإسماعيليّة، وهم القرامطة. قَالَ: وتجرّد بأصبهان للانتقام منهم أبو القاسم مسعود بْن محمد الخُجُنْديّ الفقيه الشّافعيّ، وجمع الْجَمَّ الغفير بالأسلحة، وأمر بحفر أخاديد أوقدوا فيها النيران، وجعل فيها رجلًا لقّبوه مالكًا، وجعلت العامّة يأتون ويلقونهم في النار، إلى أنّ قتلوا منهم خلقًا كثيرًا. إلى أنّ قَالَ: وكان الحَسَن بْن الصّبّاح رجلًا شهمًا، كافيا، عالمًا بالهندسة، والحساب، والنّجوم، والسحر، وغير ذَلِكَ. وكان رئيس الرّيّ أبو مُسْلِم، فاتهم ابن الصّبّاح بدخول جماعة من دعاة المصريّين عَلَيْهِ، فخافه ابن الصّبّاح وهرب فلم يُدركْه أبو مُسْلِم. وكان ابن الصّبّاح من جملة تلامذة أحمد بْن عطّاش الطّبيب الّذي ملك قلعة إصبهان. وسافر ابن الصّبّاح فطاف البلاد، ودخل عَلَى المستنصر صاحب مصر، فأكرمه وأعطاه مالًا، وأمره أنّ يدعو النّاس إلى إمامته، فقال لَهُ الحَسَن بْن الصّبّاح: فَمَن الْإِمَام بعدك؟ فأشار إلى ابنه نِزَار.
الدَّعوة للمستعلي ونِزار:
ولمّا هلك المستنصر واستخْلف ولده المُسْتعلي صار نزار هذا إلى الإسكندريّة، ودعى إلى نفسه، فاستجاب لَهُ خلْقٌ، ولُقّب بالمصطفى لدين اللَّه. وقام بأمر دولته ناصر الدّولة أفتكين مَوْلَى أمير الجيوش بدر. هذا في سنة سبع وثمانين وأربعمائة.
حصار المصريّين للإسكندرية:
فسار عسكر مصر لحصار الإسكندريّة في سنة ثمانٍ، فخرج ناصر الدولة وطرهم فردّوا خائبين. ثمّ سار الأفضل فحاصر الإسكندرية وأخذها، وأسر نزار، وأفتكين وعدة.
إقامة ابن الصبّاح بقلعة ألَمُوت:
ودخل ابن الصّبّاح خراسان وكاشغر، والنّواحي، يطوف عَلَى قومٍ يضلهم، فلمّا رأى قلعة أَلَمُوت بقزوين أقام هناك، طمع في إغوائهم، ودعاهم في السر، وأظهر الزُّهد، ولبس المُسُوح، فتبعه أكثرهم. وكان نائب أَلَمُوت رجلًا أعجميًّا عَلَويًّا، فيه بَلَهٌ وسلامة صدرٍ، وكان حسن الظن بالحسن، يجلس إليه، ويتبرك فيه. فلما أحكم الحسن أمره دخل يومًا على العلوي فقال: أخرج من هذه القلعة. فتبسم، وظنه يمزح، فأمر الحَسَن بعض أصحابه فأخرجوه، وأعطاه ماله. فبعث نظام الملك لمّا بلغه الخبر عسكريًّا، فنازلوه ضايقوه، فبعث من قتل نظام الملك، وترحّل العسكر عَنْ أَلَمُوت. ثمّ بعث السلطان محمد بْن ملكشاه العسكر وحاصروه. ومن جملة ما استولوا عَلَيْهِ من القلاع: قلعة طَبَس، وزوزن، وقاين، وسيمكوه. وتأذّى بهم أهل البلد، واستغاثوا بالسّلطان، فبعث عسكرًا حاصروه ثمانية أشهر، وفُتحت، وقُتِل كلّ من فيها. ولهم عدّة قلاعٍ سوى ما ذكرنا. قَالَ: وكان تيرانشاه ابن تورانشاه بْن قاروت بك السَّلْجُوقيّ بكرْمان قد قتل الإسماعيليّة الأتراك أصحاب الأمير إسماعيل، وكانوا قومًا سُنّة، قتلَ منهم ألفي رَجُل صبْرًا، وقطع أيدي ألفَيْن، ونفق عَلَيْهِ أبو زُرْعة الكاتب، فحسّن لَهُ مذهب الباطنيّة، فأجاب. وكان عنده الفقيه أحمد بْن الحُسين البلْخيّ الحنفيّ، وكان مُطاعًا في النّاس، فأحضره عنده ليلةً، وأطال الجلوس، فلما خرج أَتْبَعه من قتله فلمّا أصبح دخل عَلَيْهِ النّاس، وفيهم صاحب جيشه، فقال: أيُّها الملك، من قتل هذا الفقيه؟ فقال: أنت شِحْنةُ البلد، تسألني مَن قتل هذا! وأنا أعرف قاتله!، ونهض. ففارقه الشِّحْنَة في ثلاثمائة فارس، وسار من كرْمان إلى ناحية إصبهان. فجهز الملك خلفه ألفي فارس فقاتلوهم وهزمهم، وقدم إصبهان وبها السلطان محمد فأكرمه. وأمّا عسكر كرْمان، فخرجوا على تيرانشاه، وطردوه عَنْ مدينة بردشير الّتي هِيَ قصبة كرمان، وأقاموا عليهم ابن عمّه أرسلانشاه. وأمّا تيرانشاه فالتجأ إلى مدينة صغيرة، فمنعته أهلها وحاربوه، وأخذوا خزائنه ثمّ تبعه عسكره، فأخذوه، وأخذوا أبا زُرْعة، فقتلهما أرسلان شاه.
لباس الدروع تحت الثياب خوفًا من الباطنيّة:
واستفحل أمر الباطنيّة وكثروا، وصاروا يتهدّدون من لا يوافقهم بالقتل، حتّى صارت الأمراء يلبسون الدّروع تحت أثيابهم. وكان الوزير الأعزّ أبو المحاسن يلبس زَرَدِيّةً تحت ثوبه. وأشارت الأمراء إلى بَركيَارُوق السّلطان بقصْدهم قبل أنّ يعجز عَنْ تلافي أمرهم. فأذن في قتلهم. وركب هُوَ والعسكر وطلبوهم، وأخذوا جماعة من خيامهم. وممّن اتُّهم وقُتِل بأنه مقدَّمهم الأمير محمد بْن كاكَوَيْه صاحب يزد. وقتل جماعة بُرَآء سعى بهم أعداؤهم.
الباطنيّة في عهد المقتدي باللَّه:
وقد كَانَ أهالي عانة نسبوا إلى هذا المذهب قديمًا من أيّام المقتدي باللَّه، فأنهي حالهم إلى الوزير أَبِي شجاع، فطلبهم، فأنكروا وجحدوا، فأطلقهم.
اتّهام الهراسيّ بالباطنية:
واتُّهم إلكيّا الهَرَاسّي مدرْس النّظَاميّة بأنّه باطنيّ فأمر السّلطان محمد بالقبض عَلَيْهِ، ثمّ شهد لَهُ ببراءة السّاحة، فأُطْلِق.
حصار الأمير بزغش حصن طَبَس:
وفيها حاصر الأمير بزغش، وهو أكبر أمراء الملك سَنْجَر، حصن طبس الّذي فيه الإسماعيليّة، وضيّق عليهم، وخرّب كثيرًا من أسوارها بالمنجنيق، ولم يبق إلّا أخذها، فرحل عَنْهُمْ وتركهم، فبنوا السّور، وملأوا القلعة ذخائر. ثمّ عاودهم بزغش سنة سبعٍ وتسعين.
مقتل كُنْدفْري صاحب القدس:
وفيها سار كُنْدفْري صاحب القدس إلى عكّا فحاصرها، فأصابه سهمٌ فقتله.
انكسار بغدوين:
فسار أخوه بَغْدَوِين، ويقال: بردويل، إلى القدس في خمسمائة، فبلغ الملك دُقَاق
صاحب دمشق، فنهض إليه وجَنَاح الدّولة صاحب حمص، فانكسرت الإفرنج.
مَلْك الإفرنج سَرُوج:
وفيها ملكت الإفرنج سَرُوج، من بلاد الجزيرة؛ لأنّهم كانوا قد مَلَكوا الرُّها بمكاتبةٍ من أهلها النّصارى، وليس بها من المسلمين إلّا القليل، فحاربهم سُقْمان، فهزموه في هذه السنة. وساروا إلى سروج، فأخذوها بالسّيف، وقتلوا وسبوا.
ملك الإفرنج حيفا:
وفيها ملكوا مدينة حَيْفا، وهي بقرب عكّا عَلَى البحر. أخذوها بالأمان.
مَلْكهم أرسوف:
وأخذوا أَرْسُوف بالأمان.
مَلْكهم قيسارية:
وفي رجب أخذوا قَيْساريّة بالسّيف، وقتلوا أهلها.
إعادة صلاة التراويح والقنوت:
وفي رمضان أمر المستظهر باللَّه بفتح جامع القصر، وأن تصلى فيه التراويح، وأن يجهر بالبسملة لهذا عادة. وإنّما تركوا الجهر بالبسملة في جوامع بغداد مخالفةً للشّيعة أصحاب مصر. وأمر أيضًا بالقنوت عَلَى مذهب الشّافعيّ.
حكاية ابن قاضي جَبَلة أَبِي محمد عُبَيْد اللَّه بْن صُلَيْحَة:
كانت جَبَلَة تحت حكم ابن عمّار صاحب طرابُلُس، فتعانى ابن صليحة الجندية. وكان أَبُوهُ قاضيا، فطلع هُوَ فارسًا شجاعًا، فأراد ابن عمّار أنّ يمسكه، فعصى عَلَيْهِ، وأقام الخطبة العبّاسيّة، وحوصر، فلم يقدروا عَلَيْهِ لمّا غلبت الإفرنج إلى الشام، فرحلت الإفرنج. ثمّ عاودوه، فأرجفهم بمجيء المصريين، فرحلوا. ثمّ عادوا لحصاره، فقرّر مَعَ رعيّته النّصارى أنّ يراسلوا الإفرنج، ويَعِدُوهُم إلى بُرْجٍ ليطلعوا منه، فبادروا وندبوا1 ثلاثمائة من شجعانهم، فلم يزالوا يطلعون في الحبال واحدًا واحدًا، وكلما
1 ندبوا: حضوا وحرضوا.
طَلَع واحدٌ قتله ابن صُلَيْحة، إلى أنّ قتلهم أجمعين، فلما طلع الضوء صفف الرؤوس عَلَى السّور. ثمّ إنّهم هدموا بُرجًا، فأصبح وقد عمله. وكان يخرج من الباب بفوارسه يقاتل. فحملوا مرةً عَلَيْهِ، فانهزموا، وجاء النصر عَلَيْهِ، وأسر مقدّم الإفرنج. ثمّ علم ابن صُلَيْحة أنّ الإفرنج لا ينامون عَنْهُ، فسلّم البلد إلى صاحب دمشق. وسار إلى بغداد بأمواله وخزائنه، وأخذ لَهُ السّلطان بَركيَارُوق شيئًا كثيرًا.
كسرة الإفرنج أمام قِلِج أرسلان:
وفيها أقبل جيش الإفرنج، نحو خمسين ألف، فمروا ببلاد قِلِج أرسلان، فحشد وجمع وعَرَض ستة آلاف فارس، وعمل لَهُ كمينًا، فكسر الإفرنج كسْرةً مشهورة، وغنم ما لا يوصف.
جموع الإفرنج حسب وصف المستوفي:
قَالَ ابن مُنْقِذ: حدثني محمد المستوفي رسول جناح الدّولة إلى ملك الروم، أنهم اعتبروا عدتهم، فكانوا ثلاثمائة ألف وخمسة وأربعين ألف إنسان، ومعهم خمسون حِمْل ذهب وفضةٍ وديباجٍ، فانضاف إليهم الذين انهزموا من الوقعة المذكورة، فجمع قلج رسلان التَّرْك ببلاده، فزادوا عَلَى خمسين ألفًا. وغوّر الماء الّذي في طريقهم، وأحرق العُشْب، وأخلى القُرى، فأقبلوا في أرضٍ بلا ماء ولا مَرْعَى.
رواية رسول رضوان عَنْ جموع الإفرنج:
قَالَ: حدَّثني رسول رضوان إلى ملك الإفرنج طتكين أَنَّهُ اجتمع مَعَ الملك تنين صاحب هذا الجمع، فقال: خرجت من بلادي في أربعمائة ألف، منهم ألفا شرابيّ، وألف طبّاخ، وألف فراش، وسبعمائة بغْل ديباج، ومال، والخيّالة تزيد عَلَى خمسين ألفًا، ولمّا سرتُ عَن القسطنطينيّة أيّامًا، لم أجد مرفقًا، ولا قبلت من صَنْجيل في هذه الطّريق ولا أتمكن من العودة لضعف النّاس والعَطَش والجوع، فعند اليأس خرجت في ثلاثة نفر، معنا كلاب ديارات، وأوهمت أنّي أتصيّد، وسرت إلى البحر، ونزلت في مركب، وتركت العسكر. وبَلَغَني أنّ التُّرْك دخلوه، فلم يمنع أحدٌ عَنْ نفسه، وهلكوا بالموت والقتْل. وغنم التُّرْكمان ما لا يوصف. ثمّ سار تنين وحجّ القدس، ورجع إلى بلاده في الفجر.