المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قول طائفة ثانية في مغايرة الإيمان قال أبو عبد الله: وقالت طائفة أخرى أيضا من أصحاب الحديث بمثل مقالة هؤلاء، إلا أنهم سموه مسلما لخروجه من ملل الكفر، ولإقراره بالله وبما قال، ولم يسموه مؤمنا وزعموا أنه مع تسميتهم إياه بالإسلام كافر لا كافر بالله - تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي - جـ ٢

[محمد بن نصر المروزي]

فهرس الكتاب

- ‌مَبْحَثُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِزَالَةَ اسْمِ الْإِيمَانِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ وَلَا يُزِيلُ

- ‌قَوْلُ طَائِفَةٍ ثَانِيَةٍ فِي مُغَايَرَةِ الْإِيمَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى أَيْضًا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِمِثْلِ مَقَالَةِ هَؤُلَاءِ، إِلَّا أَنَّهُمْ سَمَّوْهُ مُسْلِمًا لِخُرُوجِهِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ، وَلِإِقْرَارِهِ بِاللَّهِ وَبِمَا قَالَ، وَلَمْ يُسَمُّوهُ مُؤْمِنًا وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَعَ تَسْمِيَتِهِمْ إِيَّاهُ بِالْإِسْلَامِ كَافِرٌ لَا كَافِرٌ بِاللَّهِ

- ‌حِكَايَةُ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذِهِ الْحُجَجُ الَّتِي كَتَبْنَاهَا هِيَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَذَلِكَ أَنَّهَا زَعَمَتْ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَإِذَا خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ فَهُوَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنٍ وَلَا مُسْلِمٍ

- ‌حِكَايَةُ قَوْلِ الرَّافِضَةِ فِيهَا وَقَالَتِ الرَّافِضَةُ بِمِثْلِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَّا طَائِفَةً مِنْهَا ذَهَبَتْ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَجْمَعَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الْمُؤْمِنِينَ جَائِزَةٌ عَلَيْهِمْ مَعَ نَفْيِهِمُ اسْمَ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ، وَفِي هَذَا مِنَ التَّنَاقُضِ وَاخْتِلَافِ

- ‌الْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى وُجُوهٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَالْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَدْ يَتَّجِهُ عَلَى وُجُوهٍ:

- ‌أَمْرُ الدُّعَاءِ وَنَوْعٌ خَامِسٌ: لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الدُّعَاءِ مِنْ ذَلِكَ دُعَاءُ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَيَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَهَذَا لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَمَسْأَلَةٌ

- ‌أَمْرٌ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ. وَنَوْعٌ آخَرُ لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّمَا هُوَ مَنْ لَمْ يَسْتَحْيِ صَنَعَ مَا شَاءَ عَلَى جِهَةِ الذَّمِّ لِتَرْكِ الْحَيَاءِ، وَلَمْ يُرِدْ

- ‌بَقِيَّةُ الْجَوَابِ عَنِ الْقَائِلِينَ بِمُغَايَرَةِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ اسْمَ مُؤْمِنٍ اسْمَ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَوْجَبَ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ زَائِلٌ عَنْ كُلِّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً، فَإِنَّا نَقُولُ: إِنَّ اسْمَ الْمُؤْمِنِ قَدْ يُطْلَقُ

- ‌أَدِلَّةٌ أُخْرَى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْ مُرْتَكِبِ الْمَعَاصِي نَفْيُ اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا نَفْيُ الْإِيمَانِ عَنْ مَنِ ارْتَكَبَ الْمَعَاصِي الْمَذْكُورَةَ فِيهَا إِلَيْهِ مَا ذَهَبْنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا نَفْيُ اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ لَا نَفْيَ الْإِيمَانِ كُلِّهِ

- ‌غُلُوُّ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ فِي تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي نَفْيِ الْإِيمَانِ عَمَّنِ ارْتَكَبَ الْكَبِيرَةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَدْ غَلَتْ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي نَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْ مَنِ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ مِنْهُمُ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالرَّافِضَةُ. فَأَمَّا

- ‌أَدِلَّةٌ أُخْرَى عَلَى ضَلَالَةِ الْخَوَارِجِ وَفَسَادِ مَذْهَبِهِمْ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ضَلَالَةِ الْخَوَارِجِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا مُخَالَفَتَهُمْ لِجَمَاعَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، اقْتَتَلَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَيَوْمَ صِفِّينَ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ

- ‌فِرَقُ الْمُرْجِئَةِ وَفَسَادُ مَذْهَبِهِمْ. فَفِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ مِنْهُمْ وَالْمُعَانَدَةِ أَنْكَرَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارَ وَرَدَّتْهَا، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْآثَارِ، وَجَهْلِهِمْ بِتَأْوِيلِهَا، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ اتِّسَاعِهِمْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمَذَاهِبِهَا، وَاتِّبَاعِهِمْ أَهْوَاءَهُمْ فَلَمَّا لَمْ تُوَافِقْ مَذَاهِبَهُمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ إِنْ أَقَرُّوا بِهَا لَزِمَتْهُمُ الْحُجَّةُ

- ‌عَوْدَةٌ إِلَى الِاحْتِجَاجِ لِمَنْ فَسَّرَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ» عَلَى اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ. ثُمَّ نَعُودُ الْآنَ إِلَى مَا كُنَّا فِيهِ مِنَ الِاحْتِجَاجِ لِمَنْ فَسَّرَ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ» عَلَى اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ

- ‌أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِالرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام إِنَّمَا هُوَ بِتَصْدِيقِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا هُوَ بِتَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ؟ قِيلَ: كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذَا بَابٌ جَامِعٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ نَفْسِ تَفْسِيرِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ شَبِيهٌ بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ» بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ جَامِعَةٍ، فَلَمَّا قِيلَ: لِمَنْ؟ قَالَ:

- ‌طُرُقُ حَدِيثِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»

- ‌جِمَاعُ تَفْسِيرِ النَّصِيحَةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: جِمَاعُ تَفْسِيرِ النَّصِيحَةِ هُوَ عِنَايَةُ الْقَلْبِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ مَنْ كَانَ، وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا فَرْضٌ، وَالْآخَرُ نَافِلَةٌ، فَالنَّصِيحَةُ الْمُفْتَرَضَةُ لِلَّهِ هِيَ شِدَّةُ الْعِنَايَةِ مِنَ النَّاصِحِ بِاتِّبَاعِ مَحَبَّةِ اللَّهِ فِي أَدَاءِ مَا افْتَرَضَ، وَمُجَانَبَةِ مَا

- ‌بَابُ ذِكْرِ إِكْفَارِ تَارِكِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ، وَإِبَاحَةِ قَتْلِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْأَخْبَارِ الَّتِي احْتَجَّتْ بِهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الَّتِي لَمْ تُكَفِّرْ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ

- ‌مِنْ حُقُوقِ الصَّلَاةِ وَآدَابِهَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ حُقُوقِ الصَّلَاةِ: الطَّهَارَةُ مِنَ الْأَحْدَاثِ، وَطَهَارَةُ الثِّيَابِ الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا، وَطَهَارَةُ الْبِقَاعِ الَّتِي تُصَلَّى عَلَيْهَا، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا الَّتِي كَانَ يُحَافِظُ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم

- ‌ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي أَنَّ سِبَابَ مُسْلِمٍ فُسُوقٌ وَقِتَالَهُ كُفْرٌ

الفصل: ‌قول طائفة ثانية في مغايرة الإيمان قال أبو عبد الله: وقالت طائفة أخرى أيضا من أصحاب الحديث بمثل مقالة هؤلاء، إلا أنهم سموه مسلما لخروجه من ملل الكفر، ولإقراره بالله وبما قال، ولم يسموه مؤمنا وزعموا أنه مع تسميتهم إياه بالإسلام كافر لا كافر بالله

‌قَوْلُ طَائِفَةٍ ثَانِيَةٍ فِي مُغَايَرَةِ الْإِيمَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى أَيْضًا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِمِثْلِ مَقَالَةِ هَؤُلَاءِ، إِلَّا أَنَّهُمْ سَمَّوْهُ مُسْلِمًا لِخُرُوجِهِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ، وَلِإِقْرَارِهِ بِاللَّهِ وَبِمَا قَالَ، وَلَمْ يُسَمُّوهُ مُؤْمِنًا وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَعَ تَسْمِيَتِهِمْ إِيَّاهُ بِالْإِسْلَامِ كَافِرٌ لَا كَافِرٌ بِاللَّهِ

، وَلَكِنْ كَافِرٌ مِنْ طَرِيقِ الْعَمَلِ، وَقَالُوا: كُفْرٌ لَا يَنْقُلُهُ عَنِ الْمِلَّةِ، وَقَالُوا: مُحَالٌ أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» وَالْكُفْرُ ضِدُّ الْإِيمَانِ فَيُزِيلُ عَنْهُ اسْمَ الْإِيمَانِ إِلَّا وَاسْمُ الْكُفْرِ لَازِمٌ لَهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ ضِدُّ الْإِيمَانِ إِلَّا أَنَّ الْكُفْرَ كُفْرَانِ: كُفْرٌ هُوَ جَحْدٌ بِاللَّهِ وَبِمَا قَالَ فَذَلِكَ

ص: 517

ضِدُّهُ الْإِقْرَارُ بِاللَّهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَبِمَا قَالَ، وَكُفْرٌ هُوَ عَمَلٌ ضِدُّ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ، أَلَا تَرَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» قَالُوا: فَإِذَا لَمْ يُؤْمِنْ فَقَدْ كَفَرَ، وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ كُفْرٌ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ إِذْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ، لِأَنَّهُ لَا يُضَيِّعُ الْمُفْتَرَضَ عَلَيْهِ، وَيَرْكَبُ الْكَبَائِرَ إِلَّا مِنْ خَوْفِهِ، وَإِنَّمَا يَقِلُّ خَوْفُهُ مِنْ قِلَّةِ تَعْظِيمِهِ لِلَّهِ، وَوَعِيدِهِ فَقَدْ تَرَكَ مِنَ الْإِيمَانِ التَّعْظِيمَ الَّذِي صَدَرَ عَنْهُ الْخَوْفُ وَالْوَرَعُ عَنِ الْخَوْفِ فَأَقْسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ:«لَا يُؤْمِنُ إِذَا لَمْ يَأْمَنْ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» ثُمَّ قَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «قِتَالُ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ» وَأَنَّهُ قَالَ: " إِذَا قَالَ الْمُسْلِمُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَقَدْ بَاءَ بِالْكُفْرِ، فَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقِتَالِهِ أَخَاهُ كَافِرًا، وَبِقَوْلِهِ لَهُ: يَا كَافِرُ كَافِرًا وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ دُونَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ. قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُ مَنِ احْتَجَّ عَلَيْنَا فَزَعَمَ أَنَّا إِذَا سَمَيْنَاهُ كَافِرًا لَزِمَنَا أَنْ نَحْكُمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ فَنَسْتَتِيبُهُ وَنُبْطِلُ الْحُدُودَ عَنْهُ لِأَنَّهُ إِذَا كَفَرَ فَقَدْ زَالَتْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْمُؤْمِنِينَ وَحُدُودِهِمْ وَفِي ذَلِكَ إِسْقَاطُ الْحُدُودِ وَأَحْكَامِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ كُلِّ

ص: 518

مَنْ أَتَى كَبِيرَةً فَإِنَّا لَمْ نَذْهَبُ فِي ذَلِكَ إِلَى حَيْثُ ذَهَبُوا، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لِلْإِيمَانِ أَصْلٌ وَفَرْعٌ، وَضِدُّ الْإِيمَانِ الْكُفْرُ فِي كُلِّ مَعْنًى فَأَصْلُ الْإِيمَانِ الْإِقْرَارُ وَالتَّصْدِيقُ وَفَرْعُهُ إِكْمَالُ الْعَمَلِ بِالْقَلْبِ وَالْبَدَنِ، فَضِدُّ الْإِقْرَارِ وَالتَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ الْكُفْرُ بِاللَّهِ وَبِمَا قَالَ وَتَرْكُ التَّصْدِيقِ بِهِ وَلَهُ، وَضِدُّ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ وَلَيْسَ هُوَ إِقْرَارٌ كُفْرٌ لَيْسَ بِكُفْرٍ بِاللَّهِ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ، وَلَكِنْ كُفْرٌ يُضَيِّعُ الْعَمَلَ كَمَا كَانَ الْعَمَلُ إِيمَانًا، وَلَيْسَ هُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي هُوَ إِقْرَارٌ بِاللَّهِ فَكَمَا كَانَ مَنْ تَرَكَ الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ إِقْرَارٌ بِاللَّهِ كَافِرًا يُسْتَتَابُ وَمَنْ تَرَكَ الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ مِثْلُ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ أَوْ تَرَكَ الْوَرَعَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا فَقَدْ زَالَ عَنْهُ بَعْضُ الْإِيمَانِ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ مَنْ خَالَفَنَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ مِمَّنْ قَالَ: إِنَّ الْإِيمَانَ تَصْدِيقٌ وَعَمَلٌ إِلَّا الْخَوَارِجَ وَحْدَهَا فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ بِقَوْلِنَا كَافِرٌ مِنْ جِهَةِ تَضْيِيعِ الْعَمَلِ أَنْ يُسْتَتَابَ، وَلَا يَزُولُ عَنْهُ الْحُدُودُ وَكَمَا لَمْ يَكُنْ بِزَوَالِ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ اسْتِتَابِتُهُ، وَلَا إِزَالَةُ الْحُدُودِ عَنْهُ إِذْ لَمْ يَزُلْ أَصْلُ الْإِيمَانِ عَنْهُ، فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْنَا اسْتِتَابَتُهُ وإِزَالَةُ الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ عَنْهُ بِإِثْبَاتِنَا لَهُ اسْمَ الْكُفْرِ مِنْ قِبَلِ الْعَمَلِ إِذْ لَمْ يَأْتِ بِأَصْلِ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ جَحَدٌ بِاللَّهِ، أَوْ بِمَا قَالَ

ص: 519

قَالُوا: وَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ بِاللَّهِ إِيمَانًا، وَالْجَهْلُ بِهِ كُفْرًا، وَكَانَ الْعَمَلُ بِالْفَرَائِضِ إِيمَانًا، وَالْجَهْلُ بِهَا قَبْلَ نُزُولِهَا لَيْسَ بِكُفْرٍ وَبَعْدَ نُزُولِهَا مَنْ لَمْ يَعْمَلْهَا لَيْسَ بِكُفْرٍ لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَقَرُّوا بِاللَّهِ فِي أَوَّلِ مَا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَعْمَلُوا الْفَرَائِضَ الَّتِي افْتُرِضَتْ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ جَهْلُهُمْ ذَلِكَ كُفْرًا، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْفَرَائِضَ فَكَانَ إقْرَارُهُمْ بِهَا وَالْقِيَامُ بِهَا إِيمَانًا، وَإِنَّمَا يَكْفُرُ مَنْ جَحَدَهَا لِتَكْذِيبِهِ خَبَرَ اللَّهِ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ مَا كَانَ بِجَهْلِهَا كَافِرًا، وَبَعْدَ مَجِئِ الْخَبَرِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ بِالْخَبَرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَكُنْ بِجَهْلِهَا كَافِرًا، وَالْجَهْلُ بِاللَّهِ فِي كُلِّ حَالٍ كُفْرٌ قَبْلَ الْخَبَرِ وَبَعْدَ الْخَبَرِ قَالُوا: فَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا: إنَّ تَرْكَ التَّصْدِيقِ بِاللَّهِ كُفْرٌ بِهِ، وَإنَّ تَرْكَ الْفَرَائِضِ مَعَ تَصْدِيقِ اللَّهِ أَنَّهُ أَوْجَبَهَا كُفْرٌ لَيْسَ بِكُفْرٍ بِاللَّهِ إِنَّمَا هُوَ كُفْرٌ مِنْ جِهَةِ تَرْكِ الْحَقِّ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: كَفَرْتَنِي حَقِّي وَنِعْمَتِي، يُرِيدُ ضَيَّعْتَ حَقِّي، وَضَيَّعْتَ شُكْرَ نِعْمَتِي، قَالُوا: وَلَنَا فِي هَذَا قُدْوَةٌ بِمَنْ رَوَى عَنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالتَّابِعِينَ إِذْ جَعَلُوا لِلْكُفْرِ فُرُوعًا دُونَ أَصْلِهِ، لَا تَنْقُلُ صَاحِبَهُ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ كَمَا ثَبَتُوا لِلْإِيمَانِ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ فَرَعًا لِلْأَصْلِ لَا يَنْقُلُ تَرْكُهُ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]

ص: 520

569 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ يَعْنِي ابْنَ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،:" {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] لَيْسَ بِالْكُفْرِ الَّذِي يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ "

ص: 521

570 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: " {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] قَالَ هِيَ بِهِ كُفْرٌ " قَالَ ابْنُ طَاوُسٍ: وَلَيْسَ كَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ

ص: 521

571 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«هُوَ بِهِ كُفْرُهُ، وَلَيْسَ كَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ»

ص: 521

572 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: " مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَهُوَ كَافِرٌ؟ قَالَ: هُوَ بِهِ كُفْرُهُ، وَلَيْسَ كَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ "

ص: 522

573 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«كُفْرٌ لَا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ»

ص: 522

574 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ:«لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ»

ص: 522

575 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ:«كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ، وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ، وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ»

⦗ص: 523⦘

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالُوا: وَقَدْ صَدَقَ عَطَاءٌ قَدْ يُسَمَّى الْكَافِرُ ظَالِمًا، وَيُسَمَّى الْعَاصِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ظَالِمًا، فَظُلْمٌ يَنْقُلُ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، وَظُلْمٌ لَا يَنْقُلُ. قَالَ اللَّهُ:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] وَقَالَ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]

ص: 522

576 -

فَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:" لَمَّا نَزَلَتِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَيْسَ بِذَلِكَ أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ: {إِنَّ الشِّرْكَ} [لقمان: 13] لَظُلْمٌ عَظِيمٌ "

⦗ص: 524⦘

577 -

قَالَ إِسْحَاقُ: أنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ

ص: 523

578 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، عَنْ

⦗ص: 525⦘

حَمَّادٍ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَانَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ نَشَرَ الْمُصْحَفَ فَقَرَأَ، فَدَخَلَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَرَأَ فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَانْتَعَلَ وَأَخَذَ رِدَاءَهُ ثُمَّ أَتَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَيْتُ قَبْلُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] وَقَدْ تَرَى أَنَّا نَظْلِمُ وَنَفْعَلُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِذَلِكَ، يَقُولُ اللَّهُ:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] إِنَّمَا ذَلِكَ الشِّرْكُ "

579 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ، أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] فَذَكَرَ الْحَدِيثَ

ص: 524

أَنْوَاعُ الْفِسْقِ، وَالشِّرْكِ، وَالْكُفْرِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالُوا: وَكَذَلِكَ الْفِسْقُ فِسْقَانِ فِسْقٌ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ، وَفِسْقٌ لَا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ فَيُسَمَّى الْكَافِرُ فَاسِقًا، وَالْفَاسِقُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاسِقًا، ذَكَرَ اللَّهُ إِبْلِيسَ، فَقَالَ:{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] وَكَانَ ذَلِكَ الْفِسْقُ مِنْهُ كُفْرًا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} [السجدة: 20] يُرِيدُ الْكُفَّارَ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة: 20] وَسُمِّيَ الْقَاذِفُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاسِقًا، وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، قَالَ اللَّهُ:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا، وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وَقَالَ اللَّهُ: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] فَقَالَتِ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ الْفُسُوقِ هَهُنَا: هِيَ الْمَعَاصِي قَالُوا: فَكَمَا كَانَ الظُّلْمُ ظُلْمَيْنِ، وَالْفُسُوقُ فِسْقَيْنِ، كَذَلِكَ

⦗ص: 527⦘

الْكُفْرُ كُفْرَانِ: أَحَدُهُمَا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ، وَالْآخَرُ لَا يَنْقُلُ عَنْهَا فَكَذَلِكَ الشِّرْكُ شِرْكَانِ شِرْكٌ فِي التَّوْحِيدِ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ، وَشِرْكٌ فِي الْعَمَلِ لَا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ وَهُوَ الرِّيَاءُ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمُرَاءَاةَ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«الطِّيَرَةُ شِرْكٌ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَهَذَانِ مَذْهَبَانِ هُمَا فِي الْجُمْلَةِ مَحْكِيَّانِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مُوَافِقِيهِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ

580 -

حَكَى الشَّالِنْجِيُّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنِ الْمُصِرِّ، عَلَى الْكَبَائِرِ يَطْلُبُهَا بِجُهْدِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصَّوْمَ هَلْ يَكُونُ مُصِرًّا مَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ؟ قَالَ: هُوَ مُصِرٌّ مِثْلَ قَوْلِهِ: «لَا يَزْنِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَيَقَعُ فِي الْإِسْلَامِ وَمِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ:«لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ، وَمِنْ نَحْوِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]

⦗ص: 528⦘

فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا الْكُفْرُ؟ قَالَ: كُفْرٌ لَا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ مِثْلُ الْإِيمَانِ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ، فَكَذَلِكَ الْكُفْرُ حَتَّى يَجِيءَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ

581 -

وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: «لَا يَزْنِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ، لَا يَكُونُ مُسْتِكْمِلَ الْإِيمَانِ يَكُونُ نَاقِصًا مِنْ إِيمَانِهِ

582 -

قَالَ: وَسَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَالْإِيمَانِ، فَقَالَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَالْإِسْلَامُ إِقْرَارٌ، قَالَ: وَبِهِ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ

583 -

وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: لَا يَكُونُ الْإِسْلَامُ إِلَّا بِإِيمَانٍ، وَلَا إِيمَانَ إِلَّا بِإِسْلَامٍ، وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ فَقَالَ: قَدْ قَبِلْتُ الْإِيمَانَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِذَا قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ الْإِسْلَامَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْإِيمَانِ

584 -

قَالَ: وَحَكَى الْمَيْمُونِيُّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّهُ سَأَلَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ رَأْيِهِ، فِي مُؤْمِنٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ: أَقُولُ: مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَقُولُ: مُسْلِمٌ، وَلَا أَسْتَثْنِي

585 -

وَقَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ؟ فَقَالَ لِي: نَعَمْ، قُلْتُ لَهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَحْتَجُّ؟ قَالَ لِي: قَالَ اللَّهُ: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] وَذَكَرَ أَشْيَاءَ

⦗ص: 529⦘

586 -

وَقَالَ الشَّالِنْجِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ مَنْ، قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ، عِنْدَ نَفْسِي مِنْ طَرِيقِ الْأَحْكَامِ وَالْمَوَارِيثِ وَلَا أَعْلَمُ مَا أَنَا عِنْدَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِمُرْجِئٍ

587 -

وَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ، وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فَذَلِكَ عِنْدِي جَائِزٌ وَلَيْسَ بِمُرْجِئٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ

588 -

وَحَكَى غَيْرُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ سَأَلَ أَحْمَدَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» فَقَالَ: مِنْ أَيِّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ مِثْلِهِنَّ أَوْ فَوْقِهِنَّ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَلَا أُسَمِّيهِ مُؤْمِنًا، وَمَنْ أَتَى دُونَ ذَلِكَ يُرِيدُ دُونَ الْكَبَائِرِ سَمَّيْتُهُ مُؤْمِنًا نَاقِصَ الْإِيمَانِ

ص: 526

قَوْلُ طَائِفَةٍ ثَالِثَةٍ بِاتِّحَادِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ وَهُمُ الْجُمْهُورُ الْأَعْظَمُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ: الْإِيمَانُ الَّذِي دَعَا اللَّهُ الْعِبَادَ إِلَيْهِ، وَافْتَرَضَهُ عَلَيْهِمْ هُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي جَعَلَهُ دِينًا

ص: 529

، وَارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَهُوَ ضِدُّ الْكُفْرِ الَّذِي سَخِطَهُ فَقَالَ:{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] وَقَالَ: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] وَقَالَ: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} [الأنعام: 125] وَقَالَ: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22] فَمَدَحَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ بِمِثْلِ مَا مَدَحَ بِهِ الْإِيمَانَ، وَجَعَلَهُ اسْمَ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ، فَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ، وَهُدَىً، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ دِينُهُ الَّذِي ارْتَضَاهُ، فَقَدْ أَحَبَّهُ وَامْتَدَحَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ وَرُسُلَهُ رَغِبُوا فِيهِ إِلَيْهِ، وَسَأَلُوهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، وَإِسْمَاعِيلُ ذَبِيحُهُ:{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة: 128] . وَقَالَ يُوسُفُ: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101] وَقَالَ: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] وَقَالَ: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} [آل عمران

ص: 530

: 20] . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 136] . إِلَى قَوْلِهِ: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البقرة: 137] . فَحَكَمَ اللَّهُ بِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ آمَنَ فَقَدِ اهْتَدَى فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَدْ ذَكَرْنَا تَمَامَ الْحُجَّةِ فِي أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِيمَانُ وَأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ، وَلَا يَتَبَايَنَانِ مِنَ الْكِتَابِ وَالْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا، فَتَرَكْنَا إِعَادَتَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَرَاهِيَةَ التَّطْوِيلِ وَالتَّكْرِيرِ غَيْرَ أَنَّا سَنَذْكُرُ هَهُنَا مِنَ الْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ نَذْكُرُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَنُبَيِّنُ خَطَأَ تَأْوِيلِهِمْ، وَالْحُجَجَ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا مِنَ الْكِتَابِ وَالْأَخْبَارِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ عز وجل:{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِيمَانُ

ص: 531

589 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ:{لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} [الحجرات: 17] قَالَ: مَنُّوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَاءُوا فَقَالُوا: إِنَّا أَسْلَمْنَا بِغَيْرِ قِتَالٍ، لَمْ نُقَاتِلْكَ كَمَا قَاتَلَكَ بَنُو فُلَانٍ وَبَنُو فُلَانٍ، وَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ:{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: 17] "

ص: 531

590 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ، ثنا أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُزَاحِمٍ، ثنا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ:{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات: 17]

⦗ص: 532⦘

، إِنَّهُمْ أَعْرَابُ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْنَاكَ بِغَيْرِ قِتَالٍ، وَتَرَكْنَا الْعَشَائِرَ وَالْأَمْوَالَ، وَكُلُّ قَبِيلَةٍ مِنَ الْأَعْرَابِ قَاتَلَتْكَ حَتَّى دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ كَرْهًا، فَلَنَا عَلَيْكَ حَقٌّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ

⦗ص: 533⦘

: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: 17] فَلَهُ لِذَلِكَ الْمَنُّ عَلَيْكُمْ {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23] وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَيُقَالُ فِي الْكَبَائِرِ الَّتِي حَتَمَتْ بِنَارٍ: كُلُّ مُوجِبَةٍ مَنْ رَكِبَهَا وَمَاتَ عَلَيْهَا لَمْ يَتُبْ مِنْهَا " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] الآية وَقَالَ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19] فَسَمَّى إِقَامَ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ دِينًا قَيِّمًا، وَسَمَّى الدِّينَ إِسْلَامًا، فَمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ فَقَدْ تَرَكَ مِنَ الدِّينِ الْقَيِّمِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ عِنْدَهُ الدِّينُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ بَعْضًا. وَقَدْ جَامَعَتْنَا هَذِهِ الطَّائِفَةُ الَّتِي فَرَّقَتْ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَقَدْ سَمَّاهُمَا اللَّهُ دِينًا وَأَخْبَرَ أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْإِسْلَامَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِيمَانَ، وَسَمَّى الْإِيمَانَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِسْلَامَ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِقْرَارُ، وَأَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ مِنْهُ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ إِذْ زَعَمَتْ أَنَّ الْإِيمَانَ إِقْرَارٌ

⦗ص: 534⦘

بِمَا عَمِلَ. فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ لَا يَفْتَرِقَانِ فَمَنْ صَدَّقَ اللَّهَ فَقَدْ آمَنَ بِهِ، وَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ فَقَدْ خَضَعَ لِلَّهِ، وَقَدْ أَسْلَمَ لِلَّهِ، وَمَنْ صَامَ، وَصَلَّى، وَقَامَ بِفَرَائِضِ اللَّهِ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ الْمُفْتَرَضَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَرَكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَنْ يَزُولَ عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ، وَلَا

⦗ص: 535⦘

الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنَّهُ أَنْقَصُ مِنْ غَيْرِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ مِنَ الْإِقْرَارِ بِأَنَّ اللَّهَ وَمَا قَالَ حَقٌّ لَا بَاطِلٌ، وَصِدْقٌ لَا كَذِبٌ، وَلَكِنْ يَنْقُصُ مِنَ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ تَعْظِيمٌ لِلْقَدْرِ خُضُوعٌ لِلْهَيْبَةِ وَالْجَلَالِ، وَالطَّاعَةِ لِلْمُصَدِّقِ بِهِ وَهُوَ اللَّهُ عز وجل فَمِنْ ذَلِكَ يَكُونُ النُّقْصَانُ لَا مِنْ إقْرَارِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ حَقٌّ وَمَا قَالَهُ صِدْقٌ. قَالُوا: وَمِمَّا يَدُلُّكُ عَلَى تَحْقِيقِ قَوْلِنَا أَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ قَدْ جَامَعَنَا أَنَّ مَنْ أَتَى الْكَبَائِرَ الَّتِي اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِرُكُوبِهَا لَنْ يَزُولَ عَنْهُ اسْمُ الْإِسْلَامِ، وَشَرٌّ مِنَ الْكَبَائِرِ وَأَعْظَمُهُمْ رُكُوبًا لَهَا مَنْ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ، فَهُمْ يَرْوُونَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُثْبِتُونَهُ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ:«أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَمِثْقَالُ بُرَّةٍ وَمِثْقَالُ شَعِيرَةٍ» فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تبارك وتعالى أَنَّ فِيَ قُلُوبِهِمْ إِيمَانًا أُخْرِجُوا بِهَا مِنَ النَّارِ، وَهُمْ أَشَرُّ أَهْلِ التَّوْحِيدِ الَّذِينَ لَا يَزُولُ فِي قَوْلِنَا وَفِي قَوْلِ مَنْ خَالَفَنَا عَنْهُمُ اسْمُ الْإِسْلَامِ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مَنْ فِي قَلْبِهِ إِيمَانٌ يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْخُرُوجَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَدُخُولَ الْجَنَّةِ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ بِاللَّهِ إِذْ لَا جَائِزَ أَنْ يَفْعَلَ الْإِيمَانَ الَّذِي يُثَابُ عَلَيْهِ بِقَلْبِهِ مَنْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، كَمَا لَا جَائِزَ أَنْ يَفْعَلَ الْكُفْرَ بِقَلْبِهِ مَنْ لَيْسَ بِكَافِرٍ

ص: 531

أَجْوِبَةُ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِتَغَايُرِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ مِمَّا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ فِي الزَّانِي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَيُنْزَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَقَدْ رُوِّينَا

ص: 535

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يُنْزَعُ مِنْهُ نُورُ الْإِيمَانِ وَنُورُ الْإِيمَانِ لَيْسَ هُوَ كُلُّ الْإِيمَانِ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: «يُنْزَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ» بَعْضَ الْإِيمَانِ لَا كُلَّ الْإِيمَانِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْإِيمَانِ فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ كَافِرًا إِذْ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ بِأَسْرِهِ، فَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللَّهِ عز وجل:«أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ» لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ فَقَدْ لَقِيَ اللَّهَ بِالْكَبَائِرِ، وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ فِيَ قُلُوبِهِمْ أَجْزَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ اسْتَحَقُّوا بِذَلِكَ اسْمَ الْإِيمَانِ، وَوَجَبَ لَهُمْ عَلَيْهِ الثَّوَابُ لَوْلَا ذَلِكَ مَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ الْبَالِغِينَ الْعَاقِلِينَ مَنْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ فِي كِتَابِهِ:{وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: 21] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ» وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ» وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُتَنَاقِضٍ وَلَا مُخْتَلِفٍ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَلِمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ يُخْرِجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ الْجَنَّةَ إِلَّا وَهُوَ مُسْلِمٌ مُؤْمِنٌ. قَالُوا: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ خَالَفَنَا فَفَرَّقَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، وَتَحْقِيقُ قَوْلِنَا: أَنَّا وَجَدْنَا اللَّهَ عز وجل افْتَرَضَ الْفَرَائِضَ، وَأَحَلَّ الْحَلَالَ، وَحَرَّمَ الْحَرَامَ، وَوَضَعَ الْأَحْكَامَ وَالْحُدُودَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى اسْمِ الْإِيمَانِ لَا عَلَى اسْمِ الْإِسْلَامِ فَزَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً فَهُوَ خَارِجٌ

ص: 536

مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ ثُمَّ حَكَمُوا عَلَيْهِ وَلَهُ بِأَحْكَامِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا فِيمَنْ أَتَى كَبِيرَةً لَلَزِمَ إِسْقَاطُ عَامَّةِ الْفَرَائِضِ وَالْأَحْكَامِ وَالْحُدُودِ الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً لِأَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ قَدْ زَالَ عَنْهُ، وَفِي ذَلِكَ خُرُوجٌ مِنْ أَحْكَامِ الْكِتَابِ وَمِمَّا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ. فَإنْ قَالُوا: إِنَّمَا أَجْرَيْنَا عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا. قِيلَ لَهُمْ: فَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عز وجل الْفَرَائِضَ وَالْحَلَالَ وَالْحَرَامَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِاسْمِ الْإِيمَانِ لَا بِاسْمِ الْإِسْلَامِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ، وَقَالَ:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] . وَقَالَ: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} [إبراهيم: 31] . وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] . وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] . وَ

ص: 537

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267] الآية وَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] . وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] . وَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجْلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] . وَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] . وَقَالَ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30] . {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] وَقَالَ: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3] إِلَى قَوْلِهِ: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] . وَقَالَ: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [النور: 31] . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَتُوبُوا مِنْ ذُنُوبٍ أَحْدَثُوهَا لَيْسَتْ بِكُفْرٍ، وَلَا شِرْكٍ، وَلَوْ كَانَتِ الذُّنُوبُ أَخْرَجَتْهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ لَمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ مُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ سَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَافْتَرَضَ عَلَيْهِمُ

ص: 538

التَّوْبَةَ مِنَ الذُّنُوبِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ لَزِمَهُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ هَذِهِ الْفَرَائِضَ كُلَّهَا لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِاسْمِ الْإِيمَانِ، وَقَالَ اللَّهُ:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] ثُمَّ خَصَّ الْمُحْصَنَاتِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَأَحَلَّ نِكَاحَهُنَّ وَقَالَ: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوُا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ، وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ، وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5] فَلَوْ أَنَّ مُسْلِمَةً سَرَقَتْ أَوْ شَرِبَتْ جَرْعَةً مِنْ خَمْرٍ لَكَانَ اسْمُ الْإِيمَانِ قَدْ زَالَ عَنْهَا فِي قَوْلِ هَؤُلَاءِ، فَوَجَبَ تَحْرِيمُ نِكَاحِهَا عَلَيْهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَبَاحَ نِكَاحَ الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُحْصَنَاتِ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] . فَيَسْأَلُونَ عَنْ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ طَوْلًا لِنِكَاحِ الْمُحْصَنَةِ، وَخَافَ الْعَنَتَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً مُسْلِمَةً تَصُومُ وَتُصَلِّي إِلَّا أَنَّهَا قَدْ سَرَقَتْ دِرْهَمًا أَيَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا؟ فَإِنْ أَبَاحُوا نِكَاحَهَا، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُمْ بِمُؤْمِنَةٍ خَرَجُوا مِنْ حُكْمِ الْكِتَابِ، وَإِنْ حَرَّمُوا نِكَاحَهَا خَرَجُوا مِنْ لِسَانِ الْأُمَّةِ إِلَّا طَائِفَةً مِنَ الْخَوَارِجِ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ

ص: 539

: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} الْآيَةَ، فَيَسْأَلُونَ عَنْ رَجُلٍ أَتَى كَبِيرَةً فَقَتَلَهُ رَجُلٌ خَطَأً أَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ؟ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ، قِيلَ لَهُمْ: فَمِنْ أَيْنَ أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عِتْقَ الرَّقَبَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا وَهَذَا الْمَقْتُولُ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مِنْ عِنْدِكُمْ وَلَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَاتِلِهِ عِنْدَكُمْ دِيَةٌ وَلَا عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَقَالَ اللَّهُ:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فَمَا تَقُولُونَ فِي أَمَةٍ أَوْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيُؤَدِّي الْفَرَائِضَ إِلَّا أَنَّهَا سَرَقَتْ أَوْ شَرِبَتْ خَمْرًا هَلْ يَجُوزُ عِتْقُهَا عَنْ مَنْ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ؟ . فَإِنْ أَجَازُوا عِتْقَهَا فَقَدْ أَثْبَتُوا لَهَا اسْمَ الْإِيمَانِ وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ، وَإِنْ قَالُوا: لَيْسَتْ بِمُؤْمِنَةٍ، وَعِتْقُهَا جَائِزٌ خَالَفُوا حُكْمَ الْكِتَابِ، وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ عِتْقَهَا لَيْسَ بِجَائِزٍ خَرَجُوا مِنْ لِسَانِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَمَةِ السَّوْدَاءِ حِينَ امْتَحَنَهَا بِالشَّهَادَتَيْنِ فَأَقَرَّتْ:«أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهَا مُسْلِمَةٌ

ص: 540

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَيَسْأَلُونَ عَنْ نِكَاحِ الْوَثَنِيَّاتِ وَالْمَجُوسِيَّاتِ هَلْ يَحْلِلْنَ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّهُنَّ لَا يَحْلِلْنَ. وَيُقَالُ لَهُمْ: فَإِنْ وَثَنِيَّةٌ دَخَلَتْ فِي الْإِسْلَامِ، وَتَبَرَّأَتْ مِنْ دِينِهَا فَأَقَرَّتْ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عز وجل وَصَدَّقَتْ بِهِ غَيْرَ أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ سَرَقَتْ فِي شِرْكِهَا سَرِقَةً فَلَمْ تَتُبْ مِنَ السَّرِقَةِ غَيْرَ أَنَّهَا قَدْ عَرَفَتْ أَنَّ السَّرِقَةَ حَرَامٌ، وَأَقَرَّتْ بِهِ هَلْ تَكُونُ مُؤْمِنَةً؟ . فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَتْ بِمُؤْمِنَةٍ، وَلَكِنَّهَا مُسْلِمَةٌ قِيلَ: فَهَلْ يَحِلُّ نِكَاحُهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَهِيَ تُصَلِّي، وَتَصُومُ، وَتُؤَدِّي الْفَرَائِضَ إِلَّا أَنَّهَا لَمْ تَتُبْ مِنَ السَّرِقَةِ، أَوْ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ؟ فَإِنْ أَحَلُّوا نِكَاحَهَا خَالَفُوا كِتَابَ اللَّهِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ لِأَنَّهُ قَالَ:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وَهَذِهِ أَسْلَمَتْ وَلَمْ تُؤْمِنْ فِي مَذْهَبِهِمْ

ص: 541

، وَإِنْ حَرَّمُوا نِكَاحَهَا خَرَجُوا مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ: وَيُقَالُ لَهُمْ مَا تَقُولُونَ فِي يَهُودِيَّةٍ تَمَجَّسَتْ أَيَحِلُّ نِكَاحُهَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ عَنْهَا اسْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ. قِيلَ لَهُمْ: فَإِنْ شَرِبَتْ مُؤْمِنَةٌ خَمْرًا أَلَيْسَ قَدْ خَرَجَتْ مِنَ الْإِيمَانِ كَمَا خَرَجَتِ الْيَهُودِيَّةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حِينَ تَمَجَّسَتْ؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، قِيلَ: فَهَلْ حُرِّمَتْ عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ هَلْ يَحِلُّ نِكَاحُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ؟ . فَإِنْ قَالُوا: لَا تُحَرَّمُ عَلَى زَوْجِهَا، وَلَا يُحَرَّمُ نِكَاحُهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. قِيلَ لَهُمْ: وَكَيْفَ؟ وَقَدْ زَالَ عَنْ هَذِهِ اسْمُ الْإِيمَانِ كَمَا زَالَ عَنْ تِلْكَ اسْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا أَبَاحَ اللَّهُ نِكَاحَ الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُحْصَنَاتِ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ فَفِي إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ هَذِهِ حَلَالٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شَارِبَةَ الْخَمْرِ وَالسَّارِقَةَ مُؤْمِنَةٌ فِي الْحُكْمِ وَالِاسْمِ لَا مُؤْمِنَةٌ مُسْتَكْمِلَةُ الْإِيمَانِ وَمُسْتَحِقَّةُ ثَوَابَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ نِكَاحَ تِلْكَ عَلَى اسْمِ الْإِيمَانِ لَا عَلَى اسْمِ الْإِسْلَامِ، وَهَذِهِ حُجَّةٌ لَازِمَةٌ لَهُمْ لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا إِلَّا بِالشَّغَبِ وَالْمُكَابَرَةِ أَوِ الرُّجُوعِ إِلَى الْحَقِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 542

وَقَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] فَسَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَقَدِ اقْتَتَلُوا وَأَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ، وَجَعَلَهُمْ إِخْوَةً فِي الدِّينِ. وَقَدْ وَلِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قِتَالَ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَرُوِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ مَا رُوِي وَسَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَحَكَمَ فِيهِمْ بِأَحْكَامِ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَذَلِكَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ.

ص: 543

591 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثنا مُفَضَّلُ بْنُ مُهَلْهَلٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ عَلِيٍّ حِينَ فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ فَقِيلَ لَهُ: أَمُشْرِكُونَ هُمْ؟ قَالَ: «مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا» ، فَقِيلَ: مُنَافِقُونَ؟ قَالَ: «الْمُنَافِقُونَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا» ، قِيلَ: فَمَا هُمْ؟ قَالَ: «قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ»

ص: 543

592 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: " مَنْ دَعَا إِلَى الْبَغْلَةِ الشَّهْبَاءِ يَوْمَ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: «مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا» ، قَالَ: الْمُنَافِقُونَ؟ قَالَ: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا» ، قَالَ: فَمَا هُمْ؟ قَالَ: قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ فَنُصِرْنَا عَلَيْهِمْ "

ص: 543

593 -

وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثنا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: قَالُوا لِعَلِيٍّ حِينَ قَتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ: أَمُشْرِكُونَ هُمْ؟ قَالَ: «مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا» ، قِيلَ: فَمُنَافِقُونَ؟ قَالَ: «الْمُنَافِقُونَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا» ، قِيلَ: فَمَا هُمْ؟ قَالَ: «قَوْمٌ حَارَبُونَا فَحَارَبْنَاهُمْ، وَقَاتَلُونَا فَقَاتَلْنَاهُمْ»

ص: 544

594 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعَ عَلِيٌّ، يَوْمَ الْجَمَلِ أَوْ يَوْمَ صِفِّينَ رَجُلًا يَغْلُو فِي الْقَوْلِ فَقَالَ:«لَا تَقُولُوا إِنَّمَا هُمْ قَوْمٌ زَعَمُوا أَنَّا بَغَيْنَا عَلَيْهِمْ، وَزَعَمْنَا أَنَّهُمْ بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ» ، فَذَكَرَ لِأَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمُ السِّلَاحَ، فَقَالَ: مَا كَانَ أَعْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ "

ص: 544

595 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، أَنَّ أَصْحَابَ عَلِيٍّ سَأَلُوهُ عَنْ مَنْ، قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ مَا هُمْ؟ قَالَ:«هُمُ الْمُؤْمِنُونَ»

ص: 545

596 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: مَرَّ عَلِيٌّ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى الْأَشْتَرِ عَلَى قَتْلَى صِفِّينَ، فَإِذَا حَابِسٌ الْيَمَانِيُّ مَقْتُولٌ، فَقَالَ الْأَشْتَرُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، حَابِسٌ الْيَمَانِيُّ مَعَهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ مُعَاوِيَةَ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَهِدْتُهُ مُؤْمِنًا، فَقَالَ عَلِيُّ:«وَالْآنَ هُوَ مُؤْمِنٌ» ، قَالَ: وَكَانَ حَابِسٌ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَالِاجْتِهَادِ "

ص: 545

597 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا مُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبي مَطَرٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: «مَتَى يَنْبَعِثُ أَشْقَاهَا؟» قِيلَ: مَنْ أَشْقَاهَا؟ قَالَ: الَّذِي يَقْتُلُنِي، فَضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجِمٍ بِالسَّيْفِ فَوَقَعَ بِرَأْسِ عَلِيٍّ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ بِقَتْلِهِ، قَالَ: لَا تَقْتُلُوا الرَّجُلَ فَإِنْ بَرِئْتُ فَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ، وَإِنْ مُتُّ فَاقْتُلُوهُ، فَقَالَ: إِنَّكَ مَيِّتٌ، قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ قَالَ: كَانَ سَيْفِي مَسْمُومًا "

ص: 545

598 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا الْحَسَنُ، وَهُوَ ابْنُ الْحَكَمِ النَّخَعِيُّ، عَنْ رِيَاحِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: إِنَّا بِوَادِي الظَّبْيِ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَكَادُ تَمَسُّ رُكْبَةَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فَأَتَى رَجُلٌ فَقَالَ: كَفَرَ وَاللَّهِ أَهْلُ الشَّامِ، فَقَالَ عَمَّارٌ:«لَا تَقُلْ ذَلِكَ قِبْلَتُنَا وَاحِدَةٌ، وَنَبِيُّنَا وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ مَفْتُونُونَ فَحَقَّ عَلَيْنَا قِتَالُهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الْحَقِّ»

ص: 546

599 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا قَبِيصَةُ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ رِيَاحِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ:«دِينُنَا وَاحِدٌ، وَقِبْلَتُنَا وَاحِدَةٌ، وَدَعْوَتُنَا وَاحِدَةٌ، وَلَكِنْ قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ»

ص: 546

600 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا يَعْلَى، ثنا مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِيَاحٍ، عَنْ رِيَاحِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: " لَا تَقُولُوا كَفَرَ أَهْلُ الشَّامِ، قُولُوا: فَسَقُوا، قُولُوا: ظَلَمُوا ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرِ أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ: هُوَ كَافِرٌ، خَبَرٌ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ إِذَا أَنْكَرَ كُفْرَ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ وَهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ عَنْ دَمِ عُثْمَانَ فَهُوَ لِتَكْفِيرِ عُثْمَانَ أَشَدُّ إِنْكَارًا

ص: 546

601 -

حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا مِسْعَرٌ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ، فَقَالَ: مُؤْمِنُونَ أَوْ قَالَ: لَيْسُوا كُفَّارًا ".

602 -

حَدَّثَنَا هَارُونُ، ثنا يَعْلَى، ثنا مِسْعَرٌ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، نَحْوَهُ

ص: 547

603 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا يَعْلَى، ثنا مِسْعَرٌ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ، فَقَالَ:«مُؤْمِنُونَ وَلَيْسُوا بِكُفَّارٍ» . . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178] فَأَوْجَبَ بَيْنَهُمُ الْقِصَاصَ بِاسْمِ الْإِيمَانِ، وَالْقِصَاصُ لَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا، ثُمَّ قَالَ:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] فَجَعَلَ الْقَاتِلَ أَخَا الْمَقْتُولِ فِي الْإِيمَانِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا جَمِيعًا مُؤْمِنَانِ فِي الِاسْمِ وَالْحُكْمِ

ص: 547

604 -

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178] قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيهِمْ بَغْيٌ وَطَاعَةٌ لِلشَّيْطَانِ، فَكَانَ الْحَيُّ مِنْهُمْ إِذَا كَانَ فِيهِمْ عِدَّةٌ وَمَنَعَةٌ فَقَتَلَ عَبْدُ قَوْمٍ آخَرِينَ عَبْدًا لَهُمْ، قَالُوا: لَا نَقْتُلُ بِهِ إِلَّا حُرًّا تَعَزُّزًا بِفَضْلِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا قُتِلَتْ لَهُمُ امْرَأَةٌ قَتَلَتْهَا امْرَأَةُ قَوْمٍ آخَرِينَ، قَالُوا: لَا نَقْتُلُ بِهَا إِلَّا رَجُلًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ:{الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178] وَنَهَاهُمْ عَنِ الْبَغْيِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ بَعْدَ ذَلِكَ:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] "

ص: 548

قَوْلُهُ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178]

⦗ص: 549⦘

يَقُولُ: مَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَعُفِيَ عَنْهُ، وَقُبِلَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ، يَقُولُ:{فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] فَأَمَرَ الْمُتَّبِعَ أَنْ يَتَّبِعَ بِمَعْرُوفٍ وَأَمَرَ الْمُؤَدِّيَ أَنْ يُؤَدِّيَ بِإِحْسَانٍ، وَالْعَمْدُ قَوَدُ الْيَدِ قِصَاصٌ لَا عَقْلَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَرْضَوْا بِذَلِكَ "

ص: 548

قَوْلُهُ: {تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178] وَإِنَّمَا هِيَ رَحْمَةٌ رَحِمَ اللَّهُ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةَ، أَطْعَمَهُمُ الدِّيَةَ وَأَحَلَّهَا لَهُمْ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلَهُمْ، فَكَانَ فِي التَّوْرَاةِ إِنَّمَا هُوَ قِصَاصٌ أَوْ عَفْوٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أَرْشٌ، وَكَانَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ إِنَّمَا هُوَ عَفْوٌ أُمِرُوا بِهِ، وَجَعَلَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْعَفْوَ، أَوِ الْقَوَدَ، أَوِ الدِّيَةَ إِنْ شَاءُوا، وَأَحَلَّهَا لَهُمْ وَلَمْ تَكُنْ لَأُمَّةٍ قَبْلَهُمْ "

ص: 549

" {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 94] يَقُولُ: مَنِ اعْتَدَى بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ فَقَتَلَ {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 94] "

ص: 549

قَوْلُهُ: " {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179] جَعَلَ اللَّهُ هَذَا الْقِصَاصَ حَيَاةً، وَنَكَالًا، وَعِظَةً لِأَهْلِ السَّفَهِ وَالْجَهْلِ، كَمْ مِنْ رَجُلٍ قَدْ هَمَّ بِدَاهِيَةٍ لَوْلَا مَخَافَةُ الْقِصَاصِ لَوَقَعَ بِهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى حَجَزَ بِالْقِصَاصِ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِأَمْرٍ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ أَمْرُ صَلَاحٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَا نَهَى اللَّهُ عز وجل عَنْ أَمْرٍ إِلَّا وَهُوَ أَمْرُ فَسَادٍ فِي الدُّنْيَا وَفِي الدِّينِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالَّذِي

⦗ص: 550⦘

يُصْلِحُ خَلْقَهُ "

ص: 549

605 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَالْأَشْتَرُ، إِلَى عَلِيٍّ فَقُلْنَا: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: لَا إِلَّا مَا كَانَ فِي كِتَابِي هَذَا فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ، فَإِذَا فِيهِ: «الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ

⦗ص: 551⦘

بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» .

⦗ص: 552⦘

606 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَالْأَشْتَرُ عَلَى عَلِيٍّ زَمَنَ الْجَمَلِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ: مَا تَقُولُونَ فِي مُسْلِمٍ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ سَرَقَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ مُتَعَمِّدًا أَهَلْ يُقْتَصُّ لَهُ مِنْهُ؟ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُ يُقْتَصُّ لَهُ مِنْهُ فَيُقْتَلُ بِهِ فَقَدْ جَعَلُوا الْقِصَاصَ بَيْنَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَعَلُوا دَمَ مَنْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ كَحَقْنِ دَمِ الْمُؤْمِنِ، وَخَالَفُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَإِنْ قَالُوا: لَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُتَكَافِئَيْنِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» وَهَذَانِ أَحَدُهُمَا مُؤْمِنٌ، وَالْآخَرُ غَيْرُ مُؤْمِنٍ خَرَجُوا مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ

ص: 550