المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بقية الجواب عن القائلين بمغايرة الإيمان والإسلام. قال أبو عبد الله: وأما احتجاجهم بأن الله جعل اسم مؤمن اسم ثناء وتزكية، وأوجب عليه الجنة ثم أوجب النار على الكبائر فدل بذلك على أن اسم الإيمان زائل عن كل من أتى كبيرة، فإنا نقول: إن اسم المؤمن قد يطلق - تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي - جـ ٢

[محمد بن نصر المروزي]

فهرس الكتاب

- ‌مَبْحَثُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِزَالَةَ اسْمِ الْإِيمَانِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ وَلَا يُزِيلُ

- ‌قَوْلُ طَائِفَةٍ ثَانِيَةٍ فِي مُغَايَرَةِ الْإِيمَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى أَيْضًا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِمِثْلِ مَقَالَةِ هَؤُلَاءِ، إِلَّا أَنَّهُمْ سَمَّوْهُ مُسْلِمًا لِخُرُوجِهِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ، وَلِإِقْرَارِهِ بِاللَّهِ وَبِمَا قَالَ، وَلَمْ يُسَمُّوهُ مُؤْمِنًا وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَعَ تَسْمِيَتِهِمْ إِيَّاهُ بِالْإِسْلَامِ كَافِرٌ لَا كَافِرٌ بِاللَّهِ

- ‌حِكَايَةُ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذِهِ الْحُجَجُ الَّتِي كَتَبْنَاهَا هِيَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَذَلِكَ أَنَّهَا زَعَمَتْ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَإِذَا خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ فَهُوَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنٍ وَلَا مُسْلِمٍ

- ‌حِكَايَةُ قَوْلِ الرَّافِضَةِ فِيهَا وَقَالَتِ الرَّافِضَةُ بِمِثْلِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَّا طَائِفَةً مِنْهَا ذَهَبَتْ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَجْمَعَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الْمُؤْمِنِينَ جَائِزَةٌ عَلَيْهِمْ مَعَ نَفْيِهِمُ اسْمَ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ، وَفِي هَذَا مِنَ التَّنَاقُضِ وَاخْتِلَافِ

- ‌الْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى وُجُوهٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَالْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَدْ يَتَّجِهُ عَلَى وُجُوهٍ:

- ‌أَمْرُ الدُّعَاءِ وَنَوْعٌ خَامِسٌ: لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الدُّعَاءِ مِنْ ذَلِكَ دُعَاءُ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَيَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَهَذَا لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَمَسْأَلَةٌ

- ‌أَمْرٌ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ. وَنَوْعٌ آخَرُ لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّمَا هُوَ مَنْ لَمْ يَسْتَحْيِ صَنَعَ مَا شَاءَ عَلَى جِهَةِ الذَّمِّ لِتَرْكِ الْحَيَاءِ، وَلَمْ يُرِدْ

- ‌بَقِيَّةُ الْجَوَابِ عَنِ الْقَائِلِينَ بِمُغَايَرَةِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ اسْمَ مُؤْمِنٍ اسْمَ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَوْجَبَ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ زَائِلٌ عَنْ كُلِّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً، فَإِنَّا نَقُولُ: إِنَّ اسْمَ الْمُؤْمِنِ قَدْ يُطْلَقُ

- ‌أَدِلَّةٌ أُخْرَى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْ مُرْتَكِبِ الْمَعَاصِي نَفْيُ اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا نَفْيُ الْإِيمَانِ عَنْ مَنِ ارْتَكَبَ الْمَعَاصِي الْمَذْكُورَةَ فِيهَا إِلَيْهِ مَا ذَهَبْنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا نَفْيُ اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ لَا نَفْيَ الْإِيمَانِ كُلِّهِ

- ‌غُلُوُّ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ فِي تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي نَفْيِ الْإِيمَانِ عَمَّنِ ارْتَكَبَ الْكَبِيرَةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَدْ غَلَتْ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي نَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْ مَنِ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ مِنْهُمُ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالرَّافِضَةُ. فَأَمَّا

- ‌أَدِلَّةٌ أُخْرَى عَلَى ضَلَالَةِ الْخَوَارِجِ وَفَسَادِ مَذْهَبِهِمْ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ضَلَالَةِ الْخَوَارِجِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا مُخَالَفَتَهُمْ لِجَمَاعَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، اقْتَتَلَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَيَوْمَ صِفِّينَ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ

- ‌فِرَقُ الْمُرْجِئَةِ وَفَسَادُ مَذْهَبِهِمْ. فَفِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ مِنْهُمْ وَالْمُعَانَدَةِ أَنْكَرَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارَ وَرَدَّتْهَا، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْآثَارِ، وَجَهْلِهِمْ بِتَأْوِيلِهَا، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ اتِّسَاعِهِمْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمَذَاهِبِهَا، وَاتِّبَاعِهِمْ أَهْوَاءَهُمْ فَلَمَّا لَمْ تُوَافِقْ مَذَاهِبَهُمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ إِنْ أَقَرُّوا بِهَا لَزِمَتْهُمُ الْحُجَّةُ

- ‌عَوْدَةٌ إِلَى الِاحْتِجَاجِ لِمَنْ فَسَّرَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ» عَلَى اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ. ثُمَّ نَعُودُ الْآنَ إِلَى مَا كُنَّا فِيهِ مِنَ الِاحْتِجَاجِ لِمَنْ فَسَّرَ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ» عَلَى اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ

- ‌أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِالرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام إِنَّمَا هُوَ بِتَصْدِيقِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا هُوَ بِتَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ؟ قِيلَ: كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذَا بَابٌ جَامِعٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ نَفْسِ تَفْسِيرِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ شَبِيهٌ بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ» بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ جَامِعَةٍ، فَلَمَّا قِيلَ: لِمَنْ؟ قَالَ:

- ‌طُرُقُ حَدِيثِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»

- ‌جِمَاعُ تَفْسِيرِ النَّصِيحَةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: جِمَاعُ تَفْسِيرِ النَّصِيحَةِ هُوَ عِنَايَةُ الْقَلْبِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ مَنْ كَانَ، وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا فَرْضٌ، وَالْآخَرُ نَافِلَةٌ، فَالنَّصِيحَةُ الْمُفْتَرَضَةُ لِلَّهِ هِيَ شِدَّةُ الْعِنَايَةِ مِنَ النَّاصِحِ بِاتِّبَاعِ مَحَبَّةِ اللَّهِ فِي أَدَاءِ مَا افْتَرَضَ، وَمُجَانَبَةِ مَا

- ‌بَابُ ذِكْرِ إِكْفَارِ تَارِكِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ، وَإِبَاحَةِ قَتْلِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْأَخْبَارِ الَّتِي احْتَجَّتْ بِهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الَّتِي لَمْ تُكَفِّرْ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ

- ‌مِنْ حُقُوقِ الصَّلَاةِ وَآدَابِهَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ حُقُوقِ الصَّلَاةِ: الطَّهَارَةُ مِنَ الْأَحْدَاثِ، وَطَهَارَةُ الثِّيَابِ الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا، وَطَهَارَةُ الْبِقَاعِ الَّتِي تُصَلَّى عَلَيْهَا، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا الَّتِي كَانَ يُحَافِظُ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم

- ‌ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي أَنَّ سِبَابَ مُسْلِمٍ فُسُوقٌ وَقِتَالَهُ كُفْرٌ

الفصل: ‌بقية الجواب عن القائلين بمغايرة الإيمان والإسلام. قال أبو عبد الله: وأما احتجاجهم بأن الله جعل اسم مؤمن اسم ثناء وتزكية، وأوجب عليه الجنة ثم أوجب النار على الكبائر فدل بذلك على أن اسم الإيمان زائل عن كل من أتى كبيرة، فإنا نقول: إن اسم المؤمن قد يطلق

‌بَقِيَّةُ الْجَوَابِ عَنِ الْقَائِلِينَ بِمُغَايَرَةِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ اسْمَ مُؤْمِنٍ اسْمَ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَوْجَبَ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ زَائِلٌ عَنْ كُلِّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً، فَإِنَّا نَقُولُ: إِنَّ اسْمَ الْمُؤْمِنِ قَدْ يُطْلَقُ

عَلَى وَجْهَيْنِ: اسْمٌ بِالْخُرُوجِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ وَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَبِهِ تَجِبُ الْفَرَائِضُ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَيَجْرِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ وَالْحُدُودُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاسْمٌ يَلْزَمُ بِكَمَالِ الْإِيمَانِ وَهُوَ اسْمُ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ يَجِبُ بِهِ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَالْفَوْزُ مِنَ النَّارِ، فَالْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ خَاطَبَهُمُ اللَّهُ بِالْفَرَائِضِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْأَحْكَامِ وَالْحُدُودِ الَّذِينَ لَزِمَهُمُ الِاسْمُ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ بِالْإِقْرَارِ وَالتَّصْدِيقِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ، وَالْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ زَكَّاهُمْ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ، وَوَعَدَهُمُ الْجَنَّةَ هُمُ الَّذِينَ أَكْمَلُوا إِيمَانَهُمْ بِاجْتِنَابِ كُلِّ الْمَعَاصِي وَاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ نَعَتَ فِيهَا الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ وَعَدَهُمُ الْجَنَّةَ

ص: 567

عَلَى تِلْكَ النُّعُوتِ، قَالَ اللَّهُ:{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة: 71] . ثُمَّ قَالَ: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التوبة: 72] يُرِيدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَعَتَهُمْ بِهَذِهِ النُّعُوتِ. وَقَالَ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الأنفال: 3] فَوَصَفَهُمْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ثُمَّ أَوْجَبَ لَهُمُ الْجَنَّةَ، وَقَالَ:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 10] فَأَوْجَبَ لَهُمُ الْجَنَّةَ بَعْدَمَا وَصَفَهُمْ بِالْأَعْمَالِ الَّتِي بِهَا يَكْمُلُ الْإِيمَانُ، وَقَالَ:{وَيُبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} [الكهف: 2] . وَقَالَ: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} [طه

ص: 568

: 75] يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ:{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ} [طه: 75] قَدْ أَكْمَلَ إِيمَانَهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَكُلُّ آيَةٍ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا الْجَنَّةَ وَبَشَّرَهُمْ بِهَا فَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ اسْتِدْلَالًا بِهَذِهِ الْآيَاتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَلَزِمَنَا أَنْ نُثْبِتَ الشَّهَادَةَ بِالْجَنَّةِ لِكُلِّ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ الْإِيمَانِ وَجَرَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي أَجْرَاهَا اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَيِّ حَالٍ مَاتَ مِنْ تَضْيِيعِ الْفَرَائِضِ وَارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ بَعْدَ أَنْ لَا يَكْفُرَ بِاللَّهِ، فَأَمَّا تَفْرِقَتُهُمْ بَيْنَ قَوْلِ الرَّجُلِ: أَنَا مُؤْمِنٌ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ 0 فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يُسْتَثْنَى فَإِنَّهُ إِنْ قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ بِلَا اسْتِثْنَاءِ لَزِمَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. قُلْنَا: لَمْ نَجِدْ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَنَا مُؤْمِنٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: آمَنْتُ بِاللَّهِ فَرْقًا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ عَلَيْهِ قَالَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ أَوْ أَنَا مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ لِأَنَّ مَعْنَى آمَنْتُ فَعَلْتُ الْإِيمَانَ، وَأَنَا مُؤْمِنٌ أَنَا فَاعِلٌ الْإِيمَانَ فَهُوَ مُؤْمِنٌ. فَإِنْ قَالُوا: مَنْ قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ

ص: 569

قِيلَ: وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ وَعَدَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ الْجَنَّةَ كَمَا وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ، قَالَ اللَّهُ:{وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: 21] وَقَالَ: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: 12] قَالَ: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [التحريم: 8] وَقَالَ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 47] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس: 2] فَبَشَّرَ الَّذِينَ آمَنُوا كَمَا بَشَّرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ كَمَا وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا لُغَةٍ، وَلَا مَعْقُولٍ. فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ بِإِيجَابِهِ الْجَنَّةَ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ كُلَّ مَنْ لَزِمَهُ هَذَا الِاسْمُ. قِيلَ لَهُمْ: قَدْ أَطْلَقَ اللَّهُ لَهُمُ الْوَعْدَ عَلَى هَذَا الِاسْمِ

ص: 570

فَمَنْ ثَبَتَ لَهُ هَذَا الِاسْمُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ لَزِمَكُمْ أَنْ تُوجِبُوا لَهُ الْجَنَّةَ عَلَى ظَاهِرِ دَعْوَاكُمْ فِي الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّمَا عَنَى اللَّهُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِكَبِيرَةٍ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ. قِيلَ لَهُمْ: وَكَذَلِكَ عَنَى بِقَوْلِهِ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 223] و {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [النور: 55] بِوَرَعِهِمْ عَنِ الْكَبَائِرِ، وَقِيَامِهِمْ بِوَاجِبِ حَقِّ اللَّهِ فَكَمُلَ لَهُمُ الْإِيمَانُ بِذَلِكَ فَوَجَبَ لَهُمُ الْجَنَّةُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَمَّا احْتِجَاجُ مَنِ احْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ وَصَفَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ قَالَ:{وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل أَوْجَبَ عَلَى الزَّانِيَيْنِ الْحَدَّ وَأَمَرَ بِإِقَامَتِهِ عَلَيْهِمَا، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَأْخُذَ بِهِمَا رَأْفَةٌ فَيُعَطِّلُوا عَنْهُمَا الْحَدَّ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمَا رَأْفَةً مِنْهُمْ بِهِمَا، فَالرَّأْفَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: رَأْفَةٌ تَدْعُو إِلَى تَعْطِيلِ الْحَدِّ وَهِيَ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا، وَرَأْفَةٌ تَدْعُو إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا شَفَقَةً عَلَيْهِمَا مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ فَهَذِهِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهَا، فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفًا رَحِيمًا، وَكَانَتْ رَأْفَتُهُ بِهِمْ لَا تَحْمِلُهُ عَلَى تَعْطِيلِ الْحُدُودِ عَنْهُ، فَالرَّأْفَةُ الَّتِي تَدْعُو إِلَى تَعْطِيلِ الْحَدِّ مَنْهِيَّةٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالرَّأْفَةُ الَّتِي وَجَبَتْ لِلْمُؤْمِنِينَ

ص: 571

بِالْإِيمَانِ هُوَ مَوْصُوفٌ بِهَا أَلَا تَرَاهُ كَانَ يُقِيمُ الْحُدُودَ عَلَيْهِمْ مَعَ ظُهُورِ شِدَّةِ ذَلِكَ وَمَشَقَّتِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا رَحْمَتُهُ وَرَأْفَتُهُ لَمَّا شَقَّ عَلَيْهِ.

ص: 572

613 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي مَاجِدٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ عَفُوٌّ يُحِبُّ الْعَفْوَ، وَلَا يَنْبَغِي لِوَالٍ أَنْ يُؤْتَى بِحَدٍّ إِلَّا أَقَامَهُ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ رَجُلٍ جِيءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُسْلِمِينَ أَوْ قَالَ فِي الْإِسْلَامِ لَرَجُلٌ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ: سَرَقَ هَذَا، قَالَ: فَقَالَ: «اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ» قَالَ: وَكَأَنَّمَا سُفَّ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَادٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ جُلَسَائِهِ: كَأَنَّ هَذَا قَدْ شَقَّ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ تَكُونُوا أَعْوَانَ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِوَالٍ أَنْ يُؤْتَى بِحَدٍّ إِلَّا أَقَامَهُ وَاللَّهُ عَفُوٌّ يُحِبُّ الْعَفْوَ ثُمَّ قَرَأَ: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا، أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22]

⦗ص: 573⦘

".

614 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ يَعْنِي ابْنَ شُمَيْلٍ، ثنا شُعْبَةُ، ثنا يَحْيَى، عَنْ رَجُلٍ، مِنَ التَّيْمِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَاجِدٍ، رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَجَاءَ رَجُلٌ بِابْنِ أَخِيهِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَفَلَا تَرَى إِلَى مَشَقَّةِ هَذَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى ظَهَرَ ذَلِكَ فِي لَوْنِهِ، وَلَوْلَا رَأْفَتُهُ بِهِ وَرَحْمَتُهُ إِيَّاهُ لَمَا شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، قَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَؤُوفًا رَحِيمًا، وَلَمْ يَكُنْ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَةَ الَّتِي تَدَعُوهُ إِلَى تَعْطِيلِ الْحُدُودِ، وَذَلِكَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ مِمَّا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُ يُنْزَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ، وَيُتَنَحَّى عَنْهُ الْإِيمَانُ أَيِ الْإِيمَانُ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ بِالْقَلْبِ وَالْبَدَنِ زِيَادَةً عَلَى التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ بَلْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا الْإِيمَانَ بِأَسْرِهِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِبْطَالَ الْأَحْكَامِ وَحُدُودِهِ عَنْهُمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ زَالَ عَنْهُمُ الْإِيمَانُ بِأَسْرِهِ لَوَجَبَ اسْتِتَابَتُهُمْ أَوِ الْقَتْلُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَمَنْ تَرَكَ الْإِيمَانَ

⦗ص: 574⦘

بِأَسْرِهِ فَقَدْ بَدَّلَ دِينَهُ، وَذَلِكَ يُوجِبُ مُخَالَفَةَ الْكِتَابِ، وَالْخُرُوجَ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ، فَمَعْنَاهُمْ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُنْزَعُ مِنْهُ نُورُ الْإِيمَانِ إِلَّا أَنَّهُ حِينَ يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ فَلَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ قِلَّةِ خَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ، وَلَوْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعًا مُجِلًّا، وَلِعِقَابِهِ مُعَظِّمًا لَخَافَ اللَّهَ أَنْ يَرْكَبَ مَعَاصِيهِ، أَوْ يَأْتِيَ مَا يُوجِبُ غَضَبَهُ فَإِذَا أَتَى ذَلِكَ كَانَ تَارِكًا لِلْخَوْفِ وَالْوَرَعِ اللَّذَيْنِ هُمَا مِنَ الْإِيمَانِ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونُوا عَنَوْا بِهِ مِنْهُ هَذَا الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَظُنَّ بِهِمْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَنْ نَسَبَهُمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ نَسَبَهُمْ إِلَى أَنَّهُمْ خَالَفُوا أَحْكَامَ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ، وَخَرَجُوا مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: مُسْلِمٌ وَيَهَابَانِ مُؤْمِنٌ فَإِنَّ هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ غَيْرُ الْمُؤَمَّلِ، وَإِذَا انْفَرَدَ بِحَدِيثٍ وَجَبَ أَنْ تُوقَفَ، وَيُتَثَبَّتُ فِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ سَيِّئَ الْحِفْظِ، كَثِيرَ الْغَلَطِ

ص: 572

615 -

وَقَدْ حَدَّثَنَا الدَّوْرَقِيُّ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو السَّرِيِّ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ

⦗ص: 575⦘

: «الْإِسْلَامُ، وَمَا الْإِسْلَامُ السِّرُّ وَالْعَلَانِيَةُ فِيهِ مُسْتَوِيَةٌ، وَأَنْ تُسْلِمَ قَلْبَكَ لِلَّهِ، وَيَسْلَمُ مِنْكَ كُلُّ مُسْلِمٍ وَذِي عَهْدٍ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَلْ يُوصَفُ الْإِيمَانُ بِأَكْثَرَ مِمَّا وُصِفَ بِهِ الْحَسَنُ بِالْإِسْلَامِ مَعَ أَخْبَارٍ سِوَى هَذَا، قَدْ رُوِيَتْ عَنْهُ تُحَقِّقُ هَذَا قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ دَوَّرَ دَوَّارَةً وَأُخْرَى فِي وَسَطِهَا صَغِيرَةً فَإِنَّ فُضَيْلَ بْنَ يَسَارٍ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ كَانَ رَافِضِيًّا كَذَّابًا لَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ وَلَا مِمَّنْ يُعْتَمَدُ بِحَدِيثِهِ وَلَا نَعْلَمُهُ رُوِيَ عَنْهُ حَدِيثٌ غَيْرُ هَذَا.

ص: 574

616 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، ثنا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ قَالَ:" كَانَ فُضَيْلُ بْنُ يَسَارٍ هَذَا الَّذِي رَوَى عَنْهُ، جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ رَجُلَ سَوْءٍ كَانَ يَقُولُ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ نَبِيلًا خَيْرٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ "

⦗ص: 576⦘

فَالَّذِي صَحَّ عِنْدَنَا فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» وَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الْأَخْبَارِ مِمَّا يُشْبِهُ هَذَا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ بَعْضَ الْإِيمَانِ نَفَى عَنْهُ الْإِيمَانَ، يُرِيدُ بِهِ الْإِيمَانَ الْكَامِلَ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ غَيْرَ ذَا قُلْنَا: لِأَنَّ فِي إِزَالَةِ الْإِيمَانِ بِأَسْرِهِ عَنْهُ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ إِزَالَةٌ لِاسْمِ الْإِيمَانِ عَنْهُ وَفِي إِزَالَةِ اسْمِ الْإِيمَانِ عَنْهُ إِسْقَاطُ الْفَرَائِضِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ تبارك وتعالى وَإِسْقَاطُ الْحُدُودِ عَنْهُ. وَفِي اتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ الْفَرَائِضِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَإِحْلَالِ الْحَلَالِ وَتَحْرِيمِ الْحَرَامِ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ وَحَرَّمَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ وَلَهُ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَزُلْ كُلُّهُ عَنْهُ وَلَا اسْمُهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَ اسْتِتَابَتُهُ وَقَتْلُهُ، وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْحُدُودُ، وَإِذَا زَالَ عَنْهُ الْإِيمَانُ مِنَ الْمُدْرِكِينَ الْعَاقِلِينَ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ مَنْزِلَةٌ ثَالِثَةٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَالْمُنَافِقُ مَا هُوَ؟ قِيلَ لَهُ: الْمُنَافِقُ الَّذِي يُنَافِقُ فِي التَّوْحِيدِ هُوَ كَافِرٌ عِنْدَ

⦗ص: 577⦘

اللَّهِ فِي كِتَابِهِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ وَهَكَذَا فَسَّرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رحمه الله هَذِهِ الْأَخْبَارَ فِي كِتَابِهِ الْمَنْسُوبِ إِلَيْهِ فِي الْإِيمَانِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَالَّذِي عِنْدَنَا أَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تُزِيلُ الْإِيمَانَ، وَلَا تُوجِبُ الْكُفْرَ، وَلَكِنَّهَا تَنْفِي حَقَائِقَ الْإِيمَانِ الَّذِي نَعَتَ اللَّهُ تبارك وتعالى بِهَا أَهْلَهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ مِنْهَا قَوْلُهُ:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 4] وَقَوْلُهُ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون: 10] وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة: 111] الْآيَةَ، قَالَ: فَهَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي هِيَ شَرَحَتِ الْإِيمَانَ، وَأَبَانَتْ سُبُلَهُ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ أَه ْلَهُ بِهَا، وَنَفَى عَنْهُ الْمَعَاصِي الَّتِي نَزَّهَهُ الْإِيمَانُ عَنْهُ، فَلَمَّا خَالَطَتْ ذَلِكَ الْإِيمَانَ الْمَنْعُوتَ

⦗ص: 578⦘

عِنْدَ اللَّهِ عز وجل، وَعِنْدَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِالْبُعْدِ مِنَ الْأَدْنَاسِ وَالذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي قِيلَ لِأَهْلِهِ لَيْسَتْ هَذِهِ الْخِلَالُ مِنَ الشَّرَائِطِ الَّتِي نَعَتَ اللَّهُ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا الَأَمَارَاتِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا أَهْلُهَا فَنَفَتْ عَنْهُمْ حَقِيقَتَهُ، وَلَمْ يُزَائِلُهُمُ اسْمُهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُقَالُ: لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَاسْمُ الْإِيمَانِ لَازِمٌ لَهُ؟ قِيلَ: هَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ الْمُسْتَفِيضُ عَنْهَا غَيْرُ الْمُسْتَنْكَرِ عِنْدَهَا قَدْ وَجَدْنَاهُ فِي الْآثَارِ وَغَيْرِهَا. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ، وَقَدْ رَآهُ يُصَلِّيَهَا وَلَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُكْمِلْهَا جَعَلَهُ غَيْرَ مُصَلٍّ، وَكَذَلِكَ

⦗ص: 579⦘

حِينَ سُئِلَ عَنْ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ؟ فَقَالَ: «مَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ» فَجَعَلَهُ غَيْرَ صَائِمٍ وَقَدْ زَادَ عَلَى صِيَامِ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا أَخْطَأَ بِهِ مَوْضِعَهُ جَعَلَهُ غَيْرَ صَائِمٍ. قَالَ: وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْعَرَبِ أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ لِلْصَانِعِ إِذَا كَانَ غَيْرَ حَاذِقٍ بِعَمَلِهِ وَلَا مُتْقِنٍ لَهُ فُلَانٌ لَيْسَ بِصَانِعٍ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يُعَالِجُ ذَلِكَ الْعِلَاجَ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ غَيْرَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا نَفَوْا عَنْهُ تَجْوِيدَ الْعَمَلِ لَا الصِّنَاعَةَ بِرُمَّتِهَا، وَكَذَلِكَ يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا غَيْرَ إِحْكَامٍ أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَمْ يَقُمْ فِيهِ بِحُجَّتِهِ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، وَلَوْ سُئِلُوا عَنْهُ لَكَانَ تَارِكًا لِلْعَمَلِ أَوِ الْكَلَامِ؟ لَقَالُوا: لَا وَلَكِنَّهُ تَرَكَ مَوْضِعَ الْإِصَابَةِ فِيهِ، فَكَثُرَ هَذَا فِي أَلْفَاظِهِمْ حَتَّى تَكَلَّمُوا بِهَذِهِ

⦗ص: 580⦘

الْمَعَانِي فِيمَا هُوَ أَعْجَبُ مِمَّا ذَكَرْنَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ لِلرَّجُلِ يَعُقُّ وَالِدَيْهِ وَيُدْخِلُ عَلَيْهِمُ الْأَذَى، وَيُجَرِّمُ عَلَيْهَا الْجَرَائِمَ لَيْسَ ذَاكَ بِوَلَدٍ إِنَّمَا هُوَ عَدُوٌّ، وَكَذَلِكَ قُولُ الرَّجُلِ لِمَمْلُوكِهِ إِذَا كَانَ مُضَارًّا لَهُ مَا أَنْتَ بِعَبْدٍ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ ابْنُ هَذَا لِصُلْبِهِ، وَأَنَّ هَذَا مِلْكُ يَمِينِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ أَكْبَرَ مِنَ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْوَلَدِ، وَكَانَ عَلَى الْمَمْلُوكِ الطَّاعَةُ أَزَالَ ذَلِكَ عَنْهُمْ أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَصِفُوهُمَا بِزَوَالِ الْبُنُوَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ فِي الْمَنْطِقِ، فَإِذَا صَارُوا فِي الْأَحْكَامِ رُدَّتِ الْأَشْيَاءُ إِلَى أُصُولِهَا فَجَرَتْ بَيْنَهُمُ الْمُوَارَثَةُ فِي النَّسَبِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَالْبَيْعُ وَنَحْوُهُ فِي الْمَمْلُوكِ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الذُّنُوبُ الَّتِي يَنْفِي بِهَا أَهْلَهَا مِنَ الْإِيمَانِ، فَقِيلَ: لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مَنْ فَعَلَ كَذَا إِنَّمَا أَحْبَطَتِ الذُّنُوبُ عِنْدَنَا حَقَائِقَ الْإِيمَانِ، وَنَفَتِ اسْمَ اسْتِكْمَالِهِ الَّتِي نَعَتَ اللَّهُ بِهَا أَهْلَهُ فَهُمْ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ مُؤْمِنِينَ، وَهُمْ فِي الْحَقَائِقِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَالَّذِي مَثَّلْتُ لَكَ فِي الصَّانِعِ وَالْوَلَدِ وَالْمَمْلُوكِ. قَالَ: وَقَدْ وَجَدْنَا لِمَذْهَبِنَا بَيَانًا فِي التَّنْزِيلِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ عز وجل:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187]

⦗ص: 581⦘

قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَلَكِنَّهُمْ نَبَذُوا الْعَمَلَ بِهِ فَجَعَلَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ نَابِذِينَ لَهُ ثُمَّ قَدْ أَحَلَّ لَنَا ذَبَائِحَهُمْ، وَنِكَاحَ نِسَائِهِمْ إِذْ كَانُوا بِالْأَلْسِنَةِ لَهُ مُنْتَحِلِينَ وَبِهِ مُقِرِّينَ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لِلْكِتَابِ مُفَارِقِينَ، وَهُمْ بِالْأَحْكَامِ وَالْأَسْمَاءِ فِيهِ دَاخِلُونَ. قَالَ: وَأَمَّا السُّنَّةُ فَحَدِيثُهُ فِي صَلَاةِ الْمَرْأَةِ الْعَاصِيَةِ لِزَوْجِهَا، وَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْمُصَلِّي بِالْقَوْمِ الْكَارِهِينَ لَهُ أَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَمِنْهُ حَدِيثُهُ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ أَنَّ صَلَاتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ

⦗ص: 582⦘

. وَقَوْلُ عَلِيٍّ: لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ. وَقَوْلُ عُمَرَ: مَنْ قَدَّمَ ثِقَلَهُ لَيْلَةَ النَّفْرِ فَلَا حَجَّ لَهُ. فَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِنَّمَا مَعْنَاهَا عِنْدَنَا لَا عَلَى إِبْطَالِ الْحَقَائِقِ وَالِاسْتِكْمَالِ، فَأَمَّا الْأَسْمَاءُ وَالْأَحْكَامُ فَإِنَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلَمَا لِغَيْرِهِمْ إِلَى هَهُنَا كَلَامُ أَبِي عُبَيْدٍ

⦗ص: 583⦘

. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَنَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَخْبَارِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَقَطْ وَلَكِنَّ الصِّيَامَ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ» يَقُولُ: الصِّيَامُ التَّامُّ الْكَامِلُ الْمُتَقَبَّلُ الْإِمْسَاكُ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي، كَمَا قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ

⦗ص: 584⦘

وَشَرَابَهُ» لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَى عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِذَا ارْتَكَبَ فِي صَوْمِهِ بَعْضَ مَا نُهِيَ عَنْهُ كَانَ تَارِكًا لِبَعْضِ الصِّيَامِ، وَإِذَا تَرَكَ بَعْضَ الصِّيَامِ جَازَ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ بِصَائِمٍ يُرَادُ لَيْسَ بِصَائِمٍ صَوْمًا كَامِلًا، وَذَلِكَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ:«مَا صَامَ مَنْ ظَلَّ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ» يَقُولُ: لَمْ يَصُمْ صِيَامًا كَامِلًا. وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الْمُتَعَفِّفَ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ، وَلَا يُتَفَطَّنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ» يُرِيدُ أَنَّ

⦗ص: 585⦘

مَنْ كَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ لَيْسَ بِغَنِيِّ النَّفْسِ لَا يُسَمَّى غَنِيًّا فِي اللُّغَةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ مِنَ الزَّكَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا أَنَّ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى مِسْكِينًا فِي اللُّغَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِحُكْمِ الْمَسَاكِينِ فِي التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ مِنَ الزَّكَوَاتِ وَكَفَّارَاتِ الْإِيمَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ الْغِنَى الْمَمْدُوحُ، وَالْمَسْكَنَةُ الْمَمْدُوحَةُ الْمَرْغُوبُ فِيهِمَا لَيْسَا بِهَذَيْنِ وَلَكِنَّهُمَا اللَّذَانِ وَصَفَهُمَا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِبَعْضِهِمْ: لَا جُمُعَةَ لَكَ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: صَدَقَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِأَنْ يُصَلِّيَ

⦗ص: 586⦘

الظُّهْرَ، وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ

ص: 575

617 -

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، أنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُلَاثَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنِ الرَّجُلِ، يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ: " لَا جُمُعَةَ لَهُ، قُلْتُ: فَيُصَلِّي ظُهْرًا أَرْبَعًا أَوْ يَقْتَدِي بِالْإِمَامِ؟ قَالَ: «يَقْتَدِي بِالْإِمَامِ وَيَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ»

ص: 586

618 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا مُؤَمَّلٌ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ:«إِنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَلَا حَظَّ لَهُ فِي أَجْرِ الْجُمُعَةِ»

ص: 586

619 -

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، أنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أنا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، قَالَ:«لَا جُمُعَةَ لَهُ وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا» فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا شَرِبَ الْخَمْرَ ثُمَّ جَاءَ يَسْتَفْتِي لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ لَهُ دَعِ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَإِنَّكَ إِنْ صَلَّيْتَ لَمْ تُقْبَلْ مِنْكَ، بَلْ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ، وَأَنَّهُ إِذَا صَلَّى فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَ صَلَاةَ أَرْبَعِينَ

⦗ص: 588⦘

يَوْمًا، وَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ:«لَا تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ» أَيْ لَا يُثَابَ عَلَى صَلَاتِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عُقُوبَةً لِشُرْبِهِ الْخَمْرَ، كَمَا قَالُوا فِي الْمُتَكَلِّمِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ إِنَّهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَلَا جُمُعَةَ لَهُ يَعْنُونَ أَنَّهُ لَا يُعْطَى ثَوَابَ الْجُمُعَةِ عُقُوبَةً لِذَنْبِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«لَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا وَلَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»

ص: 587

620 -

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يُحَدِّثُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»

ص: 588

621 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ

⦗ص: 589⦘

لِنَفْسِهِ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يُرِيدُ لَا يُؤْمِنُ الْإِيمَانَ كُلَّهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:«لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ»

⦗ص: 590⦘

، وَقَوْلُهُ:«لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» يَقُولُ: لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ كَامِلِ الْإِيمَانِ، وَقَوْلُهُ:«الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ» ، يَقُولُ: الْمُسْلِمُ الْمُكَمِّلُ لِإِسْلَامِهِ الْمُحْسِنُ فِيهِ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ أَلَا تَرَاهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «أَفْضَلُ الْمُسْلِمِينَ إِسْلَامًا مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» ، وَقَوْلُهُ:«لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ» يُرِيدُ الْمُؤْمِنُ الْكَيِّسُ الْمُتَيَقِّظُ الْمُتَعَاهِدُ لِإِيمَانِهِ. وَسَنَذْكُرُ الْأَخْبَارَ الْمَرْوِيَّةَ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ خَاصَّةً مِنْ ذَلِكَ مَا

ص: 588

622 -

حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلَانِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: جَارٌ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ "

ص: 590

623 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يَأْمَنَ جِوَارُهُ بَوَائِقَهُ»

ص: 590

624 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا أَبَانُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُؤْمِنَ قَلْبُهُ وَلَا يُؤْمِنَ قَلْبُهُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ: «غَشْمُهُ وَظُلْمُهُ»

ص: 591

625 -

حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلَانِيُّ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ الْكِنْدِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ غَوَائِلَهُ»

ص: 591

626 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَاهِبِيُّ، ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ غَوَائِلَهُ»

ص: 592

627 -

حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلَانِيُّ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ الْكِنْدِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ غَوَائِلَهُ»

ص: 592

628 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَنْتَ الَّذِي تُؤَنِّبُنِي وَتُبَخِّلُنِي؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي يَشْبَعُ وَيَجُوعُ جَارُهُ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ»

ص: 593

629 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَشِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُسَاوِرِ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَهُوَ يُبَخِّلُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَيْسَ الْمُسْلِمُ مَنْ شَبِعَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ»

ص: 593

630 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُسْلِمَ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرَ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ»

ص: 594

631 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، أنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السَّيِّئَاتِ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»

ص: 594

632 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ لَهُ: مَا نَحْنُ مِنْ أَحَادِيثِكَ فِي شَيْءٍ، لَا تُحَدِّثْنَا إِلَّا بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَمَ لَهَا سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: هَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ» وَرُبَّمَا قَالَ: «مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ»

ص: 595

633 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: حَدِّثْنِي بِشَيْءٍ، سَمِعْتَهُ مِنْ، رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ»

ص: 595

634 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا الْمُقْرِئُ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلًا، سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنِ الْمُسْلِمُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» قَالَ: فَمَنِ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: «مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ» قَالَ: فَمَنِ الْمُهَاجِرُ؟ قَالَ: «مَنْ هَجَرَ السَّيِّئَاتِ» قَالَ: فَمَنِ الْمُجَاهِدُ؟ قَالَ: «مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ لِلَّهِ»

ص: 596

635 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ قَالَا: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَانَ، مُعَلِّمًا، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ، فِإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ، وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ أَوْ قَالَ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ

⦗ص: 597⦘

مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ تَهْجُرَ مَا كَرِهَ اللَّهُ» قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ هِجْرَةُ الْبَادِي وَهِجْرَةُ الْحَاضِرِ أَمَّا الْبَادِي فَيُجِيبُ إِذَا دُعِيَ وَيُطِيعُ إِذَا أُمِرَ فَأَمَّا الْحَاضِرُ فَهُوَ أَعْظَمُهَا بَلِيَّةً وَأَعْظَمُهَا أَجْرًا»

⦗ص: 598⦘

636 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا الْمُلَائِيُّ، ثنا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ فِي الْمَعْنَى

ص: 596

637 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أنا اللَّيْثُ، ثنا ابْنُ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ»

ص: 599

638 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»

ص: 600

639 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ إِسْلَامًا؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» ، قَالَ: فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ» ، قَالَ: فَأَيُّ الْمُهَاجِرِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ جَاهَدَ لِنَفْسِهِ وَهَوَاهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ» ، قَالَ: أَنْتَ قُلْتَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَوْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: قَالَ: «بَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ»

ص: 600

640 -

حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ:«سَأُخْبِرُكُمْ مَنِ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ»

ص: 601

641 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْجَنْبِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ»

ص: 602

642 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ قَالَا: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْجَدْعَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَالِكٍ كَعْبَ بْنَ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيَّ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ الْأَضْحَى: «أَلَيْسَ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«فَإِنَّ حُرْمَتَكُمْ بَيْنَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَحُرْمَةِ هَذَا الْيَوْمِ، ثُمَّ أُنَبِّئُكُمْ مَنِ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَأُنَبِّئُكُمْ مَنِ الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَأُنَبِّئُكُمْ مَنِ الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السَّيِّئَاتِ وَهَجَرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَالْمُؤْمِنُ حَرَامٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَحُرْمَةِ هَذَا الْيَوْمِ لَحْمُهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَنْ يَأْكُلَهُ أَوْ يَغْتَابَهُ بِالْغَيْبِ، وَعِرْضُهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَنْ يَخْرِقَهُ، وَوَجْهُهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَنْ يَلْطِمَهُ، وَدَمُهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَنْ يَسْفِكَهُ، وَحَرَامٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ دَفْعَةً يُغْشِهِ»

ص: 603

643 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، ثنا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِيلَ لَهُ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَطِيبُ الْكَلَامِ» قِيلَ: فَمَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ» قِيلَ: فَمَنْ أَفْضَلُ الْمُسْلِمِينَ إِسْلَامًا؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» قِيلَ: فَمَنْ أَفْضَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا؟ قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» ، قِيلَ: فَمَا أَفْضَلُ الْهِجْرَةِ؟ قَالَ: مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ "

ص: 604

644 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، ثنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: «طِيبُ الْكَلَامِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ» قَالَ: فَمَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ» قَالَ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «طُولُ الْقُنُوتِ» قَالَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «جَهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ» قَالَ: أَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ تَهْجُرَ مَا كَرِهَ اللَّهُ» قَالَ: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ تُجَاهِدَ بِمَالِكَ وَنَفْسِكَ فَيُعْقَرَ جَوَادُكَ وَيُهْرَاقَ دَمُكَ» قَالَ: أَيُّ السَّاعَاتِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «جَوْفُ اللَّيْلِ الْغَابِرِ»

ص: 604

645 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، ثنا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ، ثنا سُوَيْدٌ أَبُو حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَلِينُ الْكَلَامِ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيمَانًا؟ قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ

⦗ص: 606⦘

خُلُقًا» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْقَتْلِ أَشْرَفُ؟ قَالَ: «مَنْ أُرِيقَ دَمُهُ وَعُقِرَ جَوَادُهُ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الَّذِينَ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «جَهْدُ الْمُقِلِّ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «طُولُ الْقُنُوتِ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ هَجَرَ السُّوءَ»

ص: 605

646 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» قِيلَ: فَأَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «طُولُ الْقُنُوتِ» قِيلَ: فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ» قِيلَ: فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ تَهْجُرَ مَا كَرِهَ رَبُّكَ»

ص: 606

647 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» قِيلَ: فَأَيُّ الْإِيمَانِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ» قِيلَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيمَانًا؟ قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» قِيلَ: فَأَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «طُولُ الْقُنُوتِ» قِيلَ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «جَهْدُ الْمُقِلِّ» قِيلَ: فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ تَهْجُرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ»

ص: 607

648 -

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي دَرَّاجٌ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمُؤْمِنُونَ فِي الدُّنْيَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ الَّذِي يَأْمَنُهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ الَّذِي أَشْرَفَ عَلَى طَمَعٍ تَرَكَهُ»

ص: 608

649 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ طَيْسَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي مُدْرِكٍ، قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ بِعَرَفَةَ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَنِ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي إِذَا حَدَّثَ صَدَقَ، وَإِذَا وَعَدَ أَنْجَزَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ أَدَّى وَمَا مِنْ آمِنٍ أَمْسَى بِعُقُوبَةِ بَوَائِقِهِ مِنْ عَارِفٍ أَوْ مُنْكِرٍ»

ص: 609

650 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ الْخُزَاعِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَثَلُ الْمُؤْمِنِ وَمَثَلُ الْإِيمَانِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي آخِيَّتِهِ يَجُولُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى آخِيَّتِهِ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْهُو ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْإِيمَانِ فَأَطْعِمُوا طَعَامَكُمُ الْأَتْقِيَاءَ، وَأَوْلُوا مَعْرُوفَكُمُ الْمُؤْمِنِينَ»

ص: 609

651 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، ثنا أَبِي، ثنا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ»

ص: 610

652 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ الرَّازِيُّ، ثنا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ»

ص: 611

653 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، ثنا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُلْدَغُ الْمُسْلِمُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ»

ص: 611

654 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ»

ص: 611