الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده مستغلين الحزازات ضد الدعوة الجديدة التي جاءت لإصلاح العقائد وإعادة الناس إلى منزلة الإسلام الأولى التي سار عليها الصفوة الأولى من أمة الإسلام مدة ثلاثة قرون لم تعرف الدخائل ولا البدع اللهم إلا فرقاً عرفت بمباعدتها للإسلام حيث قوتلت في وقائع كثيرة ابتداء من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي جرد سيفه لقتالهم اتباعاً لمنهج الرسالة المحمدية التي حاد عنها أولئك الذين خرجوا عليه.
الاستعمار. . ومواجهة الدعوة:
-
كما هي عادة أعداء الإسلام لا يدخلون في المواجهة مع الإسلام لمعرفتهم بعدم الصمود لأن حججهم واهية ولكنهم يستغلون فئات من المنتمين للإسلام ليجعلوهم جسوراً يعبرون منها لمآربهم ويضعون باسم الشبهات حيث أدرك الصليبيون والحاقدون على الإسلام من واقع مجريات الأمور في الأندلس وفي أرض الشام وفي حروب الدولة العثمانية مع أوروبا وغير ذلك من المواقف العديدة أن الإسلام الصافي من الشوائب والحريص أبناؤه على نشر دين الله وتخليص الأمم الأخرى مما يخالفه هو عدوهم الأول فلا يستطيعون مجابهته لأنه المنتصر إذاً فلابد من تشويه صورته وتفرقة أبنائه وإثارة الفتن والقلاقل في بيئته.
أولاً: فالإنجليز مثلاً لمسوا آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في أعظم مكان يعتزون باستعماره والاستيلاء على خبراته عندما تلقفها الهنود على يد الداعية الإسلامي: أحمد بن عرفان الشهير بأحمد باريلي ، وأتباعه وفي حركات أخرى مثل " الفراتفيين وتيتومان " نزار علي (1) .
(1) - انظر انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية تأليف محمد كمال جمعة ص 63 - 87.
تلك الدعوات التي ناوأت القاديانية الكافرة التي أرادها الإنجليز واجهة إسلامية تحقق مآربهم وينضوي تحتها من لا يعرف من الإسلام إلا اسمه.
ويظهر انزعاج الإنجليز وحرصهم على القضاء على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي تمثل يقظة جديدة في الدين الإسلامي ودعوة إلى فهمه من مصادر الصافية: كتاب الله ، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أنهم بذلوا جهوداً وأموالاً في هذا السبيل وقد أبانت رحلة " سادلير" الضابط البريطاني وقائد الفوج 47 ومبعوث الحكومة البريطانية في الهند الذي قام برحلة شاقة من الهند إلى أن وصل الرياض ووقف على أطلال الدرعية التي هدمها إبراهيم باشا بناء على تخطيط اشترك في الإعداد له الإنجليز ليطمئن على تفتيت الحكومة الإسلامية التي تحركت في الجزيرة لإيقاظ المسلمين والقضاء على قاعدة الدعوة السلفية بنفسه لما أحدثته من خوف وقلق بداخل الحكومة الإنجليزية خوفاً على مصالحها وقد كان في رحلته هذه ضمن قافلة كبيرة أغلبها من الأتراك أبانت هذه الرحلة جانباً مهماً في التعاطف والحرص على القضاء على هذه الدعوة التي تمثل يقظة إسلامية توحد المسلمين كما أبانت عن حقد الإنجليز على الإسلام ذلك الحقد المخطط له من التبشير الكنسي الموجه بأفكار المستشرقين ودسائسهم.
فقد مر بالدرعية متشفياً في 13 أغسطس من عام 1819 م (1) ، وبعد أن ارتاحت نفسه شد الرحال لاحقاً بإبراهيم باشا حتى أدركه في آبار علي ، على مقربة من المدينة المنورة ليقدم له التهاني بهذا النصر مقرونة بهدايا حكومة الهند الشرقية (الحكومة البريطانية)(2) هذا من جانب ومن جانب
(1) - راجع رحلته ترجمة أنس الرفاعي وتحقيق سعود بن غانم العجمي ص 85 - 87 ، وص 96 - 99.
(2)
- نفس المصدر من ص 105 - 110 ، وص 156 - 159.
آخر حتى يطمئن الحكومة البريطانية على نتائج القضاء على قادة هذه الدعوة وهدم وتدمير قاعدة الملك فيها وذلك عام 1233 هـ لأن آثارها قد امتدت لمواطئ أقدام الإنجليز في ديار الإسلام في كل مكان.
وكان سادلير يكرر عبارات التشفي والارتياح للقضاء على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مثل قوله " مع سقوط الدرعية وخروج عبد الله عنها يبدو أن جذور الوهابيين قد انطفأت فقد عرفت من كل البدو الذين قابلتهم في نجد أنهم سنيون وأنهم يداومون على الصلاة المفروضة حتى في السفر الطويل وتحت أقسى الظروف "(1) .
ثم من باب التفرقة أيضاً في داخل البلد الواحد يقول " إن البدو لم يثبتوا على الوهابية إلا مرغمين وذلك حين كانت الدعوة قوية وسهلت لهم سبل النهب "(2) .
مع أن الدولة السعودية منذ أن قامت على ركيزة الدعوة إلى الله مع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في عام 1158 هـ كانت تحكم شرع الله وتقطع يد السارق فأمنت الطرق لأن أول ما حاربته النهب والاعتداء على الناس أو أخذ أموالهم.
وهذا وغيره من كلامه فيه تناقض وتشويه للحقيقة وخداع للناس بما يعطي من معلومات لأسباب جاءت في كتابه عندما تحدث عن قوة القواسم البحرية في الخليج والبحر العربي حتى وصلوا إلى بومباي في الهند وهاجموا سفناً عديدة لحكومة الهند الشرقية وسفناً حربية إنجليزية ، والقواسم ممن أيد الدعوة السلفية فهم يعاضدونهم لأن مبادئ الدعوة السلفية تحض على
(1) - نفس المصدر السابق ص 149.
(2)
- انظر كتاب هذا ص 151 - 153 ، وص 148.
مقاومة السلطان الأجنبي لأنهم كفار لا يحق لهم بسط النفوذ على ديار الإسلام.
ولأن ولاية الكافر لا تجوز على المسلم فالمسلمون يجب أن يلوا أمورهم بأنفسهم ليحكموا شرع الله في بلادهم.
وقد تحدث سادلير في كتابه هذا كثيراً عن هذا الموضوع الذي أرق بريطانيا فتحدث مع إبراهيم باشا وحمل كتاباً من الإنجليز له بطلب التحالف ضد القواسم وعن دور بريطانيا في شرق الجزيرة العربية لمناوأة كل من يؤيد الدعوة السلفية التي أيقظت همة الناس وفتحت مغاليق أفكارهم وحركتهم من سبات عميق.
وقد ظهرت همومه وسمومه ضد الإسلام والمسلمين في مواقف:
1) بث العداء بين أهل اليمن ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كقوله ك وقد سقط آخر زعيم يمني وهابي خلال إقامة هذا الباشا - يعني خليل ياشا - وهذا الزعيم هو محمود ين محمد ، والذي جئ به مكبلاً بالأغلال إلى حبك ومن هناك أرسل بسفينة إلى مصر
…
إلى آخر حديثه عن اليمن (1) ومثل هذا ما هو إلا محاولة للتفرقة بين أبناء الأمة الواحدة كما قال عن عُمَان وأبناء الجزيرة العربية كلاماً يدعوا للفرقة بين أبناء الجزيرة جميعاً يربطهم الإسلام ويجمع شملهم مصدراً التشريع فيه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم (2) .
2) وصفه التساهل الديني بالتقدم الحضاري والمحافظة على شعائر الإسلام بالتناقض مع متطلبات النفس في مثل قوله: يصف بدو نجد: وهم
(1) - انظر كتاب هذا ص 108.
(2)
- انظر رحلته هذه: رحلة عبر الجزيرة العربية ص 149.
حريصين جداً على عباداتهم ولا يهملون أياً من الصلوات المفروضة مهما كان المسير طويلاً في أسفارهم وتحت أشق أنواع الحرمان والعوز ويظهر التناقض الغريب عنده بمقارنة هؤلاء البدو مع الأتراك الذين يتسمون بثقافة روحية أكثر لكنهم لا يسمحون للدين أو للصلوات أن تتعارض مع راحتهم واطمئنانهم أبداً (1) .
3) محاولة الحط من قدر أهل المدينة المنورة ووصفهم بنعوت كثيرة كالشحاذين والجشع وأن من حقهم - اعتقاداً - أن يكونوا متغطرسين وأنهم يعيشون على صداقات الحجاج إلى غير هذا مما ينبئ عن جذور صليبية. (2) .
4) لكن الأغرب من ذلك أن يقول سادلير عن إبراهيم باشا:
أبأنه تناول معه الطعام على الطريقة الإنجليزية وأنه تحدث معه عن رحلته وأعطاه الهدايا البريطانية والخطابات قبل دخوله المدينة للسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم وقدم له الشاي والدخان والسعوط والغلايين وفنجان القهوة يقدم في صحن مرصع بالألماس (3) .
ب أنه ليس إلا ولد متبنى لمحمد علي وعندما ترعرع أمضى سنة كرهينة في استنبول ويقال أن إبراهيم باشا ولد بعد شهور قلائل من زواج والديه لكنه كان مفرطاً في إدمانه على الخمر وجلفاً مع المستخدمين عنده (4) .
(1) - انظر رحلته هذه ص 116 - 118.
(2)
- انظر رحلته هذه ص 105 ، ص 106 ، ص 109 ، ص 110.
(3)
- نفس المصدر ص 137 وانظر بالتفصيل من ص 137 إلى ص 143
(4)
- نفس المصدر ص 137 وانظر بالتفصيل من ص 137 إلى ص 143.
ت وفي موطن آخر يقول: وكان يشرف على خدمة بعض المماليك فقط ولدى دخوله أرض (محمد) المقدسة صمم سعادته على اعتزال اللهو والمسكرات فأهدر كل ما كان مختزناً عنده منها مما أتى به من القاهرة وكان ذلك قبل انطلاقه نحو المدينة (1) .
ثانياً: والفرنسيون أيضاً لهم دور فقد أحسوا باهتمام الشمال الإفريقي بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحرصهم عليها في مثل:
1) اهتمام سيدي محمد بن عبد الله العلوي ، سلطان المغرب الأقصى بها حيث قام بمحاربة البدع والانحراف كما كان يحارب تشعب الطرق الصوفية ويدعوا إلى العودة إلى الاجتهاد وإلى السنة (2) إلى جانب حرصه الشديد وحرص الدولة العلوية منذ أن قامت على محاربة النصارى وفي تعاطفهم مع الدعوة السلفية قوة تمتد إلى نفوذ الفرنسيين.
هذا السلطان هو الذي وصفه المؤرخ الفرنسي شارلي جوليان بقوله: وكان سيدي محمد وهو التقي الورع على علم بواسطة الحجيج بانتشار الحركة الوهابية في الجزيرة العربية وتأييد عائلة آل سعود لها وقد أعجب بعباراتها وكان يؤثر عنه قوله " أنا مالكي المذهب وهابي العقيدة وقد ذهبت به حماسته الدينية إلى الإذن بإتلاف الكتب المتساهلة في الدين والمحللة لمذهب الأشعرية وتهديم بعض الزوايا (3) .
2) كما أنه في عام 1226 هـ حج جماعة من المغاربة صحبة المولى
(1) - انظر كتاب انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 235 تأليف محمد جمعه كمال نشرته الدارة.
(2)
- نفس المصدر السابق ص 150.
(3)
- انظر كتابه: تاريخ أفريقيا الشمالية ج 2 ص 311.
إبراهيم بن السلطان المولى سليمان سلطان المغرب ونقل عنهم صاحب كتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى: أنهم ما رأوا من ابن سعود ما يخالف ما عرفوه من ظاهرة الشريعة وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه مآبه الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام ونهي عن المنكر وتنقية الحرمين من الآثام (1) .
3) رسالة بعث بها الإمام سعود بن عبد العزيز لأهل تونس يشرح فيها حقيقة التوحيد وأصول الدين وهي رسالة طويلة تقع في ثلاث صفحات مطبوعة كما جاءت في صحيفة ألمانية ضمن مقال طويل باللغة الألمانية لأحد المستشرقين عن الوهابية في المغرب أما الرسالة فقد كتبت باللغة العربية (2) .
4) والسلطان سليمان بن محمد بن عبد الله الذي بويع في فاس عام 1226 هـ كان معاصراً للإمام عبد الله ابن سعود ووالده الإمام سعود بن عبد العزيز الذي دخل مكة عام 1217 هـ ، الموافق لعام 1802 م أراد أن يتحقق من ابن سعود وما يدعوا إليه فأرسل ابنه المولى إبراهيم في جماعة من علماء المغرب وأعيانه ومعه جواب من والده فوصلوا إلى الحجاز وقضوا المناسك وزاروا الروضة الشريفة كل هذا على ألمن والأمان والبر والإحسان ويقول في هذا الشيخ أحمد الناصري صاحب كتاب الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى من ص 119 إلى ص 123: حدثنا جماعة وافرة من حج المولى إبراهيم في تلك السنة أنهم ما رأوا من ذلك السلطان - يعني ابن سعود - ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة وإنما شاهدوا منه ومن
(1) - انظر هذا الكتاب التاريخي في أحداث عام 1226 هـ.
(2)
- انظر صحيفة اسلاميكا ISLAMIGA وهي دورية ألمانية كما علق على الرسالة الكاتب بتشويه الدعوة بخلاف ما جاء في الرسالة وهذا غير مستغرب من المستشرقين - العدد الأول المجلد السابع عام 1935 م ص 72 وما بعدها.
أتباعه غاية الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام ونهي عن المنكر الحرام وتنقية الحرمين الشريفين من القاذورات والآثام التي كانت تفعل بع من غير نكير وأنه لما اجتمع بالشريف المولى إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب آل البيت الكريم وجلس معه كجلوس أحد أصحابه وحاشيته وكان الذي تولى الكلام معه الفقيه القاضي أبو إسحاق إبراهيم الزرعي فكان من جملة ما قال ابن سعود لهم: إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية فأي شئ رأيتمونا خالفنا من السنة وأي شئ سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا؟ فقال له القاضي: بلغنا أنكم تقولون بالاستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوى. فقال له: معاذ الله إنما نقول كما قال الإمام مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب فهل في هذا مخالفة؟ قالوا: لا وبمثل هذا نقول أيضاً.
ثم قال له القاضي: وبلغنا عنكم أنكم تقولون بعدم حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتعد ورفع صوته بالصلاة عليه. وقال: معاذ الله إنما نقول: إنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره وكذا غيره من الأنبياء حياة فوق حياة الشهداء.
وفي نهاية ذلك الحديث قال المؤلف: وأقول إن السلطان المولى سليمان رحمه الله كان يرى شيئاً من ذلك ولجله كتب رسالته المشهورة التي تكلم فيها عن حال متفقرة الوقت وحذر فيها رضي الله عنه من الخروج عن السنة والتغالي في البدعة وبين فيها آداب زيارة الأولياء وحذر من غلو العوام في ذلك وأغلظ فيها مبالغة في النصح للمسلمين جزاه الله خيراً (1) .
(1) - انظر انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لمحمد كمال جمعه ص 235 - 237 ، وانظر الاستقصاء للناصري أيضاً ج 8 ص 120 / 122.
وينقل الأستاذ محمد كمال جمعه عن دائرة المعارف الإسلامية بأن المولى سليمان قد تأثر بعد عام 1810 م بالوهابية أو على الأصح بالدعوة السلفية التي قام بها السيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مما جعله يتخذ موقفاً صارماً ضد المربوطية وهو اللقب الذي كان يطلق في المغرب على الصوفيين (1) .
5) كما ينقل عن الدكتور عباس الجراري في محاصرة ألقاها في عام 1399 هـ بجامعة الرياض بأن هذا التيار السلفي في المغرب قد ظهر مرة أخرى في بداية القرن الرابع عشر الهجري حين وجه السلطان الحسن الأول سنة 1300 هـ رسالة إلى الشعب المغربي (2) .
6) وقد تحث أحمد بن حجر عن الحركة السنوسية التي أسسها محمد بن علي السنوسي في الجزائر وأنه تأثر بها عندما كان يطلب العلم في مكة وقت استيلاء آل سعود عليها وقد ابتدأ حركته الإصلاحية في الجزائر على ضوء تعاليم الإصلاح الديني الإسلامي الذي أضرم نارها في الجزيرة العربية محمد بن عبد الوهاب (3) .
ثالثاً وفي مصر: يلمس من يقرأ تاريخ عبد الرحمن الجبرتي المتوفى عام 1237 هـ المسمى عجائب الآثار في التراجم والأخبار في مثل قوله: ولغط الناس في خبر الوهابي واختلفوا فيه فمنهم من يجعله خارجياً ومنهم من يقول بخلاف ذلك لخلو عرضه. ثم أورد رسالة من رسائل الإمام سعود التي أرسل لشيخ الركب المغربي تتضمن دعوته وعقيدته وقد بين في تلك الرسالة أمور الدين مجملة وعرض لبيان الشفاعة وفتنة وتعظيم القبور
(1) - نفس المصدر ص 237.
(2)
- انظر المصدر السابق ص 237 - 238 وفيه تفصيل أكثر والاستقصاء لأخبار المغرب الأقصى ص 119 - 123 ج 8.
(3)
- انظر كتاب محمد بن عبد الوهاب ص 106 - 107.
والنذور - أي للمقبورين - والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتخاذ الوسائط عند الله وأعقب ذلك بقوله: وعلى هذا أقول إن كان كذلك فهذا ما ندين لله به نحن أيضاً وهو خلاصة لباب التوحيد وما علينا من المارقين والمتعصبين وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه " إغاثة اللهفان " والحافظ المقريزي في " تجريد التوحيد " والإمام اليوسي في " شرح الكبرى " وذكر كتباً أخرى - كلها تدافع عن حقيقة التوحيد الصافي النقي الذي صلب دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1) .
ومن جانب آخر ذكر الجبرتي مطامع الإنجليز في الشمال الإفريقي المسلم عندما ذكر قصة الإنجليز مع أهل الجزائر لأن لهم صولة واستعداداً ويغزون مراكب الإفرنج ويغنمون منهم مغانم ويأخذون منهم أسرى وتحت أيديهم أسرى كثير من الإنجليز وغيرهم فقد جاء الإنجليز بمراكبهم ومعهم مرسوم من السلطان العثماني ليفتدوا أسراهم بمال فأعطاهم أهل الجزائر ما يزيد عن الألف أسير ودفعوا عن كل أسير مائة وخمسين ريالاً فرنسياً ورجعوا من حيث أتوا إلا أنهم بعد مدة رجعوا وبأيديهم مرسوم آخر يطلبون باقي الأسرى فامتنع حاكم الجزائر من ذلك وترددوا في المخاطبات وفي هذه الأثناء وصلت مراكب فأثاروا الحرب والضرب بطرائقهم المستحدثة فأحرقوا مراكب أهل الجزائر وقد أمد سلطان المغرب مولاي سليمان أهل الجزائر وبعث لهم مراكب عوضاً عن الذي تلف (2) .
(1) - انظر كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج 3 ص 269 - 282 آخر حوادث صفر سنة 1218 هـ.
(2)
- انظر عجائب الآثار للجبرتي ج 4 ص 276 - 277 وفيه تفصيل أكثر مما أوردنا.
رابعاً: الإيطاليون: أقلقهم ما قام به محمد بن علي السنوسي المولود في الجزائر عام 1202 هـ من دعوة إصلاحية في ليبيا لإعادة الإسلام إلى صفائه ووضعه الصحيح في النفوس تطبيقاً وعملاً والوقوف ضد الإيطاليين الوافدين الذين لا يهمهم إلا استغلال خيرات البلاد والتفريق بين المسلمين (1) .
كما أقلقهم تأثر الحجاج الصوماليون بها وامتدادها إلى القرن الإفريقي لقربهم من الجزيرة العربية وتأثر الحجاج المغاربة بها حيث نقلوا آثارها لبلادهم فقام فيهم مصلحون مجددون.
خامساً: والهولنديون حركهم ما لمسوه من اهتمام جديد من المسلمين الذين استولوا على ديارهم ويظهر ذلك واضحاً بالحرص على الولاء لعقيدة الإسلام في جزيرة سومطرة وجاوة وسولو بإندونيسيا مما وفد لتلك الديار مع الحجاج المتأثرين بما يجب أن ينقى به المجتمع الإسلامي وتصفى من شوائبه شعائر الإسلام بعد أن درس هؤلاء الحجاج دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية التجديدية واهتموا بها بعد أن اطمأنوا على سلامة منهجها في إصلاح العقيدة المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ولما فيها من صفاء الدعوة وسلامة الاتجاه والبعد عن الهوى وأنها لم تأت لمآرب ذاتية.
فلذا نقلوا بقناعة لبلادهم حيث قامت دعوات متعددة مثل:
الجمعية المحمدية في جاكرتا التي بدأت الدعوة بنبذ الشوائب والخرافات التي أدخلت على تعاليم الإسلام مما وقف حائلاً دون اتساع دعوة المستعمرين في تبني فئات إسلامية أو محسوبة على الإسلام تشجع الخرافة
(1) - انظر تاريخ أفريقيا الشمالية ج 2 ص 220.
وتنمي البدع في المجتمع الإسلامي مما يستفيد منه المستعمر بتغذية الطائفية وتذكية الفتن على مبدأ الاستعمار: فرق تسد.
ولقد بدأ هذا التأثر من عام 1803 م الموافق لعام 1218 هـ عندما قامت حركة ضد الهولنديين استمرت 16 عاماً تغلبت فيها قوى الاستعمار على السلفيين الموحدين المتأثرين بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1) .
هذا إلى جانب دول إسلامية عديدة انتقلت إليهم آثار الدعوة مع الحجاج الذين أعجبوا بها لما فيها من تخليص الإسلام من الشوائب التي أدخلت عليه وتخليص البلاد من المستعمر الجاثم عليها والحريص على إفساد عقيدة أهلها بما يشيعه من أعمال وما يتيحه من فرص للفساد والإفساد ولما يدعوا إليه المبشرون من رغبة في تحويل المسلمين إلى النصرانية وما يبثه الملحدون وأصحاب النزعات الأخرى من دعوة لترد المسلمين عن دينهم ومحاولة لإبعادهم عن صفائه ونقاوته التي تخاطب العقول المستنيرة.
لذا كثرت الأصوات المستجيبة في كل مكان كالسودان ومصر والشام واليمن وأفغانستان وجزر الهند الشرقية ونيجيريا وبلاد الهوسا وبرنو وبلاد التكرور وغيرها مما ذكره كل من درس حياة الشيخ وأثرها في بلاد الشام لأنها أيقظت الهمم وحركت الناس من سباتهم وأوجدت يقظة فكرية ورغبة واسعة في إصلاح المجتمع الإسلامي بالدين السليم كما قال بذلك الإمام مالك رحمه الله مما زلزل أقدام المستعمرين وحرك مشاعرهم ضد هذه الدعوة والمعتنقين لمبادئها.
(1) - انظر كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأحمد بن حجر ص 106.