المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة: - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ٣٦

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة:

بسم الله الرحمن الرحيم

‌الطبقة الرابعة والخمسون:

‌سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة:

القبض على أبي الفتوح بن طلحة وجباية الأموال:

وَرَد أبو البركات بن مَسْلَمَة وزير السّلطان مسعود، فقبض على أبي الفتوح بن طلحة، وقرَّر عليه بحمل مائة ألف دينار من ماله ومن دار الخلافة، فبعث إليه المقتفي يقول: ما رأينا أعجب من أمرك، أنت تعلم أنّ المسترشد سار إليك بأمواله، فجرى ما جرى. وأنّ المسترشد ولي ففعل ما فعل، ورحل وأخذ ما تبقى، ولم يبق إلّا الأثاث، فأخذته كلّه وتصرّفت في دار الضَّرب، وأخذت التَّرِكات والجوالي، فمن أيّ وجهٍ نقيم لك هذا المال؟ وما بقي إلّا نخرج من الدّار ونسلّمها، فإني عاهدت أنّ لَا آخذ من المسلمين حبَّةً ظُلْمًا.

قال: فأسقط ستّين ألفًا، وقام أبو الفتوح صاحب المخزن من ماله بعشرة آلاف دينار، وأمر السّلطان بجباية الأملاك، فلقي النّاس من ذلك شدَّة، فخرج رجل صالح يُقال له: ابن الكوّاز إلى السّلطان إلى الميدان، وقال: أنت المطالَب بما يجري على النّاس، فما يكون جوابك؟ فانظر بين يديك، ولا تكن ممن {إِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} [البقرة: 206] ، فأسقَطَ ذلك1.

الوباء بهمذان وأصبهان:

وجاءت الأخبار بأنّ الوباء شديد بهَمَذَان وأصبهان.

ثمّ عادت الجباية من الأملاك، وصودر التُّجار، ولم يُتْرك إلّا العقار الخاصّ2.

بيعة سَنْجَر للمقتفي:

وجاءت مكاتبة سَنْجَر إلى ابن أخيه مسعود يأمره أنّ يدخل إلى المقتفي ويبايع عنه.

1 المنتظم "10/ 66، 67"، تاريخ الخلفاء "437، 438".

2 المنتظم "10/ 67"، الكامل في التاريخ "11/ 54"، البداية والنهاية "12/ 211".

ص: 147

بيعة زنكيّ صاحب الموصل:

ثمّ أخُذت البيعة من زنكيّ صاحب الموصل.

ودفع الرّاشد عن زنكيّ، فتوجّه نحو أَذَرْبَيْجان.

زواج المقتفي أخت السّلطان:

وتزوّج المقتفي بفاطمة أخت السّلطان مسعود.

استبانة ألْبقش على بغداد:

وتوجه مسعود إلى بلاد الجبل، واستناب على بغداد ألْبقش السّلاحيّ، فورد سلجوق شاه، أخو مسعود، إلى واسط، فطرده البقش، وكان مستضعفًا1.

وقعة الملك داود والسلطان:

واجتمع الملك داود وعساكر أَذَرْبَيْجان، فواقعوا السّلطان مسعودًا، وجَرَت وقعة هائلة، ثمّ قصد مسعود أَذَرْبَيْجان، وقصد داود هَمَذَان، ووصلها الرّاشد المخلوع يوم الوقعة، وتقرّرت القواعد أنّ الخليفة المقتفي يكتب لزنكيّ عشرة بلاد، ولا يُعين الرّاشد.

ونفذت إليه المحاضر الّتي أوجبت خلْع الرّاشد، وأُثبتت على قاضي الموصل، فخطب للمقتفي ومسعود. فلمّا سمع الراشد نفّذ يقول لزنكي: غدرت؟! قال: ما لي طاقة بمسعود.

ذهاب الراشد إلى مَراغة:

فمضي الرّاشد إلى داود في نفرٍ قليل، وتخلّف عنه وزيره ابن صَدَقَة، ولم يبق معه صاحب عمامة سوى أبي الفتوح الواعظ.

ونفّذ مسعود ألْفي فارس لتأخذه، ففاتهم ومضي إلى مَرَاغة، فدخل إلى قبر أبيه، وبكى وحثى التّراب على رأسه.

فوافقه أهل مُراغة، وحملوا إليه الأموال، وكان يومًا مشهودًا2.

1 المنتظم "10/ 67"، الكامل في التاريخ "11/ 47".

2 دول الإسلام "2/ 53"، العبر "4/ 84"، عيون التواريخ "12/ 329".

ص: 148

عودة الظلم إلى بغداد:

وقويَ داود، وضرب المُصَافّ مع مسعود، فَقُتِلَ من أصحاب مسعود خلْق، وعادت الجباية والظُّلْم ببغداد.

هرب وزير مصر الأرمنيّ:

وفيها هرب الّذي ولي الوزارة بالديار المصرية بعد الحسن ابن الحافظ العُبَيْديّ، وهو تاج الدّولة بهرام الأرمنيّ النَّصْرانيّ. وكان قد تمكّن من البلاد، واستعمل الأرمن، وأساء السّيرة في الرّعيَّة، فأنِف من ذلك رضوان بن الوبخشيّ، فجمع جيشًا وقصَد القاهرة، فهرب منه بهرام لعنه الله إلى الصّعيد، ومعه خلْق من الأرمن، فمنعه متولّي أسوان من دخولها، فقاتله، فقتل السّودان طائفة من الأرمن، فأرسل يطلب الأمان من الحافظ فأمنه، فعاد إلى القاهرة، فسُجن مدَّة، ثمّ ترهَّب وأُخرج من الحبْس1.

وزارة رضوان الأفضل بمصر:

وأما رضوان فَوَزَرَ للحافظ، ولُقِب بالملك الأفضل، وهو أوّل وزير بمصر لقّبوه بالملك. ثمّ فسَد ما بينه وبين الحافظ، فهرب في شوّال سنة ثلاثٍ وثلاثين، ونُهِبت أمواله وحواصله، فأتي الشّام، فنزل على أمين الدّولة كُمُشْتِكِين صاحب صرْخَد، فأكرمه وعظّمه.

وجَرَت له أمور ذكرنا بعضها سنة ثلاثٍ وأربعين.

جلوس ابن الخُجَنديّ بجامع الخليفة:

قال ابن الجوزيّ: ونوديَ في الأسواق لابن الخُجَنديّ الواعظ بالجلوس في جامع الخليفة، فجلس يوم الجمعة بعد الصّلاة، ومنع من كان يجلس.

ونوديَ له بالجلوس في النّظاميَّة، فاجتمع خلائق، وحضر الوزير والشَّحْنة والمستوفي. ونَظَر، وسديد الدّولة، وجماعة من القُضاة. وحضرتُ يومئذٍ، وكان لَا يُحسن يعِظ ولا يندار في ذلك2.

1 الكامل في التاريخ "11/ 48، 49"، البداية والنهاية "12/ 212".

2 المنتظم "10/ 68".

ص: 149

إعادة البلاد للخليفة:

وفى جُمَادَى الأولى أُعيدت بلاد الخليفة، ومعاملاته والتَّرِكات إليه، واستقرّ عن ذلك عشرة آلاف دينار.

وعادت ببغداد الجبايات مرَّة خامسة بعنف وعسف1.

إعادة الولاية لأبي الكرم:

وقبض الشِّحنة على أبي الكرم الوالي وقال: لِم تتصرَّف بلا أمري؟ فذهب أبو الكرم إلى رباط أبي النَّجيب، فتاب وحلق رأسه، ثمّ خُلِع عليه، وأُعيد إلى الولاية، وكان كافيًا فيها.

مهاجمة الأمير بُزْواش إفرنج طرابلس:

وفيها سار عسكر دمشق وعليهم الأمير بُزْواش، فحاربوا عسكر طرابُلُس فنُصِروا، وَقُتِلَ خلْق من الفرنج، ورجع المسلمون بالغنائم والسّبْي الكثير.

وقعة بعرين:

وفيها وقعة بَعْرين بقُرب حماة، التقى الأتابك زنكيّ والفرنج، فنُصِر عليهم أيضًا، وأخذ قلعة بَعْرِين. وكان ذلك أول وهنٍ أدخله الله على الفرنج2.

تسلُّم زنكي بعلبكّ:

وسار زنكي إلى بعلبك، فسلمها إلى كُمُشْتِكِين الخادم.

مهاجمة الروم بلادًا لابن لاون الأرمنيّ:

ولما أخذ زنكي قلعة بَعْرين ثارت الرّوم، وقدِمُوا في البحر من القُسطنطينية. وسبق الفُرسان إلى أنطاكّية، ثمّ وصلت مراكبهم، فنازلوا أَذَنَة والمصّيصة، وهما لابن لاون الأرمنيّ، فأخذها منه الرّوم،، ثمّ أخذوا عين زَربة عَنْوَةً، وتل حمدون؛ ثم

1 المنتظم "10/ 68، 69".

2 الكامل في التاريخ "11/ 51، 53"، المختصر في أخبار البشر "3/ 12"، العبر "4/ 84".

ص: 150

حاصروا أنطاكّية في آخر سنة إحدى وثلاثين، وضيقوا على أهلها وبها بيمند الفرنجي. ثمّ تصالح الأرمن والروم. ثمّ نازلوا حلب1.

حرب الموحّدين والملثّمين:

وفيها، وفي الّتي بعدها كان بين الموحّدين والملثّمين حروب عدَّة، ومنازلة طويلة ومضاربة. كان عبد المؤمن بالموحّدين في الجبل والشّعراء، وابن تاشفين قبالته في الوطاء. ثمّ جاءت أمطار عظيمة تلف فيها أصحاب ابن تاشفين، وهلكت خيلهم، وجاعوا.

احتجاب هلال رمضان:

وفي ليلة الثّلاثين من رمضان رُقِب الهلال، فلم يُرَ، فأصبح أهل بغداد صائمين أيّام العِدَّة. فلمّا أمسوا رقبوا الهلال، فما رأوه أيضًا، وكانت السّماء جليَّةً صاحية؛ ومثل هذا لم يُسمع بمثله في التّواريخ، وهو عجيب2.

1 ذيل تاريخ دمشق "258"، الكامل في التاريخ "11/ 53"، البداية والنهاية "12/ 212".

2 المنتظم "10/ 69"، البداية والنهاية "12/ 211"، تاريخ الخلفاء "438".

ص: 151