الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ الْحَدِيثَ
وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَنْصَرِفُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ حَتَّى فَارَقَ الدنيا
6 -
(باب رفع اليدين عند الركوع)
[255]
قوله (وبن أَبِي عُمَرَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أبي عمر العدني نزيل مكة
ويقال إن أَبَا عُمَرَ كُنْيَةُ يَحْيَى صَدُوقٌ صَنَّفَ الْمُسْنَدَ وكان لازم بن عُيَيْنَةَ لَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ كَانَتْ فِيهِ غفلة (عن سالم) وهو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما
قَوْلُهُ (إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يحاذي منكبيه وإذا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ) هَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ سُنَّةٌ وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَنَقَلَ البخاري في صحيحه عقب حديث بن عُمَرَ هَذَا عَنْ شَيْخِهِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ عند الركوع والرفع منه لحديث بن عمر هذا وهذا في رواية بن عَسَاكِرَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَزَادَ وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ انْتَهَى (وَكَانَ لَا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ
[256]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَاحِ الْبَغْدَادِيُّ) السِّمْسَارُ روى عن بن عيينة وهشيم وعنه الترمذي وبن ماجه وثقه بن مَعِينٍ قَالَ الْحَافِظُ أَصْلُهُ مِنْ نَهَاوَنْدَ ثِقَةٌ عَابِدٌ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي حُمَيْدٍ وَأَبِي أَسِيدٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَأَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَجَابِرٍ وَعُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِيمَا حَكَاهُ الْخَلَّالُ وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم وأما حديث أنس فأخرجه بن مَاجَهْ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَسِيدٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ مسلمة فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَأَخْرَجَهُ الدارقطني
وأما حديث جابر فأخرجه بن ماجه
وأما حديث عمير الليثي فأخرجه بن مَاجَهْ
قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْأَزْهَارِ الْمُتَنَاثِرَةِ فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ إِنَّ حَدِيثَ الرَّفْعِ مُتَوَاتِرٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عن بن عُمَرَ وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَمُسْلِمٌ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبُو دَاوُدَ عن سهل بن سعد وبن الزبير وبن عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَأَبِي أَسِيدٍ وَأَبِي قتادة وأبي هريرة وبن مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ وَجَابِرٍ وَعُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ وَأَحْمَدُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَالْبَرَاءِ
وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ رَوَاهُ سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ
وَذَكَرَ الْحَاكِمُ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ مِمَّنْ رَوَاهُ الْعَشَرَةُ الْمُبَشَّرَةُ وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو الْفَضْلِ الْحَافِظُ أَنَّهُ تَتَبَّعَ مَنْ رَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ فَبَلَغُوا خَمْسِينَ رَجُلًا انْتَهَى
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَسَرَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ وَفِي الْخِلَافِيَّاتِ أَسْمَاءَ مَنْ
رَوَى الرَّفْعَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ صَحَابِيًّا
وَقَالَ سَمِعْتُ الْحَاكِمَ يَقُولُ اتَّفَقَ عَلَى رِوَايَةِ هَذِهِ السُّنَّةِ الْعَشَرَةُ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ
قَالَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَلَا يُعْلَمُ سُنَّةٌ اتَّفَقَ عَلَى رِوَايَتِهَا الْعَشَرَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَفَرُّقِهِمْ فِي الْأَقْطَارِ الشَّاسِعَةِ غَيْرُ هَذِهِ السُّنَّةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَبِهَذَا يَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم منهم بن عُمَرَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ
أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ إِلَّا أَهْلَ الْكُوفَةِ
وَقَدْ صَنَّفَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جُزْءًا مُفْرَدًا وَحَكَى فِيهِ عَنِ الْحَسَنِ وَحُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْحَسَنُ أَحَدًا انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ قَالَ الْحَسَنُ وَحُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ لَمْ يَسْتَثْنِ أَحَدًا مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دُونَ أَحَدٍ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ وَيُرْوَى أَيْضًا عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ما وصفنا وكذلك رِوَايَتُهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ وَالْيَمَنِ وَعِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْقَاسِمُ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ والنعمان بن أبي عياش والحسن وبن سيرين وطاووس وَمَكْحُولٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ وَنَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ وَعِدَّةٌ كَثِيرَةٌ وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ أَنَّهَا كَانَتْ تَرْفَعُ يَدَيْهَا
وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يَرْفَعُ يديه وكذلك عامة أصحاب بن الْمُبَارَكِ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَعَبْدُ بْنُ عمر ويحيى بن يحيى ومحدثي أَهْلِ بُخَارَى مِنْهُمْ عِيسَى بْنُ مُوسَى
وَكَعْبُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ وَعَبْدُ الله بن محمد والمسندي وَعِدَّةٌ مِمَّنْ لَا يُحْصَى لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بن إبراهيم يثبتون عامة هذه الأحاديث مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَرَوْنَهَا حَقًّا
وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ انْتَهَى كَلَامُ الْبُخَارِيِّ
(وَبِهِ يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيْهِ وَأَصَحُّهُمَا قَالَ الحافظ في الفتح قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ عَنْ مَالِكٍ ترك الرفع فيهما إلا بن القاسم والذي نأخذ به الرفع حديث بن عمر وهو الذي رواه بن وَهْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَحْكِ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَالِكٍ غَيْرَهُ وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ وَتَبِعَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ أَنَّهُ آخِرُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَأَصَحُّهُمَا وَلَمْ أَرَ لِلْمَالِكِيَّةِ دَلِيلًا عَلَى تَرْكِهِ وَلَا متمسكا إلا بقول بن الْقَاسِمِ انْتَهَى
لَطِيفَةٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ نَقْلًا عَنْ جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ لِلْبُخَارِيِّ وكان بن الْمُبَارَكِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَهُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ فيما يعرف ولقد قال بن الْمُبَارَكِ صَلَّيْتُ يَوْمًا إِلَى جَنْبِ النُّعْمَانِ فَرَفَعْتُ يَدَيَّ فَقَالَ لِي أَنَا خَشِيتُ أَنْ تَطِيرَ قال فقلت له إذ لَمْ أَطِرْ فِي الْأُولَى لَمْ أَطِرْ فِي الثانية
قال وكيع رحم الله بن الْمُبَارَكِ كَانَ حَاضِرَ الْجَوَابِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بذلك) أي بحديث بن مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرْفَعْ إِلَّا أَوَّلَ مَرَّةٍ (عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ) الْمَرْوَزِيِّ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ بن الْمُبَارَكِ ثِقَةٌ مَاتَ قَبْلَ الْمِائَتَيْنِ قَالَهُ الْحَافِظُ
قوله (حدثنا وكيع) هو بن الْجَرَّاحِ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ الْجَرْمِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وقال بن المديني لا يحتج بما ينفرد به
قَوْلُهُ (فَصَلَّى فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِنَسْخِ مَشْرُوعِيَّةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ لَكِنَّ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَعْرِفُ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ أُذُنَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُعِدْ
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْهُ
وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ لَمْ يُعِدْ مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَرَوَاهُ عَنْهُ بِدُونِهَا شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَخَالِدٌ الطَّحَّانُ وَزُهَيْرٌ وغيرهم من الحفاظ
وقال الْحُمَيْدِيُّ إِنَّمَا رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ يَزِيدُ وَيَزِيدُ يَزِيدُ
وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لَا يَصِحُّ وَكَذَا ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ ويحيى الدارمي وَالْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ هذا حديث واهي قَدْ كَانَ يَزِيدُ يُحَدِّثُ بِهِ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ لَا يَقُولُ فِيهِ (ثُمَّ لَا يَعُودُ) فَمَا لَقَّنُوهُ تَلَقَّنَ فَكَانَ يَذْكُرُهَا كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ ص 83 وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ هَذَا الْحَدِيثَ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَلَقِيتُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ فَحَدَّثَنِي بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ (ثُمَّ لَا يَعُودُ) فَقُلْتُ لَهُ إن بن أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنِي عَنْكَ وَفِيهِ ثُمَّ لَا يَعُودُ قَالَ لَا أَحْفَظُ هَذَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَقَدْ حسن الترمذي هذا الحديث وصححه بن حزم وقد ضعفه بن الْمُبَارَكِ وَقَالَ لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ ص 272 بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا حَدِيثٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَلَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ انْتَهَى
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ قَالَ نَظَرْتُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ لَيْسَ فِيهِ ثُمَّ لَمْ يُعِدْ فَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّ الْكِتَابَ أَحْفَظُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُحَدِّثُ بِشَيْءٍ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْكِتَابِ فَيَكُونُ كَمَا فِي الْكِتَابِ
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الربيع ثنا بن إِدْرِيسَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرحمن بن الْأَسْوَدِ ثَنَا عَلْقَمَةُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ (علمنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فَقَامَ فَكَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ رَكَعَ وَطَبَّقَ يَدَيْهِ فَجَعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ) فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدًا فَقَالَ صَدَقَ أَخِي أَلَا بَلْ قَدْ نَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أُمِرْنَا بِهَذَا
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ انتهى كلام البخاري
وقال الحافظ بن عبد البر في التمهيد وأما حديث بن مَسْعُودٍ (أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَصَلَّى فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا مَرَّةً) فَإِنَّ أَبَا دَاوُدَ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى
وَقَالَ الْبَزَّارُ فِيهِ أَيْضًا إِنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَلَا يُحْتَجُّ بمثله
وأما حديث بن عُمَرَ رضي الله عنه الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْبَابِ فَحَدِيثٌ مَدَنِيٌّ صَحِيحٌ لَا مَطْعَنَ لِأَحَدٍ فِيهِ
وَقَدْ رَوَى نَحْوَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَزْيَدَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ صحابيا انتهى كلام بن عَبْدِ الْبَرِّ
وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الراية قال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ فَكَبَّرَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُعِدْ) فَقَالَ أَبِي هَذَا خَطَأٌ يُقَالُ وَهِمَ فِيهِ الثَّوْرِيُّ فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عَاصِمٍ وَقَالُوا كُلُّهُمْ (إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم افْتَتَحَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ رَكَعَ فَطَبَّقَ وَجَعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ) وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مَا رَوَى الثَّوْرِيُّ انْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وهذا الحديث حسنه الترمذي وصححه بن حزم وقال بن المبارك لم يثبت عندي
وقال بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ هَذَا حَدِيثٌ خَطَأٌ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَشَيْخُهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ هُوَ ضَعِيفٌ
نَقَلَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُمَا وَتَابَعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ لَيْسَ هُوَ بصحيح
وقال الدارقطني لم يثبت وقال بن حِبَّانَ فِي الصَّلَاةِ هَذَا أَحْسَنُ خَبَرٍ رُوِيَ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ فِي نَفْيِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أَضْعَفُ شَيْءٍ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ عِلَلًا تُبْطِلُهُ انْتَهَى
فَثَبَتَ بِهَذَا كُلِّهِ أن حديث بن مَسْعُودٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا بِحَسَنٍ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ
وَأَمَّا تَحْسِينُ التِّرْمِذِيِّ فَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنَ التساهل
وأما تصحيح بن حَزْمٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ السَّنَدِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ صِحَّةَ السَّنَدِ لَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ المتن على أن تصحيح بن حَزْمٍ لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي جَنْبِ تَضْعِيفِ هَؤُلَاءِ الْحُفَّاظِ النُّقَّادِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ عَلَى تَرْكِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَنَسْخِهِ فِي غَيْرِ الِافْتِتَاحِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَوْ تَنَزَّلْنَا وَسَلَّمْنَا أن حديث بن مَسْعُودٍ هَذَا صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ بن مَسْعُودٍ قَدْ نَسِيَهُ كَمَا قَدْ نَسِيَ أُمُورًا كَثِيرَةً
قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ نَقْلًا عَنْ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ لَيْسَ فِي نِسْيَانِ بن مسعود لذلك ما يستغرب قد نسي بن
مَسْعُودٍ مِنَ الْقُرْآنِ مَا لَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ بَعْدُ وَهِيَ الْمُعَوِّذَتَانِ وَنَسِيَ مَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى نَسْخِهِ كَالتَّطْبِيقِ وَنَسِيَ كَيْفَ قِيَامُ الِاثْنَيْنِ خَلْفَ الْإِمَامِ
وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي وَقْتِهَا وَنَسِيَ كَيْفِيَّةَ جَمْعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِيهِ مِنْ وَضْعِ الْمِرْفَقِ وَالسَّاعِدِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ وَنَسِيَ كَيْفَ كَانَ يَقْرَأُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأنثى وإذا جاز على بن مَسْعُودٍ أَنْ يَنْسَى مِثْلَ هَذَا فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ انتهى
ولو سلم أن بن مَسْعُودٍ لَمْ يَنْسَ فِي ذَلِكَ فَأَحَادِيثُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ لِأَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ عَنْ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم حَتَّى قَالَ السُّيُوطِيُّ إِنَّ حَدِيثَ الرَّفْعِ مُتَوَاتِرٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا قَبْلُ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ إِنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ كَثْرَةُ عَدَدِ الرُّوَاةِ وَشُهْرَةُ الْمَرْوِيِّ حَتَّى إِذَا كَانَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ يَرْوِيهِ وَاحِدٌ وَالْآخَرُ يَرْوِيهِ اثْنَانِ فَالَّذِي يَرْوِيهِ اثْنَانِ أَوْلَى بِالْعَمَلِ بِهِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ وَمِمَّا يُرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَثْرَةُ الْعَدَدِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَهِيَ مُؤَثِّرَةٌ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا تُقَرِّبُ مِمَّا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَهُوَ التَّوَاتُرُ انتهى
ثم حديث بن مَسْعُودٍ لَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي غَيْرِ الِافْتِتَاحِ بَلْ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عدم وجوبه قال بن حَزْمٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الْمَذْكُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ مَا لَفْظُهُ إِنْ صَحَّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَلَا تَعَارُضَ بينه وبين حديث بن عُمَرَ وَغَيْرِهِ انْتَهَى
قُلْتُ هَذَا كُلُّهُ عَلَى تقدير التنزل وإلا فحديث بن مَسْعُودٍ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ كَمَا عَرَفْتَ
قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وبن عُمَرَ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى آثَارِ هَؤُلَاءِ رضي الله عنهم (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّهُ منسوخ بحديث بن مَسْعُودٍ وَالْبَرَاءِ وَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّهُمَا ضَعِيفَانِ لَا يَقُومُ بِهِمَا الْحُجَّةُ اسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَثَرِ عُمَرَ رضي الله عنه رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ قُلْتُ فِيهِ أَنَّ هَذَا الْأَثَرَ بِهَذَا اللَّفْظِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ قَالَ الحافظ بن حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ
الحاكم رواه بن الْحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ بِلَفْظِ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ بِلَفْظِ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ لَيْسَ فِيهِ ثُمَّ لَا يَعُودُ وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ انْتَهَى
ثُمَّ هَذَا الْأَثَرُ يعارضه رواية طاؤس عن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَاعْتَرَضَهُ الْحَاكِمُ بِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ شَاذَّةٌ لَا يَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ فَلَا تُعَارَضُ بها الأخبار الصحيحة عن طاؤس بن كيسان عن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ في الدراية ويعارضه رواية طاؤس عن بن عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ وَعِنْدَ الرفع منه انتهى قلت ولرواية طاؤس شَاهِدٌ ضَعِيفٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ زَعَمَ النِّيمَوِيُّ أَنَّ زِيَادَةَ قَوْلِهِ إِنَّ عُمَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ عن بن عُمَرَ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ هِيَ سَهْوٌ غَيْرُ صحيحة قال والصواب هكذا عن طاؤس بن كيسان عن بن عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَخْ
وَقَدْ قَالَ الحافظ بن حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ وَهُوَ مُخْتَصَرٌ مِنْ نَصْبِ الراية ويعارضه رواية طاؤس عن بن عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ فِي الركوع وعند الرفع منه وقال بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَارَضَهُ الْحَاكِمُ بِرِوَايَةِ طاؤس بن كيسان عن بن كيسان عن بن عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَخْ قَالَ
فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْحَاكِمَ عارضه برواية بن عُمَرَ لَا بِرِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ انْتَهَى كَلَامُ النِّيمَوِيِّ
قُلْتُ دَعْوَى السَّهْوِ فِي زِيَادَةِ قَوْلِهِ إِنَّ عُمَرَ بَاطِلَةٌ جِدًّا كَيْفَ وَقَدْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشُذُوذِ أَثَرِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثم لا يعود برواية طاؤس عن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ إِنَّ عمر في رواية طاؤس صَحِيحٌ ثَابِتٌ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِشُذُوذِ أَثَرِ صَحَابِيٍّ بِأَثَرِ صَحَابِيٍّ آخَرَ
وَأَمَّا قَوْلُ الْحَافِظِ في الدراية ويعارض رواية طاؤس عن بن عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَخْ فَحَذَفَ الْحَافِظُ لَفْظَ إِنَّ عُمَرَ اخْتِصَارًا
وَالضَّمِيرُ فِي كَانَ يرجع إلى عمر وكذلك فعل بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِثْلُ هَذَا الْحَذْفِ شَائِعٌ اخْتِصَارًا وَاعْتِمَادًا عَلَى الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَثَرِ عَلِيٍّ رضي الله عنه رَوَاهُ الطحاوي وبن أبي شيبة والبيهقي عن عاصم بن كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ مِنَ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَا يَرْفَعُ بَعْدُ
قَالَ
الزَّيْلَعِيُّ هُوَ أَثَرٌ صَحِيحٌ
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القاريء إِسْنَادُ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
قُلْتُ أَثَرُ عَلِيٍّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هُوَ أَثَرٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ذَكَرْتُ لِلثَّوْرِيِّ حَدِيثَ النَّهْشَلِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ فَأَنْكَرَهُ انْتَهَى
قُلْتُ وَانْفَرَدَ بِهَذَا الْأَثَرِ عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ كَانَ مِنَ الْعُبَّادِ الأولياء لكنه مرجىء وثقه يحيى بن معين وغيره وقال بن الْمَدِينِيِّ لَا يُحْتَجُّ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ انْتَهَى وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ أَثَرَ عَلِيٍّ هَذَا صَحِيحٌ فَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ كَمَا زَعَمَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ
قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ لِيَرَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُ ثُمَّ يَتْرُكُ إِلَّا وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ نَسْخُهُ انْتَهَى
وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ عَلِيٍّ وَكَذَا ترك بن مَسْعُودٍ وَتَرْكُ غَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ إِنْ ثَبَتَ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا الرَّفْعَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً يَلْزَمُ الْأَخْذُ بِهَا وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي النسخ بل لا يجترء بِنَسْخِ أَمْرٍ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمُجَرَّدِ حُسْنِ الظَّنِّ بِالصَّحَابِيِّ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ فِعْلِ الرَّسُولِ وَفِعْلِهِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بأثر بن عُمَرَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ صليت خلف بن عُمَرَ فَلَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي التكبيرة الأولى من الصلاة
قلت أثر بن عُمَرَ هَذَا ضَعِيفٌ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ فِي سَنَدِهِ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ وَكَانَ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ بِأَخَرَةٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ شَاذٌّ فَإِنَّ مجاهدا خالف جميع أصحاب بن عُمَرَ وَهُمْ ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ وَالثَّالِثُ أَنَّ إِمَامَ هَذَا الشَّأْنِ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ قَالَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ حُصَيْنٍ إِنَّمَا هُوَ تَوَهُّمٌ مِنْهُ لَا أَصْلَ لَهُ
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أنه لم ير بن عُمَرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرِ وَرَوَى عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ من بن عُمَرَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَهَا أَلَا تَرَى أن بن عُمَرَ كَانَ يَرْمِي مَنْ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ بالحصى فكيف يترك بن عُمَرَ شَيْئًا يَأْمُرُ بِهِ غَيْرَهُ وَقَدْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ
قَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ حُصَيْنٍ إِنَّمَا هُوَ تَوَهُّمٌ مِنْهُ لَا أَصْلَ لَهُ انْتَهَى مُخْتَصَرًا
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ حَدِيثُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ هَذَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ ثُمَّ أَسْنَدَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ اخْتَلَطَ بِأَخَرَةٍ وقد رواه الربيع والليث وطاؤس وسالم ونافع وأبو الزبير ومحارب بن دثار وغيرهم قالوا رأينا بن عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ
إِذَا كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ وَكَانَ يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرٍ قَدِيمًا عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ بن مسعود مرسلا موقوفا أن بن مَسْعُودٍ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ ثُمَّ لَا يَرْفَعُهُمَا بَعْدُ
وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَالْأَوَّلُ خَطَأٌ فاحش لمخالفته الثقات من أصحاب بن عُمَرَ
قَالَ الْحَاكِمُ كَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ ثُمَّ اخْتَلَطَ حِينَ سَاءَ حِفْظُهُ فَرَوَى مَا خُولِفَ فِيهِ فَكَيْفَ يجوز دعوى نسخ حديث بن عُمَرَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ أَوْ نَقُولُ إِنَّهُ تَرَكَ مَرَّةً لِلْجَوَازِ إِذْ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ فَفِعْلُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَتَرْكُهُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ انْتَهَى كَذَا فِي نصب الراية للزيلعي
وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَعَوَّلُوا على رواية مجاهد أنه صلى خلف بن عُمَرَ فَلَمْ يَرَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأُجِيبُوا بِالطَّعْنِ فِي إِسْنَادِهِ لِأَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ رَاوِيهِ سَاءَ حِفْظُهُ بِأَخَرَةٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَقَدْ أَثْبَتَ ذَلِكَ سَالِمٌ وَنَافِعٌ وَغَيْرُهُمَا وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أَوْلَى مِنْ وَاحِدٍ لَا سِيَّمَا وَهُمْ مُثْبِتُونَ وَهُوَ نَافٍ مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مُمْكِنٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ وَاجِبًا فَفَعَلَهُ تَارَةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
وَقَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى مُوَطَّأِ مُحَمَّدٍ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ أُصُولِ أَصْحَابِنَا أَنَّ مجاهدا قال صحبت بن عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ فَلَمْ أَرَهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلا مرة وقالوا قد روى بن عُمَرَ حَدِيثَ الرَّفْعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَرَكَهُ
وَالصَّحَابِيُّ الرَّاوِي إِذَا تَرَكَ مَرْوِيًّا ظَاهِرًا فِي مَعْنَاهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ لِلتَّأْوِيلِ يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِالْمَرْوِيِّ وَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ بن عُمَرَ فَلَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنَ الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ فَهَذَا بن عُمَرَ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُ ثُمَّ قَدْ تَرَكَ الرَّفْعَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَكُونُ ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخه وههنا أَبْحَاثٌ الْأَوَّلُ مُطَالَبَةُ إِسْنَادِ مَا نَقَلُوهُ عَنْ مُجَاهِدٍ مِنْ أَنَّهُ صَحِبَ عَشْرَ سِنِينَ وَلَمْ ير بن عُمَرَ فِيهَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرِ الأول
الثاني المعارضة بخبر طاؤس وغيره من الثقات أنهم رأوا بن عُمَرَ يَرْفَعُ
وَالثَّالِثُ إِنَّ فِي طَرِيقِ الطَّحَاوِيِّ أبو بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ لَا تُوَازِي رِوَايَتُهُ رِوَايَةَ غَيْرِهِ مِنَ الثِّقَاتِ
قَالَ البيهقي في كتاب المعرفة بعد ما أخرج حديث مجاهد من طريق بن عَيَّاشٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ اختلط بآخره وقد رواه الربيع وليث وطاؤس وسالم ونافع وأبو الزبير ومحارب بن دثار وغيرهم قالوا رأينا بن عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْبَيْهَقِيِّ إِلَى آخِرِ مَا نَقَلْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْتَ آخِذًا مِنْ شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ إِنَّهُ يَجُوزُ أن
يكون بن عمر فعل ما راه طاؤس قَبْلَ أَنْ تَقُومَ الْحُجَّةُ بِنَسْخِهِ ثُمَّ لَمَّا ثبت الْحُجَّةُ بِنَسْخِهِ عِنْدَهُ تَرَكَهُ وَفَعَلَ مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ
قُلْتُ هَذَا مِمَّا لَا يَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يُعَارِضَ وَيَقُولَ يَجُوزُ أن يكون فعل بن عُمَرَ مَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ الحجة بلزوم الرفع ثم لما ثبت عنده الْتَزَمَ الرَّفْعَ عَلَى أَنَّ احْتِمَالَ النَّسْخِ احْتِمَالٌ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَلَا يُسْمَعُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ الدَّلِيلُ هُوَ خِلَافُ الرَّاوِي مَرْوِيَّهُ قُلْنَا لَا يُوجِبُ ذَلِكَ النَّسْخَ كَمَا مَرَّ
وَالرَّابِعُ وَهُوَ أَحْسَنُهَا أَنَّا سَلَّمْنَا ثُبُوتَ التَّرْكِ عَنِ بن عُمَرَ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِعَدَمِ رِوَايَةِ الرَّفْعِ سُنَّةً لَازِمَةً فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي ثُبُوتِ الرَّفْعِ عَنْهُ وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وَالْخَامِسُ أَنَّ تَرْكَ الرَّاوِي مَرْوِيَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِلِاحْتِجَاجِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا كَانَ خِلَافَهُ بيقين كما هو مصرح في كتبهم وههنا لَيْسَ كَذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الرَّفْعُ الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حمله بن عُمَرَ عَلَى الْعَزِيمَةِ وَتَرَكَ أَحْيَانًا بَيَانًا لِلرُّخْصَةِ فَلَيْسَ تَرْكُهُ خِلَافًا لِرِوَايَتِهِ بِيَقِينٍ انْتَهَى مَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ
تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ وَلَنَا مَا فِي الطَّحَاوِيِّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عن بن أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ فَقِيهًا قَطُّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي غَيْرِ تَكْبِيرِ التَّحْرِيمَةِ انْتَهَى
قُلْتُ لَعَلَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ هَذَا إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ مَا سَاءَ حِفْظُهُ وَاخْتَلَطَ كَيْفَ وَقَدِ اعْتَرَفَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الرَّفْعُ تَوَاتُرًا عَمَلًا لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ إِنْكَارُهُ
وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ إِلَّا أَهْلَ الْكُوفَةِ كَمَا عَرَفْتَ
وقال ولنا حديث آخر مرفوع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ عليه السلام لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ فِي خِلَافِيَّاتِ الْبَيْهَقِيِّ وَنَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّخْرِيجِ وَقَالَ الْحَاكِمُ إِنَّهُ مَوْضُوعٌ وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى أَوَّلِ إِسْنَادِهِ (إِلَى قَوْلِهِ) فَلَعَلَّ إِسْنَادَهُ قَوِيٌّ انْتَهَى
قُلْتُ حَدِيثُ بن عُمَرَ هَذَا بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ خِلَافِيَّاتِ الْبَيْهَقِيِّ مَا لَفْظُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ وَنَقَلَ عَنِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
فَهَدَى اللَّهُ سبحانه وتعالى هؤلاء المقلدين الذين يتركون حديث بن عُمَرَ الصَّحِيحَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَيَتَمَسَّكُونَ بِحَدِيثِهِ الَّذِي حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ وَلَا سِيَّمَا هَذَا الْمُقَلِّدُ الَّذِي مَعَ عَدَمِ
اطِّلَاعِهِ عَلَى أَوَّلِ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ يَرْجُو أَنَّ إِسْنَادَهُ قَوِيٌّ وَيَتَمَسَّكُ بِهِ
وَقَالَ وَلَنَا حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبَّادٌ تَابِعِيٌّ قَالَ لَمْ يَرْفَعِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ
وَمَرَّ عَلَيْهِ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَقَالَ وَلْيُنْظَرْ فِي إِسْنَادِهِ وَإِنِّي رَأَيْتُ السَّنَدَ وَبَدَا لِي فِي نَصْبِ الرَّايَةِ سَهْوَ الْكَاتِبِ فَإِنَّهُ كَتَبَ مُحَمَّدٌ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ ثِقَةٌ فَصَارَ السَّنَدُ صَحِيحًا انْتَهَى
قُلْتُ لَمْ يَقُلِ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَلْيُنْظَرْ فِي إِسْنَادِهِ بَلْ قَالَ وَهَذَا مُرْسَلٌ
وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا مَنْ يُنْظَرُ فِيهِ فَتَكَلَّمَ الْحَافِظُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَالْمُرْسَلُ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَالثَّانِي أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُنْظَرُ فِيهِ فَكُلُّ مَنْ يَدَّعِي صِحَّةَ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ كَوْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِ سَنَدِهِ ثِقَةً قَابِلًا لِلِاحْتِجَاجِ وَاتِّصَالَهُ وَدُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ
وَأَمَّا دَعْوَى سَهْوِ الْكَاتِبِ فِي مُحَمَّدٍ أَبِي يَحْيَى فَبَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهَا لَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ فِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ مِنْ كُتُبِ الرِّجَالِ
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيَكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى مَنْعِ الرَّفْعِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَخْصُوصَةِ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالرَّفْعُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا تُؤَمِّنُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدُكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمِنْ عَنْ شِمَالِهِ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْتَفِتْ إلى صاحبه ولا يومي بيديه وقال بن حِبَّانَ ذَكَرَ الْخَبَرَ الْمُتَقَصِّي لِلْقِصَّةِ الْمُخْتَصَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِأَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا أُمِرُوا بِالسُّكُونِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ بِالتَّسْلِيمِ دُونَ الرَّفْعِ الثَّابِتِ عِنْدَ الرُّكُوعِ ثُمَّ رَوَاهُ كَنَحْوِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ
قَالَ الْبُخَارِيُّ مَنِ احْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَلَى مَنْعِ الرَّفْعِ عِنْدَ الرُّكُوعِ فَلَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنَ الْعِلْمِ هَذَا مَشْهُورٌ لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ فِي حَالِ التَّشَهُّدِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ الْمُخْتَصَرِ الْمَذْكُورِ مُلَخَّصُهُ وَاعْتَرَضَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي وَضَعَهُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فَقَالَ وَأَمَّا احْتِجَاجُ بَعْضِ مَنْ لَا يَعْلَمُ