الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوهابية أو الوهبية. . من هم
؟ ! : -
في القرن الثاني الهجري وعلى يد عبد الوهاب بن رستم انتشرت في الشمال الإفريقي فرقة الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب هذا وهي فرقة متفرعة عن ألوهية الفرقة الإباضية الخارجية نسبة إلى مؤسسها الأصلي عبد الله بن وهب الراسبي وبعضهم يسميها الراسبية.
ولما كان أهل السنة بالمغرب كله يناوؤنها لأنها تخالفهم في هذا المعتقد وقد كفرهم كثير من علمائهم كما نلمس في فتاواهم القديمة.
ومن هنا أحببت التوثق من المصادر المهتمة بهذا ولذا فقد رجعت لترجمة حياة علي بن محمد اللخمي وهو الذي وجه إليه السؤال فإذا هو قد توفي عام 478 هـ وأنه فقيه مالكي قيرواني الأصل توفى بسفاقس (1) .
أما المؤلف أحمد بن يحيى الونشريسي فقد جاء على غلاف كل جزء من أجزاء المعيار - طرته - وتحت اسمه بأنه توفي بفاس عام 914 هـ.
ولما كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهو صاحب الدعوة السلفية التصحيحية في نجد لم يكن قد ولد بعد حيث إن ولادته عام 1115 هـ بالعينية وبدأ الدعوة مع الإمام محمد سعود بالدرعية منذ عام 1158 هـ.
وعلى هذا فإن هذا الجواب الذي ترتب عن السؤال قد سبق ولادته بأكثر من ستمائة عام بالنسبة لوفاة المجيب وهو اللخمي وأكثر من مائتي عام بالنسبة لوفاة المؤلف الونشريسي.
وكلا الأمرين يحدثان لبساً لدى من يريد المقارنة ووضع الأمور في نصابها.
(1) - انظر الحلل السندسية ص 143 والأعلام للزركلي ج 5 ص 148.
وهذا الأمر دفعني للبحث تأريخياً في كتب المغرب عن أصل ذلك المذهب ومتى وجد لأن في الأمر لبساً لابد من جلائه أما بمعرفة المقصود أو أن زيادة قد حصل في الكتاب لم يكن للمجيب والمؤلف ضلع فيها.
خاصة وأن هذا السؤال وجوابه قد جاء في كلام الونشريسي مرة باسم الوهبية وأخرى بالوهابية ولم يعلق الناشر أو المحقق عليه بشيء مما يجعلني أعتقد أن كثيراً من كتب المغاربة وخاصة منها ما يتعلق بالعقائد قد تعرض لمثل هذا بشيء من التوضيح في أماكن متفرقة.
ومن باب ربط الحوادث التاريخية بمصادرها وإشراك القارئ في قراءة ورصد ما تحفل به المصادر فإن الموضوع يحتاج إلى مراجعة تاريخية متفحصة لكي نعرف ما يحاول دسه أعداء الإسلام في تاريخ أمة الإسلام للتنفير من كل عمل تصحيحي عقدي في المجتمع الإسلامي لأنهم يعرفون حقيقة الإسلام وما يضفيه على أبنائه إذا ساروا على منهجه الصحيح جيداً وما يعود على الأمة من ألفة ومحبة وترابط ولا تستطيع معه قوى الشر أن تنفذ لديار الإسلام أو تجد بين أبناء المسلمين مستقراً أخذاً من حديث رسول الله لى الله عليه وسلم الذي قال فيه: " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي وذكر منهن " ونصرت بالرعب مسيرة شهر " (1) .
فلابد أن يجدوا منفذاً في ديار الإسلام للاستفادة من خيراتهم بالتركيز على كلمتهم المعهودة: فرق تسد. فسيادة أعداء الإسلام في ديار الإسلام وتمكنهم من التصرف في أمورهم واستثمار خيرات بلادهم والتسلط عليهم فكرياً كل هذا لا يتم إلا ببث الفرقة وإيجاد مسببات الشحناء ة وبذور الكراهية بين الأفراد والجماعات.
(1) - متفق عليه.
وأعداء الإسلام كالشيطان الذي يسترق السمع فإذا وجد كلمة بنى عليها كذبات كثيرة لإفساد ذات البين وبلبلة الأفكار.
واستنتج هذا من بعض النصوص التاريخية والوقائع الزمنية التي وقع نظري على جزء منها تراءى أمامي أثناء البحث ما يلي عن الفرقة الوهابية التي بشمال أفريقيا:
1) جاء في كتاب المعرب الكبير الجزء الثاني: العصر العباسي للدكتور السيد عبد العزيز سالم أن عبد الرحمن بن رستم الذي أسس الدولة الرستمية في مدينة تاهرت بالمغرب. عندما أحس بدنوا أجله في 171 هـ أوصى بالأمر لسبعة من خيرة رجال الدولة الرستمية ومن بينهم ابنه عبد الوهاب ويزيد بن فنديك وقد بويع عبد الوهاب مما ترتب عليه نشوء خلاف بينه وبين ابن فنديك.
وقد انقسمت الإباضية - التي هي ديانة ابن رستم ومن معه حيث نقلها من المشرق إلى المغرب - إلى فرقتين: الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن ابن رستم ، والنكارية ، ودارت بيت الطرفين معارك ومقاتل تنهزم فيها النكارية إلى أن قتل زعيمها ابن قنديره وفي حالة ضعف من النكارية انضم إليهم الواصلية المعتزلة.
وقد عزم عبد الوهاب هذا على الحج في آخر حياته إلا أن أتباعه نصحوه بالبقاء في " نفوسة " خوفاً عليه من العباسيين.
وتوفي عبد الوهاب هذا الذي يعتبر مؤسس للدولة الرستمية ذات الاتساع في شمال إفريقيا عام 211 هـ (1) .
(1) - انظر هذا الكتاب ج 2 ص 551 إلى ص 557 طباعة دار النهضة العربية بيروت وفيه معلومات أشمل عن عبد الوهاب هذا ودولته.
2) أما المؤلف الفرنسي شارلي أندري فقد تحدث في كتابه " تاريخ أفريقيا الشمالية " تعريب محمد مزالي ، والبشير بن سلامه عن مالك الخوارج ومن ضمنها مملكة تاهرت التي هي الدولة الرستيمة وقد أفاض في حديثه عن معتقداتها واتساعها ومعالمها الحضارية وتسميتها بالوهابية نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الذي خالف أهل ملته كما أبان بأنها تخالف أهل السنة في المعتقد (1) .
3) كما تحدث الفردبل في كتابه " الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي " من الفتح العربي حتى اليوم وقد ترجم هذا الكتاب عن الفرنسية عبد الرحمن بدوي في عدة مواضع وقال بأن الخوارج الوهبيين الذين سموا نسبة إلى عبد الله وهب الراسبي الذي قاتله الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النهروان هم خوارج أباضية.
وعن انقسامهم أيضاً حيث قال: أباضية المغرب في تاهرت منهم وهم الذين كانت دولتهم الرستمية وكانوا أشد الفرق تعصباً.
ثم قال عن أتباع عبد الوهاب بن رستم هذا الذي سميت فرقته بالوهابية نسبة إليه لما أحدثه في المذهب من تغيرات ومعتقدات: بأنهم أشد الأباضية تقوى وكانوا يكرهون الشيعة قدر كراهيتهم لأهل السنة (2) .
والزركلي في الأعلام أخذ خلاصة من عشرة كتب تعرضت لسيرة الأباضية والدولة الرستمية في تيهرت بالجزائر ومما جاء في كلامه عنه بأن عبد الوهاب هذا ثاني الأئمة الرستميين من الأباضية فارسي الأصل كان مرشحاً للإمامة في حياة أبيه وجعلها أبوه شورى فوليها بعد وفاته بنحو شهر
(1) - راجع الجزء الثاني من هذا الكتاب من ص 40 إلى ص 0 ومواطن أخرى.
(2)
- انظر ص 150، ومن ص 140 إلى ص 152 من هذا الكتاب.
سنة 171 هـ واجتمع له من أمر الإباضية وغيرهم مالم يجتمع مثله لزعيم إباضي قبله وكان فقيهاً عالماً شجاعاً يباشر الحروب بنفسه وله مواقف كثيرة مذكورة واستمر إلى أن توفى وفي تاريخ وفاته خلاف والزركلي يرجح أن وفاته 190 هـ (1) .
ومن هذه النبذة الصغيرة نستدل على أن هذه الفرقة قد رصد عنها أشياء كثيرة ليس من الفرنسيين وحدهم - بل من أبناء البلاد أيضاً منه جرى الاطلاع عليه وأكثره لم نطلع عليه.
لأن عبد الوهاب الرستمي هذا قد جعل من تاهرت مركزاً فكرياً وفتح باب الجدل مع علماء السنة ثم الشيعة التي قامت دولتهم في نهاية القرن الثالث الهجري باسم الدولة الفاطمية حيث قضى عبد الله الشيعي في عام 296 هـ على الرستمية (2) .
مما تتبلور عنه تفنيد معتقدات الرستميين التي تختلف مع ما يراه أهل السنة والجماعة وثبتت به الأحاديث الصحيحة.
وهذا الحوار هو الذي تفتق عنه جذور عميقة عند علماء وفقهاء المغرب وحول هذه الفرقة ومعتقداتها.
وقد استغل المستعمرون وأصحاب المصالح تلك الجذور في إذكاء العداوة بين أبناء المسلمين فيما بعد فألبسوا الثوب القديم بما فيه عيوب وما عليه من مثالب لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ودعوته الإصلاحية السلفية كما ألبسوا هذا الثوب لكل دعوة تدعوا إلى نقاوة الإسلام والإقتداء بالمسيرة الأولى في تبليغ دين الله الحق منذ قام بها رسول
(1) - راجع الأعلام ج 4 ص 333 - 433 ومن هامشه يتضح مراجعة لمن يرغب الإستزاده.
(2)
- انظر البيان المغرب في أخبار الأندلس والمعرب ج 1 ص 197 وفيه سمي عبد الوهاب عبد الوارث.