الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان صلى الله عليه وسلم يدل الصحابة على الوسائل المعينة على تفُّهم القرآن والتأثر به ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في بيان أهمية القراءة بصوت حزين: «أحسن الناس قراءة الذي إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله» (1).
- وقوله صلى الله عليه وسلم عن فضل التسوك قبل القراءة: «إذا قام أحدكم يصلي من الليل فليستك، فإن أحدكم إذا قرأ في صلاته وضع ملك فاه على فيه، ولا يخرج من فيه شيء إلا دخل فم الملك» (2).
- ولبيان ضرورة الفهم مع القراءة قال صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فلينصرف، فليضطجع» (3).
* وللتذكير بأهمية القراءة في المصحف قال صلى الله عليه وسلم: «من سرَّه أن يحب الله ورسوله، فليقرأ في المصحف» (4).
وكان صلى الله عليه وسلم دائم التذكير للصحابة على ضرورة تهيئة الأجواء المناسبة المعينة على التركيز والفهم، ومن ذلك ما رواه أبو داود عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال:«ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة» (5).
- وكان صلى الله عليه وسلم دائم النصح لأصحابه - ولأمته من بعده - بدوام قراءة القرآن وتعاهده حتى يستمر إمداد القلب بالمعاني الإيمانية فتتم التذكرة والتبصرة، ويزداد القرب والوصال، وكان يحفزهم على الإقبال على القرآن بتذكيرهم بالأجر العظيم المترتب على تلاوته، وفي نفس الوقت كان يحذرهم من تركه وعدم المداومة على قراءته حتى لا تتفلت معانيه من العقل والقلب .. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
«اقرؤوا القرآن واعملوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلو فيه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به» (6).
وقوله: «اقرؤوا القرآن؛ فإنكم تؤجرون عليه، أما إني لا أقول (آلم، حرف، ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر، فتلك ثلاثون» (7).
«تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفصيا من قلوب الرجال من الإبل من عُقلها» (8).
متابعته صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
كان صلى الله عليه وسلم يتابع أصحابه في أمر القرآن ومدى تعاهدهم له، وكان حريصا على ألا يمر عليهم يوم دون أن يقرأوا القرآن، تأمل معي قوله صلى الله عليه وسلم:«من نام عن حزبه، أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كُتب له كأنما قرأه من الليل» (9).
وذكر عنده أحد أصحابه فقال: «ذلك رجل لا يتوسد القرآن» (10) ومعنى لا يتوسد القرآن أي يقوم به الليل ولا ينام عنه.
وقال يوما لأصحابه: «إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار» (11).
(1) صحيح الجامع الصغير (194).
(2)
السلسلة الصحيحة (1213).
(3)
صحيح الجامع الصغير (717).
(4)
صحيح الجامع الصغير (6289).
(5)
صحيح الجامع الصغير (2639).
(6)
صحيح الجامع الصغير (1168).
(7)
صحيح الجامع الصغير (1164).
(8)
صحيح الجامع الصغير (2956).
(9)
رواه مسلم (747).
(10)
رواه ابن المبارك في الزهد، وأحمد، والنسائي.
(11)
رواه البخاري، ومسلم.
ومع هذه المتابعة والحث على تعاهد القرآن فإنه صلى الله عليه وسلم كان كذلك يتابع أثر القرآن على الصحابة ومدى تمثل ثمرته الحقيقية فيهم، ويكفيك في تأكيد هذا المعنى ذلك الحديث الذي يرويه جبير بن نفير عن أبي الدرداء أنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فشخص ببصره إلى السماء، ثم قال:«هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء» . فقال أحد الحاضرين وهو زياد بن لبيد الأنصارى: كيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لنقرأنه، ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا.
فقال صلى الله عليه وسلم: «ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فما تغنى عنهم» .
قال جبير بن نفير: فلقيت عُبادة بن الصامت فقلت: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ فأخبرته الذي قال أبو الدرداء، قال: صدق أبو الدرداء. إن شئت حدثتك بأول علم يُرفع من الناس: الخشوع، يوشك أن تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه خاشعًا (1).
وخرج صلى الله عليه وسلم يوما على أصحابه فوجدهم في حلقة يقرؤون القرآن ويتدارسونه بينهم، ففرح بهم وقال:«الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم الأخيار، وفيكم الأحمر والأسود، اقرأوا القرآن، اقرأوا قبل أن يأتي أقوام يقيمون حروفه كما يقام السهم لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه» (2).
لقد كان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على ألا تكون قراءة القرآن بالألسنة والحناجر فقط، فلكي يتم الوصال بين القلب والقرآن وينعكس ذلك على السلوك؛ لا بد من التفهم والتأثر والتجاوب مع الآيات، فإن لم يحدث ذلك، واكتفى المرء بالقراءة التي لا تتجاوز حنجرته فإن هذه القراءة ستكون في واد، بينما يكون عمله وسلوكه في واد آخر، وليس أدل على ذلك من هذ الواقعة:
بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم مغانم حنين إذ قام رجل فقال: اعدل، فقال:«لقد شقيت إن لم أعدل» .. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ناسا يجيئون، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية .. » (3).
إن أعظم أثر لقراءة القرآن هو انضباط السلوك، واقتراب الفعل من القول .. فإن لم يحدث دَلَّ ذلك على عدم الوصال القلبي بالقرآن، ولقد كان صلى الله عليه وسلم دائم التحذير من ذلك، وعندما أخبر بالفتن التي ستمر بها الأمة، ربط ذلك بعدم الانتفاع بالقرآن، فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ستكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القول ويسيئون الفعل، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم .. » (4).
وعن أبي قلابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر شيئًا فقال: «ذلك أوان ينُسخ القرآن» ، فقال رجل كالأعرابي:«يا رسول الله ما ينسخ القرآن؟، أو كيف ينسخ القرآن؟» ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ويحك يذهب أصحابه، ويبقى رجال كأنهم النعام» ، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى يديه على الأخرى، فمدهما يشير بهما، فقال الناس، يا رسول الله أو لا نتعلمه ونعلمه أبناءنا، ونساءنا»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قد قرأت اليهود والنصارى، قد قرأت اليهود والنصارى» (5).
(1) أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6990).
(2)
رواه ابن حبان في صحيحه، وابن المبارك في الزهد.
(3)
رواه مسلم (1063).
(4)
صحيح، رواه أحمد، وأبو داود وابن حبان، والحاكم وصححه.
(5)
أخرجه ابن المبارك في الزهد برقم (753)، وقال الشيخ أحمد فريد: مرسل صحيح الإسناد.