المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب التاسع في توصية الآباء معلمي أولادهم بهم - تذكره الآباء وتسليه الأبناء = الدراري في ذكر الزراري

[كمال الدين ابن العديم]

الفصل: ‌الباب التاسع في توصية الآباء معلمي أولادهم بهم

‌الباب التاسع في توصية الآباء معلمي أولادهم بهم

قال عمرو بن عتبة يوصي مؤدب ولده: يا أبا عبد الصمد ليكن أول إصلاحك بني إصلاحك نفسك فإن عيوبهم معقودة بعيبك، فالحسن عندهم ما فعلت، والقبح ما تركت، علمهم كتاب الله ولا تملهم منه فيكرهوه، ولا تدعهم منه فيهجروه، روهم من الشعر أعفه، ومن الكلام أشرفه، ولا تخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه، فأن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، تهددهم بي، وأدبهم دوني، وكن كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء قبل معرفة الداء، وجنبهم محادثة النساء، وروهم سير الحكماء، ولا تتكل على عذر مني، فقد اتكلت على كفاية منك، واستزدني بزيادة منهم أزدك.

وقال العباس بن محمد لمؤدب ولده: إنك قد كفيت أعراضهم فاكفني آدابهم والتمسني عند آثارك فيهم تجدني.

ص: 56

قال عبد الملك للشعبي حين أخذه بتعليم ولده: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم السفلة فإنهم أسوأ الناس رعة وأقلهم أدباً وعلماً، وجنبهم الحشم فإنهم لهم مفسدة، وأحف شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم تصح عقولهم، وتشتد قلوبهم، وصقل رؤوسهم وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا، ومرهم أن يستاكوا غرضاً ويمصوا الماء مصاً ولا يعبوا عباً، فإذا احتجت إلى أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في ستر لا يعلم به أحد من الغاشية فيهونوا عليهم.

ص: 57

وكتب شؤريح القاضي إلى معلم بني له:

ترك الصلاة لا كلب يسعى بها

طلب الهراش مع الغواة الرجس

فإذا أتاك فعضه بملامة

أو عظه موعظة اللبيب الأكيس

وإذا هممت بضربه فبدرة

وإذا ضربت بها ثلاثاً فاحبس

واعلم بأنك ما فعلت فنفسه

مع ما تجرعني أعز الأنفس

وكتب جد جدي القاضي أبو الفضل هبة الله بن أحمد بن يحي بن زهير ابن أبي جرادة إلى الفقيه أبي علي بن المعلم وكان مدرس ابنه أبي غانم محمد بن هبة الله جد أبي قصيدة يستنهضه فيه منها:

ص: 58

أبا علي هو الدهر الخؤون وما

يحظى بجدواه إلا الجاهل الغمر

إني لأشكر ما أوليت من حسن

حتى أرى به أسمو وأفتخر

ولو أردت مكافأة على منن

أسديتها لتقضى دونها العمر

عهدت فضلك لا يحتاج تذكرة

وحسن رأيك ما في نفعه ضرر

فكيف بحرك عذب طاب منهله

للواردين وفيما خصني صبر

وكيف ترعى حقوق غير واجبة

وفي أبي غانم تلغي وتحتقر

راجع سدادك فيه فهو أن سمحت

به الليالي على أحداثها وزر

واحفظ له حق آباء ومعرفة

مضت بتأكيدها الأيام والعصر

ووله منك قسطاً من ملاحظة

فما يرى لك في إهماله عذر

ص: 59

فإنه نبعة طابت منابته

صلب على العجم ما في عوده خور

مغري بما زاد في قدر ومنزلة

وما تبدى له في خده شعر

دلائل مخبرات عن نجابته

كالنار تخبر عن ضوضائها الشرر

من معشر حلت العلياء بينهم

يعد شكرهم فخرا إذا شكروا

ص: 60