الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في سياق هجرة عمر بن الخطاب مع عياش ابن ربيعة، وهشام بن العاص رضي الله عنهم (ولقد حبس الكفار هشامًا عن الهجرة، واستطاع أبو جهل أن يرد عياشًا إلى مكة بعد حيلة ماكرة وخطة غادرة .. وقد كان شائعًا بين المسلمين أن الله لا يقبل ممن افتتن توبة، وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وأنزل الله:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ - وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ - وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 53 - 55].
قال عمر: وكتبتها وبعثت بها إلى هشام بن العاص.
قال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذى طوى أصعد بها وأصوب، ولا أفهمها حتى قلت: اللهم فهمنيها، فألقى الله في قلبي أنها إنما أُنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا.
قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة (1).
ويقول الإمام ابن تيمية عن نفسه:
ربما طالعت على الآية الواحدة نحو مئة تفسير، ثم أسأل الله الفهم وأقول: يا معلم آدم وإبراهيم علمني. وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة وأمرغ وجهي في التراب، وأسأل الله وأقول: يا معلم إبراهيم فهمني (2).
فإذا عزم الأمر:
لقد مر علينا في قصة إسلام أسيد بن حضير، قول أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير عندما رأى أُسيدًا يقبل عليهما بوجه غاضبًا:«أصدق الله فيه» .
فلما صدق مصعب الله في أسيد: انفتح قلبه، وانشرح صدره، وانفرجت أساريره، ودخل في الإسلام.
وهذا هو بيت القصيد: أن نصدق الله في طلب الانتفاع الحقيقي بالقرآن.
ألم يقل سبحانه: {فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} [محمد: 21].
فالأمر قد عزم الآن، ولا يبقى إلا الصدق مع الله، ودوام الإلحاح عليه، وأن يكون حالنا معه - سبحانه - كحال الطفل الذي يريد حاجة من أبيه، فلا تجده ييأس أبدًا من طلب حاجته رغم رفض أبيه المتكرر، ويظل الطفل في إلحاحه المستمر ويظل أبوه يرفضه حتى يتحول الرفض إلى استجابة أمام ذلك السيل من الإلحاح ..
ولله المثل الأعلى، فلنصدق الله في طلبنا، ولنلح عليه في الطلب، فإن تأخرت الإجابة فعلينا ألا نيأس، فربنا سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، وهو ينتظر منا أي التفاتة نحوه ليقبل علينا، فإن تأخر الإمداد، فلحكمة يعلمها هو، ولخير كبير ينتظرنا شريطة ألا نبرح بابه، وأن نستمر في الإلحاح عليه، مع إظهار عظيم افتقارنا وحاجتنا إلى جوده.
أخي:
أتظن أنك إن مرَّغت وجهك في التراب، فاختلط به دمعك، واشتد نحيبك وتضرعك إلى الله في طلبك للوصال بين قلبك والقرآن،
…
أتظن أن ربك يعرض عنك، ولا يستجيب لطلبك؟!
المحور الثالث: الإكثار من تلاوة القرآن بتفهم وترتيل وصوت حزين
المحور الثالث الذي ينبغي أن يسير جنبا إلى جنب بجوار المحورين السابقين هو الإكثار من تلاوة القرآن بتفهم وترتيل وصوت حزين.
وقبل أن نتحدث عن الوسائل العملية المعينة على الفهم والتأثر بالقراءة ننقل إليك - أخي القارئ- بعض تجارب ونصائح المصلحين في هذا الشأن.
محمد إقبال:
(1) هجر القرآن ص 156، 157، نقلا عن البداية والنهاية لابن كثير (3/ 136، 137).
(2)
رسائل من السجن لابن تيمية ص 5.
يقول أبو الحسن الندوي: لقد كانت قراءة محمد إقبال للقرآن قراءة تختلف عن قراءة الناس، ولهذه القراءة الخاصة فضل كبير في تذوقه للقرآن، واستطعامه إياه.
حسن البنا:
من وصايا الإمام حسن البنا في كيفية الانتفاع بالقرآن:
وكان يُصدِّر مقاله الأسبوعي التفسيري بجريدة الإخوان الأسبوعية بعبارة موضوعة في برواز يقول فيها:
سيد قطب:
أما سيد قطب رحمه الله فقد تحدث كثيرًا عن القرآن وكيفية الانتفاع به، فمن أقواله:
إن هذا القرآن ينبغي أن يقرأ، وأن يُتلقى من أجيال الأمة المسلمة بوعي، وينبغي أن يُتدبر على أنه توجيهات حية، تتنزل اليوم، لتعالج مسائل اليوم، ولتنير الطريق إلى المستقبل. لا على أنه مجرد كلام جميل يرتل، أو أنه سجل لحقيقة مضت ولن تعود.
ولن ننتفع بهذا القرآن حتى نقرأه لنلتمس عنده توجيهات حياتنا الواقعة في يومنا وفي غدنا، كما كانت الجماعة المسلمة الأولى تتلقاه لتلتمس عنده التوجيه الحاضر في شؤون حياتها الواقعة ..
وحين نقرأ القرآن بهذا الوعي سنجد عنده ما نريد. وسنجد فيه عجائب لا تخطر على البال الساهي! سنجد كلماته وعباراته وتوجيهاته حية تنبض وتتحرك وتشير إلى معالم الطريق .. وتقول لنا حديثا طويلاً مفصلاً دقيقًا في كل ما يعرض لنا من الشؤون .. وسنجد عندئذ في القرآن متاعًا وحياة، وسندرك معنى قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24](4).
أبو الحسن الندوي:
ويتحدث الندوي عن تجربته مع القرآن فيقول: إن للمؤلف تجربة عملية، واقتراحًا مخلصًا، في صدد الصلة الشخصية المباشرة بالقرآن الكريم، والعلاقة القوية معه، وتذوقه والتجاوب معه، والاستفادة منه أكثر وأكثر، والتقرب به إلى الله، والرقي عن طريقه في مدارج التوفيق.
(1) روائع إقبال لأبي الحسن الندوي/ 38، 39 - دار القلم - دمشق.
(2)
حسن البنا ومنهجه في التفسير/ 100 - دار التوزيع والنشر الإسلامية - مصر.
(3)
حسن البنا ومنهجه في التفسير/ 98 - دار التوزيع والنشر الإسلامية- مصر.
(4)
في ظلال القرآن: 1/ 261 - دار الشروق - مصر.