الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ حُقُوقِ الصَّلَاةِ وَآدَابِهَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ حُقُوقِ الصَّلَاةِ: الطَّهَارَةُ مِنَ الْأَحْدَاثِ، وَطَهَارَةُ الثِّيَابِ الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا، وَطَهَارَةُ الْبِقَاعِ الَّتِي تُصَلَّى عَلَيْهَا، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا الَّتِي كَانَ يُحَافِظُ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم
، وَالْخُشُوعُ فِيهَا مِنْ تَرْكِ الِالْتِفَاتِ وَالْعَبَثِ، وَحَدِيثِ النَّفْسِ، وَتَرْكِ الْفِكْرَةِ فِيمَا لَيْسَ مِنْ أَمْرِ الصَّلَاةِ، وَإِحْضَارِ الْقَلْبِ وَاشْتِغَالِهِ بِمَا يَقْرَأُ وَيَقُولُ بِلِسَانِهِ وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَمَنْ أَتَى بِذَلِكَ كُلَّهُ كَامِلًا عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ الَّذِي لَهُ الْعَهْدُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ أَتَى بِهِنَّ لَمْ يَتْرُكْهُنَّ وَقَدِ انْتَقَصَ مِنْ حُقُوقِهِنَّ شَيْئًا فَهُوَ الَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، فَهَذَا بَعِيدُ الشَّبَهِ مِنَ الَّذِي يَتْرُكُهَا أَصْلًا لَا يُصَلِّيَهَا.
1055 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ:" تَذَاكَرْنَا الْجُمُعَةَ فَاجْتَمَعَ قُرَّاءُ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنْ يَدَعُوا الصَّلَاةَ مَعَ الْحَجَّاجِ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُهَا حَتَّى كَادَتْ تَغِيبُ الشَّمْسُ فَتَذَاكَرُوا ذَلِكَ، وَهَمُّوا أَنْ يُجْمِعُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ شَابٌّ مِنْهُمْ: مَا أَرَى أَنْ تَفْعَلُوا، مَا لِلْحَجَّاجِ تُصَلُّونَ إِنَّمَا تُصَلُّونَ لِلَّهِ تَعَالَى فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يُصَلُّوا مَعَهُ "
1056 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ صَبِرَةَ، أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، تَحَدَّثَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَيْنَا جَاءَتِ الْجُمُعَةُ فَجَمَعَ بِنَا فَمَا زَالَ يَخْطُبُ، وَيَقْرَأُ الْكُتُبَ حَتَّى مَضَى وَقْتُ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يُصَلِّ، فَقَالَ الْقَاسِمُ: أَمَا قُمْتَ فَصَلَّيْتَ، قَالَ: لَا، وَاللَّهِ خَشِيتُ أَنْ يُقَالَ رَجُلٌ مِنْ آلِ عُمَرَ قَالَ: فَمَا صَلَّيْتَ قَاعِدًا قَالَ: لَا، وَاللَّهِ قَالَ: فَمَا أَوْمَأْتَ قَالَ: لَا "
1057 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:" كَانَ إِبْرَاهِيمُ وَأَصْحَابُنَا يَسْتَحِلُّونَ الْكَلَامَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُمْ قَالَ الْمُغِيرَةُ: وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ يُصَلِّي الْأُولَى وَالْعَصْرَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فِي إِمَارَةِ الْحَجَّاجِ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُهَا "
1058 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَيْبَ، قَالَ: تَهَيَّأَتُ مَرَّةً فِي زَمَنِ الْحَجَّاجِ لِأَذْهَبَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَمَرَّةً أَقُولُ: أَذْهَبُ وَمَرَّةً أَقُولُ لَا أَذْهَبُ فَنُودِيتُ مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] قَالَ: وَأَرَدْتُ مَرَّةً أَنْ أَكْتُبَ كِتَابًا فَذَكَرْتُ كَلِمَةً إِنْ كَتَبْتُهَا زَيَّنْتُ كِتَابِي وَأَكُونُ قَدْ كَذَبْتُ، وَإِنْ تَرَكْتُهَا قَبَّحْتُ كِتَابِي وَأَكُونُ قَدْ صَدَقْتُ فَأَجْمَعْتُ عَلَى تَرْكِهَا، فَنُودِيتُ مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] الْآيَةَ "
1059 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزِّبْرِقَانُ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي وَائِلٍ إِنَّ الْحَجَّاجَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ فَقَالَ: «صَلِّهَا فِي بَيْتِكَ ثُمَّ ائْتِ الْمَسْجِدَ وَلَا تَدَعْهَا»
1060 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ:«كَانَ الْحَجَّاجُ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَكَانَ أَبُو وَائِلٍ يَأْمُرُنَا أَنْ نُصَلِّيَ فِي بُيُوتِنَا ثُمَّ نَأْتِي الْمَسْجِدَ»
1061 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ:«كَانَ إِبْرَاهِيمُ، وَخَيْثَمَةُ يُصَلِّيَانِ الْعَصْرَ فِي بُيُوتِهِمَا ثُمَّ يَأْتِيَانِ الْحَجَّاجَ فَيُصَلِّيَانِ مَعَهُ»
1062 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَلِي الْأَزْدِيِّ، قَالَ: أَخَّرَ الْحَجَّاجُ الصَّلَاةَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي رَحْلِهِ فِي نَاسٍ ثُمَّ وَقَفَ فَأَمَرَ بِهِ الْحَجَّاجُ فَنَخَسَ بِهِ "
1063 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، رضي الله عنه كَانَ يُصَلِّي مَعَ الْحَجَّاجِ وَكَانَ قَدْ خَرَجَ عَلَيْهِ "
1064 -
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ مِنْ قِتَالِ يَزِيدَ خَشِيتُ أَنْ أُوخَذَ فَفَرَرْتُ، وَتَنَكَّبْتُ حَلْقَةَ الْحَسَنِ مَخَافَةَ أَنْ أُوخَذَ فِيهَا، فَأَتَيْتُ مَنْزِلَهُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ كَيْفَ هَذِهِ الْآيَةُ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 62] إِلَى قَوْلِهِ: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 63] قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ سَخِطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَؤُلَاءِ لِقَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ، وَذَمَّ قُرَّاءَهَا حِينَ لَمْ يُنْهَوْا، فَقَالَ
⦗ص: 976⦘
: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 63] فَقَالَ الْحَسَنُ: «يَا عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ الْقَوْمَ عَرَّضُوا بِالسَّيْفِ فَحَالَ السَّيْفُ دُونَ الْكَلَامِ» ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ فَهَلْ تَعْرِفُ لِمُتَكَلِّمٍ فَضْلًا؟ فَحَدَّثَ الْحَسَنُ بِحَدِيثَيْنِ بِحَدِيثٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ، وَلَا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يُقَالَ بِحَقٍّ» وَحَدَّثَ بِحَدِيثٍ آخَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِذْلَالُهُ لِنَفْسِهِ؟ قَالَ: «يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يُطِيقُ»
⦗ص: 977⦘
قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، يَزِيدُ الضَّبِّيُّ وَمَقَامُهُ وَكَلَامُهُ فَقَالَ الْحَسَنُ: " إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ السِّجْنِ حَتَّى نَدِمَ عَلَى مَقَالَتِهِ، فَقُمْتُ مِنْ مَجْلِسِي فَأَتَيْتُ يَزِيدَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ الْحَسَنِ آنِفًا فَذَكَرْتُكَ لَهُ فَقَالَ الْحَسَنُ: فَقُلْتُ: نَعَمْ حَتَّى نَصَبْتُكَ لَهُ نَصْبًا قَالَ: فَمَا قَالَ؟ قُلْتُ: قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ السِّجْنِ حَتَّى نَدِمَ عَلَى مَقَالَتِهِ، فَقَالَ يَزِيدُ: مَا نَدِمْتُ عَلَى مَقَالَتِي، وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ قُمْتُ مَقَامَاتٍ خَاطَرْتُ فِيهِ بِنَفْسِي وَمَا لَقِيتُ مِنْ إِخْوَانِي أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ مَقَامِي عِنْدِي، إِنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ قَالُوا: مُرَاءٍ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: إِنِّي مَجْنُونٌ ثُمَّ حَدَّثَ يَزِيدُ فَقَالَ: أَتَيْتُ الْحَسَنَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ قَدْ غُلِبْنَا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَى صَلَاتِنَا تُغْلَبُ؟ ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّكَ لَنْ تُضَيِّعَ شَيْئًا إِنَّمَا تُعَرِّضُ
⦗ص: 978⦘
نَفْسَكَ لَهُمْ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُمْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْحَكَمُ بْنُ أَيُّوبَ يَخْطُبُ النَّاسَ وَكَانَ خَتَنَ الْحَجَّاجِ وَابْنَ عَمِّهِ، فَقُلْتُ: الصَّلَاةَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ الصَّلَاةَ فَمَا عَدَا أَنْ تَكَلَّمْتُ جَاءُونِي يَعْدُونَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَتَّى أَخَذُوا بِلِحْيَتِي وَرَأْسِي وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ وَجْهِي وَصَدْرِي وَسَكَتَ الْحَكَمُ، وَجَاءُونِي وَفُتِحَ بَابُ الْمَقْصُورَةِ وَدَخَلْتُ وَقَدْ ضُرِبْتُ حَتَّى أَقَامُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ لِيَ الْحَكَمُ: أَمَجْنُونٌ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ مَا بِي جُنُونٌ، قَالَ: أَمَا كُنَّا فِي صَلَاةٍ؟ قُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ أَلَيْسَ أَفْضَلُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا صَلَّى الْغَدَاةَ ثُمَّ نَشَرَ مُصْحَفًا فَقَرَأَ حَتَّى يُمْسِي لَا يُصَلِّي بَيْنَ ذَلِكَ أَكَانَ ذَلِكَ قَاضِيًا عَنْهُ، فَقَالَ الْحَكَمُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسَبُكَ مَجْنُونًا، قَالَ: وَأَنَسٌ وَاللَّهِ لَجَنْبُ الْمِنْبَرِ جَالِسٌ عَلَى ذَقْتِهِ خِرْفَةٌ فَنَادَيْتُ يَا أَنَسُ يَا أَبَا حَمْزَةَ أُذَكِّرُكَ اللَّهَ فَإِنَّكَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَخَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبِحَقٍّ قُلْتُ أَمْ بِبَاطِلٍ أَبِمَعْرُوفٍ قُلْتُ أَمْ بِمُنْكَرٍ؟ فَوَاللَّهِ مَا أَجَابَنِي بِكَلِمَةٍ، قَالَ: يَقُولُ الْحَكَمُ: يَا أَنَسُ قَالَ: لَبَّيْكَ
⦗ص: 979⦘
أَصْلَحَكَ اللَّهُ قَالَ: وَقَدْ كَانَ ذَهَبَ مِيقَاتُ الصَّلَاةِ، قَالَ: يَقُولُ أَنَسٌ: قَدْ بَقِيَ مِنَ الشَّمْسِ بَقِيَّةٌ فَقَالَ: احْبِسَاهُ وَذُهِبَ بِي إِلَى السِّجْنِ وَجَاءَ إِخْوَانِي وَالنَّاسُ فَشَهِدُوا أَنِّي مَجْنُونٌ، فَكَتَبَ فِيَّ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي ضَبَّةَ قَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَتَكَلَّمَ وَقَدْ شَهِدَتْ عِنْدِي الشُّهُودُ الْعُدُولُ أَنَّهُ مَجْنُونٌ، فَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى الْحَكَمِ إِنْ كَانَتْ شَهِدَتْ عِنْدَكَ الْعُدُولُ أَنَّهُ مَجْنُونٌ فَخَلِّ سَبِيلَهُ، وَإِلَّا فَاقْطَعْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَاصْلُبْهُ، فَتُرِكْتُ فَمَكَثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ مَاتَ أَخٌ لَنَا فَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فَلَا وَاللَّهِ مَا شَعَرَ إِلَّا نَوَاصِيَ الْخَيْلِ وَإِذَا الْحَكَمُ بْنُ أَيُّوبَ قَدِ اطَّلَعَ فِي الْخَيْلِ، فَلَمَّا رَأَوْا سَوَادَنَا تَوَجَّهُوا نَحْوَنَا فَهَرَبَ كُلُّهُمْ، وَتُرِكْتُ وَحْدِي، وَجَاءَ الْأَمِيرُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيَّ فَقَالَ: مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ أَخُونَا هَذَا مَاتَ فَدَفَنَّاهُ، ثُمَّ قَعَدْنَا نَذْكُرُ مَعَادَنَا، وَنَذْكُرُ رَبَّنَا، وَنَذْكُرُ مَا صَارَ إِلَيْهِ أَخُونَا فَقَالَ: أَلَا فَرَرْتَ كَمَا فَرُّوا، قُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ مَا يَفِرُّ بِي أَنَا أَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ، وَآمَنُ لِلْأَمِيرِ مِنْ ذَاكَ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُهُ عَرَفَنِي، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمُهَلَّبِ وَهُوَ صَاحِبُ الْحَرْبَةِ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ أَتَدْرِي مَنْ هَذَا؟ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْمُتَكَلِّمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ: وَالْآنَ تَعُودَ تَعْرِضُ لِي إِنَّمَا
⦗ص: 980⦘
عَلَيَّ يَجْتَرِئُ خُذَاهُ فَأُخِذْتُ فَضَرَبَنِي أَرْبَعَ مئَةٍ حَتَّى مَا أَدْرِي مَتَى رَفَعَنِي وَلَا مَتَى ضَرَبَنِي وَهُوَ وَاقِفٌ ثُمَّ بَعَثَ بِي إِلَى الْحَجَّاجِ فَبَعَثَنِي إِلَى الْحَبْسِ فَمَا زِلْتُ فِي الْحَبْسِ حَتَّى مَاتَ الْحَجَّاجُ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنِ اتِّفَاقِ الْعَامَّةِ عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ عَمْدًا أَنْ يُعِيدَهَا، فَقَالُوا: لَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ يُؤْمَرْ بِإِعَادَتِهَا لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ مَا تَرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ إِنَّ الْكَافِرَ الَّذِي أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ مَا تَرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ هُوَ الْكَافِرُ الَّذِي لَمْ يُسْلِمْ قَطُّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ فِي حَالِ كُفْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ غَفَرَ لَهُ بِإِسْلَامِهِ مَا سَلَفَ مِنْهُ فِي كُفْرِهِ، فَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ إِلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُمْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا ضَيَّعَ فِي ارْتِدَادِهِ مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ
1065 -
فَكَانَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه يُوجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءَ جَمِيعَ ذَلِكَ
⦗ص: 981⦘
حَكَى الْبَصْرِيُّونَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ فِي رِدَّتِهِ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَضَى الصَّلَاةَ فِي أَيَّامِ غَلَبَتِهَا عَلَى عَقْلِهِ، قَالَ: كَمَا يَقْضِيَهَا فِي أَيَّامِ عَقْلِهِ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ تَجْعَلْهُ قِيَاسًا عَلَى الْمُشْرِكِ يَسْلَمُ فَلَا تَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ صَلَاةٍ قِيلَ: فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا فَقَالَ عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] . وَأَسْلَمَ رِجَالٌ فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَضَاءِ صَلَاةٍ، وَمَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى دِمَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنَعَ أَمْوَالَهُمْ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُرْتَدُّ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي، بَلْ أَحْبَطَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَلَهُ بِالرِّدَّةِ، وَأَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَلَيْهِ الْقَتْلَ إِنْ لَمْ يَتُبْ بِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ حُكْمِ الْإِيمَانِ، وَكَانَ مَالُ الْكَافِرِ غَيْرُ الْمُعَاهِدِ مَغْنُومًا بِحَالٍ، وَمَالُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفًا لِيُغْنَمَ إِنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ يَكُونُ عَلَى مِلْكِهِ إِنْ تَابَ، وَمَالُ الْمُعَاهِدِ لَهُ عَاشَ أَوْ مَاتَ فَلَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يَقْضِيَ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَالزَّكَاةَ كُلَّ مَا كَانَ يَلْزَمُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ فَلَمْ تَكُنْ مَعْصِيَتُهُ بِالرِّدَّةِ تُخَفِّفُ عَنْهُ فَرْضًا كَانَ عَلَيْهِ
⦗ص: 982⦘
. فَإِنْ قِيلَ: وَكَيْفَ يَقْضِي وَهُوَ لَوْ صَلَّى فِي تِلْكَ الْحَالِ لَمْ يُقْبَلْ عَمَلُهُ؟ قِيلَ لَهُ: لِأَنَّهُ كَانَ لَوْ صَلَّى فِي تِلْكَ الْحَالِ صَلَّى عَلَى غَيْرِ مَا أُمِرَ بِهِ فَكَانَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إِذَا أَسْلَمَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ وَهُوَ مُسْلِمٌ أَعَادَ، وَالْمُرْتَدُّ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ الَّتِي تَكُونُ الصَّلَاةُ مَكْتُوبَةٌ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ بِالرِّدَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا أَحْبَطَ مِنْ عَمَلِهِ؟ قِيلَ: أَجْرُ عَمَلِهِ لَا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ فَرْضًا أَدَّاهُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا غَيْرِهِ، قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ مُسْلِمًا. فَإِنْ قِيلَ: وَمَا يُشْبِهُ هَذَا؟ قِيلَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَدَّى زَكَاةً كَانَتْ عَلَيْهِ أَوْ نَذْرًا نَذَرَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِذَا حَبِطَ أَجْرُهُ فِيهَا أَنْ يَبْطُلَ فَيَكُونُ كَمَا لَمْ يَكُنْ، أَوَ لَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُخِذَ مِنْهُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يُعِدْ عَلَيْهِ، وَكُلُّ هَذَا فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ حَبِطَ بِهَذَا الْمَعْنَى فَرْضٌ حَبِطَ كُلُّهُ
⦗ص: 983⦘
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَاعْتَرَضَ مُعْتَرِضٌ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الشَّافِعِيَّ بِمُنَاقَضَةِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ: الْمُرْتَدُّ فِي حَالِ رِدَّتِهِ لَوْ صَلَّى لَكَانَتْ صَلَاتُهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَإِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي وَقْتِ الرِّدَّةِ غَيْرَ جَائِزَةٍ فَغَيَّرَ جَائِزٍ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ إِعَادَتُهَا فِي الْوَقْتِ الثَّانِي بَعْدَ إِسْلَامِهِ. فَعَارَضَ هَذَا مُعَارِضٌ يَحْتَجُّ لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَقَالَ: لَا حُجَّةَ لَكَ فِيمَا ذَكَرْتَ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ كَانَ لَوْ صَلَّى فِي وَقْتٍ لَمْ يُجْزِهِ صَلَاتُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا إِذَا هُوَ تَرَكَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ جُنُبًا لَوْ صَلَّى وَهُوَ جُنُبٌ قَبْلَ أَنْ يَتَطَهَّرَ لَمْ يُجْزِهِ صَلَاتُهُ، وَلَوْ تَرَكَهَا فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا ثُمَّ اعْتَقَلَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَكَذَلِكَ الْمُحْدِثُ الَّذِي لَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ فِي حَالِ رِدَّتِهِ لَا يُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ حَتَّى يُسْلِمَ ثُمَّ يُصَلِّي كَمَا كَانَ الْجُنُبُ وَغَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ لَا يُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ فِي حَالِ حَدَثِهِ حَتَّى يَتَطَهَّرَ ثُمَّ يُصَلِّي فَإِنْ قَالَ: إِنَّ الْفَرْضَ عَلَى الْجُنُبِ أَنْ يَتَطَهَّرَ وَيُصَلِّي قِيلَ: وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ الْفَرْضُ عَلَيْهِ أَنْ يُسْلِمَ وَيُصَلِّي وَإِنْ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَسْلَمَ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ، كَمَا أَنَّ الْجُنُبَ
⦗ص: 984⦘
إِنْ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ ثُمَّ قَالَ: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجِبُ إِعَادَتُهَا عَلَى الْمُرْتَدِّ إِذَا أَسْلَمَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ فِي حَالِ رِدَّتِهِ كَافِرٌ، وَعَلَى الْكَافِرِ أَنْ يُسْلِمَ ثُمَّ يُصَلِّي وَإِذَا صَلَّى فِي حَالِ كُفْرِهِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذَا كَلَامٌ مُكَرَّرٌ قَدْ مَرَّ بَعْضُهُ فِيمَا مَضَى وَهُوَ أَنَّ عَلَى الْجُنُبِ أَنْ يَغْتَسِلَ ثُمَّ يُصَلِّي كَمَا كَانَ عَلَى الْكَافِرِ أَنْ يَسْلَمَ ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ فَلَمْ يَأْمُرْهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِعَادَةِ صَلَاةٍ سَلَفَتْ، قَالَ: فَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَجَعَلَ الْمُرْتَدَّ قِيَاسًا عَلَى الْكَافِرِ الَّذِي لَمْ يُسْلِمْ قَطُّ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ الْقِيَاسَ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ، وَفِي اقْتِيَاسِهِ الْمُرْتَدَّ عَلَى الَّذِي لَمْ يَسْلَمْ قَطُّ تَرْكٌ لِأَصْلِهِ وَخُرُوجٌ مِنْ مَذْهَبِهِ وَزَعَمَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي حَالِ الرِّدَّةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَغَيْرَ وَاجِبٍ أَنْ تُعَادَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَوْلُهُ: إِنَّ الصَّلَاةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الْمُرْتَدِّ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَخُرُوجٌ مِنَ الْمَعْقُولِ وَالنَّظَرِ
⦗ص: 985⦘
وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ إِذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ وَسَائِرَ الْفَرَائِضِ جَاحِدًا لَهَا مُسْتَكْبِرًا عَنْهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ مَاتَ لَا يَكُونُ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي تَرْكِهِ الْفَرَائِضَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَا مَلُومًا وَلَا مَذْمُومًا وَلَا مُعَاقَبًا عَلَى ذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ إِذْ كَانَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ جَاحِدًا لَهَا كَافِرٌ عَاصٍ ثُمَّ إِذَا كَرَّرَ الْجُحُودَ بِهَا وَالتَّرْكَ لَهَا لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا. قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ صَارَ التَّرْكُ الْأَوَّلُ وَالْجُحُودُ مَعْصِيَةً، وَالثَّانِي لَا مَعْصِيَةَ وَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ تَرْكٌ كَتَرْكٍ، وَجُحُودٌ كَجُحُودٍ، وَالنَّهْيُ قَائِمٌ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَهُوَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ عَالِمٌ بِأَنَّ الصَّلَاةَ وَجَمِيعَ الْفَرَائِضِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَجَاءَ بِهَا رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ مُتَعَمِّدٌ لِلْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عِنَادًا وَتَكَبُّرًا عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَالْخُضُوعِ لَهُ. مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِي تَرْكِهِ الْفَرَائِضَ تَكَبُّرًا، وَعُنُودًا، وَجُحُودًا خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ مُنْسَلِخًا مِنَ الْإِسْلَامِ
⦗ص: 986⦘
وَلَعَلَّ هَذَا دِينٌ عَارَضَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه بِهَذِهِ الْعَارِضَةِ يُوهِمُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه كَانَ لَا يُوجِبُ الْفَرَائِضَ عَلَى الْكُفَّارِ، وَلَا يُلْزِمُهُمُ الْمَعْصِيَةَ فِي تَرْكِهَا وَالْعُقُوبَةَ فِي تَضْيِيعِهَا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، بَلْ مَذْهَبُهُ أَنَّ الْفَرَائِضَ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرُهُمَا لَازِمَةٌ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ وَجَمِيعِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ وَهُمْ مُعَاقَبُونَ عَلَى تَرْكِهِمُ الْفَرَائِضَ، وَجُحُودِهِمْ إِيَّاهَا مُعَذَّبُونَ عَلَى اسْتِحْلَالِهِمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الزِّنَا، وَقَتْلِ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالدَّمِ، وَأَكَلِ الْمَيْتَةِ، وَالرِّبَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى.
1066 -
حَكَى الْمِصْرِيُّونَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى نَصْرَانِيٍّ حَقٌّ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ ثُمَّ قَضَاكَهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ تَعْلَمُهُ لَمْ يَحِلَّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَهُ سَوَاءٌ ذَلِكَ فِيمَا قَضَاكَ أَوْ وَهَبَ لَكَ أَوْ أَطْعَمَكَ كَمَا لَوْ كَانَ لَكَ عَلَى مُسْلِمٍ حَقٌّ فَأَعْطَاكَ مِنْ مَالِ غَضَبِهِ أَوْ رِبًا أَوْ حَرَامٍ لَمْ يَحِلَّ لَكَ أَخْذُهُ وَإِذَا غَابَ عَنْكَ مَعْنَاهُ مِنَ النَّصْرَانِيِّ وَالْمُسْلِمِ فَكُلُّ مَا أَعْطَاكَ وَأَطْعَمَكَ أَوْ وَهَبَ لَكَ وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَسِعَكَ أَنْ تَأْخُذَهُ عَلَى أَنَّهُ حَلَالٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَلِكَ تَطَوُّعًا أَوْ بِحَقٍّ لَزِمَهُ.
⦗ص: 987⦘
1067 -
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَحَلَالُ اللَّهِ تَعَالَى لِجَمِيعِ خَلْقِهِ وَحَرَامُهُ عَلَيْهِمْ وَاحِدٌ قَالَ: فَالْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ وَثَمَنُهُمَا مُحَرَّمٌ عَلَى النَّصْرَانِيِّ كَهُوَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَ لَا تَقُولُ: إِنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ حَلَالٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَأَنْتَ لَا تَمْنَعُهُمْ مِنِ اتِّخَاذِهِ وَالتَّبَايُعِ بِهِ. قِيلَ: قَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ فَكَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ عز وجل أَنْ يَزْعُمَ أَنَّهَا لَهُمْ حَلَالٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَإِنْ قَالَ: فَأَنْتَ تُقِرُّهُمْ عَلَيْهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَعَلَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ لَنَا أَنْ نُقِرَّهُمْ عَلَى الشِّرْكِ بِهِ وَاسْتِحْلَالِهِمْ شُرْبِهَا وَتَرْكِهِمْ دِينَ الْحَقِّ بِأَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ قُوَّةً لِأَهْلِ دِينِهِ، وَحُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَائِمَةٌ لَا مَخْرَجَ لَهُمْ مِنْهَا، وَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِيهَا حَتَّى يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيُحَرِّمُوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
⦗ص: 988⦘
. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ اللَّهُ عز وجل فِيمَا يُؤَبِّخُ بِهِ الْكَافِرَ عَلَى كُفْرِهِ بِهِ وَتَرْكِهِ الصَّلَاةَ لَهُ وَسَائِرَ الْفَرَائِضِ: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة: 31] . {فَلَا صَدَّقَ} [القيامة: 31] لَا آمَنَ بِاللَّهِ تَعَالَى {وَلَا صَلَّى} [القيامة: 31] لِلَّهِ عز وجل، {وَلَكِنْ كَذَّبَ} [القيامة: 32] بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِكِتَابِهِ، {وَتَوَلَّى} [يوسف: 84] عَنْ طَاعَتِهِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ، ثُمَّ أَوْعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَعِيدًا بَعْدَ وَعِيدٍ فَقَالَ تَعَالَى:{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: 34]، وَقَالَ عز وجل:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59] فَأَوْعَدَهُمْ وَعِيدًا غَلِيظًا عَلَى إِضَاعَتِهِمُ الصَّلَاةَ وَاتِّبَاعِهِمُ الشَّهَوَاتِ وَهُمْ كُفَّارٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى كُفْرِهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [مريم: 60] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: {تَابَ} [المائدة: 39] مِنَ الشِّرْكِ، {وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [مريم: 60] أَدَاءُ الْفَرَائِضِ وَقَالَ اللَّهُ عز وجل فِيمَا حَكَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ سُئِلُوا بَعْدَ دُخُولِهِمُ النَّارَ {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 42] فَأَخْبَرُوا أَنَّهُمْ عُذِّبُوا عَلَى تَرْكِهِمُ الصَّلَاةَ، وَإِطْعَامِ الْمِسْكِينَ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا بِتَرْكِهِمْ إِطْعَامَ الْمِسْكِينِ مَنْعَهُمُ الزَّكَاةَ
⦗ص: 989⦘
. الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6] . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَى عِبَادِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ لَمْ يَخُصَّ مُسْلِمًا مِنْهُمْ دُونَ كَافِرٍ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الصَّلَوَاتِ مُفْتَرَضَاتٌ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَنَّ الصَّلَاةَ وَجَمِيعَ الْفَرَائِضِ لَازِمَةٌ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ كَلُزُومِهَا الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ عَلَيْهِمْ حَرَامٌ فَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنِ الْإِسْلَامِ فَكَفَرَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ تَرَكَ الصَّلَاةَ جَاحِدًا لَهَا مُتَكَبِّرًا عَنْهَا ازْدَادَ كُفْرًا إِلَى كُفْرِهِ، وَمَعْصِيَةً إِلَى مَعْصِيَتِهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْفَرَائِضِ إِذَا تَرَكَهَا بَعْدَ الِارْتِدَادِ وَجُحُودًا وَاسْتِكْبَارًا ازْدَادَ كُفْرًا وَمَعْصِيَةً، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي اسْتِحْلَالِهِ جَمِيعَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قِبَلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاغْتِصَابِ أَمْوَالِهِمْ، وَالزِّنَا، وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ يَزْدَادُ بِاسْتِحْلَالِ ذَلِكَ كُلِّهِ كُفْرًا إِلَى كُفْرِهِ، وَمَعْصِيَةً إِلَى مَعْصِيَتِهِ
⦗ص: 990⦘
. قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة: 124] . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَقَدْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَسَائِرَ الْفَرَائِضِ فِي كُفْرِهِ، ثُمَّ تَابَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَآمَنَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَيْءٍ مِمَّا تَرَكَ مِنَ الْفَرَائِضِ، وَلَمْ يُؤَاخَذْ بِشَيْءٍ مِمَّا ارْتَكَبَ مِنَ الْمَحَارِمِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فِي كُفْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ مُؤَاخَذًا بِمَا ضَيَّعَ مِنْهَا مُعَاقَبًا عَلَى مَا ارْتَكَبَ مِنَ الْمَحَارِمِ لَوْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عز وجل تَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِالْإِيمَانِ، وَالتَّوْبَةِ فَغَفَرَ لَهُ ذُنُوبَهُ السَّالِفَةِ وَدَفَعَ عَنْهُ قَضَاءَ الْفَرَائِضِ الَّتِي تَرَكَهَا فِي كُفْرِهِ. قَالَ اللَّهُ عز وجل:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]
⦗ص: 991⦘
وَقَالَ عز وجل: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 68] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان: 70] وَقَالَ عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] . يَعْنِي بِالْإِيمَانِ وَالتَّوْبَةِ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ} [الزمر: 54] وَجَاءَ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنَ الْكُفَّارِ أَسْلَمَ بِقَضَاءِ شَيْءٍ مِنَ الْفَرَائِضِ، وَاتَّفَقَ عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ أَهْلُ الْفَتْوَى مِنْ عُلَمَاءِ
⦗ص: 992⦘
أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَبِهَذِهِ الْحُجَجِ يَسْقُطُ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ عَنْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ لَا لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَيَقُولُ: إِنَّ الْفَرَائِضَ عَلَى الْكُفَّارِ أَنْ يَأْتُوا بِالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا. قِيلَ لَهُ: هَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْإِسْلَامَ إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِالْفَرَائِضِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِدْرَاكِ وَالْعَقْلِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِسْلَامَ كَمَا قَدْ عُيِّنَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْفَرْضُ عَلَى الْكُفَّارِ أَنْ يُسْلِمُوا وَيُصَلُّوا وَيُؤَدُّوا الْفَرَائِضَ، وَيَجْتَنِبُوا الْمَحَارِمَ كُلَّهَا، وَيُقْدِمُوا عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ وَجَمِيعَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لَا تُقْبَلُ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ فَإِنَّهُمُ امْتَنَعُوا مِنَ الْإِسْلَامِ، وَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَارْتَكَبُوا الْمَحَارِمَ، وَمَاتُوا عَلَى ذَلِكَ فَهُمْ عُصَاةٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مُعَاقَبُونَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. وَهَذَا كَمَا نَقُولُ: الْفَرْضُ عَلَى الْجُنُبِ وَغَيْرِ الْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَتَطَهَّرَ وَيُصَلِّي وَلَوْ صَلَّى الْجُنُبُ قَبْلَ أَنْ يَتَطَهَّرَ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُقْبَلُ إِلَّا بِطَهَارَةٍ، كَمَا أَنَّ الْكَافِرَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الصَّلَاةُ إِلَّا بِإِسْلَامٍ وَطَهَارَةٍ فَإِنْ أَخَّرَ الْجُنُبُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ جَمِيعًا حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ ثُمَّ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ مَاتَ عَاصِيًا فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا مُسْتَوْجِبًا لِلْعُقُوبَةِ عَلَى تَرْكِهَا جَمِيعًا
⦗ص: 993⦘
. وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ إِذَا أَخَّرَ الْإِسْلَامَ وَالَصَلَاةَ حَتَّى ذَهَبَ وَقْتُهَا ثُمَّ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: الْفَرْضُ عَلَى الْجُنُبِ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: الْفَرْضُ عَلَى الْكَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لَكِنَّا نَقُولُ عَلَى هَذَا أَنْ يَتَطَهَّرَ وَيُصَلِّي وَعَلَى الْكَافِرِ أَنْ يُسْلِمَ وَيُصَلِّي. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] . وَقَالَ عز وجل: {قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} [إبراهيم: 31] . وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] فَأَوْجَبَ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَسَائِرَ الْفَرَائِضِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. قِيلَ لَهُ: لَيْسَ فِي إِيجَابِهِ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِسْقَاطٌ لَهَا عَنِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عز وجل وَضَعَ أَقْدَارَ الْكُفَّارَ عَنْ أَنْ يُخَاطِبَهُمْ بِإِيجَابِ الْفَرَائِضِ عَلَيْهِمْ بِاسْمِ الْكُفْرِ اسْتِصْغَارًا لَهُمْ وَوَضْعًا لِأَقْدَارِهِمْ، وَخَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ بِاسْمِ الْإِيمَانِ وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ عَلَيْهِمْ بِاسْمِ الْإِيمَانِ
⦗ص: 994⦘
. وَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى الْكُفَّارِ بِمَا أَوْعَدَهُمْ عَلَى تَضْيِيعِهَا مِنَ الْعَذَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 136] كَمَا قَالَ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] . وَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] . فَلَمْ يَكُنْ فِي مُخَاطَبَتِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِإِيجَابِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَيْهِمْ إِسْقَاطُ الدَّعْوَةِ لِلْكُفَّارِ لِأَنَّهُ قَدْ دَلَّ عَلَى إِيجَابِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِمَا هُوَ أَدَلُّ عَلَى الْوُجُوبِ مِنَ الْأَمْرِ وَهُوَ تَغْلِيظُ الْوَعِيدِ عَلَيْهِمْ بِإِيجَابِ تَخْلِيدِهِمُ النَّارَ لِتَرْكِهِمُ الْإِيمَانَ وَكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى. قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا} [الفتح: 13] وَلَوْ ذَهَبْنَا نَتْلُو الْآيَاتِ الَّتِي أَوْعَدَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا الْكُفَّارَ التَّخْلِيدَ فِي النَّارِ، وَآيَسَهُمْ مِنْ مَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ لَكَثُرَ الْكِتَابُ وَطَالَ، وَلَوْلَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ لَتَكَلَّفْنَا تِلَاوَتَهَا وَقَدْ أَمَرَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ تَعَالَى وَبِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِاسْمِ النَّاسِ لَا بِاسْمِ
⦗ص: 995⦘
الْكُفَّارِ فَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الأعراف: 158] . وَقَالَ عز وجل لِأَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [المائدة: 68] . وَفِي التَّوْرَاةِ الْأَمْرَ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ وَتَحْرِيمِ الْمَحَارِمِ. وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] وَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18] فَلَمْ يَكُنْ إِيجَابُهُ التَّقْوَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِمُسْقِطِ ذَلِكَ عَنِ الْكُفَّارِ بَلْ قَدْ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِاسْمِ النَّاسِ. وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197] وَالتَّقْوَى مُنْتَظَمٌ لِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ كُلِّهَا
⦗ص: 996⦘
. وَقَالَ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] فَلَمْ يَكُنِ افْتِرَاضُهُ طَاعَتَهُ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا بِمُسْقِطِ طَاعَتِهِ عَنِ الْكُفَّارِ. فَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي افْتِرَاضِهِ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ دَلِيلٌ عَلَى إِسْقَاطِهَا عَنِ الْكُفَّارِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَإِذَا تَرَكَ الرَّجُلُ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا إِلَّا مَا يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ، فَمَنْ أَكْفَرَهُ بِتَرْكِهَا اسْتَتَابَهُ وَجَعَلَ تَوْبَتَهُ وَقَضَاءَهُ إِيَّاهَا رُجُوعًا مِنْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْ تَارِكَهَا أَلْزَمَهُ الْمَعْصِيَةَ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءَهَا.
1068 -
كَانَ إِسْحَاقُ يُكَفِّرُهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا حَكَيْنَا عَنْهُ وَيَرَى عَلَيْهِ الْقَضَاءَ إِذَا تَابَ. وَقَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ أَبَى رِزْمَةَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ شَهِدَهُ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ تَرَكَ صَلَاةَ أَيَّامٍ وَقَالَ: فَمَا صَنَعَ، قَالَ: نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، فَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لِيَقْضِي مَا تَرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الْحَدِيثِ
⦗ص: 997⦘
. قَالَ إِسْحَاقُ: يَقُولُ الْقِيَاسُ عَلَى الْأَصْلِ أَنْ لَا يَقْضِي وَرُبَّمَا بَنَى عَلَى الْأَصْلِ، ثُمَّ يُوجَدُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ نَفْسِهِ خِلَافُ الْبِنَاءِ فَمِنْ هَاهُنَا خَافَ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنْ يَقِيسَ أَمْرَ تَارِكِ الصَّلَاةِ فِي الْإِعَادَةِ عَلَى مَا جَاءَ أَنَّهُ كَفَرَ فَيَجْعَلَهُ كَالْمُشْرِكِ وَرَأَى أَحْكَامَ الْمُرْتَدِّينَ عَلَى غَيْرِ أَحْكَامِ الْكُفَّارِ رَأَى قَوْمٌ أَنْ يُوَرِّثُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ فَأَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ فَرَأَى الْقَضَاءَ عَلَى تَارِكِ الصَّلَاةِ عَمْدًا وَكَانَ يُكَفِّرُهُ إِذَا تَرَكَهَا عَمْدًا حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِهَا. قَالَ: أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ.
1069 -
قَالَ: وَهَكَذَا ذَكَرَ أَيْضًا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، إِذَا قَالَ: لَا أُصَلِّي الْعَصْرَ يَوْمِي هَذَا فَهُوَ أَكْفَرُ مِنَ الْحِمَارِ
1070 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ إِسْحَاقُ: وَلَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْمٌ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ جِهَتِهِ قَالُوا: هَذَا رَدٌّ فَقُلْنَا لَهُمْ: فَالرَّادُّ لِلْفَرَائِضِ كُلِّهَا يَكْفُرُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قُلْنَا: فَرَجُلٌ قَالَ لَا أُزَكِّي مَالِي يَوْمِي هَذَا، وَقَدْ جَاءَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ أَتُرَاهُ جَاحِدًا حَلَالَ الدَّمِ؟ فَقَالَ: لَا، فَهَذَا نَقْضٌ لِدَعْوَاهُ فِي الصَّلَاةِ.
⦗ص: 998⦘
1071 -
قَالَ إِسْحَاقُ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى إِعَادَةِ الصَّلَاةِ إِذَا تَابَ مَنْ تَرَكَهَا وَالِاحْتِيَاطِ فِي ذَلِكَ. فَأَمَّا مَنْ مَالَ إِلَى مَا قَالَ الْحَسَنُ: إِذَا تَرَكَ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا لَا يَقْضِيَهَا فَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: الْإِعَادَةُ لَا تَسْتَقِيمُ عَلَى الْحَدِيثِ ثُمَّ تَرَكَ الْقِيَاسَ فِي ذَلِكَ فَاحْتَاطَ فِي الْقَضَاءِ، وَقَالَ فِيهِ كَمَا قَالَ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ: إِنَّهُ فَاسِدٌ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا.
1072 -
قَالَ سُفْيَانُ: فَقِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ أَيَتَوَارَثَانِ إِنْ مَاتَ أَوْ إِنْ طَلَّقَهَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: أَمَّا فِي الْقِيَاسِ فَلَا طَلَاقَ وَلَا مِيرَاثَ، وَلَكِنْ أَجْبُنُ.
1073 -
قَالَ إِسْحَاقُ: وَهَكَذَا جَلَّ مَذْهَبُهُ فِي الْأَحْكَامِ: الِاحْتِيَاطُ إِذَا انْقَطَعَ الْأَصْلُ.
1074 -
قَالَ إِسْحَاقُ: وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ تَرَكَهَا فِي رِدَّتِهِ، وَكُلَّ زَكَاةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهَا، وَلَا أَجْعَلُهُ كَالْمُشْرِكِ الَّذِي لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إِذَا أَسْلَمَ لِأَنَّ الْمُشْرِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي شِرْكِهِ عِنْدَ نَفْسِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ صَلَاةٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ أَسْلَمَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَحْكُمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَضَاءِ مَا قَدْ مَضَى مِنَ الصَّلَاةِ، ثُمُّ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ كَانَ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ.
⦗ص: 999⦘
1075 -
قَالَ إِسْحَاقُ: وَحُجَّةُ مَنْ رَأَى الْمُرْتَدَّ قَضَاءُ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ ارْتِدَادَهُ مَعْصِيَةٌ وَمَنْ كَانَ فِي مَعْصِيَةٍ لَمْ يَجْعَلْ مِنَ الرُّخْصَةِ شَيْءٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] حَتَّى بَلَغَ: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
1076 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: " مَنْ كَانَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الرُّخْصَةِ شَيْءٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] قَالَ مُجَاهِدٌ: «لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ فِي شَيْءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُفَارِقًا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ قَاطَعَ طَرِيقٍ، أَوْ خَارِجًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ»
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
1077 -
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:" {غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة: 173] قَالَ: الْبَاغِي عَلَى النَّاسِ الْعَادِي عَلَيْهِمْ بِسَيْفِهِ "
1078 -
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَأَمَّا الْمَرْوِيُّ عَنِ الْحَسَنِ، فَإِنَّ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنِ الْأَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:«إِذَا تَرَكَ الرَّجُلُ صَلَاةً وَاحِدَةً مُتَعَمِّدًا فَإِنَّهُ لَا يَقْضِيَهَا» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَوْلُ الْحَسَنِ هَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا فَذَلِكَ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ مَا تَرَكَ مِنَ الْفَرَائِضِ فِي كُفْرِهِ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ يُكَفِّرُهُ بِتَرْكِهَا فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ عز وجل إِنَّمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَإِذَا تَرَكَهَا حَتَّى
⦗ص: 1001⦘
يَذْهَبَ وَقْتُهَا فَقَدْ لَزِمَتْهُ الْمَعْصِيَةُ لِتَرْكِهِ الْفَرْضَ فِي الْوَقْتِ الْمَأْمُورِ بِإِتْيَانِهِ بِهِ فِيهِ فَإِذَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا أَتَى بِهِ فِي وَقْتٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِإِتْيَانِهِ بِهِ فِيهِ، فَلَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَنِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ فِي النَّظَرِ لَوْلَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَجْمَعَتْ عَلَى خِلَافِهِ. وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا قَالَ فِي النَّاسِي لِلصَّلَاةِ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا وَفَى النَّائِمِ أَيْضًا: إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا اسْتَيْقَظَ أَوْ ذَكَرَ» ، وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَامَ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَقَضَاهَا بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي النَّظَرِ قَضَاؤُهَا أَيْضًا فَلَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَبَطُلَ حَظُّ النَّظَرِ
⦗ص: 1002⦘
. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَمَّا اقْتِيَاسُهُمْ تَرْكَ الصَّلَاةِ عَلَى تَرْكِ سَائِرِ الْفَرَائِضِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ كِتَابِنَا هَذَا الدَّلِيلَ عَلَى تَعْظِيمِ قَدْرِ الصَّلَاةِ وَمُبَايَنَتِهَا سَائِرَ الْأَعْمَالِ فِي الْفَضْلِ وَعِظَمِ الْقَدْرِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْفَرَائِضِ، وَمَنْ قَبِلَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَزَلْ مِفْتَاحَ شَرَائِعِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَعَقْدَهُ لَا تَزُولُ عَنْهُ أَبَدًا لَمْ تَزَلْ مَقْرُونَةً بِالْإِيمَانِ فِي دِينِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْخَلْقِ أَجْمَعِينَ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ عز وجل دِينٌ بِغَيْرِهَا قَطُّ، وَسَائِرُ الْفَرَائِضِ لَيْسَ كَذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ زَكَاةٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا حَجٌّ، وَالصَّلَاةُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ، وَلَا يُزَايِلُ التَّوْحِيدَ فَهِيَ أَعَمُّ الشَّرَائِعِ فَرْضًا بِهَا يَفْتَتِحُ اللَّهُ ذِكْرَهَا وَبِهَا يَفْتَتِحُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَامَ الْإِيمَانِ أَيْنَمَا ذَكَرَهَا وَهِيَ أَخَصُّ الْفَرَائِضِ لُزُومًا لِلدَّاخِلِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَشْهَرِهَا مَنَارًا لِلدِّينِ، وَمَعْلَمًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يَغْزُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ
⦗ص: 1003⦘
وَكَذَلِكَ كَانَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه يَفْعَلُ فَهِيَ أَشْهَرُ مَعَالِمِ التَّوْحِيدِ مَنَارًا بَيْنَ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ وَمِلَّةِ الْكُفْرِ، لَنْ يَسْتَحِقَّ دِينَ الْإِسْلَامِ وَمُشَارَكَةَ أَهْلِ الْمِلَّةِ وَمُبَايَنَةَ مِلَّةِ الْكُفْرِ إِلَّا بِإِقَامَتِهَا، فَإِنْ تَرَكَتْهَا الْعَامَّةُ انْطَمَسَ مَنَارُ الدِّينِ كُلِّهِ فَلَا يَبْقَى لِلدِّينِ رَسْمٌ وَلَا عَلَمٌ يُعْرَفُ بِهِ، فَلَيْسَ تَعْطِيلُ مَا لَوْ تَرَكَتْهُ الْعَامَّةُ شَمِلَهُمْ تَعْطِيلُ الدِّينِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ رَسْمٌ كَتَرْكِ مَا لَا يَشْمَلُ الْعَامَّةَ فَالصَّلَاةُ شَامِلَةٌ لَهُمْ يَجْمَعُهُمْ إِقَامَتُهَا عَلَى مُبَايَنَةِ مِلَّةِ الْكُفْرِ شَهَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَهَا بِالنِّدَاءِ إِلَيْهَا وَالتَّجَمُّعِ فِيهَا عَلَى إِقَامَتِهَا، وَجَعَلَهَا الشَّرْعُ فِي الْمِلَّةِ فَمَنْ تَخَلَّى مِنْهَا فَمَا حَظُّهُ فِي الْإِسْلَامِ بِلَا مِصْدَاقٍ وَلَا عِلْمٍ تُحَقِّقُهُ بِهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: لَا دِينَ لِمَنْ لَا صَلَاةَ لَهُ. وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ»
⦗ص: 1004⦘
. وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا قَدْ تَلَوْنَاهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل فِي صَدْرِ كِتَابِنَا مِنْ إِيعَادِهِ مُضَيِّعَ الصَّلَاةِ وَتَارِكِهَا الْوَعِيدَ الْغَلِيظَ الَّذِي لَمْ يَفْعَلْهُ بِمُضَيِّعِ سَائِرِ الْفَرَائِضِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
1079 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ الْمَازِنِيِّ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رِجَالًا، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوَسْوَسَةِ الَّتِي يُوَسْوِسُهَا الشَّيْطَانُ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شَيْئًا يَجِدُهُ أَحَدُنَا فِي نَفْسِهِ يَسْقُطُ عِنْدَنَا مِنَ الثُّرَيَّا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوَقَدْ وَجَدْتُمْ ذَلِكَ؟ ذَلِكُمْ صَرِيحُ الْإِيمَانِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ الْعَبْدَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ فَإِذَا عُصِمَ مِنْهُ وَقَعَ فِيمَا هُنَالِكَ»
⦗ص: 1005⦘
1080 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الْمَازِنِيُّ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوَسْوَسَةِ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَعْقُوبَ، وَزَادَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَحَدَّثْتُ الْحَدِيثَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ سَمِعَ ذَاكَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: قُلْتُ أَنَا: هَذَا عِنْدَنَا كَأَنَّهُ يَقُولُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ سَمِعَ ذَاكَ مِنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَبَا سَعِيدٍ وَكَانَ يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ عَامَّةَ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَلَمْ يَسْمَعْ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَزْمٍ مِنْ أَبَى سَعِيدٍ فَكَأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ صَارَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ مُطْلَقًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ
⦗ص: 1006⦘
الْمُشْرِكِينَ} [الروم: 31] فَبَيَّنَ أَنَّ عَلَامَةَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ تَرْكُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ عز وجل:{إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [فاطر: 18] فَخَصَّ بِالْإِنْذَارِ أَهْلَ الصَّلَاةِ، وَأَبَانَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَغَيْرَ نَاذِرٍ بِنَذْرِ اللَّهِ وَقَالَ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [الأعراف: 170]، {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [الشورى: 38] ، {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الأنعام: 92] فَمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَى الصَّلَاةِ مُؤْمِنٌ فَقَدْ قَالَ بِخِلَافِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] ، {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] ، {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ إِفْرَادِ الصَّلَاةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الشَّرَائِعِ. وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَوْلَى الشَّرَائِعِ بِتَحْقِيقِ الْإِيمَانِ
⦗ص: 1007⦘
بَيَانًا بَيْنَ مِلَّةِ الْإِيمَانِ وَمِلَّةِ الْكُفْرِ. أَوَ لَا تَرَاهُ أَبَانَ أَنَّ أَهْلَ الْمَعَادِ إِلَى الْجَنَّةِ الْمُصَلِّينَ وَأَنَّ الْمُسْتَوْجِبِينَ لِلْإِيَاسَ مِنَ الْجَنَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلتَّخْلِيدِ فِي النَّارِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ بِإِخْبَارِهِ تَعَالَى عَنِ الْمُخَلَّدِينَ فِي النَّارِ حِينَ سُئِلُوا: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 42]
1081 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَقُلْتُ لَهُ: حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا صُرَدُ بْنُ أَبِي الْمَنَازِلِ، قَالَ: سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ أَبِي فَضَالَةَ الْمَالِكِيَّ، قَالَ: لَمَّا بُنِيَ هَذَا الْمَسْجِدُ مَسْجِدُ الْجَامِعِ قَالَ: وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ جَالِسٌ فَذَكَرُوا عِنْدَهُ الشَّفَاعَةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يََا أَبَا نُجَيْدِ إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونَا بِأَحَادِيثَ مَا نَجِدُ لَهَا أَصْلًا فِي الْقُرْآنِ فَغَضِبَ عِمْرَانُ وَقَالَ لِلرَّجُلِ: قَرَأْتَ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ ثَلَاثًا وَصَلَاةَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا وَالْغَدَاةَ رَكْعَتَيْنِ وَالْأُولَى أَرْبَعٌ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا قَالَ: لَا، قَالَ: فَمِمَّنْ أَخَدْتُمْ هَذَا الشَّأْنَ؟ أَلَسْتُمْ عَنَّا أَخَذْتُمُوهُ وَأَخَذْنَاهُ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 1008⦘
، أَوَجَدْتُمْ فِي ذَلِكَ في أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، وَفِي كُلِّ كَذَا وَكَذَا شَاةٍ، وَكُلُّ كَذَا وَكَذَا بَعِيرٍ كَذَا أَوَجَدْتُمْ هَذَا فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَعَنْ مَنْ أَخَذْتُمْ هَذَا الشَّأْنَ؟ أَخَذْنَاهُ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخَذْتُمُوهُ عَنَّا هَلْ وَجَدْتُمْ فِي الْقُرْآنِ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَجَدْتُمْ: طُوفُوا سَبْعًا وَارْكَعُوا رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ أَوَجَدْتُمْ هَذَا فِي الْقُرْآنِ؟ عَنْ مَنْ أَخَذْتُمُوهُ أَلَسْتُمْ أَخَذْتُمُوهُ عَنَّا وَأَخَذْنَاهُ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: بَلَى، فَقَالَ: وَجَدْتُمْ فِي الْقُرْآنِ: لَا جَلْبَ، وَلَا جُنُبَ، وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ عِمْرَانُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا جَلْبَ، وَلَا جُنُبَ، وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» أَسَمِعْتُمُ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِأَقْوَامٍ فِي كِتَابِهِ: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 43] حَتَّى بَلَغَ: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] قَالَ حَبِيبٌ رضي الله عنه: فَأَنَا سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رضي الله عنه يَقُولُ: " الشَّفَاعَةُ نَافِعَةٌ دُونَ مَا يَسْمَعُونَ
⦗ص: 1009⦘
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَفَلَا تَرَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ يُرْجَى لَهُمُ الْخُرُوجُ مِنَ النَّارِ وَدُخُولُ الْجَنَّةِ بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ جَمِيعًا رضي الله عنهما أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ يُعْرَفُونَ بِآثَارِ السُّجُودِ فَقَدْ بَيَّنَ لَكَ أَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ هُمُ الْمُصَلُّونَ
⦗ص: 1010⦘
. أَوَ لَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَيَّزَ بَيْنَ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَأَهْلِ النِّفَاقِ بِالسُّجُودِ فَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42] وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَخْبَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ فِي صَدْرِ كِتَابِنَا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} [المرسلات: 48]، {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] . أَفَلَا تَرَاهُ جَعَلَ عَلَامَةَ مَا بَيْنَ مِلَّةِ الْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ وَبَيْنَ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الصَّلَاةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ فَقَدْ وَجَدْنَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَارًا مُفَسَّرَةً تُبَيِّنُ أَنَّ تَارِكَ الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ لَيْسَ كَافِرًا يَسْتَوْجِبُ الْخُلُودَ فِي النَّارِ
مِنْ ذَلِكَ مَا
1082 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلَّا أُحْمِيَ عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُجْعَلَ صَفَائِحَ فَيُكْوَى بِهَا جَبِينُهُ وَجَنْبَاهُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ
⦗ص: 1011⦘
مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، وَمَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ كَأَوْفَرِ مَا كَانَتْ فَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، لَيْسَ فِيهَا عَضْبَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ كُلُّ مَا مَضَى عَلَيْهِ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ثُمَّ يَرَى وَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ قَالَ سُهَيْلٌ مَرَّةً أُخْرَى: وَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ الْبَقَرَ أَمْ لَا
1083 -
قَرَأْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: حَدَّثَكُمْ إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 1012⦘
قَالَ: " مَا مِنْ رَجُلٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ إِلَّا جُعِلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبْهَتُهُ وَظَهْرُهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ وَإِنْ كَانَتْ إِبِلًا إِلَّا بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا - حَسِبْتُهُ قَالَ: وَتَضَعُهُ بِأَفْوَاهِهَا - يُرَدُّ أَوَّلُهَا عَلَى آخِرِهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ وَإِنْ كَانَتْ غَنَمًا فَمِثْلُ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا "
1084 -
قَرَأْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: حَدَّثَكُمْ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا جُعِلَتْ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ ثُمَّ أُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ تُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ وَجَبْهَتُهُ وَظَهْرُهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ
⦗ص: 1013⦘
وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا وَمِنْ حَقِّهَا حَلْبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا إِلَّا أَتَى بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُفْقَدُ مِنْهَا فَصِيلًا يَوْمَ وِرْدِهَا إِلَّا بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُفْقَدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا ثُمَّ يُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَقْرِضُهُ بِأَفْوَاهِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا كَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، وَمَا مِنْ صَاحِبِ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا أُتِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لَيْسَ فِيهَا عَضْبَاءُ، وَلَا عَقْصَاءُ، وَلَا جَلْحَاءُ تَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا كَرَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ» ،
⦗ص: 1014⦘
1085 -
قَرَأْتُ عَلَيْهِ، قُلْتُ: حَدَّثَكُمْ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ ذَلِكَ أَيْضًا.
1086 -
قَرَأْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى أَهْلِ
⦗ص: 1015⦘
الْأَهْوَاءِ كُلِّهِمْ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ خَلَا الْمُرْجِئَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَانِعَ الزَّكَاةِ إِذَا مَاتَ غَيْرَ تَائِبٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ خَالِدًا مُخَلَّدًا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدًا، وَآيَسُوهُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ شَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ، فَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ وَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْمِلَّةِ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَمْ يُلْحِقُوهُ بِالْكُفْرِ زَعَمُوا أَنَّهُ فَاسِقٌ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ. فَأَكْذَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُمْ فِي الْحَدِيثِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل يُعَاقِبُ مَانِعَ الزَّكَاةِ بِالْعُقُوبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ فَأَطْمَعَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ وَلَمْ يُؤْيِسُهُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى خَوَّفَهُ دُخُولَ النَّارِ وَلَمْ يُؤَمِّنْهُ مِنْهَا. فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَانِعَ الزَّكَاةِ لَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا مُشْرِكٍ إِذْ أَطْمَعَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَدَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ مُؤْمِنٌ إِذَ أَطْمَعَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ» وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْبَابَ وَلَمْ نَقُلْ فِيهِ: قَدْ كَفَرَ وَنَسْتَتِيبُهُ مِنَ الْكُفْرِ
⦗ص: 1016⦘
. وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْفَتْوَى وَعُلَمَاءُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ بِذَلِكَ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ مَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ أَفْطَرَهُ صَوْمَ يَوْمٍ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ بَدَلَ كُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَهُ صِيَامُ شَهْرٍ مَعَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ مَعَ قَضَاءِ يَوْمٍ فَإِنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ مُتَعَمِّدًا فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةً مَعَ الْقَضَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَكْفُرْ ثُمَّ يَعُودُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَدْ كَفَرَ بَلْ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ فَبِهَذِهِ الدَّلَائِلِ فَرَّقُوا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ. وَأَمَّا تَمْثِيلُهُمُ الْأَخْبَارَ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْإِكْفَارِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي إِكْفَارٍ بِسَائِرِ الذُّنُوبِ نَحْوَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»
⦗ص: 1017⦘
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. فَسَنَذْكُرُ مَا حَضَرَنَا مِنَ الْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهِهَا وَنُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْإِكْفَارِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ بِالْحُجَجِ النَّيِّرَةِ وَالْبَرَاهِينَ الْوَاضِحَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى