المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فرق المرجئة وفساد مذهبهم. ففرقة من أهل الجهل منهم والمعاندة أنكرت هذه الأخبار وردتها، وذلك لقلة معرفتهم بالآثار، وجهلهم بتأويلها، وذلك لقلة اتساعهم في كلام العرب، ومذاهبها، واتباعهم أهواءهم فلما لم توافق مذاهبهم ورأوا أنهم إن أقروا بها لزمتهم الحجة - تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي - جـ ٢

[محمد بن نصر المروزي]

فهرس الكتاب

- ‌مَبْحَثُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِزَالَةَ اسْمِ الْإِيمَانِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ وَلَا يُزِيلُ

- ‌قَوْلُ طَائِفَةٍ ثَانِيَةٍ فِي مُغَايَرَةِ الْإِيمَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى أَيْضًا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِمِثْلِ مَقَالَةِ هَؤُلَاءِ، إِلَّا أَنَّهُمْ سَمَّوْهُ مُسْلِمًا لِخُرُوجِهِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ، وَلِإِقْرَارِهِ بِاللَّهِ وَبِمَا قَالَ، وَلَمْ يُسَمُّوهُ مُؤْمِنًا وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَعَ تَسْمِيَتِهِمْ إِيَّاهُ بِالْإِسْلَامِ كَافِرٌ لَا كَافِرٌ بِاللَّهِ

- ‌حِكَايَةُ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذِهِ الْحُجَجُ الَّتِي كَتَبْنَاهَا هِيَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَذَلِكَ أَنَّهَا زَعَمَتْ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَإِذَا خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ فَهُوَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنٍ وَلَا مُسْلِمٍ

- ‌حِكَايَةُ قَوْلِ الرَّافِضَةِ فِيهَا وَقَالَتِ الرَّافِضَةُ بِمِثْلِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَّا طَائِفَةً مِنْهَا ذَهَبَتْ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَجْمَعَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الْمُؤْمِنِينَ جَائِزَةٌ عَلَيْهِمْ مَعَ نَفْيِهِمُ اسْمَ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ، وَفِي هَذَا مِنَ التَّنَاقُضِ وَاخْتِلَافِ

- ‌الْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى وُجُوهٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَالْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَدْ يَتَّجِهُ عَلَى وُجُوهٍ:

- ‌أَمْرُ الدُّعَاءِ وَنَوْعٌ خَامِسٌ: لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الدُّعَاءِ مِنْ ذَلِكَ دُعَاءُ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَيَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَهَذَا لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَمَسْأَلَةٌ

- ‌أَمْرٌ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ. وَنَوْعٌ آخَرُ لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّمَا هُوَ مَنْ لَمْ يَسْتَحْيِ صَنَعَ مَا شَاءَ عَلَى جِهَةِ الذَّمِّ لِتَرْكِ الْحَيَاءِ، وَلَمْ يُرِدْ

- ‌بَقِيَّةُ الْجَوَابِ عَنِ الْقَائِلِينَ بِمُغَايَرَةِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ اسْمَ مُؤْمِنٍ اسْمَ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَوْجَبَ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ زَائِلٌ عَنْ كُلِّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً، فَإِنَّا نَقُولُ: إِنَّ اسْمَ الْمُؤْمِنِ قَدْ يُطْلَقُ

- ‌أَدِلَّةٌ أُخْرَى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْ مُرْتَكِبِ الْمَعَاصِي نَفْيُ اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا نَفْيُ الْإِيمَانِ عَنْ مَنِ ارْتَكَبَ الْمَعَاصِي الْمَذْكُورَةَ فِيهَا إِلَيْهِ مَا ذَهَبْنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا نَفْيُ اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ لَا نَفْيَ الْإِيمَانِ كُلِّهِ

- ‌غُلُوُّ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ فِي تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي نَفْيِ الْإِيمَانِ عَمَّنِ ارْتَكَبَ الْكَبِيرَةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَدْ غَلَتْ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي نَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْ مَنِ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ مِنْهُمُ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالرَّافِضَةُ. فَأَمَّا

- ‌أَدِلَّةٌ أُخْرَى عَلَى ضَلَالَةِ الْخَوَارِجِ وَفَسَادِ مَذْهَبِهِمْ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ضَلَالَةِ الْخَوَارِجِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا مُخَالَفَتَهُمْ لِجَمَاعَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، اقْتَتَلَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَيَوْمَ صِفِّينَ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ

- ‌فِرَقُ الْمُرْجِئَةِ وَفَسَادُ مَذْهَبِهِمْ. فَفِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ مِنْهُمْ وَالْمُعَانَدَةِ أَنْكَرَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارَ وَرَدَّتْهَا، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْآثَارِ، وَجَهْلِهِمْ بِتَأْوِيلِهَا، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ اتِّسَاعِهِمْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمَذَاهِبِهَا، وَاتِّبَاعِهِمْ أَهْوَاءَهُمْ فَلَمَّا لَمْ تُوَافِقْ مَذَاهِبَهُمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ إِنْ أَقَرُّوا بِهَا لَزِمَتْهُمُ الْحُجَّةُ

- ‌عَوْدَةٌ إِلَى الِاحْتِجَاجِ لِمَنْ فَسَّرَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ» عَلَى اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ. ثُمَّ نَعُودُ الْآنَ إِلَى مَا كُنَّا فِيهِ مِنَ الِاحْتِجَاجِ لِمَنْ فَسَّرَ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ» عَلَى اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ

- ‌أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِالرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام إِنَّمَا هُوَ بِتَصْدِيقِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا هُوَ بِتَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ؟ قِيلَ: كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذَا بَابٌ جَامِعٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ نَفْسِ تَفْسِيرِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ شَبِيهٌ بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ» بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ جَامِعَةٍ، فَلَمَّا قِيلَ: لِمَنْ؟ قَالَ:

- ‌طُرُقُ حَدِيثِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»

- ‌جِمَاعُ تَفْسِيرِ النَّصِيحَةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: جِمَاعُ تَفْسِيرِ النَّصِيحَةِ هُوَ عِنَايَةُ الْقَلْبِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ مَنْ كَانَ، وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا فَرْضٌ، وَالْآخَرُ نَافِلَةٌ، فَالنَّصِيحَةُ الْمُفْتَرَضَةُ لِلَّهِ هِيَ شِدَّةُ الْعِنَايَةِ مِنَ النَّاصِحِ بِاتِّبَاعِ مَحَبَّةِ اللَّهِ فِي أَدَاءِ مَا افْتَرَضَ، وَمُجَانَبَةِ مَا

- ‌بَابُ ذِكْرِ إِكْفَارِ تَارِكِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ، وَإِبَاحَةِ قَتْلِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْأَخْبَارِ الَّتِي احْتَجَّتْ بِهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الَّتِي لَمْ تُكَفِّرْ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ

- ‌مِنْ حُقُوقِ الصَّلَاةِ وَآدَابِهَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ حُقُوقِ الصَّلَاةِ: الطَّهَارَةُ مِنَ الْأَحْدَاثِ، وَطَهَارَةُ الثِّيَابِ الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا، وَطَهَارَةُ الْبِقَاعِ الَّتِي تُصَلَّى عَلَيْهَا، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا الَّتِي كَانَ يُحَافِظُ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم

- ‌ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي أَنَّ سِبَابَ مُسْلِمٍ فُسُوقٌ وَقِتَالَهُ كُفْرٌ

الفصل: ‌فرق المرجئة وفساد مذهبهم. ففرقة من أهل الجهل منهم والمعاندة أنكرت هذه الأخبار وردتها، وذلك لقلة معرفتهم بالآثار، وجهلهم بتأويلها، وذلك لقلة اتساعهم في كلام العرب، ومذاهبها، واتباعهم أهواءهم فلما لم توافق مذاهبهم ورأوا أنهم إن أقروا بها لزمتهم الحجة

‌فِرَقُ الْمُرْجِئَةِ وَفَسَادُ مَذْهَبِهِمْ. فَفِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ مِنْهُمْ وَالْمُعَانَدَةِ أَنْكَرَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارَ وَرَدَّتْهَا، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْآثَارِ، وَجَهْلِهِمْ بِتَأْوِيلِهَا، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ اتِّسَاعِهِمْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمَذَاهِبِهَا، وَاتِّبَاعِهِمْ أَهْوَاءَهُمْ فَلَمَّا لَمْ تُوَافِقْ مَذَاهِبَهُمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ إِنْ أَقَرُّوا بِهَا لَزِمَتْهُمُ الْحُجَّةُ

وَوَجَبَ عَلَيْهِمُ الِانْتِقَالُ عَنْ مَذَاهِبِهِمْ لَمْ يَجِدُوا أَمْرًا أَسْهَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جُحُودِهَا وَالْكُفْرِ بِهَا وَفِرْقَةٌ مِنْهُمْ كَرِهُوا أَنْ يُنْسَبُوا إِلَى مُخَالَفَةِ الْآثَارِ وَالتَّكْذِيبِ بِهَا فَأَقَرُّوا بِهَا وَحَرَّفُوهَا فَتَأَوَّلُوهَا عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهَا فَقَالُوا: لَيْسَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» خَبَرًا إِنَّمَا هُوَ نَهْيٌ لَا خَبَرٌ، فَقَالُوا:«لَا يَزْنِي» أَيْ لَا يَأْتِي الزِّنَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ، كَمَا

ص: 641

قَالَ: «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ» يَنْهَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَاقِنٌ لِلْبَوْلِ مُمْسِكٌ لِلْغَائِطِ يُدَافِعُهُ، وَكَذَلِكَ نَهَى أَنْ يَزْنِيَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ تَنْزِيهًا لِلْإِيمَانِ، وَتَعْظِيمًا لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَأْتِيَ بِالزِّنَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ.

ص: 642

696 -

وَقَدْ حَدَّثَ مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ:" إِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ نَهْيًا لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَزْنِيَ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْرِقَ، فَوَضَعَهَا النَّاسُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا فَقَالُوا: لَا يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ "

ص: 642

697 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ سَيْفٍ، ثنا أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُزَاحِمٍ، ثنا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: بَلَغَهُ أَنَّ الْحُسَيْنَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ مُؤْمِنٌ» قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: رَحِمَ اللَّهُ الْحُسَيْنَ سَمِعَ، وَلَيْسَ هَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

⦗ص: 643⦘

: «لَا يَزْنِيَنَّ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقَنَّ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ مُؤْمِنٌ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ شَبِيهًا بِمَذْهَبِ الْفِرْقَةِ الْأُولَى، إِنَّمَا هُوَ إِنْكَارٌ لِلْخَبَرِ، وَتَكْذِيبٌ بِهِ، وَالْخَبَرُ إِذَا ثَبَتَ بِرِوَايَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ لَمْ يَبْطُلْ بِإِنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَهُ، وَهَذَا خَبَرٌ قَدِ اشْتَهَرَ، وَاسْتَفَاضَ بِرِوَايَةِ الْعُدُولِ وَالْحُفَّاظِ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ جَمِيعًا بِأَلْفَاظٍ مُفَسِّرَةٍ لَا يَحْتَمِلُ النَّهْيَ لِأَنَّ الْخَبَرَ مَعْقُولٌ، وَالنَّهْيَ مَعْقُولٌ وَأَنْتَ إِذَا قَرَأْتَ الْأَخْبَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي هَذَا الْبَابِ فَهِمْتَهَا وَعَلِمْتَ أَنَّهَا خَبَرٌ وَلَا يَحْتَمِلُ النَّهْيَ، وَهَكَذَا كَمَا رَوَوْا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَوْلُهُمْ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» خَطَأٌ إِنَّمَا هُوَ كُلُّ سُكْرٍ حَرَامٌ، فَزَادَ النَّاسُ مِيمًا. وَهَذِهِ زَلَّةٌ مِنْهُمْ تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْأَخْبَارِ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ قَدِ اسْتَفَاضَتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ الَّتِي رَوَتْهَا الثِّقَاتُ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ اتِّهَامُهُمْ بِأَلْفَاظٍ مُفَسِّرَةٍ مُبَيِّنَةٍ أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ

⦗ص: 644⦘

حَرَامٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» ، «وَمَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» ، «وَمَا أَسْكَرَ الْفَرْقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» وَفِرْقَةٌ ثَالِثَةٌ مِنَ الْمُرْجِئَةِ كَانَتْ أَشَدَّ اتِّسَاعًا فِي مَعْرِفَةِ الْأَخْبَارِ فَلَمْ يُمْكِنْهَا جُحُودُ الْأَخْبَارِ وَإِنْكَارُهَا لِعِلْمِهَا بِاسْتِفَاضَتِهَا وَشُهْرَتِهَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَأَقَرَّتْ بِهَا وَتَأَوَّلَتْهَا عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهَا فَادَّعَتْ أَنَّ قَوْلَهُ:«لَا يَزْنِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» إِنَّمَا هُوَ أَنْ يَزْنِيَ مُسْتَحِلًّا لِلزِّنَا غَيْرَ مُقِرٍّ بِتَحْرِيمِهِ، فَأَمَّا مَنْ زَنَى وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الزِّنَا عَلَيْهِ حَرَامٌ وَيُقِرُّ بِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُسْتَكْمِلُ الْإِيمَانِ لَيْسَ يُنْقِصُ زِنَاهُ وَلَا سَرِقَتُهُ مِنْ إِيمَانِهِ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَإِنْ مَاتَ مُضَيِّعًا لِلْفَرَائِضِ مُرْتَكِبًا لِلْكَبَائِرِ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ لَا يَجْحَدَهَا لَقِيَ اللَّهَ مُؤْمِنًا مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَانِ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَسَنَدُلُّ عَلَى إِفْسَادِ هَذَا التَّأْوِيلِ وَاسْتِحَالَتِهِ فِيمَا بَعْدُ فِي بَابِ الْإِكْفَارِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

⦗ص: 645⦘

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَغَلَتِ الْخَوَارِجُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَالرَّافِضَةُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ، وَكَفَرَتْ بِهَا الْمُرْجِئَةُ شَكًّا مِنْهُمْ فِي قَوْلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَوْ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ لِمَنْ رَوَاهَا مِنَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ اتِّهَامُهُمْ وَلَا الطَّعْنُ عَلَيْهِمْ، جَعْلًا مِنْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَهَكَذَا عَامَّةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ إِنَّمَا هُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ غُلُوًّا فِي دِينِ اللَّهِ وَشِدَّةَ ذَهَابٍ فِيهِ حَتَّى يَمْرُقُوا مِنْهُ بِمُجَاوَزَتِهِمُ الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ إِحْفَاءً وَجُحُودًا بِهِ حَتَّى يُقَصِّرُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ الَّتِي حَدَّهَا، وَدِينُ اللَّهِ مَوْضُوعٌ فَوْقَ التَّقْصِيرِ، وَدُونَ الْغُلُوِّ، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ الْمُذْنِبُ خَائِفًا لِمَا وَعَدَ اللَّهُ مِنَ الْعِقَابِ عَلَى الْمَعَاصِي رَاجِيًا لِمَا وَعَدَ، يَخَافُ أَنْ يَكُونَ الْمَعَاصِي الَّتِي ارْتَكَبَهَا قَدْ أَحْبَطَتْ أَعْمَالَهُ الْحَسَنَةَ فَلَا يَتَقَبَّلُهَا اللَّهُ مِنْهُ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى مَا ارْتَكَبَ مِنْ مَعَاصِيهِ، وَنَرْجُو أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِطَوْلِهِ فَيَعْفُوَ لَهُ عَمَّا أَتَى بِهِ مِنْ سَيِّئَةٍ، وَيَتَقَبَّلَ مِنْهُ حَسَنَاتِهِ الَّتِي تَقَرَّبَ بِهَا إِلَيْهِ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ فَلَا يَزَالُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَهُوَ بَيْنَ رَجَاءٍ وَخَوْفٍ

ص: 642

698 -

حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ، ثنا وَكِيعٌ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ:" كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ذَنْبٌ، كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الشِّرْكِ عَمَلٌ، فَنَزَلَتْ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فَخَافُوا أَنْ يُبْطِلَ الذَّنْبُ الْعَمَلَ "

ص: 645

699 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَهْزَاذِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَمِيلٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أنا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:" كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَرَى أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ حَسَنَاتِنَا إِلَّا مَقْبُولٌ حَتَّى نَزَلَتْ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فَقُلْنَا: مَا هَذَا الَّذِي يُبْطِلُ أَعْمَالَنَا؟ فَقُلْنَا: الْكَبَائِرُ الْمُوجِبَاتُ، وَالْفَوَاحِشُ حَتَّى نَزَلَتْ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] فَلَمَّا نَزَلَتْ كَفَفْنَا عَنِ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فَكُنَّا نَخَافُ عَلَى مَنْ أَصَابَ الْكَبَائِرَ وَالْفَوَاحِشَ، وَنَرْجُو لِمَنْ لَمْ يُصِبْهَا "

ص: 646

701 -

حَدَّثَنِي ابْنُ الْقَهْزَاذِ، حَدَّثَنِي أَبُو الْوَزِيرِ، قَالَ: قَالَ مَحْمُودٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ هَؤُلَاءِ يَسْأَلُونَا مَا أَنْتُمْ؟ فَمَا تَقُولُ: قَالَ: " قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ: لَا يَرْضَوْنَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا رَضُوا "

702 -

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ الْمُرْجِئَةَ يَقُولُونَ: حَسَنَاتُنَا مُتَقَبَّلَةٌ وَأَنَا لَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ، وَلَا آمَنُ أَنْ أُخَلَّدَ فِي النَّارِ، وَيَقُولُونَ هِيَ فِي الْجَنَّةِ، وَيَقُولُونَ: إِيمَانُنَا مِثْلُ إِيمَانِ جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ كَيْفَ أَجْتَرِئُ أَنْ أَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَبَلَغَنِي أَنَّ إِسْرَافِيلَ قَدَمَاهُ تَحْتَ الْأَرَضِينَ السَّابِعَةِ عَلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا قَرَارُ الْأَرْضِ، وَقَدْ نَفَذَ جَمِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْعَرْشِ عَلَى كَاهِلِهِ قَالَ: وَقَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ اللَّهِ: إِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: أَلَكَ أَبَوَانِ؟ قَالَ: أُمِّي حَيَّةٌ، قَالَ: الْزَمْهَا وَبِرَّهَا، وَاجْعَلِ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِكَ، وَابْكِ عَلَى نَفْسِكَ مَا بَقِيتَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَيْأَسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فَإِنَّكَ إِنْ

⦗ص: 649⦘

أَيِسْتَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ كَانَ أَعْظَمَ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الذَّنْبِ الَّذِي رَكِبْتَهُ.

ص: 648

703 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ غَزْوَانَ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي رِزْمَةَ، ثنا أَبُو الْوَزِيرِ، قَالَ: جَاءَ شَيْبَانُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُرْجِئَةِ أَهْلَكُوا النَّاسَ، وَيَقُولُونَ كَذَا، وَيَقُولُونَ كَذَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ الْمُرْجِئَةَ لَا تَقْبَلُنِي، إِنَّ الْمُرْجِئَةَ تَقُولُ: إِنَّ حَسَنَاتَنَا مُتَقَبَّلَةٌ، وَأَنَا لَا آمَنُ أَنْ أُخَلَّدَ فِي النَّارِ، وَيَقُولُونَ: إِيمَانُنَا مِثْلُ إِيمَانِ جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ كَيْفَ أَجْتَرِئُ أَنْ أَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَبَلَغَنِي أَنَّ إِسْرَافِيلَ قَدَمَاهُ تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ عَلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا قَرَارُ الْأَرْضِ وَقَدْ نَفَذَ جَمِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْعَرْشِ عَلَى كَاهِلِهِ، وَأَنَّهُ لَيُضَالُّ الْأَحْمَانِ مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الْوَضْعِ، وَالْوَضْعُ الْعُصْفُورُ الصَّغِيرُ حَتَّى مَا يَحْمِلُ عَرْشُهُ إِلَّا عَظَمَتَهُ وَبَلَغَنِي أَنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةَ قِيَامٍ، وَمَلَائِكَةَ رُكُوعٍ، وَمَلَائِكَةَ سُجُودٍ، لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ، وَلَمْ تَشُقَّ ظُهُورُهُمْ مُنْذُ خَلَقَهُمُ اللَّهُ، وَلَا يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا مَا عَبَدْنَاكَ كُنْهَ عِبَادَتِكَ، وَمَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ نَعْبُدَ

⦗ص: 650⦘

، قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ لِلَّهَ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ حَوْلَ الْعَرْشِ فَإِذَا نَظَرُوا إِلَى إِسْرَافِيلَ خَفَضُوا أَبْصَارَهُمْ هَيْبَةً لَهُ فَكَيْفَ أَجْتَرِئُ أَنْ أَقُولَ إِيمَانِي مِثْلَ إِيمَانِ جِبْرِيلَ

ص: 649

704 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ زَمْعَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَعْيَنَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، يَقُولُ:" الْمُرْجِئَةُ تَقُولُ حَسَنَاتُنَا مُتَقَبَّلَةٌ، وَأَنَا لَا أَدْرِي تُقْبَلُ مِنِّي حَسَنَةٌ أَمْ لَا، وَيَقُولُونَ إِنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ أُخَلَّدَ فِي النَّارِ، وَتَلَا عَبْدُ اللَّهِ هَذِهِ الْآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264] ، وَتَلَا أَيْضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] إِلَى قَوْلِهِ: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2] وَمَا يُومَنِي ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَدْ أَتَيْنَا عَلَى حِكَايَةِ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ، وَبَيَّنَّا مَا اخْتَرْنَا مِنْ ذَلِكَ وَاحْتَجَجْنَا لِمَذْهَبِنَا احْتِجَاجًا مُخْتَصَرًا، وَقَدْ بَيَّنَّا كَلَامًا وَحُجَجًا كَثِيرَةً مِنَ الْخَبَرِ، وَالنَّظَرِ جَمِيعًا لَمْ نَذْكُرُهَا كَرَاهَةً

⦗ص: 652⦘

لِلْتَطْوِيلِ وَفِي مِقْدَارِ مَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ لِأَهْلِ الْفَهْمِ وَالدِّيَانَةِ

ص: 651