المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌قبل أن تقرأ هذه الصفحات

- ‌الفصل الأولالصخرة أغلقت الغارفهل إلى خروج من سبيل

- ‌فصيلة دم الأمة:

- ‌مشكلتنا إيمانية:

- ‌العمود الفقري للإيمان:

- ‌إنهم صُنعوا ها هنا:

- ‌القرآن مخرجنا:

- ‌أين السنة

- ‌القرآن والأعمال الصالحة الأخرى:

- ‌هل أدرك المسلمون قيمة القرآن

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يشكونا:

- ‌فما الحل في هذه الإشكالية

- ‌الإيمان بالقرآن هو البداية:

- ‌الفصل الثانيحبل الودّ

- ‌الرحمة الواسعة:

- ‌جحود الإنسان:

- ‌غواية الشيطان:

- ‌طبيعة المعركة:

- ‌أبواب الشيطان

- ‌الرحيم الودود

- ‌لماذا أنزل الله القرآن

- ‌المعرفة وحدها لا تكفى:

- ‌القرآن وإغلاق مداخل الشيطان:

- ‌ابن القيم وتجربته مع القرآن:

- ‌إصلاح الإرادة:

- ‌الفصل الثالثروح القلوب وقوتها

- ‌روح تسرى في القلوب:

- ‌من دخل فيه فهو آمن:

- ‌تأثير يُدرك ولا يمكن وصفه:

- ‌من مظاهر تأثير القرآن:

- ‌خشوع الجبال وتصدعها:

- ‌القشعريرة والسجود:

- ‌أجيبوا داعي الله:

- ‌تأثير القرآن على مشركي مكة:

- ‌الوليد بن المغيرة:

- ‌اعترافات عتبة بن ربيعة:

- ‌السجود الجماعي:

- ‌خوف المشركين من فتنة نسائهم وأولادهم بسماعهم للقرآن:

- ‌القرآن كان السبب الأول لإسلام الأوائل:

- ‌كيف أسلم أسيد بن حضير

- ‌الدليل الدامغ:

- ‌أمة عجيبة:

- ‌الفصل الرابعالرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن

- ‌تأثر الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن:

- ‌التأثير العملي السريع:

- ‌صفة قراءته:

- ‌الحرص على التلاوة اليومية:

- ‌دعوته صلى الله عليه وسلم للناس بالقرآن:

- ‌صفاء المنبع:

- ‌ترغيبه صلى الله عليه وسلم للصحابة في تعلم القرآن:

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لأصحاب معاني القرآن:

- ‌لا بديل عن التفهم والتدبر

- ‌متابعته صلى الله عليه وسلم لأصحابه:

- ‌الوصية بالقرآن:

- ‌الفصل الخامسالنموذج العمليوالدفعة الأولى لمدرسة القرآن

- ‌الأثر المباشر للقرآن في سلوك الصحابة:

- ‌ألا تحبون أن يغفر الله لكم

- ‌أعرض عن الجاهلين:

- ‌أقرضت ربي حائطي:

- ‌ثابت بن قيس من أهل الجنة:

- ‌سمعًا لربي وطاعة:

- ‌والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت:

- ‌لا حاجة لي في أرضك:

- ‌قرأت البارحة سورة براءة:

- ‌زينوا القرآن بالفعال:

- ‌انشغال الصحابة بالقرآن ومحافظتهم على وردهم اليومي:

- ‌كيف كانوا يحفظون آيات القرآن

- ‌خوف الصحابة على القرآن:

- ‌توجيهات ووصايا الصحابة نحو القرآن:

- ‌تحذيرات الصحابة من رفع القرآن:

- ‌خوف الصحابة من انشغال الناس بغير القرآن:

- ‌منزلة السنة النبوية:

- ‌لماذا لم تدوَّن السنة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌موقف الصحابة من الحديث بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌تقييد العلم وكتابته:

- ‌من آثار هجر القرآن:

- ‌بناء الإيمان من خلال القرآن:

- ‌إعادة ترتيب الأولويات:

- ‌الفصل السادسلماذا لم ننتفع بالقرآن

- ‌هل اللغة هي السبب

- ‌تفسير لا يعذر أحد بجهالته:

- ‌المرونة في النص القرآني:

- ‌محمد إقبال:

- ‌بديع الزمان النورسي:

- ‌النماذج كثيرة:

- ‌عودة إلى العصر الأول لنزول القرآن:

- ‌ولكن ما السبب إذن

- ‌أولاً: الصورة الموروثة عن القرآن

- ‌ثانيًا: طول الإلف

- ‌ثالثًا: نسيان الهدف الذي من أجله نزل القرآن

- ‌رابعًا: الانشغال بفروع العلم والتبحر فيها

- ‌خامسًا: غياب أثر القرآن

- ‌سادسًا: كيد الشيطان

- ‌سابعًا: مفاهيم وممارسات ساهمت في عدم الانتفاع بالقرآن

- ‌الخوف من تدبر القرآن واللقاء المباشر به:

- ‌تحصيل الأجر والثواب فقط:

- ‌الإسراع في حفظ القرآن:

- ‌قراءة الحافظ:

- ‌حول مفهوم النسيان:

- ‌أمراض القلوب:

- ‌قراءتان للقرآن:

- ‌التعمق في المعنى:

- ‌مدة الختم:

- ‌السماع عندى أفضل

- ‌الفصل السابعكيف يحدث الوصالبين القلب والقرآن

- ‌الإيمان أولاً:

- ‌نقطة البداية الصحيحة:

- ‌أولاً: تقوية الرغبة والدافع للانتفاع الحقيقي بالقرآن

- ‌المحور الثاني: الإلحاح على الله عز وجل

- ‌المحور الثالث: الإكثار من تلاوة القرآن بتفهم وترتيل وصوت حزين

- ‌وسائل عملية معينة على الانتفاع بالقرآن:

- ‌كلمة أخيرة لكل مسلم

- ‌المراجع

الفصل: ‌سادسا: كيد الشيطان

وبقيت الابنة تتجرع مرارة حياة كريهة، والأب يأكله الندم، والأم تعشش في قلبها الفرحة المكسورة، والرجل كما هو، يتلو القرآن بصوت رخيم جميل، بينما تنزوى هي في ركن قصى لائذة بإذاعة القرآن الكريم يتداخل في سمعها صوت تلاوة زوجها وصوت مذيع يتحدث عن أسس اختيار الزوج، مستشهدًا بحديثه صلى الله عليه وسلم:«إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» .

تنهمر دموعها وتضم كفيها بأسى، قابضة على الفراغ، متسائلة عن نصف معادلة الاختيار الذي يسكن بيتها، والنصف الآخر الذي فر، ولا تدري إلى أين؟! (1)

* * *

‌سادسًا: كيد الشيطان

إن إبليس - الذي أقسم بعزة الله بأن يعمل على غواية البشر وسوقهم معه إلى النار - ما كان ليترك هذه الأمة ليلتقي أبناؤها بالقرآن فيتزودوا منه بالإيمان، وبالتالي يتحصنون من كيده، ويلتزمون صراط الله المستقيم، فيدخلون الجنة.

وكيف يتركهم وقد رأى التأثير العظيم الفذ للقرآن على جيل الصحابة، ومن ثَّم فإن استمرار وجود القرآن بين المسلمين من شأنه أن يُفسد مخططاته، ويغلق الأبواب أمامه.

وفي الوقت ذاته فإن الشيطان لا يمكنه تحريف القرآن لأن الله عز وجل قد تكفل بحفظه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

ولا يمكنه كذلك دعوة المسلمين لنبذ كتابهم وإبعاده من بينهم لأنه رسالة نبيهم.

فماذا فعل الشيطان مع القرآن؟!

استطاع الشيطان أن يستدرج المسلمين، ويبعدهم شيئًا فشيئًا عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن، وفي الوقت ذاته تركهم يتصلون بالقرآن، ويتعاملون معه ولكن من الناحية الشكلية.

فيجتمع له بذلك أمران:

الأول: أن يصبح القرآن موجودًا بين المسلمين من الناحية الشكلية اللفظية.

الثاني: أن يكون غائبًا من الناحية الحقيقية الجوهرية.

فيخمد باجتماع هذين الأمرين أي تأنيب للضمير في نفوس المسلمين بهجر كتابهم، ومن ثمَّ لا يمكن لأحد أن يفكر بأن القرآن بات غائبًا مهجورًا.

فعندما تنتشر المصاحف في كل مكان، وتبث الإذاعات آياته ليل نهار، وتُخرِّج المدارس والحلقات والكليات عشرات الآلاف من حفاظه. وينكَبُّ المسلمون على قراءته في رمضان، ويتنافسون على ختمه مرات ومرات بُغية تحصيل أكبر قدر من الحسنات ..

عندما يكون هذا وغيره من مظاهر الاهتمام الشكلي بالقرآن هو السائد بيننا، فإن الدعوة إلى العودة الحقيقية إليه، والانتفاع بمعجزته، وقدرته الفذة على إنشاء الإيمان والتغيير لن تجد آذانا مصغية بين المسلمين، بل سيصبح من المتوقع أن يقال لصاحب هذه الدعوة: وماذا عسانا أن نفعل مع القرآن أكثر مما نفعل؟! ألا يكفي هذا الجهد المبذول معه؟!

تلبيس إبليس:

لقد نجح الشيطان نجاحًا كبيرًا في استدراج الأمة وإبعادها عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن، وهذا لم يتم في يوم وليلة، بل كان استدراجًا هادئًا بطيئًا عبر القرون المتعاقبة حتى وصل إلى الحال الذي وصل إليه الآن.

وكانت أبوابه الرئيسة التي يدخل منها على المسلمين هي باب الجهل، وباب الهوى، ومن كل منهما تتفرع أبواب كثيرة تناسب كل الحالات، وتؤدي في النهاية إلى تحقيق هدفه.

والجدير بالذكر أن الشيطان ليس له سلطان مباشر على أحد من الناس، ولكن عندما تصادف وسوسته هوى في النفس، أو جهلا بالأمر فمن المتوقع أن تتم الاستجابة لها.

فالجهل بقيمة القرآن الحقيقية، والهدف من نزوله، كان له دور كبير في الاستجابة لوساوس الشيطان في هذا الباب.

(1) مجلة الزهور العدد 78 السنة السابعة - ربيع الآخر 1428 هـ مايو 2007م.

ص: 76

أما الهوى فله أفرع كثيرة يمكن أن تُغذَّيه من خلال التعامل الشكلي مع القرآن منها: التقدم على الناس بحفظه، وتَصَدُّر المجالس لتعليم حروفه، والمباهاة بإتقانه، واتخاذه حِرفة و ....

فالأبواب المتفرعة من بابَيْ الجهل والهوى كثيرة ومتعددة وكلها تؤدي إلى عدم الانتفاع الحقيقي بالقرآن.

ليس وحده:

ومما تجدر الإشارة إليه أن العوامل والأسباب - السابق ذكرها - قد ساعدت الشيطان في الوصول لهدفه، وإبعاد غالبية الأمة عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن.

فالصورة الموروثة، وطول الإلف، ونسيان الهدف من نزول القرآن، والانشغال بفروع العلم على حساب القرآن، وعدم ظهور آثار سلوكية إيجابية للكثير من المشتغلين بالقرآن ..

كل هذا سهل على الشيطان مهمته ..

الشيطان ملحاح بطئ اليأس:

إن هدف الشيطان هو إبعاد كل فرد في الأمة عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن، لذلك فهو في البداية يجتهد في الحيلولة دون قراءة المسلم للقرآن، إما بالتسويف، أو بإشغاله بأمر آخر.

فإن قرأ بالفعل دخل عليه من مداخل متعددة:

مدخل التعب والنعاس.

مدخل تحصيل أكبر قدر من الحسنات ليدفع القارئ للقراءة السريعة غير المتدبرة.

مدخل شرود الذهن مع بعض الكلمات.

مدخل تذكيره بأمر من أمور الدنيا التي ينبغي عليه القيام بها ليترك القراءة.

مدخل الاهتمام الشديد بمخارج الحروف وإتقان التلاوة.

مدخل تخويفه من تدبر القرآن ..

يقول ابن هبيرة: ومن مكايد الشيطان تنفير عباد الله عن تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر، فيقول: هذه مخاطرة، حتى يقول الإنسان: أنا لا أتكلم في القرآن تورعًا (1).

ويقول أبو حامد الغزالي في حديثه عن موانع فهم القرآن:

أن يكون الهم منصرفًا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن فهم معاني كلام الله عز وجل، فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف يُخَّيل إليهم أنه لم يخرج من مخرجه، فهذا يكون تأملهم مقصورا على مخارج الحروف فأنى تنكشف له المعاني؟ وأعظم ضحكة للشيطان من كان مطيعًا لمثل هذا التلبيس (2).

(ومن تأمل هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإقراره كل لسان على قراءتهم تبين له أن التنطع، والتشدق، والوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته (3).

المعركة الحاسمة:

بهذه المداخل السابقة وغيرها، استطاع الشيطان أن يحقق مراده، ويُبعد الأمة عن جوهر القرآن، وعن وظيفته المتفردة في إحداث التغيير المتكامل للشخصية المسلمة.

فمنذ أن نزل القرآن من السماء، أصبحت أهم معركة للشيطان مع المسلمين هي إبعادهم عن دائرة تأثير هذا الكتاب ليسهل عليه إضلالهم وإبعادهم عن الصراط المستقيم.

ومن العجيب أن العبادة الوحيدة التي أمرنا الله عز وجل أن نستعيذ به، ونطلب حمايته لنا من الشيطان، قبل القيام بها: هي قراءة القرآن {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98].

فمن المعلوم أنه قبل أن يشرع المرء في الذكر أو الصيام أو إخراج الصدقة، فإنه غير مأمور بأن يستعيذ بالله من الشيطان.

فلماذا قراءة القرآن دون غيرها من العبادات؟!

أليس في هذا الأمر دلالة على أن الشيطان يجتهد ويجتهد في إبعاد الناس عنه، والحيلولة دون انتفاعهم به، وذلك لأنه يعلم بقيمة القرآن، وقدرته الفذة على التغيير والشفاء!!

من هنا يتبين لنا حكمة الاستعاذة بالله وطلب حمايته قبل بدء القراءة، فالشيطان لن يترك أحدًا ينتفع بالقرآن، ولا أمل أمامنا إلا بالاستعانة بالله عليه.

(1) تدبر القرآن للسنيدي ص 48، نقلاً عن ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (3/ 273).

(2)

إحياء علوم الدين 1/ 439، 440.

(3)

إغاثة اللهفان 1/ 254.

ص: 77