الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدولة العثمانية.... والدعوة:
-
إن تأثر بعض الأوروبيين وبعض الأتراك وجماعات من الأفارقة إلى جانب اهتمام مجموعة من المفكرين المسلمين بدعوة الشيخ في بلاد الشام والمغرب وحتى داخل تركيا وغيرها كل هذا أثار حفيظة الباب العالي وأرباب المصالح والمناصب الذين موهوا الحقيقة على العثمانيين واغتنموا بعض التصرفات من الأعراب في الحج فلبسوا الشبه للتنفير ضد هذه الدعوة لإثارة الحفائظ على من قام بها واختلاق أشياء لم يكن لها أساس من الصحة.
وفي رسائل الشيخ محمد وإجابات تلاميذه نبين الجوانب الإيجابية والحرص من بعض المسلمين استجلاء حقيقة الدعوة من الشيخ نفسه بإرسال رسائل له أجاب عليها مثل:
1-
رسالة الشيخ محمد رحمه الله إلى الشيخ فاضل آل مزيد رئيس بادية الشام التي جاء فيها:
فالسبب في المكاتبة أن راشد ابن عربان ذكر لنا عنك كلاماً حسناً سر الخاطر وذكر عنك أنك طالب مني المكاتبة بسبب ما يجيك عنا من كلام العدوان من الكذب والبهتان وهذا هو الواجب من مثلك أنه لا يقبل كلاماً إلا إذا تحققه ثم بدأ يشرح له ما قيل ويوضح الحقيقة في ذلك وفق شرع الله وهدى رسوله الكريم تفنيداً وشرحاً (1) .
2-
رسالة الشيخ محمد رحمه الله إلى عبد الرحمن السويدي علام من أهل العراق جاء فيها:
فقد وصل كتابك وسر الخاطر جعلك الله من أئمة المتقين ومن الدعاة إلى دين سيد المرسلين وأخبرك أني ولله الحمد متبع
(1) - انظر الرسالة كاملة في الجزء الخامس من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الطبعة الأولى ص 32 - ص 33.
ولست مبتدع عقيدتي وديني الذي أدين لله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة لكني بينت للناس إخلاص الدين لله ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين وغيرهم وعن اشتراكهم فيما يعبد الله من الذبح والنذور والتوكل والسجود وغير ذلك مما هو حق لله الذي لا يشرك فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة (1) .
3-
رسالة الشيخ محمد ين عبد الوهاب التي بعث إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام ويوضح لهم عن المعالم المهمة في دعوته ومما جاء فيها قوله:
جرى علينا من الفتنة ما بلغكم وبلغ غيركم وسببه هدم بنيان في أرضنا على قبور الصالحين فلما كبر هذا على العامة لظنهم أنه تنقيص للصالحين ومع هذا نهيناهم عن دعواهم وأمرناهم بإخلاص الدعاء لله فلما أظهرنا هذه المسألة مع ما ذكرنا من هدم البنيان على القبور كبر على العامة جداً وعاضدهم بعض من يدعي العلم لأسباب أخرى لا تخفى على مثلكم أعظمها اتباع هوى العوام مع أسباب أخرى فأشاعوا عنا أنا نسب الصالحين وأنا على غير جادة العلماء ورفعوا الأمر إلى المشرق والمغرب وذكروا عنا أشياء يستحي العاقل من ذكرها وأنا أخبركم بما نحن عليه خبراً لا أستطيع أن أكذب بسبب أن مثلكم لا يروج عليه الكذب على أناس متظاهرين بمذهبهم عند الخاص والعام فنحن ولله الحمد متبعون غير مبتدعين على مذهب الإمام أحمد بن حنبل وحتى من البهتان الذي أشاع الأعداء أني أدعي الاجتهاد ولا أتبع الأئمة فإن بان لكم أن هدم البناء على القبور والأمر بترك دعوة الصالحين لما أظهرناه يخالف مذهب سلف الأمة.
(1) - انظر الرسالة كاملة في الجزء الخامس من مؤلفات الشيخ محمد نشر جامعة الإمام بالرياض ص 36 - 38 وانظر الدرر السنية ج 1 ص 54 - 56.
إلى أن قال: وأنا أشهد الله وملائكته وأشهدكم على دين الله ورسولكم أني متبع لأهل العلم وما غاب عني من الحق وأخطأت فيه فبينوا لي وأنا أشهد الله أني أقبل على الرأس والعين والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل (1) .
4-
ورسالته أيضاً إلى عالم من أهل المدينة وفيها يقول:
الخط وصل أوصلك الله إلى رضوانه وسر الخاطر حيث أخبر بطيبكم فإن سألت عنا فالحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات وإن سألت عن سبب الاختلاف الذي هو بيننا وبين الناس فما اختلفنا في شئ من شرائع الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك ولا في شئ من المحرمات الشيء الذي عندنا زين هو عند الناس زين (2) .
وغير ذلك من الرسائل حيث تخوفت منها الدولة العثمانية بقياداتها في العالم الإسلامي نتيجة الجهل وتعاونوا مع المستعمرين من اجل مصالحهم من جهة ومن أجل ضرب المسلمين بعضهم ببعض لتحقيق المآرب بإضعاف قوة المسلمين والقضاء على دعوة الإصلاح التي تؤلف بين القلوب وتجمع الشمل وتقضي على أسباب الفرقة بإتباع ما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه وما ذلك إلا من جهل هذه القيادات بما تنص عليه تعاليم الإسلام وخوفهم على مراكزهم ومصالحهم التي قدموها على حكم الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم بإتباع الأهواء والرغبات.
وبذلك يخرج العدو المستعمر هو الكاسب من جانب ومن جانب آخر فلأن المسلم لا يقبل ذلك المستعمر المخالف له في دينه أن يتدخل فيما
(1) - انظر المرجع السابق ص 40 - 42.
(2)
- انظر المرجع السابق ص 44 - 49 وفيها شرح كامل لمعتقد أهل السنة والجماعة.
يتعلق بعقدته وإلا انكشفت النوايا وعادت الحروب الصليبية من جديد.
ولذا فإن هؤلاء الغربيين ولا يستبعد أن يكون من بينهم يهود يهمهم ضرب الإسلام كما هي مخططاتهم وأعمالهم منذ حل رسول الله صلى اله عليه وسلم في المدينة مهاجراً والدارس يلمس مثل هذا الشعور لدى عبد الله بن أبي رأس المنافقين في المدينة وعبد الله ابن سبأ اليهودي الذي دخل الإسلام ليفسده من داخله وليشك ضعاف الفهم للإسلام في مكانته فكان أول من انشأ فرقة فيه عرفت باسم السبأية.
كما نلمس هذا في دراسات المستشرقين الذين حاولوا تشويه صورة الإسلام في العصر الحديث للتنفير منه والدرس في فكره وتأريخه وغالبيتهم من اليهود.
فقد بدأ هؤلاء جميعاً يقبلون صفحات التاريخ وينبشون الماضي علهم يجدون أشياء ترضى أصحاب الأهواء من أدعياء العلم الذين نصبهم المستعمر في مقامات إسلامية يستتر خلفهم ويزينون له ما يريد وأصحاب المصالح الذين باعوا أخراهم بعرض من الدنيا فهؤلاء جميعاً ينشدون غرضاً ويريدون تحقيق غاية.
فأوهموا العامة وأنصاف المتعلمين الذين لا يقرؤون ولا يتعمقون وهم الغالبية العظمى في المجتمع الإسلامي ذلك الوقت بأن هذه الدعوة الجديدة التي تحركت في الجزيرة العربية ما هي إلا امتداد لتلك السابقة التي كانت في المغرب: فرقة الخوارج الأباضية التي تخالفكم معاشر المسلمين في المذهب والمعتقد.
ولكي تنطلي الحجة ويمر التمويه لفقوا أقاويل على الشيخ محمد واتباعه وأوضح رحمه الله كذبها في رسائله العديدة وعرف هذا علماء
المغرب في حوارهم عام 1226 هـ عندما حج المولى أبو إسحاق إبراهيم بن السلطان المولى سليمان رحمه الله ومعه مجموعة كبيرة من علماء المغرب لحوار الإمام سعود بن عبد العزيز ومناقشته فيما نسب إليهم وكان هذا بعد وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بزمن.
وقد سجلت تواريخ المغرب عن هذه الحادثة ما يثبت البراءة لهذه الدعوة السلفية من كل نسب إليها وقناعة علماء المغرب من سلامتها وصدقها حتى أن الإمام إبراهيم هذا اقتنع بها (1)
وقد وجد هذا القول - أعني القدح في هذه الدعوة - صدى في نفوس راغبي الزعامة والتسلط باسم العلم والمعرفة ولدى أصحاب الأهواء والمصالح الظاهرة أيضاً.
هذا من جانب ومن جانب آخر انطلت النسبة إلى عبد الوهاب - والد الشيخ محمد وهي نسبة غير صحيحة لأنه لم يكن هو صاحب الدعوة ولأنهم لو نسبوها للشيخ محمد لصارت محمدية ولا يتحقق لهم ما أرادوا لأن الدين الإسلامي كله يسمي الرسالة المحمدية نسبة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي بلغها عن ربه.
والعامة لا تفرق بين هذا وذاك ولذا حرصوا أن يكون للاسم المراد إطلاقه صدى في نفوس الجماهير الذين هم قاعدتهم في التمويه والتلبيس وخلفية يموه بها على أنصاف المتعلمين.
(1) - راجع سيرة المولى أبي إسحاق بن سليمان في تواريخ المغرب مثلاً: الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى ج 8 ص 120 - 125 للناصري والإعلام بمن حل مراكش واغمات من الأعلام ج 10 ص 68 - 73.
ظهر مثل هذا القول في تقارير وخطابات إبراهيم باشا التي كان يبعث بها لمحمد على بمصر وفي كتابات لبعض العثمانيين حيث بدأ إطلاق الألقاب التالية: الوهابية ، الخوارج ، المارقين من الدين (1) على دعوة الشيخ محمد والدولة السعودية من ذلك التاريخ.
هؤلاء في مظهر عام اتفقوا جميعاً في اتجاه واحد للتلبيس على الناس في هذا الأمر والناس بطبيعتهم يتخوفون من كل جديد ويستنكرون ما جاء لمخالفة ما ساروا عليه. وخير شاهد في هذا ما نجده موضحاً في القرآن الكريم والسيرة النبوية العطرة من أمور كثيرة في موقف المعاندين للإسلام عندما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه داعياً ومنقذاً.
كما نلمس شاهداً حياً في عصرنا الحاضر عندما بدأ الشباب الإسلامي يهتم بدينه ويرجع لتعاليم ربه فيما أطلق عليه: الصحوة الإسلامية فقد بدأت صحف الغرب والشرق ووسائل إعلامه وجهود مفكريه تشوه الصورة وتنفر من الاتجاه وتصف هذا التحول الإسلامي بنعوت متعددة لكي يوجد حجاب يمنع المسيرة ويقضي على الحماسة.
والعامة في كل عصر ومكان وهم الجم الغفير يلجأون في مثل هذا الأمر إلى مصدر القوة لتوضيح لهم الأمر وتجلي الحقيقة لكن هذا المصدر في ذلك الوقت من علماء وأرباب مصالح أرادوا قلب الحقائق وتشويه
(1) - راجع مثل هذه الوثائق: رسالة محمد على يعتذر للأتراك فيها عن القيام بحرب ابن سعود ص 353 - 355 ورسالة يوسف كبخ الخاصة بحرب آل سعود ص 362 - 370 وأمر تعيين يوسف ضبا باشا قائداً عاماً للعساكر بالحجاز ص 381 - 382 والملحق رقم 7 ص 383 - 384. ورسالة إبراهيم باشا بعد حرب شقراء والتبشير بفتحها ص 422 - 444 وغير ذلك كثير. انظر كتاب الدولة السعودية للدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم في هذا وهو من مطبوعات جامعة الدول العربية ص 349 - 440.
أصوات المستجيبين العارفين وذلك بإطلاق الشبهة واختلاق الآراء التي تلقفها العامة بالنشر والإذاعة من جانب ومن جانب آخر بالاستجابة للنداء بالوقوف ضد هذا الاتجاه الذي سموه للناس انشقاقاً في الدين وخروجاً على جماعة المسلمين وبدعاً في الدين بينما واقع الأمر عكس ذلك.
وقد وجدت هذه الشبهة التي أطلقت صدى في نفوس أرباب المصالح والجاه لدى الباب العالي العثماني خوفاً على سمعة ومكانة الدولة ونفوذها بعد أن أثاروا حفيظة والدة أحد سلاطينهم على الإمام عبد الله بن سعود بعد انتصاره على جيوشهم في وادي الصفراء بين المدينة وينبع.
وفي كثير من أقطار المسلمين بالتبعية حيث روجها أناس يأكلون أموال الناس بالباطل ويرضون بزعامات مؤقتة دينية ويتسلطون بها على الجهال الذين لا يدركون حقيقة دينهم ولا نوايا هؤلاء وما هم عليه وهذا ما كان يخشاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من زلة العالم والعلماء المضللين الذين يفتون بغير ما أنزل الله فيضلون ويضلون (1) .
وقد ضرب هؤلاء جميعاً على الوتر الحساس في حياة الناس وهو الدين الذي تحتاجه النفوس وتتشوق إليه الأفئدة ولكنها تجهله حقيقة وتجهل المصادر التي يجب أن يؤخذ منها فتتبع كل ما يقال لها فيه.
ومن هذه الجذور بدأوا في التعاون لتشويه الدعوة التي كان من أهدافها توحيد كلمة المسلمين ونبذ الخرافات وتنوير الأذهان وتوجيه النفوس إلى العلم باعتباره مصدر الحقيقة حيث بلغ الأمر بالناس في الدرعية كما ذكر ابن غنام وابن بشر في تاريخها رغبة عارمة في النهل من
(1) - من حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة وعروة.