المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الملحق: - أولاً: - وإن من استكمال فائدة القارئ إيراد واحدة من - تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية

[محمد بن سعد الشويعر]

الفصل: ‌ ‌الملحق: - أولاً: - وإن من استكمال فائدة القارئ إيراد واحدة من

‌الملحق:

-

أولاً: -

وإن من استكمال فائدة القارئ إيراد واحدة من رسائل الشيخ محمد التي بعث لأهل القصيم لما سألوه عن عقيدته للاطمئنان عن اتجاهه والرد عليه إذا كان مخالفاً لآراء العلماء لأن الناس هناك لم يستجيبوا لدعوته إلا بعد دراسة وتمحيص وهذا من مهمة العلماء في استجلاء الحقيقة ورد المعتدي ببصيرة وإدراك.

وهذا هو نص هذه الرسالة

ولها نظائر مع كل من سأله أو أشبه في أمره

وتكون النتيجة الاستجابة لمن يريد الحق لأنهم لم يجدوا لدى الشيخ ما يخالف شرع الله أو يغاير ما عليه أعلام أمة الإسلام من المصادر الموثوقة.

ص: 116

رسالة الشيخ إلى أهل القصيم

لما سألوه عن عقيدته: (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

أشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت ، والإيمان بالقدر خيره وشره ، ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شئ وهو السميع العليم ، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ولا أحرف الكلم عن مواضعه ، ولأا ألحد في أسمائه وآياته ولا أكيف ولا أمثل صفاته تعالى ، بصفات خلقه لأنه تعالى لا سمي له ولا كفؤ له ، ولا ند له ، ولا يقاس بخلقه فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلاً ، وأحسن حديثاً فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل: وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل فقال {سبحن ربك رب العزة عما يصفون (وسلام على المرسلين} (الصافات الآيات 180 - 182) الفرقة الناجية وسط باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية وهم في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية ، وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة ، وبين المرجئة والجهمية وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج.

(1) - نشرت هذه الرسالة في القسم الخاص للرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب تصنيف د. محمد بلتاجي. و. د. سيد حجاب والشيخ عبد العزيز الرومي وهي الرسالة الأولى ص 7 - 13. نقلاً عن الدرر السنية ج 1 ص 28 - 31.

ص: 117

وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ إليه ويعود: وأنه تكلم به حقيقة وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأومن بأن الله فعال لما يريد ولا يكون شئ إلا بإرادته ولا يخرج شئ عن مشيئته وليس شئ في العالم يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور.

وأعتقد الإيمان بكل ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت ، فأومن بفتنة القبر ونعيمه وبإعادة الأرواح إلى الأجساد فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلاً تدنو منهم الشمس وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله.

وأومن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة وماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل ، وآنيته عدد نجوم السماء ، من شرب منه مرة لم يظمأ بعدها أبداً وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم.

وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه شافع وأول مشفع ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضى كما قال تعالى {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} (سورة الأنبياء آية 28) وقال تعالى: {ومن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (سورة البقرة آية 255) وقال: {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} (سورة النجم آية 26) وهو لا يرضى إلا التوحيد ، ولا يأذن إلا لأهله ، وأما المشركون

ص: 118

فليس لهم من الشفاعة نصيب كما قال تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} (سورة المدثر آية 48)

وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان وأنهما موجودتان وأنهما لا يفنيان وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر في رؤيته.

وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين ، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق ، ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو النورين ، ثم علي المرتضى ، ثم بقية العشرة ثم أهل بدر ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم. وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واذكر محاسنهم وأترضى عنهم واستغفر لهم وأكف عن مساويهم وأسكت عما شجر بينهم واعتقد فضلهم عملاً بقوله تعالى:{والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم} (سورة الحشر آية 10) وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء واقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات ، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله ، ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة أو نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أو

ص: 119

فاجراً وصلاة الجماعة خلفهم جائزة والجهاد ماض منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت له طاعته وحرم الخروج عليه وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا وأحكم عليهم بالدين وأكل سرائرهم إلى الله وأعتقد أن كل محدثة في الإسلام بدعة.

واعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل يعمل ، بالأركان واعتقاد بالجان ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة.

فهذه عقيدة وجيزة حررتها وأنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي والله على ما نقول وكيل.

ثم لا يخفى عليكم أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم وأنه قبلها وصدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم ، والله يعلم أن الرجل افترى على أموراً لم أقلها ولم يأت أكثرها على بالي (فمنها) قوله: إني مبطل كتب المذاهب الأربعة وإني أقول أن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شئ وإني أدعي الاجتهاد وإني خارج عن التقليد وإني أقول إن اختلاف العلماء نقمة وإني أكفر من توسل بالصالحين وإني أكفر البوصيري لقوله يا أكرم الخلق وغني لو اقدر على هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتها ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب وإني أحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما وإني أكفر من حلف بغير الله وإني أكفر ابن الفارض وابن عربي وإني

ص: 120

أحرق دلائل الخيرات وروض الرياحين وأسميه روض الشياطين.

جوابي عن هذه المسائل:

أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم. وقبله من بهت محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور قال تعالى: {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله} (سورة النحل آية 105) بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول إن الملائكة وعيسى وعزيراً في النار فأنزل الله في ذلك {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} (سورة الأنبياء آية 101)

وأما المسائل الأخر وهي أني أقول لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله وأني أعرف من يأتيني بمعناها وأني أكفر الناذر إذا أراد بنذره التقرب لغير الله وأخذ النذر لأجل ذلك وأن الذبح لغير الله كفر والذبيحة حرام. فهذه المسائل حق وأنا قائل بها ولي عليها دلائل من كلام الله وكلام رسوله ومن أقوال العلماء المتبعين كالأئمة الأربعة وإذا سهل الله تعالى بسطت الجواب عليها في رسالة مستقلة إن شاء الله.

ثم اعملوا وتدبروا قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة} (سورة الحجرات آية 6)

ثانياً:

قال صاحب كتاب مصباح الظلام بعد اعتراضه على نسب لسليمان بن عبد الوهاب من رد على أخيه هذا وقد من الله وقت تسويد هذا بالوقوف على رسالة لسليمان فيها البشارة برجوعه عن مذهبه الأول وأنه قد استبان له التوحيد والإيمان وندم على فرط من الضلال والطغيان وهذا نصها:

ص: 121

بسم الله الرحمن الرحيم

من سليمان بن عبد الوهاب إلى الأخوان: حمد محمد التويجري وأحمد ومحمد ابنا عثمان بن شبانه (1) .

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته (وبعد) فأحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وأذكركم ما من الله به علينا وعليكم من معرفة دينه ومعرفة ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم من عنده وبصرنا به من العمى وأنقذنا من الضلالة وأذكركم بعد أن جيتونا في الدرعية من معرفتكم الحق على وجهه وابتهاجكم به وثنائكم على الله الذي أنقذكم وهذا دأبكم في سائر مجالسكم عندنا وكل من جاءنا بحمد الله يثني عليكم. والحمد لله على ذلك. وكتبت لكم بعد ذلك كتابين غير هذا أذكركم وأحضكم ولكن يا إخواني معلومكم ما جرى منا من مخالفة الحق واتباعنا سبل الشيطان ومجاهدتنا في الصد عن اتباع سبل الهدى.

والآن معلومكم لم يبق من أعمارنا إلا اليسير والأيام معدودة والأنفاس محسوبة والمأمول منا أن نقوم لله ونفعل مع الهدى أكثر مما فعلنا مع الضلال وأن يكون ذلك لله وحده لا شريك له لا لما سواه لعل الله يمحو عنا سيئات ما مضى وسيئات ما بقى.

ومعلومكم عظم الجهاد في سبيل الله وما يكفر من الذنوب وأن الجهاد باليد واللسان والقلب والمال وتفهمون أجر من هدى الله به رجلاً واحداً.

والمطلوب منكم أكثر مما تفعلون الآن ، وأن تقوموا لله قيام صدق وأن تبينوا للناس الحق على وجهه وأن تصرحوا لهم تصريحاً بينما بما كنتم عليه أولاً من الغي والضلال.

(1) - انظر مصباح الظلام للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن ص 104 - 108.

ص: 122

فيا إخواني الله الله. فالأمر أعظم من ذلك فلو خرجنا نجأر إلى الله في الفلوات وعدنا الناس من السفهاء والمجانين في ذلك لما كان ذلك بكثير منا.

وأنتم رؤساء الدين والدنيا في مكانكم أعز من الشيخ والعوام كلهم تبع لكم. فاحمدوا الله على ذلك ولا تعتلوا بشيء من الموانع.

وتعلمون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابد أن يرى ما يكره ولكن أرشدكم في ذلك إلى الصبر كما حكى عن العبد الصالح لقمان في وصيته لابنه فلا أحق من أن تحبوا لله وتبغضوا لله وتوالوا لله وتعادوا لله.

وترى يعرض في هذا أمور شيطانية: وهي أن من الناس من ينتسب لهذا الدين وربما يلقى الشيطان لكم أن هذا ما هو بصادق ، وأن له ملحظ دنيوي وهذا أمر ما يطلع عليه إلا الله فإذا أظهر أحد الخير فاقبلوا منه ووالوه فإذا ظهر من أحد شر وإدبار عن الدين فعادوه واكرهوه ولو أحب حبيب.

وجامع الأمر في هذا: أن الله خلقنا لعبادته وحده لا شريك له ومن رحمته بعث لنا يأمرنا بما خلقنا له وبين لنا طريقه وأعظم ما نهانا عنه الشرك بالله وعداوة أهله وأمرنا بتبيين الحق وتبيين الباطل فمن التزم ما جاء به الرسول فهو أخوك ولو أبغض بغيض. ومن نكب عن الصراط المستقيم فهو عدوك ولو ولدك أو أخوك.

وهذا شئ أذكركموه مع أني بحمد الله أعلم أنكم تعلمون ما ذكرت لكم ومع هذا فلا عذر لكم عن التبيين الكامل الذي لم يبق معه لبس وأن تذاكروا دائماً في مجالسكم ما جرى منا ومنكم أولاً وأن تقوموا مع الحق أكثر من قيامكم مع الباطل فلا أحق من ذلك ولا لكم عذر لأن اليوم الدين والدنيا ولله الحمد مجتمعه في ذلك فتذاكروا ما كنتم فيه أولاً في أمور الدنيا من

ص: 123

الخوف والأذى واعتلاء الظلمة والفسقة عليكم. ثم رفع الله ذلك كله بالدين وجعلكم السادة والقادة وذلك من آثار من دعوة شيخ الإسلام وعلم الهداة الأعلام.

ثم أيضاً مت من الله به عليكم من الدين انظروا إلى مسألة واحدة مما نحن فيه من الجهالة قبل انتشار الدعوة الإسلامية كون البدو تجري عليهم أحكام الإسلام مع معرفتنا أن الصحابة قاتلوا أهل الردة وأكثرهم متكلمون بالإسلام ومنهم من أتى بأركانه ومع معرفتنا أنه كذب بحرف من القرآن كفر ولو كان عابداً وأن من استهزأ بالدين أو بشئ منه فهو كافر وأن من جحد حكماً مجمعاً عليه فهو كافر إلى غير ذلك من الأحكام المكفرات وهذا كله مجتمع في البدو وأزيد ونجري عليهم أحكام الإسلام اتباعاً لتقليد من قبلنا بلا برهان.

فيا إخواني تأملوا وتذكروا في هذا الأصل يدلكم على ما هو أكثر من ذلك وأنا أكثرت عليكم الكلام لوثوقي بكم إنكم ما تشكون في شئ فيما تحاذرون ونصيحتي لكم ولنفسي والعمدة في هذا أن يصير دأبكم في الليل والنهار وأن تجأروا إلى الله تعالى وأن يعيذكم من شرور أنفسكم وسيئات أعمالكم وأن يهديكم على الصراط المستقيم الذي عليه رسله وأنبياؤه وعباده والصالحون وأن يعيذكم من مضلات الفتن فالحق وضح وأبلولج وماذا بعد الحق إلا الضلال.

فالله الله ترى الناس الذين في جهاتكم تبع لكم في الخير والشر فإن فعلتم ما ذكرت لكم ما قدر حد من الناس يرميكم بشر وصرتم كالأعلام هداية للحيران فإن الله سبحانه وتعالى هو المسؤول أن يهدينا وإياكم سبل السلام.

ص: 124

والشيخ وعياله وعيالنا طيبين ولله الحمد ويسلمون عليكم وسلموا لنا على من يعز عليكم والسلام. وصلي الله على محمد وآله وصحبه وسلم. اللهم اغفر لكاتبها ولوالديه ولذريته ولمن نظر فيه فدعا له بالمغفرة وللمسلمين وللمسلمات أجمعين.

ثم ذكر أنهم أجابوه برسالة ينبغي أن تذكر لما فيها من جواب حسن ثم ذكرها بعد ذلك.

ص: 125

ثالثاً:

ولعل مما يفيد في الموضوع إيراد رسالة كتبها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قبل وفاته لأهالي المغرب يوضح فيها ما يدعو إليه من إخلاص العبادة لله وتنقية التوحيد.... مما يفيد أن الجذور الحسنة والقناعة مهدت للاتفاق بين رأي الإمام إبراهيم بعد المناظرة بين علماء المغرب بزعامة المولى إبراهيم وبين علماء نجد برئاسة الإمام سعود بن عبد العزيز في مكة المكرمة عام 1226 هـ وحصول القناعة بسلامة ما يدعا إليه ونفي الشبهات عن الشيخ محمد مما يتبرأ منه هو والعلماء بمكة وهذا نصها: -

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مصل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ولن يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئاً وصلي الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد.

فقد قال الله تعالى {قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} (سورة يوسف آية 108)

وقال تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} (سورة آل عمران آية 31)

وقال تعالى {وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (سورة الحشر آية 7)

ص: 126

وقال تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} (سورة المائدة آية 3)

فأخبر سبحانه أنه أكمل الدين وأتمه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وامرنا بلزوم ما أنزل إلينا من ربنا وترك البدع والتفرق والاختلاف فقال تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون} (سورة الأعراف آية 3)

وقال تعالى {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} (سورة الأنعام آية 153)

والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن أمته تأخذ مآخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع وثبت في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ وأخبر في الحديث الآخر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي.

إذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله والتوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء وقضاء

ص: 127

الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسماء وكذلك التقرب إليهم بالنذور وذبح القربان والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله.

وصرف شئ من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك ولا يقبل من العمل إلا ما كان خاصاً كما قال تعالى: {فأعبد الله مخلصاً له الدين (ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من كاذب كفار} (سورة الزمر آية 2 ، 3)

فاخبر سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصاً لوجهه وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى ويشفعوا لهم عنده وأخبر أنه لا يهدي من كاذب كفار فكذبهم في هذه الدعوى وكفرهم فقال: (إن الله لا يهدي من كاذب كفار)

وقال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ق أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (سورة يونس آية 18)

فأخبر أن من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: {قل لله الشفاعة جميعاً} (سورة الزمر آية 44)

ص: 128

فلا يشفع أحد إلا بإذنه كما قال تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (سورة البقرة آية 255)

وقال تعالى: {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً} (سورة طه آية 109)

وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: {ولا يشفعون إلا من ارتضى} (سورة الأنبياء آية 28)

وقال تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيها من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده غلا لمن ارتضى} (سورة سبأ آية 22 ، 23)

فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله تعالى كما قال تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} (سورة الجن آية 18)

وقال: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين} (سورة يونس آية 106)

فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء وصاحب المقام المحمود وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله وصفوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لا يشفع ابتداء بل: " يأتي

ص: 129

فيخر ساجداً فيحمده بمحامد يعلمه إياها ثم يقال ارفع رأسك ، وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع ثم يحد له حداً فيدخلهم الجنة " فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء.

وهذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من علماء المسلمين قد اجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على منهجهم.

وأما ما صدر من سؤال الأنبياء والأولياء بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها والسرج والصلاة عندها واتخاذها أعياداً وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان " وهو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد أعظم حماية وسد كل طرق يوصل إلى الشرك فنهى أن يجصص القبر وأن يبنى عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر ، وثبت فيه أيضاً أنه بعث على بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه ولا تمثالاً إلا طمسه ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القبب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم.

فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم وهو الذي ندعوا الناس إليه ونقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ممثلين لقوله سبحانه وتعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} (سورة الأنفال آية 39)

ص: 130

فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسلف والسنان كما قال: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز} (سورة الحديد آية 25)

وندعوا الناس إلى إقام الصلاة في الجماعات على الوجه المشروع وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج بيت الله الحرام ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر كما قال: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعرف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (سورة الحج آية 41)

فهذا الذي نعتقد وندين لله به فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له ما لنا وعليه ما علينا.

ونعتقد أيضاً أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين لسنته لا تجتمع على ضلالة وأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك وصلي الله على محمد (1)

(1) - اسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب: المجموع ج 8 ص 110 - 115 الرسائل الشخصية وانظر أيضاً الدار السنية.

ص: 131