الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وبن مَاجَهْ
1196196196
196 -
(بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ [
265])
قَوْلُهُ (عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ) التَّيْمِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْأَزْدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ) الْبَدْرِيِّ اسْمُهُ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ مَاتَ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ وَقِيلَ بعدها
قوله لا تجزيء صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا يَعْنِي صُلْبَهُ أي أظهره أَيْ لَا يَجُوزُ صَلَاةُ مَنْ لَا يُسَوِّي ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمُرَادُ الطُّمَأْنِينَةُ قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ
وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الْأَرْكَانِ وَاعْتَذَرَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ بِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ مُطْلَقُ السُّجُودِ فَيَصْدُقُ بِغَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ فَالطُّمَأْنِينَةُ زِيَادَةٌ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ لَا تُعْتَبَرُ وَعُورِضَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ زِيَادَةً لَكِنْ لِبَيَانِ الْمُرَادِ بِالسُّجُودِ وَأَنَّهُ خَالَفَ السجود اللغوي لأنه مجدد وَضْعِ الْجَبْهَةِ فَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ السُّجُودَ الشَّرْعِيَّ مَا كَانَ بِالطُّمَأْنِينَةِ
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ تَأْكِيدًا لِوُجُوبِ السُّجُودِ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَعَهُ يُصَلُّونَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِغَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَرِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ علي بن شيبان فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
وَأَمَّا حَدِيثُ
أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَلَفْظُهُ أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ رِفَاعَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ أَيْضًا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ إِلَخْ) فَعِنْدَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الْأَرْكَانِ فَرْضٌ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْحَقُّ قَالَ الْحَافِظُ وَاشْتُهِرَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ سُنَّةٌ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ مُصَنِّفِيهِمْ لَكِنَّ كَلَامَ الطَّحَاوِيِّ كَالصَّرِيحِ فِي الْوُجُوبِ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ تَرْجَمَ مِقْدَارَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثَلَاثًا فِي الرُّكُوعِ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ قَالَ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ هَذَا مِقْدَارُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا يُجْزِئُ أدنى منه
قال وخالفهم آخرون فقالوا إذا استوى راكعا واطمأن ساجدا أجزأ ثم قال وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ تَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهَا فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَقِيلَ وَاجِبٌ وَقِيلَ سُنَّةٌ قَالَ صَاحِبُ السِّعَايَةِ ص 142 ج 2 بَعْدَ ذِكْرِ عِبَارَاتِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا لَفْظُهُ وَجُمْلَةُ الْمَرَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ رُكْنَانِ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اطْمِئْنَانِهِمَا فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ فَرْضٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ فَرْضٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ وَسُنَّةٌ عَلَى تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ وَاجِبٌ عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ وَهُوَ الَّذِي نقله جمع
عَظِيمٌ عَنْهُمَا وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ وَالْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ وَالِاطْمِئْنَانُ فِيهِمَا كُلٌّ مِنْهَا فَرْضٌ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدَمَاءُ وَاجِبٌ عَلَى مَا حققه المتأخرون ومقتضى القاعدة المشهورة أن تقوم الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ وَاجِبَتَيْنِ وَالِاطْمِئْنَانُ فِيهِمَا سُنَّةً لَكِنْ لَا عِبْرَةَ بِهَا بَعْدَ تَحْقِيقِ الْحَقِّ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْفَرْضِيَّةِ بِحَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِفَرْضِيَّةِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَبِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ وَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ الْحَدِيثَ وَفِيهِ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ نَحْوَهُ وَفِيهِ فَإِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ وَمَا انْتَقَصْتَ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَإِنَّمَا انْتَقَصْتَهُ من صلاتك
ورواه بن أَبِي شَيْبَةَ وَفِيهِ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا وَاسْمُ هَذَا الرَّجُلِ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ
فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم صَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّعْدِيلَ مِنَ الْأَرْكَانِ بِحَيْثُ إِنَّ فَوْتَهُ يُفَوِّتُ أَصْلَ الصَّلَاةِ وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ لَمْ تُصَلِّ فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ خَلَّادَ بْنَ رَافِعٍ لَمْ يَكُنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنَ الْأَرْكَانِ الْمَشْهُورَةِ إِنَّمَا تَرَكَ التَّعْدِيلَ وَالِاطْمِئْنَانَ فَعُلِمَ أَنَّ تَرْكَهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ
وَأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بِوُجُوهٍ كُلِّهَا مَخْدُوشَةٍ مِنْهَا مَا قَالُوا إِنَّ آخِرَ حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ التَّعْدِيلِ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَمَا نَقَصْتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا نَقَصْتَهُ مِنْ صَلَاتِكَ فَلَوْ كَانَ تَرْكُ التَّعْدِيلِ مُفْسِدًا لَمَا سَمَّاهُ صَلَاةً كَمَا لَوْ تَرَكَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ
وَرَدَّهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ إِنَّمَا سَمَّاهُ صَلَاةً بِحَسَبِ زَعْمِ الْمُصَلِّي كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِضَافَةُ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَمَا نَقَصْتَ شَيْئًا مِنْ هَذَا أَيْ مِمَّا ذُكِرَ سَابِقًا وَمِنْهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ أَيْضًا فَيَلْزَمُ أن تسمى مالا رُكُوعَ فِيهِ أَوْ لَا سُجُودَ فِيهِ أَيْضًا صلاة بعين التقرير المذكور وإذ لَيْسَ فَلَيْسَ انْتَهَى
وَمِنْهَا مَا قَالُوا إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّةِ التَّعْدِيلِ بَلْ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ترك الأعرابي حين فرغ عن صَلَاتِهِ وَلَوْ كَانَ مَا تَرَكَهُ رُكْنًا لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَكَانَ الْمُضِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ عَبَثًا وَلَا يَحِلُّ لَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتْرُكَهُ فَكَانَ تَرْكُهُ دَلَالَةً مِنْهُ أَنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ إِلَّا أَنَّهُ تَرَكَ
الْإِكْمَالَ فَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ زَجْرًا لَهُ عَنْ هَذِهِ الْعَادَةِ
وَرَدَّهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ كَانَتْ صَلَاتُهُ فَاسِدَةً وَلِذَا أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ وَقَالَ لَهُ لَمْ تُصَلِّ وَإِنَّمَا تَرَكَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَهْتَدِي إِلَى الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَمَا شَهِدَتْ بِهِ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ يَعْنِي بِهَا الَّتِي رَوَاهَا التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي وَصْفِ الصَّلَاةِ وَفِيهَا إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ كَالْبَدَوِيِّ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ لَهُمْ جَفَاءٌ وَغِلَظٌ فَلَوْ أَمَرَهُ ابْتِدَاءً لَكَانَ يَقَعُ فِي خَاطِرِهِ شَيْءٌ وَكَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ التَّعْلِيمِ وَبِالْجُمْلَةِ لَا دَلَالَةَ لِعَدَمِ إِنْكَارِهِ عليه الصلاة والسلام عَلَى صَلَاتِهِ ابْتِدَاءً وَأَمْرِهِ بِالْإِعَادَةِ عَلَى مَا ادَّعَوْهُ انْتَهَى
وَمِنْهَا مَا قَالُوا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِقَوْلِهِ يا أيها الذين امنوا اركعوا واسجدوا وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَفْظٌ خَاصٌّ مَعْنَاهُ مَعْلُومٌ فَالرُّكُوعُ هُوَ الِانْحِنَاءُ وَالسُّجُودُ هُوَ الِانْخِفَاضُ فَمُطْلَقُ الْمَيَلَانِ عَنِ الِاسْتِوَاءِ وَوَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ فَرْضٌ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَفَرْضِيَّةُ التَّعْدِيلِ الثَّابِتَةُ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ وَكَذَا فَرْضِيَّةُ القومة والجلسة بحديث لا تجزيء صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَمْثَالُهُ إِنْ لَحِقَتْ بِالْقُرْآنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ فَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْبَيَانَ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْمُجْمَلِ وَلَا إِجْمَالَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِنْ لَحِقَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّغْيِيرِ لِإِطْلَاقِ الْقُرْآنِ فَهُوَ لَيْسَ بِجَائِزٍ أَيْضًا لِأَنَّ نَسْخَ إِطْلَاقِ الْقُرْآنِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ لَا يَجُوزُ كَمَا حَقَّقَهُ الْأُصُولِيُّونَ وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ إِلْحَاقُ مَا ثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ بِالثَّابِتِ بِالْقُرْآنِ وَلَمْ يُمْكِنْ تَرْكُ أَخْبَارِ الْآحَادِ بِالْكُلِّيَّةِ أَيْضًا فَقُلْنَا مَا ثَبَتَ بِالْقَطْعِيِّ وَهُوَ مُطْلَقُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَرْضٌ وَمَا ثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الظَّنِّيَّةِ الثُّبُوتِ وَاجِبٌ
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعْنَاهُمَا الشَّرْعِيُّ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْبَيَانِ فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ لَحِقَتْ بِالْقُرْآنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ وَلَا إِشْكَالَ
وَقَدْ صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مَعْنَاهُمَا الشَّرْعِيَّ هُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ قَدْ لَحِقَتْ بِالْقُرْآنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ عِنْدَهُ
وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رحمه الله شَرِيكٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَيُجْرِيهَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ قَائِلٌ بِفَرْضِيَّةِ التَّعْدِيلِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ إِشْكَالٌ عَسِيرٌ وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ يُنْسَخُ إِطْلَاقُ الْكِتَابِ ها هنا بِخَبَرِ الْآحَادِ وَيُجْعَلُ التَّعْدِيلُ فَرْضًا وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ فِي دَفْعِ هَذَا الْإِشْكَالِ مَا نقله بن عَابِدِينَ فِي حَوَاشِي الْبَحْرِ عَنْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوعِ