المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

العلم ثم العمل المتواصل لكسب المعيشة فكان تلاميذ الشيخ يوزعون - تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية

[محمد بن سعد الشويعر]

الفصل: العلم ثم العمل المتواصل لكسب المعيشة فكان تلاميذ الشيخ يوزعون

العلم ثم العمل المتواصل لكسب المعيشة فكان تلاميذ الشيخ يوزعون أوقاتهم بين العلم والعمل.

من بعد صلاة الفجر حتى ارتفاع الشمس للعلم ثم يتجهون لأعمالهم وفلايحهم حتى الظهر ليرتاحوا العمل من العصر حتى المغرب إلى العشاء جلسات علم واهتمام بالبحث عن المعرفة في الحلقات والنقاش.

‌شبهات الخصوم:

-

وهذا مما دفع أيضاً بعض الأشخاص ممن تعارضت مصلحته الدنيوية مع دعوة الشيخ على مخالفة الشيخ ومحاولة التشهير به كذباً وافتراء وأغلبهم من بني قومه فألصقوا بالشيخ ودعوته أشياء كثيرة طفق جاهاً في رسائله العديدة إلى التبرئ منها والدفاع عن سلامة المعتقد الذي ينادي به وأنه لم يخرج عن الكتاب والسنة وسوف يكون لنا مع بعض أولئك وقفة خاطفة ترشد طالب الحقيقة إلى بعض مواطن الداء.

وإن من يقرأ ما كتبه خصوم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عنها من افتراءات وأكاذيب فإنه لا شك سيلمس أن جميع ما أوردوه من شبهات وما اختلقوه من مجادلات لا أصل لها في أي مصنف مما كتبه رحمه الله بل إن رسائله العديدة التي ملأت سفراً كاملاً ورسائل وردود أولاده وأحفاده وتلاميذه من بعده وهي كثيرة وعديدة كلها كانت تنفي تلك الأقاويل وتتبرأ منها بأيمان صادقة ومثل هذه الرسائل والردود التي يجدها المتتبع لمسيرة هذه الدعوة والمنافحين عنها النافين للشبهات المطروحة من دون أصل ثابت منذ اقترانه بالعمل الجهادي السياسي وحتى اليوم.

ص: 82

إننا عندما نعود إلى أصل تلك الشبهات فإننا سنراها لا تخرج عن:

1-

شبهات ذات جذور في الفرق السابقة ألصقوها بالشيخ محمد بن عبد الوهاب مع أن له رأياً فيها هو رأي أهل السنة والجماعة حيث ينكر خروجها عن الصف الإسلامي كما أنكرها قبله شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في الشام والإمام الشاطبي في المغرب والعز بن عبد السلام في مصر سنة 660 هـ.

2-

وإما أشياء مختلقة لا أساس لها من الصحة ولم ترد في أصل مما نقل عن نصوص ومؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا في مؤلفات تلاميذه وأبنائه.

والمختلق لا حدود له وفيه تمويه على القارئ والسامع فقد أبانت رسائل الشيخ ضد هذا الشيء الكثير كما مر بنا في مقتطفات من أربع رسائل بعثها للآفاق (1) البراءة من كل ما نسب إليه وأنه محض افتراء لا أصل له عنده قولاً أو عقيدة خذ مثلاً قوله في إحدى رسائله لأهل القصيم وقد جاء فيها:

ثم لا يخفى عليكم أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم (2) قد وصلت إليكم وأنه قبلها وصدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم والله يعلم أن الرجل افترى على أموراً لم أقلها ولم يأت أكثرها على بالي.

فمنها قوله: أني مبطل كتب المذاهب الأربعة وإني أقول إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شئ وإني أدعي الاجتهاد وإني خارج عن التقليد وإني أقول إن اختلاف العلماء نقمه وإني أكفر من يتوسل بالصالحين وإني

(1) - من حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة وعروة.

(2)

- انظر ص 75 - 77 من هذا الكتاب وأصول هذه الرسائل في الهوامش.

ص: 83

أكفر البوصيري لقوله: يا اكرم الخلق وو إني أقول لو أقدر على هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتها ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت له ميزاباً من خشب وإني أحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلمو إني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما وإني أكفر من حلف بغير الله وإني أكفر ابن الفارض وابن عربي وإني أحرق دلائل الخيرات وروض الرياحين وأسميته روض الشياطين جوابي عن هذه المسائل أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم وقبله من بهت محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى ابن مريم ويسب الصالحين فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور (1) .

3-

ويدخل في هاتين الحالتين ظهور عجز من جادلوا أتباع الشيخ وأفحموهم ومن باب الرغبة في تغطية هذا العجز بدأوا ينالون من الشيخ ودعوته وهذا من باب التلبيس على الناس ذلك أنهم لو قالوا الحقيقة التي دارت في النقاش لانتهت مكانتهم ومصالحهم ولذا لم يبق أمامهم إلا قلب الحقيقة وتمويه النتيجة لأن ما جرى لم ينشر على الملأ.

4-

وإما كلام مبتور من أصل كلامه رحمه الله أو أقول مؤول على غير معناه مثل من يقرأ " ويل للمصلين " ويسكت عن إكمال الآية.

ويدخل في هذا قولهم: إن أتباع محمد بن عبد الوهاب ينكرون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وينكرون رسالته مما لا يصدقه عاقل متبصر.

ولا أستبعد أن يكون جميع من كتب متهجماً على الشيخ محمد ودعوته بأنه لم يقرأ واحداً من كتبه سواء في التوحيد والعقيدة أو الفقه والأحكام أو التفسير والسيرة النبوية بل إنه لم يناقش رأياً مما قال وإنما حركتهم

(1) - واحد من أهل الرياض ناوأ الدعوة وخاصمها وصار يكتب في الآفاق يختلق ما لم يقله الشيخ.

ص: 84

المصالح الدنيوية وأعماهم الهوى حيث وجدوها فرصة عاجله لأخذ عيوب الوهابية الرستمية ، الخارجية الأباضية التي قال فيها علماء الإسلام ما قالوا ودار حولها في المغرب نقاش طويل وردود ومجادلات وتناولها علماء المغرب والأندلس في كتبهم بالردود والقدح كثيراً لإلصاق تلك العيوب بالدعوة الجديدة بادئ ذي بدء.

وقد استغل الخصوم قرابة في الاسم فطابقوا اللقب في الحالين وأطلقوا الأول على الثاني وأعطوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب اصطلاحاً جديداً هو اسم لجذور عميقة في نفوس المسلمين في شمال أفريقيا بصفة خاصة وهو "الوهبية أو الوهابية " فوجدوا هذا ثوباً جاهزاً ألبسوه دعوة الشيخ محمد للتنفير منها حيث أبرزوا عيوب السابقة والصقوها بدعوة الشيخ محمد.

والمغاربة ممن شهد لهم التاريخ بدور إيجابي في الوقوف ضد الدعوات المناهضة لأهل السنة: مع عبد الوهاب بن رستم هذا ثم مع الفاطميين العبيديين وغيرهم ثم بمناهضة المستعمر في بلادهم والوقوف ضد مطامعه.

فألبس أعداء الإسلام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية ثوباً مستعاراً من باب التنفير خوفاً من عودة المسلمين إلى المنهج المحمدي وبساطته واستمالة لقلوب المسلمين الذين ملوا الفرقة وأضناهم الخلاف فيكون في ذلك سبب لاتفاق الكلمة ونبذ الخلافات التي ينفذ منها الأعداء.

لاسيما وأن صدوراً في العالم الإسلامي وخاصة في شمال أفريقيا قد انفتحت لهذه الدعوة واستجاب لها أصحابها لأنها بغية كل مسلم كما مر بنا نماذج من ذلك.

ص: 85

فأقض ذلك مضاجع أصحاب المصالح وأرباب الأهواء والبدع وتعاموا عن الحقيقة حيث بذلوا جهوداً مضنية لطمسها وإلهاء الناس عنها وعن تتبع مصادرها بحثاُ واستقصاء.

ويتضح مثل ذلك في كتابة الباحثين الغربيين والمستشرقين من فرنسيين وإيطاليين وإنجليز وألمان عن الإسلام والمسلمين في شمال إفريقيا على وجه الخصوص وفي كل مكان بوجه عام وخاصة عند تعرضهم لليقظة الفكرية الجديدة في تاريخ الإسلام التي ترتبط دائماً ومن الدراسات المنصفة بقيام السيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته وامتدادها للعالم الإسلامي لأنها جاءت في وقت الظلمة والجهل.

ففي الوقت الذي بدأ المسلمون يعون حقيقة الدعوة السلفية التي جددها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأعادت للمسلمين يقظة فكرية عقدية في المنهج الإسلامي الصحيح والعقيدة الصافية السليمة لأنها لم تخرج بالإسلام عن نقاوته الأولى حيث سلك في هذا الدرب منحى المصلحين في تاريخ الإسلام المجددين لمنهج السلف الصالح كلما اندثر كابن تيمية أحمد بن عبد الحليم المتوفى بالشام عام 728 هـ وابن قيم الجوزية المتوفى بدمشق عام 751 هـ والشاطبي المتوفى بغرناطة بالأندلس عام 790 هـ والعز بن عبد السلام المتوفى بمصر وغيرهم كثير من علماء السلف.

كما تحدث عن ذلك كثير من العارفين والمفكرين العرب والمسلمين وغيرهم. وقد أورد الأستاذ عبد الله بن سعد بن رويشد في كتابه الإمام محمد بن عبد الوهاب في التاريخ: حدود أربعين رأياً تشيد بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودورها في تحريك اليقظة في نفوس المسلمين في كل مكان من المعمورة (1) .

(1) - راجع هذه الرسالة كاملة في ج 5 من مؤلفات الشيخ قسم الوسائل الشخصية ص 8 - 13.

ص: 86